البدء والتاريخ

الفصل الثامن في ظهور آدم وانتشار ولده
اعلم أن الناس في هذا الفصل رجلان اثنان ملحد منكر للابتداء قائل بأزلية المعلول مع العلة وموحد مقر بالابتداء قائل ضد صاحبه ثم من أقر بابتداء الخلق اختلفوا في كيفية ظهور أوله وأنا ذاكر مقالاتهم ومنبه عن موقع منه بمشيّة الله وعونه فليكن مسألة إثبات حدث العالم من بال [1] الناظر في هذا الفصل فالذي يدل على حدث آدم هو الدليل المضطر إلى الإقرار بابتدائه،
ذكر اختلاف الفلاسفة في تولد الحيوانات وكيف كان كونها
فإما الذين يرون [51] أن العالم لا كون له فإن كون الحيوان عندهم من استحالة بعضه إلى بعض لأنه أجزاء العالم وكذلك يرى فيثاغورس وأما الفسمد فيرى أن الحيوان
__________
[1] . بال
Ms.

(2/74)


تولد من الرطوبة وأن كان يغشاه [قشر] مثل قشور السمك ولما أتت عليه السنون صارت إلى الجفاف واليبس فانقشر عنها ذلك القشر وصار حياتها زماناً يسيراً وأما ديمقرطيس فيرى أن الحيوانات تولدت وأن كونها من جوهر حارّ وأنّ أوّل ما أحياها هي الحرارة وأما انباذقليس فيرى أن لحون الحيوان والنبات لم يكن في أول الأمر دفعة واحدة لكنها شيء بعد شيء كأنها كانت أعضاء غير مؤتلفة ولا متصلة ثم صارت بعد ذلك متصلة في كون ثان في صورة التماثيل وفي كون ثالث كان بعضها في بعض وفي كون رابع بالاجتماع والتكاثف وكثرة الغذاء فهذا جملة قولهم في ظهور الحيوانات وآدم حيوان فعند بعضهم أن آدم تولد من رطوبة الأرض كما يتولد سائر الهوام وكان جلده كقشر السمك ثم لما أتى الزمان عليه جف وسقط عنه وعند آخر لم يظهر بكماله وأنها ظهر شيئاً بعد شيء ثم تركبت واتصلت على مرور الزمان وصار إنساناً تاماً واختلف المنجمون في ذلك فمنهم من يزعم أن الفلك دار كذا وكذا ألف سنة فكلما دار على استقامة ظهر نوع من الخلق إلى أن دار على أتمّ [1]
__________
[1] . أ [؟] م
Ms.

(2/75)


الاستقامة وأكمل الاعتدال فظهر هذا الإنسان الذي لا شيء أكمل ولا أفضل منه ومنهم من يزعم أن الكواكب السبعة لما اجتمعت كلها في أول درجة من الحمل ظهر جنس البهائم ثم لما اجتمعت في أول درجة من الجوزاء ظهر جنس الناس ولما اجتمعت كلها في أول درجة من الثور ظهر جنس من النبات ومنهم من يزعم أن الفلك لما دار على استقامة ظهرت البهائم ثم دار على أعدل من ذلك فأظهر القرد وكاد يكون إنساناً ولا شيء أشبه به منه ثم دار على غاية العدل فأظهر الإنسان واختلف سائر الأمم في ذلك فزعمت فرقة من الهند أن أول ما كان من ظهور الإنسان أن السماء ذكر والأرض أنثى وأنه مطرت السماء فقبلت الأرض ماءها بمنزلة قبول المرأة ماء الرجل في رحمها وأجلها الفلك بسرعة جريه ودورانه فبدأ أول ما بدأ هذا النبت الشبيه بالإنسان الذي يسمى يبروح [1] الصنمي ثم ألح عليه الفلك بدورانه حتى أقلع من منبته وأفاده حركة مكانته فصار إنساناً يسعى كما ترى وفي كتاب الفرس أن الله خلق الخلق في ثلاثمائة
__________
[1] . [؟] بروح
Ms.

(2/76)


وستين [1] يوماً ووضع ذلك على أزمنة الكاه انبار فخلق السماء في خمسة وأربعين يوماً والماء في ستين يوماً والأرض في خمسة وستين يوماً والنبات في ثلاثين يوماً وخلق الإنسان في سبعين يوماً وسماه كيومرث وأنه كان في جبل يسمى كوشاه ولم يزل يعمل الخير والعبادة وكان في سياحته ثلاثين سنة ثم طعنه إبليس فقتله فسال من طعنته دمه وصار ثلاثة أثلاث فثلث منه أخذته الشياطين وثلث أمر الله روشنك الملك أن يأخذه ويصونه وثلث قبلته الأرض فصارت محفوظة أربعين سنة ثم أنبت الله منه نباتاً كهيئات الريباس وظهر في وسط ذلك النبات صورتان ملتفان بورق ذلك النبات [51] أحدهما ذكر والآخر أنثى واسم الذكر منها ميشي [2] واسم الأنثى ميشانه [3] ومرتبة هذين عند الفرس مرتبة آدم وحواء عند أهل الكتاب وسائر الأمم قالوا ثم ألقى الله في قلوبهما شهوة المباضعة بعد ما أجرى فيهما روح الحياة فاجتمعا وتوالدا وصار نسل الناس
__________
[1] . ستّون
Ms.
[2] . مبشى
Ms.
[3] . مبشانه
Ms.

(2/77)


منهما وقال قوم أن الفلك لحركاته ابتداء وتوسط وغاية فظهر من ابتداء حركته النبات وفيه أدنى القوى ثم انضمت إلى القوتين قوة الغاية والتمام فظهر الإنسان قالوا ولا قوّة في الفلك أتم وأبلغ من هذه القوة التي أظهرت الإنسان ولا صورة أتم وأكمل منه ولذلك اجتمعت فيه القوى كلّها قوّة النماء وقوة الحس والحركة وقوة النطق والتمييز ومن هاهنا قالوا الإنسان ثمرة العالم وقالوا هو العالم الأصغر إذ لا يوجد في العالم شيء إلا وجد له شبيه في الإنسان لأن فيه ظاهراً هو جسمه وباطناً هو روحه وأربع طبائع من اسطقساته فالسوداء باردة يابسة من طبع الأرض والصفراء حارة يابسة من طبع النار والبلغم بارد رطب من طبع الماء والدم حار رطب من طبع الهواء ولحمه كالأرض وعظامه كالجبال وشعره كنبات الأرض وأعضاءه كالأقاليم وعروقه كالأنهار ومنافذه [1] ومفاوز [2] عرقه كالعيون ورأسه الفلك محيط به وفيه نيّرانه كنجوم الفلك وظهره كالبر وبطنه كالبحر وفي بطنه ألوان مختلفة
__________
[1] . ومنافده
Ms.
[2] . ومفاور
Ms.

(2/78)


من المياه والحيوان كنحو ما في بطن الأرض وفي يديه الدوابّ المتولّدة كالدواب المتولدة في الأرض وفيه النماء كما في النبات والحركة الكامنة كالبهائم والغضب كما في السباع وفيه عقله وحيوته كالإله المدبر له المعرف له قالوا ولا متفرق لو جمع كان منه إنسان إلا العالم ولا مجتمع لو فرق كان منه [العالم] إلا الإنسان [1] والعالم الأكبر عالم بالفعل إنسان بالقوة فالإنسان إنسان بالفعل وهو العالم بالقوة [2] وفي النبات امتزاج ضعيف فلذلك لم يبلغ درجة الحساسة وفي البهائم امتزاج أقوى من ذلك فلذلك تحركت وأحست وفي الإنسان امتزاج على تعديل ونظام قالوا وقد صح حكم الحكماء أن آخر العمل أول الفكرة وأول الفكرة آخر العمل فلما كان الإنسان آخر عمل الصانع صح أنه أول فكرة الصانع وهذا رأي أكثر الفلاسفة وقال بعضهم في تفصيل الإنسان وقسمة أجزاء الحيوان فالعالم فيه يداه جناحاه وأظفاره مخالبه وعيناه شمسه وقمره ورجلاه قوائمه ورأسه سماؤه ومثانته بحاره
__________
dditionmarginale. [1]
dditionmarginale. [2]

(2/79)


وأضراسه طواحنه ومعدته خزانته حتى عد جميع أجزائه وأعضائه الظاهرة والباطنة وهذا كله سهل يسير لأنا لا ننكر خلق الإنسان في هذا العالم من العالم والكلام فيه حرفان إما أن كان هو بنفسه من غير مكون فهو محال وإما أن كان كونه غيره مكون فهو الذي يقطع الشغب بيننا وبينهم وإما أن يكون هو لم يزل فأثر الحدث فيه يرد هذا القول وقد سبق من الحجة في الفصل الأول ما يدل على فساد هذه الدعوى بقي الكلام في كيف أوجد وليس ممكن مشاهدة الخبر في مثله إلا عن وحي أو رسالة فانتصر إلى ما في كتب الله وأخبار رسله صلوات الله عليهم وروى ابن إسحاق أنّ أهل التوراة يدرسون فيها أن خلق [الله] آدم على صورته لما أراد يسلطه على الأرض وما فيها [52] وقد روى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله آدم على صورته ثم اختلفوا في التأويل وقرأت في نسخة زيادة على ما ذكره ابن إسحاق فقال بعد ذكر خلق السماوات والأرض فال الله يخلق إنساناً بصورتنا وشبهنا ومثلنا فيكون مسلطاً على سمك البحار والطير والأنعام وكل ماشية على الأرض فخلق آدم على صورته ومثاله ونفخ في وجهه

