البدء والتاريخ
الفصل الثاني والعشرون في صفة بني هاشم
وعدة خلفاء بنى العبّاس من اثنتي وثلاثين ومائة الى سنة خمسين
وثلاثمائة
ذكر ابتداء أمرهم
روي في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم العباس استيلاء
ولده على الخلافة واستأذنه العباس في ان يختصى أو يجب [1] مذاكيره فقال
لا فإنه أمر كائن والله أعلم بالحق والصدق ومات العباس رضي الله عنه في
خلافة عثمان بن عفان ودفن بالبقيع وجلس عثمان على قبره حتى دفن ومات
عبد الله ابن العبّاس بالطائف في فتنة ابن الزبير سنة ثمان وستين ومن
ولده علي بن عبد الله أبو الخلفاء ويقال له السجاد لأنه كان يصلي كل
يوم وليلة ألف ركعة وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه افتقد يوماً
عبد الله بن العباس في وقت صلاة الظهر فسأل عنه
__________
[1] . يحبّ MS.
(6/56)
فقالوا ولد له مولد فقضى علي صلاته فقال
امضوا بنا إليه فأتاه وهنأه وقال ما سميته فقال ما يجوز لي أن أسميه
حتى تسميه فأخذه وحركه ودعا له ثم رده إليه وقال خذ إليك أبا الأملاك
ويقال هاك أبا الخلفاء وقد سميته علياً وكنيته أبو محمد وكان يدعى
السجّاد ذا الثفنات لأنّه كان له خمس مائة أصل زيتون وكان يصلي كل يوم
إلى كل أصل ركعتين وضربه الوليد بن عبد الملك بالسياط مرتين إحداهما في
تزويجه بنت عبد الله بن جعفر وكانت [F؟
210 V؟] عند عبد الملك
بن مروان فطلقها لأنه عض على تفاحة ثم رمى بها إليها فأخذت سكيناً فقال
ما تصنعين قالت أميط الأذى عنها فكان عبد الملك أبخر فطلقها فقال له
الوليد لم تزوجت بها قال لأني ابن عمها وقد أرادت الخروج من هذا البلد
فزوجتها لأكون لها محرماً فقال الوليد إنما تتزوج بأمهات الخلفاء لتضع
منا لأن مروان بن الحكم تزوج أم خالد بن يزيد ابن معاوية لتضع [1] منه
والثانية في قوله إن هذا الأمر يكون في ولدي قال ابن الكلبي فضربه سبع
مائة سوط وحمله على بعير ووجهه مما يلي ذنب البعير وصائح يصيح عليه هذا
على بن
__________
[1] . ليضع Ms.
(6/57)
الله الكذاب فأتاه آت فقال ما هذا الذي
نسبوه إليك فقال بلغهم قولي أن هذا الأمر سيكون في ولدي قال والله
ليكونن حتى يملكهم عبيدهم الصغار الأعين العراض الوجوه يعني الترك وقد
روى الواقدي أن علي بن عبد الله ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رضي الله
عنه وكانت بنو أمية يمنعون بني هاشم من تزويج الحارثية للخبر المروي أن
هذا الأمر يتم لابن الحارثية فلما قام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
بالأمر أتاه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فقال إني أريد أن أتزوج
ابنة خالي من بني الحارث بن كعب أفتأذن لي قال تزوج من شئت فتزوج ريطة
بنت عبد الله بن عبد المدان فأولدها أبا العباس وكان بين محمد وأبيه
علي أربعة عشر سنة قالوا ودخل علي بن عبد الله بن العباس على هشام بن
عبد الملك ومعه الخليفتان أبو العباس وأبو جعفر فقال هشام إن هذا الشيخ
قد اختل واختلط يقول أن هذا الأمر ينتقل إلى ولده فسمع علي فالتفت إليه
فقال والله ليكونن ويملكن [1] هذان وأشار إليهما وكان محمد بن الحنفية
أخبر محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أن الخلافة صائرة إلى ولده
فقال له إذا مضت
__________
[1] . ويهلكنّ MS.
(6/58)
مائة سنة فوجه دعاتك واعلم أن الأمر يتم
لابن الحارثية من ولدك فابتدأ الإمام محمد بن علي في دعاء الناس سنة
مائة فأول من استجاب له أربعة نفر من أهل الكوفة المنذر الهمداني وأبو
رياح النبال وأبو عمر البزاز ومصقلة الطحان وأمرهم أن يدعو الناس إلى
إمارته ولا يجوز الكوفة فاستجاب لهم نفر بكر بن ماهان المروزي وأبو
سلمة الخلال وغيرهما فاستأذنوه في بث الدعوة فقال محمد الإمام الكوفة
شيعة علي والبصرة شيعة عثمان والشام لا يعرفون إلا آل أبي سفيان ومكة
والمدينة قد غلب عليها أبو بكر وعمر لكن عليكم بخراسان فإنّي أتفأّل
إلى مطلع الشمس سراج الدنيا ومصباح الخلق وكان هذا في سنة مائة من
الهجرة في ولاية عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه وفي سنة إحدى ومائة
وجه أبو رياح النبال دعاته إلى خراسان يدعون إلى إمامة بني هاشم وولاية
أهل البيت فجعلوا يدعونهم سراً واستجاب لهم ناس فلما كان سنة أربع
ومائة قدم أبو عكرمة من خراسان على محمد بن علي الإمام في جماعة من
أصحابه وقد مهدوا الأمر له وفي هذه السنة ولد أبو العباس فأخرجه إليهم
[F؟ 211
r؟] محمد في خرقة وقال إن
الأمر يتم لهذا ويقوم به حتى تدركوا آثاركم من عدوكم
(6/59)
وكان في ولاية هشام بن عبد الملك بن مروان
وجّه ابو هاشم بكر ابن ماهان المروزي أبا محمد الصادق في جماعة من
الشيعة الى خراسان دعاة فنزلوا مروالرّوذ فاستجاب لهم قوم فنقبوا عليهم
اثني عشر نقيبا منهم سليمان بن كثير الخزاعي وقحطبة بن شبيب الطائي
ولاهز بن قريظ [1] التميمي فوشى بهم واشٍ إلى أسد بن عبد الله القسري
أخي خالد بن عبد الله وكان خليفة على خراسان لهشام بن عبد الملك فقبض
عليهم فقطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وعفا أثر القوم إلى سنة سبع عشرة
ومائة ثم تحولوا وأفشوا الدعوة فأخذ أسد بن عبد الله لاهز بن قريظ [2]
فضربه ثلاثمائة سوط وألجم موسى بلجام ثم جذبه فحطم أسنانه وضرب من
أصحابه ومن تباعهم وخلى سبيلهم وفي سنة ثمان عشرة ومائة مات أبو محمد
علي بن عبد الله بن العباس بالحميمة من أرض [الشام] [3] وفي هذه السنة
وجه بكر بن ماهان عمار بن بديل واليا على الشيعة بخراسان فجاء حتى نزل
مرو وغير اسمه وتسمى بخداش
__________
[1] . قريطMS.
[2] . قريطةMS.
[3] . كذا وجدت Lacunedanslems. ,enmarge:
(6/60)
فسارع الناس إلى الاستجابة له ثم لم يلبث
أن غير ما دعاهم إليه ومثل لهم الباطل في صورة الحق فرخص لبعضهم في
نساء بعض وهو أول من أبدأ مذهب الباطنية في الأرض وزعم أنه أمر الإمام
محمد بن علي ودينه وشريعته فأخذه أسد بن عبد الله القسري فقطع يديه
ورجليه ولسانه وسمل عينيه وفعل من ظفر به من أصحابه كذلك ثم كتبت
الشيعة من خراسان الى الإمام محمّد ابن علي بأن يقدم عليهم والإمام
مشمئز منهم لاتباعهم رأي خداش فكتب إليهم كتاباً فلما فكوه لم يجدوا
فيه غير بسم الله الرحمن الرحيم فهالهم ذلك وعرفوا أن ما جاءهم به خداش
باطل ثم وجه الإمام بكر بن ماهان وكتب معه أن خداشاً حمل الشيعة على
غير منهاجه فكذبه من بقي منهم على رأى خداش واستخفوا به فرجع ورده
إليهم ثانياً ومعه عصىّ وأمره أن يدفع إلى كل رجل من الرؤساء والدعاة
والنقباء عصىً يكون علامة بينه وبينهم لأن أبا رياح النبال كان وعدهم
ذلك من الإمام فلما أتاهم بها عرفوا أنه الحق تابوا ورجعوا وفي سنة خمس
وعشرين ومائة سار النقباء من خراسان إلى الكوفة فأتوا يونس بن عاصم
العجلي وهو في حبس ابن هبيرة وأبو مسلم غلامه يخدمه وقد فهم الدعوة
(6/61)
وسارع إليها فلما رأته النقباء وفيه
العلامات تفرسوا فيه ارتفاع الأمر على يديه ثم سارت النقباء الى مكة
فلقوا الإمام إبراهيم بن محمد بن علي فأخبروه بخبر أبي مسلم و [أ] عطوه
مالاً كانوا حملوه من خراسان فقال لهم إبراهيم إن كان أبو مسلمٍ عبداً
فاشتروه وإن كان حراً فخذوه معكم وفي سنة ثمان وعشرين ومائة في ولاية
مروان بن محمد وجّه إبراهيم الإمام أبا مسلم إلى خراسان وكتب معه إلى
الشيعة بتأميره عليهم فوقعت الفتنة بخراسان وذلك أنه لما قتل يحيى بن
زيد بن علي رضي الله عنهم اختلف الناس فحبس نصر بن سيار علي بن
الكرماني [F؟ 211
V؟] في قهندز مرو
واحتال ابن الكرماني وانسل من مجرى الماء وجمع الناس واحتشد وزعم أنه
يطلب الكتاب والسنة والرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يرضى
بنصر وعماله ولاة على المسلمين،،،
[ابتداء خروج أبي [1] مسلم]
فتشوشت لذلك واضطربت فأصاب أبو مسلم الفرصة وجد في إقامة الدعوة ونصر
بن سيار يناوش ابن الكرماني لا يتفرغ لأبي مسلم وقد بث الدعاة في
الأقطار فدخل الناس أفواجاً أفواجاُ وفشت الدعوة ثم كتب الإمام إبراهيم
__________
.marginalemoderne. [1]
ابو Ms.
(6/62)
إلى أبي مسلم أن يوافي الموسم ويحمل ما جبى
من الأموال فخرج أبو مسلم وحمل ثلاثمائة وستين ألف درهم سوى الأمتعة
والحمولات وخرج معه النقباء وعدة من الشيعة فلقيه كتاب الإمام في
الطريق ولواء عقده له يأمره بالانصراف إلى خراسان وإظهار الدعوة فبعث
قحطبة بن شبيب بالمال وعاد أبو مسلم حتى قدم مرو مستخفيا وواعد الشيعة
في الآفاق والنواحي أن يوافوه يوم الفطر فخرج وأمر قاسم بن مجاشع أن
يصلّى بهم فصلّى وهي أول جماعة بني العباس ثم كتب أبو مسلم إلى الشيعة
في الكوفة بإظهار الدعوة ومكاشفة أعمال أعوان بني أمية وأقبل أبو مسلم
حتى نزل خندق نصر بن سيار وعند خندق علي بن الكرماني وكثرت جموعه وهو
يظهر لكلّ واحد منهما أنه معه ويعده النصر على صاحبه فلما قوي أمره
وتكاشف بؤسه [1] هابه الفريقان وكتب نصر ابن سيّار الى مروان يخبره
بذلك [وافر]
أرى خلل [2] الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكى ... وإنّ الشرّ ينتجه الكلام
__________
[1] . بؤشهMS.
[2] . بخلل MS.
(6/63)
أقول من التعجب ليت شعري ... أيقاظ أمية أم
نيام
فكتب إليه مروان أما بعد فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحسم
الثؤلول [1] قبلك فقال نصر لأصحابه قد أعلمكم صاحبكم أنه لا قوة عنده
فاحتالوا لأنفسكم ثم لم يلبث نصر إلا قليلاً حتى خرج هارباً إلى
نيسابور وبعث أبو مسلم في إثره ففاته وبعث في الليل إلى منازل قواده
ونقبائه فاستحضرهم وضرب أعناقهم ونصب رءوسهم في المسجد فلما أصبح الناس
ونظروا إليها هالهم ذلك ودخلهم رعب عظيم وعظم أبو مسلم في نفوسهم
وانكسرت مضر وبعث قحطبة بن شبيب الطائي في أثر نصر بن سيار وخرج قحطبة
على طريق جرجان وفيها ابن حنظلة عامل لمروان فخرج إليه فقاتله قحطبة
فقتله وخرج نصر بن سيار إلى ساوة فمات بها وسار قحطبة إلى الري ووافى
أبو مسلم نيسابور ليكون ردءاً لقحطبة وجعل يمده بالأموال والرجال فبعث
ابنه الحسن بن قحطبة إلى نهاوند فاستنزلهم وبذل لهم الأمان إلا من كان
من أهل خراسان فإنه قتلهم كلهم لأنهم خرجوا من خراسان عند ظهور
__________
[1] . التولول MS.
