البدء والتاريخ

المجلد الثاني
الفصل السابع في خلق السماء والأرض وما فيها
قد بينا مقالات الأمم في حدث العالم وقدمه وقد ذكرنا آراءهم في المبادي وكشفنا عن عوار كل من خالف الحق ودللنا على أن مأخذ هذا العالم لا يصح إلا من جهة الوحي والنبوة بما لا مزيد عليه في مقدار الشريطة التي نصبناها في كتابنا هذا والله أعلم والموفق والمعين وقد اختلفت الروايات في هذا الباب عن ابن عباس ومجاهد وابن إسحاق والضحاك وكعب ووهب وابن سلام والسندي والكلبي ومقاتل وغيرهم [39] ممّن يتحرى [1] هذا العلم وينحو نحوه فلنذكر الأصح من رواياتهم والأقسط للحقّ
__________
[1] . ل [؟] حرى
Ms.

(2/1)


والأشبه بالصواب ونسوق ما يحكيه أهل الكتاب ولا يكذبهم إلا فيما يتيقنه من وفاق كتابنا أو خبر نبينا صلى الله عليه وسلم وروى أبو حذيفة عن رجال أسماءهم أن الله تعالى لما أراد أن يخلق السماء والأرض سلط الريح على الماء حتى خربته فصار موجاً ودهنا ودخأنا فأجمد الزبد فجعله أرضاً وأجمد الموج فجعله جبالاً وأجمد الدخان فجعله سماء وربما يقع تغيير في العبارة لزيادة بيان فليراع الناظر المعنى لا اللفظ وزعم محمد بن إسحاق أن أول ما خلق الله النور والظلمة فجعل الظلمة ليلاً وجعل النور نهاراً ثم سمك السماوات السبع من الدخان دخان الماء حتى استقللن ولم يحبكهن وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها واخرج ضحاها فجرى منها الليل والنهار وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم ثم دحا الأرض وأرساها بالجبال وقدر فيها الأوقات ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ 41: 11 قال فحبكهن وجعل في السماء الدنيا شمسها وقمرها ونجومها وأوحى في كل سماء أمرها وقريب من هذا ما روى عن عبد الله بن سلام أنه حكى عن التوراة أن خلق البخار [1] الذي خرج من الماء والجبال والأرض من
__________
[1] . البحار
Ms.

(2/2)


الأمواج ودحا الأرض من تحت موضع الكعبة عن الكلبي والسندي أن الأرض كانت تكفأ كما تكفأ السفينة فأشمخ الله جبالها وأرساها بالأوتاد حتى استقرت وتوطدت لقول الله تعالى وَأَلْقى في الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ 16: 15 وفي صدر التوراة [1] التي في أيدي أهل الكتاب أن أول ما خلق الله السماء والأرض وكانت الأرض خربة خاوية وكانت الظلمة على الأرض وريح الله تعالى يزف على وجه الماء فقال الله ليكن [2] النور فكان النور فرأى الله حسناً فميزه من الظلمة وسماه نهاراً وسمى [3] الظلمة ليلاً وقال ليكن رفيعاً وسط السماء فليحل [4] بين الماء والسماء [5] فكان سقفاً يميز بين الماء الذي أسفل وبين الماء الذي هو أعلى وسماه سماء وقال الله ليجمع الماء الذي تحت السماء وليكن اليبس فكان كذلك فسمى مجتمع الماء البحار وسمى اليبس الأرض وقال الله ليخرج الأرض الزهر والعشب والشجر ذا
__________
[1] . التوراة
Ms.
[2] . ليلى
Ms.
[3] . وسمّى
Ms.
[4] . فل [؟] حل
Ms.
[5] . المساء
Ms.

(2/3)


الحمل فأخرجت الأرض ذلك ثم قال الله تعالى ليكن نوران في سقف السماء ليميزا بين الليل والنهار وليكونا آيتين للأيام والشهور والسنين فكان نوران الأكبر والأصغر فالأكبر لسلطان النهار والأصغر والنجوم لسلطان الليل فرأه الله حسناً وقال الله تعالى ليحرك الماء كل نفس حية وليطر الطير في جوف السقف وخلق الله ثمانين عظاماً وحرك الماء كل نفس حية لجنسها وكل طائر لجنسه فرأى الله ذلك حسنا فقال انموا وأكثروا واملئوا الأرض وقال الله تعالى نخلق بشراً كصورتنا وشبهنا ومثالنا ويكون مسلطاً على سمك البحار وطير السماء ودواب الأرض فخلق آدم على صورته ومثاله وشبهه، وامّا الفرس فإنّهم يحكون عن علمائهم وموبذيهم [1] أنّ الله خلق في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ووضع ذلك على أزمنة كاه انبار دين ماه [2] وأن أول ما خلق الله السماء في خمسة وأربعين يوماً وهو كاه أنبار [دي] ماه وخلق الماء في ستين يوماً وهو كاه أنبار ارديبهشت ماه وخلق النبات في ثلاثين يوما
__________
[1] . وموبذهم
Ms.
[2] . على ارمنه كاه انبار
Ms.

(2/4)


وهو كاه أنبار ابان ماه هذا ما عليه عامة من يعرفهم [40] من أهل الأرض بحدث العالم والأصدق من ذلك ما نطقت به كتب الله أو جاءت به رسله لأنه لم يشاهد الخلق أحد فيخبر عنه ولا العقل موجب كيفية ذلك ثم لا شيء أحمل للزيادة واخلط في الرواية وأكثر تشويشاً واضطراباً من هذا الباب قال الله تبارك وتعالى خَلْقِ السَّماواتِ 2: 164 فبدأ بذكر السماء على الأرض في غير موضع من كتابه ثمّ قال أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً 41: 9 [1] الآية إلى قوله ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ 41: 11 [2] وقال أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها 79: 27- 28 [3] إلى قوله وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها 79: 30 [4] فأخبر أن خلق السماء كان قبل خلق الأرض وبسط الأرض كان قبل تسوية السماء وما فيها كما ذكره ابن إسحاق،
صفة السماوات
قال الله تعالى خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً 67: 3 [5]
__________
Qor. ,ch.XLI ,v.8. [1]
Qor. ,ch.XLI ,v.10. [2]
 

Qor. ,ch.LXXIX

 ,v.27 -28. [3]
Qor. ,ch.LXXIX ,v.30. [4]
Qor. ,ch.LXVII ,v.3

 ,etch.LXXI ,v.14. [5]

(2/5)


فأخبر أن بعضها فوق بعض وزعم الكلبي أنّ السماوات فوق الأرض كهيئة القبة الملتصق منها أطرافها وقول الله أحق أن يتبع ما لم يرد تخصيص صادق أو تبيين وروى وهب عن سلمان الفارسي رحمه الله أن الله خلق السماء الدنيا من زمردة خضراء وسماها برقع [1] وخلق السماء الثانية من فضة بيضاء وسماها كذا وخلق السماء الثالثة من ياقوتة حتّى عدّ سبع سماوات بأسمائها وجواهرها وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال إن السماء الدنيا من رخام أبيض وإنما خضرتها من خضرة جبل قاف وروى أن السماء موج مكفوف واختلف القدماء فيه فزعم بعضهم أن جوهر السماء من حديد وزعم بعضهم أنه جوهر صلب وجمد بالنار حتى صار مثل الجليد ومنهم من يزعم أنه جوهر ناري وبعضهم يراه جوهراً مركباً من حار وبارد وبعضهم يقول هو دخان من بخار الماء تكاثف وتصلب وبعضهم يراه جواهرا خارجاً من مزاج الطبائع فكلهم يسمون السماوات الأفلاك فالذي يحب أن يعتقد منه أنه جوهر ما آن لو لم يكن كذلك ما قبلت الأعراض التي تراها من سواد الليل
__________
[1] . برقعا
Ms.

(2/6)


وخضرة واختلاف القدماء فيه دليل على قصور فهمهم عنه وروايات أهل الإسلام لا يوجب اعتقادا ما لم يكن إجماع أو شهادة نص من كتاب أو خبر نبي صادق مؤيد بالمعجزات الباهرة اللَّهمّ إلا أن يكون وفاق في الأسامي لا في المعاني لمخالفة أجسام السفل أجسام العلو وقد شبه أمية السماء بالزجاج من جهة لونه ولم يرو عن أحد من الفلاسفة ولا من أهل الكتاب [كامل]
فكأن برقع والملائك حوله ... سدد تواكله القوائم مجرد
خضراء [1] ثانية تظلّ رءوسهم ... فوق الذوائب فاستوت لا يحصد
كزجاجة الغسول أحسن صنعها ... لما بناها ربنا يتجرد
صفة الفلك
قال الله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 36: 40 [2] قال بعض المفسرين تدور كدوران الرحا وأهل النجوم يزعمون أنه [40] الفلك الأعظم المحيط بالأفلاك السبعة ولها في كلّ يوم وليلة
__________
[1] . وخضراء
Ms.
Qor. ,ch.XXXVI ,v.40. [2]

(2/7)


دورة واحدة من المشرق إلى المغرب وسائر الأفلاك في جوفها تدور من المغرب إلى المشرق كمشي النمل على الرحا الدائرة بالعكس ومنهم من يقول هو الفلك الثابت وهي التاسعة من الأفلاك الضابطة لها وأكثرهم على أنها الثامنة وفيها الكواكب الثابتة وفي رواية المسلمين أن من سماء إلى سماء مسيرة خمس مائة سنة وما بين كل سماء مسيرة خمس مائة سنة وللقدماء في هذا تقدير فزعم الفزاري أن بين فلك وفلك مسيرة ثلاثة آلاف سنة وقد ذكر في كتاب المجسطي مقادير أجرام الكواكب وأبعادها من نقطة الأرض وبعد بعضها من بعض في العلو وكم قطر فلك يدور بها وعظم الأفلاك وسعتها وحال الأرض وكميتها في الطول والعرض والاستدارة ما الله به عليم فإن كان حقاً فهو الوحي لأن قوى الخلق تقصر عن أمثاله وإن كان حزراً وتخميناً فرواية أهل الإسلام أحق وأصدق وإذا صحت فهي تحتمل وجهين من التأويل أحدهما البعد في المسافة والثاني العجز عن الترقي إليه ومن العجب ضرب من لا يرى السماوات والأفلاك أجراماً مركّبة ولا أجساما متحرّكة [1] حدّا
__________
[1] . متجربه
Ms.

