العبر في خبر من غبر، من سنة 301 إلى 310
سنة إحدى وثلاثمئة
فيها أدخل الحلاج بغداد مشهوراً على جمل. وعلق مصلوباً، ونودي عليه هذا
أحد دعاة القرامطة فاعرفوه. ثم حبس وظهر أنه ادعى الإلهية. وصرح بحلول
اللاهوت في الناسوت، وكانت مكاتباته تنبىء بذلك في وبعضها من النور
الشعشعاني، فاستمال أهل الحبس بإظهار السنة فصاروا يتبركون به.
وفيها قتل أبو سعيد الجنابي القرمطي صاحب هجر، قتله خادم له صقلبي،
راوده في الحمام، ثم خرج فاستدعى رئيساً من خواص الجنابي وقال السيد
يطلبك، فلما دخل قتله، ثم دعى آخر كذلك حتى قتل أربعة، ثم صاح النساء،
وتكاثروا على الخادم فقتلوه. وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم الجيوش، ثم
هادنه الخليفة واسمه الحسن بن بهرام الجنابي.
وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلب على المغرب، في أربعين ألفاً،
ليأخذ مصر، حتى بقي بينه وبين مصر أيام، فانفجرت مخاضة النيل، فحال
إلماء بينهم وبين مصر، ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب، فرجع
المهدي إلى برقة، بعد أن ملك الاسكندرية والفيوم.
وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل يهرب بن أحمد الساماني.
(1/440)
صاحب ما وراء النهر، قتله غلمانه، وتملك
بعده ابنه نصر.
وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء،
الذي روى الموطأ عن سويد.
والحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البردعي البرديجي، ببغداد، روى عن أبي
سعيد الأشج وطبقته، وطوف وصنف.
وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني، أبو إسحاق الحافظ بالري، روى عن طالوت بن
عباد، وهشام بن عمار وطبقتهما.
وبكر بن أحمد بن مقبل البصري الحافظ، روى عن عبد الله بن معاوية الجمحي
وطبقته. وفيها جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض، الحافظ العلامة أبو
بكر الفريابي، صاحب التصانيف، رحل من بلاد الترك إلى مصر، وعاش أربعاً
وتسعين سنة. وولي قضاء الدينور، وكان من أوعية العلم. روى علي ابن
المديني، وأبي جعفر النفيلي وطبقتهما، وأول سماعه سنة أربع وعشرين
ومئتين.
قال ابن عدي: كنا نحضر مجلسه، وفيه عشرة آلاف أو أكثر.
وفيها الحسين بن إدريس الحافظ أبو علي الأنصاري الهروي رحل وطوف وصنف.
وروى عن سعيد بن منصور، وسويد بن سعيد وخلق وثقه الدراقطني.
وفيها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية البربري الأصل
البغدادي، أحد الأثبات المصنفين، سمع أبا بكر بن أبي شيبة وطبقته.
(1/441)
وفيها المحدث المعمر، محمد بن حبان بن
الازهر أبو بكر الباهلي البصري القطان، نزيل بغداد، روى عن أبي عاصم
النبيل، وعمرو بن مرزوق وهو ضعيف.
وفيها الحافظ أبو جعفر محمد بن العباس بن الأخرم الأصبهاني الفقيه، روى
عن أبي كريب وخلق.
وفيها محمد بن عبد الرحمن السامي الهروي الحافظ. في ذي القعدة. طوف
وروى عن أحمد بن يونس، وأحمد بن حنبل والكبار.
وفيها محمد بن يحيى بن مندة الحافظ أبو عبد الله العبدي الأصبهاني، جد
الحافظ الكبير، محمد بن إسحاق بن مندة، روى عن لوين وأبي كريب وخلق.
قال أبو الشيخ: كان أستاذ شيوخنا وإمامهم، وقيل إنه كان يجاري أحمد ابن
الفرات الرازي وينازعه.
وفيها الأمير علي بن أحمد الراسبي، أمير جنديسابور والسوس وخلف ألف
فرس، وألف ألف دينار، ونحو ذلك.
سنة اثنتين وثلاثمئة
فيها عاد المهدي ونائبه حباسة إلى الإسكندرية. فتمت وقعة كبيرة، قتل
فيها حباسة فرد المهدي إلى القيروان.
وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الحصاص الجوهري وسجنه، وأخذ
من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار.
(1/442)
وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال: أخذوا منه
ما مقداره: ستة عشر ألف ألف دينار، عينا وورقاً وقماشاً وخيلاً. قيل
كانت عنده ودائع عظيمة، لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه. وقال بعض
الناس رأيت سبائك الذهب تقبن بالقبان، بن يدي ابن الجصاص.
وفيها أخذت القرمطي الركب العراقي، وتمزق الوفد في البرية. وأسروا من
النساء مئتين وثمانين امرأة.
وفيها توفي العلامة فقيه المغرب، أبو عثمان بن الحداد الافريقي
المالكي، سعيد بن محمد بن صبيح، وله ثلاث وثمانون سنة، أخذ عن سحنون
وغيره، وبرع في الكلم العربية والنظر، ومال إلى مذهب الشافعي، وأخذ
يسمى المدونة المدودة، فهجره المالكية، ثم أحبوه لما قام علي أبي عبد
الله الشيعي وناظره ونصر السنة.
وفيها إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي، صاحب أحمد بن يونس، ببغداد.
وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، صاحب نعيم بن حماد ببغداد.
وإبراهيم بن محمد بن الحسن بن متويه، العلامة أبو إسحاق الأصبهاني إمام
جامع أصبهان، وأحد العباد والحفاظ، سمع محمد بن عبد الملك بن أبي
الشوارب، ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهما.
(1/443)
ومحمد بن زنجويه القشيري النيسابوري، صاحب
إسحاق بن راهويه.
والقاضي أبو زرعة محمد بن عثمان الثقفي مولاهم، قاضي دمشق بعد قضاء
مصر، وكان جده يهودياً فأسلم.
سنة ثلاث وثلاثمئة
فيها عسكر الحسين بن حمدان، والتقى هو ورائق، فهزم رائقاً، فسار لحربه
وتمت لهما خطوب، ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء الحسين، فتسرعوا إليه، ثم
قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله، وأدخل بغداد على جمل هو وأعوانه، ثم
قبض على أخيه أبي الهيجا عبد الله بن حمدان وأقاربه.
وفيها توفي الإمام أحد الأعلام، صاحب المصنفات، أبو عبد الرحمن أحمد بن
شعيب بن علي، النسائي في ثالث عشر صفر، وله ثمان وثمانون سنة. سمع
قتيبة إسحاق وطبقتهما، بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة.
وكان رئيساً نبيلاً حسن البزة، كبير القدر، له أربع زوجات يقسم لهن،
ولا يخلو من سرية، لنهمته في التمتع، ومع ذلك فكان يصوم صوم داود
ويتهجد.
قال ابن المظفر الحافظ: سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة
بالليل والنهار وأنه خرج إلى الغزاة مع أمير مصر فوصف من شهامته
وإقامته السنن في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس الأمير.
(1/444)
وقال الدارقطني: خرج حاجا، فامتحن بدمشق،
فأدرك الشهادة فقال. احملوني إلى مكة فحمل، وتوفي بها في شعبان. قال:
وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث.
وفيها الحافظ الكبير، أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي صاحب
المسند، تفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه.
وسمع من أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والكبار، وكان ثقة حجة، واسع
الرحلة.
قال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره، مقدماً في التثبت والكثرة والفهم
والأدب والفقه، توفي في رمضان.
وفيها أبو علي الجبائي محمد بن عبد الوهاب البصري شيخ المعتزلة، وأبو
شيخ المعتزلة: أبي هاشم.
وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق، أبو الحسن البغدادي المعروف بالصوفي
الصغير. روى عن إبراهيم الترجماني وجماعة.
وفيها أبو جعفر أحمد بن فرح البغدادي المقري الضرير صاحب أبي عمرو
الدوري، تصدر للإقراء مدة طويلة، روى الحديث عن ابن المديني.
وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي، روى عن قتيبة وخلق.
(1/445)
وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري
الأنماطي الحافظ، صاحب التفسير، روى عن إسحاق بن راهويه وخلق.
وفيها جعفر بن أحمد بن نصر، الحافظ أبو محمد النيسابوري المعروف
بالحصيري، سمع إسحاق بن راهويه. وكان حافظاً عابداً.