(6/64)
أبي مسلم وسار قحطبة إلى العراق وجاء يوسف
بن عمر بن هبيرة خليفة مروان على العراق حتى نزل جلولاء وخندق بها ونزل
قحطبة حلوان وقدم ابنه إلى خانقين [1] وأبو مسلم يقدم ابن الكرماني في
هذه الأحوال كلها ويسلم عليه بالإمارة ويريه أنه يتبعه ويعمل برأيه
استظهاراً منه [F؟ 212
r؟] على ربيعة ومضر
فلما أفنى ربيعة ومضر وثب على ابن الكرماني فقتله وصفت المملكة له وأمد
قحطبة بالأموال والرجال فلما ترادفت الامداد إليه سار إلى جلولاء
وانصرف يوسف بن عمر بن هبيرة إلى العراق واستولى قحطبة على ما وراء
دجلة وأبو سلمة السبيعي رأس النقباء بالكوفة في جمع كثير من العرب
والخراسانية وهي سنة إحدى وثلاثين ومائة وحج في هذه السنة الإمام
إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ومعه أخواه أبو العباس
وأبو جعفر وولده ومواليه على ثلاثين نجيباً عليهم الثياب الفاخرة
والرحال والأثقال [2] فشهره أهل الشام وأهل البوادي والحرمين معما
انتشر في الدنيا من ظهور أمرهم وبلغ مروان خبر حجهم فكتب الى عامله
بدمشق الوليد
__________
[1] . خانقينMS.
[2] . والا؟ قال MS.
(6/65)
ابن معاوية بن مروان بن الحكم يأمره بتوجيه
خيل إليه وكان مروان بأرض الجزيرة يقاتل الشراة [1] فوجه إليه الوليد
خيلاً فهجموا على إبراهيم فأخذوه وحملوه إلى سجن حران وأثقلوه بالحديد
وضيقوا عليه الحلقة حتى مات فدفن بقيده ولمّا أحسّ إبراهيم بالطلب أوصى
إلى أبي العباس ونعى نفسه إليه وأمره بالمسير إلى الكوفة بأهل بيته
فسار أبو العباس وأخوه أبو جعفر وعماه داود ابن عليّ وعبد الله بن علي
بن عبد الله بن العباس وابن عمه موسى بن داود بن علي ستة رجال شايعهم
يحيى بن جعفر بن شمام ابن العباس حتى قدموا الكوفة مستخفين وجاء الشيعة
نعى إبراهيم الإمام فقال أبو هدبة [بسيط]
ناع نعى لي إبراهيم قلت له ... شلت يداك [2] وعشت الدهر حيرانا
نعى الإمام وخير الناس كلهم ... أخنت عليه يد الجعدي مروانا
وأنزلهم أبو سلمة في دار وكتم أمرهم وقال ينبغي أن يتربصوا فإنّ الناس
بايعوا إبراهيم وقد مات ولعل يحدث بعده أمر وأراد أن يصرف الأمر الى
ولد علي بن أبي طالب لأن أول الأمر
__________
[1] . الشراةMS.
[2] . يديك MS.
(6/66)
كان دعوا الناس إليهم فكانوا في حصنه نحواً
من شهرين وعسكر أبو سلمة بحمام أعين وفرق عماله في السهل والجبل وكتب
إلى جعفر بن محمد وإلى عبد الله بن الحسين وإلى عمر بن الحسين بن علي
ودفعها إلى رجل وأمره أن يلقى جعفر بن محمد فإن قبل ما كتب به إليه مزق
الكتابين وإن لم يقبل لقي عبد الله بن الحسين ابن الحسن فإن قبل مزق
الكتاب الثالث فإن لم يقبل لقي عمر بن علي بن الحسين بن علي فقدم
الرسول المدينة ولقي جعفر ابن محمد بالكتاب ليلاً فقرأ الكتاب وسكت
فقال له الرسول ما تجيب فقدم الكتاب من السراج وأحرقه وقال هذا جوابه
فلقي الرسول عبد الله بن الحسين بن الحسن وأوصل الكتاب إليه فقبل وأجاب
إلى ذلك فأشار عليه جعفر بن محمد بالإعراض عنه فإن أبا سلمة مخدوع
مقتول وإن هذا الأمر لا يتم لكم فإن أبا هاشم أخبرهم أنه يكون في ولد
العباس وفات الوقت الذي كان قوم ينتظرونه بخروجهم فارتاب أهل خراسان
فاجتمعوا إلى أبي سلمة وقالوا قد خرجنا من قعر خراسان إليك وقد مضى من
الوقت ما ترى فإما أن تخرج إلينا الإمام الذي دعوتنا إليه وإما أن نعود
إلى أوطاننا وكان الناس يسمونهم المسودة [F؟
212 V؟]
(6/67)
لسواد ثيابهم وكتب أبو مسلم إلى قحطبة أن
صادم ابن هبيرة فالتقيا بفم الزاب وهو على عشرين فرسخاً من الكوفة
فانهزم ابن هبيرة ومضى إلى واسط وتحصن فيها وفقد قحطبة فلم يدر أقتل أم
غرق وولى أمر المسودة حميد بن قحطبة فسار في إثر ابن هبيرة فحاصره وكان
أبو مسلم واعد إبراهيم الخروج يوم كذا من شهر كذا وبعث معهم القواد
والنقباء الذين كانوا استجابوا له وتابعوه إلى الكوفة لذلك اليوم وبعث
معهم بالسواد والسيف والمراكب وما يحتاج الإمام إليه من المال والفرش
والأثاث [1] والسلاح ففات الوقت ولم يروا من ذلك شيئا لموت إبراهيم
وغدر أبي سلمة وكان يقال لأبي سلمة وزير آل محمد فناظروا بأبي سلمة في
ذلك وألحوا عليه فقال أبو سلمة لا تعجلوا وجعل ينتظر [2] ورود من
كاتبهم من العلوية وكان أبو حميد السمرقندي أحد القواد أهدى غلاما
خوارزمياً يقال له سابق إلى الإمام إبراهيم فلقيه في بعض الطريق فسأله
عن الإمام فأخبره أنه في دار بني فلان وأن أبا سلمة ينهاه عن الظهور
والخروج فقال له أبو حميد خذني اليه فقال لا أفعل إلا بإذنه قال
فاستأذنه وأعلمني
__________
[1] . والأثاثMS.
[2] . ينتظروا MS.
(6/68)
فذهب سابق إليهم فأخبرهم بخبر أبي حميد
فخشوا وهابوا وقالوا لا نأمن إن أظهرنا حميداً على أمرنا أن يقتلنا أبو
سلمة لأنه كان يحذرهم الخروج فقال أبو العباس إلى متى نحن في خفية وقد
أوعدنا أبو هاشم أن الأمر صائر إلينا فهات أبا حميد فخرج سابق إلى أبي
حميد فجاء به فلما بلغ الدار قال له سابق ألق عنك سلاحك وسوادك فإنهم
يهابونك فألقى سلاحه ثم دخل فلما رأى شيعتهم سلّم عليهم ووقف وقال من
إبراهيم الإمام منكم قالوا ذاك قد مضى لسبيله فاسترجع وترحم عليه
وعزاهم عنه ثم قال من ابن الحارثية منكم فأشاروا إلى ابن العباس فسلم
عليه بالخلافة وقبل الأرض بين يديه وقال هذا إمامكم وخليفتكم وخرج
فأخبر القواد والنقباء فأسرعوا إليه وسروا به وسلموا عليه بالخلافة
وبلغ الخبر أبا سلمة فانتقض عليه تدبيره وجاء فاعتذر وقال إنما أردت
بما فعلت الخير فقال له أبو العباس قد عذرناك غير معتذر حقك لدينا معظم
وسالفتك في دولتنا مشكورة وزلتك مغفورة فارجع إلى معسكرك لا يدخله
خلل،،،
ابتداء خلافة بني العباس [1]
وخرج أبو العباس ليلة الجمعة لاثنتي
__________
Glosemarginale. [1]
(6/69)
عشرة خلت من ربيع الأول في مثل مولد النبي
صلى الله عليه وسلم يوم هجرته سنة اثنتي وثلاثين ومائة وعليه دراعة
سوداء وكساء أسود فصلى المغرب في مسجد بني أيوب فهي أول صلاة صلاها في
الخلافة ودخل منزله فلمّا أصبح غدا عليه القواد في التعبية والهيبة وقد
أعدوا له السواد والمركب والسيف فخرج أبو العباس في من [1] معه إلى قصر
الإمارة ثم خرج إلى المقصورة وصعد المنبر وجلس وصعد معه عمه داود بن
علي وكان فصيحاً بليغاً وقد اجتمع القواد وأعيان الناس فقال والله ما
قام على منبركم هذا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق به من
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمير المؤمنين هذا أبسط يدك أبايعك فبسط
يده فقال داود أنا داود بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب
وقد بايعتك ثم نزل فصعد أبو جعفر أخوه فبايعه ثم بايعه أهل بيته وبنو
هاشم ثم القواد ثم الرعايا ولم يزالوا يضربون على يده إلى أن أذن
للصلاة قام أبو العباس فخطب وصلى ثم ركب حتى أتى معسكر [F؟
213 r؟] أبي سلمة حفص
بن سليمان فنزل وجاء أبو سلمة فبايعه وبايعه أهل عسكره فوجه أخاه أبا
جعفر لمعاضدة ابن قحطبة ووجه عمه عبد
__________
[1] . فيمن MS.
(6/70)
الله بن علي إلى مروان وهو نازل بالزاب
وولى خالد بن برمك الخراج وابن أبي ليلى القضاء وسابق الخوارزمي الشراب
وأكمن رجالاً ففتكوا بأبي سلمة وأرجفوا بأن الخوارج قتلته ثم ارتحل أبو
العباس [1] من الهاشمية إلى الحيرة فنزلها وبعث الوفود ببيعته في
سلطانه واستأمن ابن هبيرة فآمنوه وقتلوه وواقع عبد الله بن علي بن عبد
الله بن العبّاس مروان بن محمد فهزمه وانتهب معسكره فمر مروان على وجهه
حتى أتى الموصل فلم يفتح له ومضى فعبر جسر الفرات فوق حران وأحرق السفن
فنزل عبد الله بن علي على الفرات يصلح السفن ليعبر وفتح الوليد بن
معاوية ابن عبد الملك بن مروان الخزائن وفرض للناس واجتمع إليه خمسون
ألفاً من المقاتلة بدمشق وجمع مروان جمعاً عظيماً بنهر فطرس من أرض
فلسطين وبعث أبو العباس أخاه أبا جعفر الى أبى مسلم بخراسان يخبر [هـ]
بغدر أبي سلمة ويعتذر من قتله فبايعه أبو مسلم ببيعة أهل خراسان له
ووصل أبا جعفر بمال له خطر ومقدار وحمل إلى أبي العباس خيلاً ورقيقاً
وسلاحاً وهدايا جمّة وعبر عبد الله ابن علي الفرات وحاصر دمشق حتى
افتتحها وقتل من بها من
__________
(sic) . [1] ابو الفاس
MS.