(2/80)


نسمة الحياة وسلطه على ما في الأرض وذلك يوم الجمعة واستراح يوم السابع وهو يوم السبت وفسر لي يهودي بالبصرة فزعم في خلق آدم أن الله صوره على الأرض ثم نفخ فيه والله أعلم وروى ابن إسحاق قال بينا آدم يمشي منتصباً ولم يكن مشى في الأرض حيوان مثله إذ جاء النسر إلى البحر فقال للسمكة إني رأيت خلقاً يمشي على القدمين وله يدان يبطش بهما في يده خمس أصابع فقالت السمكة إني أراك تنعت خلقاً ما أراه يدعك في جو السماء ولا يدعني في قعر البحار وهذا تمثيل والله أعلم وفي كتاب الله الذي لم يلحقه تغيير ولا تحريف وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ 23: 12- 13 يعني ولده وقال عز ذكره إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرابٍ ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 3: 59 وقال تعالى حكاية عن الشيطان خَلَقْتَنِي من نارٍ وَخَلَقْتَهُ من طِينٍ 7: 12 فأخبر عن ابتداء خلق آدم أنه كان من التراب ثم ضم إليه الماء فكان طيناً ثم سل خلاصة الطين بدلالة قوله تعالى وَإِذْ قال رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً من صَلْصالٍ من حَمَإٍ مَسْنُونٍ 15: 28 ثم ترك حتى جف وصلصال كما قال خَلَقَ الْإِنْسانَ من صَلْصالٍ

(2/81)


كَالْفَخَّارِ 55: 14 وهذه أحوال كان الله تعالى يحولها على الإنسان تصفيه لطينته وإخلاصاً لنيته إذ لم يخلق كل طين كما يتولد منه الحيوان وينبت منه النبات ولا جعله في جميع الأحوال والهيئات كما يوجد منه ذلك ولو شاء لأوجده ولكن لم يدع حكمته وتدبيره في إظهار قدرته وإبداء حكمته في كل جزء من أجزاء ترتيبه كما يخلق تنسله من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولو شاء لأتم خلقه من غير النطفة مع أن أسرار حكمته وعلمه لا مطلع عليها للعباد وجاء فيها من الأحاديث والأخبار ما لو تكلفناها لطال الكتاب بها وخرج عن الغرض المقصود له ولا من بعضها لما فيه من التقريب والتمثيل فزعم بعضهم أنه إنما سمى آدم لأنه خلق من أديم الأرض وقال الضحاك سمى آدم لأنه خلق من الأرض السادسة واسمها كاماً والرواية الأولى أشهر وأعرف وزعم بعضهم أن الله قبض من جميع وجه الأرض من سباخها وبطائحها وأسودها وأحمرها قبضة فلذلك جاء ولد آدم على تلك الألوان أبيض وأسود وأحمر وروى بعضهم أن [الله] جمع في آدم المياه كلها فموضع العذب في فمه والمالح في عينه والمر في أذنه والمنتن في خيشومه وروى في

(2/82)


خبر أن الله تعالى خمر طينة آدم وأنها لتخرج من أصابعه والله أعلم،
ذكر خلق آدم
قال ابن إسحاق فلما أراد الله أن يخلق آدم بقدرته ليبتليه ويبتلى به لعلمه بما في ملائكته وجميع خلقه وكان أول بلاء ابتليت به الملائكة مما لها فيه ما تحب وتكره البلاء والتمحيص بما فيهم ممّا لو تعلموا أو أحاط به علم الله منهم جميع الملائكة من سكان السماوات والأرض ثم قال إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً 2: 30 إلى قوله إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ 2: 30 أي أن فيكم ومنكم ولم يبدها لهم منه المعصية والفساد وسفك [1] الدماء [52] وقال الله تعالى ما كانَ لِي من عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ 38: 69 فلما عزم الله تعالى على خلق آدم قال للملائكة إِنِّي خالِقٌ بَشَراً من طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ من رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ 38: 71- 72 فحفظت الملائكة وعده ووعوا قوله وأجمعوا لطاعته إلا ما كان من عدو الله إبليس فإنه صمت على ما في نفسه من الحسد والبغي والتكبر وخلق الله آدم من أدمة الأرض من طين لازب من حمإ
__________
[1] . واسفك
Ms.

(2/83)


مسنون بيده تكرمه له وتعظيماً لأمره فيقال والله أعلم خلقه ثم وضعه ينظر إليه أربعين عاماً قبل أن ينفخ فيه الروح حتّى عاد صلصالا كالفخّار ولم تمسّه نار وكان خلقه يوم الجمعة في آخر ساعة منها وذلك قوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ من الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً 76: 1 هذا كله قول محمد بن إسحاق صاحب المبتدإ والمغازي وقد خولف منه في حروف ليس هذا موضع شرحها،
ذكر اختلافهم في خلق آدم
قال كثير من المسلمين أنه خلق في الأرض كما خلق من الأرض وخلقت منه زوجته حواء وفي نسخة التورية [1] أن الله نصب الفردوس في عدن وأسكنها آدم وأنبت فيها من كل شجرة طيبة وانطلق الرب بآدم فأنزله الفردوس ليعمره ويتعاهده وقال ولا تأكل [2] من شجرة الفقه للخير والشر فإنك يوم تأكل تموت موتاً وقال تعالى لا يحسن أن يكون آدم وحيداً فألقى عليه النوم وأخذ ضلعاً من أضلاعه فجعل منه حواء وقال بعض الناس أن الله خلق آدم في السماء وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن الجنة التي
__________
[1] . التوراة
Ms
[2] . [؟] اكل
Ms.

(2/84)


أسكنها آدم بين السماء والأرض ومن المسلمين من يقول أنها خلقت للابتداء ثم أفنيت ومنهم من يقول أنها جنة الخلد والله أعلم قالوا وكان خلق آدم يوم الجمعة وأسكن الجنة في ذلك اليوم وأخرج منها فما لبث فيها إلا مقدار ما بين الصلاتين ويذكر هذه القصة ابن جهم في قصيدته [سريع]
يا سائلي عن ابتداء الخلق ... مسألة القاصد قصد الحقّ
أخبرنى قوم من الشقات ... أولو [1] علوم وأولو هيئات
تفرعوا في طلب الآثار ... وعرفوا موارد الأخبار
ودرسوا التّوراة والإنجيلا ... وأحكموا التأويل والتنزيلا
أن الذي يفعل ما يشاء ... ومن له القدرة والبقاء
أنشأ خلق آدم إنشاء ... وقد منه زوجه حواء
مبتدياً وذاك يوم الجمعة ... حتى إذا أكمل فيه الصنعة
أسكنه وزوجه الجنانا ... فكان من أمرهما ما كانا
غرهما الشيطان فاغترا به ... كما أبان الله في كتابه
غرهما الشيطان فيما صنعا ... فأهبطا منها إلى [2] الأرض معا
فوقع الشيخ أبونا آدم ... بجبل الهند يدعى واسم
لبئس ما اعتاض من الجنان ... والضعف من جبلّة الإنسان
__________
[1] . الو
Ms
[2] . لا
Ms

(2/85)


فشقيا وورثا الشقاء ... نسلهما والكد والعناء
ولم يزل مفتقرا من ذنبه ... حتّى تلقّى كلمات ربه
فأمن السخطة والعذابا ... والله تواب على من تابا
ثم تنسلا وأحب النسلا ... فحملت منه حواء حملا
وولدت ابناً فسمى قاينا ... وعاينا من أمره ما عاينا
وفي الحديث أن الله تعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم فأخذ ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم بينهما وآدم نائم ثم لم يهب فخلق زوجته فلما هب رآها إلى جنبه فقال لحمى ودمى وروحى فسكن [1] إليها قال ابن عبّاس احفظوا نساءكم فإن المرأة خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل [53] وإن الرجل خلق من الطين فنهمته في الطين وفي التوراة أن الله أسكن آدم الجنة قال لا يحسن أن يكون آدم وحيداً فلنخلق له عوناً يعني امرأة فخلق حواء كما جاء في الحديث وفي رواية الكلبي أن الله خلق آدم من طين فكان مطروحاً بين مكة والطائف أربعين سنة لا يدري ما يصنع به وذلك قوله عزّ وجلّ هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ من الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً، 76: 1
__________
[1] . فسكر
Ms.

(2/86)


ذكر قولهم كيف نفخ فيه الروح
قال أهل الأخبار لما خلق الله طينة آدم وأتى عليه حين من الدهر وصارت صلصالاً كالفخار أرسل إليه روحاً من عنده على مائدة من موائد الجنة فلما رأى الروح ضيق مدخله وظلمة هيكله كره الدخول فيه فقيل أدخل كرهاً وأخرج كرهاً فنفخ الروح في منخره فدار في رأسه لضيق مكانه وجرى روح الحياة فيه ففتح عينه وانطق لسانه وسمعت أذناه وعطس فقال الحمد للَّه فقال له ربه جل ذكره يرحمك ربك فكان أول ما تكلم به آدم التوحيد والتحميد لربه فعلمت الملائكة عند ذلك أن الله لم يخلقه [1] إلا لأمر عظيم قالوا وجعل الروح تمر في جسد آدم وهو ينظر إليه فلا يأتي على شيء منه إلا صار لحماً ودماً وشعراً قال سلمان الفارسي ثم وثب قبل أن يخلق الرجل منه وذلك قوله تعالى وَكانَ [2] الْإِنْسانُ عَجُولًا، 17: 11
ذكر سجود الملائكة لآدم عم
قال ولما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة بالسجود ليبتليهم ويبتلى
__________
[1] . يخلق
RECTIONmarginale ,lems.a
[2] . وخلق
Ms.