(2/8)


لها في البعد والقرب والبسائط غير محصورة ولا متناهية واختلف في ذات الفلك الذين زعموا أنها جرم فزعمت منهم أنها من تركيب الطبائع الأربع وقال قوم بل هي طبيعة خامسة خارجة عن هذه الطبائع والطبائع خفيفيّات [1] النار والهواء وثقليات الأرض والماء والفلك لا خفيف ولا ثقيل وزعم قوم أنه لحم ودم وقال أعظمهم عندهم رأياً أن الفلك حي ناطق والكواكب لها النفس الناطقة ورأيت في كتب بعض المفسرين ميلاً إلى هذا الرأي واحتج له بقول الله تعالى قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ 41: 11 [2] والنطق قد يكون بالعبارة والبيان وبالدلالة والأثر،،،
صفة ما فوق الفلك
قال المسلمون فوق الأفلاك العرش وفوق العرش ما الله به عليم ومنهم من يقول فوق العرش البارئ عز وجل وهذا قول سديد وهو من شعار الإسلام ما لم يوصف بالمكان والتمكن لأن فوق يحتمل وجوهاً من التأويل ومن قال بوجود الجنة في الوقت قال هي في السماء السابعة واحتج بقوله عز وجل وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 [3] قال كثير من
__________
[1] . حقيقيات
Ms.
Qor. ,ch.XLI ,v.10. [2]
Qor. ,ch.LI ,v.22. [3]

(2/9)


أهل التفسير أنه الجنة وقال قدماء في ترتيب العوالم بعد ذكر الفلك المستقيم وأنه الثامن أو التاسع على اختلافهم ان فوق الأفلاك كلّها عالم النفوس محيط بجميعها ثم فوقه عالم العقل مسبول على هذه العوالم والبارئ سبحانه وتعالى فوق ذلك كله فإن أرادوا المسافة فقريب من قول بعض المسلمين [1] وإن أرادوا الرفعة والعظمة والعلو كان أقرب إلى الحق والله أعلم وأحكم وفي أخباره أصدق،،،
صفة ما في الأفلاك والسماوات كما جاء في الخبر
وروى في الخبر أن في السماء الدنيا بيتاً بحذاء الكعبة يقال له الضراح [2] يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبداً وقال هو البيت المعمور وروى أن أرواح الصالحين تصعد إليه قالوا وتحت العرش بحر من ماء أخضر كمنى الرجال يحيي الله به الموتى بين النفختين وهو الذي قال الله عز وجل ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ 38: 1 [3] وروى [41] عن الضحاك أن في السماء جبالاً من برد خلقه الله مقداراً معلوماً لكل سنة فإذا فنى ذلك
__________
[1] . ان
Ms.ajoute
[2] . الصراح
Ms.
Qor. ,ch.XXXVIII ,v.1. [3]

(2/10)


قامت القيامة وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ليست سنة بأقل مطراً من سنة ولكن الله قسم هذه الأرزاق فجعلها من هذا القطر فإذا عمل قوم بالمعاصي حول ذلك إلى غيرهم وقد فسر بعضهم وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 [1] المطر وزعم وهب أن الله خلق في الهواء طيراً أسود فهي التي طارت بالحجارة على لوط وعلى أصحاب الفيل وروى ابن إسحاق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن مما خلق الله ديكاً براثنه تحت الأرض السابعة وعرفه منطو تحت العرش قد أحاط جناحاه بالأفقين فإذا بقي ثلث الليل الأخير ضرب بجناحيه ثم قال سبحان ربنا الملك القدوس فيسمعها من بين الخافقين فترون أن الديكة إذا سمعت ذلك وروى أن في السماء موجاً مكفوفاً وقيل دون السماء بحر مكفوف فيه مجاري الشمس والقمر والجواري الخنس وزعم بعضهم أن ذلك قوله وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ 52: 6 [2] قالوا وليس في السماوات السبع موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد وجاء في حديث المعراج بعجيب الصفة للخلق الذي في السماوات والله أعلم وهكذا جاءت
__________
Qor. ,ch.LI ,v.22. [1]
Qor. ,ch.LII ,v.6. [2]

(2/11)


الأخبار في غير حديث المعراج وهكذا كله جائز في حد الإمكان لأنا قد علمنا أن ما تعالى عن وجه الأرض دخل في حد الروحانيين فكل ما ارتفع درجة ازداد لطافة ورقة وليس البيت [1] كله من طين وخشب ولا البحر الماء المجتمع وقد قلنا هذا إن ما خرج عن هذا العالم الأسفل فقد انقطعت النسبة إلا في التسمية ولا يختلف مخالفونا أن المطر قبل أن ينزل أجزاء متفرقة لطيفة ومن لطف أجزائه ممسك في السماء فغير مستنكر أن يكون في السماء بحر على هيئة أجزاء المطر وكذلك البرد والثلج مع هذه رواية الضحاك وأكثر المسلمين على خلافها وكذلك رواية وهب في الطير والحجر وإنما الاجتماع في كون الملائكة في السماء قد أجازت جماعة من القدماء أن يكون في العلو سباع وبهائم غير محسوسة للطافة أجسامها فما ينقمون ممن أقر بصورة الملائكة،،،
صفة الكواكب والنجوم
قال الله تعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً من كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ 37: 6- 7 وقال تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها في ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ 6: 97
__________
[1] . النث
Ms.

(2/12)


فأخبر أنّ في النجوم زينة وحراسة وهداية وقال عز ذكره فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ 81: 15- 16 وقال كثير من أهل التفسير أنهن الكواكب السيارة المتحيرة فأولهن زحل في السماء السابعة بارد الطبيعة وهو أبطأ الكواكب سيراً والثاني المشتري في السماء السادسة معتدل الطبع والثالث المريخ في السماء الخامسة حار الطبع والرابع الشمس في السماء الرابعة حارة الطبع والخامس الزهرة في السماء الثالثة رطبة الطبع والسادس عطارد في السماء الثانية ممازج الطبع والسابع القمر في السماء الدنيا بارد الطبع وهو أسرع الكواكب سيراً وكل هذه الكواكب سعود إلا زحل والمريخ وقد تميز عنهن الشمس والقمر فيقال سعدان ونحسان وممازج فالسعدان المشتري والزهرة والنحسان زحل والمرّيخ والممازج عطارد مع النحوس نحس ومع السعود سعد والنيران الشمس [41] والقمر فالشمس مثل الملك والقمر مثل الوزير له وزحل كالشيخ ذي الرأي السديد والمشتري كالقاضي العادل والمريخ كالشرطي المعذب والزهرة كالمرأة الحسناء وعطارد كالكاتب ولكل كوكب من هذه الكواكب بيتان من البروج الإثنى عشر إلا النيرين فإن لكل واحد

(2/13)


منهما بيتاً واحداً ومعنى البيت أنه يحله في فصله ويزيد سلطانه وشرفه فيه فالأسد بيت الشمس والسرطان بيت القمر والجدي والدلو بيتا زحل والقوس والحوت بيتا المشتري والحمل والعقرب بيتا المريخ والثور والميزان بيتا الزهرة والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد وسنفرد بمشيّة الله وعونه كتاباً لطيفاً في ذكر النجوم وما يصح فيها ويوافق قول أهل الحق فأني أرى الجهال قد استخفوا بها كل الاستخفاف ووضعوا من شأن متعاطيها وصغروا من أقدارها لتحلي الزراق والكهان بها وتنزع أبواعها إلى الأحكام التي عينها الله عن خلقه واستأثر نفسه بعلمها دونهم وكيف المدخل إليها والمأخذ فإن جحد البرهان ورد العيان نقص عظيم عند أهل البيان وذوي الأديان قال الله عز وجل وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ 85: 1 وقال تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ في السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً 25: 61 وقال تعالى أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها من فُرُوجٍ 50: 6 وقال سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ 41: 53 وقال تعالى إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ 3: 190 مع آي كثيرة ودلالات

(2/14)


ظاهرة ولقد استدلّ المحقّقون من أهل التنجّم على التوحيد بدلالة ما أعظم خطرها وأسنى رتبتها قالوا لما رأينا الفلك متحركاً فباضطرار علمنا أن حركته من شيء غير متحرك لأنه إن كان المحرك له متحركاً لزم أن يكون ذلك إلى ما لا نهاية له والفلك دائم الحركة فقوّة المحرك له غير ذات نهاية فليس يمكن أن يكون جسماً بل يجيب أن يكون محركاً لأجسام وكما لا نهاية لقوته فليس إذاً هو بزائل ولا فاسد قالوا فانظروا كيف أدركنا الخالق الصانع المبدئ المبدع المحرك للأشياء من الأشياء الظاهرة المعروفة المدركة بالحواس وأنه أزلي ذو قوة وقدرة غير ذات نهاية ولا متحرك ولا فاسد ولا متكون تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فالبروج اثنى عشر ينزل الشمس كل شهر من شهور السنة برجا منها فأوّلها الحمل ثم الثور ثم الجوزاء ثم السرطان ثم الأسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب ثم القوس ثم الجدي ثم الدلو ثم الحوت، وهذه البروج مقسومة على ثمانية وعشرين جزءاً تسمى منازل القمر ينزل القمر منها كل ليلة منزلاً وهي الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة

(2/15)


والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزباني والإكليل والقلب والشولة [1] والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع [2] وسعد السعود وسعد الأخبية وفرغ [3] الأول وفرغ [3] الثاني وبطن الحوت، كل برج منها منزلان وثلث منزل فيما يقطعه الشمس في السنة ويقطعه القمر في الشهر يقول الله تعالى وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ 36: 39 فمن البروج ثلاثة ناريّة [42] الحمل والأسد والقوس وثلاثة هو آئيّة الجوزاء والميزان والدلو وثلاثة مائيّة السرطان والعقرب والحوت وثلاثة أرضية الثور والسنبلة والجدي وذلك أنها خلقت من هذه الطبائع وأعلم إن إضافة الفعل الاختياري إلى البروج والنجوم من أعظم الخطاء والخطل إنما هي مخلوقة مسخرة [4] موضوعة على ما أراد الله منها كسائر السموات والجوامد المخلوقة على طباعها وكما جعلت النار محرقة والماء مرطبة قال الله تعالى
__________
[1] . والشوكة
Ms.
[2] . مبلع
Ms.
[3] . وفوع
Ms.
[4] . مستحرة
Ms.

(2/16)


وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ 14: 33 وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ 7: 54 وقد رويت في النجوم روايات ما يحكى بعضها ويضيف [1] العلم إلى الله عز وجل،،،
ذكر صورة الشمس والقمر والنجوم وما فيها
روى أبو حذيفة عن عطاء أنه قال بلغني أنه قال الشمس والقمر طولهما وعرضهما تسع مائة فرسخ في تسع مائة فرسخ قال الضحاك فحسبناه فوجدناه تسع آلاف فرسخ والشمس أعظم من القمر قال وعظم الكواكب اثنا عشر فرسخاً في اثني عشر فرسخاً وروينا عن عكرمة أنه قال سعة الشمس مثل الدنيا وثلثها وسعة القمر مثل الدنيا سواء وعن مقاتل [أنه] قال الكواكب معلقة من السماء كالقناديل قالوا وخلقت الشمس والقمر والنجوم من نور العرش هذا قول أهل الإسلام من غير رواية من كتاب ولا خبر صادق واختلف القدماء في ذلك فحكى افلوطرخس [2] عن بعضهم أنه كان يرى الشمس مساوية في عظمها الأرض وأن الدائرة التي يصير عليها هي مثل الأرض تسعاً وعشرين مرة وعن بعضهم أنه قال هي تسعة أقدام الرجل وعن بعضهم أنها في
__________
dditionmarginale. [1]
[2] . افلوطوخس
Ms.

(2/17)


المقدار الّذي يراها وعامّة المنجّمين على أن الشمس أعظم من الأرض مائة وست وستين مرة وربع ثمن مرة فانظر إلى هذا الاختلاف الظاهر والتفاوت البين وهل يستجيز ذو عقل عيب المسلمين في روايتهم مع ما يرى من اختلاف أصحابه واختلاف قولهم واختلفوا في جرم الشمس فحكى عن ارسطاطاليس أنه كان يرى جرم الشمس من العنصر الخامس وكذلك جرم الفلك وعن أفلاطن أنه كان يرى أكثر جوهر الشمس ناراً وعن الرواقيين أنهم يرون الشمس جوهراً عقلياً يرتفع من البحر ومنهم من يزعم أنّ جرم الشمس كالخضرة المستنيرة [1] ومنهم من يراه كالزجاج تقبل استنارة النار التي في أعلى العالم ويبعث الضوء إلينا فيكون الشمس على رأيه ثلاثاً [2] إحداها التي في أعلى العالم في السماء وهي ناريّة والثانية التي تكون على سبيل المرآة والثالثة الانعكاس الذي ينعكس إلينا بضوئه ومنهم من يقول أنّ جوهر الشمس أرضيّ متخلخل كالغيم يلتهب ناراً وأمّا المسلمون فإنهم يقولون إنما خلقت من نور ومنهم من يقول من نار والنار
__________
[1] . المسرة
Ms.
[2] . ثلاثا
Ms.