(6/71)
بني أمية وهدم سورها حجراً حجراً ونبش عن
قبورهم فأحرقهم وأحرق عظامهم بالنار ولم يجد في قبر معاوية عليه اللعنة
إلا خطاً أسود كأنه رماد ولا في قبر يزيد لعنه الله إلا فقارة ظهره
فأحرقه وبعث بمن ظفر به من أولادهم ومواليهم إلى أبي العباس فقتلهم
وصلبهم كلهم بالحيرة وارتحل عبد الله بن علي نحو مروان فهزمه واستباح
عسكره ونزل في مناخ الاستراحة واجتمع رؤساء بني أمية اثنان وثمانون
رجلاً وجاءوا يستأذنون على عبد الله معتذرين فأذن لهم وقد أكمن رجالاً
من المسودة ومعهم الكافر كوبات وقال إذا ضربت بقلنسوتي الأرض فابرزوا
ودخل القوم فسلموا عليه بالخلافة فنادى يا حسن بن علي يا حسين بن علي
يا زيد بن علي يا يحيى بن زيد ما لكم لا تجيبون وتجيب بنو أمية فأيقن
القوم بالهلاك وأنشأ عبد الله يقول [كامل]
حسبت أميّة أن استرخى هاشم ... منها ويذهب زيدها وحسينها
كلا ورب محمد وكتابه ... حتى يشار كفورها وخؤونها
ثم ضرب بقلنسوته الأرض وقال يا ثارات الحسين فخرجت المسودة ودقوهم
بالكافر كوبات حتى شدخوهم عن آخرهم ثم
(6/72)
دعا بالبسط والأنطاع وفرشها عليهم ودعا
بالطعام فأكل فوق هامهم وإن منهم لمن يأن أسى وقال ما أكلت طعاماً مذ
سمعت بقتل الحسين أطيب من هذا قالوا وحلف ناس من أهل الشام أنهم ما
علموا لرسول الله قرابة غير بني أمية وبعث عبد الله بن علي في أثر [F؟
213 V؟] مروان فلحقوه
ببوصير من حدود مصر فقتله وبعث برأسه إلى أبي العباس فبعثه أبو العباس
إلى أبي مسلم وأمره أن يطيف به في خراسان وقالوا ولما أيقن مروان
بالهلاك دفن قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخصفته في رمل كي لا
[1] يعثر عليه أحد ولا ينال فدلهم عليه خصي من خصيانه فاستخرجا وبعث
بهما إلى أبي العباس ويقال أن الذي قتل مروان عامر بن إسماعيل من أهل
مرو،،،
خروج السفياني على أبي العباس
وفي السنة الثانية من ولاية أبي العباس وهي سنة ثلاث وثلاثين ومائة خرج
زياد بن عبد الله ابن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بحلب وبيضوا
ثيابهم وأعلامهم وادعى الخلافة فبعث أبو العباس أخاه فأتاه من جانب
الجزيرة وجاءه عبد الله بن علي من فوقه فواقعاه وهزّماه ومزّقوا
__________
[1] . كيلا MS.
(6/73)
جموعه كلّ ممزّق وقتلوا منهم ما لا يحصى ثم
اذكوا العيون على الأمويين يقتلون رجالهم ونساءهم وينبشون عن قبورهم
فيحرقونهم فمن ثمّ سمى عبد الله بن علي السفاح وفيه يقول الشاعر
[متقارب]
وكانت أمية في ملكها ... تجول وتظهر طغيانها
فلما رأى الله أن قد طغت ... ولم تطق الأرض عدوانها
رماهم بسفاح آل الرسول ... فحز بكفيه أذقانها
وفي السنة الثالثة من ولاية أبى العبّاس انتقض أمر بخارا بنجوم شريك بن
شيخ الفهري في ثلاثين ألفاً من فلال العرب وسائر الناس ونقموا على أبي
مسلم سفكه الدماء بغير حق وإسرافه في القتل فنهض إليهم أبو مسلم وعلى
مقدمته زياد بن صالح وأبو داود خالد بن إبراهيم الذهلي فناجزهم وقتل
شريك بن شيخ وافتتح بخارا والسغد ثانيا وأمر ببناء حائط سمرقند ليكون
حصناً لهم إن دحمهم عدو وبعث زياد بن صالح فافتتح كور ما وراء النهر
حتى بلغ طرازاً [1] واطلخ فتحرك أهل الصين وجاءوا
__________
[1] . طرارا MS.
(6/74)
أكثر من مائة ألف وتحصن سعيد بن حميد في
مدينة الطراز [1] وأقام أبو مسلم في معسكره بسمرقند واستمد العمال وحشر
المطوعة إلى سعيد بن حميد فواقعهم دفعات وقتل منهم خمسة وأربعين ألفاً
وأسر خمسة وعشرين ألفاً وانهزم الباقون فاستولى المسلمون على عسكرهم
وانصرف إلى بخارا وبسط يده على ملوك ما وراء النهر ودهاقينها فضرب
أعناقهم وسبى ذراريهم واستصفى أموالهم وعبر النهر من السبى غير مرة
بخمسين ألفاً خمسين ألفاً وهم أبو مسلم بغزو الصين وهيأ أهبة لذلك
فشغله عنه إظهار زياد بن صالح كتاباً من أبي العباس بولايته على خراسان
من غير أن كان لذلك أصل فعمل أبو مسلم في ذلك حتى قتل زياداً وبعث
برأسه إلى أبي العباس وكتب إليه يستأذنه في الحجّ واختار من جلّة رجله
خمسة آلاف فقدمهم أمامه وخرج [F 214 r؟]
واستخلف على خراسان أبا داود فلما انتهى إلى الري تلقاه كتاب أبي
العباس بتخليف من معه من الجنود بالريّ وأن تقدم عليه في خمسمائة رجل
فكتب إليه إني قد وترت الناس ولا آمن على نفسي ألّا أكون في كنف قوي
فكتب إليه أن اقبل في ألف
__________
[1] . الطرارا MS.
(6/75)
فلما بلغ أبو مسلم الحيرة تلقاه أبو العباس
في بني هاشم وسائر القواد من العرب والموالي وبالغ في إلطافه وتكرمته
وشكر صنيعه وأشار أبو جعفر عليه بقتله فقال أبو العباس يا أخي قد عرفت
بلاءه عندنا وقيامه بأمرنا وسابقته في دولتنا قال إن في رأسه وإنما بلغ
ما بلغ بدولتنا وأيامنا فتغد به قبل أن يتعش بك قال وكيف الحيلة فيه
قال إذا دخل عليك فاشغله بالكلام حتى آتيه من ورائه فأضربه عنقه قال
دونك فاصنع ما أنت صانع ودخل أبو مسلم للسلام فأخذ أبو العباس يسأله عن
وقائعه وحيله إذ أدركته حالة صرفته عما هم به فقال لبعض شاكريته قل
لأبي جعفر لا يفعل ذاك ثم قال لأبي مسلم لولا أن أبا جعفر ولى ابن أخيه
أميراً على الحاج لكنت أنت فخرج أبو جعفر وأبو مسلم بتقدمته حتى إذا
بلغ صفينة موضعاً بين البستان وذات عرق بلغه خبر وفاة أبي العباس فسار
حتى حج بالناس وأقبل منصرفاً الى الحيرة،،،
ذكر خروج عبد الله بن علي على أبي جعفر
ولما مات أبو العباس ادعى الخلافة عبد الله بن علي وبايعه أهل الشام
والجزيرة وذلك أن أبا العباس لما ظهر أمره وضع سيفاً وقال من تقلد هذا
(6/76)
السيف وسار الى مروان فقاتله فله الخلافة
بعدي فتحاماه الناس وقام عبد الله بن علي فتقلده وسار فقاتل مروان
فقتله فلما مات أبو العباس قام بالخلافة وبايعه الناس على ذلك وكان
أجلدهم وأشجعهم فهال ذلك أبا جعفر واستشار أبا مسلم فقال الرأي إن
تعاجله ولا تتأنى به فأنهض أبا مسلم وجعل له الشام وما وراءه من
الخراسانيات فسار أبو مسلم إلى نصيبين وقد وافاها عبد الله ابن علي في
مائة ألف مقاتل ومائة ألف م الفعلة وحفر الخندق من جبل نصيبين إلى
نهرها وجعل فيه ما يحتاج إليه من العدة والآلة ونصب المجانيق والعرادات
وبث الحسك وسد الطريق على من يقصده من العراق وجعل الخصب والقرى وراءه
فلما نظر أبو مسلم الى ذلك وانّه قد غلب الخصب والقرى والميرة
والعلوفات وأن لا مقام للعسكر بازائه احتال في إخراجه فعدل عن عبد الله
وأخذ في طريق الشام فخشي عبد الله أن يستولي أبو مسلم على الشام فوجه
أخاه المنصور بن علي في جيش عظيم فهزمهم أبو مسلم وقتل منهم مقتلة
عظيمة ومر على وجهه يظهر أنه يريد الشام فخرج عبد الله في أثره كلما
ارتحل أبو مسلم من منزل نزل عبد الله فيه حتى علم أبو مسلم أنه خرج
جميع عساكره
(6/77)
عن الخندق وضيعوا العورة عطف أبو مسلم على
نصيبين ركضاً فغلب على الخندق وصار في يده جميع ما فيه وأقبل عبد الله
حتّى نزل على اربع فراسخ من نصيبين في موضع ليس فيه ماء إلا ماء الآبار
فبسط الأمان للناس وبذل الأموال ثم لم يمكن عبد الله المقام فهرب ليلاً
واستولى أبو مسلم على خزائنه وأمواله [F؟
214 V؟] وما كان احتواه
من نهب بني أمية وكنوز الشام ثم أسر عبد الله بن علي وحمل إلى أبي جعفر
فخلده الحبس إلى أن مات وأقام أبو مسلم بنصيبين واستقامت له أمور الشام
وسرح أبو جعفر أمناء على الأفياض والخزائن وبعث يقطين بن موسى وأمره
بإحصاء ما في العسكر فغضب أبو مسلم وشتم أبا جعفر وقال أمناء على
الدماء خونة على الأموال وأقبل من الجزيرة مجمعاً على الخلاف معارضاً
بخراسان وخرج أبو جعفر من الأنبار إلى المدائن وكتب إلى [أبي] مسلم
بالمصير فكتب إليه أبو مسلم أما بعد فإنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو
إلا أمكنه الله منه وقد كنا نروي عن ملوك ساسان أن أخوف ما تكون
الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك
ما وفيت حريون بالسمع والطاعة غير أنهما من بعيد
(6/78)
حيث يقارنهما السلامة فإن أرضاك ذلك فأنا
أحسن عبيدك وإن أبيت الّا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت ضناً
بنفسي فكتب إليه المنصور قد فهمت كتابك وليست صفتك صفة أولئك الوزراء
الغششة الذين اضطراب حبل الدولة إليهم لكثرة جرائمهم وإنما راحتهم في
انتشار نظام الجماعة فلم سويت نفسك بهم وأنت في طاعتك ومناصحتك
واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر بحيث أنت وقد حمل أمير المؤمنين
رسالة لتسكن إليها إن أصغيت نحوها فاسأل الله تعالى أن يحول بين
الشيطان وبين نزغاته منك ووجه بجرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله
البجلي وكان أوحد زمانه في المكر والخداع والدهاء والتلبيس واللسان
فخدعه بكلامه وسحره بمواعيده وحلف له أبو جعفر بكل عين يحلف بها ذوو
[1] الأديان من الطلاق والعتاق والأيمان وضمن له عيسى بن موسى وجرير بن
يزيد بن جرير الوفاء من أبي جعفر بالعهد وكتبوا له كتب الأمان وكان أبو
مسلم يقول لأقتلن بأرض الروم وأقبل منصرفاً من الري إلى العراق،،،
__________
[1] . ذوى MS.
(6/79)
ذكر مقتل أبي مسلم
قالوا ولما أخذ أبو مسلم على طريق الجبال من أرض الجزيرة اشتد رعب أبي
جعفر وخشي إن هو سبقه إلى خراسان أن يقاتله بما لا قبل له به فاجتمع
الرأي وعمل المكائد وهجر النوم وجعل يقعد [1] وحده ويخاطب نفسه وأتاه
أبو مسلم وهو بالرومية في مضاربه فأمر الناس بتلقيه وإنزاله وإكرامه
غاية الكرامة أياماً ثم أخذ في التجني عليه فهابه أبو مسلم وكان استشار
بانويه رجلاً من أصحابه بالري عند ورود الرسل عليه فأشار عليه
بالامتداد إلى خراسان وضرب أعناق الرسل فقال أبو مسلم هو ذا أرى يرميني
فما الرأي قال تركت الرأي بالري فذهبت مثلاً ولكن الحيلة أن تبدأ به
فإنك مقتول فإذا دخلت عليه فأعله بسيفك [2] ونحن على الباب ثم إن أمكنك
أن تدافع عن نفسك إلى أن نصل إليك وأجمع أبو جعفر على قتله وأعد من
أصحاب الحرس أربعة نفر فأكمنهم في البيوت منهم شبيب المروزي وأبو حنيفة
حرب بن قيس وقال إذا أنا صفقت بيدي فشأنكم وبعث إلى أبي مسلم يدعوه في
غير وقت فجاء اليه
__________
[1] . يعقدMS.
[2] . فاعله بسيفك MS.
