العبر في خبر من غبر، من سنة 271 إلى 280

سنة إحدى وسبعين ومئتين
فيها وقعت الطواحين، وكان ابن طولون خلع الموفق من ولاية العهد، ومات وقام بعده ابنه خمارويه، على ذلك، فجهز الموفق ولده أبا العباس المعتضد، في جيش كبير، وولاه مصر والشام، فسار حتى نزل بفلسطين، وأقبل خمارويه فالتقا الجمعان بفلسطين، وحمي الوطيس حتى حرت الأرض من الدماء، ثم انهزم خمارويه إلى مصر، ونهبت خزائنه، وكان سعد الأعسر كميناً لخمارويه، فخرج على أبي العباس وهم فارو، فأوقعوا بهم، فانهزم هو وجيشه أيضاً، حتى ول طرسوس في نفير يسير، وذهبت خزائنه أيضاً، حواها سعد وأصحابه.
وفيها توفي عباس بن محمد بن حاتم الدوري الحافظ أبو الفضل، مولى بني هاشم، ببغداد في صفر، سمع الحسين بن علي الجعفي، وأبا النضر وطبقتهما، وكان من أئمة الحديث.
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي البصري أبو سعيد،

(1/391)


صاحب يحيى القطان. يوم الأضحى بسامرا. وفيه لين.
وفيها محمد بن حماد الطهراني الرازي الحافظ، أحد من رجل إلى عبد الرزاق. وحدث بمصر والشام والعراق، وكان ثقة.
وفيها أبو الحسن محمد بن سنان بن القزاز. بصري نزل بغداد. روى عن عمر بن يونس اليماني وجماعة. قال الدارقطني: لا بأس به. وقال أبو داود: يكذب.
وفيها يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ أبو يعقوب، محدث المصيصة، روى عن حجاح الأعور، وعبيد الله بن موسى وطبقتهما، قال النسائي: ثقة حافظ.
وفيها يحيى بن عبدك القزويني، محدث قزوبن، طوف وسمع أبا عبد الرحمن المقرىء. وعفان.
سنة اثنتين وسبعين ومئتين
فيها أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي، في شعبان ببغداد، في عشر المائة، سمع أبا بكر بن عياش، وعبد الله بن إدريس، وطبقتهما. وثقه ابنا حبان.
وفيها أحمد بن الفرح، أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي، روى

(1/392)


عن بقية وجماعة، قال ابن عدي: هو وسط ليس بحجة.
وفيها أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني الزاهد الرازي صاحب المسند. رحل وسمع أبا نعيم وطبقته.
وفيها أبو معين الرازي، الحسين بن الحسين الحافظ، رحل وسمع سعيد بن أبي مريم، وأبا سلمة التبوذكي وطبقتهما.
وفيها سليمان بن سيف الحافظ أبو داود محدث حران وشيخها. في شعبان، سمع يزيد بن هارون وطبقته.
وفيها محمد بن عبد الوهاب العبدي، أبو أحمد الفراء النيسابوري الفقيه الأديب، أحد أوعية العلم، سمع حفص بن عبد الله، وجعفر بن عون والكبار.
وفيها محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادى المحدث، في رمضان ببغداد، وله مائة سنة وستة عشر شهراً، سمع حفص بن غياث، وإسحاق الأزرق وطبقتهما.
وفيها محمد بن عوف بن سليمان بن سفيان، أبو جعفر الطائي الحافظ، محدث حمص، سمع محمد بن يوسف الفريابي وطبقته. وكان من أئمة الحديث.