(2/18)


والنور قريب في المعنى والله أعلم واختلفوا في شكل الشمس والقمر والكواكب فحكى عن الرواقيين أنهم يرون هذه الأشكال كريّة كما العالم كرىّ وعن بعضهم أنّ شكلها شكل السفينة المقعرة المملوءة ناراً وقال طائفة منهم أن النجوم بمنزلة المسامير المسمرة في الجوهر الجليدي والفصوص [42] المركبة وقال قوم هي صفائح دقاق والله أعلم واختلفوا في جرم القمر فحكى بعضهم ان جرم القمر سحاب مستدير وافلاطن يقول الجوهر الناريّ في تركيب القمر جسم صلب مستنير فيه سطوح وجبال وأودية ويحتج ما يرى في وجهه من الأثر وأكثر المنجمة يزعمون أنه عين صقيلة تقبل من ضوء الشمس ولذلك يتسق [1] في المقابلة وكذلك النجوم فأخذ ضوءها من الشمس والله أعلم واختلفوا في عظم القمر والكواكب فحكي عن بعضهم أنه مثل الشمس وعن بعضهم أنه أصغر منها وزعم قوم أنه أعظم من الأرض وزعم الآخرون أن الأرض أعظم منه والمنجمة منهم من يزعم أن أصغر كوكب من الكواكب الثابتة هو أعظم من الأرض ستّ عشر مرّة وأكبرها أربع مائة وعشرين مرّة
__________
[1] . تسق
Ms.

(2/19)


وأما السيارة فالشمس أعظم من الأرض مائة مرة وستين مرة ونيفاً كما قلنا وزحل مثل الأرض تسعاً وتسعين مرة ونيفاً والمشتري مثل الأرض احدى وثمانين مرّة ونصفا وربعا والمرّيخ مثل الأرض [1] مرة ونصفاً والزهرة مثل الأرض أربعاً وأربعين مرة وعطارد مثل الأرض اثنين وستين مرة والقمر مثل الأرض تسعة وثلاثين مرة وربعاً والله أعلم واختلفوا في أجرام الكواكب وأشكالها كما اختلفوا في الشمس والقمر فزعم أنّها أنوار كريّة وكان أرسطاطاليس يرى الكواكب حية ولها النفس الناطقة قال فلذلك يدل على اتفاق النفس الناطقة الحيوانيّة وزعم بعضهم أنّ الكواكب لها صور كصور الخلق ومنهم من يزعم أنّها إلهة وزعم آخرون أنّها ملائكة وقال قوم أن الكواكب والشمس والقمر تنشأ في المشرق وتبلى في المغرب وزعم قوم أن الكواكب والشمس والقمر في فلك واحد لا في أفلاك مختلفة وقرأت في كتاب الخرمية أن الكواكب كرىً وثقب وأنها تنزع أرواح الخلائق وتسلمها إلى القمر فذلك زيادة القمر حتى إذا انتهى في الكمال والتمام غايته سلمها الى من
__________
[1] . كذا في الأصل

 Lacune ;Ms.

(2/20)


فوقه واستفرغ ثم عاد في تسلم الأرواح من الكواكب حتّى يعود ممليا فاعتبر بهذه العجائب واتبع كتاب الله عز وجل وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله يقول الله تعالى وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً 71: 16 وَالْقَمَرَ نُوراً 10: 5 لأن السراج يجمعها وكذلك خبره عن الكواكب حيث قال فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ 37: 10 قال وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً 71: 16 وجملة القول أن كل ما روى في هذا الباب عن القدماء وأصحاب النجوم ممّا لم يكن نقصا التوحيد وإبطالاً للشريعة أو جحداً للعيان فموقوف على سبيل الجواز والامكان قال الله تعالى رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 وقال تعالى بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ 70: 40 على الجميع ورَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 26: 28 على الإرسال وذلك أن للشمس مائة وثمانين مشرقاً ومائة وثمانين مغرباً تطلع كل يوم من مشرق وتغرب في مغرب يقابله والمشرقان مشرق أطول يوم في السنة عند حلول الشمس برأس السرطان وأقصر يوم عند حلولها برأس الجدي ومغرباها محاذياً بهما على السواء وقال لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ 36: 40 فأخبر أنهما يتقاربان ولا يتداركان وكلما دنا من الشمس منزلة انمحق ضوءه حتى

(2/21)


يستتر [1] وكلما بعد ازداد ضوءاً حتى إذا قابلها كمل واتسق قال بعض المفسرين في قوله فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ 17: 12 فهو ما امتهن القمر به من الزيادة [43] والنقصان والله أعلم،،،
ذكر طلوع الشمس والقمر وكسوفهما وانقضاض الكواكب وغير ذلك مما يتعرض في السماء
وروي في الأخبار أن الشمس إذا غربت مرت حتى تقطع الأرض فتخر ساجدة بين يدي العرش فتسلب ضوءها فتكتسى نوراً جديداً ثم تؤمر أن ترجع فتطلع فتأبى [2] ذلك وتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله حتى ينخسها ثلث مائة وستة وستون ملكاً فإذا طلعت خلع عليها ثلاث حلل حمراً وبيضاً وصفراً وكذلك ما يرى من تغير ألوانها عند طلوعها وأنشد النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى قول أمية [كامل]
والشمس تصبح كل آخر ليلة ... حمراء تضحى لونها يتوقد
تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إما معذبة وإما تجلد
فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله صدق وعند أهل النجوم الشمس
__________
[1] . يستستر
Ms.
[2] . فتأتى
Ms.

(2/22)


لا تزال طالعة على قوم وغاربة على قوم لأنها دائرة على كرة الأرض دوراً مستقيماً وقد ينكر كثير من الناس نخس الشمس وإباءها الطلوع لأنها مسخرة جماد غير مكلفة ولا مختارة مع أن الخبر ما أراه يصح وإن صح فالتأويل والتمثيل من ورائه لأن العرش محيط بالعالم فحيث ما سجدت تحت العرش ولكن ربما فضل بعض البقاع على بعض فوصف بالتقريب كقولنا فلان يعين الله وكل شيء يعينه وكقولنا بيوت الله وما أشبه ذلك وأما سجدة الشمس والقمر والنجوم والشجر وغير ذلك مما يوصف به الأرض والسماء وسائر الخلق الذي ليس بمميز ولا عاقل فهو انقياد لما يراد منها وتذللها لما وضعت عليه من طبع أو حركة وقلة امتناعها على صانعها وقد قيل بل أثر الصنع فيها يدلّ ويحمل الناظر على السجود لصانعها فأضيف السجود إليها لما كانت هي سببه ومن يرى الشمس والقمر والكواكب أحياء ناطقة فما ينكر من سجودها وتسبيحها مع أنّا نجيز أن يحدث الله في الجماد معنىً يسجد به ويطيع لأن ذلك على الله غير عزيز وقد سبق ذكر هذه الأشياء ومعنى حقائقها على التقصي والبيان في كتاب معاني القرآن

(2/23)


وإما نخس الملائكة إياها فيشبه أن يكون تمثيلاً ليكون كما قال الشاعر [وهو طرفة بن العبد [1]] [طويل]
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه نقى اللون لم يتخدد
فإن كان الخبر محتملاً للتأويل فلا معنى للتسرع إلى التخطئة والتكذيب وزعم وهب أن الشمس على عجلة لها ثلاثمائة وستون عروة قد تعلق بكل عروة ملك من الملائكة يجرونها في السماء وكذلك القمر وعجلة القمر من نور الشمس قال وللبحر موج مكفوف في الهواء كأنه جبل ممدود [2] ولو بدت الشمس من ذلك البحر لأفتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله وروى غيره أن الله تعالى قد وكل بعين الشمس حتّى تغرب فقال في نار حامية لولا ما يزعها من ملائكة الله لأحرقت ما عليها وقيل أن الشمس يضيء وجهها لأهل السماء وظهرها لأهل الأرض قالوا والشمس إذا هبطت من سماء إلى سماء انفجر الصبح حتى إذا انتهت الى سماء الدنيا اسفر قال وهب
__________
otationmarginale. [1]
[2] . مدود
Ms.

(2/24)


فإذا أراد الله أن يرى العباد آية يستعتبهم زالت الشمس عن تلك العجلة في ذلك البحر وإذا أراد الله أن يعظم الآية [43] وقعت كلها وكذلك القمر وقد قلت لك في غير موضع أن الاعتماد على شيء من هذه الأخبار ما لم يكن نص كتاب أو صدق خبر ولكن يوقف ولا يقطع على شيء منه حتى يصح والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كسفت الشمس يوم مات ابنه ابراهيم عم فقال الناس إنما كسفت الشمس لموته فخطب وقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة والقدماء مختلفون في الكسوفات كما حكى افلوطرخس [1] زعم أن بعضهم يرى كسوف الشمس بمسير القمر تحتها وبعضهم يرى ذلك لانقلاب جسم الشمس الشبيه بالسفينة فيصير مقعّرة الى فوق ومحدودبه إلى أسفل وبعضهم يرى الشمس شموساً كثيرة والقمر أقماراً كثيرة في كل إقليم من أقاليم الأرض وفي كل قطعة ومنطقة وزمان وزعم بعضهم أنّ كسوف القمر [2]
__________
[1] . افلوطوخس
Ms.
[2] . الشمس القمر
Ms.

(2/25)


بانسداد القعر الّذي في تقويسه وأمّا افلاطن وارسطاطاليس والخلاف منهم فيرون الكسوفات بدخولها تحت ظل الأرض وذلك إذا كانت الشمس تحت الأرض والقمر في مقابلتها وكانا في طريقة واحدة وقع ظل الأرض على جرمه فحال بينه وبين الشمس المضيئة له لأن ضوءه من الشمس وأما كسوف الشمس فبمرور القمر تحتها فيعتبر منكر أن يجعل الله كسوفه بظلّ الأرض آية للحقّ يستعتبهم وإن كان سقوطه عن العجلة كما روى تمثيلاً لدخوله تحت ظل الأرض وقوله أن عجلة القمر من نور الشمس رمز إلى اقتباس القمر من نور الشمس وقولهم الشمس على عجلة لها ثلاثمائة وستون عروة يعني به الفلك ودرجاته الثلاثمائة والستين والله أعلم وقوله كلما هبطت الشمس من سماء إلى سماء انفجر الصبح يعني بها مسيرها في درجاتها وارتفاعها من منزلة إلى منزلة لأن أهل التنجيم لا يختلفون أنها في سماء واحدة واختلفوا في السواد الذي يرى في وجه القمر فروى المسلمون أنه لطخه ملك ورووا أن القمر كان مثل الشمس فلم يكن يعرف الليل من النهار فأمر الله الملك أن يمرّ جناحه عليه فمحاه فهو ما يرى من السواد

(2/26)


في وجهه وحكى عن ديمقريطيس [1] أن جسم القمر مستنير صلب فيه سطوح وأودية وجبال فلذلك ما يرى في وجهه وزعم بعضهم أنه سحاب مستنير يلتهب وقال قوم أنه عين صقيلة كالمرآة يقبل ضوءه من الشمس إذا ما قابلها فذاك الحبال في وجهه ما قابله من عين الشمس والأمر في هذا سهل وذلك أنه لو كان كما زعم القوم كان يمحو الله إياه كما جاء في الخبر إمّا لخلق حبال [2] فيه أو بإظهار جبال أو بما شاء واختلفوا في انقضاض الكواكب فقال المسلمون هو رجوم للشياطين كما قال الله تعالى وقلما ينكر الصور الروحانية في السماء إلا أهل التعطيل والإلحاد ثم هم مقرون بتأثير الفلك والكواكب وما فيها فلا معنى لإنكارهم استراق من يسترق السمع مع من أنكر الصور السماوية فهو الأرضية من الجن والشياطين أنكر فإن قيل لم تزل الكواكب تنقض وأنتم تزعمون أن السماء حرست عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قيل انقضاض الكواكب ليس كله رجوماً للشياطين ولعل الذي يرجمون به لا يشعر به أحد ولا يراه أو ينقضّ
__________
[1] . دعقريطس
Ms.
[2] . حال
Ms.