(6/80)
باستدعائه عيسى بن موسى وهو صاحب عهده
وذمّته فقال له عيسى تقدّم وأنا وراءك فقال له أبو مسلم أنا أخافه على
نفسي فقال عيسى [F؟ 215
r؟] أنت في ذمتي وجواري
وكيف تظن بأمير المؤمنين أن ينقض عهدك وأرسل أبو جعفر إلى عيسى أن تخلف
عن المجيء وجاء أبو مسلم فقام إليه البواب وقال ليعطيني الأمير سيفه
قال ما كان يفعل هذا قبل قال هذا لا بدّ [منه] فأعطاه ودخل فشكى الى
ابى جعفر ذلك فقال ومن أمره ذلك قبحه الله ثم أقبل عليه يعاتبه ويذكر
عثراته فمما عد عليه أن قال ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك ودخلت إلينا
فقلت أين ابن الحارثية وجعلت تخطب آمنة بنت علي بن عبد الله بن العباس
وتزعم أنك سليط بن عبد الله بن عباس ما دعاك إلى قتل سليمان بن كثير
الخزاعي مع أثره في دعوتنا وسعيه في دولتنا قبل أن يدخلك في شيء من هذا
الأمر فجعل أبو مسلم يعتذر إليه ويقبل الأرض بين يديه ويقول أراد
الخلاف علي فقتلته فقال أبو جعفر يعصيك وحاله عندنا حاله فتقتله
وتعصينا فلا نقتلك قتلني الله إن لم أقتلك ثم ضربه بعمود في يده وصفق
فخرج الحرس فضربوه بسيوفهم وهو يستصرخ ويستأمن ويقول ابو جعفر ما تزيد
(6/81)
يا ابن اللخناء [1] إلا غيظاً المقتل قتلكم
الله اقتلوه فقتلوه ولفوه في بساط ونحوه ناحية ثم استأذن إسماعيل بن
علي الهاشمي فأذن له فلما قام قال إني رأيت في المنام كأنك ذبحت كبشاً
وإني توطأته برجلي قال صدقت رؤياك قتل الله عز وجل الفاسق قم فتوطأه
برجلك وأمر أبو جعفر أن لا يؤذن عليه ونام نومة ثم قام وقال ما تهيأت
للخلافة إلى اليوم وبانويه في ثلاثة آلاف من الخراسانيّة وقوف على
الباب لا يدرون ما الخبر فقال ابو جعفر فرّقوا هؤلاء العلوج عنّي وانشأ
يقول [سريع]
زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا كنت تسقى بها ... أمر في الحلق من العلقم
وكتب أبو جعفر إلى أبي داود بعهده على خراسان،،،
خروج سنفاد [2] المجوسي
ولما قتل أبو مسلم خرج سنفاد [2] المجوسي بنيسابور يزعم أنه ولى أبي
مسلم والطالب بثأره وسار حتى غلب على الري وما وراء النهر من النواحي
وقبض خزائن أبى مسلم
__________
[1] . كذا في الأصل enmarge:
بن اللحناMS.
[2] . بسفاد MS.
(6/82)
وفرّقها في الفروض وبلغت جموعه تستعين
ألفاً فبعث المنصور جمهور [1] العجلي في عشرة آلاف فالتقوا بين همذان
والري فقتل منهم ستين ألفاً وسبي من نسائهم وأولادهم ما الله به عليم
وقتل سنفاد [2] فكان بين مقتله ومخرجه سبعون يوماً،،،
موت أبي داود خالد بن إبراهيم
وهم أبو داود بالمسير إلى ما وراء النهر وقاد العساكر إلى مرو فبينا هو
نازل للاستراحة في قصر بكشمهن [3] إذ ثار الجند ليلاً تشويشاً فأشرف
عليهم أبو داود ليلاً من القصر معتمداً على أجرة فزلت الأجرة فسقط أبو
داود على رقبته فانكسر فولى المنصور ابنه المهدي وأمره أن ينزل الري
ويستعمل على خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن الحارثي،،،
خروج الروندية
وخرج ناس من أهل خراسان بمدينة الهاشمية وقالوا قولاً عظيما [F؟
215 V؟] وهو أنّ أبا
جعفر الهنا يحيينا ويميتنا ويطعمنا ويسقينا قالوا بتناسخ الأرواح وأن
روح آدم تحولت في عثمان بن نهيك وأبو الهيثم بن معاوية هو جبريل وجاءوا
الى
__________
[1] . جهورMS.
[2] . بسفادMS.
[3] . بكشميهن MS.
(6/83)
قصر أبي جعفر يطوفون به ويقولون هذا قصر
ربنا فأنكر ذلك أبو جعفر وخرجوا إلى الناس يهرجونهم [1] بالسيوف فخرج
المنصور في مواليه فقتلهم أبرح قتل فأبلى معن بن زائدة ذلك اليوم بين
يديه بلاء حسناً،،،
خروج محمّد و [2] إبراهيم من ولد الحسين بن على على ابن جعفر
قال وكان أبو العباس ملاطفاً لعبد الله بن الحسن باراً به فأخرج يوماً
سقطا من جوهر وقاسمه فأنشأ عبد الله يقول [وافر]
ألم تر حوشباً أمسى يبني ... قصوراً نفعها لبني نفيله
يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله ينزل كل ليله
فغضب أبو العباس من قوله ونفاه إلى المدينة ثم لما ولي أبو جعفر ألح في
طلب ابنيه محمّد وإبراهيم فتوارى عن الطالبين وتغيبوا عنه وحج أبو جعفر
وأمر بطلب أبيهما عبد الله بن الحسن وداود وإبراهيم فأتي بهم وهم
بالربذة فسأله عبد الله بن الحسن وهو شيخ كبير أن يأذن له فلم يأذن
وبسطوا عليهم العذاب حتى دلوا على من كان اختفى منهم بجبلى طيِّئ فبعث
في طلبهم
__________
[1] . كذاEnmarge:
[2] . بن MS.
(6/84)
فأخذوا اثني عشر إنساناً ورحلهم كلهم إلى
الكوفة وحبسهم في بيت ضيق لا يتمكن أحدهم من مقعده يبول بعضهم على بعض
ويتغوط لا يدخل عليهم روح الهواء ولا يخرج عنهم رائحة القذر حتى ماتوا
عن آخرهم فخرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة وجمع الجموع وفرض
الفروض وتسمى بالمهدي فبعث إليه أبو جعفر عيسى بن موسى وحميد بن قحطبة
بن شبيب في الخراسانيّة وحاصروا المدينة أياماً وواقعوهم مراراً ثم خرج
محمد بن عبد الله وقال لأهله إن قطرت السماء قطرة فأحرقوا الديوان فأنى
مقتول وواقف القوم وقال يا أهل فارس يعني الخراسانيّة اخترتم الدينار
والدرهم على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنا محمد بن عبد
الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب فانتقضت الخراسانيّة وخاف
عيسى بن موسى الخلاف فنادى حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي إن كنت محمد
بن عبد الله فأنا حميد بن قحطبة بن شبيب الطائىّ مسلمان كشند فحملوا
عليه حملة واحدة فقتلوه وحزوا رأسه من أصل رقبته معلقاً به أحشاءه وما
يتصل به وحملوه إلى أبي جعفر قالوا ولما خرج محمد بن عبد الله هاجت
سحابة فمطرت فأحرق الديوان،،،
(6/85)
ثم خروج أخيه أبر
[هيم] بن عبد الله بالبصرة
في ثلاثين ألفاً ويقال في سبعين ألفاً واشتدت [1] مخافة أبي جعفر وأعد
الرواحل للهرب ونقل ديوانه وأهل بيته الى دمشق وبعث عيسى للقاء إبراهيم
ويئس أبو جعفر من الأمر وقال أترون أن هذا الذي بلغنا باطلاً إن الأمر
لا يزال فينا حتى تلعب به صبياننا فقال له سهل لا بأس فإن الظفر لكم
فلم يلبث أن جاء عيسى برأس إبراهيم فتمثّل ابو جعفر بقول الشاعر [طويل]
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
[F؟ 216
r؟] ومن ثم مر إدريس بن عبد
الله بن الحسن بن الحسن [2] ابن علي بن أبي طالب إلى المغرب فهم بها
الى اليوم،،،
خروج استادسيس بخراسان
قالوا واجتمع من الغزية نحو ثلاثمائة ألف مقاتل من أهل هراة وباذغيس
وكنج رستاق [3] وسجستان ونواحيها ومعهم المرور [4] والمساحي والفؤوس
ورئيسهم استادسيس
__________
[1] . استدّتMS.
[2] . الحسينMS.
[3] . وكنجر ورستاقMS.
[4] . المدور MS.
(6/86)
وغلبوا على عامة خراسان فوجه أبو جعفر خازم
بن خزيمة فقاتلهم قتالاً شديداً وقتل منهم في المعركة تسعين ألفاً
وهزمهم وفرق جمعهم وسبى ذراريهم،،،
قتل عمر بن حفص بن أبي صفرة بإفريقية
كان أبو جعفر ولاها إياه فخرج عليه أبو عادي وأبو حاتم الأباضيان في
أربع مائة ألف رجل من البربر والمغاربة منهم ثلاثمائة وخمسة عشر ألفاً
رجالاً وخمسة وثمانون ألفاً فرساناً فغلبوه وقتلوه وغلبوا على المغرب
فوجه أبو جعفر يزيد بن حاتم في خمسين ألفاً وأنفق على ذلك الجيش ثلاثة
وستين ألف ألفَ درهم يكون بالأوقار ألفي وقر وثمانين وقراً وكل وقر
ثلاثون ألفاً فقتل ابو عادى وابو حاتم وحمل رءوسهما إليه واستوت له
بلاد المغرب وبنى أبو جعفر مدينة بغداذ سنة خمس وأربعين ومائة وبنى قصر
الخلد سنة سبع وخمسين ومائة ونقل الأسواق من مدينة السلام إلى باب
الكرخ وباب المحول وخندق على الكوفة وسوّرها وكذلك البصرة خندق عليها
وخلع عيسى بن موسى وعقد البيعة لابنه محمد المهدي [1] ولعيسى بن موسى
من بعده ومات أبو جعفر في طريق مكة ببئر
__________
[1] . محمّد بن المهدىّ MS.
(6/87)
ميمون وفي أيامه صار عبد الرحمن بن معاوية
بن هشام بن عبد الملك سنة ستين إلى الأندلس فملكها ثم ابنه هشام [1] بن
[عبد الرحمن] [2] عشرين سنة وكان وقوع عبد الرحمن إليها سنة ثمان
وثلاثين فهم ولاتها الى اليوم،،،
ذكر خلفاء بني العباس
أولهم أبو العباس عبد الله بن محمّد بن عليّ ابن عبد الله بن العباس
بويع يوم الجمعة لاثني عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين
ومائة وهو أبو العباس أمير المؤمنين المرتضى بن محمد بن علي السجاد ذي
الثفنات بن عبد الله الحبر بن العباس ذي الرأي بن عبد المطلب شيبة
الحمد وأم أبي العباس ريطة بنت عبيد الله بن عبد المدان وهو الذي
انتشرت الأخبار بإفضاء الخلافة إليه وكان أبو العباس رجلاً طوالاً أبيض
اللون حسن الوجه ولد بالشراة [3] في أيام هشام بن عبد الملك ولما قدم
الكوفة نزل بحمام أعين في موضع عسكر أبي سلمة فسمى الهاشمية ثم تحول من
الهاشمية إلى الحيرة ثم تحوّل من
__________
[1] . الحسنMS.
[2] . كذا في الأصلLacune ,enmarge:
[3] . بالسراة Ms.
(6/88)
الحيرة إلى الأنبار وبنى بها مدينة ومات
سنة ستّ وثلاثين ومائة وكانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر وكان سنة
أربعاً وعشرين سنة وخلف أربعة أقمصة وخمس سراويلات وأربع طيالسة وثلاث
مطارف خز ورثاه أبو دلامة [كامل]
من مجمل [1] في الصبر عنك فلم يكن ... جزعي ولا صبري عليك جميلا
يجدون أبدالاً وإني عالم ... ما عشت دهري ما وجدت بديلا
إني سألت الناس بعدك كلهم ... فوجدت أجود من سألت بخيلا
[F؟ 216
V؟] فقالت له امرأة أبي العباس
ما أصيب به غيري وغيرك فقال أبو دلامة وكان مزاحاً ولا سوء لك منه ولد
ولا ولدي منه وكانت ولدت له محمد بن أبي العباس ودفن في قصره بالأنبار
وفي تأريخ خرّزاذ أنه بلغ من السن ثلاث وثلاثين سنة والله أعلم وكان
يكره الدماء ويحابي على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
مختصّا بسليمان بن هشام بن عبد الملك وعبد الله بن الحسن ابن الحسن [2]
بن علي بن أبي طالب وكان يقعد عبد الله بن
__________
، contrelenictrc. [1]
تجمّلMS.
[2] . الحسين MS.
(6/89)
الحسن عن يمينه والأموي عن يساره فلما
أنشده عبد الله ألم تر حوشباً نفاه إلى المدينة ثم لما أنشأ يقول سديف
[خفيف]
لا يغرنك ما ترى من رجالٍ ... إن تحت الرجال داء دويا
فضع السيف وارفع السوط عنهم ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
ثمّ أمر بسليمان فقتل،،،
بويع أخوه أبو جعفر المنصور
وهو عبد الله بن محمد بن العباس سنة سبع وثلاثين ومائة وأمه بربرية
يقال لها سلامة ولد بأرض الشراة [1] في أيام الوليد بن عبد الملك بن
مروان وكان أكبر من أبي العباس بثماني عشرة سنة وذكروا أنه كان رجلاً
أسمر نحيفاً طويل القامة قبيح الوجه دميم الصورة ذميم الخلق أشح خلق
الله وأشده حباً للدينار والدراهم سفاكاً للدماء ختاراً بالعهود غداراً
بالمواثيق كفوراً بالنعم قليل الرحمة وكان جال في الأرض وتعرض للناس
وكتب الحديث وحدث في المساجد وتصرف في الأعمال الدنية والحرف الشائنة
وقاد القود لأهلها وضربه سليمان ابن حبيب بالسياط في الجملة والتفصيل
كان رجلا دنيا خسيسا
__________
[1] . السراة MS.