وفيها عبد الله بن محمد بن يونس السمناني أبو الحسين، أحد الثقات
الرحالة، سمع إسحاق، وعيسى بن زغبة وطبقتهما.
وفيها عمرو بن أيوب السقطي ببغداد، روى عن بشر بن الوليد وطبقته.
وفيها محمد بن العباس بن الدرفس، أبو عبد الرحمن الغساني الدمشقي،
الرجل الصالح. روى عن هشام بن عمار وعدة.
وفيها أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي الحافظ، شكر، طوف وجمع،
وروى عن محمد بن رافع وطبقته.
سنة أربع وثلاثمئة
فيها غزا مؤنس الخادم بلاد الروم من ناحية ملطية، فافتتح حصونا وأثر
أثرة حسنة.
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن محمد المخرمي أبو إسحاق، روى عن
عبيد الله القواريري وجماعة ضعفه الدارقطني.
(1/446)
وفيها إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب
المنجنيقي بغدادي حافظ نبيل، نزل مصر، وكان يحدث عند منجنيق بجامع مصر،
فقيل له المنجنيقي، روى عن داود بن رشيد وطبقته.
وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي ابن أمير القيروان،
حارب المهدي الذي خرج بالقيروان، ثم عجز عنه، وهرب إلى الشام، ومات
بالرقة، وقيل بالرملة.
وفيها الحافظ أبو محمد عبد الله بن مظاهر الأصبهاني، شاباً، وكان قد
حفظ جميع المسند، وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين، روى عن مطين
يسيراً.
وفيها القاسم بن الليث بن مسرور الرسعني العتابي أبو صالح، نزيل تنيس،
روى عن المعافي الرسعني، وهشام بن عمار.
وفيها يموت بن المزرع، أبو بكر العبدي البصري الأخباري العلامة، وهو في
عشر الثمانين، روى عن خاله الجاحظ، وأبي حفص الفلاس وطبقتهما.
وفيها الزاهد أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي الصوفي، أحد
(1/447)
المشايخ الكبار صحب ذا النون المصري وروى
عن الإمام أحمد ابن حنبل ودحيم وطائفة.
قال القشيري: كان نسيج وحده في إسقاط التصنع. وقال يوسف بن الحسين: ما
صحبني متكبر إلا اعتراني داؤه لأنه يتكبر، فإذا تكبر غضبت، فإذا غضبت
أداني الغضب إلى الكبر.
سنة خمس وثلاثمئة
فيها قدم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، فاحتفل المقتدر بالله لجلوسه له.
قال الصولي، وغيره: أقاموا الجيش بالسلاح من باب الشماسية فكانوا نحواً
من مئة وستين ألفاً، ثم الغلمان، فكانوا سبعة آلاف، وكانت الحجاب
سبعمئة، وعلقت ستور الديباج، فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر، ومن البسط
وغيرها. ومما كان في الدار مئة سبع مسلسلة. الى أن قال: ثم أدخل الرسول
دار الشجرة، وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان، عليها طيور مذهبة، وورقها
ألوان مختلفة، وكل طائر يصفر لوناً بحركات مصنوعة تغني، ثم أدخل الى
الفردوس، وفيها من الفراش والآلات ما لا يقوم.
وفيها توفي عبد الله بن محمد بن شيرويه، الفقيه ابو محمد النيسابوري،
أحد الحفاظ، سمع إسحاق بن راهيويه، وأحمد بن منيع وطبقتهما، وصنف
التصانيف.
وفيها عمران بن موسى بن مجاشع، الحافظ ابو إسحاق السختياني
(1/448)
محدث جرجان، سمع هدبة بن خالد وطبقته، ورحل
وصنف، توفي في رجب.
وفيها أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري، مسند العصر، في ربيع
الآخر، وله مئة سنة إلا بعض سنة، وكان محدثاً متقناً أخبارياً عالماً،
روى عن مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما.
وفيها القاسم بن زكريا، أبو بكر المطرز ببغداد، روى عن سويد ابن سعيد
وأقرانه، وقرأ على الدوري، وأقرأ الناسن وجمع وصنف، وكان ثقة.
وفيها محمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي، روى عن يحيى الحماني
وعبيد الله القواريري وجماعة.
ويحيى بن نصر بن شبيب، أبو بكر الأصبهاني، روى عن أبي ثور الكلبي
وغيره.