(2/27)


الكواكب لعلة من العلل أو يقرن الله إليه عذاباً للشياطين [44] وقد سئل الزهري هل كانت السماء تحرس في الجاهلية قال نعم فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم غلظ وشدر ومن المنجمين من يزعم أنه يجلد [1] السماء وحكى عن بعضهم أنه قال بمنزلة الشرارة تسقط من الأثير فيطفأ على المكان وزعم بعضهم أنه برغوث من الشمس مع اختلاف كثير واختلفوا في المجرة فحكى افلوطرخس [2] عن بعضهم أنه فلك وسحاب وعن بعضهم أنّه استنارة كواكب كثيرة صغار متّصلة بعضها ببعض وعن بعضهم أنه تخييل في العين وعن بعضهم أن مسير الشمس كان أولاً عليه وقال أرسطاطاليس أنه التهاب بخار يابس كثير متصل في صورة النار تحت الكواكب المتحيرة ومن المسلمين من يسميها باب السماء ومنهم من يسميها شرج السماء،
ذكر الرياح والسحاب والأنداء والرعد والبرق وغير ذلك مما يعترض في الجو،
اختلفوا في الرياح قال الله تعالى وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57 فأخبر أنّها بشرى المطر
__________
[1] . [؟] حلد
Ms.
[2] . افلوطوخس
Ms.

(2/28)


وقال عز ذكره الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً 30: 48 فأخبر أنها باعثة الغيم ومثيرة السحاب وقال تعالى وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ 15: 22 فأخبر أنها تلقح الشجر والأرض قال الله تعالى وَفي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ 51: 41 فأخبر أنها ضد الرياح اللاقحة لأنها عذاب واللاقحة رحمة وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلك عاداً بالدبور وما جنوب إلا صب الله بها غيثا وروى لا تسبوا الرياح فإنها نفس الرحمن وقال المفسرون أن الله تنفس بها عن كمد الأرض وكربة [1] الخلق بما ينزل بها من الغيث ويروح من الهواء وقيل الريح نفس ملك والله أعلم والرياح أربع الصبا والجنوب والشمال والدبور ويقال الريح واحدة وانّما يختلف في المهب من الجهات فالصبا هي القبول ومخرجها بين المشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء من مطلع الذراع إلى مطلع سعد الذابح والدبور يقابلها والجنوب مخرجها ما بين مشرق الشتاء إلى مغرب الشتاء من مطلع سعد الذابح إلى مسقط العقرب والشمال يقابلها والمطالع مائة وثمانون والمغارب مائة وثمانون لكل مطلع ريح ولكل مغرب ريح وكلها داخلة في
__________
[1] . كرية
Ms.

(2/29)


هذه الأربع والريح هي الهواء بعينه فإذا أحدث الله فيه حركة هبت واضطربت وكذا يقول أكثر القدماء أن الريح سيلان الهواء ويزعمون أن هبوبها مرور الشمس بالأرض فيرتفع منها البخار فإذا كان البخار رطباً كان مادة الأمطار وإن كان يابساً كان مادة الرياح وهذا جائز أن يجعل الله مرور الشمس علة لإثارتها إذا شاء كما جعل السحاب سبباً للمطر وقد جاء في بعض الأخبار أن الصبا من الجنة والدبور من النار وروينا عن الحسن أنه قال الجنوب يخرج من الجنة فيمر [1] بالنار فمن ثم حرها والشمال تخرج من النار فتمر بالجنة فمن ثم بردها وهذا والله أعلم وإن صح إضافة التمثيل لا من التبعيض [2] كما يقال للرجل الفاضل هو من الملائكة وللشرير هو من الشياطين يراد به التشبيه بهم لا من جنسهم وجملتهم والمنجمون يزعمون أن حرارة الجنوب لمجيئها من بلاد حارة فتقرب الشمس منها وبرد الشمال [44] لبعد الشمس عن تلك النواحي والله أعلم، فأما الغيوم والسحاب والأنداء والضباب فهي بخار يرتفع من الأرض
__________
[1] . فتمرّ
Ms.
[2] . كذي في الأصل

 Add.marg.

(2/30)


فما غلظ منها صار سحاباً وما رق صار ضباباً وقتاماً قال الله تعالى الله الَّذِي [1] يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً 30: 48 والمنجمون يزعمون أن الشمس تمر بمواضع ندية وبطائح غمر فتثير سحاباً بحرارة مرورها فإذا تكاثف ذلك البخار صار غيماً قالوا والمطر اجتماع ذلك البخار وانعصاره فيقطر كما يقطر طبق القدر لأن كل شيء ند إذا حمي ثار منه البخار وذلك أن الحرارة إذا خالطت الرطوبة لطفت أجزاءها فصيرتها هواء فإذا كثر في ذلك البخار برد الهواء رده البرد إلى الأرض فتكاثف وانعصر وصار ماء فانحدر فإن كان ذلك المنحدر شيئاً صغيراً يسيراً سمي نداً ولذلك تكون الأنداء في الشتاء وفي الليالي أكثر لكثرة برودة الهواء فإن كان البخار الصاعد خفيفاً يسيراً وكان البرد الذي هجم عليه من فوق شديداً صار ذلك البخار جامداً وإن كان البخار كثيراً والبرد شديداً صار ذلك ثلجاً وإن ألح البرد على السحاب انقبض الماء الذي فيه فجمد وصار برداً وإنما الاختلاف في صغره وكبره لبعد مسافة الغيم من الأرض وقربه فإذا قرب نزل بسرعة لم يذب عن جوانبه شيء فبقي كبير الحبّ
__________
[1] . والّذي
Ms.

(2/31)


والقطر وكذلك المطر وهذا كله ممكن جائز لا نعلم في شيء منه رداً للكتاب ولا إبطالاً للدين وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى يرسل الرياح فتثير سحاباً وينزل عليه المطر فتمخضه الريح كما تمخض [1] النتوج بولدها فإما حكاية وهب أن الأرض شكت الى الله أيّام الطوفان [و] انّه جددها فجعل السحاب غربالاً للمطر فإن صح فالمعنى أنه زيد في كثافة السحاب وغلظه [2] كما كان قول ذلك وقوله تعالى وَيُنَزِّلُ من السَّماءِ من جِبالٍ فِيها من بَرَدٍ 24: 43 فأكثر أهل اللغة على أن البرد في الأرض كالجبال إذا نزل من السماء والسماء السحاب لا يختلف أهل اللغة في ذلك وقال قوم أن الأمطار كلها من بخار الأرض و [ما] البخار إلا [3] مطرة واحدة ينزلها الله من السماء في كل سنة فيحيي بها الأرض والشجر والنبات وهو قوله وَنَزَّلْنا [4] من السَّماءِ ماءً مُبارَكاً 50: 9 الآية والله اعلم،
فأما الرعود والبروق والصواعق والشهبان وقوس قزح والهدّات والزلازل
__________
[1] . يمخض
Ms.
[2] . وغلطه
Ms.
[3] . كذا في الأصل
Ann.marg.
[4] . وأنزلنا
Ms.

(2/32)


جاء في بعض الأخبار أن الرعد ملك موكّل بالسحاب معه كذا من حديد يسوقه من بلد إلى بلد كما يسوق الراعي الإبل كلما خالف سحاب صاح به فصوته زجره السحاب والبرق مصعه والصواعق شراره وفي الحديث الآخر أن السحاب ملك يتكلم بأحسن الكلام ويضحك بأحسن الضحك فالرعد كلامه والبرق ضحكه والله اعلم بصحة هذه الأخبار لأن [1] محمد ابن جرير الطبري رحمه الله روى في كتاب التفسير أن ابن عباس رضي الله عنه كتب إلى ابن الجلد يسأله على الرعد والبرق فقال الرعد الريح والبرق الماء قال الله تعالى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ من خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها من يَشاءُ 13: 13 فأخبر عن تسبيح الرعد وإرساله الصواعق كما أخبر عن قول السماوات والأرض قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ 41: 11 والقدماء مختلفون في هذه الأشياء وأرضاهم عندهم ارسطاطاليس وهو يزعم أن الشمس إذا مرت بالأرض فأثارت البخار اليابس والبخار الرطب فانعقد غيماً فإذا اجتمع ذلك البخار الرطب [45] هناك حصر ما فيه من البخار اليابس في جوف السماء فقرع السحاب وحكّه
__________
[1] . لا محمد
Ms.

(2/33)


وصدعه فيكون من ذلك الصدم والاحتكاك الرعد ويكون من ذلك الخرق والصدع البرق والصواعق في المثل كما يتطاير من شرار الزند وذلك إذ اجتمع الى ذلك الاحتكاك جرارة الشمس واليبوسة فعند ذلك يحدث الصواعق وقد بينّا فيما مضى أنّ اسم الملك قد يقع على الصور الروحانية وعلى الجماد من جهة الانقياد والاستسلام لما وضع له فغير بعيد أن يسمى الرعد وهو ريح أو صدم سحاب ملكاً على هذه الوجوه والله اعلم وقد شبه ارسطاطاليس الصوت [1] الذي يكون في السحاب بالحطب الرطب الذي يستعمل في النار فيسمع له صوت وقعقعة ويجوز أن يكون الله يخلق من اضطراب الريح في السحاب ملكاً يسميه الرعد ونحن نوفق بين مقالات أهل الإسلام وأراء القدماء ما لم نجد النص من كتابنا والخبر الصادق عن نبينا صلى الله عليه وسلم فمتى وجدنا شيئا من ذلك بخلاف آرائهم فذاك الرأي منبوذ مهجور، وأما هالة الشمس والقمر والكواكب فمن اجتماع البخار في الجو وتكاثفه فإذا سطع نور الشمس والقمر في الهواء عطف ذلك النور راجعاً في الهواء
__________
[1] . بالصوت
Ms.

(2/34)


على ذلك البخار فترى تلك الدارات وقد يقول قوم بخلاف هذا والله اعلم، وأما الشهبان والأعمدة فهي من البخار اليابس إذا علا في الجو حتى قرب من فلك القمر فلينحن هنالك ويلتهب بحركة الفلك فإذا كان ذلك البخار متصلاً بعضه ببعض يرى كالشهاب والعمود والكوكب ذي الذؤابة وقال قوم أن ذلك تخيل في البصر لا حقيقة له وأما قوس قزح فمن شعاع الشمس الراجع إلى البخار الرطب كمثل ما يشرق الشعاع في الماء ثمّ يرجع الى الحائط وقد يعرض مثل ذلك لغربة [1] رمد إذا نظر الى السراج ويمكن أن يمتحن ذلك بأن يقف واقف بحذاء الشمس ويأخذ ماء فيريقه فيما بينهما ويفعل ذلك متصلاً حتى إذا كان انعكاس وجد من ذلك قوس قزح وأما حمرته وصفرته فمن قبل الرطوبة واليبس وقياس ذلك النار فإنها إذا كانت من حطب رطب كان لون تلك النار أحمر كدرا وإن كانت من حطب يابس كان لونها أصفر صافياً والخضرة التي فيه بعد الصفرة فلأن الجسم الذي ينعكس عنه يكون أكبر كدورة وزعم بعضهم أن ذلك تخيّل لا حقيقة له كراكب
__________
[1] . لعزبه
Ms.

(2/35)


السفينة يتخيل إليه أن الأرض تسير معه وروى أن ابن عباس كان يكره أن يقول قوس قزح ويقول قوس قزح للشيطان وحكى وهب أن الله أظهر ذلك بعد الطوفان أماناً من الغرق والله أعلم، وأما الزوبعة فهي التقاء ريحين مختلفين من جهتيهما ومهابهما فيرتفع منها إعصار مستطيل في الهواء وقد يقال أنه شيطان والله اعلم، وأما الهدة فمن وقفات الريح في الهواء وفي الأرض، وأما الزلازل فعلى وجوه وذلك أن الأرض يابسة الطبيعة فإذا مطرت رطبت فيعمل فيها الشمس ويتولد منها بخار رطب وبخار يابس فالبخار الرطب مادة الأنداء والبخار اليابس مادة الرياح ومن طبع البخار الحركة إلى فوق فإذا تحرك وصادف أرضاً صلبة اضطرت الأرض لذلك وإن صادف أرضاً رخوة خرجت من غير زلزلة فإن كانت الأرض حجارية صلبة وتزعزعت [45] الريح في جوفها ولم يجد منفذاً فربما شقته وصدعته وربما خرجت على أثر الزلزلة الهدة الهائلة والصوت الشديد وذلك لاحتقان البخار في جوف الأرض فإذا انشقت أصاب مخرجاً وربما قلبت الأرض فيصير أعلاها أسفلها وربما شق عن عيون ومياه فأغرقت كثيراً من

(2/36)


الأرض وللقدماء في عله الزلزلة كلام كثير ومذاهب مختلفة وأما المسلمون فيقولون أنها من فعل الله إذا أراد أن يرى العباد أنّه يستعتبهم وليس بعجيب أن يجعل الله هذه الآية بتحريك الريح الأرض وزلزلت الأرض بدمشق فخطب [1] أبو الدرداء فقال إن الله يستعتبكم فأعتبوا أو أما ما روى من القصص أن لكل أرض عرقاً متصلاً بجبل قاف والملك موكل به فإذا أراد الله أن يخسف بقوم أومى إليه أن حرك ذلك العرق فإن صح وما أراه يصح إلا من جهة أهل الكتاب وليسوا بأمناء على ما في أيديهم فهو تشبيه وتقريب من إفهام الخلق وتعليم بأن ذلك كله من فعل الله لا من ذات نفسها،،،
ذكر الليل والنهار عند القدماء
الليل غيبوبة الشمس والنهار طلوعها وكثير من المسلمين يقولون الليل والنهار خلقان للَّه غير الشمس والقمر قالوا لأنا نرى الشمس أشياء كثيرة فيها جرمها ومنها ضوؤها ومنها حرها وقد نشاهد حرارة فلا ضوء وضوءاً [2] بلا حرارة فنعلم أن كل واحد منها معنى منفرد بذاته وقد
__________
[1] . فحطب
Ms.
[2] . وضوء
Ms.