(6/90)
كريهاً شريراً فلما أفضى الأمر إليه أمر
بتغيير الزي وتطويل القلانس فجعلوا يحتالون لها بالقصب من داخل فقال
أبو دلامة في هجره [طويل]
وكنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى [1] بالقلانس
تراها على هام الرجال كأنها ... ديار يهود جلّلت بالبرانس
وأمر بعدد دور أهل الكوفة ووظف خمسة دراهم [2] على كل دار فلما عرف
عددهم جباهم أربعين درهماً أربعين درهما فقالوا [رمل]
يا لقوم ما لقينا من أمير [3] المؤمنينا ... قسم الخمسة فينا وجبانا
أربعينا
وحج غير مرة وزار القدس وبنى مدينة المصيصة ومدينة الرافقة بالرقة على
قدر مدينة السلام ووسع طرق المدينة وأرباضها وأمر بهدم ما شخص عنها
ووسع المسجد الحرام وجمع من المال ما لم يجمعه أحد قبله ولذلك قيل له
أبو الدوانيق وخرج محرما بالحجّ
__________
[1] . المجتبىCorr.marg:
repetedeuxfois. [2]
خمسة دراهماMS.
[3] . أمر MS.
(6/91)
فعرض له وجع ببئر ميمون هاض له بطنه ثم
انقض كوكب في إثره إلى طلوع الشمس ومات فحمل إلى مكة فدفن مكشوف الرأس
وخلف من الصامت تسع مائة ألف ألف درهم وستين ألف ألف درهم سوى سائر
الأصناف ولم يروا منها بشيء وزعم زاعم أنه وقف عليه [F؟
217 r؟] أعرابي في
طريقه قبل موته بستّ أيّام فأنشده [طويل]
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو منجم ... بحيلته عنك المنية دافع
ويقال بل هتف به في نومه ورثاه مروان بن أبى حفصة [طويل]
أبا جعفر صلّى عليك إلهنا ... لموتك أمسى أعظم الحدثان
بكى الثقلان الإنس والجن إذ ثوى ... ولم يبك ميتاً قبلك الثقلان
خبر أبي مسلم صاحب الدعوة
اختلف الناس في اسمه وبلده فأكثرهم على أنه أبو مسلم عبد الرحمن بن
مسلم ولد بأصبهان ونشأ عند إدريس بن عيسى جد أبي دلف فكان مع ولده في
المكتب إلى أن حفظ القرآن وروى الأشعار وقال بعضهم هو
(6/92)
ابو إسحاق إبراهيم بن عثمان وأمه وشيلة بنت
فلان وزعم قوم أنه كان من قرية من قرى مرو [و] يقال بل كان من العرب
وقيل كان عبداً وأما أبو دلامة فإنه نسبه إلى الأكراد حيث هجاه وقالوا
في حليته وهيأته أنه كان قصير القامة أسمر اللون دقيق البشرة حلو
المنظر طويل الظهر قصير الساق لم ير ضاحكاً ولا ممازحاً يأتيه الفتوح
العظام فلا يعرف بشره في وجهه وينكب النكبة العظيمة فلا يرى مكتئباً
لها قليل الرحمة قاسي القلب سوطه سيفه قتل من الأصناف كلها بدأ بمضر في
خراسان فأفناهم ثم اليمن ثم الربيعة ثم القضاة ثم القراء ثم الملوك ثم
الدهاقين والمرازبة والنصارى والدماوندية والنهاوندية واليهود وقتل
ستمائة ألف ممن يعرف صبراً سوى من لا يعرف ومن قتل في الحروب والهيجاء
وقتل ولم يترك داراً ولا عقاراً ولا عبداً ولا أمةً ولا ديناراً ولا
درهماً وكانت عنده ثلاث نسوة وكان لا يطأ المرأة منهن في السنة إلا مرة
واحدة ويقول يكفي الإنسان أن يختن نفسه في السنة مرة وكان من أغير
الناس لا يدخل قصره أحد غيره وفيه كوى يطرح لنسائه منها ما يحتجن إليه
قالوا وليلة زفت إليه أمرأته أمر بالبرذون الذي ركبته
(6/93)
فذبح [1] وأحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها
قال ابن شبرمة دخلت على أبي مسلم ليلاً فرأيت في حجره مصحفاً وفي يده
سيفا فقال يا ابن شبرمة إنما هما وأشار إليهما أترهب هذا أم السيف قلت
أصلح الله الأمير من أشجع الناس فقال كل قوم في إقبال دولتهم وكان أقل
الناس طمعاً وأكثرهم طعاماً يخبز في مطبخه كل يوم ثلاثة آلاف مآزف
ويطبخ مائة شاة سوى البقر والطير وكان له مائة طباخ وآلة المطبخ تحمل
على ألف ومائتين من الدواب ولما حج نادى في الناس برئت الذمة ممن أوقد
ناراً فكفى العسكر ومن معه أمر طعامهم وشرابهم في ذهابهم ومنصرفهم
وهربت الأعراب فلم يبق في المناهل منهم أحد لما كانوا سمعوا به من
ولوعه بسفك الدماء وتناشدوا له بيتا قال نصر بن سيّار [بسيط]
[F؟ 217
V؟] فمن يكن سائلاً عن دين
قومهم ... فإن دينهم أن يقتل العربا
وكان مروان بن محمد كتب إلى أهل مكة يهجو أبا مسلم وانه
__________
[1] . فذبحت MS.
(6/94)
يحرق المصاحف ويهدم المساجد فلما سمعوا
بقدومه خرجوا ينظرون إليه فلما بلغ الحرم نزل عن دابته وخلع نعليه ومشى
حافياً على رجليه إعظاماً للبيت وقضى نسكاً قل ما قضاه أحد من الملوك
غيره فقالوا ما رأينا سلطاناً أعظم الحرم إعظامه وولد سنة مائة واثنتين
وقتل [سنة] سبع وثلاثين وهو ابن خمس وثلاثين سنة وخلف بنتاً يقال لها
فاطمة بنت أبي مسلم يتولاها الخرمية ويزعمون أنه يخرج من نسلها رجل
يستولي على الأرض كلها ويسلب بنى العبّاس ملكهم وفيه يقول [طويل]
أبا مجرم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد
وفي دولة المهدي حاولت غدرة ... إلا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مجرم خوفتني الفتك فانتحي ... عليك بما خوّفتني الأسد الورد
وبويع بعده ابنه المهدي
محمد بن أبي جعفر سنة تسع وخمسين ومائة وصار إليه خاتم الخلافة وقضيب
النبي صلى الله عليه وسلم وبردته فكان كما سمي هادياً مهدياً رد
المظالم وشهد الصلوات في جماعة وفرق خزائن المنصور في سبل الخير ورد
ولاء آل أبي بكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد ولاء آل زياد
من نسبهم إلى أبي سفيان
(6/95)
إلى عبيد من ثقيف وكتب بذلك إلى المدن
والأمصار ووسع المسجد الحرام ومسجد المدينة وفرق في حجه بمكة والمدينة
ثلاثين ألف ألف درهم سوى ما حمل إليه من مال مصر واليمن وحمل إليه محمد
بن سليمان الثلج من أرض الموصل ولم يحمله أحد قبله وأمر بنزع المقاصير
عن المساجد وتقصير المنابر إلى الحد الذي كان عليه منبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ووضع دور المرضى وأجرى على العميان والمجذمين والضعفى
وأغزى الصائفة ابنة هارون بن المهدي في مائة ألف من المسترقة [1] سوى
المطوعة والأتباع وأهل الأسواق والغزاة فقتلوا من الروم خمسة وأربعين
ألفا وأصابوا من المال ما بيع البرذون بدرهم والدرع بدرهم وعشرون سيفاً
وألزموهم الجزية كل سنة سبعين ألف دينار وفيه يقول ابن أبى حفصة [طويل]
أطفت بقسطنطينة [2] الروم مسندا ... إليها القفا حتى اكتسى الذل سورها
وما رمتها حتى تفيك ملوكها ... بجزيتها والعرب تغلي قدورها
وكثير من الناس يرون ذلك الفتح الفتح الذي وعد الله به وفي
__________
[1] . المسترزقةMS.
[2] . قسطنطينية MS.
(6/96)
أيامه خرج رجل يقال له يوسف البرم [1]
واستغوى خلقاً كثيراً وجمع بوشا وأدعى النبوة فبعث إليه جيشاً ففضوا
جموعه فأسروه فأمر به المهدي فصلب وخرج حكيم المقنع وقال بتناسخ
الأرواح واتبعه ناس كثير وكان حكيم هذا رجلاً قصيراً أعور من قرية من
قرى مرو يقال لها كاره وكان لا يسفر عن وجهه لأصحابه فلذلك [F؟
218 r؟] قيل له المقنع
وزعم أن روح الله التي كانت [2] في آدم تحولت [3] إلى شيث ثم إلى نوح
ثم الى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى ثم الى محمد ثم الى على ثم إلى
محمد بن الحنفية ثم إليه وكان يحسن شيئاً من الشعبذة والنيرنجات
فاستغوى أهل العقول الضعيفة فاستمالهم فبعث المهدي في طلبه فصار إلى ما
وراء النهر وتحصن في قلعة كش [4] وجمع فيها من الطعام والعلوفة وبث
الدعاة في الناس وادعى إحياء الموتى وعلم الغيب وألح المهدي في طلبه
فحوصر فلما اشتد الحصار عليه سقى نساءه وغلمانه كلهم السم وشرب هو منه
فماتوا عن آخرهم وحمل الى المهدىّ
__________
[1] . كذا في الأصل enmarge:
بن البرمMS.
[2] . كانMS.
[3] . تحوّلMS.
[4] . تكش MS.
(6/97)
وكان وعد أصحابه أن يتحول روحه إلى قالب
رجل أشمط على برذون أشهب وأنه يعود إليهم بعد كذا سنة ويملكهم الأرض
فهم ينتظرونه ويسمون المبيضة وفي أيامه خرج المحمرة بخراسان وعليهم رجل
يقال له عبد الوهّاب فغلب على خراسان وما يليها وقتل خلقاً كثيراً من
الناس فانهض إليه المهدي عمرو بن العلاء فقتله وفض جموعه وفي أيامه
ظهرت الزنادقة فقتل المهدي بعضهم واستتاب بعضها وعقد البيعة لابنه موسى
الهادي وبعده لأخيه هارون الرشيد واعتل المهدي فحمل إلى ماسبذان [1]
يتروح إلى ذلك بالهواء فمات فحمل على درابة إذ لم يجدوا جنازة فجزت
حسنة [2] عبيدها ولبست المسوح في وصائفها ولم تزل [3] كذلك إلى أن
فارقت الدنيا وكانت من أجمل النساء فقال أبو العتاهية [رمل]
رحن في الوشي وأصبحن ... عليهنّ المسوح
كلّ نطّاح وإن عاش ... له يوم نطوح
نح على نفسك يا مسكين ... إن كنت تنوح
__________
[1] . ما سندانMS.
[2] . ح؟ بهMS.
[3] . يزل MS.
(6/98)
لتموتنّ ولو عمّرت ... ما عمر نوح
بين عيني كل حيٍ ... علم الموت يلوح
كلنا في غفلة و ... الموت يغدو ويروح
وتوفّى المهدىّ سنة ست وستين ومائة وكان ابن ثمان وأربعين سنة وولايته
عشر سنين وشهر وقيل فيه [طويل]
وأفضل قبر بعد قبر محمد ... نبي الهدى قبر بماسبذان [1]
عجبت لأيد حثت التراب فوقه ... غداة فلم يرجع بغير بنان
وبويع الهادي
وتولى له البيعة هارون وهو بجرجان فأقبل الى بغداذ على دواب البريد
وخرج عليه الحسين بن على بن الحسن ابن على بن أبي طالب بالمدينة في
الطالبيين يحيى وإدريس وإسماعيل الذي يقال [له] طباطبا وعلي وعمر الذي
يقال له الأفطس وأخرجوا عامل المدينة ونهبوا بيت المال ثم قصد الحسين
بن على مكة وبعث الهادي موسى بن عيسى [2] فأدركه على فرسخ من مكة فقتله
وحمل رأسه إلى المهدي وتفرق من كان معه من آل أبى
__________
(contrelemetre) . [1]
بماسندانMS.