وفيها محمد بن نصر، أبو عبد الله المديني، روى عن إسماعليل بن عمرو
البجلي وجماعة، وثقة أبو نعيم الحافظ.
سنة ست وثلاثمئة
فيها وقبلها، أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت، لركاكة ابنها، فإنه
لم يركب للناس ظاهراً منذ استخلف، إلى سنة إحدى وثلاثمئة. ثم
(1/449)
ولى ابنه علياً إمرة مصر وغيرها، وهو ابن
أربع سنين، وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة.
ولما كان في هذا العام، أمرت أم المقدر. مثل القهرمانة، أن تجلس
للمظالم، وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة، وكانت تبرز التواقيع
وعليها خطها.
وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه، فأخذ
الإسكندرية وأكثر الصعيد ثم رجع.
وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبار أبو عبد الله الصوفي ببغداد.
روى عن علي بن الجعد، ويحيى بن معين وجماعة، وكان ثقة صاحب حديث، مات
عن نيف وتسعين سنة. وفيها القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج
البغدادي، شيخ الشافعية وصاحب التصانيف، في جمادى الأولى، وله سبع
وخمسون سنة وستة أشهر، وكان يقال له الباز الأشهب، ولي قضاء شيراز،
وفهرس كتبه يشتمل على أربعمئة مصنف، روى الحديث عن الحسن بن محمد
الزغفراني وجماعة. د وفيها أبو عبد الله أبو عبد الجلا الزاهد، شيخ
الصوفية، واسمه أحمد بن يحيى، صحب ذا النون المصري والكبار، وكان قدوة
أهل الشام، توفي في رجب، وقد سئل عن المحبة فقال: مالي وللمحبة، أنا
أريد أتعلم التوبة.
وفيها حاجب بن أركين الفرغاني الضرير المحدث، روى عن أحمد بن
(1/450)
إبراهيم الدورقي وجماعة، وله جزء مشهور.
وفيها الحسين بن حمدان التغلبي، ذبح في حبس المقتدر بأمره.
وفيها الإمام أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي
الحافظ، صاحب التصانيف، سمع سهل بن عثمان، وأبا بكر بن أبي شيبة
وطبقتهما، وكان يحفظ معة ألف حديث، ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرة،
توفي في آخر السنة، وله تسعون سنة وأشهر.
وفيها محمد بن خلف بن وكيع القاضي، أبو بكر الأخباري، صاحب التصانيف،
روى عن الزبير بن بكار وطبقته، وولي قضاء الأهواز.
سنة سبع وثلاثمئة
فيها كانت الحروب والأراجيف الصعبة بمصر، ثم لطف الله وأوقع المرض في
المغاربة، ومات جماعة من أمرائهم واشتدت علة القائم محمد بن المهدي.
وفيها دخلت القرامطة البصرة، ونهبوا وسبوا.
وفيها توفي الأشناني، أبو العباس أحمد بن سهل المقرىء المجود، صاحب
عبيد بن الصباح، وكان ثقة.
روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة.
وفيها أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى
(1/451)
التميمي الحافظ، صاحب المسند. روى عن علي
بن الجعد وغسان بن الربيع والكبار. وصنف التصانيف، وكان ثقة صالحاً
متقنا يحفظ حديثه، توفي وله سبع وتسعون سنة.
وزكريا بن يحيى الساجي البصري الحافظ، محدث البصرة، روى عن هدبة بن
خالد وطبقته.
وأبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التجيبي، مقرىء الديار المصرية، روى
عن محمد بن رمح، وتلا على أبي يعقوب الازرق صاحب ورش.
وأبي جعفر، محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث، روى عن جبارة بن
المغلس وطائفة.
ومحمد بن علي بن مخلد بن فرقد الداركي الأصبهاني، آخر أصحاب إسماعيل بن
عمرو البجلي، وآخر أصحابه أبو بكر بن المقري.
ومحمد بن هارون، أبو بكر الروياني الحافظ الكبير، صاحب المسند. روى عن
أبي كريب وطبقته، وله تصانيف في الفقه. قاله أبو يعلى الخليلي.
وأبو عمران الجوني موسى بن سهل بالبصرة، ثقة رحال حافظ، سمع محمد بن
رمح، وهشام بن عمار وطبقتهما.
