التدوين في أخبار قزوين

الفصل الثاني: في اسمها
ذكروا في عدة من البلدان والنواحي أنها سميت بأسماء من بناها أو نزل في مواضعها كهمدان وأصبهان قالوا: سميا باسم أخوين هما إبنا

(1/36)


ملوح لبطن من بني يافث وحلوان قيل أنه بناها حلوان بْن الحاف وذكر مثل ذلك في تفليس وأران وبردعة وفارس والري وجرجان ونيسابور وبلخ وبخارا بل قيل مثل ذلك في الشام وخراسان ويمكن أن يكون قزوين مثلها لكن اشتهر أنها كانت تسمى بالفارسية كشوين فعربت اللفظة وقيل قزوين.
قَالَ قدامة الكاتب وتفسيره المرموق أي الطرف الذي لا ينبغي أن يهمل ويغفل عنه ولم يزل الخلفاء وأعاظم الملوك معتنين بأمر قزوين خائفين عليها.
حدث القاضي المحسن بْن علي التنوخي عن أبي علي مُحَمَّد بْن حمدون قَالَ: كنت بحضرة المعتضد ليلة إذ جاءه كتاب فقرأه وقطع ما كان فيه وتنقص عليه وعلى الحاضرين عنده الوقت واستدعى عبيد اللَّه بْن سليمان فأحضر في الحال وقد كاد أن يتلف وظن أنه قبض عليه فرمى بالكتاب إليه فإذا هو كتاب صاحب السر يقول للوزير أن رجلا من الديلم وجد بقزوين متنكرا فقال لعبيد اللَّه اكتب الساعة إلى صاحبي الحرب والخراج وأقم عليهما القيامة وتهددهما وطالبهما بتحصيل الرجل ولو من أقصى أرض الديلم وأعلمها أن ذمتها مرتهن به وأرسم لهما أن لا يدخل البلد أحد مستأنفا ولا يخرج إلا بجواز.
فقال عبيد اللَّه: السمع والطاعة أمضى إلى داري وأكتب فقال: لا اجلس واكتب واعرضه علي قَالَ فأجلسه وعقله ذاهل فكتب وعرضه عليه فارتضاه وأنفذه وقال لعبيد اللَّه: أنفذ معه من يأتيك بخبر

(1/37)


عبوره النهروان فنهض عبيد اللَّه وعاد المعتضد إلى ما كان فيه وكأنه قد لحقه تعب عظيم فاستلقى ساعة فقلت له: يا مولاي تأذن في الكلام قَالَ نعم.
قلت: كنت على سرور وطيب عيش فورد الخبر بأمر كان يجوز أن تأمر فيه غدا بما أمرت الساعة فضيقت صدرك ونغصت على نفسك وروعت وزيرك وأطرت عقل عياله وأصحابه باستدعائك إياه في هذا الوقت المنكر.
فقال يا ابن حمدون ليس هذا من مسائلك ولكنا أذنا لك في الكلام أعلم أن الديلم شر أمة في الدنيا وأتمهم مكرا وأشدهم بأسا وأقواهم قلوبا ويطير قلبي فزعا على الدولة لو تمكنوا من دخول قزوين سرا فيجتمع منهم فيها عدة فيوقعون بمن فيها وهي الثغر بيننا وبينهم فيطول ارتجاعها منهم ويلحق الملك من الضعف والوهن "بذلك" أمر عظيم وتخيلت أني إن أمسكت عن اللَّه بير "ساعة" واحدة فات الأمر ووالله لو ملكوا قزوين ساعة لبغوا على من تحت سريري هذا واحتووا على دار الملك والمعتضد رحمة اللَّه عليه موصوف بالحزم والكفاية وحسن التدبير وضبط الممالك على أحسن الوجوه.
رأيت في كتاب التبيان تأليف أَحْمَد بْن أبي عَبْد اللَّه البرقي أنه روى الهيثم أن قزوين كانت ثغرا وكان بعض الأكاسرة قد وجه إليها قائدا في جمع كثير فأتاهم العدو وهم معسكرون بذلك المكان فاصطفوا لهم واستعدوا للحرب

(1/38)