[2] . عيسى بن موسى MS.
(6/99)
طالب فوقع إدريس بن عبد الله بن الحسن بن
الحسن [1] بن على [ابن] أبي طالب إلى الأندلس وغلب عليها وأخوه يحيى بن
عبد الله إلى جبال الديلم فأما إدريس فولى إلى [F؟
218 V؟] تلك الناحية
وولده إلى اليوم بها وأما يحيى فإنه آمنة هارون [2] وأخرجه ثم غدر به
وبنى على بطنه اسطوانة وغضب الهادي على موسى بن عيسى في قتل الحسين بن
علي من غير موافقة وتركه أن يقدم به عليه فيرى فيه رأيه فقبض على
أمواله وضياعه وتتبع الهادي الزنادقة فقتلهم أبرح قتلٍ منهم ازديادار
كاتب يقطين بن موسى نظر إلى الناس في الطواف يهرولون فقال ما أشبههم
ببقر تدوس البيدر فقال الشاعر فيه [سريع]
ماذا ترى في رجل كافر ... يشبه الكعبة بالبيدر
وقال آخر [سريع]
قد مات ماني منذ أعصارٍ ... وقد بدا إزدايادار
حج إلى البيت أبو خالد ... مخافة القتل أو العار
__________
[1] . الحسينMS.
[2] . هارون MS.
(6/100)
وود والله أبو خالد ... لو كان بيت الله في
النار
لا يقتل الحيات في دينه ... كفراً ولا العصفور في الدار
وليس يؤذى الفأر في حجره ... يقول روح الله في الفأر
فقتله الهادي وصلبه فسقطت خشبته على رجل من الحاج فقتلته وقتلت حماره
ومات الهادي بعيساباذ سنة سبعين ومائة وكان بلغ من السن ثلثا وعشرين
سنة وولى سنة وشهرا،،،
وبويع هارون الرشيد
يوم توفي الهادي وولد له المأمون فمات خليفة وولى خليفة وولد خليفة
ولما بويع الرشيد ولي الوزارة يحيى بن خالد بن برمك وولى خرسان جعفر بن
محمّد بن الأشعث ابن قيس وبذل الأمان للطالبيين وأخرج الخمس لبني هاشم
وقسم للذكر ألفا وللأنثى خمسمائة وساوى بين صلبتيهم ومواليهم وفرض
لأبناء المهاجرين والأنصار وعمر طرسوس وأنزل فيها أبا سليمان الخادم في
جماعة من الموالي وخرج عليه الوليد بن طريف الشاري بأرض الجزيرة
واستولى عليها وعلى أرمينية وآذربيجان وهزم عدة جيوش لهارون وفتك بهم
ويقول [سريع]
أنا الوليد بن الطريف الشاري ... أخرجني ظلمكم من داري
(6/101)
ودامت فتنته قريباً من عشر سنين ثم انتهز
بعض الأعراب منه الفرصة فقتله غيلة وحمل رأسه إلى هارون فاعتمر شكراً
للَّه عز وجل على ما أبلاه وكفاه وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة ورثته
أخته الفارعة بنت الطريف [طويل]
ألا يا لقوم للحيوف وللبلى [1] ... وللدار لما أزمعت بخسوف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس همت بعده بكسوف
[F؟ 219
r؟] ولليث فوق النعش إذ
يحملونه ... إلى وهدة ملحودة وسقوف
بكت جشم لما استقلت على العلى ... وعن كل هولٍ بالرجال مطيف
أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن الطريف
فتى لا يعد الزاد إلا من التقى ... ولا الكال إلا من قنى وسيوف
وخرج عليه حمزة الشاري بخراسان فعاش بباذغيس فأفسد ووثب على عيسى بن
علي بن عيسى ففض جموعه وقتل فيهم أبرح قتل وانتهت الهزيمة لعيسى إلى
كابل وقندهار فقال ابو العذافر [خفيف]
__________
[1] . وللبلا Corr.marg.ms.
(6/102)
كاد عيسى يكون ذا القرنين ... بلغ المشرقين
والمغربين
لم يدع كابلا وزابلستان ... [1] وما حولها إلى الرخجين [2]
ثم غرق حمزة في واد بكرمان وتسمى طائفته الحمزية وخرج أبو الخصيب بنسا
وغلب عليها وعلى أبيورد وطوس وسرخس ونيسابور وخرب وأفسد وكثفت [3]
جموعه وقوي أمره فبعث إليه هارون [4] عيسى بن علي فقتله وسبى أهله
وذراريه وحمل إليه رأسه واستقامت أحوال خراسان وتحركت الخرمية
بأذربيجان فانتدب لهم عبد الله بن مالك فقتل منهم ثلاثين ألفاً وسبى
نساءهم وصبيانهم ووافى بهم هارون بقرميسين فأمر بقتل الأسارى وبيع
السبى وخطب الفضل بن يحيى إلى خاقان ابنته فحنق لذلك خاقان وخرجت الخزر
من باب الأبواب وأوقعوا بالمسلمين وأهل الذمة وسبوا مائة ألف وأربعين
ألف إنسان وقتلوا من الرجال والنساء والولدان ما لا يعلم عددهم الّا
الله عزّ وجلّ وأحرقوا
__________
[1] . لاMS.ajoute:
[2] . الرجّخينMS.
[3] . وكبفتMS.
[4] . هارون MS.
(6/103)
المدن والقرى وانتهكوا من الإسلام ما لم
يذكر مثله قبله ولا بعده،،،
قصة البرامكة
قيل أنهم كانوا من أهل بيوتات بلخ ممن يتولون البهار وبيت النار فقيل
لهم البرامكة على معنى أنهم سدنة البيت وحجابه فأول ما ولوا من الأعمال
في أيام أبي العباس ولي الخراج خالد بن برمك ثم صار يدور فيهم إلى أيام
الرشيد فولى الوزارة يحيى بن خالد بن برمك وولي خراسان وما دون باب
بغداذ مما يليها ابنه الفضل بن يحيى وولى ابنه الآخر جعفر بن يحيى
الخاتم قال بعضهم الوزارة برمكية لا بقي منهم بقية ثم سخط عليهم هارون
فأفناهم واختلفوا في السبب الذي حمله على ذلك فقال قوم أنهم أرادوا
إظهار الزندقة وإفساد الملك ونقله إلى عثمان بن نهيك الفاسق فقتلهم
هارون على ذلك وقال آخرون إن هارون كان مختصاً بجعفر بن يحيى بن برمك
حتى أمر فخيط له قميص ذو جيبين يلبسه هارون وجعفر لثقته به واختصاصه به
وكان باراً بأخته عباسة [1] مولعاً بها لا يكاد يصبر عنها فزوجها من
جعفر بن يحيى على أن لا يمسّها ولا يلمى بها ليكون لها محرما إذا حضرت
__________
[1] . العبّاسيّة MS.
(6/104)
المجلس فقضى من القضاء إن حملت منه وولدت
تؤأمين فغضب هارون لذلك وأمر بضرب [F؟
219 V؟] عنق جعفر بن
يحيى وحبس أخاه الفضل وأباه بالرقة حتى ماتا في الحبس وأمر بجثة جعفر
ورأسه إلى مدينة السلام فقطعت بنصفين وصلبت به ثم أحرقت بالنار وكتب
إلى العمال في جميع النواحي والبلدان بالقبض على البرامكة وحاشيتهم
وأولادهم ومواليهم فكل من هو منهم يسئل [1] والاستيثاق [2] منهم
واجتياح أموالهم واستصفائها منهم وإذكاء العيون على من اختفى منهم
وتغيب والاحتيال في القبض عليه حتى إذا علم أنه قد أحاط بهم أو بأكثرهم
كتب إلى كل عامل [3] كتابا مدرجاً مختوماً بأمره أن ينظر فيه يوم كذا
من سنة كذا فيمثل ما مثل له فيه فوافق قتلهم كلهم في يوم واحد ثم أمر
بعباسة فحطت في صندوق ودفنت في بئر وهي حية وأمر بابنيها كأنهما
لؤلؤتان فأحضرا فنظر الهيما ملياً وشاور نفسه وبكى [4] ثم رمى بهما
البئر وطمّها عليهم وقال الأصمعيّ في
__________
[1] . كذا في الأصل:enmarge:
يسلMS.
[2] . والاستيثاقMS.
[3] . عالمMS.
[4] . وبكا MS.
(6/105)
البرامكة [متقارب]
إذا ذكر الشرك في مجلسٍ ... أنارت وجوه بني برمك
وإن تليت عندهم سورة ... أتوا بالأحاديث من برمك
وحج هارون بابنيه محمد الأمين وعبد الله المأمون وكتب كتاباً بالعهد
والبيعة للأمين وبعده للمأمون وأشهد عليه وعلقه على الكعبة فقال
إبراهيم الموصلىّ [كامل]
خير الأمور مغبة ... وأحق أمر بالتمام
أمر قضى أحكامه ... في الكعبة البيت الحرام
وكان عقد العهد لمحمد وسماه الأمين وهو ابن خمس سنين وذلك في سنة خمس
وسبعين ومائة فقال سلم الخاسر [كامل]
قد وفق الله الخليفة إذ بنى ... بيت الخلافة للهجان الأزهر
قد بايع الثقلان في مهد التقى ... لمحمد بن زبيدة ابنة [1] جعفر
وقال أبان بن حميد اللاحقيّ [طويل]
وما قصرت سن به أن ينالها ... وقد خصّ عيسى بالنّبوّة في المهد
__________
(sic) . [1] بن
MS.
(6/106)
وفي سنة ست وثمانين ومائة أخذ البيعة
للقاسم ابنه بولاية العهد بعد المأمون وسماه المؤتمن فصاروا بعهده
ثلاثة الأمين ثم المأمون ثم المؤتمن وخرج رافع بن ليث بن نصر بن سيار
بسمرقند وغلب على ما وراء النهر فولى الرشيد هرثمة بن أعين خراسان
واستكفاه أمر رافع وقدم المأمون إلى مرو وسار بنفسه فلما بلغ طوس توفي
بها فدفن في سنة ثلاث وتسعين ومائة وقد بلغ من السن سبعاً وأربعين سنة
وكانت ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وأياماً فرثاه ابو الشيص [رمل]
غربت في المشرق الشمس ... فقل للعين تدمع
[F؟ 220
r؟] ما رأينا قطّ شمشا ...
غربت من حيث تطلع
فلما مات هارون بايع الناس لولده الثلاثة على الوفاء بالعهد بعضهم
لبعض،،،
وبويع محمد الأمين
فنكث وغدر وولى ابنه موسى العراق وهو طفل ولقبه الناطق بالحق وأمر
بالدعاء له على المنابر ونهى عن الدعاء للمأمون وأمر بإبطال ما ضرب
المأمون من الدراهم والدنانير بخراسان وأغرى الفضل بن الربيع بينه وبين
المأمون وزين له
(6/107)
بكر بن المعتمر خلع المأمون فولّى على بن
عيسى بن ماهان الحرب وأخذ البيعة لابنه الناطق بالحق وصيره في حجره
وندبه للقاء المأمون ودفع إليه قيداً من ذهب وقال أوثق المأمون ولا
تقتله حتى تقدم به علي وأعطاه من الصامت ألفي ألف دينار سوى الأثاث
والكراع وبلغ الخبر المأمون فتسمى بأمير المؤمنين وقطع الخراج عن [1]
الأمين وألقى اسمه من الطراز والدراهم والدنانير وانهض طاهر بن الحسين
وهرثمة بن أعين إلى علي بن عيسى فالتقوا بالري وقتلوا جيوشه واحتووا
على أمواله وكتب طاهر ابن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون كتبت
إليك ورأس علي بن عيسى في حجري وخاتمه في يدي والحمد للَّه رب العالمين
فنهض الفضل بن سهل ودخل على المأمون وسلم عليه بالخلافة فبعث المأمون
إلى طاهر بالهدايا والأموال وأمده بالرجال والقواد وسماه ذا اليمينين
وصاحب خيل الدين وأمره أن يمضي إلى العراق فأخذ طاهر على طريق الأهواز
وأخذ هرثمة على طريق حلوان ورفع المأمون قدر الفضل بن سهل وعقد له على
المشرق من جبل همذان إلى جبل سقين وتبت [2] طولاً ومن بحر فارس والهند
__________
[1] . علىMS.
[2] . كذا في الأصل enmarge:
بن سفبر وببت MS.