(1/393)


سنة ثلاث وسبعين ومئتين
فيها توفي إسحاق بن سيار النصيبني محدث نصيين. في ذي الحجة سمع الخريبي وأبا عاصم وطبقتهما.
وفيها حنبل بن إسحاق، الحافظ أبو علي، ابن عم الإمام أحمد وتلميذه. في جمادى الأولى. سمع أبا نعيم والحميدي. وجمع وصنف.
وفيها أبو أمية الطرطوسي، محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ، سمع عبد الوهاب بن عطاء وشبابة وطبقتهما. وكان من ثقات المصنفين.
وفيها محمد بن يزيد بن ماجه، الحافظ الكبير أبو عبد الله القزويني، صاحب السنن والتفسير والتاريخ. سمع أبا بكر بن أبي شعيبة. ويزيد بن عبد الله اليمامي. وهذه الطبقة.
وفيها أحمد بن الوليد الفحام، أبو بكر البغدادي، روى عن عبد الوهاب بن عطاء وطائفة، وكان ثقة.
وفيها في صفر، صاحب الأندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ابن هشام الأمو ي، أبو عبد الله، وكانت دولته خمساًوثلاثين سنة، وكان فقيهاً عالماً فصيحاً مفوهاً رافعاً علم الجهاد.

(1/394)


قال بقي بن مخلد. ما رأيت ولا سمعت أحداً من الملوك أفصح منه ولا أعقل.
وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: هو صاحب وقعة وادي سليط، التي لم سيمع بمثلها. يقال: إنه قتل فيها ثلاثمائة ألف كافر. رحمة الله عليه.
سنة أربع وسبعين ومائتين
فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر. أبو علي الأطرابلسي. في جمادى الآخرة روى عن مؤمل بن إسماعيل وطبقته، وكان من نبلاء العلماء.
وفيها الحسن بن مكرم بن حسان أبو علي، ببغداد، روى عن علي ابن عاصم وطبقته. ووثق. وفيها خلف بن محمد الواسطي، كردوس الحافظ، سمع يزيد بن هارون، وعلي بن عاصم. وفيها عبد الملك بن عبد الحميد، الفقيه أبو الحسن الميموني الرقي. صاحب الإمام أحمد، في ربيع الأول، روى عن إسحاق الأزرق ومحمد بن عبيد، وطائفة.
وفيها محمد بن عيسى بن حبان المدائني. روى عن سفيان بن عيينة وجماعة. لينه الدراقطني. وقال البرقاني: لا بأس به.

(1/395)


سنة خمس وسبعين ومئتين
فيها توفي أبو بكر المروذي، الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج، في جمادى الأولى ببغداد، وكان أجل أصحاب أحمد بن حنبل، إماماً في الفقه والحديث. كثير التصانيف، خرج مرة إلى الرباط، فشيعه نحو خمسين ألفاً من بغداد إلى سامرا.
وفيها أحمد بن ملاعب، الحافظ أبو الفضل المخرمي. وله أربع وثمانون سنة، سمع عبد الله بن بكر، وأبا نعم، وطقبتهما.
وفيها الإمام أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث بن إسحاق ابن بشير الأزردي، صاحب السنن التصانيف المشهورة، في شوال بالبصرة، وله بضع وسبعون سنة، سمع مسلم بن إبراهيم، والقعنبي وطبقتهما. وطوف الشام والعراق ومصر والحجاز والجزيرة وخراسان، وكان رأساً في الحديث، رأساً في الفقه. ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع، حتى إنه كان يشبه بشيخه الإمام أحمد بن حنبل.
وفيها يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان أبو بكر البغدادي المحدث، في شوال، روى عن علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وجماعة، وصحح الدارقطيني حديثه.

(1/396)


سنة ست وسبعين ومائتين
فيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه، وبين محمد بن أبي الساج، ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد.
وفيها توفي الحافظ أبو عمرو، أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري، محدث الكوفة، في ذي الحجة، صنف المسند والتصانيف، وروى عن جعفر بن عون وطبقته. قال ابن حبان: كان متقناً.
وفيها الإمام بقي بن مخلد، أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، في جمادى الآخرة، وله خمس وسبعون سنة، سمع يحيى ابن يحيى الليثي ويحيى بن بكير وأحمد بن حنبل وطبقتهم، وصنف التفسير الكبير، والمسند الكبير.
قال ابن خزم: أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره، وكان بقي، علامة فقيها مجتهداً صواما قواماً تبتلاً عديم المثيل.
وفيها الإمام الورع أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. صاحب التصانيف في فنون العلم والآداب، في رجب ببغداد فجأة، وله ثلاث وستون سنة، روى عن إسحاق بن راهويه وغيره.
وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري الحافظ، أحد

