البدء والتاريخ

الفصل الثالث في صفاته وأسمائه وكيف يجب أن يعتقد القول والفعل منه سبحانه
أقول أنه إذا ثبت وجود البارئ عز وجل وثبتت وحدانيته بالدلائل التي قامت وجب أن ينظر في صفاته وما يليق به أن يضاف إليه ويعرف به فنظرنا فإذا من صفاته خاص وعام فالخاص ما لا يجوز أن يوصف بضده كالحياة والعلم والقدرة ولا أن يوصف بالقدرة عليها ألا ترى أنه لا يصح القول بأنّه يقدر أن يحيا أو يقدر أن يعلم أو يقدر أن يقدر ولا القول بأنه يعلم كذا ولا يعلم كذا أو يقدر على كذا ولا يقدر على كذا لأن ما كان موصوفاً بنفسه ثم وصف بضدها كان الضد راجعاً إلى نفسه ولا تستقيم الإلهية بغير حياة وقدرة وعلم وهذه تسمى صفات الذات والعام ما يجوز أن يوصف

(1/95)


بضدها ويوصف بالقدرة عليها كالإرادة والرزق والخلق والرحمة وهي صفات الفعل وللمسلمين ومن قبلهم في هذا الفصل تشاجر كثير واختلاف يدعو إلى ضلال من خالف صاحبه في ذلك فقال بعض الناس لا اسم للبارئ ولا صفة ولا ذكر وإنما ينبغي أن ينسب كل عدل ورحمة وفضل وجود إليه بمعرفة القلوب أنه منه وقالت المعتزلة أن صفات الله أقوال وكنايات وهي كلها من قول القائلين ووصف الواصفين وقال قوم لا معنى لصفات الفعل وإنما المعنى لصفات الذات والصفة ما قامت في الموصوف ولا تباينه ولا يجوز أن يوجد الموصوف مع عدمها قالوا فلم يزل الله خالقاً بارئاً رازقاً مريداً متكلّما رحيما حتى أتوا على آخر صفاته وفرق ناس منهم بين الوصف والصفة فجعلوا الصفة ما يلاصق الموصوف كالعرض للجوهر والوصف قول الواصف تلك الصفة فصفات الله غير مخلوقة لأنه بها موصوف وهو غير مخلوق وهو واحد بصفاته كلّها وصفاته لا هو ولا بعضه ولا غيره واحتجوا بأنها ليست هو ولو كانت هو لكان صفة ولدعي فقيل يا علم يا قدرة يا سمع يا بصر ولما قام بذاته

(1/96)


كما أن الصفات لا تقوم بأنفسها ولا هي غيره لأن حد المتغايرين جواز وجود أحدهما مع عدم الآخر [19] فلو كان علمه وقدرته وسمعه وبصره غيره لجاز عدم العلم والقدرة وغيرها مع وجود البارئ فيحصل بلا علم ولا قدرة ولاهى بعضه لأن التبعيض من دلائل الحدث والله لا يوصف بالابعاض والأجزاء وقالت المعتزلة في صفات الذات أنها ليست من غير الذات شيئاً فذات البارئ عالمة حكيمة قادرة سميعة بصيرة وهو عالم بذاته قادر بذاته سميع بذاته بصير بذاته وإنما الصفات ما وصف الله به نفسه أو وصفه العباد بها قالوا ولا يجوز أن يكون علمه وقدرته هو ولا غيره لأنها لو كانت هو لكان أشياء كثيرة مختلفة ولعبدت ودعيت فلو كانت غيره لكانت قدماء كثيرة وإن لم يزل مع البارئ وإن كانت محدثة فكان قبل أحداث العلم غير عالم وقبل أحداث القدرة غير قادر وكذلك سائر الصفات فثبت أن ذاته عالمة قادرة إن كان له علم به يعلم وقدرة بها يقدر ولم يخل من أن يكون هي هو أو غيره وقالوا لا فصل بين من زعم أنه هو أو غيره أو بعضه قالوا وقول

