العبر في خبر من غبر، من سنة 291 إلى 300
سنة إحدى وتسعين
ومئتين
فيها خرجت الترك في جيش لجب، فاستنفر إسماعيل بن أحمد، الناس عامة،
وكبس الترك في الليل فقتل فيهم مقتلة عظيمة، وكانت من الملاحم الكبار،
ونصر الله، ولكن أصيب المسلمون من جهة أخرى خرجت الروم في مائة ألف،
فوصلوا الى الحدث فقتلوا وسبوا وأحرقوا ورجعوا سالمين، فنهض جيش من
طرسوس، عليهم غلام زرافة، فوغلوا في الروم، حتى نازلوا أنطاكية مدينة
صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى ففتحوها عنوة، وقتلوا من الروم نحو
خمسة آلاف، وغنموا غنيمة عظيمة لم يعهد بمثلها، بحيث إنه بلغ سهم
الفارس، ألف دينار ولله الحمد.
وأما القرمطي صاحب الشامة، فعظم به الخطب، والتزم له أهل دمشق بمال
عظيم، حتى ترحل عنهم، وتملك حمص، وسار إلى حماة والمعرة، فقتل وسبي
وعطف إلى بعلبك، فقتل أكثر أهلها ثم سار فأخذ سلمية وقتل أهلها قتلا
ذريعاً، حتى ما ترك بها عينا تطرف، وجاء جيش المكتفي، فالتقاهم بقرب
حمص فكسروه وأسر خلق من جنده، وركب هو وابن عمه الملقب بالمدثر وآخر،
فاخترقوا ثلاثتهم ابن البرية، فمروا بدالية ابن طوق، فأنكرهم والى تلك
الناحية، فقررهم، فاعترف صاحب الشامة، فحملهم إلى المكتفي بالله فقتلهم
وحرقهم.
(1/419)
وفيها توفي ثعلب العلامة أبو العباس أحمد
بن يحيى الشيباني مولاهم الكوفي النحوي. صاحب التصانيف. في جمادى
الأولى ببغداد. وله إحدى وتسعون سنة، قرأ العربية على ابن الأعرابي
وغيره، وسمع من عبيد الله القواريري وطائفة. وانتهت إليه رئاسة الأدب
في زمانه.
وفيها علي بن الحسين بن الجنيد الرازي، الحافظ الكبير أبو الحسن. في
آخر السنة، ويعرف بالمالكي. لتصنيفه حديث مالك، طوف الكثير، وسمع أبا
جعفر النفيلي وطبقته، وعاش نيفاً وثمانين سنة.
وفيها قنبل قارىء أهل مكة، وهو أبو عمر محمد بن عبد الرحمن المخزومي
مولاهم المكي، وله ست وتسعون سنة، شاخ وانهرم، وقطع الإقراء قبل موته
بسبع سنين، قرأ على أبي حسن القواس، ورحل إليه القراء وجاوروا وحملوا
عنه.
وفيها القاسم بن عبيد الله الوزير ببغداد، وزر للمعتضد والمكتفي. وكان
أبوه أيضا وزير المعتضد، وكان القاسم قليل التقوى كثير الظلم، وكان
يدخله من ضياعه في العام سبعمئة ألف دينار، ولما مات أظهر الناس
الشماتة بموته.
وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي أبو الحسن العبدي،
(1/420)
ببغداد، روى عن ابن المديني وجماعة.
وفيها محمد بن أحمد بن النضر، أبو بكر الأزدي، ابن بنت معاوية بن عمرو،
وله خمس وتسعون سنة، روى عن جده والقعنبي، وكان ثقة.
وفيها، محمد بن إبراهيم البوشنجي، الإمام الحبر أبو عبد الله، شيخ أهل
الحديث بخراسان، في أول السنة، رحل وطوف، وروى عن أحمد بن يونس، ومسدد
والكبار، وكان من أوعية العلم. قد روى عنه البخاري حديثا في صحيحه، عن
النفيلي. وآخر من روى عنه، إسماعيل بن نجيد. وفيها محدث مكة، محمد بن
علي بن زيد الصائغ، في ذي القعدة، وهو في عشر المائة، روى عن القعنبي،
وسعيد بن منصور.
وفيها مقرىء أهل دمشق هرون بن مومى بن شريك المعروف بالأخفش، صاحب ابن
ذكوان في عشر المائة.
