العبر في خبر من غبر، من سنة 91 إلى 100

سنة إحدى وتسعين
فيها عزل الوليد عمه محمداً عن الجزيرة وأذربيجان وإرمينية وولى عليها أخاه مسلمة. فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب الحديد وافتتح حصوناً ومدائن.
وافتتح فيها قتيبة عدة مدائن بما وراء النهر. وأوطأ الكفار ذلاً وخوفاً. وحمل إليه طرخون القطيعة.
وفيها توفي، وقيل في سنة ثمان وثمانين، السائب بن يزيد الكندي ابن أخت نمر بالمدينة. وقال: حج بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين. ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه.

(1/78)


وفيها توفي أبو العباس سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وقد قارب المئة. وهوآخر من مات بالمدينة من الصحابة.
سنة اثنتين وتسعين
فيها افتتح إقليم الأندلس على يد طارق مولى موسى فتحه في سنة ثلاث.
وفيها توفي مالك بن أوس بن الحدثان النصري المدني. أدرك الجاهلية، ورأى أبا بكر.
وفيها توفي إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي، ولم يبلغ الأربعين. روى عن عمرو بن ميمون الأزدي وجماعة.
سنة ثلاث وتسعين
فيها افتتح قتيبة عدة فتوح وهزم الترك. ونازل سمرقند في جيش عظيم، ونصب المنجنيق فجاءت نجدة الترك، فأكمن لهم كميناً فالتقوا في نصف الليل. فاقتتلوا قتالاً عظيماً، ولم يفلت من الترك إلا اليسير.
وافتتح سمرقند صلحاً وبنى بها الجامع والمنبر. وأما الباهليون

(1/79)


فيقولون: صالحهم على مئة ألف فارس، وعلى بيوت النار، وعلى حلية الأصنام فسلبت. ثم وضعت قدامه فكانت كالقصر العظيم يعني الأصنام. فأمر بتحريقها. ثم جمعوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال واستعمل على البلد ابنه عبد الله. ورد إلى مرو.
وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب والأندلس وبأرض الروم وبأرض الهند. ولم يفتتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقاً وغرباً. فلله الحمد والمنة.
وفيها توفي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حمزة أنس ابن مالك بن النضر الأنصاري. قاله حميد الطويل وابن علية وجماعة.
وقال شعيب بن الحبحاب: توفي سنة تسعين.
وقال قتادة والهيثم بن عدي: سنة إحدى وتسعين.
وقال الواقدي وغيره: سنة اثنتين. وقدم النبي صلى الله عليه وسلم وله عشر سنين.
وفيها توفي بلال بن أبي الدرداء. يروي عن أبيه وقد ولي إمرة دمشق.
وفيها أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الفقيه بالبصرة.
قال ابن عباس: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول أبي الشعثاء لأوسعهم علماً عما في كتاب الله.

(1/80)


وفيها على الصحيح، وقيل سنة تسعين، أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، مولاهم، البصري المقرئ المفسر. وقد دخل على أبي بكر، وقرأ القرآن على أبي.
قال أبو العالية: كان ابن عباس يرفعني على السرير وقريش أسفل.
وقال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير.
وفيها زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب، قاضي البصرة. قرأ في الصبح: " فإذا نقر في الناقور " فخر ميتاً.
وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني. ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن الصحابة. وولي قضاء المدينة.
وعن الأعرج، قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.
سنة أربع وتسعين
فيها غزا قتيبة بن مسلم فرغانة فافتتحها بعد قتال عظيم، وبعث جيشاً فافتتحوا الشاش.
وفيها افتتح مسلمة من أرض الروم سندرة.

(1/81)


وفيها توفي أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المدني الفقيه. أحد الأعلام. قاله جماعة.
وقال ابن المديني وغيره: توفي سنة ثلاث. وولد في أثناء خلافة عمر.
قال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم: ما رأيت أعلم من ابن المسيب.
وقال علي بن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه. وهو عندي أجل التابعين.
وقال أحمد العجلي: كان لا يأخذ العطاء، وله أربع مئة دينار يتجر بها في الزيت.
وقال مسعر، عن سعد بن إبراهيم: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر مني.
وفيها توفي أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني الفقيه الحافظ. ولد في سنة تسع وعشرين، وحفظ عن والده، وكان يصوم الدهر، ومات وهو صائم. وكان يقرأ كل يوم ربع الختمة في المصحف، ويقوم الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله. وكانت وقع فيها الأكلة فنشرها.
قال الزهري: رأيت عروة بحراً لا ينزف.
وفيها توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول قاله يحيى بن عبد الله