(1/97)


القائل لا هو هو نفي وقوله لا غيره رجوع عن ذلك النفي وإثبات له فهولاء يزعمون أنه لو كان له علم لكان معه غيره ومخالفوهم يزعمون ان لو لم يكن له علم لكان جاهلاً قالوا وهو موصوف بالقدم والقدرة والعلم فلو كان عالماً بنفسه قديماً لما جاز أن يوصف بنفسه كما لا يصور المصور بنفسه ولا يكتب المكتوب بنفسه ولا يشتم المشتوم بنفسه وإنما يشتم المشتوم بشتم ويصوّر المصوّر بصورة فصح أنه موصوف بصفات والصفات يشتق منها الأسامي فالقديم من القدم والقدير من القدرة والعالم من العلم كما أن الحمرة للأحمر والصفرة صفة للأصفر ثم هولا هي ولا غيرها قالوا ولو لم يشاهد عالماً إلا بعلم ولا قادراً إلا بقدرة فكذلك ما غاب عنا فقال لهم مخالفوهم أليس الحمرة والصفرة عرضان في الأحمر والأصفر أو ليس العالم منا بعلم علمه عارض فيه فهل [1] إلى تمثيل البارئ بجسم ذي عرض وبم ينفصلون ممن يزعم أنه جسم أو عرض لوجود الفعل منه لأنه لا يظهر الفعل فيما يشاهد إلا من جسم حدث فهل يجب علينا القضاء
__________
[1] . كذا في الأصل
LacuneMs.

(1/98)


بأنه جسم ذو أعراض وأبعاض إذا لم نشاهد الفعل إلا من جسم ذي أعراض وأبعاض كذلك لا يجب القضاء بأنه عالم بعلم إذا لم نشاهد عالماً إلا بعلم فإن قيل إذا أجزت عالماً لا يعلم فأجز جسماً لا بصفات الجسم قيل لو لزم ذا للزمك هو بعينه في إجازتك عالما بعلم لا هو ولا غيره ولا بعضه وأما قولهم أن المصور لا يصور بنفسه والمكتوب لا يكتب بنفسه وإنما يصور بصورة ويكتب بكتابة والصورة والكتابة لا شكّ غيرهما وقولهم من الصفات يشتق الأسامي فالصفات هي الأسامي بعينها ليست أنها أشياء كامنة فيه كالأعراض في الجواهر ولكنه إذا أبدى فعلاً من أفعاله تسمى به أو سماه العباد به والكلام يطول في هذا ويمتد ومتى اعمل الناظر فكره في هذا المقدار [20] تبين له وجه الصواب بحول الله وقوته
القول في الأسامي
أقول أن اختلافهم في الأسامي كاختلافهم في الصفات وعامة المعتزلة على أن الأسامي هي الصفات وأن الاسم غير المسمى وهو قول المسمى وحد الاسم ما دل على المعنى وقالت فرقة أن الاسم والمسمى واحد واحتجّوا بقوله بعالى سَبِّحِ اسْمَ

(1/99)


رَبِّكَ الْأَعْلَى 87: 1 فلو كان الاسم غيره لكان قد أمر بعبادة غيره وقد قال سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 57: 1 فدل على أن اسم الله هو الله وقال اذْكُرُوا الله 2: 203 ثم قال في موضع وَاذْكُرُوا اسْمَ الله 5: 4 وناقضهم مخالفوهم بأن الاسم لو كان المسمى لكان إذا غير تغير المسمى وإذا أحرق أو خرق أو غرق أثر ذلك كله في المسمى وكل مسمى سابق اسمه وجائز تبدل الاسم عليه والأسماء مختلفة كثيرة والمسمى واحد غير مختلف وقد قال الله عز وجل وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها 7: 180 وما هو له فهو به يدعى وهو غيره لا شك وأجمعت الأمة أنه غير جائز أن يقال له يا حسن على أن يكون حسنه في ذاته وإنما يوصف بحسن القول والفعل وقد أخبر أن له أسماء حسنة في غاية الحسن ونهايته فعقل أنه غير أسمائه وأسماؤه معلومة محدودة معدودة الحروف ولا يجوز إطلاق شيء من ذلك على البارئ سبحانه وتعالى وأسماؤه تختلف باختلاف اللغات فكما أن لغة الفرس هي غير لغة العرب ولغة العرب غير لغة الحبش لقول الله تعالى وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ 30: 22 كذلك التسمية بها