(2/87)


إبليس بما في ضميره سجدة تحية لا سجدة عباده وفيل بل أمروا بالسجود للَّه إليه كسجود المسلمين إلى القبلة فسجدوا كلهم كما قص الله علينا في القرآن إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ من الْكافِرِينَ 2: 34 واختلفوا في المعنى الذي أمروا بالسجود من أجله فقال قوم كان الله في سابق علمه أن يستخلف آدم ذريته في الأرض ليعمروها ويأكلوا من رزقه ويعبدوه ويطيعوه فلما أراد أن يخلق آدم قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قال إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ 2: 30 أن في ذريته أنبياء وأولياء وأنه يعصى فاغفر له فيظهر الرحمة والمغفرة وأنه يأكل من رزقه [1] فيظهر الفضل والجود والقدرة فلما نفخ فيه الروح قال الحمد للَّه قال الله تعالى يا آدم أحسنت أحسنت لهذا خلقتك لكي تحمدني وتمجدني ثم أمرت الملائكة بالسجود له بحمده وقال قوم أن إبليس عبد الله خمس وثمانين ألف سنة وكان يدعى بين الملائكة خازن الجنان فلما قال الله عز وجل إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً 2: 30 استعظم ذلك إبليس
__________
[1] . رزقي
Ms.

(2/88)


واعتقد الخلاف والمعصية فلما خلق الله طينة آدم جعل إبليس يمر بها ويقول للملائكة أرأيتم هذا الخلق الذي لم تروا فيما مضى مثله أن أمرتم بطاعته ما صانعون فقالوا نطيع ونأتمر فقال في نفسه لئن فضل على لأعصينه ولئن فضلت عليه لأهلكنه فأمروا بالسجود حتى ظهر ما أضمر المرء في نفسه من المعصية وزعم الكلبي أن الله تعالى لما قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً 2: 30 قالوا ألن يجعل الله خلقاً أعلم منا ولا أكرم عليه منا فابتلوا بالسجود لآدم وزعم بعضهم أن الله تعالى لما خلق آدم لم يكن في خلقه أحسن وأكمل وأتم وأفضل منه فأمرت الملائكة بالسجود له لفضيلته لقول الله عز وجل [53] بعد أقسام أربعة لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ 95: 4 وقيل أمروا بالسجود له لفضل علمه عليهم وقد قال بعض الناس أن الروح هو الذي أوجب السجود لآدم لأنه منه وزعم أن الحيوانات كلها صنف واحد في الحياة والأرواح شيء واحد وإنما الأشخاص والأجسام والهياكل كلها آلات ومساكن [1] قالوا فالحيوان مجموع من شيئين خفيف وثقيل فما كان من
__________
[1] . والمساكن
Ms.

(2/89)


ثقيل فإنه ينحل ويعود إلى التراب وما كان من خفيف فإنه يصعد ويبقى وهو لا يفسد أبداً وهو نطق الإنسان وبصر العينين وسمع الأذنين وبطش اليدين ومشى القدمين وأجناس الحواس كلها من الشم والذوق والطعم والرائحة وهو حفظ القلب والمعرفة والفهم والوهم والعقل والذكر وكل ما هو موجود غير معلوم الحدود في الكمية والكيفية قالوا فالأشخاص والأجسام كاللباس وفيها لا يرى ولا يحس ولا يسمع وهو يرى ويسمع ويحس قالوا وإنما أمروا بالسجود له لهذه الحال فكفر من أبى واستكبر وكان حكم هذه المسألة أن تكون في باب من هو وما هو من الفصل الثاني في إثبات البارئ عز وعلا ولكن الإنسان مغلوب على أمره دلالة على فساد قول هذه الطبقة إذ لا كمال إلا للَّه وغير جائز وجود النقص في الكمال وحدثت [1] عن رجل في بلاد سابور من حدود فارس يجتمع إليه قوم ويذهبون مذهباً يخالفون عوام الناس فقصدته متصفحاً ما عنده ولزمته أياماً كالمصفى المسترسل لما عنده متبالهاً متجاهلاً وكان الرجل يرجع إلى شيء من علم
__________
[1] . وحديث
Ms.

(2/90)


اللغة ومعرفة مذاهب القدماء إلى أن أنس بي ووثق بناحيتي ثم أبدى مكتوم أمره ودفين سره وإذا هو على هذا المذهب الذي ذكرته مع طول تهجد وقيام وكثرة صلاة وصيام وأذكر مما حفظته عنه أنه كان يوما يشير إليه بالدلائل فقال وهو الذي تراه في عيني وأراه في عينك ثم أنشد بيتاً [خفيف]
حجبته العيون عن كل عين ... وهو فيها أنيس كلّ وحيد
وحدّثنى عن بعض مشايخه عن أبي يزيد البسطامي أنه قال طلبت الله ستين سنة فإذا أنا هو وعن ارسطاطاليس وجدت صورة مصورة في بعض المواضع وفي يده كتاب مكتوب فيه كنت أشرب شراباً ولا أروى فلما عرفت البارئ جل وعز رويت بلا شرب ولبعض المتصوفة مذهب قريب من هذا بل هو بعينه لأن منهم من يقول بالحلول وإذا رأوا صورة حسنة خروا له سجدا وكثير من أهل الهند يفعلون هذا وأنشدني ابن عبد الله للحسين بن منصور المعروف بالحلاج ما يدل على هذا القول [منسرح]
يا سر سر يدق حتى ... يخفى على وهم كل حي

(2/91)


وظاهراً باطناً تجلى ... لكل شيء بكل شيء
إنّ اعتذاري إليك جهل ... وعظم شكى وفرط عي
يا جملة الكل لست غيري ... فما اعتذاري إذا إلي
وكم للَّه علينا من الفضل والمنة بإلهام التوحيد وتسهيل التعريف وأي نفس مميزة تطمئن إلى مثل هذه المذاهب وأي عقل يسمح بقبولها،
ذكر قوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ [1] عَلَى الْمَلائِكَةِ 2: 31
[54] قالوا وكان الله خلق كل شيء قبل آدم وكانت الملائكة ترى الأشجار والثمار والوحوش والبهائم وسائر الحيوانات تمشي ولا تأكل ولا يدرون لمن خلق ولمن خلقت هذه وما أسماؤها ومنافعها فلما قال لهم إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً 2: 30 وبدلاً منكم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ليس يردون على الله ولكن يستخبرونه ويطلبون معرفة حكمته وأنه يخلق خلقاً يفسد وهو تعالى يكره الفساد فقال الله إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ 2: 30 وهذا ليس جواب الملائكة عن قولهم وإنّما جوابهم
__________
[1] . اعرضهم
Ms.

(2/92)


حيث أنبأهم آدم أسماء [1] المسميات وقد يكون جواب القول قولاً وفعلاً وحركة وعلم آدم الأسماء كلها تعليم إلهام ويقال تلقين وأما الحسن فإنه كان يقول تعليم استدلال واجتهاد خلقها الله إذ خلقه مستنبطاً مستدلاً فاستدل بالآثار على المراد من المسميات وانبأها وأغفلت الملائكة ذلك ففضل آدم عليهم واستحق شرف الرتبة باستعمال الاجتهاد وزعم قوم أنه علم آدم الأسماء ولم يعلمها للملائكة ثم أعادهم إلى معارضته وأجازوا تكليف ما لا يطاق بظاهر هذه الآية والله أعلم وأحكم فإما ذكر تلك المسميات وما أختلف أهل التأويل فمستقصاة في كتاب معاني القرآن من نظر فيه شفاه وكفاه،
ذكر دخول آدم الجنة وخروجه منها
ولما أبى إبليس أن يسجد لآدم قال الله تعالى يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا من الظَّالِمِينَ 2: 35 وقد ذكرنا قول أهل العلم في تلك الجنة ما هي وأين هي واختلفوا في هذه الشجرة فمن قائل أنها الحنطة وآخر أنها الكرمة وآخر أنها الحنظل وروى ابن إسحاق عن بعضهم
__________
[1] الأسماء
Ms.

