البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب
ذكر أخبار الأدارسة
وسبب دخولهم إلى المغرب
وبنائهم مدينة فاس ومن وليها منهم ومن
غيرهم إلى هذه السنة
ذكر العذري وغيره أن إدريس وسليمان ابني عبد الله الحسن بن الحسن ابن
علي ابن أبي طالب - رضي الله عنهم - فروا من الواقعة التي كانت في أيام
جعفر المنصور، وهي وقعة فخ، وكانوا ست أخوة: إدريس، وسليمان، ومحمد،
وإبراهيم، وعيسى ويحيى. أما محمد فخرج بالحجاز وقتل. وأما يحيى فقام في
الديلم، في خلافة الرشيد، وهبط على الأمان، ثم سم ومات. وأما إدريس،
ففر إلى المغرب؛ ودخل إليه في أيامه من الطالبين أخوه سليمان، فاحتل
بتسلمان، وداود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طالب، ثم رجع
داود إلى المشرق، وبقيت ذريته بالمغرب. واحتا إدريس بن عبد الله
بالمغرب سنة 170، واستوطن وليلى، وكانت أزلية. وكان وصوله مع مولاه
راشد؛ ثم نزل على إسحاق ابن عبد الحميد سنة 172؛ فقدمه قبائل البربر
وأطاعوه وبلغ خبره هارون الرشيد، فدس إليه من سمه. وكان المدسوس إليه
رجل يقال له الشماخ فسمه وهرب إلى المشرق. ومات إدريس في سنة 175، فقام
بأمر البربر مولاه راشد. وترك إدريس جارية بربرية اسمها كنزة؛ فولدت له
علاما سمي باسم أبيه فولى إدريس بن إدريس سنة 187 وهو ابن أحد عشرة
سنة؛ وقيل:
(1/210)
أكثر من ذلك، وبايعه جميع القبائل. وكانت
عدوة القرويين غياضا، في أطرافها بيوت من زواغة، فأرسلوا إليه، ودبر في
البناء عندهم، فكان ابتداء بناء مدينة فاس سنة 193 وذلك عدوة القرويين،
غزا إدريس بن إدريس نفرة، ووصل إلى تلمسان، ثم رجع، ووصل إلى وادي
نفيس، فاستفتح بلاد المصامدة وتوفي مسموما سنة 213. وأختلف في كيفية
موته لا. قال ابن حمادة والبكري وغيرهما: ترك من الولد أثنى عشر، وهم:
محمد، وأحمد، وعبد الله، وعيسى، وإدريس، وجعفر، ويحيى، وحمزة، وعبد
الله والقاسم، وداود وعنر.
فولي منهم محمد بن إدريس، ففرق البلاد على أخوته بأمر جدته كنزة، فأعطى
قاسم طنجة وما يليها، وأعطى عمر صنهاجة الهبط وغمارة، وأعطى داود هوارة
تامليت، وولي عيسى ويحيى وعبد الله بلاد أخرى. وبقي الصغار من أخوته
فثار عليه عيسى، ونكث طاعته، فكتب الأمير محمد بن إدريس إلى أخيه
القاسم، يأمره بمحاربته، فأمتنع، وكتب أيضا إلى أخيه عمر، فأجابه وسارع
إلى نصريه، وكان تقدم بين عمر وعيسى تنازع. وتوفي عنر ببلد صنهاجة،
ونقل إلى فاس، وهو جد الحموديين. ثم توفي الأمير محمد بن إدريس - رحمه
الله - فولي يحيى بن محمد بن إدريس، فولي يحيى أعمامه وأخواله أعمالا
فولي حسينا القبلة من مدينة فاس إلى أغمادت، وولي داود المشرق من مدينة
فاس: مكناسة، وهوارة، وصدينة، وولي قاسم غربي فاس: لهاتة وكتامة.
وتشاغل يحيى عما كان يحق عليه من سياسة أمره. فملك أخوته أنفسهم،
استمالوا القبائل، وقالوا لهم: (إنما نحن أبناء أب واحد، وقد ترون ما
صار إليه أخونا يحيى من إضاعة أمره) فقدمهم البربر على أنفسهم تقديما
كليا. وكان يحيى منهمكا في الشراب، معجبا بالنساء، وذكر أنه دخل يوما
(1/211)
الحمام على امرأة، فتغير عليه أهل فاس،
فكان ذلك سبب هلاكه، فهرب إلى عدوة الأندلس، فمات بها، وكانت زوجه بنت
علي بن عمر جد الحموديين. ثم ولى علي بن عمر بن إدريس، وذلك أنه، لما
هلك يحيى، أتى صهره على هذا، فدخل عدوة القرويين وملكها، وانتقل الأمر
عن بني محمد بن إدريس إلى بني عمر بن إدريس. ثم قاد عليه عبد الرزاق
الخارجي الصفري من مديونة، فدارت بين علي وعبد الرزاق حروب كثيرة، إلى
أن هزمه الخارجي، واستولى على فاس. ومر على أهل أروبة وملك عبد الرزاق
عدوة الأندلسيين، وأخرج منها عبد الرزاق في خبر طويل. وطالت أيام يحيى
هذا بفاس وما والاها من البلاد والأقطار والقلاع، إلى أن قتله ربيع بن
سليمان سنة 292.