(1/100)


مختلفة فإذا اختلف الاسم وهو واسمه واحد فذاك الاختلاف شائع فيه لا شك اللَّهمّ إلا أن ينكر أن لا يكون له غير اسم واحد وأن لا يختلف ذلك الاسم باختلاف اللغات فهذا جاحد ضرورة لا غير وقوله تعالى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 87: 1 أي اذكره باسمه وصفته لأنه غير ممكن ذكر شيء إلا باسمه ثم قوله سبح للَّه واذكروا الله واذكر ربك على ما يتعارفه الناس أن الشيء إذا لم يكن ذكراً في نفسه لم يكن ذكره إلا باسمه وقول القائل الله معلوم أنه اسم عربي لمعرفة معناه واشتقاقه وغير جائز القول بأن الله عربي أو عجمي فإن قال قائل إذا كان الأسماء والصفات من أقوال العباد وكناياتهم فلم يكن له اسم ولا صفة قبل الخلق وكان عطلاً غفلاً إلى أن سماه العباد قيل قد قلنا أن صفاته على وجهين صفة ذات وصفة فعل فما كان من صفات الذات لم يزل بها موصوفاً وإن لم يصفه بها واصفه كما أنه لم يزل واحداً فرداً وإن لم يكن خلق يوحده وعالماً وإن لم يكن المعلوم موجوداً وقادراً وقديماً فإما القول بأنه لم يزل مدعواً أو معبوداً أو مشكوراً فالشاكر والعابد والداعي

(1/101)


ليسوا لم يزالوا وكذلك القول بأنه لم يزل خالقاً رازقاً يقتضي أزلية المخلوق والمرزوق اللَّهمّ إلا على جهة القدرة على الخلق والرزق فإنه يستقيم له ذلك وكذلك لو قال لم يزل سميعاً بصيراً على معنى سيبصر وسيسمع وأجمع المسلمون أن الله حي قادر قديم سميع بصير واحد فرد عالم حكيم متكلم جواد فاعل مختار موجود رحيم عدل متفضل غني واختلفوا في تفصيل هذه الصفات وعللها فزعمت طائفة أنه عالم لأن له علماً وزعم آخرون أنه عالم بذاته لأنه يدرك الأشياء كما هي وقد تقدم حجج [1] الفريقين مجملاً وكذلك قولهم في القدم والقدرة فمن أبى [2] القول بأن حد القديم والقادر أن يكون له قدم وقدرة قال حد القديم الموجود لا إلى أول وحد القادر الذي لا يمتنع الفعل عليه باختياره وأجمع هؤلاء أنه موجود [20] بعينه وذاته ولا يوجد لأنه لو كان موجوداً بوجود لم يخل ذلك الوجود من أن يكون موجوداً أو ليس بموجود فإن كان غير موجود فقد
__________
[1] . حجاج
Ms.
[2] . الى
Ms.

(1/102)


