الأخبار الطوال

الوليد بن عبد الملك
ولما انصرف الوليد من قبل ابيه قصد المسجد الأعظم، واجتمع اليه الناس، فبايعوه.
وعقد لعمر بن عبد العزيز بن مروان على الحرمين.
فنزل المدينة، فدعا بعشره نفر من افاضل أهلها، منهم عروه بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة، وابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وابو بكر ابن سليمان بن ابى حثمه، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، فاجتمعوا، فدخلوا عليه، فقال:
اعلموا اننى لست اقطع امرا الا برأيكم ومشورتكم، فأشيروا على.
قالوا: نفعل ايها الأمير، جزيت على ما تنوى خير ما جزى مؤثر لمرضاه ربه. ثم خرجوا.

اصلاح الحرم النبوي
ثم كتب الوليد الى عمر بن عبد العزيز، ان يشترى الدور التي حول مسجد رسول الله ص، فيزيدها في المسجد، ويجدد بناء المسجد.
وكتب الى ملك الروم يعلمه ما هم به من ذلك، ويسأله ان يبعث اليه ما استطاع من الفسيفساء [1] فوجه اليه منها اربعين وسقا [2] .
فبعث به الى عمر بن عبد العزيز، فهدم عمر المسجد، وزاد فيه، وبناه، وزينه بالفسيفساء.
__________
[1] الفسيفساء: الوان من الخرز تركب في حيطان البيوت من داخل.
[2] الوسق: ستون صاعا او حمل بعير.

(1/326)


فتح بخارى وسمرقند
وكان على خراسان من قبل الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلى.
فكتب اليه الحجاج يأمره بعبور النهر نهر بلخ، وان يفتح تلك البلاد. فاستعد قتيبة، وسار في المفازة التي بين مدينه مرو وبين مدينه آمويه، وهي ذات رمال وغضى [1] ، فصار الى آمويه، ثم عبر النهر وسار الى بخارى.
وكان ملك تلك الارضين يسمى صول وكان ملكه على جميع ما وراء النهر، فلقيه الملك، فحاربه قتيبة، فهزمه، وهرب صول نحو الصغانيان.
فاحتوى قتيبة على بخارى وحيزها، فولى عليها رجلا.
وسار حتى وافى بلاد السغد [2] ، فأناخ على مدينتها العظمى، وهي سمرقند، فحاصرها أشهرا.
فوجه اليه دهقانها [3] : انك لو اقمت على مدينتي هذه عمرك لم تصل إليها، لأنا نجد في كتب آبائنا، انه لا يقدر عليها الا رجل اسمه بالان، لست اياه، فامض لشأنك.
فزعموا ان قتيبة احتال لما يئس من مكابرتها، فهيأ صناديق، وجعل لها أبوابا من أسافلها، تغلق من داخل، وتفتح، وجعل في كل صندوق رجلا مستلئما، معه سيفه، واقفل أبوابها العليا.
ثم ارسل الى الدهقان: اما إذا كان هذا هكذا، فانى راحل عنك الى الصغانيان، وناحيتها، ومعى فضول اموال وسلاح، فوادعنى، واحرز هذه الصناديق عندك الى عودي ان سلمت.
فأجابه الى ذلك، وتقدم قتيبة الى الرجال ان يفتحوا أبواب الصناديق في جوف الليل، فيخرجوا، ثم يصيروا الى باب المدينة فيفتحوه.
وامر الدهقان بالصناديق، فادخلت المدينة.
__________
[1] مفرده غضاه وهي الشجرة، والارض الغضياء كثيره الشجر.
[2] السغد بالضم: بساتين نزهه واماكن مثمره، حول سمرقند، ومنها على بن الحسين وكامل ابن مكرم واحمد بن حاجب المحدثون.
[3] الدهقان بالضم وبالكسر لغة، القوى على التصرف مع حده، وهو زعيم فلاحى العجم، ورئيس الإقليم، لفظ معرب.

(1/327)


فلما جن الليل، وهدأ الناس خرج الرجال مستلئمين، معهم السيوف، لا يستقبلهم احد الا قتلوه، حتى أتوا باب المدينة، فقتلوا الحرس، وفتحوا الباب.
ودخل قتيبة بالجيش، ووقعت الواعية، وهرب الدهقان في سرب [1] ، فلحق بالملك، وصارت سمرقند في قبضه قتيبة، فخلف عليها رجلا.
وسار حتى اتى الصغانيان، فهرب الملك منهم حتى صار في بلاد الترك، ووغل فيها، وخلى المملكة لقتيبه.
فدخل قتيبة الصغانيان، ووجه عماله الى كش [2] ونسف [3] ، وافتتح جميع ما وراء النهر، وجميع تخارستان، ولم يبق من خراسان شيء الا افتتحه.
ولم يزل قتيبة بخراسان سنين حتى شغب عليه اجناده، فقتلوه.
فاستعمل الوليد بن عبد الملك عليها الجراح بن عبد الله الحكمي.
وحج الوليد بن عبد الملك في سنه احدى وتسعين، وقد فرغ عمر بن عبد العزيز من بناء مسجد الرسول ص، فدخله، وطاف به، ونظر الى بنائه.
ولم يكن بقي في زمن الوليد من الصحابه الا نفر يسير، منهم بالمدينة، سهل ابن سعد الساعدي، وكان يكنى أبا العباس، توفى في آخر خلافه الوليد، وكان يوم مات ابن مائه سنه، ومنهم جابر بن عبد الله.
وبالبصرة انس بن مالك.
وبالكوفه عبد الله بن ابى اوفى.
وبالشام ابو امامه الباهلى.

موت الحجاج
وفي السنه الخامسه من خلافه الوليد مات الحجاج بواسط، وله اربع وخمسون سنه، وكانت امرته على العراق عشرين سنه.
__________
[1] السرب: الحفير تحت الارض، والقناه يدخل منها الماء الحائط.
[2] مدينه في بخارى بين سمرقند وبلخ، وتسمى اليوم شهرى سبز، اى المدينة الخضراء، لخصب ريفها، ومنها خرج تيمور لنك الذى زينها بالبنايات الفخمه.
[3] مدينه بفارس، فيها نشا الفقيه المحدث النسفى، صاحب التفسير المشهور.

(1/328)


منها في خلافه عبد الملك خمس عشره سنه، وفي خلافه الوليد خمس سنين.
وقد كان قتل سعيد بن جبير قبل موته بأربعين يوما.
قالوا: وكان يقول في طول مرضه إذا هجر: ما لي ولك يا ابن جبير؟
وقتل ابن جبير وهو ابن تسع واربعين سنه، وكان يكنى أبا عبد الله، وكان ولاؤه لبنى اميه.