ثم ولى يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس بن إدريس وذلك أنه لما مات يحيى
بن القاسم تقدم إلى فاس يحيى بن إدريس وملكها. ورجع الأمر إلى بني عمر
بن إدريس خمس عشر سنة، إلى أن قدم مصالة بن حبوس في سنة 307، وذلك أن
مصالة قد قدم الغرب في حركته الأولى سنة 305، فابتدأ بالإحسان والإكرام
لموسى بن أبي العافية، وقدمه على ما استولى عليه من بلاد الغرب. وكان
يحيى بن إدريس صاحب فاس يغير عليه ويقطع عنه أمله. فلما رجع مصالة في
سنة 307، أقام بالغرب خمسة أعوام، فكان ابن أبي العافية يسعى في ضرار
يحيى وحنقه عند مصالة لما تقدم بين موسى ومصالة من المودة ولما كان بين
موسى ويحيى بن إدريس من العداوة فعزم مصالة على القبض على يحيى، فلم
يزل يتحيل عليه، حتى أقبل إلى معسكره فغدره،
(1/212)
وقبض عليه، وانتزع ما كان بيده وأمره
باستجلاب ماله فأحضره وأخرجه من فاس وولي فاسا عامل مصالة. وانفصل
مصالة من الغرب، وبقي موسى ابن أبي العافية في الغرب أميرا.
ثم قام حسن بن محمد سنة 310، وهو حسن بن محمد بن القاسم بن إدريس بن
إدريس، الملقب بالحجام، فأوقع بموسى بن أبي العافية. وكان بينه وبين
رؤساء القبائل وقعة شنيعة، لم يكن بالغرب بعد دخول إدريس الكبير مثلها،
قتل فيها من البربر نحو ألفي قتيل، وقتل لموسى في جملتهم ولد يسمى
منهل. وملك حين هذا فاسا وما يليها نحو سنتين. ثم قام عليه أهل فاس،
وغدروه وقدموا حامد بن حمدان الهمداني، وكان يعرف باللوزي، وهي قرية
بإفريقية نسب إليها تسمى لوزة. فأخذ حامد حسن بن محمد، وسجنه وأرسل إلى
موسى بن أبي العافية فأتاه بجيوشه ودخل فاسا وتغلب عليها وأراد قتل حسن
لأجل أبنه منهل الذي كان السبب في قتله، فدافعه حامد عنه، وكره
المجاهرة بقتله ثم سم بعد ذلك، وقيل: أخرجه حامد على السور فسقط عنه
وانكسرت رجله ووصل إلى عدوة الأندلسيين فمات بها رحمه الله؟!.
واستولى موسى بن أبي العافية على ملك فاس وبلاد الغرب بعد موت حسن
الحجام. وسمي بذلك لأنه حارب بني عمه فضرب رجلا بحربة صادف بها موضع
الحجم، ثم صادف ضربة أخرى لشخص أخر في موضع المحاجم ايضا، وكذلك ثالثة.
فقال ابن عمه أحمد: (صار ابن عمي حجاما) فسمي بذلك حجاما.
ومن قوله طويل:
وسميت حجاما ولست بحجام ... ولكن لضربي في مكان المحاجم
ولما استولى ابن أبي العافية على فاس قتل عبد الله بن ثعلبة بن محارب
(1/213)
الأزدي وقتل أخاه محمد وهرب والدهما ثعلبة
بن محارب إلى قرطبة. وأراد موسى ابن أبي العافية قتل حامد الذي كان
السبب في دخول فاس فهرب منه محصل في المهدية. وأجل موسى بن إدريس
أجمعين عن مواضعهم وصاروا في مدينة حجر النسر مقهورين، وهو حصن مانع
بناه إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس. وعزم موسى على محاصرتهم في
هذا الحصن واستئصالهم، فأخذ عليهم في ذلك أكابر أهل المغرب وقالوا له:
(قد أجليتم، وأفقرتهم! أتريد أن تقتل بني إدريس أجمعين، وأنت رجل من
البربر؟ فأنكسر عن ذلك ولاذ بعسكره وتلف لمراقبتهم قائده أبو قمح فكانت
حملته قريبا منهم فضيق عليهم، وأستخلف ابن أبي العافية على أبنه مدين
علي فاس فبقى بها حتى قدم حميد بن مصال. ولما وصل محمد إلى بلاد الغرب
وولى على فاس حامد بن حمدان. وكان ولد موسى لما سمع بقدوم محمد حامد
هرب من فاس. وتظاهرت بنو إدريس على قائد موسى بن أبي العافية فهزموه
وغنموا أكثر من عسكره. وذلك سنة 317. ثم قام بفاس أحمد بن بكر بن أبي
سهل الجذامي فقتل حامد بن حمدان وبعث برأسه إلى موسى بن أبي العافية،
وبرأس ولده فبعث بهما موسى إلى قرطبة مع سعيد الزراد. وكان حميد بن
يصال ولما رجع من بلاد الغرب إلى إفريقية ترك موسى بن أبي العافية بغير
عهد من أمير إفريقية فكان ذلك سببا لسجنه بإفريقية إلى أن هرب إلى
الأندلس وكان موسى يسهل إلى لصاحب قرطبة من أمراء بني أمية.