دخل في باب العدم وإن كان موجوداً فقد وجب أن يوجد بوجود آخر إلى ما لا نهاية والقول بما ليس له نهاية يؤدي الى قول أهل الدهر وقالت طائفة أنه حي بحياة عالم بعلم وزعم آخرون أن معنى الحي وجود الأفعال منه على اتفاق واتساق واختلفوا في ذاته ألها نهاية أم لا فقال أكثرهم أنه غير متناه لأنه لا بجسم ولا عرض ولا حد له فيقتضي النهاية وهو مبدع النهايات والحدود وزعم هشام بن حكم أنه متناه وكذلك يلزم كل مجسم وقد قال أصحاب القضاء أنه غير متناهي الذات واختلفوا أذاته مرئيّة أم غير مرئيّة فمن قال بالتشبيه أو رأى الرؤية العلم قال هو مرئيّ كما هو موجود معلوم ومن أبى ذلك قال غير مرئيّ كما هو غير محسوس ولا ملموس بقى الاختلاف في التوفيق بين الرؤية والعلم واللمس والتفريق بينهما واختلفوا في الكلام فمن قال هو من صفات الذات قال غير محدث ولا مخلوق لأن الله لم يزل متكلما بكلام لا هو هو ولا هو غيره ولا بعضه ومن قال من صفات الفعل قال هو محدث لأن الكلام يقتضي متكلماً واختلفوا في الإرادة

(1/103)


بحسب اختلافهم في الكلام واختلفوا في المكان فقال أكثرهم أنه بكل مكان حافظاً مدبراً وعالماً وقادراً وليست ذاته بجسم فيشغل الأماكن ولا بعرض فيحل الأجسام ومن كان بهذه الصفة فغير محتاج إلى المكان وقال هشام بن الحكم والمشية أنه في كل مكان ذو مكان وذلك مطّرد على أصله لما يراه جسماً وقال قوم أنه في السماء فوق العرش بذاته بلا نهاية لا ككون الشيء على الشيء بالمماسة والاظلال وزعم ابن كلّاب انه على العرش لا في مكان وإذا أجازوا أن يخلق الله جسماً لا في مكان وأن يقيم العالم لا في مكان فما ينكرون من كونه لا في مكان وليس هو بجسم ولا عرض واختلفوا في العلم فقال قوم عالم بما كان قبل ان كان وبما يكون قبل أن يكون ولا يجوز أن يخفى عليه شيء إلا بأنه استفاد علماً أو أحدثه لنفسه بل ذاته متنبهة عالمة وزعم قوم من الإمامية أن الله لا يعلم ما هو كائن حتى يكون قالوا ولو كان يعلم أن من يخلقه يكفر به ويعصيه ويؤذيه لما خلقه وأجازوا فسخ الخبر والبداء وأول من أبدع هذا الرأي في هذه الأمة المختار بن أبي عبيد كان يزعم أنه يعلم ما يحدث من جهة الوحي فيخبر

(1/104)


أصحابه بكوائن فإن اتفقت فهو ما أراد وإن خالف قد ابدأ لربكم وكان جهم بن صفوان ينفى الصفات كلها عن الله سبحانه وينكر القول بأنه شيء زعم فراراً من التشبيه ويقول علم الله محدث وجملة الرد على هؤلاء أن الجاهل منقوص ومستحق المذمة لا يستحق الإلهيّة وأجاز المعتزلة كون ما علم الله أنه لا يكون لأن علم الله ليس بعلة ككون الشيء ولا حامل للمعلوم على الكون كما أنه لم يزل عالماً بخلقه العالم قبل خلقه ثم لم يجز القول بأن علمه علة الخلق وحامل له على إيجاده قالوا ومما علم الله أنه لا يكون أمور علم أنها لا يكون لاستحالة كونها [fol 21] ككون إله معه أو كون شريك أو كون غالب يغلبه أو كون نهاية وانقضاء له ومنها أمور علم أنها لا تكون لاستحالة كونها فلا يجوز كونها بحال قالوا وغير جائز أن يأمر عبداً بما يعلم أنه لا يكون منه ما يأمره به ولا يقدر عليه لاستحالته أو لعجزه وإنما يجوز الأمر لمن علم أنه قادر على الفعل لأن القدرة هي التي تقتضي التكليف لا العلم وقال مخالفوهم لا يجوز كون خلاف ما علم الله ويجوز الأمر بخلاف ما علم لأنه لو جاز كون خلاف

(1/105)