(6/108)
إلى بحر جرجان والديلم عرضاً وعقد له لواء
على سنان ذي شعبتين وسماه ذا الرئاستين رياسة الحرب ورياسة التدبير
ولما صار طاهر إلى الأهواز واستولى عليها ثم امتد إلى واسط وتمكن هرثمة
من حلوان شغب الجند على محمد الأمين فأعطاهم رزق أربعة وعشرين شهراً ثم
وثبوا عليه وهو في قصر الخلد فأخرجوه وخلعوه وحبسوه مع أمه وولده في
مدينة أبي جعفر فقال جاء الخبر من العجب لأحد عشر من رجب ثم أخرجوه
وبايعوه وكان حبسه يومين ثم تشوشت الدنيا فخرج ابن طباطبا العلوي
بالكوفة وبيض ومعه أعرابي من بني شيبان يقال له أبو السرايا وغلبوا على
الكوفة والسواد ثم مات ابن طباطبا وهو محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل بن
الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين ونقش
الخاتم [و] الدراهم [1] إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ 61: 4 وفي وسطه
الفاطمي الأصغر وخرج بالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فغلب وبيض وخرج بمكة ابن
الأفطس الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبى طالب [2] عليهم السلم
__________
[1] . الدارهم.Ms.
.Ms.I (sic) [2]
(6/109)
فغلب وبيض وحج بالناس سنة مائتين وخرج
بالمدينة محمد بن سليمان بن [F؟
220 V؟] داود بن الحسن
بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم فغلب وبيض وخرج باليمن
إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمد وغلب وبيض وخرج بالشام على
بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية يدعو إلى نفسه وحاصر طاهر
وهرثمة محمداً الأمين وجعلا يحاربان أصحابه سنة ببغداذ فقتل أصحابه
وخفت يده من المال وضعف أمره وكتب طاهر إلى المأمون يستأمره في قتل
محمد فبعث إليه بقميص غير مقور فعلم أنه يأمره بقتله وخلص الجيش إلى
قصر محمد وأحدقوا به فوجه إلى هرثمة يسأله الأمان فآمنه وضمن له الوفاء
من المسلمين فجاء طاهر مسرعاً وحمل على الحراقة بالنفط والحجارة
فانكفأت بمن فيها فأما هرثمة فإنه ركب زورقاً قريباً منه وأما محمد
فسبح حتى خرج بشط البصرة فأخذه أصحاب طاهر وجاءوا به فقتله من ليلته
وبعث برأسه إلى خراسان وخلص الأمر للمأمون وبعث المأمون إلى علي بن
موسى بن جعفر فأقدمه خراسان وعقد له العهد من بعده وسماه الرضا وزوجه
ابنته أم حبيبة بنت المأمون وخضر الثياب واللباس والرايات وأمر بطرح
السواد فشق ذلك
(6/110)
على بني هاشم وغضب بنو العباس وقالوا يخرج
الأمر منا إلى أعدائنا فخلعوا المأمون وبايعوا إبراهيم بن المهدي وسموه
المبارك وتوجه المأمون نحو العراق فلما بلغ سرخس قتل الفضل بن سهل في
الحمام غيلة ومات علي بن موسى الرضا بطوس ودفن عند قبر هارون واختلفوا
في سبب موته فمن قائل أنه سم وآخر أنه أكل عنباً فمات وجاء المأمون حتى
دخل بغداذ وعليه الخضرة فأمر بطرحها وأمر بإعادة السواد وخلع القاسم
المؤتمن وقتل محمد الأمين سنة ثمان وتسعين ومائة وكان سنة ثمان وعشرين
سنة وأياماً ولايته أربع سنين وأربعة أشهر وأياماً ويقال خمس سنين وفيه
يقول [متقارب]
أضاع الخلافة غش الوزير ... وفسق الأمير وجهل المشير
فبكر مشير وفضل وزير ... يزيدان ما فيه حذف الأمير
وبويع إبراهيم بن المهدي سنة اثنتين ومائتين فخرج إلى الحسن ابن سهل
فألحقه بواسط ثم بايع بغداذ المأمون وكانت أيّام إبراهيم بن المهدي سنة
وأحد عشر شهراً ودخل المأمون بغداذ سنة أربع ومائتين،،،
(6/111)
وبويع عبد الله
المأمون
سنة أربع ومائتين وكانوا بايعوه بمرو عند ما خلعه أخوه فأحسن السيرة
وتفقد أمور الناس وقعد للقضاء وتولّى الصلاة والخطبة وخلع أخاه القاسم
وأخذ البيعة لأخيه ابى [1] إسحاق المعتصم من بعده وكتب الناس من عبد
الله المأمون أمير المؤمنين وأخيه الخليفة من بعده أبي إسحاق المعتصم
وأمر بامتحان القضاة والمحدّثين ونادى مناديه برئت الذمة ممن ذكر
معاوية بخير [2] وفضله على أحد من الصحابة [F؟
221 r؟] وأحيا العلم
القديم ونقل إلى لسان العرب وأظهر علم النجوم والفلسفة وكان فاضلاً في
نفسه فطيناً ذكياً أبيض البشرة تعلوه حمرة أعين طويل اللحية دقيقها
بخدّه خال أسود وأمر ابو إسحاق باتخاذ الأتراك للخدمة وكان يشتري [3]
الواحد منهم بمائة ألف ومائتي ألف وفي أيامه تحركت الخرمية وادعى بابك
أنّ روح جاويدان دخلت فيه فبعث إليه المأمون محمد بن حميد فقتل محمد بن
حميد وعامة أصحابه وأصاب الناس مجاعة حتى بلغ المد عشرين دينارا ورئي
__________
[1] . ابنMS.
[2] . بحيراMS.
[3] . يسترى MS.
(6/112)
قبله الكوكب ذو الذنب ثم وقع بعده موت ذريع
أفنى كثيراً من الناس وظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي في زي امرأة
يمشي بين امرأتين فعفا عنه وآمنه ونادمه فقال إبراهيم [كامل]
إن الذي قسم المكارم حازها ... من صلب آدم للإمام السابع
فعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
وغزا الروم غير مرة فافتتح منها حصوناً وقلاعا ومات بها فحمل إلى طرسوس
وقال الشاعر [خفيف]
خلّفوه بعرقوة طرسوس ... مثل ما خلّفوا أباه بطوس
هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون ... أو عن وزيره المألوس
وتوفّى سنة ثمان عشرة ومائتين وكانت خلافته منذ قتل محمد عشرين سنة
وعمره ثمانيا وأربعين سنة وكانت أم المأمون باذغيسية تسمى مراجل وكان
المأمون ضربه أبوه في شيء فقال الرقاشيّ يهجوه [رمل]
لم تلذه أمه تعرف ... في السوق التجارا
لا ولا حد ولا خان ... ولا في الحكم جارا
(6/113)
وبويع ابو إسحاق المعتصم باللَّه
وهو محمد بن هارون سنة ثمان عشرة ومائتين فتخرم كثير من أهل الجبال من
مشاهير همذان وماسبذان [1] ومهرجان وتجمعوا فبعث إبراهيم بن إسحاق بن
مصعب وقتل منهم ستين ألفاً وسبى ستين ألفاً وهرب الباقون إلى بلاد
الروم وخرج العباس بن المأمون ودعا إلى نفسه وبايعه كثير من القواد
فحبسه وأمر بلعنه على المنابر وسماه اللعين فمات بالحبس وشغب عليه
الأتراك فأمر برد المقاصير في مساجد الجماعة ثم مضى بإنزاله إلى سر من
رأى [2] فابتني فيها واتخذها داراً وقتل بابك الخرمي سنة ثلاث وعشرين
ومائتين،،،
قصة بابك الخرمي [3]
ذكروا أنه كان لغير رشده وأن أمه كانت امرأة عوراء فقيرة من قرى
آذربيجان فشعف بها رجل من نبط
__________
[1] . وباسندان.MS. كذا
في الأصل
Enmarge: [2]
[3] بابك كهاجر ذاك الخرّمى الّذي كان
marginalemoderne: استولى على الممالك ثم قتل
في زمن المعتصم خدمة كسكرة قرية بفارس منا بابك الخرمى كذا في القاموس
[sic] لكنه مخالف لما
ذكر في هذا الكتاب من امره من آذربيجان كذا في الأصل،،،. اذرهجان
etlagloseportent بن
آذربيجان Aulieude
(6/114)
السواد يقال له عبد الله فحملت منه وقتل
الرجل وبابك حمل فوضعته أمه وجعلت تكتسب [1] عليه إلى أن بلغ مبلغ
السعي وصار غلاما حذروا [2] واستأجره أهل قريته على سرحهم بطعام بطنه
وكسوة ظهره فزعموا أنّه أتته ذات يوم بطعامه وهو قائل في ظلّ حانط فرأت
شعر بدنه قد [F؟ 221
V؟] اقشعر يقطر من رأس
كل شعرة قطرة دم فقالت إن لابني هذا شأناً عظيماً وكان في تلك الجبال
قوم من الخرمية وعليهم رئيسان يتكافحان ويخالف أحدهما الآخر يقال
لأحدهما جاويذان [3] والآخر عمران فمر جاويذان [3] في بعض حاجاته بقرية
بابك فرآه فتفرس فيه الجلادة فاستأجره من أمه وحمله إلى ناحيته قالوا
فمالت إليه امرأة جاويذان [3] وأفشت إليه أسرار زوجها وأطلعته على
دفائنه وكنوزه فلم يلبث إلا قليلاً حتى وقعت حرب بين جاويذان [3]
وعمران فأصابت جاويذان [3] جراحة فمات منها فزعمت امرأة جاويذان [3] أن
بابك قد استخلف هذا على أمره وتحولت روحه إليه وإن الذي كان وعدكم من
الظفر والنصرة
__________
[1] . وجعل يكتسبMS.
[2] . حذوراMS.
[3] . جاوندان MS.
(6/115)
كله صائر إليكم على يدي هذا وذلك أن
الخرمية لا يصبحون ولا يمسون إلا على توقع الحركة فأتبعوه قومه وصدقوا
المرأة على شهادتها وأمر بابك أصحابه من النواحي والقرى وكان في قلة
وذلة وأعطاهم سيوفاً وخناجر وأمرهم أن يرجعوا إلى قراهم ومنازلهم
وينتظرون ثلث الليل الأخير فإذا كان ذلك الوقت يخرجوا على الناس فلا
يدعون رجلاً ولا امرأة ولا صبياً ولا طفلاً من قريب وبعيد إلا قطعوه
وقتلوه ففعل القوم ذلك فأصبح أهل تلك القرى قتلى بأيدي الخرّمية لا
يدرون من أمرهم بذلك ولا ما السبب فيه ودخل الناس رعب شديد وهول عظيم
ثم لم يمهل أن بعثهم إلى ما نأي عنه من النواحي فيقتلون من أصابوا من
الناس من أيّ صنف كان كان صغيرا أو كبيراً أو مسلماً أو ذمياً حتى مرن
القوم على القتل وانضوى اليه القطاع والحراب والذعار وأصحاب الفتن
وأرباب النحل الزائغة وتكاثفت جموعه حتى بلغ فرسان رجاله عشرين ألف
فارس سوى الرجالة واحتوى على مدن وقرى وأخذ بالتمثيل بالناس والتحريق
بالنار والانهماك في الفساد وقلة الرحمة والمبالاة وهزم جيوشا كثيرا
للسلطان وقتل عدة قواد له وذكر في بعض الكتب أنه قتل فيما حفظ
(6/116)
ألف ألفَ إنسان من بين رجل وامرأة وصبي
وذكر في التاريخ أن جميع من قتل بابك مائتا [1] ألف إنسان وخمسة وخمسون
ألف إنسان وخمسمائة إنسان والله أعلم فندب المعتصم الإفشين للقاء بابك
وعقد له على الجبال كلها ووظف له كل يوم يركب فيه عشرة ألف درهم صلة
ويوم لا يركب خمسة آلاف درهم سوى الأرزاق والأنزال والمعاون وما يصل
إليه من عمل الجبال وأجازه عند خروجه بألف ألف درهم فقاومه الإفشين سنة
وانهزم بابك من يديه غير مرة وعاوده بابك يلتجئ إلى البذ [2] وهي مدينة
حصينة فلما قرب أجله وضاق أمره خرج هارباً بأهله وولده إلى أرمينية في
زي التجار فعرفه سهل بن سنباط [3] النصراني أحد بطارقة أرمينية وكان في
إساره فافتدى نفسه منه بمال عظيم فلم يقبل منه بعد ما ركب من أمه وأخته
وامرأته الفاحشة بين يديه وكذا كان الملعون يفعل بالناس إذا أسرهم مع
حرمهم فقبض عليه وبعثه إلى الإفشين وكان المعتصم جعل ألفي ألف لمن جاء
به
__________
[1] . مائتيMS.
[2] . السدMS.
[3] . أسباط MS.
