الأخبار الطوال

[الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر]

حروب العرب مع العجم
قالوا: فلما افضى الملك الى بوران بنت كسرى بن هرمز شاع في اطراف الارضين انه لا ملك لارض فارس، وانما يلوذون بباب امراه، فخرج رجلان من بكر بن وائل، يقال لأحدهما المثنى بن حارثة الشيبانى، والآخر سويد بن قطبه العجلى، فاقبلا حتى نزلا فيمن جمعا بتخوم ارض العجم، فكانا يغيران على الدهاقين، فيأخذان ما قدرا عليه، فإذا طلبا امعنا في البر فلا يتبعهما احد، وكان المثنى يغير من ناحيه الحيرة، وسويد من ناحيه الأبله [1] وذلك في خلافه ابى بكر، فكتب المثنى بن حارثة الى ابى بكر رضى الله عنه يعلمه ضراوته بفارس، ويعرفه وهنهم، ويسأله ان يمده بجيش.
فلما انتهى كتابه الى ابى بكر رضى الله عنه كتب ابو بكر الى خالد بن الوليد،
__________
[1] الأبله: بلد معروف قرب البصره من جانبها البحرى في زاوية الخليج، وهي اقدم من البصره، وكان فيها للفرس مسالح وقاده.

(1/111)


وقد كان فرغ من اهل الرده، ان يسير الى الحيرة فيحارب فارس، ويضم اليه المثنى ومن معه، وكره المثنى ورود خالد عليه، وكان ظن ان أبا بكر سيوليه الأمر، فسار خالد والمثنى بأصحابهما، حتى أناخا على الحيرة، وتحصن أهلها في القصور الثلاثة.
ثم نزل عمرو بن بقيله، وحديثه مع خالد، وانه وجد معه شيئا من البيش [1] فاستفه [2] على اسم الله ولم يضره ذلك معروف، ثم صالحوه من القصور الثلاثة على مائه الف درهم يؤدونها في كل عام الى المسلمين ثم ورد كتاب ابى بكر على خالد مع عبد الرحمن جميل الجمحى، يأمره بالشخوص الى الشام ليمد أبا عبيده بن الجراح بمن معه من المسلمين، فمضى، وخلف بالحيرة عمرو بن حزم الأنصاري مع المثنى، وسار على الأنبار، وانحط على عين التمر [3] ، وكان بها مسلحه لأهل فارس، فرمى رجل منهم عمرو بن زياد بن حذيفة بن هشام بن المغيره بنشابه، فقتله، ودفن هناك.
وحاصر خالد اهل عين التمر حتى استنزلهم بغير أمان، فضرب أعناقهم، وسبى ذراريهم، ومن ذلك السبى ابو محمد بن سيرين وحمران بن ابان مولى عثمان بن عفان، وقتل فيها خالد خفيرا كان بها من العرب يسمى هلال بن عقبه، وصلبه، وكان من النمر بن قاسط، ومر بحى من بنى تغلب والنمر، فاغار عليهم، فقتل وغنم حتى انتهى الى الشام. ولم يزل عمرو بن حزم والمثنى بن حارثة يتطرفان ارض السواد ويغيران فيها حتى توفى ابو بكر [4] رضى الله عنه.
__________
[1] البيش بالكسر، نبات كالزنجبيل فيه سم قتال لكل حيوان.
[2] تناوله غير مسحوق.
[3] بلده في طرف البادية غربي الفرات.
[4] كانت وفاه ابى بكر في 21 جمادى الثانيه سنه 13 الموافق اغسطس سنه 634 م.

(1/112)