وفي سنة 324 خرب علي بن حمدون المعروف بابن الأندلسي مدينة المسيلة.
وكان بينها وبين طبنة مرحلتين. وكان بقرب المسيلة مدينة للأول تسمى
الرومانية، يطل عليها جبل أوراس وهو مسيرة سبعة أيام وفيه قلاع كثيرة
يسكنها هوارة وهم على رأي الخوارج وفي هذا الجبل كان مستقر
(1/214)
الكاهنة وفيه ظهر أبو يزيد مخلد بن كياد
وقام على أبي القاسم الشيعي.
وفي سنة 325 قدم أبو القاسم بن عبيد الله الشيعي على صقلية خليل بن
إسحاق، فعمل بها ما لم يعمل بها أحد من قبله ولا بعده من المسلمين
أهلكهم قتلا وجوعا حتى فروا إلى بلاد الروم وتنصر كثير منهم وبقى
بصقلية أربعة أعوام. ولما قدم منها سنة 329 قال يوما، مفتخرا بظلمه في
مجلس حضره جماعة من محو الناس تكلموا فيه معه في أمور شتى ثم جرى ذكر
خروجه إلى صقلية: (أني قتلت ألف ألف: يقوله المكثر والمقلل يقول مائة
ألف في تلك السفرة!) ثم قال: (لا والله ألا أكثر!) فقال له أبو عبيد
الله المؤدب: (يا أبا العباس! لك في قتل نفس واحدة ما يكفيك!) وكان
خليل هذا يكنى أبا العباس، وكان عبيد الله الشيعي يصرفه في الأعمال،
وجبايات الأموال ومحاسبة الدواوين والعمال. ثم وقعت فيه أقواله، فكرهه
عبيد الله وأبغضه، ولولا أبنه أبو القاسم لأهلكه. ومن قول خليل في عبيد
الله الشيعي وتوغله فيه طويل:
أن الإمام أقام سنة جده ... للمسلمين كما حذوت نعالها
أحيى شرائعه وقوم كتابها ... وفروضها وحرامها وحلالها
وكان أبو القاسم بن عبيد الله أمر ببناء مدينة المسيلة سنة 313، وجعل
المتولي لبنائها ابن الأندلسي وأستعمله بعد ذلك عليها إلى أن أهلك في
فتنة أبي يزيد بن كيداد سنة 326 وبقي ابن جعفر في المسيلة وصار أمير
على الزاف كله إلى أن خرج عنها في سنة 360 في فتنة زيري بن مناد
والشيعية تسمى المسيلة المحمدية. قال المروذي سريع:
ثم إلى مدينة مرضية ... أست على التقوى محمدية
(1/215)
وأما مدينة مشير فبناها زيري بن مناد
الصنهاجي والدليل على ذلك ما أنشده عبد الملك بن عيشون رجز:
يا أيها السائل عن غربنا ... وعن محل الكفر أشير
عن دار فسق ظالم أهلها ... قد شيدت للكفر والزور
أسسها الملعون زيريها ... فلعنة الله على زيري
وخربها يوسف بن حماد الصهناجي واستباح أموالها بعد الأربعين
والأربعمائة.
وفي سنة 327 قام بالمغرب الأقصى ويقال له السوس الأذني وهو مرضع تادلا
وتامسنا أبو الأنصار بن أبي عفر البرغواطي بعد موت أبيه وكان يفي
بالعهد والوعد. وسأذكر بعض أخبارهم إن شاء الله تعالى.
أخبار أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفاني
الزناتي
هو مخلد بن كيداد بن سعد الله بن مغيث بن كرمان بن مخلد بن عثمان بن
ورميت بن تبقراسن بن سميدان بن يفرن هو أبو الكاهنة وتنسب إلى جانا بن
يحيى زناته كلها. قال ابن حماده، كان أبو القاسم الشيعي لما مات أبوه
عبيد الله أظهر مذهبه وأمر بسب الغر والعباء وغير ذلك من تكذيب كتاب
الله تعالى فمن تكلم عذب، وقتل. وأشتد الأمر على المسلمين. ثم أن أبا
يزيد هبط من جبل أوراس، يدعوا إلى الحق يزعمه ولم يعلم الناس مذهبه،
فخرجوا فيه الخير والقيام بالسنة، فخرج على الشيعة ودخل إفريقية وخرب
مدنها ودوخها وقتل من أهلها ما لا ينحصر.