(1/452)
والحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري
ببغداد، روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته. وجمع وصنف.
ويحيى بن زكريا النيسابوري، أبو زكريا الأعرج أحد الحفاظ بمصر، وهو عم
محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري، دخل مصر على كبر السن،
وروى عن قتيبة، وإسحاق بن راهويه.
سنة ثمان وثلاثمئة
فيها ظهر اختلال الدولة العباسية، وجيشت الغوغاء ببغداد، فركبت الجند،
وسبب ذلك، كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس، فقصدت العامة داره،
فحاربتهم غلمانه، وكان له مماليك كثيرة، فدام القتال أياما، وقتل عدد
كثير وقليل، ثم استفحل البلاء، ووقع النهب في بغداد. وجرت فيها فتن
وحروب بمصر، وملك العبيديون جيزة الفسطاط، فجزعت الخلق وشرعوا في
الهروب والجفل.
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن سفيان، الفقيه أبو إسحاق النيسابوري
الرجل الصالح، راوي صحيح مسلم روى عن محمد بن رافع، ورحل وسمع ببغداد
والكوفة والحجاز، وقيل كان مجاب الدعوة.
وفيها أبو محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي، مقرىء أهل مكة، وصاحب
(1/453)
البزي، روى مسند العدني عن المصنف، وتوفي
في رمضان، وهو في عشر التسعين.
وعبد الله بن محمد بن وهب. الحافظ الكبير أبو محمد الدينوري سمع
الكثير، وطوف الأقاليم، وروى عن أبي سعيد الأشج وطبقته.
قال ابن عدي: سمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب. وقال الدارقطني: متروك.
وقال أبو علي النيسابوري. بلغني ان أبا زرعة الرازي، كان يعجز عن
مذاكرته.
وفيها أبو الطيب محمد بن الفضل بن سلمة بن عاصم الضبي الفقيه، صاحب ابن
سريج، أحد الأذكياء، صنف الكتب، وهو صاحب وجه، وكان يرى تكفير تارك
الصلاة، ومات شاباً، وأبوه وجده من أئمة العربية.
والمفضل بن محمد بن إبراهيم أبو سعيد الجندي محدث مكة، روى عن إبراهيم
بن محمد الشافعي، والعدني، وجماعة. وثقه أبو علي النيسابوري.
سنة تسع وثلاثمئة
فيها أخذت الإسكندرية، واستردت إلى نواب الخليفة، ورجع العبيدي إلى
المغرب.
وفيها قتل الحلاج وهو أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمى
(1/454)
الفارسي وكان محمى مجوسياً، تطوف الحلاج
وصحب سهل بن عبد الله التستري، ثم قدم بغداد، فصحب الجنيد والنوري
وتعبد فبالغ في المجاهدة والترهب، ثم فتن ودخل عليه الداخل بن الكبر
والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل له به حال شيطاني، هرب
منه الحال الإيماني، ثم بدت منه كفريات أباحت دمه، وكسرت صنمه، واشتبه
على الناس السحر بالكرامات، فضل به خلق كثير، كدأب من مضى ومن يكون،
مثل أبي مقتل الدجال الأكبر، والمعصوم من عصم الله، وقد جال هذا الرجل
بخراسان وما وراء النهر والهند، وزرع في كل ناحية زندقة، فكانوا
يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد الترك بالمقيت، لبعد الديار عن
الإيمان. وأما البلاد القريبة، فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد
الله الزاهد، ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار، وسماه أشياعه ببغداد
المصطلم، وبالبصرة المجير، ثم سكن بغداد في حدوث الثلاثمئة وقبلها:
واشترى أملاكا وبنى دارا وأخذ يدعو الناس إلى أمور، فقامت عليه الكبار،
ووقع بينه وبين الشبلي، والفقيه محمد بن داود الظاهري، والوزير علي بن
عيسى، الذي كان في وزارته، كابن هبيرة في وزارته، علماً وديناً وعدلاً.