(1/82)


ابن حسن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي. وولد سنة ثمان وثلاثين بالكوفة أو سنة سبع.
قال الزهري: ما رأيت أحداً أفقه منه لكنه قليل الحديث.
وقال أبو حاتم الأعرج: ما رأيت هاشمياً أفضل منه.
وعن سعيد بن المسيب قال: ما رأيت أورع منه.
وقال مالك: إن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات. قال: وكان يسمى زين العابدين لعبادته.
وقال غيره: كان عبد الملك يحبه ويحترمه. وكان يوم مقتله والده مريضاً.
فقال عمر بن سعد: لا تتعرضوا لهذا المريض.
قلت: مناقبه كثيرة من صلواته وخشوعه وحجه وفضله رضي الله عنه.
وفيها توفي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني الفقيه. استصغر يوم الجمل، فرد هو وعروة.
وكان يقال له راهب قريش، لعبادته وفضله، وكان مكفوفاً. وهو أحد الفقهاء السبعة.
وفيها، وقيل سنة أربع ومئة، توفي أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني. أحد الأئمة الكبار.

(1/83)


قال الزهري: أربعة وجدتهم بحوراً: عروة، وابن المسيب، وأبو سلمة، وعبيد الله.
وفيها تميم بن طرفة الطائي الكوفي. ثقة له عدة أحاديث.
سنة خمس وتسعين
فيها قلع الله الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي في ليلة مباركة على الأمة ليلة سبع وعشرين من رمضان، وله خمس وخمسون سنة أو دونها. وكان شجاعاً مقداماً مهيباً داهية فصيحاً مفوهاً بليغاً سفاكاً للدماء. تولى الحجاز سنتين، ثم العراق عشرين سنة.
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. روى عن أبيه وسعد وجماعة.
وفي شعبان قتل الحجاج، قاتله الله، سعيد بن جبير الوالبي، مولاهم، الكوفي المقرىء، الفقيه المفسر أحد الأعلام. وله نحو من خمسين سنة.
وفيها توفي مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري الفقيه العابد المجاب الدعوة. روى عن علي وعمار.
وفيها توفي حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. سمع من خاله عثمان وهو صغير. وكان عالماً فاضلاً مشهوراً.

(1/84)


وفيها توفي إبراهيم بن يزيد النخعي الإمام أبو عمران فقيه العراق، كهلاً. أخذ عن علقمة، والأسود، ومسروق. رأى عائشة وهو صبي.
سنة ست وتسعين
يقال فيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص. ورخه عبد الصمد بن سعيد. وقد مر.
وفيها قلع الله قرة بن شريك القيسي أمير مصر. وكان عسوفاً ظالماً.
قيل كان إذا انصرف من بناء جامع مصر دخله ودعا بالخمر والملاهي، ويقول: لنا الليل ولهم النهار.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز امتلأت والله الأرض جوراً.
وفيها في جمادى الآخرة توفي الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك. وكان دميماً، سائل الأنف، يتبخر في مشيته، وأدبه ناقص، حتى قيل إنه قرأ في الخطبة فقال " يا ليتها كانت القاضية " ودخل عليه أعرابي فقال: من ختنك؟ فقال: المزين. فقيل: إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك؟ قال: نعم فلان.

(1/85)


لكنه كان مع ظلمه كثر التلاوة للقرآن. قيل إنه كان يختم في ثلاث، ويقرأ في رمضان سبع عشرة ختمة.
ورزق سعادة عظيمة في أيامه فأنشأ جامع دمشق.
وافتتحت في أيامه الهند والترك والأندلس. وكان كثير الصدقات. جاء عنه أنه قال: لولا ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحداً يفعله.
وفي أواخرها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان. وقد وليها عشر سنين.
قال خليفة: خلعه سليمان بن عبد الملك فقتلوه.
قلت: كان بطلاً شجاعاً. هزم الكفار وغير مرة، وافتتح عدة مدائن.
سنة سبع وتسعين
فيها توفي سعيد بن جابر المدني صاحب أبي هريرة.
والفقيه طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة. وهو أحد الطلحات الموصفين بالجود. روى عن عثمان وغيره.
وفيها، أو في سنة ثمان، توفي قيس بن أبي حازم الأحمسي البجلي الكوفي، وقد جاوز المئة. سمع أبا بكر وطائفة من البدريين، وكان من علماء الكوفة.
وفيها، أو في سنة ست، محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي. قال البخاري: له صحبة. وذكره مسلم وغيره في التابعين. وله عدة أحاديث حكمها الإرسال.
وحج بالناس خليفتهم سليمان بن عبد الملك. فتوفي معه بوادي القرى