(2/93)


أنه قال الشجرة التي يحتك [1] بها الملائكة الخلد وأن آدم لما دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة والنعيم قال لو أن خلداً فاغتنم [2] منه الشيطان ذلك فأتاه من قبل الخلد وقال ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين فقد جعل الله للشيطان وأعوانه سلطاناً يخلصون بها إلى بني آدم ونقطهم [3] وهم لا يرونهم يقول الله تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ 114: 1- 2 إلى قوله يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ 114: 5 وروى أن صفية بنت حي أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مجاور في المسجد فتحدثت عنده ساعة من العشاء وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليردها إلى البيت فمر بها رجل من الأنصار فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إنها صفية بنت حي فقال يا رسول الله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 أظننت أني أظن قبيحاً قال إن الشيطان يجري من آدم مجرى الدم خشيت أن تظن فتهلك فهذا الخبر دليل على وصول
__________
[1] . كذا في الأصل [؟] ،
etenmarge: حكMs.
[2] . فاعتم
Ms.
[3] . كذا في الأصل
Sie.Ms.etenmarge:

(2/94)


الشيطان إلى الإنسان كوصول الأعراض من الحر والبرد وغير ذلك وزعم القصاص وأهل الكتاب مراجعات كثيرة وعجائب في هذه القصة وأن إبليس عرض نفسه على دواب الأرض كلها فأبى [1] ذلك حتى كلم الحية وقال أمنعك من ابن آدم وأنت في ذمتي أن أدخلتني الجنة فجعلته في فمها أو بين نابيها وكانت الحية من أحسن الدواب وخزان الجنة فكلّمهما [2] من فيها وقيل ناح عليهما [3] نوحة شبحية [4] حتى افتتنا قال ابن عباس اخفروا ذمة عدو الله فيها واقتلوها حيث وجدتموها قال الله تعالى قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً 2: 38 الآية وفيما قص الله تعالى في القرآن كفاية [54] عن زيادة رواية غيره وقال الله تعالى وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى 20: 121- 122 وجاء في صفة توبته وما يلقى [5] من كلمات ربه روايات قد ذكرتها في كتاب المعاني وأحسن ذلك ما روى عن الحسن
__________
SicinMs. [1]
[2] . فكلّمها
Ms.
[3] . عليها
Ms.
[4] . كذا في الأصل
Enmarge:
[5] . [؟] لقي
Ms.

(2/95)


رحمه الله أنه قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ، 7: 23
ذكر أخذ الذرّيّة من ظهر آدم عم
قال الله تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [1] وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى 7: 172 أهل النظر يرون أن أخذ هذا الميثاق من بني آدم عند بلوغهم واستجمام عقولهم فليس من بالغ إلا وتلك الشهادة ساطعة عليه بأنه مخلوق محدث وأن له خالقاً يستحق منه [2] العبادة لإحداثه إياه وإيجاده فأهل الأخبار يروون فيه روايات أنه اخرج الذرية من ظهر واحد وجعل لهم فهماً وعقلاً ولساناً ينطقون فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا فأشهدهم على أنفسهم وأشهد الملائكة عليهم وأعادهم في صلبه واختلف هؤلاء أين أخذ الذرية من ظهره ومن هو مولود إلى يوم القيامة فزعم الكلبي أنه مسح ظهره بين مكة وطائف وهذه أشياء أكتفي منها بنبذ لأني قد وفّيتها حقّها في كتاب المعاني،
__________
[1] . ذريّاتهم
Ms.
[2] . امنه
Ms.

(2/96)


ذكر اختلاف الناس في آدم وذريته
اعلم أن من أنكر حدث العالم وقال بقدم المعلول مع العلة لم يقل في ابتداء شيء من الخلق وإنما حدوثه وكونه استحالة بعد استحالة إلى ما لا نهاية وأما الفرس فإنهم استعظموا وجود النسل من ذكر دون أنثى فوضعوا في المبادي ذكراً وأنثى وسموها ميشى وميشانه وحكى عن بعض أهل الهند أنهم يزعمون أن آدم خرج من عندهم هارباً فتناسل في ناحية الشمال ومن القدماء من يسميه زاوش وحكى عن علي بن عبد الله القسري في كتاب القرانات عن بوداسف [1] الفيلسوف من أهل بابل العتيقة كان عالماً بالأدوار والأكوار واستخراج سنى العالم التي هي ثلاثمائه وستون ألف سنة فحكى أن في نصف هذه السنين يقطع الطوفان فحذّرهم ذلك وان هرمس الأول وهو أخنوخ أدريس النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل آدم بزمان طويل وكان يسكن الصعيد الأعلى المتصل ببلاد السودان إلى الإسكندرية وحول الناس إليه وأنقذهم من الغرق فهذا يزعم أن بوداسف كان قبل هرمس وهرمس كان قبل آدم بزمان طويل وإلى هذا يذهب
__________
[1] . بوراسف
Ms.

(2/97)


من يرى آدم غير واحده والفرس زعموا أن ميشى وميشانه من دور كيومرث فهذا أقدم منهما وجملة [1] الأمر أن هذا وما يروونه المسلمون كله أخبار والأصح من ذلك ما كان عن أمين صادق ولا أصدق من كتاب الله ولا آمن من رسوله صلى الله عليه وسلم ولا بدّ في العقل من ابتداء المحدثات وبعض هؤلاء المحدثة المستترة بالإسلام يجرون تأويل هذه القصة إلى ما يؤدي إلى الإلحاد فيستغمرون الضعفى العقول بأن كيف يخرج حيوان من الأرض وكيف يخرج من الجنة من دخلها وكيف خلص الشيطان إليه في الجنة ولم نهى عن شجرة ولم كان كذا ولِمِ لَمْ فإذا كانت مسألة حدث العالم من بالك رددت كلّ ما أورد عليه من هذه الترهات بحجج بينه وبراهين نيره [55] والجواب أنّ النهى عن الشجرة للابتلاء [و] أنّ تلك لم يكن بدار خلد وأن خلوص الشيطان إلى الإنسان كخلوص الأعراض وأنّ خلقه من الأرض كتولّد الحيوان عياناً وإياك والاحتجاج بشيء مما يروونه القصاص فإنه هو الذي أوجد الملحد للسبيل إلى الطعن والشنعة،
__________
[1] . وجملت
Ms.

(2/98)


ذكر صورة آدم وخبر وفاته
روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن أباكم آدم كان طويلاً كالنخلة السحوق ستين ذراعاً كثير الشعر موارى العورة وإن كان لما أكل الحنطة بدت عورته فخرج هارباً من الجنة فتلقته شجرة فأخذت بناصيته وناداه ربه أفراراً مني يا آدم قال لا يا رب ولكن حياء منك فأهبطه الله تعالى إلى الأرض فلما حضرته الوفاة بعث بحنوطه وكفنه من الجنّة رواه ابن إسحاق عن الحسن عن أبي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما قيل أن هامته كانت تمس السماء فمن ذلك الصلع وأن الملائكة كانوا يتأذون مخشاة [1] فشكوه إلى الله تعالى فبعث جبرئيل فهمزه همزه طأطأ منه إلى ستين ذراعاً فليس ممّا يعتمد وكثير من المسلمين ينكرون طول ستين ذراعاً لخروجه عن العادة اللَّهمّ إلا أن نتأول على وجه آخر لأن ما تصاعد [2] عن وجه الأرض فهو من السماء وما أظلك فهو السماء والصلع عند الأطباء من الرطوبة في الدماغ وزعم وهب أن آدم كان أجمل البرية أمرد وإنّما نبتت اللحية لولده
__________
[1] . يتادون فخشاه
Ms.
[2] . تصاغر
Corr.marg. ;leMs.a

(2/99)


من بعده وروى وهب عن أبي أن آدم لما احتضر [1] اشتهى قطفا من قطف الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فتلقاهم الملائكة فقالت ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبرئيل والملائكة.
خلفه وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم في موتاكم يا بني آدم هكذا الرواية والله اعلم،
ذكر الروح والنفس والحياة والموت
اعلم أنّ هذا باب مستصعب مستغلق كثير التخبط [2] والإختلاف وأنا ذاكر من كل طبقة ذرءاً [3] قال الله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ من أَمْرِ رَبِّي 17: 85 قال بعض أهل التأويل حجب الخلق عن الخوض فيه ولم يطلع [4] أحداً عليه وقال في بني آدم ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ من رُوحِهِ 32: 9 وقال في مريم فَنَفَخْنا فِيها من رُوحِنا 21: 91 وقال تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً من أَمْرِنا 42: 52 وقال تعالى نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ 26: 193 وقال تعالى تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها 97: 4
__________
[1] . احتصر
Ms.
[2] . التحبط
Ms.
[3] . دروا
Ms.
[4] . يطّلع
Ms.

(2/100)


فذكر الروح في غير موضع من القرآن ومعنى الروح المنفوخ في مريم غير معنى الروح الموحّى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بل لكل واحدة معنى على حدة وقال الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ 67: 2 وقال يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي 89: 24 وقال إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ 29: 64 وقال إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ 47: 36 وقال تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ 3: 169 والفرق بين حياة الدنيا وحياة الآخرة بين ظاهر وإنما اجتمعتا في اللفظ وقال يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً 89: 27- 28 وقال حكاية عن قول النفس أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ الله 39: 56 الآية وقال تعالى [55] وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها 91: 7 وقال تعالى الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها 39: 42 الآية وقال إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ 12: 53 وقال وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى 79: 40 فاثبت [1] هاهنا أشياء آخر بنهي النفس عن هواها وقال وَفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ 51: 21 وقال سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ 41: 53 وقال ثُمَّ [أَنْتُمْ] هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ 2: 85 وقال أَوْ أَكْنَنْتُمْ في أَنْفُسِكُمْ 2: 235 وقال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً 12: 18
__________
[1] . فأنبت
Ms.

(2/101)


يخبر بمثلها عن الروح والحياة وقال وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ 23: 80 وقال الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها 39: 42 وقال فَقالَ لَهُمُ الله مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ 2: 243 وقال قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ 32: 11 وقال فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ 2: 259 وقال وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ 2: 28 وقال [1] وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ 3: 169 وقال وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3: 144 فوصفه بالموت بعد ما نهى عن تسمية الشهداء أمواتاً وقال في ذكر الحواس ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ من رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ، 32: 9
ذكر ما جاء في الأخبار في هذا الباب
حدثنا عبد الرحيم ابن احمد المروزي حدثنا العبّاس السراج عن قتيبة حدثنا خالد ابن عبد الله عن الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وروى سفيان الثوري عن حبيب بن أبي شابت عن أبي الطفيل عن علي مثله وروى هيثم عن أبي بشر عن مجاهد عن
__________
,
ertanceducopiste. [1] الله Ms.