وفي سنة 332 اشتد امر أبي يزيد بإفريقيو حتى فر أمامه أبو القاسم
الشيعي إلى المهدية من رقادة. وكان أبو يزيد أحد أئمة الأباضية النكار
(1/216)
بالمغرب. قال الرفيق: وقرأ على عمار
الأعمى. وكان يركب الحمار وتسمى شيخ المؤمنين قال ابن سعدون فبعث الله
على أبي القاسم الشيعي مخلد ابن كيداد الخارجي فقهره وقتل جنوده وقام
المسلمون معه. وخرج الفقهاء والعباد مع أبي يزيد لحربه وسماهم ابن
سعدون في كتابه رجلا، رجلا. فركبوا معه ونهضوا إلى القيروان فد خلها في
صفر العام وأظهر لأهلها خيرا وترحم على أبي بكر وعمر ودعا الناس إلى
جهاد الشيعية وأمرهم بقراءة مذهب مالك. فخرج الفقهاء والصلحاء في
الأسواق بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه وأزواجه
حتى ركزوا بنودهم عبد الجامع. فلما كان يوم الجمعة اجتمعوا بالمسجد
الجامع وركبوا مع أبي يزيد السلاح ومعهم البنود والطبول منها بندان
أصفران مكتوب في أحدهما البسملة و (محمد رسول الله) وفي الأخر (نصر من
الله وفتح قريب على يد الشيخ أبي يزيد! اللهم! أنصر وليك على من سب
أولياءك) وبند أخر مكتوب عليه (قاتلوا أمية الكفر) الآية وبند أخر
مكتوب فيه: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم) وبند
أخر مكتوب فيه بعد البسملة أيضا (محمد رسول الله أبو بكر الصديق، عمر
الفاروق) وبند أخر وهو السابع فيه (لا إله إلا الله! محمد رسول الله!
ألا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في
الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا.) فلما اجتمع الناس وحضر
الإمام وطلع على المنبر خطب خطبة أبلغ فيها وحرض الناس على جهاد
الشيعية وأعلمهم بما لهم فيه لعن عبيد الله وابنه ثم نزل فخرج وخرج
الناس معه لقتال الشيعة الفجار
(1/217)
فلم يزل قاهرا لهم غالبا عليهم قاتلا
لجنودهم حتى لم يبقى لهم من بلاد إفريقية إلا اليسير.
ولما رأى أبو يزيد أنه استولى على الأمر أو كاد وأن الشيعي قد كاد يبيد
أو باد قال لجنوده (إذا التقيتم مع القوم فانكشفوا عن أهل القيروان حتى
يتمكن أعدائهم من قتلهم فيكون هم الذين قتلوه لا نحن! فيستريح منهم!)
أراد أن يتبرأ من معرة قتلهم عند الناس، وأراد الراحة منهم لأنه فما ظن
إذا قتل شيوخ القيروان وأئمة الدين، تمكن من أتباعهم فيدعوهم إلى ما
شاء فيتبعونه. فقتل من صلحاء القيروان وفقهائهم من أراد الله بسعادته
وشهادته وسقط في أيدي الناس وقالوا: (قتل أولياء الله شهداء) ففارقوه،
واشتد بغضهم له أعني لأبي يزيد. وما أبو القاسم الشيعي محصورا.
وفي سنة 333، قتل أبو يزيد ميسرة الفتى قاد أبو القاسم الشيعي وكان بين
أبي القاسم وأبي يزيد حروب كثيرة وفيها كانت الواقعة المشهورة بينهما
في وادي الملح قتل فيها من أصحاب أبو القاسم عددا لا يحصى.
وفي سنة 334 توفي أبو القاسم بن عبيد الله الشيعي القائم بأمر الله
وذلك يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من شوال من السنة المذكورة فكانت مدته
اثنتا عشرة سنة.
ولاية إسماعيل بن أبي القاسم عبيد الله
الشيعي
كنيته: أبو الطاهر. لقبه: المنصور. وكان والده ولاه عهده في رمضان ودعا
على المنبر بإفريقية. وكان موالده بالمهدية سنة 302 وولى وسنة اثنان
وثلاثون سنة. وكان فصيحا بليغا.
(1/218)
وفي سنة 335 وصل أبو يزيد إلى المهدية ثم
نهض إلى سوسة فناوشه أهلها، فقيل فيه: (وافرا) :
ألم بسوسة وبغى عليها ... ولكن الإله لها نصير
مدينة سوسة للغرب ... ثغرة يدين لها المدائن والقصور
لقد لعن الذي بغوا عليها ... كما لعنت قريظة والنضير
أعز الدين خالق كل شيء ... بسوسة بعدها التوت الأمور
فرفع أبو يزيد عنها، ورجع إلى المهدية، فلما وصل دفع حتى ضرب برمحه في
بابها، فدخل راجل القصر على إسماعيل، فوجده يلعب بسلباحة في الصهريج.
فقال له: (تلعب، وأبو يزيد يركز رمحه بالباب فقال له (أو قد فعل؟) قال:
(نعم) قال: (والله لا عاد إليها أبدا! وقد جاء حتفه! كذا رأينا في
كتبنا) ثم أمر في الحين بالركوب والخروج إليه.