(2/37)


قال الله تعالى وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها 91: 1- 4 قال بعض المفسرين النهار يحلي الشمس فيكسوها ضوءاً وفي رواية أهل الكتاب أن أول ما خلق الله النور والظلمة ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلاً والنور نهاراً ثم سمك السماوات السبع من دخان الماء حتى استقللن وأغطش [1] في السماء الدنيا ليلها وأخرج ضحاها فجرى فيها الليل والنهار وليس فيهما شمس ولا قمر ولا نجوم ثم دحا الأرض فأرساها بالجبال وهكذا روى محمّد بن إسحاق في المبتداء فهذا كله يدل على أن الليل والنهار ليستا من الشمس في شيء وإن كانت الشمس تعطي النهار ضوءاً وحرارة بالشمس عرفنا حر النهار من حر الليل وروى في بعض القصص أن الله خلق حجاباً من ظلمة مما يلي المشرق ووكل به ملكاً يقال له شراهيل فإذا غربت الشمس قبض الملك قبضة من تلك الظلمة واستقبل بها المغرب فلا يزال يخرج الظلمة من خلل أصابعه ويرسلها وهو يراعي الشفق فإذا غاب الشفق يبسط كفه فطبقت الدنيا ظلمة ثم نشر جناحه فساق ظلمة الليل بالتسييح إلى المغرب فذلك
__________
[1] . واعطش
Ms.

(2/38)


كل ليلة حتى تنقل تلك الظلمة من الشرق إلى المغرب فإذا نقلها قامت القيامة وحكى وهب عن سلمان في هذه القصة أن ملك الليل يقال له شراهيل بيده خرزة سوداء قد دلاها من قبل المغرب فإذا نظرت الشمس إليها وجبت وبذلك أمرت وملك النهار يقال له هراميل بيده خرزة بيضاء يعلقها من قبل المطلع فإذا رأها شراهيل [1] مدها إلى خرزته السوداء فينظر الشمس إلى الخرزة البيضاء فتطلع وبذلك أمرت فإن كان شيء من هذا حقاً آمنا به وصدقنا وإن كان غير ذلك فاللَّه اعلم فمحمول على التأويل والتمثيل،،،
صفة الأرض وما فيها
قال الله تعالى أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً 78: 6- 7 وقال تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً 2: 22 وقال الله تعالى وَالله جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [46] بِساطاً 71: 19 وقال قوم في معنى المهاد والبساط القرار عليها والتمكن منها والتصرف فيها وقد اختلف القدماء في هيئة الأرض وشكلها فذكر بعضهم أنها مبسوطة مستوية السطح في أربع جهات والمشرق والمغرب والجنوب والشمال ومن هؤلاء من زعم أنّها
__________
queporteletexte. [1]

 هراميل

 Corr.marg.pour

(2/39)


كهيئة الترس ومنهم من زعم أنها كهيئة المائدة ومنهم من زعم أنها كهيئة الطبل وذكر بعضهم تشبيه بنصف الكرة كهيئة القبة وأن السماء مركنة [1] على أطرافها وقال بعضهم هي في جانب من الفلك الأوسط وقال قوم هي مستطيلة كالأسطوانة الحجرية كالعمود وقال قوم أن الأرض إلى ما لا نهاية وأن السماء يرتفع إلى ما لا نهاية وقال قوم أن الذي يرى من دوران الكواكب إنما هو دور الأرض لا دور الفلك والذي يعتمده جماهيرهم أن الأرض مستديرة كالكرة وأن السماء محيطة بها من كل جانب إحاطة البيضة بالمحة فالصفرة بمنزلة الأرض وبياضها بمنزلة الهواء وجلدها بمنزلة السماء غير أن خلقها ليس فيه استطالة كاستطالة البيضة بل هي مستديرة كاستدارة الكرة المستوية الخرط حتى قال مهندسوهم لو حفر في الوهم وجه الأرض لأدى إلى الوجه الآخر ولو نقب مثلاً بفوشنج [2] لنفذ بأرض الصين قالوا والناس على وجه الأرض كالنمل على البيضة واحتجوا لقولهم بحجج [3] كثيرة منها برهانىّ ومنها إقناعىّ
__________
[1] . مركّبة
Ms.
[2] . بفوسنج
Ms.
[3] . بججاج
Ms.

(2/40)


فالذي يجب على المسلم اعتقاده إجازة ذلك على الإمكان لأن البسيط يحتمل نشر الشيء ومده كالثوب وغيره ويحتمل التمكن منه فإن كان الناس على الأرض كما زعموا فالأرض لمن هي تحته بساط كمثل من هي فوقها وما نبأ وللَّه الحمد علينا معاندة الحق ومعاداة أهله ولا الإزراء بشيء من العلوم والآداب وإن كانت تتخيله [1] الديانة يقطع وثبت الولاية ولا نصرة للدين أعظم من تنزيل الحق منزلته وإعطاء كل ذي حق حقه وزعم بعضهم أن الأرض مقعرة وسطها كالجام واختلفوا في كمية عدد الأرضين قال الله تعالى الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمن الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ 65: 12 فاحتمل هذا التمثيل أن يكون في العدد والأطباق فروى في بعض الأخبار أن بعضها فوق بعض غلظ كل أرض مسيرة خمس مائة عام وما بين أرض وأرض مسيرة خمس مائة عام وحتى عد بعضهم لكل أرض أهلاً على صفة وهيئة عجيبة وسمى كل أرض باسم خاص كما سما كل سماء باسم خاص وزعم بعضهم أن في الأرض الرابعة حيات أهل النار وفي الأرض السادسة حجار أهل النار فمن
__________
[1] . ل [؟] له
Ms.

(2/41)


نازعته نفسه إلى الإشراف عليه نظر في كتب وهب وكعب ومقاتل وطبقه هذا العلم فاستوفى فيها حظه فإنها معرضة ممكنة وعن عطاء بن يسار في قول الله تعالى الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمن الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ 65: 12 قال في كل أرض آدم ونوح مثل نوحكم وإبراهيم مثل إبراهيمكم والله اعلم وأحكم وليس ذا بأعجب من قول الفلاسفة أن الشموس شموس كثيرة وأن القمر أقمار كثيرة في كل إقليم شمس وفي كل إقليم قمر ونجوم وقالت القدماء أن الأرض سبع على المجاورة والملاصقة وافتراق الأقاليم لا على المطابقة والمكاسبة وأهل النظر من المسلمين يميلون [1] إلى هذا القول ومنهم من يرى أن الأرضين سبع على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقي ويزعم بعضهم الأرض مقسومة بخمس مناطق وهي المنطقة الشمالية والجنوبية والمستوية والمعتدلة [46] والوسطى واختلفوا في مبلغ الأرض وكميتها فروى عن مكحول أنه قال مسيرة ما بين أقصى الدنيا إلى أدناها خمس مائة سنة مائتان من ذلك البحر ومائتان ليس يسكنها أحد وثمانون فيه يأجوج ومأجوج وعشرون فيه سائر الخلق وعن
__________
[1] . مم [؟] لون
Ms.

(2/42)


قتادة قال الدنيا عشرون وأربع آلاف فرسخ فملك السودان اثنا عشر ألف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب ألف فرسخ وعن عبد الله بن عمر قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر [1] من جميع الناس وقد أخرج بطلميوس مقدار قطر الأرض واستدارتها في المجسطي بالتقريب قال استدارة الأرض مائة ألف وثمانون ألف اسطاديوس [2] وهي أربعة وعشرون ألف ميل ويكون ثمانية آلاف فرسخ بما فيها من البحار والجبال والفيافي والغياض [3] والفرسخ ثلاثة أميال والميل ثلاثة ألف ذراع بذراع الملك والذراع ثلاثة أشبار وثلاثة أشبار ستّة وثلاثون أصبعاً والأصبع الواحدة خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها إلى بعض والاسطاديوس [4] أربع مائة ذراع قال وغلظ الأرض وهي قطرها سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلاً يكون ألفين وخمس مائة فرسخ وخمسة وأربعين فرسخا وثلثا قال فبسيط الأرض
__________
[1] . أكثر
Ms.
[2] . اسطاربوس
Ms.
[3] . والعياض
Ms.
[4] . والاسطاربوس
Ms.

(2/43)


كلّها مائة واثنان وثلاثون ألف [ألف] وستّمائة ألف ميل يكون مائتي ألف وثمانية وثمانين فرسخاً فإن كان حقاً فهو وحي من الحق أو إلهام وإن كان قياساً واستدلالاً فقريب أيضاً من الحق وإن كان غير ذلك من تنجيث [1] وتنجيم فاللَّه أعلم وأما قول قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقيني الذي يقطع على الغيب به واختلفوا في البحار والمياه والأنهار فروى المسلمون أن الله خلق البحار مراً زعافاً وأنزل من السماء الماء العذب كما قال وَأَنْزَلْنا من السَّماءِ ماء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ [2] في الْأَرْضِ 23: 18 وكل ماء عذب من بئر أو نهر أو غير ذلك فمن ذلك الماء فإذا اقتربت الساعة بعث الله ملكاً معه طست فجمع تلك المياه فردها إلى الجنة وزعم أهل الكتاب أن أربعة أنهار تخرج من الجنة الفرات وسيحان وجيحان ودجلة وذلك أنهم يزعمون أن الجنة من مشارق الأرض وروى أن الفرات جزر زمن معاوية فرمى برمانة مثل البعير البازل فقال كعب أنه من الجنة فإن صدقوا فليست هي بجنة الخلد ولكنّها من جنان
__________
[1] . تنحبب
Ms.
[2] . ماء القدر فأرسلناه
Ms.

(2/44)


الأرض وعند القدماء أن المياه من الاستحالات فطعم كل ماء على طعم تربته ونحن لا ننكر قدرة الله سبحانه على إحالة الشيء على ما يشاء كما يحول النطفة علقة والعلقة مضغة ثم كذلك حالاً بعد حال إلى أن يفنيه كما أنشأه واختلفوا في ملوحة ماء البحر فزعم قوم أنه لمّا طال مكثه وألحّت الشمس عليه بالإحراق صار مراً ملحاً واجتذب الهواء ما لطف من أجزائه فهو نقيه [1] ما صفته الأرض من الرطوبة فغلظ وزعم آخرون أن في البحر عروقاً تغير ماء البحر ولذلك صار مرّا زعافا واختلفوا في المدّ والجزر فزعم ارسطاطاليس أن علة ذلك من الشمس إذا حركت الريح فإذا ازدادت الرياح كان منها المد وإذا نقصت كان عنها الجزر وزعم كيماوس أن المد بانصباب الأنهار في البحر والجزر بسكونها وزعم بعضهم أن ذلك من تحرّك الأرض وسكونها والمنجّمون منهم من يزعم أنّ المد بامتلاء القمر والجزر [47] بنقصانه وقد روى في بعض الأخبار أن للَّه ملكاً موكلاً بالبحار فإذا وضع يده في البحر مد وإذا رفعه جزر فإن صح ذلك والله أعلم كان
__________
[1] . [؟] نقيه
Ms.