(2/102)


ابن عباس قال الأرواح أمر من أمر الله وخلق من خلق الله صورهم على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح وروى الثوري عن مسلم عن مجاهد قال الروح يأكلون ويشربون ولهم أيد وأرجل ورءوس وليسوا بملائكة وروى أنهم حفظة على الملائكة وروى الثوريّ عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال الأرواح [1] يشتهون الناس وليسوا بناس وروى الثوري عن أيوب عن أبي قلامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الروح إذا خرج اتبعه البصر ألم تروا إلى شخوص عينيه وفي حديث صفوان بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أرواح المؤمنين في حجرات من حجرات الجنّة يأكلون طعامها و [يشربون من] شرابها ويلبسون من ثيابها ويقولون ربنا آتنا ما وعدتنا والحق بنا إخواننا وأرواح الكفار في حجرات من حجرات النار يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويلبسون من ثيابها ويقولون ربنا لا تؤتنا ما وعدتنا ولا تلحق [2] بنا إخواننا وروى الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله في قوله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ 3: 169
__________
[1] . الروح
Ms.
[2] . [؟] لحق
Ms.

(2/103)


أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ من خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 3: 169- 170 قال أرواح الشهداء في طير تسرح في الجنة كيف شاءت وتأوى إلى قناديل معلّقة بالعرش قال فاطلع عليهم ربك اطلاعه فقال هل تستريدون شيئا فأزيدكموه [56] قالوا ربّنا وماذا نستريد ونحن في الجنة نسرح حيث نشاء فاطلع عليهم فقال لهم مثل ذلك فقالوا أتعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأرواح في بيت البراء بن معرور هم يأكلون لحماً وتمراً حتى أمسكوا على الطعام قال أرواح المؤمنين طيور خضر [1] وقال في طير خضر في حجر من الجنة يأكلون ويشربون ويتعارفون في الجنة كما يتعارفون في الدنيا وأرواح في حجر من النار وذكر قصة طويلة وروى كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن أرواح المؤمنين في طيور خضر تعلق بشجر الجنة وروى مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنّ
__________
[1] . خضرا
Ms.

(2/104)


النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله تعالى [إلى] جسده يوم يبعثه وعن عبد الله بن عمر أن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير وهو جمع الزرزور يتعارفون يرزقون من ثمار الجنة وعن سلمان الفارسي قال الأرواح جنود مجنده فما كان للَّه ائتلف وما كان لسواه اختلف [وعن] أبي الزبير عن جابر قال كنا نحدث أنه ليس أحد يدخل النار والجنة بجسده قبل يوم القيامة إنما هي أرواح في عليين وسجين فإذا روحت النفوس وبعث من في القبور صارت الأرواح والأجساد إلى الجنة والنار [وعن] الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى وَنُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُونَ 56: 61 قال في طير سود من النار وقرى على خيثمة بن سليمان القرشي [1] باطرابلس عن [2] عبد الجبار بن العلاء عن سفيان الثوري عن فرات بن الفرات عن [2] أبي الطفيل عن علي عليه السلم قال نشر واديين وادي الأحقاف وواد بحضر موت يقال له برهوت يأوي إليه أرواح الكفار وروى سفيان عن أبان بن تغلب عن رجل قال بت في برهوت وكأنما حشرت أرواح
__________
[1] . الفرشي
Ms.
[2] . عند
Ms.

(2/105)


الناس وهم يقولون يا دومه يا دومه قال فحدثني رجل من أهل الكتاب أن دومه هو الملك [الموكل] على أرواح الكفار وروى عن أبي أمامة أنه قال أرواح المؤمنين تجتمع ببيت المقدس وقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بدر في القليب فقيل أتنادي قوماً قد حتفوا فقال أما أنتم فلستم بأسمع منهم ولكن لا يقدرون أن يجيبوني وقال صلى الله عليه وسلم كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حيا والأخبار المتواترة عن المسلمين في مغازيهم أن كلما قتل من كافر قالوا قد عجل الله بروحه إلى النار وكلما استشهد مؤمن قالوا قد عجل الله بروحه إلى الجنة وروى أبان عن عباس عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن أعمالكم تعرض على أقاربكم فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان شراً كرهوه وتلقى روح المؤمن أرواح المؤمنين فيقول اتركوا صاحبكم حتى يستريح فقد خرج من كرب شديد ثم يقولون ما فعل فلان ما فعلت فلانة هل نكح فلان هل نكحت فلانة فإن قال إن ذاك قد مات [56] قبلي أما قدم عليكم فيقولون إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم

(2/106)


وبئست المربية [1] وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال أهل القبور يتوكفون الأخبار فإذا أتاهم الميت يقولون ما فعل فلان وما فعلت فلانة فيقول أولم يأتكم فيقولون إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 سلك به غير سبيلنا وفي رواية عبد الله بن عمر أن الأرواح ليتلقون على مسيرة يوم وما رأى أحدهم صاحبه قط وروى أن الأعمال تعرض يوم الأثنين ويوم الخميس على الله ويعرضون يوم الجمعة على الأقارب فاتقوا الله ولا تختروا موتاكم وروى زيد بن اسلم عن أبي هريرة أنه مر هو وصاحب له بقبر فقال أبو هريرة سلم فقال الرجل اتسلم على قبر فقال أبو هريرة أن كان رآك في الدنيا يوماً قط فانّه يعرفك الآن وروى ابن المؤمن لا يزال يسمع الآذان في قبره ما لم يطين ومر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع فقال السلم عليكم أهل ديار قوم مؤمنين وأنا إن شاء الله بكم لاحقون ولما دفن عثمان بن مظعون [2] وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة قال صلى الله عليه وسلم خرجت ولم تتلبّس [3] منها بشيء
__________
[1] . كذا في الأصل
etnotemarginale: بن المرتّبةMs
[2] . مطعون
Ms.
[3] . [؟] تلبّس
Ms.

(2/107)


وما جاز عليه أن يخاطب من لا يعنهم ولما ابتدى بشكواه التي قبض فيها خرج من الليل مع أبي مويهبة [1] حتى قام بين ظهراني [2] القبور فقال ليهنئكم [3] ما أصبحتم فيه ما أصبح الناس عليه اقبلت الغين كقطع الليل المظلم وفي رواية مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3: 169 الآية قال أرواح الشهداء على بارق نهر الجنّة يأكلون من ثمارها ويشربون من مائها [4] ويستنشقون روائحها وليسوا فيها وهذه الأخبار كلها وما شاكلها عند من يرى الجنة غير مخلوقة اليوم ولا موجودة [إلا] على الاستقبال فيما بعد ومنهم من يجيز أن يحدث الله الأرواح جنة يتنعم فيها غير الجنة الموعودة وكذلك النار وهي كلها حجة للقائلين بوجود الجنة والنار في الحال،
ذكر ما جاء في القرآن والنص والدلالة على أحوال الأرواح
__________
[1] . مويهة
Ms.
[2] . طهرانى
Ms.
[3] . ليهنكم
Ms.
[4] . مايها
Ms.

(2/108)


قال الله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا 78: 38 قال الحسن هو الخلق ذوو الأرواح وقيل هم خلق أكثر من الملائكة قال الله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ 40: 46 فأخبر أن أرواحهم تعرض على النار قبل مصيرهم إلى نار جهنم وقال في صاحب ياسين قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قال يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ 36: 26 فلم يكن بقوله إلا روحه [1] لأن جسده كان مطروحاً لديهم وقال كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ 83: 18 ... كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ 83: 7 قال بعض المفسرين يعني أرواحهم قال إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ 7: 40 وروى السري عن البراء بن عازب [2] أن أرواح المؤمنين إذا قبضتها الملائكة رفعوها إلى السماء فلا تمر بملك من الملائكة إلا قالوا [57] ريح طيب خرج عن نفس طيب حتى ينتهي بها إلى حيث يشاء الله فيسجد وروح الكافر إذا قبض رفع إلى السماء فلا يفتح له أبواب السماء ويقولون روح
__________
[1] . الأرواح
rectionmarginale ;Ms.
[2] . البر بن عارب
Ms.

(2/109)


خبيث خرج من نفس خبيثة فيرد إلى سجين في قصة طويلة وقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ 44: 29 قال لكل مؤمن من السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يصعد فيه علمه وروحه فإذا مات انقطع ذلك فبكت السماء والأرض عليه وقال الله يَتَوَفَّى. الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى 39: 42 وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه أن الرجل إذا مات قبض الله روحه وبقى نفسه لأن النفس موصولة بالروح فإذا أراد الله قبض روحه للموت قبض نفسه مع روحه فمات وإذا أراد الله بعثه رد إليه روحه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه قال اللَّهمّ باسمك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما يحفظ به الصالحين وكان إذا استيقظ من نومه قال الحمد للَّه الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه المصير وروى ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنه قال في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس والنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها اليقين والتحريك فإذا نام العبد قبض الله نفسه وروحه وقال مجاهد تجيء

(2/110)


الروح إلى الرجل في منامه فإذا لم يحضر أجله استيقظ وإذا حضر أجله ذهب الروحان وروى حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال كل نفس لها سبب تجري فيه فإذا قضى عليها الموت قامت حتى ينقطع السبب والتي لم تمت يرد وروى عن علي عليه السلم أنه قال إذا نام الإنسان امتد روحه مثل الخيط فيكون بعض أجزائه في النائم وبه يتنفس وبعضها مختلط بأرواح الأموات مقبوضاً معها إلى وقت انتباهه فترجع إليه وروى ابن عجلان عن سالم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال لعلىّ يا با الحسن وربما شهدت سهدة [1] وعتباً اسئلك عن ثلاثة أشياء قال وما هن قال الرجل يحب الرجل وما يرى منه خيراً والرجل يبغض الرجل وما يرى منه سوءاً قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة يلتقى فيشام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف قال عمر والرجل يحدث الحديث إذ ينساه فبينا هو [2] قد نسيه إذ ذكره قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر
__________
[1] . كذا في الأصل.
Annot.marginalc: سهدتMs.
[2] . هو هو
Ms.