ما علم كان عاجزاً جاهلاً وهذه هي مناظرة بين الفريقين مليحة مفيدة قالوا لهم أليس في قولكم أن الله لم يزل عالماً بأن فرعون لا يؤمن قالوا بلى قالوا فكان فرعون يقدر أن يؤمن وقد علم الله أنه لا يؤمن قالوا نعم قالوا فكان فرعون يقدر على إبطال علم الله وتجهيله قالوا لو علم الله أن فرعون لا يقدر أن يؤمن كما علم انّه لا يؤمن ثمّ قلنا أنه آمن أو يؤمن لكنا مبطلين مجهلين ولكنا قلنا علم الله أنه لا يؤمن وعلم أنه يقدر أن لا يؤمن ولم يؤمن فلم نكن مبطلين ولا مجهلين ثم قلبوا عليهم السؤال فقالوا أليس الله عالماً بأنه يقيم القيامة في وقتها وهو القادر على أن لا يقيمها قالوا بلى قالوا فهل يجوز القول بأن الله قادر على إبطال [علمه] علمه وتجهيل نفسه إذا كان قادراً على أن لا يفعل ما علم أنه يفعله وعلى أن يفعل ما علم أنه لا يفعله قالوا وليس علم الله أن فرعون لا يؤمن وأمره بأن يؤمن فهل أمره بتجهيل علم الله فيه واختلفوا في جواز وصف الله بالقدرة على المحال كإدخال العالم في جوزة أو بيضة فقال الجمهور من أهل العلم لا يجوز ذلك لأنه يقتضي العلم مقدوراً كما يقتضي العلم معلوماً فكل ما هو غير مقدور

(1/106)


عليه محال إجازة القدرة عليه وزعم بعضهم أنه قادر عليه واختلفوا في وصف الله تعالى بالقدرة على الظلم والجور فأحاله قوم لأن ذلك مذموم لا يفعل إلا عن نقص أو حاجة ولو جاز ذلك لم يكن مأموماً أن يقع ولجاز وصفه بالقدرة على الجهل والعجز وكان أبو هذيل يقول هو قادر على ذلك ولكن لا يفعله لرحمته وحكمته وليس يفعل الظلم والكذب غير مقدور عليه فيكون محالاً واختلفوا في قدرة الله تعالى هل هي علم الله أم غيره وكذلك الحيرة فالقدم وسائر صفات الذات وزعمت طائفة أن علم الله ليس قدرته ولا غيرها لأنه لو كان العلم والقدرة لكان ما علم فقد قدر عليه وهو يعلم نفسه ولا يصلح القول بأنه يقدر على نفسه ولو كان علمه غير قدرته لكن يجوز وجود أحدهما مع عدم الآخر ولو جاز هذا لجاز أن يكون البارئ في حال عالماً غير قادر أو قادرا غير عالم وزعم داود بن على أنّ علمه غير قدرته وأما المعتزلة فليس من قولهم أن له علماً وقدرة حتى يلزمهم التفصيل بينهما واختلفوا في التعديل والتجويز من خلقه أفعال العباد وما هم يكتسبوه من المعاصي والمآثم وقضائه إياها عليهم وإرادته منهم وعقوبته لهم

(1/107)


عليها بعد أن أوجدها منهم فقال قوم كل ذلك منه وفعله وهو عدل وحكمة لأن الخلق خلقه والأمر أمره لا يكون منه ظلم ولا جور ولو جاز حدوث حادث بغير مراده أو مشيته وإيجاده لكان عاجزاً مغلوباً وقال آخرون لو كان كما يزعمون لما كان الخلق ملومين ولا معاقبين ولا من يفعل بهم هذا حكيماً ولا عالماً [21] ولا رحيماً وهذا من باب الحير والقدر والاختلاف فيه قائم مذ وجد في العالم حيان ناطقان ولا يجوز غير ذلك لتكافئ الدلالة وأعدل الأمور أوساطها فقد قيل الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس لا يزداد على طول النظر ألا حيرة ودهشاً ومن طاوعته نفسه بالإمساك عن الخوض فيه والاقتصار على ما في الكتاب رجوت أن يكون من الفائزين

(1/108)