فقال ناس: ساحر فأصابوا. وقال ناس: به مس من الجن فما أبعدوا، لأن الذي
كان يصدر منه لا يصدر من عاقل، إذ ذلك من موجب حتفه، أو هو كالمصروع أو
المصاب، الذي يخبر بالمغيبات، ولا يتعاطى بذلك حالا، ولا إن ذلك من
قبيل الوحي ولا الكرامات. وقال ناس من الأغتام: بل هذا رجل عارف ولي
الله صاحب كرامات، فليقل ما شاء فجهلوا من وجهين أحدهما أنه ولي
والثاني أن الولي يقول ما شاء فلن
(1/455)
يقول إلا الحق، وهذه بلية عظيمة ومرضة
مرمنة، أعيى الأطباء دواؤها، وراح بهرجها وعز ناقدها، والله المستعان.
قال أحمد بن يوسف التنوخي الأزرق: كان الخلاح يدعو كل وقت إلى شيء، على
حسب ما يستبله طائفة أخبرني جماعة من أصحابه، أنه لما افتتن به الناس
بالأهواز، لما يخرح لهم من الأطعمة في غير وقتها، والدراهم ويسميها
دراهم القدرة، حدث الجبائي بذلك فقال: هذه الأشياء يمكن الحيل فيها،
ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم، وكلفوه أن يخرج منه جرزتين من شوك، فبلغ
الحلاج قوله، فخرج عن الأهواز.
وروي عن عمرو بن عثمان المكي، أنه لعن الحلاج وقال: قرأت آية، فقال:
يمكنني أن أولف مثلها.
وقال أبو يعقوب الأقطع: زوجت بنتي بالحلاج، فبان لي بعد أنه ساحر كذاب
محتال. وقال الصولي: جالست الحلاج، فرأيت جاهلا يتعاقل، وغبيا يتبالغ،
وفاجراً يتزهد.
وكان ظاهره أنه ناسك، فاذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا،
أو يرون التشيع تشيع، أو يرون التسنن تسنن، وكان يعرف الشعبذة
والكيمياء والطب، وينتقل في البلدان، ويدعي الربوبية، ويقول للواحد من
أصحابه: أنت آدم، ولذا أنت نوح، ولهذا أنت محمد، ويدعي التناسخ وأن
أرواح الانبياء انتقلت إليهم.
وقال الصولي أيضاً: قبض علي الراسبي أمير الأهواز على الحلاج في سنة
احدى وثلثمئة وكتب إلى بغداد يكر أن البينة قامت عنده أن الحلاج يدعي
الربوبية ويقول بالحلول فحبس مدة وكان يري الجاهل شيئاً
(1/456)
من شعبذته، فاذا وثق به، دعاه إلى أنه إله،
ثم قيل: إنه سني وإنما يريد قتله الرافضة، ودافع عنه نصر الحاجب قال:
وكان في كتبه إنه مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود. وكان الوزير حامد، قد
وجد له كتاباً فيه: أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو
ذلك، أغناه عن الصوم والصلاة والحج، فقام عليه حامد فقتل، وافتى جماعة
من العلماء بقتله، وبعث حامد بن العباس بخطوطهم إلى المقتدر، فتوقف
المقتدر، فراسله إن هذا قد ذاع كفره وادعاؤه الربوبية، وإن لم يقتل
افتتن به الناس، فأذن في قتله، فطلب الوزير صاحب الشرطة، فأمره ان
يضربه ألف سوط، فان مات وإلا قطع أربعته، فأحضر وهو يتبختر في قيده،
فضرب ألف سوط، ثم قطع يده ورجله، ثم حز رأسه وأحرقت جثته.
وقال ثابت بن سنان: انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلاج، وأنه قدموه
على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر، بأنه يحيى الموتى، وأن الجن
يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد، وكان محبوساً بدار الخلافة فأحضر جماعة
إلى حامد، فاعترفوا أن الحلاج إله، وأنه يحيي الموتى، ثم وافقوه
وكاشفوه فأنكر، وكانت زوجة السمري عنده في الاعتقال، فأحضرها حامد
فسألها، فقالت: قد قال مرة زوجتك بابني وهو بنيسابور، فإن جرى منه ما
تكرهين فصومي واصعدي على السطح على الرماد، وافطري على الرماد وافطري
على الملح، واذكري ما تكرهينه، فاني أسمع وأرى، قالت: وكنت نائمة وهو
قريب مني فما أحسست إلا وقد غشيني، فانتبهت فزعة، فقال: إنما جئت
لأوقظك للصلاة. وقالت لي بنته يوماً اسجدي له فقلت أو يسجد أحد لغير
الله؟ وهو يسمعنى، فقال: نعم، إله في السماء وإله في الأرض.