(2/111)


يضيء إذا غلبته السحابة فينسى أو تجلت عنه فذكره قال عمر والرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد ولا أمة ينام فيشتغل نوماً إلا عرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فهي الرويا التي تكذب،
ذكر قول أهل اللغة في الروح والنفس والحياة
قد يسمى ذات الشيء وعينه كائناً ما كان [57] من جسم أو عرض أو جوهر أو غير ذلك نفساً فيقال نفس هذا الخشب ونفس الأرض ونفس السماء ونفس الكلام ونفس الحركة قال الله تعالى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي 20: 41 وقال تَعْلَمُ ما في نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ 5: 116 وسمى الهمة نفساً فيقال لفلان نفس وليس لفلان نفس وسمت نفسه إلى كذا كما يقال سمت همّته وكذلك يسمّى الطمع والحرص والمراد النفس قال [رجز]
وأكذب النفس إذا حدّثتها
وقال [كامل]
والنفس راغبة إذا رغبتها، ... وإذا ترد إلى قليل تقنع

(2/112)


وقال [سريع]
شاور [1] نفسي طمع ورهبة ... تقول هاتي لا وهاتيك بلى
فشجعته نفس حرص طمعت ... وحذرته نفسه الأخرى الردى
فسمى الجبن والشجاعة نفساً ويسمي الدم نفساً وكذلك قيل الهوام لها نفس سائلة ومنه نفاس المرأة لما سال من دمها ويسمى أصحاب العين النفس وقيل سميت النفس نفساً لتنفسها ويعبر عن القلب بالنفس كما قال الله تعالى فَأَسَرَّها يُوسُفُ في نَفْسِهِ 12: 77 وقال أَوْ أَكْنَنْتُمْ في أَنْفُسِكُمْ 2: 235 هذه الوجوه كلّها خاصّة للنفس لا شركة بينها وبين الروح في شيء منها اللَّهمّ إلا في حالة واحدة قالوا خرجت نفسه وخرجت روحه إذا مات وقال الشاعر [طويل]
سميت عياطاً ولست بعائط ... عدوا ولكن الصديق تعيط
فلا حفظ الرحمن روحك حية ... ولا هي في الأرواح حين تغيط [2]
وأنشد ابو زيد الأنصاريّ [سريع]
__________
[1] . ساور
Ms.
[2] . تغيظ
Ms.

(2/113)


اجتمع الناس وقالوا عرس ... ففقئت عين [1] وفاضت نفس
واختلفوا في الروح فحكى ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي قال في الحديث لكل إنسان نفس وروح فأما النفس فتموت وأما الروح فيفعل به كذا وكذا وقد تسمى العرب الريح والروح والنفخ روحاً قال ذو الرمّة [طويل]
فقلت له ارفعها إليك وأخيها ... بروحك وأفتنه [2] لها فتنة [3] قدرا
ويسمى الهواء الروح والملك الروح والوحي الروح وكل لطيف خفيف متعال روحاً ويقال [4] في الحيوانات أنها ذات أرواح وفلان خفيف الروح وفلان ثقيل الروح إذا كان يخف على القلوب أو يثقل ويقال لكل ما ينبت وما يشاهد كالملائكة والجان الروحانيون والأرواح تبقى والأنفس تموت ولا تبقى وأما الحياة فهي شيء يضاد الموت حيث ما حلت ارتفعت وهي
__________
[1] . فقفيت
Ms.
[2] . وافتبه
Ms.
[3] . فتبه
Ms.
[4] . وقال
Ms.

(2/114)


في الجملة على كل تام حساس ومتحرك من ذوي الأرواح وغيرها ألا ترى إلى قوله تعالى فَأَحْيَيْنا به الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها 35: 9 فجعل الأرض حياة إذا نزل عليها الماء وقال وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ 22: 66 فجعلنا بما أحيانا به وقال يُخْرِجُ الْحَيَّ من الْمَيِّتِ 6: 95 فمن قائل أنه الولد من النطفة والطير من البيض والنخلة من النواة فسمى النخلة لما فيها من قوة الحياة حياً ثم وصف نفسه بالحياة فقال هُوَ الْحَيُّ 2: 255 ولا يجوز أن يقال هو ذو روح وذو نفس لأن الحياة أعم وأعلى فيقال روح حي وقد أحييت روحي بكذا وكل ما له بقاء ودوام يدعى حياً كما قيل للشعر [58] أنه كلام حي لبقائه ومروره على الألسن واختلفوا في مكان الروح والنفس والحياة من البدن ألكل واحد منها [1] موضع على حدته أو كلها متداخل أو متصل بعضها ببعض وأيها ألتابع للآخر وأيها المتبوع وكيف ما أنظر فلا أجد بداً من جمع [2] ما يحتاج إليه في كتاب مفرد أسميه كتاب النفس والروح لأني إن أطنبت فيه إذ لا يغنى الاختصار والإيجاز نقضت ما
__________
[1] . منهما
Ms.
[2] . جميع
Ms.

(2/115)


اشترطت في صدر الكتاب وهذا باب لا يصح الكلام فيه وإن طال وأما الموت فسكون دائم وخمود بانقطاع الحياة وذهاب الروح وقد سمى الله تعالى الجوامد مواتاً عند فقد النماء والحركة وقيل النوم أخو الموت وقالوا للشيء الخامل المنسي هذا ميت وأنشدني بعضهم [مجتثّ]
نوم اللبيب بقدر ... رتبته ذا [1] المقيل
والنوم موت قصير ... والموت نوم طويل
وفي التوراة الفقر الأكبر وفي تأويل القرآن الكافر ميت والجاهل ميت،
ذكر ما جاء عن أهل الكتاب في الأرواح
زعم بعض أهل اليهود أن أرواح الخلائق متصلة في الهواء على شبه نار أو شعاع الشمس عند غروبها وطلوعها ومع ملك الموت سيف يقطع به أرواح من يريد أن يقبضه واحتجوا بقول شمويل في كتابه أن الله بعث الموت على بني إسرائيل فمات منهم بشر كثير فخرج داود ومشايخ بني إسرائيل فرأى داود ملك الموت واقفا
__________
[1] . وكذا
Ms.

(2/116)


على قرب أوريشلم قد اتكأ على سيفه فسأل ربه أن يرفع السيف عنهم فرأى الملك قد أدخل سيفه في غلافه وسكن الموت وقالت فرقة منهم أنّ أرواح البررة الصديقين إذا فارقت جثتها صارت إلى الفردوس تحت شجرة الحياة وأرواح الفجرة والفسقة إلى ظلمة الأرض وأرواح ما كان بين ذلك إلى الهواء وقالت فرقة أخرى أن الله لم يوكل أحداً بقبض أرواح الخلائق ولكن إذا ذبل جسم الإنسان وضعفت أعضاؤه فارقتها وصارت أرواح الأبرار إلى الموضع الذي جاءت منه وأرواح الأشرار إلى ظلمة الأرض قالوا فلما إن صارت فيه من غير أن يدخلها أحد كذلك إذا كانت الأجساد عن قبول قوى النفس خرجت من غير أن يخرجها أحد وكثير منهم يقول أن أرواح الصديقين والصالحين إذا هي فارقت أجسادها جعلت في صرة وتركت إلى يوم القيامة وأرواح العاصين والمسيئين إذا فارقت أجسادها بقيت في ظلمة الأرض إلى يوم القيامة واحتجوا بقول سليمان بن داود في كتابه قوها أن ترجع الأجساد إلى التراب والأرواح إلى الرب الذي أعطاه وقال فيه أيضاً من كان منكم عالماً علم أن أرواح ولد آدم

(2/117)


صاعدة إلى الهواء والعلى وأن أرواح الذين يشبهون الدواب ينزل إلى أسفل الأرض واحتجوا بقول ابيغايل النبيه [1] وهو مكتوب في كتاب شمويل إذ تقول [2] لداود روح سيدي داود مجتمع في صرة الحياة وروح أعدائه يرمي بها بالمقاليع [3] وزعم بعضهم أن الروح مما خلق في الابتداء وقد روينا عن بعض علماء الأمة أن أول ما خلق الروح وروينا أن الأرواح خلقت من قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة والله أعلم وفي رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الخصومة يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد [58] فيقول الروح يا ربّ إنّما كنت بمنزلة الريح لولا الجسد ويقول الجسد يا رب إنما كنت بمنزلة جذع ملقى لولا الروح فيضرب لهما مثلاً أعمى حمل مقعداً،
ذكر مقالات سائر الأمم في الروح والجسد
كانت العرب تزعم أن روح الميت تخرج من قبره فتصير هامة تزقو وتقول [4]
__________
[1] . سفايل النّبه
Ms.
[2] . يقول
Ms.
[3] . بألمقاريع
Ms.
[4] . يدفو ويقول
Ms.