(2/45)


اعتقاده أولي من المصير إلى ما لا يفيد حقيقة ولو ذهب ذاهب إلى أن ذلك الملك يهب [1] الرياح التي تكون سبب المد ويزيد في الأنهار أو يفعل [2] ذلك عند امتلاء القمر حتى يكون توفيقاً بين الروايات والآراء لكان هذا مذهباً والله أعلم، واختلفوا في الجبال قال الله عز وجل وَأَلْقى في الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ 16: 15 وقال تعالى أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً 78: 6- 7 وقال تعالى ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 50: 1 قال قوم من المفسرين أنه جبل محيط بالعالم من زمردة خضراء ثم اختلفوا فقال بعضهم أن منه إلى السماء مقدار قامة رجل وقال آخرون بل السماء مطبقة عليه وقال قوم وراءه عوالم [3] وخلائق لا يعلمها إلا الله ومنهم من يقول ما وراءه من حد الآخرة ومن حكمها وإن الشمس تغرب فيه وتطلع منه وهو الساتر لها عن الأرض ويسميه القدماء بالفارسية [4] كوه البرز وحكى أفلوطرخس [5] عن
__________
[1] . تهبّ
Ms.
[2] . يفعل
Ms.
[3] . عواليم
Ms.
tenmargedanslems. [4]
[5] . افلوطوخس
Ms.

(2/46)


ديمقريطيس [1] أن الأرض كانت في الابتداء تكفأ لصغرها وخفتها على طول الزمان فتكاثفت وثبتت وهذا قول المسلمين بعينه لو أنّه زاد فيه ثبت بالجبال ومنهم من يزعم أن الجبال عظام الأرض وعروقها واختلفوا فيما [2] تحت الأرض أما القدماء فأكثرهم يزعمون أن الأرض يحيط بها الماء والماء يحيط به الهواء والهواء تحيط به النار والنار يحيط بها السماء الدنيا ثم الثانية إلى السبع ثمّ فوقها فلك الكواكب الثابتة محيط بهذه السماوات والأركان التي ذكرنا ثم فوقها الفلك الأعظم المستقيم ثم فوقه عالم النفس وفوق عالم النفس عالم العقل وفوق عالم العقل البارئ جل جلاله ليس وراءه شيء وهو فوق كل شيء فعلى مذهبهم أن تحت الأرض سماء كما فوقها وفي كتب قصاص المسلمين أشياء يضيق الصدر عنها وروى أن الله تعالى لما خلق الأرض كانت تكفأ كما تكفأ السفينة فبعث الله ملكاً فهبط حتى دخل تحت الأرض فوضع الصخرة على عاتقه [3] ثمّ أخرج
__________
[1] . ديمقرطرطبيس
Ms.
[2] . فيها
Ms.
[3] . عاتقه
Ms.

(2/47)


يديه إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها فاستقرت ولم يكن لقدمه قرار فأهبط الله ثوراً من الجنة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة فجعل قرار قدمي الملك على سنامه فلم تصل قدماه إليه فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة غلظها مسيرة كذا ألف عام فوضعها على سنام الثور فاستقرت عليها قدماه وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض مشبكة تحت العرش ومنخر الثور في ثقبين من ملك الصخرة تحت البحر فهو يتنفس كل يوم نفسين فإذا تنفس مد البحر وإذا رد نفسه جزر البحر قال ولما لم يكن لقوائم الثور قرار فخلق الله كمكما كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرّت عليه قوائم الثور ثمّ لو لم يكن للكمكم مستقر فخلق الله حوتاً يقال له بهموت [1] فوضع الكمكم على وتر [2] الحوت والوتر [3] الجناح الذي يكون في وسط ظهره وذلك الحوت [على الريح] العقيم وهو مزموم بسلسلة كغلظ السماوات
__________
.
RESTiTUEd ,

apresQazwini

,Adjatb

,p.145. [1] بلهوتMs.
[2] . وتر
Ms.
[3] . والوتر
Ms.

(2/48)


والأرضين معقودة قال ثم انتهى إبليس عليه اللعنة إلى ذلك الحوت فقال ما خلق الله خلقاً أعظم منك فلم لا نزيل [1] الدنيا [47] فهم بشيء من ذلك فسلط الله عليه بقة في عينه فشغلته وزعم بعضهم أن الله سلط عليه سمكة كالشطبة فهو ينظر إليها ويهابها قالوا ثم أنبت الله من تلك الياقوتة جبل قاف وهو من زمرّد خضراء وله رأس ووجه وأسنان وأنبت من جبل قاف الشواهق كما أنبت الشجر من عروق الشجر وزعم وهب أن الثور والحوت يبتلعان ما ينصب من مياه الأرض فإذا امتلأت أجوافهما قامت القيامة قالوا والأرض على ماء والماء على الصخرة والصخرة على سنام ثور والثور على كمكم من الرمل متلبد والكمكم على ظهر الحوت والحوت على الريح العقيم والريح في حجاب من الظلمة والظلمة على الثرى وإلى الثرى انتهى علم الخلائق لا يعلم أحد ما دون ذلك إلا الله بقوله تعالى لَهُ ما في السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى 20: 6 وحكى وهب فيما روى عن عيسى عليه السلام أنه سئل عما تحت الأرض فقال ظلمة الهواء وقيل فما تحته قال انقطع علم
__________
[1] . نريل
Ms.

(2/49)


العلماء فهذه القصص ما تولع بها العوام ويتنافسون فيه ولعمري انه لممّا يريد المرء بصيرة في دينه وتعظيماً لقدرة ربه وتحيراً في عجائب خلقه فإن صحت فما خلقها على الله بعزيز وإن لم يكن من اختراع أهل الكتاب وتزوير القصاص فكلها تمثيل وتشبيه والله أعلم وقد روى شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم [كان] جالساً في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال [النبي] [1] اعلموا أن هذه زوايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما الذي فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال مسيرة خمس مائة عام ثم قال أتدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فوقه العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين سماءين ثم قال أتدرون ما تحتكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمس مائة عام ثم قال
__________
Lacunedansl ,

original. [1]

(2/50)


والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل لهبطتم على الله ثم قرأ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ 57: 3 الآية فهذا الخبر يشهد بصدق كثير مما يروون إن صح والله أعلم وليس فيه ذكر الكمكم والصخرة والثور وغير ذلك وأما أهل النظر فمختلفون فيما تحت الأرض فزعم هشام بن الحكم أن تحت الأرض جسماً من شأنه الارتفاع والعلو كالنار والريح وأنه المانع للأرض من الانحدار وهو نفسه غير محتاج إلى ما يعمده من تحته لأنه ليس مما ينحدر بل يطلب الارتفاع وزعم أبو الهذيل أن الله وقفها بلا عمود ولا علاقة وقال بعضهم أن الأرض ممزوجة من جنسين خفيف وثقيل فالخفيف شأنه الارتفاع والصعود والثقيل شأنه الهبوط فيمنع كل واحد منهما صاحبه من الذهاب في جهة لتكافئ تدافعهما [1] والله أعلم واختلف القدماء في ذلك فزعم قوم منهم أن الأرض تهوي إلى ما لا نهاية وزعم آخرون أن بعضها يمسك بعضاً وزعم بعضهم أنها في خلاء لا نهاية لذلك الخلاء وعامتهم أن دوران الفلك عليها يمسكها في المركز [48] من جميع نواحيها ويقول
__________
[1] . تدافعهما
Ms.

(2/51)


أرسطاطاليس [1] أن خارج العالم من الخلاء مقدار ما يتنفس السماء فالذي ينبغي أن يعتقد من هذا أن العالم لو كان في مكان احتاج ذلك المكان إلى مكان آخر فإذا جاز أن يخلق الله المكان لا في مكان فأي عجب أن يخلق الأرض لا في مكان ولو كان ما فيه الأرض من خلاء أو فضاء شيئاً لوجب أن يكون مخلوقاً بدلالات أثر الخلق فيما دون الخالق سبحانه وقد سبق ذكر هذا فيما قبل،
ذكر قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ 11: 7
فروي عن ابن عباس أنه قال في مقادير ستة أيام من أيام الآخرة كل يوم ألف سنة من أيام الدنيا وروى عن الحسن أنه قال في ستة أيام من أيام الدنيا ولو شاء بساعة ولو شاء بأسرع من طرفة عين ولكنه أراد إظهار قدرته لخلقه وآيات حكمته لملائكته ما يرون من ظهور آثار صفته شيئاً بعد شيء وقد قيل أن مدة الدنيا ستة أيام فلذلك خلقت في ستة أيام وروى طائفة من اليهود أن الدنيا تنقضي [2] في كل ستة آلاف سنة وتعاد في السابعة قال ابن إسحاق يقول أهل
__________
[1] . ليس
Ms.ajoute
[2] . ينقضي
Ms.

(2/52)


التوراة ابتداء الخلق يوم الأحد وفرغ منه يوم السبت فجعله عيداً لعباده وعظمة شرفه وكرمه ويقول أهل الإنجيل الابتداء يوم الإثنين وكان الفراغ يوم الأحد ويقول المسلمون ابتداء الخلق يوم السبت وكان الفراغ يوم الجمعة وإنما سميت يوم الجمعة لاجتماع الخلق فيه [و] كثير من المسلمين ينكرون هذه الرواية ويقولون ابتداء الخلق يوم الأحد وإما المجوس فإنهم يعظمون يوم الإثنين وهم يزعمون أن الله خلق الخلق في ثلاثمائة وستين يوماً وسمعت بعض أهل العلم يزعم ما من يوم إلا وهو عيد لقوم والله اعلم قال الله تعالى أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ 41: 9 قال الأحد والإثنين وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ من فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ 41: 10 الى قوله فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ 41: 12 الخميس والجمعة [1] وهكذا روى عكرمة عن ابن عباس خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين وشق الأنهار وغرس الأشجار وقدر الأقوات يوم الثلثاء ويوم الأربعاء وخلق السماوات وما فيها يوم الخميس ويوم الجمعة قال
__________
[1] . الجمع
Ms.