(1/86)


أبو عبد الرحمن موسى بن نصير الأعرج، الأمير الذي افتتح الأندلس وأكثر المغرب. وكان من رجال العالم حزماً ورأياً وهمةً ونبلاً وشجاعةً وإقداماً.
سنة ثمان وتسعين
فيها غزا المسلون قسطنطينية، وعلى الناس مسلمة.
وفيها افتتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة جرجان.
وفيها توفي أبو عمرو الشيباني الكوفي، واسمه سعيد بن إياس، عن مئة وعشرين سنة. وكان يقرىء الناس بمسجد الكوفة، روى عن علي وابن مسعود.
وفيها أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية الهاشمي المدني. وهو الذي أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وصرف الشيعة إليه ورفع إليه كتباً وأسر إليه أشياء.
وفيها، أو في التي بعدها، عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد. أدرك عمر، وسمع من عائشة.
وفيها، على الصحيح، توفي عبيد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني. أحد الفقهاء السبعة ومؤدب عمر بن عبد العزيز.
وفيها كريب مولى ابن عباس. وكان كثير العلم كبير السن والقدر.

(1/87)


قال موسى بن عقبة: وضع عندنا كريب عدل بعير من كتاب ابن عباس.
وفيها عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية الفقيهة، وكانت في حجر عائشة فأكثرت عنها.
سنة تسع وتسعين
فيها توفي محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي المدني. وقد عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر في دارهم، وله أربع سنين.
ونافع بن جبير بن مطعم النوفلي المدني. وكان هو وأخوه محمد من العلماء. ولنافع رواية عن الزبير والعباس، وكان محمد من علماء قريش وأشرفهم. توفي قريباً من أخيه.
وفيها، إن شاء الله، توفي عبد الله بن محيريز الجمحي المكي نزيل بيت المقدس وكان عابد الشام في زمانه.
قال رجاء بن حيوة: إن يفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز. وإن كنت لأعد بقاءه أماناً لأهل الأرض.
وفي عاشر صفر توفي الخليفة ابو أيوب سليمان بن عبد الملك

(1/88)


الأموي، وله خمس وأربعون سنة. وكانت خلافته أقل من ثلاث سنين. وكان فصيحاً فهماً محباً للعدل والغزو، عالي الهمة. جهز الجيوش لحصار القسطنطينية وسار فنزل على قنسرين رداءاً لهم. وقرب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله وزيره ومشيره، ثم عهد إليه بالخلافة. وكان أبيض، مليح الوجه مقرون الحاجبين، يضرب شعره منكبيه.
سنة مئة
وفيها توفي أبو أمامة أسعد بن سهل بن جنيف الأنصاري المدني، واسمه أسعد، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن عمر وجماعة. وكان من علماء المدينة.
وفيها، وقيل في سنة عشر ومئة، أبو الطفيل عامر بن وائلة ابن الأسقع الكناني الليثي. وهو آخر من من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا. وكان من شيعة علي، ترك الكوفة وتوفي بمكة.
وفيها بسر بن سعيد المدني الزاهد العابد المجاب الدعوة. روى

(1/89)


عن عثمان وزيد بن ثابت. وولاؤه لبني الحضرمي.
وفيها وقيل بعدها بعام أو قبلها، سالم بنُ أبي الجعد الكوفي من مشاهير المحدثين.
وفيها خارجة بن زَيد بن ثابت الأنصاري المدني المفتي. أحد الفقهاء السبعة. وتفقه على والده. وفيها أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل بالبصرة. وكان قد أسلم وأدى الزكاة إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم. وحجَ في الجاهلية. وعاش مئة وثلاثين سنة، وصحب سلمان الفارسي اثنتي عشرة سنة.
وفيها شهر بن حوشب الأشعري الشاميّ. قرأ القرآن على ابن عباس. وكان عالماً كثير الرواية الحديث.
وفيها حنش بن عبد الله الصَّنعاني صَنعاءُ دمشق كان مع علي بالكوفة. ثم ولي عشور إفريقية. وروى عن جماعة.
وفيها مسلم بن يسار المكي ثم البصري. روى عن ابن عمر وغيره. وكان من عباد البصرة وفقهائها.
قال ابنُ عَون: كان لايفضل عليه أحد في ذلك الزمان.
وقال محمد بن سعد: كان ثقةً فاضلاً عابداً وَرِعاً.
وفيها عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي. أحدُ أشراف قريش وحكمائها وعقلائها. روى عن أَبيه وجماعة.

(1/90)