(2/118)


اسقوني اسقوني وفيه يقول [ذو] الأصبع العدواني [1] [بسيط]
يا عمرو إن لم تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتّى تقول الهامة اسقوني
وقال [خفيف]
سلط الموت والمنون عليهم ... فهم في صدى المقابر هام
وقال ابو الغموص [وافر]
أتخبر يا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حيوة أصداء وهام
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا صفر ومن ثم كان يستسقون للأموات وأما الهند فظاهر فيهم القول برجوع أرواح موتاهم في صدورهم ويزعمون أنهم يكلمونهم ويسألون بهم وأما الفرس فأيام الفروردجان عندهم أيام رجوع الأرواح فيهيئون ألوان الطعام ويبخرون المباذل بالطيب ويفرشون الرياحين ويقولون هم لا يصيبون من الطعام إلا الرائحة وروى المسلمون أن الميت يسمع كلام أهله وبكاهم عليه وأنّه يسئل في
__________
[1] . الإصبع العدوي
Ms.

(2/119)


قبره وهو يسمع خفق النعال وروى عن حذيفة أنه قال أن الجسد ليغسل والروح بيد ملك فإذا وضع في لحده سلك الروح فيه وروى أن الميت إذا حمل إلى حفرته فإن كان صالحاً قال عجلوا بي عجلوا بي وإن كان غير ذلك قال لا تعجلوا بي فإنكم لا تدرون على ما تقدمون بي وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم عم قال عصفور من عصافير الجنة وهذا كله دليل على حياة الروح وبقائه بعد النفس والناس قاطبة يندبون موتاهم وينادونهم ويخاطبونهم ولولا الأصل الموثل في حياة الأرواح لما اجتمعوا عليه وليس ينقص هذا مخاطبتهم الديار والآثار لأن هذا خاص في العرب وذلك عام في الأمم،
ذكر اختلاف نظار أهل الإسلام في النفس والروح
قال بعضهم النفس جسم لطيف له مساحة البدن على طوله وعرضه وعمقه وأنه متداخل بعضه في بعض وكل في كل واستدلوا على أن جميع أجزاء النفس في جميع أجزاء البدن بأنّك كلّما قطعت جزءاً من أجزاء البدن وجدت له ألماً ولولا النفس لم يألم وقال معمر أن النفس موجودة لا مساحة لها وليست بجسم ولا طول ولا عرض ولا عمق وليست بحاله في الأمكنة

(2/120)


ولا يحيط بها المواضع وقد يقال في مجاز اللغة أن النفس في البدن على التدبير والأحداث للأفاعيل ولا يقال هي البدن على السكون والحركة وذلك أن السكون والحركة إنما تجوز على كل ذي مساحة وجسم على ما يحويه الأمكنة ويجوز عليه النقلة من موضع إلى موضع ولا تجوز النقلة على شيء إلا بأحد أمرين إما بجسم يرفع الجسم من مكان إلى مكان فإذا لم يكن جسماً لم يمكن منه على الرفع والجر وقال إبراهيم النظام الروح هي الحياة المشابكة بهذا الجسم وقال هشام بن الحكم الروح نور من الأنوار والجسد موات وقال ابن الروندي الروح عرض والإنسان هو أعراض مجتمعة ومنهم من يقول الروح هو الجزء الذي لا يتجزأ وهو لا في مكان [59] ، ثم اختلف هؤلاء في الإنسان المكلف المثاب المعاقب من هو وما هو قال بشر ابن المعتمر وهشام بن الحكم وأبو الهذيل العلاف وأبو الحسين الخياط هو الروح مع هذا الشخص المرئي وقال إبراهيم النظام الإنسان هو الروح وهو الحياة المشابكة لهذا الجسم ولأنه لا شيء غيره وقال أحمد بن يحيى الإنسان مقدار ما في القلب من الروح وقال بعضهم الإنسان هو الجوهر بين

(2/121)


الجوهرين ومحصول أمرهم على قولين أحدهما أنه الروح وحده والآخر أنه الروح مع البدن واحتج من قال أنه الروح بقوله تعالى أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ الله 39: 56 ويا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ 89: 27 فكل ما وقع من الخطاب فمع النفس وهي الروح لا غير واحتج مخالفوهم بقوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ 23: 12 الآية فأخبر أن الإنسان هو هذا المخلوق وأنه مختص مرئي واختلفوا أهل يحس الميت [1] بعد مفارقة روحه بشيء أم لا ثم اختلف قالوا أنه يحس أو روحه تحس بذلك أم جسده أم روحه مع جسده فأنكر بعضهم أن يكون الميت يشعر بشيء دون يوم القيامة واحتج بقولهم يوم البعث يا وَيْلَنا من بَعَثَنا من مَرْقَدِنا هذا 36: 52 وبقوله وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً 78: 40 وقال بعضهم تحسّ روحه واحتجّ بقوله النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا 40: 46 وبسائر الآيات التي تلوناها في الشهداء والأخبار التي رويناها وقال ابن
__________
[1] يجى بالألم كما ورد في قوله عليه الصلاة
Notemarginale: والسلام يألم الميت كما يألم الحىّ فلذلك قيل للغاسل يغسل الميت برفق في مغسله،

(2/122)


الروندي بل يحس [1] الجسد والروح عرض قد بطل قال فالميت يعلم ضربين من العلم ويحس بضرب من الحس قال ولو لم يكن هكذا ما علم إذا أحس أنه كان ميتاً فاحتج بالخبر المروي أن الميت على النعش يسمع نوح أهله وهذه مناظرة جرت بين النظام وبين هشام بن الحكم سأل النظام هشاماً فقال لم زعمت أن الروح إذا بطل استعمالها للجسد رجعت ففعلت في نفسها إدراك الأشخاص والأشكال بالقوة الروحية قال هشام لأنها ليست بجسم فيدخلها التضاد الذي أحدهما مزيل للإدراك وهو السكون قال النظام فإذا لم يكن جسماً ولم يدخلها التضاد على قولك فما الذي يوجب لها إدراك ما ليس بحضرتها قال هشام قوة الانبساط وارتفاعهما على السترات وأنها لم تدرك الأشياء توهماً وتقديراً على الانفراد إذا كانت إنما تدركها [2] ملامسة وحساً على الاجتماع قال النظام وهل يوجب التوهم والتقدير إيجاد الشيء وحضوره قال هشام إن كنت تريد ما يوجب مشاهدة إنه وإن وصفته إدراك فنعم قال النظام فإن كان يوجب إنه وإن وصفته ادراك
__________
[1] . تحس
Ms.
[2] . يدركها
Ms.

(2/123)


فما حاجته إلى الحاسة للإدراك قال هشام ليجتمع له إدراك المائية والصفة في الوهم والتقدير وفي المشاهدة والعيان قال النظام وما حاجته إلى هذا وإنما يطلب الإدراك الذي قد وجده بلا حاسة قال هشام ليعلم ما هيئته في الإعلان بالصفة والهيئة كما علمها في الضمير توهماً وتقديراً قال النظام وهل يزيده علمه بماهيّته علما بما في الضمير قال هشام نعم يزيده لأن الإدراك بالحواس أولاً والإدراك بالتوهم ثانياً وذلك إن من لم ير طولاً قط لا يتوهمه حتى يتصور في ضميره فإذا رآه ثم فقده كان مصوراً في الضمير قائماً لإدراك الروح إذا ترك استعمال الحاسة [وهذه مناظرة ثانية] [1] جرت بين من زعم أن الروح في البدن على معنى التدبير والأحداث [59] للأفاعيل لا على معنى السكون والحلول فيه قالوا لهم خبرونا عن البدن إذا قطعت منه جارحة [2] هل قطع من الروح شيء قالوا لا ولكن الجزء من الروح الذي كان ساكناً في اليد إذا قطعت صار في الذراع بمنزلة الشمس في الكوة إذا سدّ الكوّة عاد الشعاع
__________
Cettephrase ,uimanquedanslema. ,estretablied ,apreslecontexte. [1]
[2] . جارحة
Ms.

(2/124)


النافذ إلى جنسه وشكله قالوا فينبغي على قولك إذا قطعت الجوارح والأعضاء كلها أن يزداد بروحه قوة ما يبقى من أجزائه لجمعه فيه إذا كان الروح له مساحة من الطول والعرض والعمق في الجسم وهو جسم لزم أن يكون جسمان في مكان واحد قالوا نقول [1] بالمداخلة والمجاورة وهذه مناظرة ثالثة جرت بين النظام وبين مخالفيه قالوا له أخبرنا عن الإنسان هل يرى قال نعم قد يرى معقولاً قيل فهل يدرك بالبصر قال نعم يدرك بالبصر مفعولا كما يقول القائل قد رأيت الحائط ولم ير غير صفحته التي تليه ويقول رأيت على فلان سيفاً وإنما رأى غمده ويقول رأيت ميّتا وإنّما رأى بدنه قيل له فأخبرنا عن الإنسان ما هو قال لا يخلو هذا السؤال من أحد أمرين إما أن أردتم عن اسمه أو عن خواصه التي يعرف بها وبها يفصل بينه وبين غيره فإن أردتم الاسم فهذا إنسان وإن أردتم الخواص فهو الحياة والموت والنطق والضحك قال وليس نعني بهذا الكلام أنه أبداً ميت أو ضاحك أو ناطق أو حي وإنما نريد به أن من شأنه وغريزته أنه ممن يموت وأن من شأنه الحياة والضحك
__________
[1] . [؟] قول
Ms.