(6/117)
حيّا وألف ألف لمن جاء برأسه فحمل إلى سهل
بن سنباط [1] ألفي ألف وسوغ له عمال ناحيته وحمل الإفشين [F؟
222 r؟] بابك إلى
المعتصم وهو بسر من رأى فأمر به فقطعت يداه ورجلاه وصلب سنة ثلاث
وعشرين وزعم قوم أن بابك الملعون لما قطعت يده لطخ وجهه بدمه وضحك يري
الناس أنه لم يؤلمه القطع وأن روحه ليس تحس بشيء من ذلك وكان ذلك من
أعظم الفتوح في الإسلام ويوم قبض عليه كان عيداً للمسلمين وكان يوم
الجمعة لأربع عشرة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين فرفع المعتصم
قدر الإفشين وتوجه وألبسه وشاحين منطومين بالدر والجواهر وسوره سوارين
ووصله بعشرين ألف ألفَ درهم وأمر الشعراء بمدحه وجعل صلتهم عنده فممّا
قيل فيه [رمل]
كل مجد غير ما أثله ... لبني كاووس أولاد العجم
إنما الإفشين سيف سله ... قدر الله بكف المعتصم
لم يدع في البذ [2] من ساكنه ... غير أمثال كأمثال إرم
وفي أيامه خرجت الروم فنزلت زبطرة فتوجه المعتصم اليهم وفتح
__________
[1] . أسباطMS.
[2] . السد MS.
(6/118)
عمورية وقتل ثلاثين ألفاً وأسر ثلاثين
ألفاً وفي ذلك الفتح يقول الطائىّ [بسيط]
السيف أصدق أنباء من الكتب
وقال غيره في ذلك [متقارب]
أقام الإمام منار الهدى ... وأخرس ناقوس عمورية
فقد أصبح الدين مستوثقاً [1] ... وأضحت زناد الهدى مورية
وخرج عليه أبو حرب المبرقع بالشام فوجه إليه جيشاً فقتلوا من أصحابه
عشرين ألفاً وحملوه إلى المعتصم وهو بسر من رأى وصلبوه وكان يقول
بتناسخ الأرواح ثم غضب المعتصم على الإفشين وذلك أنه كاتب مازيار [2]
اصفهبذ طبرستان وسأله الخلاف والمعصية وأراد أن ينقل الملك إلى العجم
فقتله وصلبه بازاء بابك ووجده بقلفته لم يختن وأخرجوا من منزله أصناماً
فأحرقوها [3] ومات المعتصم سنة ست وعشرين ومائتين وكانت خلافته ثمان
سنين وثمانية
__________
[1] . مستوسقاMS.
[2] . مازدامازMS.
[3] . فأحرقوه MS.
(6/119)
أشهر وخلّف ثمانية بنين وثماني بنات وهو
الذي امتحن أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وضربه بالسياط وفي أيامه
مات ابراهيم بن المهدي وكان عمر المعتصم ثمانياً وأربعين سنة،،،
وبويع هارون الواثق باللَّه
وهو الذي يقول فيه الطائي هارون فيه كأنه هارون ومات وفي أيامه انفرد
البحتري بالرياسة في الشعر وفي أيامه أقبلت نار من المشرق فيها دوي
كدوي الريح فأحاطت ببيوتات فأحرقت ثم تبعها ريح عاصف فهدمت بيوتاً ومات
خلق كثير من الفزع ومات الواثق سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكانت
خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وسنّه اثنتين وثلاثين سنة،،،
وبويع جعفر بن ابى إسحاق المتوكل على الله
[F؟ 222
v؟] فأخذ البيعة لولده الثلاثة
لمحمّد بن جعفر المنتصر باللَّه ولإبراهيم بن جعفر المؤيد باللَّه
ولأبي عبد الله بن جعفر المعتز باللَّه وجعل العهد للمنتصر وبعده
للمعتز وبعده للمؤيد [1] وعقد لكل واحد منهم لواء وولى المنتصر العراق
والحجاز واليمن وولى المعتز خراسان والري والجبال وولى المؤيد أجناد
الشأم وفي أيّامه امتنع إسحاق بن إسماعيل
__________
[1] . المؤيّد MS.
(6/120)
بتفليس فبعث اليه بغا [1] الكبير فقتل
إسحاق وأحرق المدينة وكانت كلها من خشب الصنوبر وأحرق أكثر من خمسين
ألف إنسان وهاجت الزلزلة وتقطع الجبل الأقرع وسقط في البحر فمات أكثر
أهل اللاذقية من تلك الهدة وتناثرت الكواكب وأخرج احمد ابن حنبل من
الحبس ووصله وصرفه الى بغداذ ونفى أحمد بن أبى دؤاد [2] وقبض على
أمواله فقال أبو العتاهية [بسيط]
لو كنت في الرأي منسوباً إلى رشد ... وكان عزمك عزماً فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به ... من أن يقال كتاب الله مخلوق
وكتب المتوكل إلى أهل بغداذ كتاباً قرئ على المنبر بترك الجدل في
القرآن وانّ الذمّة بريئة ممن يقول بخلق أو غير خلق وولى يحيى بن أكثم
[3] قضاء الشرقية حسان بن قيس وكان أعور وولى قضاء الغربي سوار بن عبد
الله وكان أعور فقال بعض الشعراء [وافر]
__________
[1] .؟ عاMS.
[2] . داودMS.
[3] . اكتم MS.
(6/121)
رأيت من الكبائر قاضيين ... هما أحدوثة [1]
في الخافقين
هما اقتسما [2] العمى نصفين قسماً ... كما اقتسما قضاء الجانبين
وفي أيامه ظهر رجل بسر من رأى يقال له محمود بن الفرج النيسابورىّ وزعم
انّه ذو القرنين ومعه مصحف قد ألف كلاماً وتبعه على ذلك سبعة عشر رجلاً
فقيل له كيف ذهبت إلى ذي القرنين من بين الناس قال لأن رجلين ببغداذ
يدعيان النبوة فكرهت أن أكون ثالثهما فصفع صفيعات وتاب هو وأصحابه وبنى
المتوكّل المتوكّليّة وتحول إليها واتخذها وطناً فاغتيل ليلاً وهو ثمل
[3] فقتل فقيل فيه [بسيط]
حانت منيته والعين هاجعة [4] ... هلا أتته المنايا والقنا قصد
هلا أتته أعاديه مهاجرة ... والحرب تسعر والأبطال تجتلد
وقتل سنة سبع وأربعين ومائتين وكانت ولايته أربع عشرة سنة
__________
[1] . أحدوثه.MS.
[2] . اقتسمىMS.
[3] . شملMS.
[4] . هاجعه MS.
(6/122)
وعشرة أشهر وأياماً وعمره أربعين سنة ويقال
أن ابنه المنتصر دس لقتله فعاش بعده ستة أشهر وروى دعبل بن علي الخزاعي
عن الحسن ليلة قتل فيها المتوكل وبويع المنتصر قائلا يقول [بسيط]
خليفة مات لم يأسف له أحد ... وقام آخر لم يفرح به أحد
فمر ذاك ومر الشؤم يتبعه ... وقام هذا فقام النحس والنكد
ولما بويع المنتصر
خلع المعتز والمؤيد ومات بعد ستة أشهر وكان بن أربع وعشرين سنة [ثم
بويع] أحمد بن محمد بن المعتصم فحبس المعتز والمؤيد وأطلق الحسن بن
الأفشين وإخوته ومواليه من الحبس، وخلع عليهم وعقد لمحمد بن طاهر بن
عبد الله على خراسان فشغب الموالي والشاكرية وكسروا باب السجن وأنزلوا
المعتز وخلعوا المستعين وكانت أيامه سنتين وتسعة أشهر وفي أيّامه خرج
الحسن بن زيد بطبرستان،،،
وبويع أبو عبد الله المعتز
ثم اجتمعت الأتراك والفراغنة [1] فخاموا المعتز وكانت أيامه أربع سنين
وتسعة أشهر،،،
وبويع المهتدي باللَّه
محمد بن هارون الواثق سنة خمس وخمسين
__________
[1] . والفراعنة MS.
(6/123)
ومائتين وقتل سنة ستّ وكانت ولايته أحد عشر
شهراً من أيامه إلى أن توفي المعتز باللَّه وظهر البرقعي بالبصرة وجمع
الزنج الذين كانوا يكنسون السباخ وقوي أمره،،،
وبويع المعتمد على الله
وهو أحمد بن جعفر المتوكل [1] سنة ست وستين ومائتين وبايعه ممن أبوه
خليفة بنو الواثق وبنو المعتز وبنو المتوكل وبنو المنتصر وبنو المستعين
وبنو المعتصم وبنو المعتمد وتوفي سنة تسع وسبعين ومائتين وكانت ولايته
ثلاثاً وعشرين سنة وفي أيامه قوي أمر الزنج [2] بالبصرة وغلب الحسن بن
زيد على الري وجرجان وطبرستان وخرج يعقوب بن الليث بسجستان وغلب أحمد
بن عبد الله الخجستاني [3] على خراسان وخرج سرحب الجمال في إخوته منصور
ونعمان فغلبوا مرو وسرخس وخرج علويان بالمدينة اسم أحدهما محمد واسم
الآخر حسن وقتلا من أهل المدينة مقتلةً عظيمةً وطالبوهم بعشرة آلاف
دينار ومات نسوانها وولدانها وضعفاءها جوعاً ولم يصل في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم جمعات ووثب الأعراب على كسوة البيت فنهبوها وصاروا
الى
__________
[1] . بنMs.ajoute:
[2] . الناجمMs.
[3] . السجستاني Ms.
(6/124)
الزنج بالبصرة وخرجت فزارة وقيس وطيّئ على
الحاج فانتهبوهم وسبوا حرمهم واستاقوا إبلهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً
ولم يفلت أحد إلا بقطع أو جراحة وخرج علوي بأذربيجان وتسمى الرافع
باللَّه وتغلب عليها وجمع الأكراد واستغواهم وخرج أحمد بن طولون بمصر
واستعصى على السلطان وعاث رافع بن أعين في أقاصي خراسان وأفسد وصار عبد
الله بن الواثق إلى يعقوب بن الليث يستعينه على المعتمد فذلك الّذي
أطمعه في قصد بغداذ وكوتب نصر بن أحمد بن أسد شاهان خذاي بولاية ما
وراء النهر ولكل واحد ممن ذكرنا قصة وخبر وأخذ المعتمد البيعة لابنه
جعفر بن أحمد وسماه المفوض إلى الله وجعل ولي العهد بعده أخاه أبا أحمد
الموفق باللَّه فلما توفي الموفق خلع المعتمد ابنه المفوض إلى الله
وأثبت العهد لأبي العباس بن الموفق وسماه المعتضد باللَّه وتوفي
المعتمد سنة تسع وسبعين ومائتين،،،
وبويع المعتضد باللَّه
[F؟ 223
V؟] في هذه السنة ومات [سنة]
ست وثمانين ومائتين فكانت ولايته ست سنين وستة أشهر وعشرين يوماً وفي
أيامه خرج زكرويه [1] بن مهرويه في كلب على الحاجّ
__________
[1] . زكريا MS.
(6/125)
فقتلهم وسباهم وقصد الكوفة فأنهض إليه
السلطان جيشاً فمارسهم خمسة أشهر ثم ظفروا به فحملوه إلى بغداذ على
طريق الشهرة والنكال وحبس فمات في الحبس ثم أخرج فصلب فسرقه القرامطة
عن خشبته،،،
وبويع المكتفي باللَّه
علي بن أحمد ولي خمس سنين وسبعة أشهر وأياماً وتوفي سنة أربع وتسعين
ومائتين وكنيته أبو محمد،
وبويع المقتدر باللَّه [1]
أبو الفضل جعفر ولم يلي الخلافة أصغر منه وفي أيامه فسدت أمور الخلافة
وكانت أيّامه خمسا وعشرين سنة،
وبويع القاهر باللَّه
وسلمت عيناه وكانت ولايته عاماً واحداً وستة أشهر،
وبويع الراضي [2]
محمد بن جعفر المقتدر [وكانت] ولايته سبع سنين
، وبويع المتّقى باللَّه
إبراهيم بن جعفر المقتدر [3] وكان صالحاً،
وبويع المستكفي
خلع وسملت عيناه،
وبويع المطيع للَّه
لثمان بقين من جمادى الآخر سنة أربع وثلاثين وخلع نفسه يوم الأربعاء
الثالث عشر من ذي القعدة فلجّ ونزع نفسه غير مكره،،،
__________
-Additionmoderne. [1]
Id. [2]
[3] . بن MS.ajoute:
(6/126)
هذا آخر كتاب [1] البدء والتأريخ والحمد
للَّه وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم، كتبه العبد الضعيف
الفقير الراجي رحمة ربه اللطيف خليل بن الحسين الكرديّ الولاشجرذي غفر
الله له ولجميع المسلمين في شهور سنة ثلث وستّين وستّمائة والحمد للَّه
وحده والصلاة على محمّد وآله،،،
(6/127)
|