(2/53)


عدىّ بن زيد [بسيط]
قضى لستة أيام خلائقه ... وكان آخر شيء صور الرّجلا
فإن قيل إذا كان اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها فكيف يجوز القول بأنه خلق في اليوم قبل اليوم قيل قد بيّنّا قول المسلمين أن النهار والليل خلقا قبل الشمس والقمر وأنهما ليسا من الشمس والقمر في شيء وليست أيام الخلق كأيام الدنيا ولكنها المقادير كان يظهر الخلق فيها وقد سمى الله يوم القيامة ولا شمس ثم ولا قمر يوماً وقال لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا 19: 62 ويقال أن الله خلق الشمس يوم الأحد والقمر يوم الاثنين والمرّيخ يوم الثلثاء وعطارد يوم الأربعاء والمشتري يوم الخميس والزهرة يوم الجمعة وزحل يوم السبت فلذلك نسبت الأيام إليها فيقال رب يوم الأحد الشمس [1] وربّ يوم الإثنين [2] القمر وربّ يوم الثلثاء المريخ ورب يوم الأربعاء عطارد [48] ورب يوم الخميس المشتري ورب يوم الجمعة الزهرة ورب يوم السبت زحل ويستحب ابتداء الأعمال يوم الأحد لعظم قوة
__________
dditionmarginale. [1]
douxfoisdanslems. [2]

(2/54)


الشمس وسلطانها والسفر يوم الاثنين لسرعة سير القمر والحجامة والفصد يوم الثلثاء لمكان المريخ والدواء يوم الأربعاء لممازجة عطارد والخميس قضاء الحوائج وطلبها لفضل المشتري واللهو والفرح يوم الجمعة لأجل الزهرة والصيد يوم السبت وفيه يقول بعض المتأخّرين [وافر]
لنعم اليوم يوم السبت حقاً ... لصيد إن أردت بلا امتراء
وفي الأحد البناء لأن فيه ... تبدّا الرب في خلق السماء
وفي الاثنين إن سافرت فاعلم ... سترجع بالنّجاح وبالثّراء
وإن ترد الحجامة فالثلاثا ... ففي ساعاته سفك الدماء
وإن ترد الدواء فنعم يوماً ... لشرب المرء يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاجٍ ... وفيه الله يأذن بالقضاء
وفي الجمعات تزويج وعرس ... ولذات الرجال مع النساء
ذكر ما حكي من المدة قبل خلق الخلق
[1] روى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار [2] عن طاووس [3] عن عكرمة عن ابن
__________
itsinseresparIbn -al

 -rdtdanssaKhartda

 (voirlapreface)

.ellequeBindiqueI

,eeauCaireetPIems.

desaint -Petersbourg. [1]
ManquedansBetP. [2]
[3] . طاوس
B

(2/55)


عباس رضي الله عنه [1] قال قيل [2] لموسى [3] مذ [4] كم خلق الله الدنيا [5] فقال موسى يا رب ما تسمع [6] ما يقول [7] عبادك فأوحى الله [8] إليه [9] إني خلقت أربعة عشر ألف مدينة من فضة وملأتها خردلاً وخلقت لها طيراً وجعلت رزقه كل يوم حبة [10] حتى أفني ذلك ثم خلقت الدنيا فقيل لابن عباس فأين كان عرشه قال على الماء قيل فأين كان الماء قال [11] على متن الريح وروى مثل هذا عن [12] علي بن أبى طالب عليه
__________
[1] . عنهما
B ,P
[2] . قالت بنو إسرائيل
B ,P
[3] . بن عمران عليه السلام سل ربّك

BetPajoutent:
[4] . منذ
B
ManquedansP. [5]
[6] . اما تسمع
P
[7] . تقول
P
[8] . سبحانه وتعالى
P بن سبحانهB
[9] . يا موسى
B ,Pajoutent:
etn entreasterisques. [10]

 من ذلك الخردل فأكل الخردل حتى فنى ما في الخزائن من تلك الخردل ,P ومات الطير بعد استيفاء رزقه

 ثمّBajoute: ...
ManquedansP. [11]
[12] . طاووس مرفوعا عن

 BetPajoutent:

(2/56)


السلم [1] فهذا [2] شيء غامض صعب موكل [3] إلى علم الله إذ ليس يدري ما الذي كان قبل هذا الخلق [4] مثل هذا الخلق أو [5] على خلافهم وهل تعيد [6] الدنيا بعد فناء هذه الدنيا أم لا لأنه لم يخبرنا في كتابه ولا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك ولا في قوة العقل والاستدلال عليه فأما الخبر فغير معتمد عليه وغير عجيب ما ورد فيه ولا خارج من القدرة ولا مبطل الحكمة ولو كان أضعاف ذلك [7] وزعم بعض الناس أنه عد قبل آدم هذا الذي ينسب إليه ابتداء الشيء [8] ألف ومائتا آدم [9] والله
__________
[1] . رضى الله عنهما
P بن رضى الله عنهB
[2] . فقال هذا
B etP
[3] . موكول
B
[4] . أمثل
B ,P
[5] . أم
B ,P
[6] . يعيد
B
gurequedansBseul. [7]

 والاخبار واردة بأشياء عجيبة

 والقدرة صالحة لأضعاف [أضعاف] ذلك

Toutcepassage

 ,

depuisl ,asterisque

,nsBetPparcesmots:
[8] . ننسب.
BetP
[9] . ألف آدم ومائة [ومائتا [
B آدم P

(2/57)


أعلم وكأنه [1] جائز كونه [2] وداخل في حد الإمكان [3] فأما الذي لا يسع [4] القول إلا به ويلزم [5] اعتقاده انفراد الله تعالى [6] عن خلقه سابقاً من غير شريك ولا جوهر قديم [7] ثم أبدع الأشياء لا من شيء ولو كان بين شيئين من المدد ما لا يأتي عليه الإحصاء والعدد إلا أنه لا يصح إلا من جهة خبر صادق لأنا نخبر بقاء الحوادث على الأبد إلى ما لا نهاية فليس ذكر تلك المدة بأعجب من هذا وكون أهل الجنة في الجنة وكون أهل النار في النار،
ذكر مدّة [8] الدنيا واختلاف الناس فيها
قال الله تعالى
__________
[1] . وكله
B ,P
[2] . تحت الإمكان
BetPajoutent: بن لكونهB
[3] . الإيجاد
BetP
[4] . لا يسوغ ,
corrigedapresP

 ;B لا يسمعMs.
[5] . لا يلزم إلّا
BetP
[6] . جل جلاله
BetP
[7] وابداعه الأشياء لا من شيء سبحانه لا إله الا هو
Lepassagesuivant ,

afinduparagraphe ,

dansBetPparcelui -ci:
[8] . هذه
P.

(2/58)


خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ 7: 54 فزعم قوم أن مدة الدنيا ستة آلاف سنة مكان كل يوم ألف سنة وروي عن كعب [1] أن الله [2] وضع الدنيا [49] على [3] سبعة أيام [4] وروى ابو المقوّم الأنصاريّ عن ابن جبير عن ابن عباس [5] قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة وروى ابن أبي نجيح [6] عن مجاهد وأبان عن عكرمة في قوله تعالى في يَوْمٍ كانَ [7] مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ 70: 4 قالا [8] هي الدنيا من أولها إلى آخرها وجاء خبر آخر في أمد الدنيا [9] أنه مائة ألف سنة وخمسون ألف سنة وخبّرنى [10]
__________
[1] . رضى الله عنه
BetP بن الأحبارBajoute:
[2] . تعالى
Pajoute:
[3] . في
P
[4] . مكان كل يوم ألف سنة
BetPajoutent:
[5] . رضى الله عنهما
BetP
[6] . يحيح
Ms.
[7] . في كلّ يوم
Ms.
[8] . قال
BetP
[9] . وجاء في خبر اخر
BetP
[10] . قال البلخي رحمه الله أخبرنى
BetP

(2/59)


هربذ [1] المجوس [2] بفارس أن في كتاب لهم أن مدة الدنيا أربعة أرباع فأولها ثلث مائة ألف سنة وستون ألف سنة عدد أيام السنة وقد مضت والثاني [3] ثلاثون ألف سنة عدد أيام الشهر [4] وقد مضت [5] والثالث [6] اثنا [7] عشر ألف سنة عدد شهور السنة وقد مضت [8] والرابع [9] سبعة آلاف سنة عدد أيام الأسبوع ونحن فيها وللهند وأهل الصين فيه حساب يطول نذكره في موضعه إن شاء الله [10] ووجدت [11] في كتاب رواية عن وهب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل
__________
[1] . وحترنى هربد
Ms.
[2] . وهو اعلم من الموبذان

[الموبد ,PetBajoutent:

[P المجوسيP
[3] . والربع الثاني
PetB
[4] . الشهور
P
[5] . أيضا
BetPajoutent:
[6] . والرابع الثالث
BetP
[7] . اثنى
Ms.
[8] . أيضا
BetPajoutent:
[9] . والرابع الرابع
BetP
Toutcepassage

,epuislasterisque ,

manquedansBetP. [10]
[11] . قال البلخي رحمه الله وجدت
BetP

(2/60)


مذ [1] كم خلقت الدنيا فقال أخبرني ربي [2] انه خلقها منذ سبع مائة ألف سنة إلى اليوم الذي بعثني [3] فيه رسولاً إلى الناس ثم زعم صاحب الكتاب [4] أن مما يدل على ذلك ما جاء في الخبر أن إبليس عبد الله [5] خمسة وثمانين ألف سنة وإنه [6] خلق بعد ما خلق السماوات والأرض بما شاء [7] وهذا كله ممر على وجهه إن لا يقوم يقطع [8] العلم به وما على إذا علمت أن الدنيا محدثة مكونة ولها انتهاء وانقضاء إن لا أعلم كم مضى منها وكم بقى فكيف تطمئن النفس إلى قول من يزعم أنه قد أحصى سني [9] الدنيا وشهورها وأسابيعها وعدد أيامها
__________
[1] . مند
BetP
[2] . عزّ وجلّ
Pajoute:
ManquedansP. [3]
[4] . وزعم أيضا
BetP
[5] . قبل ان يخلق آدم
BetP
ManquedansB. [6]
.
reauteurparIbnal

-Wardt. [7]

من المدد ما شاء الله والله B] سبحانه و] تعالى بغيبه اعلمP
[8] . [؟] قطع
Ms.
[9] . سنىّ
Ms.

(2/61)


ولياليها وساعاتهما ودقائقها وثوانيها وهل يقول مثل هذا عاقل،
ذكر الدنيا وما هي
وجدت في كتاب باباً منفرداً في اختلاف الناس في الدنيا فحكى عن قوم أنهم يقولون الدنيا العالم بأسره وجميع أجزائه في السماء والأرض وما فيهما ومن قوم أنهم يقولون الدنيا تعاقب الفصول الأربعة وبقاء النماء والتناسل فإذا بطل هذا بطلت الدنيا وعن قوم أنهم قالوا أن الدنيا ضوء النهار وظلمة الليل وعن قوم أنهم قالوا أن الدنيا هذا الخلق لا غير فإذا فني فنيت الدنيا وعن قوم أنهم يقولون أن الدنيا سلطان ومال وجاه ودعة وعن قوم الدنيا هي ما بين السماء والأرض وقالوا قوم الدنيا هي الزمان فمن قال أن الدنيا هي هذا الجنس من الخلق قال ابتداؤها عند ظهور النشو ولا بعد ما قبلها من الدنيا من خلق السماوات والأرضين والملائكة وما ذكر من أصناف الخلائق قبل آدم ومن قال هو هذا العالم بأسره عد ما وجد قبل آدم من الدنيا وكذلك من حدها بحد [1] فابتدأ من حيث حدّ قال الله تعالى
__________
[1] . بحدّ
Ms.

(2/62)


فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ [1] الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ 31: 33 [2] وقال تعالى يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي 89: 24 [3] فأخبر أن الدنيا حياة والآخرة حياة ثم أضاف الفانية إلى الدنيا لفنائها وأضاف الباقية إلى الأخرى لبقائها وإنما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق والآخرة آخرة لتأخرها إلى أن تفنى الدنيا فكل ما هو فانٍ أو سيفنى يوماً من الخلق والأمر كائناً ما كان فهو دنيا وكل ما هو غير فان فهو من الآخرة ألا ترى أنه يقال لمن شاب وانصرم شبابه ذهبت دنياه ولمن ذهب ماله وسقط جاهه [49] ذهبت دنياه ولمن مات هلك دنياه فلا تسمى دنيا إلا كل ما هو فانٍ ذاهب ومثال دنيا فعلى من الدنو كالصغرى والكبرى قال [وافر]
هب الدنيا تساق عليك عفواً ... أليس مصير ذاك إلى الزوال
وما دنياك إلا مثل فيء ... أظلّك ثمّ آذن بالزّوال
ومن هاهنا قيل أن الدنيا دنية كاسمها وأن الدنيا دنى كثيرة
__________
[1] . حياة
Ms.
[2] . العزيز
Ms.
[3] . لحياتي
Ms.