(1/397)


العباد والأئمة، في شوال ببغداد. روى عن يزيد بن هارون وطبقته، ووثقه أبو داود.
قال أحمد بن كامل: قبل عنه إنه كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، ويقالء بن روى من حفطه ستين ألف حديث.
وفيها محدث الأندلس، قاسم بن محمد بن قاسم الأمو ي مولاهم القرطبي الفقيه، له رحلتان إلى مصر، وتفقه على الحارث بن مسكين، وابن عبد الحكيم، وكان مجتهداً لا يقلد.
قال بقي بن مخلد: هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأما ابن عبد الحكم فقال: لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من القاسم.
وقال محمد بن عمر بن لبابة ما رأيت أفقه منه.
قلت: وروى عن إبراهم بن المنذر الحزامي.
وفيها محدث مكة، محمد بن إسماعيل الصائغ، أبو جعفر. وقد قارب التسعين، سمع أبا أسامة وشبابة وطبقتهما.
وفيها محدث دمشق، أبو القاسم يزيد بن محمد بن عبد الصمد، سمع أبا مسهر، والحميدي وطبقتهما. وكان ثقة بصيراً بالحديث.
سنة سبع وسبعين ومئتين
فيها توفي حافظ المشرق، أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، في شعبان، وفي عشر التسعين، وكان بارع الحفظ واسع الرحلة، من

(1/398)


أوعية العلم، سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا مسهر وخلقا لا يحصون وكان جاريا في مضمار البخاري وأبي زرعة الرازي.
وفيها المحدث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني الكوفي صاحب المسند. روى عن عبيد الله بن موسى وأبي نعيم وطبقتهما، وكان ثقة.
وفيها الإمام أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ، أحد أركان الحديث. وصاحب المشيخة والتاريخ، في وسط السنة، وله بضع وثمانون سنة. سمع أبا عاصم، وعبيد الله بن موسى وطبقتهما، فأكثر.
سنة ثمان وسبعين ومئتين
فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة. وهم خوارج زنادقة مارقة من الدين.
وفيها توفي الموفق، أبو أحمد طلحة ويقال ابن محمد بن المتوكل، ولي عهد أخيه المعتمد، في صفر وله تسع وأربعون سنة، وكان ملكاً مطاعاً وبطلاً شجاعاً، ذا بأس وأيد ورأي وحزم. حارب الزنج حتى أبادهم، وقتل طاغيتهم، وكان جميع أمر الجيوش إليه، وكان محبباً إلى الخلق، وكان المعتمد مقهوراً معه، اعتزاه نقرس فبرّح به، وأصاب رجله داء الفيل، وكان يقول: قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق، وما أصبح فيهم أسوأ حالاً

(1/399)


مني. واشتد ألم رجله وانتفاخها، إلى أن مات منها، وكان قد ضيق على ابنه أبي العباس وخاف منه، فلما احتضر رضي عليه. فلما توفي ولاه المعتمد ولاية العهد ولقبه المعتضد، وكان بعض الأعيان يشبه الموفق بالمنصور. في حزمه ودهائه ورأيه.
قلت: وجميع الخلفاء إلى اليوم فمن ذريته.
وفيها عبد الكريم بن الهيثم، أبو يحيى الدير عاقولي، رحل وحصل وجمع، وروى عن نعيم وأبي اليمان وطبقتهما، وكان أحد الثقات.
وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشاء ببغداد في ذي القعدة، وهو آخر من حدث عن ابن علية وإسحاق الأزرق، ضعفه الدارقطني.
سنة تسع وسبعين ومائتين
تمكن المعتضد أبو العباس من الأمور، وأطاعته الأمراء حتى ألزم عمه المعتمد، أن يقدمه في العهد على ابنه المفوض. ففعل مكرها.
وفيها منع المعتضد من بيع كتب الفلاسفة والجدل. وتهدد على ذلك، ومنع المنجمين والقصاص من الجلوس. فكان ذلك من حسناته.
وفيها توفي في رجب المعتمد على الله وله خمسون سنة.

