التدوين في أخبار قزوين

الفصل الثالث: في كيفية بنائها وفتحها
سمعت الإمام والدي رحمه اللَّه غير مرة يحكي عن مشائخه أن البقعة الملاصقة للمقبرة المعروفة بكهنبر وتدعى القرية بالفارسية دهك1 أقدم الأبنية بقزوين وأنه لا يدري من بناها لتقادم عهدها ومن المشهور أن المدينة العتيقة بناها سابور ذو الأكتاف وذلك أن مرزبانا2 من قبله.
__________
1 دهك كلمة فارسية معناها القرية الصغيرة.
2 مرزبان فارسية معناها حافظ الثغر.

(1/41)


كان يقيم بالدستبى والقاقزان ويغزو الديلم مرة ويهادنهم أخرى وكانوا ينقضون الهدنة ويغيرون على الناحيتين فأمر سابور المرزبان ببناء المدينة للتحصن بتا.
فلما أخذ في البناء كانت الديلم تجمع الجموع وتهدم ما كان يرتفع من البناء فأنهى الحال إلى سابور فأمره أن يرضيهم بمال إلى أن يتم البناء ففعل وكان سابور حينئذ مشغولا بمحاربة العرب والتوغل في بلادهم فلما فرغ خرج نحو الديلم ودخل بلادهم في وقت شدة البرد وأقام بها حتى انكسر البرد وطاب الهواء ونفقت هناك دوابهم من شدة البرد فسموا موضع نزولهم اسمرد.
ثم شن الغارة فيهم بعد طيب الهواء وقتل من وجد منهم وأوغل حتى انتهى إلى بحر الجيل ولم يحمل شيئا من مالهم استنكافا بل زفنها في ديارهم في مملكة آل لنجر وكان دخوله من مملكة آل حسان1 وخرج من مملك آل مسافر بْن أسوار بْن لنجر.
ثم مصر سعيد بْن العاص قزوين وكان قد ولاه عليها الوليد ابن عتبة بْن أبي معيط حين كان واليا على الكوفة من قبل أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه ثم إن موسى الهادي دخل قزوين في أيام خلافته وخروجه إلى الري متنكرا وأمر الوالي بها أن يستنفر الناس لينظر إليهم فأمر الوالي بضرب الطبول وبالنداء فيهم بالنفير وأشرف موسى على مكان مرتفع ينظر إليهم فاستحسن مبادرتهم وأعجبه جدهم فأمر ببناء
__________
1 إل حسان، أو جسان أو حسنان- راجع التعليقة.

(1/42)


وحصن بقزوين وسماه مدينة موسى وأسكنه مواليه ووقف عليها وعلى أهلها قريتين تسميان أراذ برسه ورستما باذ وذلك في سنة ثمانية وستين ومائة.
قيل: في سنة سبع ونسب بعضهم مدينة موسى إلى بناء موسى بْن بغا وهو غلط وبنى المبارك التركي مولى الهادي بها مدينة أخرى تنسب إلى اليوم إليه وهي آهلة بعد ويقال أنه بناها1 سنة ست وسبعين ومائة ومدينة موسى قد اندرست وجعلت بساتين ومزارع.
ثم دخل هارون الرشيد قزوين في خلافته وأمر ببناء المسجد الجامع وهو الصحن الصغير من المسجد الكبير والمقصورة العتيقة وأمر بابتياع حوانيت مستغلات وقفها على مصالح المدينة وعمارة مسجدها وسورها وهي الرشيديات وسور قزوين المحيط بالمداين الثلثاء وساير المحال بناه موسى بْن بغامولي المعتصم سنة أربع وخمسين ومائتين وأنفق عليه مالا جليلا.
رأيت بخط بعض بني عجل أن بروج سور قزوين مائتان وخمسة سوى البرج المعروف بكاه دان2 وأن دور السور يبلغ عشرة آلاف وشمار وثلاث مائة وشمار3 ثم أنه استرم السور وأصابه الخلل بعوارض حدثت غير مرة فأصلح وأعيدت عمارته.
منها أن الصاحب إسماعيل بْن عباد أمر بعمارته حين دخل قزوين.
__________
1 راجع التعليقة.
2 كاه دان فارسية معناها محل النبن.
3 وشمار وسمار ودسمار ودشمار على احتلاف النسخ راجع التعليقة.

(1/43)


سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة فقام بها أصحابه سنتين ومنها نقض السلار إبراهيم بْن المرزبان السور في طريق الجوشق ودرج سنة عشر وأربعمائة بعد ما قامت الحرب على ساق بينه وبين أهل البلد ستة أشهر فأمر الشريف أبو علي الجعفري بإعادة ما نقضه سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
آخر من اعتنى به الوزير السعيد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم بْن مالك قاضي المراغة رحمه اللَّه أمر برم المسترم وتجديد المنهدم منه سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وستين بعدها وكان يتولى عمارته والدي قدس اللَّه روحه لما كان بينهما من الاتحاد والمودة القديمة وصحبة المدرسة ببغداد ونيسابور.
في كتاب البنيان لأحمد بْن أبي عَبْد اللَّه أن مدينة قزوين بناها سابور بْن أردشير وسماها شاذ سابور.
أما فتحها: فقد أَنْبَأَنَا جَمَاعَةٌ عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الخليل ابن عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي نَبَّأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيُّ نَبَّأَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو سَعِيدٍ السُّكَّرِيُّ فِي كِتَابِ الْبُلْدَانِ مِنْ تَصْنِيفِهِ قَالَ قَزْوِينُ فَتَحَهَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ زَيْدِ الْخَيْلِ وَيُقَالُ: أَنَّ الْبَرَاءَ غَزَا بَعْدَ فَتْحِ قَزْوِينَ وُأَبْهَرَ وَالطَيْلَسَانِ1 وَزَنْجَانَ فَفَتَحَهَا وَغَزَا الدَّيْلَمَ وَانْصَرَفَ إِلَى قَزْوِينَ فَرَابَطَ بِهَا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْكُوفَةِ فَكَانَتْ قَزْوِينُ مَغْزَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي خُرُوجِهِ إِلَى هَذِهِ النَّوَاحِي قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ معه:
__________
1 الطليسان بفتح اللام اقليم واسع كثير البلدان من نواحى الديلم والخزر.

(1/44)


وَقَدْ تَعْلَمُ الدَّيْلَمُ إِذْ نُحَارِبْ ... حِينَ أَتَى فِي جَيْشِهِ ابْنُ عَازِبْ
بِأَنْ ظَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَاذِبْ ... وَكَمْ قَطَعْنَا فِي دُجَى الْغَيَاهِبْ
من جبل وعرو من سَبَاسِبْ ... يَؤُمُّهُمْ فِي الْخَيْلِ وَالْكَتَائِبْ
حَتَّى فَتَحْنَاهَا بِعَوْنِ الْغَالِبْ
لَمْ يَكُنْ بِقَزْوِينَ حِينَ أَتَاهَا الْبَرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلا الْمَدِينَةُ الْعَتِيقَةُ وَكَانَ أَهْلُهَا يُقَاتِلُونَ مُحَاصَرِينَ وَإِذَا عُرِضَ عَلَيْهِمُ الإسلامُ أَوْ أَدَّوُا الإِتَاوَةَ قَالُوا: وَهُمْ وُقُوفٌ على أطراف السور نه مسلمان بييم ونه كريت دهيم ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعْدَ الْقِتَالِ الشَّدِيدِ سَالَمُوا وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ الْقَوْمُ عادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَعَادَ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتَوْلُوا عَلَيْهَا قَهْرًا يذكر أن كثير بْن شهاب الحارثي أنبأ عَبْد الرحمن هو الذي فتح قزوين المرة الثانية بهذا القدر قد اشتهر النقل ولم يثبت بطريق معتمد أن المسالمة والمصالحة في المرة الأولى كيف كانت وعلى ماذا جرت وأن القهر والاستيلاء في المرة الثانية إلى ما أفضى وكيف فعلوا بها واستولوا عليه من الدور والأراضي وهل جرى في امتناعهم ثانيا ما يقتضي الردة أم لا وإن لم يجر فذلك لأنه لم يقع الاعتماد على إسلامهم أولا ولم يعرف حقيقة حالهم فيه أو لأن الامتناع الثاني كان خروجا عن الطاعة لا ردة والله أعلم بحقائق الأمور.
رأيت بخط أبي عَبْد اللَّه النساج رحمه اللَّه محكيا عن بعضهم أن قزوين والري عشريتان لأنهما فتحتا صلحا ألا ترى أنه ترك فيهما بيوت النيران ولو فتحتا قهرا لما تركت بيوت النيران وإنما جعل أهلها أراضيها

(1/45)


خراجية رفقا بهم وفي كتب الفقه في باب الجزية ذكر أن الري فتحت صلحا كما حكاه.
يروى أن دستبى والقاقزان فتحا في عهد عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه على يدي عروة بْن زيد الخيل الطائي وذلك أن عمر رضي اللَّه عنه كتب إلى أمرائه بعد فتح نهاوند يأمرهم بأن يبعث عروة في ثمانية آلاف إلى ناحية الري ودستبى ففعل فلما انتهى عروة إلى جبال القاقزان جعل مرزبان الديلم ومرزبانا القاقزان ودستى كلمتهم واحدة وتهيأوا للقتال وجمعوا الجموع واشتد الحرب بين الفريقين حتى قَالَ بعض العرب.
أجول فلا أدري لعل منيتي ... بذكان أو ذاكان أو بالجبرندق
هذه القرى من الناحية المعروفة باهروذ ثم نصر اللَّه المسلمين ورجعت الديلم إلى أماكنها وطلب أهل القاقزان ودستبى الصلح وأقام أهل دستبى على دينهم فصارت تلك الناحية خراجية وأسلم أهل القاقزان فصارت ناحيتهم عشرية ولما ولي القاسم بْن الرشيد جرجان وطبرستان وقزوين التجأ أهل القاقزان إليه وشكوا جور العمال وجعلوا له عشرا ثانيا وتعززوا.

(1/46)