(1/457)
وقال ابن باكويه: سمعت أحمد بن الحلاج
يقول: سمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي: رأيت
رب العزة في المنام، فقلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ قال: كاشفته
بمعنى، فدعى الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت.
وقال يوسف بن يعقوب النعماني: سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني
الفقيه يقول: إن كان ما أنزل الله على نبيه حقاً، فما يقول الحلاج
باطل.
وعن أبي بكر بن سعدان، قال لي الحلاج: تؤمن بي حتى أبعث إليك عصفورة،
تطرح من ذرقها وزن حبة، على كذا مناً من نحاس فيصير ذهبا، قلت: أفتؤمن
بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن
تخفيه، أخفيته في عينك، فأبهته، وكان مموها مشعوذا.
وفيها توفي أبو العباس بن عطاء الأزدي الزاهد، وهو أحمد ابن محمد بن
سهل بن عطاء، أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالاجتهاد في
العبادة، قيل: كان ينام في اليوم والليلة ساعتين، ويختم القرآن كل يوم،
توفي في ذي القعدة بالعراق.
وفيها حامد بن محمد بن شعيب، أبو العباس البلخي المؤدب ببغداد روى عن
شريح بن يونس وطائفة وكان ثقة عاش ثلاثا وتسعين سنة.
وفيها عمر بن اسماعيل بن غيلان أبو حفص الثقفي البغدادي سمع علي بن
الجعد وجماعة وثقه الخطيب.
(1/458)
وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن مكرم
البغدادي بالبصرة، وكان أحد الحفاظ المبرزين، روى عن بشر بن الوليد
وطبقته.
وفيها محمد بن خلف بن المرزبان، أبو بكر البغدادي الأخباري صاحب
التصانيف. روى عن الزبير بن بكار وطبقته. وكان صدوقاً.
سنة عشر وثلاثمئة
فيها توفي الحافظ الكبير، أبو جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري، سمع
أبا كريب وطبقته، وكان حفطه زاهداً خيراً. قال أبو إسحاق بن حمزة
الحافظ: ما رأيت أحفظ منه. وقال ابن المقري فيه: حدثنا تاج المحدثين،
فذكر حديثاً.
وإسحاق بن إبراهم بن محمد بن جميل، أبو يعقوب الأصبهاني، الراوي بن
أحمد بن منيع مسنده عن سن عالية. قال حفيده عبد الله بن يعقوب: عاش جدي
مئة وسبع عشرة سنة.
وأبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة البغدادي بمصر، روى عن محمد ابن
بكار بن الريان وطائفة.
وفيها علي بن العباس البجلي الكوفي المقانعي، أبو الحسن.
روى عن أبي كريب وطبقته.
وفيها أبو بشر الدولابي، وهو محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري
(1/459)
الرازي الحافظ، صاحب التصانيف، روى عن
بندار محمد بن بشار وخلق، وعاش ستا وثمانين سنة.
قال أبو سعيد بن يونس كان من أهل الصنعة، وكان يضعف، توفي بين مكة
والمدينة.
وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير،
والتاريخ، والمصنفات الكثيرة. سمع إسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد ابن
حميد الرازي وطبقتهما. وكان مجتهداً لا يقلد أحداً.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير،
ولقد ظلمته الحنابلة.
وقال أبو حامد الإسفراييني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين، حتى يحصل
تفسير محمد بن جرير، لم يكن كثيراً.
قلت: ومولده بآمل طبرستان، سنة أربع عشرة ومئتين، وتوفي ليومين بقيا من
شوال، وكان ذا زهد وقناعة، توفي ببغداد.
وفيها أو بعدها بيسير، العالم المحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن
قتيبة العسقلاني، محدث فلسطين. روى عن صفوان بن صالح المؤذن، ومحمد بن
رمح والكبار. وكان ثقة.
وفيها تقريباً أبو عمران الرقي موسى بن جرير المقري النحوي صاحب أبي
شعيب السوسي وتصدر للإقراء مدة.
(1/460)
وفيها الوليد بن أبان بن الحافظ أبو العباس بأصبهان، صنف المسند
والتفسير. وطوف الكثير. وحدث بن أحمد بن الفرات الرازي وطبقته. |