وفي سنة 336 من الهجرة، أمر المنصور أبو طاهر ببناء صبرة واختطها،
وسماها المنصورية. قال البكري: ولم تزل المهدية دار ملك بني عبيد إلى
أن سار منها أبو طاهر إلى القيروان بعد قتله لأبي يزيد، وبنى مدينة
صبرة واستوطنها، وخلت أكثر أرباض المهدية وتهدمت. ونقل أبو طاهر سوقة
القيروان إلى صبرة. وكان لها أربعة أبواب. وبينها وبين القيروان نحو
نصف ميل. وكان من المهدية إلى مدينة سلقطة ثمانية أميال، ومنها زحف أبو
يزيد إلى المهدية أيام حصاره. وكانت محلة أبي يزيد بترنوط. وفي كتب
الحدثان: (إذا ربط الخارجي خليه بترنوط، لم يبق لأهل السواد محلول ولا
مربوط) و (ويل لأهل السواد من محلة أبي كيداد) وامتحن أهل باجة أيام
أبي يزيد بالقتل والسبي. وقيل في أبي يزيد رجز:
وبعدها باجة أيضا أفسدا ... وأهلها أخلى ومنها شردا
(1/219)
ولما عزم المنصور عل مقاتلته ومحاربته،
أعطى جنوده، وحشد حشوده، وخرج إليه في العساكر. فمرت الهزيمة على أبي
يزيد. وأمر إسماعيل الناس باتباعه إلى أن دخل بلاد كتامة. فتعلق بالجبل
المعروف بحصن أبي يزيد، وأثخن بالجراح، وقبض عليه حيا، فجعل في قفص من
حديد، وجيء به إلى المنصور إلى المهدية، فقتله، وصلبه على باب الذي ضرب
فيه برمحه. قال القضاعي: مات أبو يزيد في محرم من سنة 336 المذكورة.
قال: وأمر بسلحه وحشي جلده قطنا، وصلبه. وقال أبو حمادة: ولما ظفر بأبي
يزيد، نهض إلى القيروان، فدخلها في هذه السنة، فقتل من أهلها خلقا،
وعذب آخرين، ولم يزالوا معه في الامتحان إلى أن هلك، قال القضاعي: وكان
انتقال المنصور إلى المنصورية في سنة 337.
وفي سنة 339، تحرك أبو الطاهر المنصور بن أبي القاسم بن عبيد الله
الشيعي إلى بلاد المشرق، ورد الحجر الأسود إلى مكانه من الركن من بيت
الله الحرام، وذلك بعد خمسة أعوام من دولة المطيع. وكان الذي اقتلعه
سليمان ابن الحسن القرمطي - لعنه الله - وفي سنة 317 في أيام المقتدر
العباسي - رحمه الله - والذي تولى قلعه بيده بأمر القرمطي جعفر بن أبي
علا - لعنه الله - ولما مات القرمطي، وجه إخوته الحجر، فرد إلى موضعه
في هذه السنة، ووضعه بيده الحسين بن المروذي الكناني وكان غينه الحجر
من يوم قلعه إلى يوم رده اثنين وعشرين سنة أو نحوها. ورأى الحجر
الأسود، في أيام ابن الزبير، ناصع البياض إلا وجه الظاهر. وكان اسوداده
من لطخ المشركين له بدم القرابين، ولمسهم له بأيديهم، مع طول الدهر.
قال الذهبي: حضرت يوم قلعه. يوم رده.
(1/220)
وفي سنة 340، ولي أبو الطاهر إسماعيل
العبيدي ولده معدا المكنى بأبي تميم عهده. وخرج أبو الطاهر منتزها إلى
جلولا، ورجع منها معتلا، وصلى عيد الفطر مريضا.
وفي سنة 341، توفي أبو الطاهر إسماعيل، الملقب بالمنصور، ابن أبي
القاسم، والملقب بالقائم، ابن عبيد الله المهدي، وذلك منسلخ شوال من
العام، وله تسع وثلاثون سنة. فكانت ولايته سبع سنين وخمسة عشر يوما.
حاجبه جعفر ابن علي.
ثم ولي المملكة معد بن إسماعيل المعز لدين الله العبيدي وهو معد بن
إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله. كنيته: أبو تميم. لقبه: المعز
لدين الله. مولده: بالمهدية في رمضان من سنة 319. وولي، وله اثنان
وعشرون سنة. وهو أول من ملك مصر بن عبيد الله، وذلك أنه لما توفي كافور
الإخشيدي أمير مصر، بعث المعز لدين الله القائد أبا الحسن جوهرا إلى
مصر. وكان جوهر غلام والده إسماعيل، وأصله رومي، جلبه خادم اسمه صابر،
ثم انتقل إلى خفيف الخادم، فحمله إلى إسماعيل المنصور، فظهر عنده،
فأرسله المعز بالعساكر إلى مصر، فافتتحها يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة
خلت من شعبان. وهرب أعيان الإخشيدية من مصر إلى الشام فبل وصول جوهر.