(1/400)


وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة ويومين، وكان اسمر ربعة نحيفاً مدور الوجه، صغير اللحية، مليح العينين، ثم سمن وأسرع إليه الشيب، ومات فجأة. وأمه أم ولد اسمها فتيان. وله شعر متوسط. وكان قد أكل رؤوس جدي فمات من الغد بين المغنين والندماء. فقيل سم في الرؤوس. وقيل نام فغم في بساط. وقسل سم في كأس الشراب، فدخل عليه القاضي والشهود. فلم يرو به أثراً، وكان منهمكاً في اللذات، فاستولى أخوه على المملكة، وحجر عليه في بعض الأشياء، فاستصعب المعتضد الحال بعد أبيه.
وعن أحمد بن يزيد قال: كنا عند المعتمد، وكان كثير العربدة إذا سكر فذكر حكاية.
وفيها توفي أحمد، بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ أبو بكر النسائي ثم البغدادي. مصنف التاريخ الكبير، وله أربع وتسعون سنة، سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما.
قال الدراقطني: ثقة مأمون.
وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي الكوفي القصار. أبو إسحاق، آخر أصحاب وكيع وفاة.
وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد. وله تسعون سنة. روى عن أبي نعيم وطبقته، وكان زاهداً عابداً ثقة. ينفع الناس ويعلمهم الحديث.

(1/401)


وفيها أبو يحيى عبد الله بن أحمد زكريا بن أبي مبسرة. محدث مكة. في جمادى الأولى. روى عن عبد الرحمن المقري وطبقته.
وفيها الامام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي الحافظ. مصنف الجامع. في رجب بترمذ. سمع قتيبة وأبا مصعب وطبقتهما. وكان من أئمة هذا الشأن، وكان ضريراً. فقبل إنه ولد أكمه.
وفيها أبو الأحوص، محمد بن الهيثم الحافظ. قاضي عكبرا. في جمادى الآخرة، وكان أحد من عني بهذا الشأن، فروى عن عبد الله بن رجاء. وسعد بن عفير. وطبقتهما.
سنة ثمانين ومئتين
فيها توفي القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، الفقيه الحافظ صاحب المسند، روى عن أبي نعيم، ومسلم بن بن إبراهيم، وخلق، وكان بصيراً بالفقه عارفاً بالحديث وعلله زاهداً عابداً كبير القدر من أعيان الحنفية.
وفيها الإمام قاضي الديار المصرية، أحمد بن أبي عمران، أبو جعفر الفقيه الحنفي، تفقه على محمد بن سماعة. وحدث بن عاصم بن علي وطائفة. وروى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر وهو شيخ الطحاوي بمصر في الفقه.

(1/402)


وفيها الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدرامي السجزي الحافظ. صاحب المسند والتصانيف. روى عن سليمان بن حرب وطبقته. وكان جذعا في أعين المبتدعة. قيماً بالسنة.
قال يعقوب بن إسحاق الهروي، ما رأينا أجمع منه، أخذ الفقه عن البويطي. والعربية عن ابن الأعرابي. والحديث عن ابن المديني. توفي في ذي الحجة. وقد ناهز الثمانين.
وفيها الحافظ أبو إسماعيل، محمد بن إسماعيل السلمي الترمذي، أحد أعلام السنة، سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهما. وجمع وصنف.
وفيها أبو عمر هلال بن العلاء بن هلال الرقي محدث الرقة وشيخها في ذي الحجة، وقد قارب التسعين، روى عن حجاح الأعور، وخلق كثير، وله شعر رائق.