(2/125)


وإن لم يضحك قالوا فأخبرنا عن هذا الإنسان الحي الذي وصفته بالحياة أهو هي أم غيره قال قد وصفته بحياة هي غيره وكذلك إذا مات وصفته بموت هو غيره وحياته وموته عرضان يتضادان فبأحدهما كان حياً وبالآخر كان ميتاً قالوا فما الحياة والموت قال أما الحياة فمعنى له أمكن أن يكون به محركاً لما حرك ومريداً لما أراد من أعماله التي يجوز أن يكون منه قيل له وما الأعمال التي يجوز أن يكون منه قال أما ما كان بالاستطاعة فالإرادة لاستخراج الأشياء والعلم والفكرة وما أشبههما وكل فعل كان منه على المفاجأة وليس قبله له فيه إرادة ولا تمثيل فإن ذلك لغريزة قال والموت بخلاف ذلك وهو إذا دخل بالحي بطل معه كل ما ذكرناه لأنه تبطل [1] بحلوله القدرة على ما كان تقدر عليه قبل ذلك فإذا أحياه الله فحي بطبعه وإذا أماته مات وفعله بطبعه قال وليس الموت فناء له لو كان فناء لم يجز أن يقوم الموت فيه وهو بشر وإنما الموت آفة حلّت به فحالت بينه وبين التدبير وهذه مناظرة رابعة
__________
[1] . [؟] بطل
Ms.

(2/126)


[جرت] [1] بين من أثبت [2] الروح جسماً وبين من نفى أن يكون جسماً قالوا لهم ما الدليل على أنه ليس بجسم قالوا الدليل عليه أن الأجسام لا يخلو أن تكون ساكنة أم متحركة ولا يكون الساكن والمتحرك إلا بإسكان وتحريك من غيره فلو كان الإنسان جسماً لكان ساكناً أو متحركاً ولو كان المسكن له والمحرّك في مثل حاله لزمه ما يلزمه ووجب قود الكلام فيه إلى مسكن له أو محرك ليس بجسم قالوا فهل يسكنه الأعراض قال أما الأعراض التي هي إرادات وغضب [3] وعلم وشهوة وألم وما أشبه ذلك فنعم وأما الأعراض [60] التي هي ألوان وطعوم وأراييح فلا لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يدرك بالمذاقات ويرى بالأبصار ولحاذته الأمكنة قالوا فإذا قلتم إن الإنسان لا تحويه الأمكنة وليس بجسم ولا يوصف بطول ولا عرض ولا عمق قد [4] شبهتموه باللَّه تعالى قال ليس التشبيه في نفي الأعراض والصفات وإنما التشبيه بين الأعيان بالأعراض المركبة فيها نحو الرجلين القائمين اللذين يوصفان بالقيام الّذي
__________
dapreslecontexte. [1]
[2] . أ [؟] بت
Ms.
[3] . غصب
Ms.
[4] . وقد
Ms.

(2/127)


هو غير هما فيكون كلّ واحد منهما مشبّها لصاحبه في قيامه أو يكون أحدهما جالساً والآخر قائماً فيخالفان بالأعراض المركبة فيهما بالتشابه يقع في الإثبات لا في النفي ولو كان التشابه يكون في النفي لكان الإنسان يكون مشبهاً للحيزية [1] إذا كان الحيزية [2] تنفى [3] عن الكلية وينفى [4] ذلك عن الإنسان،
ذكر أراء الفلاسفة في النفس والروح
على ما حكاه افلوطرخس [5] في حد النفس، زعم افلاطن أنه يرى النفس جوهراً عقلياً يتحرك ذاته وأن ارسطاطاليس يرى النفس كمال جسم طبيعي إلى حي بالقوة وإن فيثاغورس يرى النفس عدداً تحرك ذاته ويعني بالعدد العقل وأن تاليس يرى النفس طبيعة دائمة الحركة وأنها محركة ذاتها قال وبعضهم يرى النفس تأليف الأسطقسات الأربعة وامّا استعلوس الطبيب فإنه كان يرى النفس شيئاً يحدث تدرّب الحواسّ وارتياضها ولهم
__________
[1] . للحترته
Ms.
[2] . الحيزّيّة
Ms.
[3] . تنفى
Ms.
[4] . وينفى
Ms.
[5] . افلوطوخس
Ms.

(2/128)


اختلاف كثير في النفس ما هي أجسم أو جوهر وكم أجزاؤها وأين مسكنها من البدن وما جزؤها الرئيس وهل هي باقية بعد مفارقة البدن أم متلاشية ما يدل اختلافهم على قصور معرفتهم وعجزهم عن الإحاطة بها،
ذكر أصوب الوجوه فيها
يدل أن الروح والنفس معان مختلفة الأفعال والأعراض فكل ذي نفس ذو روح وحياة وكل ذي روح ذو [1] حياة وليس كلّ ذي حياة ذا روح ونفس لأن الأرض تحيا بالنبات وليست بذات روح والبهائم حيوانات ذوات أرواح وليست بذوات أنفس فالإنسان له نفس وروح وحياة فتمييزه وعقله وفطنته وفهمه من قبل نفسه وعيشه وبقاؤه ونماؤه من قبل روحه وحسه وإدراكه المحسوسات من قبل حياته فالذي يبطل بموته حياته والنفس والروح ينتقلان عنه إلى أن يأذن الله في البعث والحشر وقد جرى في هذا الباب من الأخبار ما فيه مقنع وكفاية وقد زعم إفلاطن فيما يحكى عنه لأن الروايات عنه مختلفة أنه قال أن النفوس المفارقة لأبدان الحيوان غير مائتة ولا فاسدة بل
__________
[1] . ذي
Ms.

(2/129)


لها أحوال تلذ فيها وتألم وحكى يحيى [1] النحوي عن افلاطن أنه قال النفس جوهر قائم بنفسه والنطق والحياة لها بذاتها فإذا فارقت بدنها وكانت خيرة بقيت مغبوطة مسرورة وإن كانت شريرة بقيت تائهة في الأرض متحيرة تحول حول قبر صاحبها إلى النشأة الأخرى وهذا قول سديد ورأي صواب يشبه أن يكون من مشكاة النبوة والوحي لأنه مقارب لقول الربانيين والله أعلم،
[60] ذكر قولهم في الحواسّ
قال افلاطن أنّ الحواسّ اشتراك النفس والبدن في إدراك الشيء الذي من خارج وإن القوة للنفس والآلة للبدن واختلفوا في البصر كيف يبصر فزعم بعضهم أن الشعاع يخرج من العين وينبسط في المبصرات فيكون كاليد التي تلمس ما كان خارجاً عن البدن ويؤدي ذلك إلى القوة البصرية وافلاطن يرى ذلك اجتماع الضياء ويقول أن البصر يكون باشتراك الضوء البصري والضوء الهوائي وسيلانه فيه بالمجانسة التي بينهما وأن الضوء الذي ينعكس عن الأجسام ينبسط في الهواء لسيلانه وسرعة استحالته فيلقى
__________
[1] . يحيى
Ms.

(2/130)


الضياء الناري البصري واختلفوا في السمع فزعم بعضهم أن السمع يكون بالخلاء الذي يكون داخل الأذن ومنهم من يزعم أن الهواء يدخل الأذن في صورة الصنوبرة وتصادمها وافلاطن يرى أن الهواء الذي في الرأس يصدمه الهواء الخارج فينعطف إلى العضو الرئيس فيكون من ذلك حسّ السمع واختلفوا في الصوت كيف هو فزعم بعضهم أنّ الصوت جسم واحتجوا بأن كل فاعل وكل مفعول جسم وأن الصوت يفعل لأنا نسمعه ونحس به وألحان الموسيقى تحركنا والأصوات التي ليست على الموسيقى تؤذينا والصوت يتحرك ويصدم المواضع اللينة ويرجع عنها مثل الكرة التي يضرب بها الحائط وافلاطن يرى أن الصوت ليس بجسم لأنه يعرض في الهواء وينبسط وكل بسيط فغير جسم واختلفوا في الشم كيف يشم فزعم بعضهم أن العضو الرئيس يكون في الدماغ وأنه يجذب الروائح بالنفس وزعم آخرون أن الشم يكون بممازجة هواء النفس ببخار الشيء المشموم واختلفوا في الذوق كيف هو فزعم بعضهم أن الذوق يكون بممازجة [1] الجوهر الرطب الّذي في اللسان بالجوهر الرطب
__________
[1] . ممازجة
Ms.

(2/131)


الذي في الشيء الذي يذاق وزعم آخرون أن الذوق يكون بالتخلخل واللين اللذين يكونان في اللسان بالعروق التي ينبعث إليه من الفم بقول الله تعالى وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ 16: 78 فنبهنا على هذه الحواس وبعثنا على شكرها ولم يبين لنا علل إدراكها ولا كيفية تركيباتها وقد تحار العقول إذا نظرت فيها وترتد خاسرة [1] لعظم أمرها وصعوبة شأنها وما هي إلا بمنزلة النفس والروح اللذين يعجز الخلق عن إدراكها فإن كان شيء مما قالوا حقاً فهو الصواب وإن كان غير ذلك فاللَّه أعلم،
__________
[1] . حاسرة
Ms.

(2/132)