وأقيمت الدعوة للمعز، يوم الجمعة الموفى لعشرين لشعبان من سنة 358، في
الجامع العتيق، وكان الخطيب أبو محمد الشمشاطي. ودعا له بمكة في موسم
هذه السنة، ودعا أبو مسلم العلوي بالمدينة للمعز. وسار جعفر بن فلاح
إلى الشام، وقبض على الحسين بن عبد الله، وأنفذه إلى جوهر، فأنفذ جوهر
الحسين المذكور مع جماعة من الإخشيدية مع هدية إلى المعز، فوصلت إلى
أفريقية مع ولده جعفر في رجب من سنة 359.
(1/221)
وفي سنة 342، فلج خطيب القيروان على المنبر
ومات وتمم الخطبة أبو سفيان الفقيه.
وفي سنة 344 ولد للمعز أبي تميم ولد سماه نزارا.
وفي سنة 346 ولي مدينة سبتة وال من قبل الناصر عبد الرجمن، أمير
الأندلس، وأمره بتحصينها وبناء سورها، فبناه بالكدان.
وفي سنة 347، دخل جوهر قائد أبي تميم إلى المغرب، واستولى على مدينة
فاس. ثم توجه إلى تيطاون، ووصل إلى مضيق سبتة فلم يقدر عليها ورجع عنها
وقصد بعساكره إلى سلجمانة، فر أمامه صاحبها محمد بن الأمير الفتح وتحصن
في حصن على اثني عشر ميلا من سجلماسة، بأهله وماله وبعض أصحابه. وكان
يلقب الشاكر لله، وقد تقدم بعض خبره. واستولى جوهر على سلجمانة،
فملكها. وخرج محمد بن الفتح من الحصن في نفر يسير ليتعرف الأخبار،
مستترا. فغدره قوم من مدغرة عرفوه، وأتوا به إلى جوهر، فقتله في رجب.
وبقى جوهر في الغرب نحو سنة. وتوجه إلى أفريقية.
وفي هذه السنة وصل إلى قرطبة الحسن بن قنون من بني إدريس، فارا بنفسه
أمام جوهر قائد أبي تميم المذكور. وكان بنو محمد بن القاسم من بني
إدريس بن إدريس أجمعوا على هدم تبطلون، فهدموها، ثم ندموا على ذلك،
وشرعوا في بنائها، فضج أهل سبتة لذلك لأن بنائها ضرر بهم فبعث إليهم
عبد الرحمن الناصر جيشا برسم محاربة بني محمد، قوّد على الجيش أحمد بن
يعلي. وكتب الناصر إلى حميد بن يصال صاحب تيكياس وتلك الجهات كلها، أن
يعين القائد المذكور على بني محمد فتخلى بنو محمد عن بناء تيطلون لما
اجتمع العسكران عليهم، وبعثوا أولادهم مراهن إلى قرطبة.
(1/222)
وفي سنة 348، وصل كتاب صاحب سبتة إلى أمير
الأندلس عبد الرحمن الناصر، يعرفه بما فتح عليه في عسكر جوهر قائد
الشيعي.
وفي سنة 349، وجه أبو تميم المعز لدين الله القاضي إلى أئمة المساجد
والمؤذنين يأمرهم إلا يؤذنوا إلا ويقولوا فيه: (حي على خير العمل) وأن
يقرؤوا (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول كل سورة، ويسلموا تسليمتين،
ويكبروا على الجنائز خمسا ولا يؤخروا العصر، ولا يكبروا بالعشاء
الأخيرة ولا تصيح أمرأة وراء جنازة، ولا يقرأ العميان على القبور إلا
عند الدفن.
وفي سنة 350، توفي حسين ابن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إدريس والحسني
بقرطبة، وكان رهينا بها. وخلف ابنين يسميان محمدا وحسينا، فلم يزلا
مستقرين بقرطبة إلى خلافة الحكم، فبعثهما إلى إخوانهما فوصلا في رجب
سنة 359 واستقرا ببلاد الغرب.
وفي سنة 351، أخذ الروم مدينة المصيصة ومدينة طرسوس، واستولوا عليهما.
وفي سنة 352، وفد على الحكم المستنصر بالله أبو صالح زمور البرغواطي
رسولا من أمير برغواطة أبي منصور بن أبي الأنصار، وذلك في شهر شوال من
هذه السنة. وكان المترجم عنه باللسان العربي عيسى بن داود المسطاسي
فسأله الحكم عن نسب برغواطة ومذهبهم، فأخبره.