(2/63)


فكل إنسان له دنيا في نفسه على حدته فماله دنيا له وجاهه دنيا له وأيّامه دنيا له ومكانه دنيا له وكل ما يناله ويسر به مما لا يبقى دنيا له وأنشدنى بعضهم [رمل]
أنت دنيا كيف ذمك لدنيا [1] ... ألتي أنت هي ومنتهاكا [2]
ويدل خبر علي بن أبي طالب عم أن الأرض من الدنيا حيث قال [3] للذي يسمعه يذم، الدنيا مهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه ويدل أن السماء من الدنيا قوله تعالى يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ 21: 104 [4] فلو كانت من الآخرة لم تطو لأن الآخرة غير فانية،
ذكر ما وصف من الخلق قبل آدم
[5] روى في الحديث أن كل شيء خلق الله قبل آدم عم [6] وأنّ آدم وجد بعد إيجاد
__________
nvientpasaumetre. [1] بن للدنياMs.
[2] . وهي منتهاكا
Ms.
[3] . قال حيث قال
Ms.
[4] . للكتاب
Ms.
.
geinsereparIbnal

-Wardt. [5] عليه السّلامBajoute:
[6] . خلقه الله
P] تعالى] من الخلق كان قبل آدم B

(2/64)


الخلق لأنه خلق في الأيام [1] التي خلق فيها الخلق وقد ذكرنا ما قيل في خلق الملائكة فلنقل الآن في خلق الجان قال الله عز وجل خَلَقَ الْإِنْسانَ من صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ من مارِجٍ من نارٍ 55: 14- 15 وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى خلق الملائكة من نور قال الله تعالى وَالله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ من ماءٍ 24: 45 وقال تعالى وَنَزَّلْنا من السَّماءِ ماء مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا به جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ 50: 9 وقال جل ذكره وَأَنْبَتْنا فِيها من كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ 15: 19 قال بعض أهل التفسير أنه الجواهر التي توزن فأخبر سبحانه عن جميع خلقه ممن خلق من الماء والنار والطين [2] وروى بقية [3] بن الوليد عن محمد بن نافع عن محمد بن عبد الله بن عامر المكّي أنّه قال خلق الله [4] خلقه من أربعة أشياء الملائكة من نور والجان من نار والبهائم من ماء وبنى آدم [5]
__________
[1] . لانه خلق آدم آخر الأيام
B
Toutcepassage

 ,epuislasterisque ,

manquedansBetP. [2]
[3] . بقيصة ,
P بقيّهMs.
[4] . تعالى
Pajoute:
[5] . وآدم
BetP

(2/65)


من طين [1] فجعل [2] الطاعة في الملائكة والبهائم لأنهما [3] من النور والماء وجعل المعصية في الجن والإنس لأنهما من الطين والنار وروينا عن شهر بن حوشب أنه قال [4] خلق الله في الأرض خلقا [5] ثم قال لهم إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً 2: 30 فما أنتم صانعون قالوا نعصيه ولا [6] نطيعه فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم ثم خلق الجن فأمرهم بعمارة الأرض فكانوا يعبدون الله [7] حتى طال عليهم الأمد فعصوا وقتلوا نبياً لهم يقال له يوسف وسفكوا الدماء فبعث [8] عليهم جندا من الملائكة عليهم إبليس واسمه [9] عزازيل فأجلوهم عن الأرض وألحقوهم بجزائر
__________
[1] . وذريته كذلك بالتبعية
BetPajoutent:
[2] . سبحانه
BetPajoutent:
;
corrigedapresB. [3] لأنهاMs.etP
[4] . قيل
B
[5] . وأسكنهم فيها
BetPajoutent:
[6] . فلا
BetP
[7] . تعالى
P بن حق عبادتهBajoutent:
[8] . الله
BetPajoutent:
[9] . من الملائكة جندا وجعل عليهم إبليس رئيسا وكان اسمه
BetP

(2/66)


البحور وسكن إبليس ومن معه [1] الأرض فهانت عليه العبادة وأحبوا المكث فيها فقال الله عزّ وجل لهم إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً [2] قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها [3] من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [4] وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قال إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ 2: 30 وروى عن ابن عباس رضي الله عنه [5] أن الله تعالى لما خلق الجن [6] من نار سموم [7] جعل [8] منهم الكافر والمؤمن [9] ثم بعث إليهم رسولاً من الملائكة وذلك قوله تعالى الله يَصْطَفِي من الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمن النَّاسِ 22: 75 [50] قال فقاتل [10] الملك [11] بمؤمنى [12] الجنّ كفّارهم فهزموهم
__________
[1] . من الملائكة
BetPajoutent:
[2] فصعب عليهم العزل ومفارقة المألوف وقالوا
iciuncommentaire:.
[3] . على طريق الاستفهام من الله سبحانه
BetP ,commentaire:
4
Leresteduversetn ,

tpascitedansBetP. [4]
[5] . رضى الله عنهما
BetP
[6] . الجان
BetP
[7] . السموم
BetP
[8] . وجعل
Ms.
[9] . المؤمن والكافر
BetP
[10] . قا فقاتل
Ms.
[11] . المرسل
Bajoute:
[12] . بمؤنى
Ms.

(2/67)


وأسروا إبليس وهو غلام وضيء اسمه الحارث [1] أبو مرة فصعدت الملائكة به إلى السماء ونشأ بين الملائكة في الطاعة والعبادة وخلق [2] خلقاً في الأرض فعصوه فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فنفوهم عن الأرض ثم خلق [3] آدم فأشقى إبليس وذريته به وزعم بعضهم أنه كان قبل آدم في الأرض خلق لهم لحم ودم واستدلوا بقوله تعالى قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ 2: 30 فلم يقولوا [4] إلا عن معاينة واحتجوا أيضاً بقول حوبر [5] أنه كان خلق [6] فبعث إليهم نبي [7] يقال له [8] يوسف فقتلوه هذه ثلاث أمم سكنوا الأرض قبل آدم التي [9] إبليس من نسلها [10] والذين قتلوا
__________
[1] . الحرث
BetP
[2] . الله
Bajoutent:
[3] . الله تعالى
P بن اللهBajoutent:
[4] . ذلك
BetPajoutent:
[5] . جوبين،
P جويبرB
[6] . انهم كانوا خلقا
BetP
[7] . نبيا
P
[8] . اسمه
BetP
[9] . والذين سكنوا الأرض قبل آدم ثلاث

 أمم الذينBetP
[10] . نسلهم
BetP

(2/68)


نبيهم [1] والذين أجلاهم إبليس من الأرض مع ما قيل أنه كان قبل آدم ألف آدم ومائتا ألف [2] آدم ونوح ألف [3] آخر وهو [4] آخر الآدمين وروى أن آدم لما خلق قالت له الأرض يا آدم جئتني بعد ما ذهبت جدتي [5] وشبابي وقد خلقت قال عدى بن زيد [6] [بسيط]
[قضى لستة أيام خلائقه] ... وكان آخر شيء صور الرجلا [7]
ذكر خلق الجن والشياطين
اعلم أن أصل الخلق وقع في شيئين من لطيف وكثيف فما خلق من الكثيف كثيف كالجوامد والموات والثواني من الجواهر والأشجار وما خلق من اللطيف لطيف كالهواء والرياح والملائكة والجنّ وما خلق من
__________
[1] . يوسف
BetPajoutent:
dditionmarginale

 ;manquedansBetP. [2]
ManquedansBetP. [3]
ManquedansB. [4]
[5] . جدّتى
Ms.
[6] . مفردا
Bajoute:
.
emprunteparIbnal

-Wardt. [7]

كذا في الأصل.Enmarge:

ران جلا

Lems.secondhemistiche

,otsainsideformes:

(2/69)


لطيف وكثيف اجتمع فيه المعنيان كأجناس الحيوان ثم خص منها بالروح الحقيقي والعقل المميز والنفس الناطقة كان إنساناً فضل على غيره بذلك وقد ذكر الله تعالى أنه خَلَقَ الْجَانَّ من مارِجٍ من نارٍ 55: 15 فزعم قوم أنّه ماء ورج ونار قالوا والرج الضباب فكمل خلقهم من أربعة أشياء من الماء والرج والضوء والحرارة وأكثرهم على أن المارج [الغير] المختلط من لهب النار فما فيهم من خفة وسرعة واختطاف وتسويل بالشر فمن جهة طباعهم النارية وما كان فيهم من خير وفضيلة فمن جهة الضوء واختلاف ألوانهم وتأويلهم في التخييلات والتمثيلات لاختلاف أجزاء عناصرهم وفاتوا الحواس للطافة أجسامهم كما فاتته الملائكة والعلة في ذلك العلة في الملائكة والهواء أغلظ وأكثف من الجن فإذا كفا لم يحس به ما لم يحدث [1] به حركة واضطراب فكيف بالذي هو ألطف منه وأخف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم فما هو إلا بمنزلة العوارض التي تخلص إلى أجسامنا وتباشر أنفسنا من الحرّ والبرد والحزن والفرح وغير ذلك
__________
[1] . [؟] حدث
Ms. ;annot.marg.

(2/70)


فلا نعلم كيف وصلت إلينا ونعلم يقينا أنها حادثة فينا وجاء في بعض الأخبار أن اسم أبي الجن سوم كما اسم ابى البشر آدم قالوا وخلق سوم وزوجته من نار السموم فتناسلوا وكثر ولده وكانت الجن سكان الأرض قبل آدم والملائكة سكان السماء واختلفوا في الشياطين فقال أكثر المسلمين أن من عصى من الجن صار شيطاناً وزعم بعضهم أن الشيطان من ذرية إبليس خاصة بعد اختلافهم في إبليس أمن الجن هو أم من الملائكة وكل ما اجتن عن الأبصار فهو جن ملكاً كان أو جنياً أو شيطاناً والشيطنة الخبث والنكارة [50] فيقال لعتاة الإنس شياطين كما يقال لعتاة الجن شياطين وللغرس السريع شيطان ولكل داهية أو خفيف فطن شيطان وجاء في الحديث أن الكلب الأسود البهيم شيطان وقد قال الشاعر
ما ليلة الفقير إلا شيطاناً
فسمى ما يقاسيه الفقير من الضعف والشدّة شيطانا وروى عن مجاهد أنه قال مسكن الجن الهواء والبحار وأعماق الأرض وطعامهم روائح الطعام وشرابهم روائح الشراب قال ولما خلق الله تعالى أبا الجن قال له تمن قال أتمنى أن لا نرى ولا نرى وأنا ندخل تحت الثرى

(2/71)


وأن شيخنا يعود فتى فأعطى ذلك ثم لما خلق آدم قال له تمن قال أتمنى الحيل فأعطى ذلك قالوا وللجن شياطين كما للإنس شياطين وعلى الملائكة حفظه يقال لهم الروح كما للناس حفظه من الملائكة وكثير من الفلاسفة يقرون بالخلق الروحاني وإن خالفوا في صفتهم فمن ذلك ما ذكره افلاطن في آخر كتابه المعروف بسوفطيقا أن الشياطين هي النفوس التي كانت ملابسة لهذه الأبدان فتشيطنت لرداءة أعمالها وزعم أن السحرة يستعينون بهذه النفوس في الأعمال التي يعملونها فيجيبونهم ويظهرون لهم ما أرادوا وأجاز قوم أن يكون في عالم سباع وبهائم غير محسوسة للطافة أبدانها وزعم بعضهم أن صور العدم قائمة بذاتها فهولاء قد أقروا بالصور الروحانية [1] واختلفوا في الصفة وكفوا بعض المئونة،
ذكر ما وصفوا من عدد العوالم ولا يعلمها إلا الله
روى جبير عن الضحاك أنه قال للَّه في الأرض ألف عالم منها ستمائة بالبحر وأربعمائة في البر وعن الربيع بن أنس للَّه أربع عشر ألف عالم ثلاثة آلاف وخمسمائة في المشرق وثلاثة
__________
dutexte. [1] الروحانيّ Corr.marg.pour

(2/72)


آلاف [1] وخمسمائة في المغرب وثلاثة آلاف [1] وخمسمائة هكذا وثلاثة آلاف [1] وخمسمائة هكذا وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال للَّه ثمانية آلاف عالم الدنيا وما فيها عالم واحد وروى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال إنّ للَّه أرضا بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوماً مملوءة خلقاً من خلق الله لا يعصون الله طرفة عين قيل فأين إبليس عنهم يا رسول الله قال وما تدرون أن الله خلق إبليس ثم قرأ وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ 16: 8 والله أعلم بصحة الرواية مع ما يذكر من أصناف الأمم مثل ناسك ومتنسك وتاويل وهاويل ويأجوج ومأجوج وسائر الخلق في جنبتي الأرض اللتين يسميان جابلقا وجابلسا،
__________
[1] . ألف
Ms.

(2/73)