فنظر القائد إلى ذلك المكان فرأى فيه خللا. فقال لرجل من أصحابه أين كش وين أي احفظ ذلك الموضوع فهزموا العدو وبنوا بذلك المكان مدينة وسميت كشوين فعربت وقيل قزوين ويمكن أن يكون الزاي من قزوين مبدلة من السين كالزراط والسراط ويكون اللفظ من قسا يقسو أي صلب واشتد.
يقال: رجل قاس أي صلب أو من أقسان العود إذا اشتد وقسا وأقسا الرجل إذا كبر وذلك لما في أهلها من الشدة والصلابة فهو على التقدير الأول على أمثال فعلين وعلى التقدير الثاني على مثال فعويل والهمزة ملينة والواو مبدلة من الهمزة لأن اللسان بها أطوع هذا ما يتعلق باسمها المشهور.
قرأت عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْخَلِيلِ الْخَطِيبِ أَخْبَرَكُمُ الشَّافِعِيُّ الْمُقْرِي أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْرٍ أَنْبَأَ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنْبَأَ الْفِرَبْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ نَبَّأَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَبَّأَ سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي شَيْءٍ أَحْرِصُ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَقَالَ هَكَذَا بِيَدَيْهِ: "بَيْنَ يَدِي السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ" وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ, وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ الْبَارِزِ.
قوله: لم أكن في شيء أحرص وفي بعض النسخ: لم أكن في سني وهما صحيحان وقوله: وقال هكذا بيديه, يعني أشار يقال: قَالَ بيده وقال بعينه كأن السبب في التعبير عن الإشارة بالقول أن الإِشارة تفهم المقصود إفهام اللفظ وقوله: نعالهم الشعر أي نعالهم من ضفاير الشعر أو من

(1/39)


جلود غير مدبوغة بقيت عليها الشعور وذكر أنه يحتمل أنه أشار به إلى وفور شعورهم وانتهاء طولها إلى أن يطأوها بأقدامهم أو أن يقرب من الأرض.
قوله: وهو هذا البارز ذكر الحافظ أبو إسحاق الحمري المغربي المعروف بابن قرقول: أن الراء في اللفظ مقدمة على الزاي مفتوحة باتفاق الرواة وأن بعضهم قَالَ: أنهم الديلم والبارز بلدهم وحكى اختلافا في اللفظ المحكية عن سفيان ثانيا فذكر أن بعض الرواة نقلها بتقديم الزاء أيضا لكن كسرها.
قيل على هذا أن المعنى هؤلاء البارزون لقتال الإسلام الظاهرون في البراز من الأرض وأن بعضهم نقلها البازر بتقديم الزاي وفتحها وأشعر ما ساقه بأن التفسير على هذا كتفسير البارز وقضية ما ذكر أن البارز أو البازر بلد الديلم أن يكون ذلك اسما لقزوين لما اشتهر أنها بلد الديلم ومدينتهم ألا ترى إلى ما قدمنا عَنْ رِوَايَةِ عُمْرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "يُفْتَحُ مَدِينَتَانِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَدِينَةُ الرُّومِ وَمَدِينَةُ الديلم" أما مدينة الروم فالإسكندرية وَمَدِينَةُ الدَّيْلَمِ قَزْوِينُ.
وأعلم أن إيراد جماعة من العلماء يشعر بحمل الحديث على الترك على ما ورد في بعض روايات الحديث الصحيح أن النبي قَالَ: "تقاتلون بين يدي الساعة قوما نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة حمر الوجوه صغار الأعين" وهذا نعت الترك وقد

(1/40)


أفصح به بعض الروايات فقال لا تقوم الساعة حتى تقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة ويلبسون الشعر ويمشون في الشعر.
لكن في كثير من الروايات المدونة في الصحاح ما يدل على مقاتل قوم وراء الترك كما روى أنه صلى اللَّه عليه وسلم قَالَ: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة". وعلى هذا وفتتجه تفسير الأولين بالديلم والآخرين بالترك ووصف الترك في الرواية السابقة بأن نعالهم الشعر لا يمنع من اختلاف الفريقين أما إذا حملناه على أن نعالهم من الشعور أو من جلود بقيت عليها الشعور فلأنهم في الأصل بعيدا من التنعم والترفه فالترك سكان البوادي والديلم سكان الشعاب والغياض وأما إذا حملناه على كثرة الشعور وطولها فلأنهم جميعا مشعوفون بها أما الديلم فيعتنون بتوفيرها منشورة وأما الترك فيعتنون بتطويلها مضفورة.

(1/41)