خبر برغواطة
ومن أخبار برغواطة ما خبر زمور أن طريفا كان أبا ملوكهم. وهو من ولد
شمعون بن يعقوب بن إسحاق - عليهم السلام - قال: وكان طريف من أصحاب
ميسرة ملك المغرب الذي تقدم ذكره، فلما قتل ميسرة، وافترق أصحابه، احتل
طريف بلاد تامسنا، فقدمه البربر على أنفسهم، فولى أمرهم
(1/223)
وكان على دين الإسلام وإليه تنسب جزيرة
طريف، فبقي أميرا عليهم، إلى أن هلك. وترك أربعة أولاد. فولى الأمر من
بعده صالح بن طريف، وكلن مولده سنة 110 من لبهجرة، فتنبأ فيهم، وشرع
لهم ديانة، وسمى نفسه صالح المؤمنين، وعهد إلى ابنه إلياس بديانته،
وأمره ألا يظهر ذلك غلا إذا قوى أمره، وحينئذ يدعوا إلى مذهبه ويقتل من
خالفه فيه من قومه. وأمره بموالاة أمير الأندلس. وخرج صالح إلى المشرق،
وزعم أنه يعود إليهم في دولة السابع من ملوكهم، وزعم أنه المهدي الأكبر
الذي يخرج في آخر الزمان لقتال الدجال، وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت
جورا، وتكلم لهم في ذلك بكلام كثير نسبه لموسى - عم - ولسطيح الكاهن
وغيره.
ثم ولي بعده إلياس بن صالح بن طريف فأظهر ديانة الإسلام والعفاف وبقي
أميرا خمسين سنة إلى أن هلك. وترك جمعة من الأولاد. فولى ابنه يونس بن
إلياس، وذلك بعد ما وصل من المشرق، وحج ولم يحج أحد من أهل بيته. فتظهر
ديانة جده، ودعا إليها وقتل من لم يدخل فبها حتى أخلى ثمانمائة موضع من
مواضع البربر، يل أنه قتل منهم سبعة آلاف ونحو سبعمائة.
وهلك بعد أن ملك نحو أربعين سنة، وخرج الأمير عن بينه وقام أبو عفير
يحمد بمن معاذ بن اليسع بن صالح بن طريف، فاستولى على ملك تلك البلاد،
ودان بديانة آبائه. واشتدت شوكته، وعظم أمره. وكانت له وقائع في البربر
مشهورة، منها وقعة تامعزا، أقام القتل فيها ثمانية أيام، ومنها وقعة
بهت، عجز الإحصاء عن عد من قتل فيها. وكان لأبي عفير من الزوجات أربع
وأربعون، وكان له من الأولاد بعددهن. ومات بعد أن ملك تسعاً وعشرين
سنة. ثم ولى عبد بن أبي عفير، وهو أبو الأنصار، وذلك عند تمام المائة
الثالثة، وكان سخيا ظريفا، يفي بالوعد والعهد، يحفظ الجار ويكافئ على
الهدية بأضعافها. وصفته: أفطس، شديد الأدمة في الوجه، ناصع بياض الجسم،
(1/224)
طويل التحية وكان يلبس السراويل والملحفة،
ولا يلبس االقميص، ولا يعتم إلا في الحرب، ولا يعتم أحد من قومه إلا
الغرباء عندهم. وكان في كل عام تحشد ويظهر أنه يغزوا لمن يليه من
القبائل، فيهادنوه، فيترك حركته. فملك في دعة نحو اثنين وأربعين سنة.
ثم ولى أبو منصور عيسى بن أبي الأنصار ن الذي بعث زمورا هذا إلى
المستنصر بالله الأموي سنة 352، وهو عبس بن أبي الأنصار عبد اله بن أبي
عفير محمد بن معاذ1 بن اليسع بن صالح بن طريف. وكان سنه إذ ولي اثنين
وعشرين سنة، فسار بسيرة أبيه ودان بديانته. واشتدت شوكته وعظم سلطانه.
وكان أبوه قد وصاه عند موته بموالاة أمير الأندلس، وقال: (أنت سابع
الأمراء من أهل بيتك، وأرجو أن يأتيك جدك صالح كما وعد) انتهى ما
اختصرته من كلام رموز.
وقال أبو العباس المرجحي أن يونس القائم بدين برغواطة أصله من شذونة،
من جهة وادي برباط، وكان قد رحل إلى المشرق في عام 201 مع عباس بن
ناصحخ وزيد بن سنا الزناتي صاحب الواصلية، وبرغوث بن سعيد التراري، وجد
بني عبد الرزاق، ويعرفون بني وكيل الصفرية، ومناد صاحب القلعة
المنادية، قريب من سجلماسة وآخر ذهب عني اسمه. فأربعة منهم فقهوا في
الدين. ادعى يونس صاحب برغواطة النبوة. قال: وكان يونس شرب دواء للحفظ،
فحفظ كل ما سمعه، وطاب علم النجوم والكهانة، ونظر في الجدال، وانصرف،
فنزل بين هؤلاء القوم، فرأى جهلهم. وكان يخبرهم بأشياء قبل كونها، مما
يدل عليه التنجيم، فيكون كما قال، أو قريبا منه، فعظم عندهم. فلما رأى
ذلك منهم وعلم ضعف عقولهم وكثرة جهلهم أظهر ديانته، ودعا إلى نبوته.
وسمى من اتبعه برباطي، ثم أحالوه بألسنتهم، ردوه
(1/225)
(برغواطي) . وكان يونس قد قتل خلقا كثيرا
من البربر حتىلا أطاعوه وعلى دينه تابعوه. وقال سعيد بن هشام المصمودي
في وقعة بهت قصيدة طويلة منها وافر:
قفي قبل التفرق فاخبرينا ... وقولي واخبري خبرا مبينا
هموم برابر خسروا وضلوا ... وخابوا لا سقوا ماء معينا
يقولوا النبي أبو عفير ... فأخزى الله أم الكاذبينا
ألم تسمع ولم تر يوم بهت ... على آثاري خيلهم رنينا
رنين الباكيات بهم ثكالي ... وعاوية ومسقطه جنينا
هنالك يونس وبنو أبيه ... يوالون البوار معظمينا
فليس اليوم ردتكم ولكن ... ليالي كتم مستيسرينا
يعني بقوله مستيرين من المياسرة أصحاب ميسرة. فأما الضلال الذي شرع لهم
فأنهم يقرون بنبوة صالح بن طريف وأن الكلام الذي ألف لهم هو وحي من
الله تعالى لا يشكون فيه تعالى الله عن قولهم وفرض لهم صوم رجب وأكمل
رمضان وخمس صلوات في اليوم وكذلك في الليلة والضحية اليوم الحادي عشر
من المحرم وفي الوضوء غسل السرة والخاصرتين ثم الاستنجاء والمضمضة وغسل
الوجه ومسح القفا وغسل الذراعين والمنكبين ومسح الرأس ثلاث مرات ومسح
الأذنين كذلك ثم غسل الرجلين من الركبتين وبعض صلاتهم دون سجود وبعضها
على كيفية صلاة المسلمين. وهم يسجدون ثلاث سجدات متصلات ووجوههم
وأيديهم من الأرض مقدار نصف شبر ويقرءون نصف قراءتهم في وقوفهم ونصفها
في ركوعهم ويقولون في سلامهم بكلامهم: (الله فوقنا لا يغيب عنه شيء في
الأرض ولا
(1/226)
في السماء) ثم يقولون مقر باكش خمسا وعشرين
مرة وتفسيره الكبير الله ويقلون أيمن باكش تفسيره بسم الله وغير هذا.
ويتزوج الرجل منهم ما استطاع من النساء ويطلق ويرجع ما أحب ويقتل
السارق بالإقرار والبينة ويرجم الزاني وينفى الكاذب ويسمونه المغير.
والدية عندهم مائة رأس من البقر ورأس كل حيوان عليهم حرام ولا يأكل
الحوت عندهم ألا أن يذكى والديك والبيض عندهم حرام والدجاج مكروهة إلا
يضطر إليها. وليس عندهم أذان ولا إقامة وهم يكتفون بمعرفة الأوقات
بصراخ الديكة ولذلك حرموها. ويتبركون ببصاقة أي بصاق صالح. وكانوا أعلم
الناس بالنجوم. وكانوا أجمل الناس رجالا ونساء وقرآنهم الذي وضع لهم
صالح ثمانون سورة أكثرها منسوبة إلى أسماء النبيين أولها سورة أيوب
وأخرها سورة يونس وغيرها من أسماء الأنبياء - عم - وفيها سورة فرعون
الديك وسورة الجراد وسورة الجمل وسورة هاروت وماروت وسورة الحشر وسورة
غرائب الدنيا وفيها علم عظيم عندهم ولم ينزل كثير من القبائل على مذهب
إلى عام 352.
رجعنا إلى نسق التاريخ: كان الحكم أمير الأندلس ولى الخلافة بها سنة
350. فطاع له المغرب كله وتمم بناء سور سبتة في عام 351.
وفي سنة 353 كتب الحكم المستنصر بالله سجلا إلى أهل سبتة رفع عنهم فيه
جميع الوظائف المخزنية والمغارم السلطانية. قال ابن حمادة رأيت هذا
السجل عند القاضي عياض رحمه الله مؤخرا بشهر صفر من العام المذكور ذكر
فيه: (وما وقع عليها من المؤن السلطانية في التقسيط فهو مضروب على شرف
أشبيلية.) .
(1/227)
وفي سنة 354 توفي أبو الطيب المتنبي وكان موالده بالكوفة سنة 303، وعمر
إحدى وخمسون سنة وكان أشهر من أن يذكر.
وفي سنة 357 توفي الأستاذ كافور بمصر.
وفي سنة 358 بعث المعز أبو تميم معد بن المنصور العبيدي أبا الحسن
جوهرا إلى مصر لما توفى كافور الخدشي أمير مصر فلما وصلها جور فتحها في
شعبان.
وفي سنة 359 أنفذ جوهر إلى المعز لدين الله حدية جميلة صحبه ولده جعفر
بن رجب.
وفي سنة 360 وصل الحسن بن أحمد القرمطي إلى دمشق وقتل جعفر ابن فلاح.
وتغلبت القرامطة على دمشق وصاروا إلى الرملة.
وفي سنة 361، خرج أبو تميم من المنصورية راحلا إلى المشرق في أواخر
شوال لثمان بقين منه وأستخلف على إفريقية أبا الفتوح الصنهاجي. |