سنة اثنتين وتسعين ومئتين
فيها خرج صاحب مصر، هارون بن خمارويه الطولوني عن الطاعة، فسارت جيوش
المكتفي لحربه، وجرت لهم وقعات، ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا، فخرج
ليسكنهم، فجاءه سهم فقتله، ودخل الأمير محمد بن سليمان، قائد جيش
المكتفي بالله فتملك الإقليم، واحتوى على الخزائن، وقتل من آل طولون
بضعة عشر رجلاً، وحبس طائفة، وكتب بالفتح إلى المكتفي. وقيل: إنه هم
بالمضي إلى المكتفي أعني هارون فامتنع عليه أمراؤه، وشجعوه، فأبى،
فقتلوه غيلة، ولم يمنع محمد بن سليمان، فإنه أرعد وأبرق، وخيف من غلبته
على بلاد مصر، فكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه
(1/421)
وفيها خرج الخلنجي القائد بمصر، وحارب
الجيوش. واستولى على مصر.
وفيها توفي القاضي الحافظ، أبو بكر المروزي أحمد بن على بن سعيد. قاضي
حمص، في آخر السنة. روى عن علي بن الجعد، وطبقته.
وفيها الحافظ الكبير أبو بكر البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق
البصري، صاحب المسند الكبير، في ربيع الأول بالرملة. روى عن هدبة بنت
خالد وأقرانه، وحدث في آخر عمره بأصبهان والعراق والشام.
قال الدارقطني: ثقة يخطئ ويتكل على حفظه.
وفيها أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد، الحافظ أبو جعفر المهري
المقرىء المصري قرأ القرآن على أحمد بن صالح، وروى عن سعيد بن عفير
وطبقته. وفيه ضعف. قال ابن عدي: يكتب حديثه.
وفيها أبو مسلم الكجي إبراهيم بن عبد الله البصري الحافظ. صاحب السنن،
ومسند الوقت، في المحرم. وقد قارب المئة أو كملها، سمع أبا عاصم النبيل
والأنصاري والكبار، وثقه الدراقطني. وكان محدثا حافظا محتشما كبير
الشأن، قيل إنه لما فرغوا من سماع السنن عليه. عمل لهم مائدة غرم عليها
ألف دينار، نصدق بجملة منها. ولما قدم بغداد، ازدحموا عليه حتى حزر
مجلسه بأربعين ألف وزيادة، وكان في المجلس سبعة مستملين كل واحد يبلغ
الآخر.
وفيها إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرئ المحدث
(1/422)
يوم الأضحى ببغداد، وله نحو من تسعين سنة،
روى عن عاصم بن علي وطبقته، وقرأ القرآن على خلف، وتصدر للإقراء
والعلم.
قال الدارقطني: هو فوق الثقة بدرجة.
وفيها محدث واسط بحشل، وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزاز، روى
عن جده لأمه وهب بن بقية وطبقته. وصنف التصانيف.
وفيها قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد،
وكان من القضاة العادلة، له أخبار ومحاسن، ولما احتضر، كان يقول: يا رب
من القضاء إلى القبر، ثم يبكي. روى عن بندار.
وفيها محمد بن أحمد بن سليمان، الإمام أبو العباس الهروي، فقيه محدث
صاحب تصانيف، رحل إلى الشام والعراق، وحدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته.
وفيها يحيى بن منصور، أبو سعيد الهروي، أحد الأئمة في العلم والعمل،
حتى قيل إنه لم ير مثل نفسه، روى عن سويد بن نصْر وطبقته.
سنة ثلاث وتسعين ومئتين
فيها التقى الخلنجي المتغلب على مصر وجيش المكتفي بالعريش، فهزمهم أقبح
هزيمة.
(1/423)
وفيها عاثت القرامطة بالشام وقتلوا، وسبوا
وما أبقوا ممكنا، بحوران وطبرية وبصرى، ودخلوا السماوة فطلعوا إلى هيت
فاستباحوها، ثم وثبت هذه الفرقة الملعونة، على زعيمها ابن غانم فقتلوه.
ثم جمع رأس القوم زكرويه. والد صاحب الشامة جموعا ونازل الكوفة. فقاتله
اهلها، ثم جاءه جبش الخليفة، فالتقاهم وهزمهم. ودخل الكوفة يصيح، قومه:
يا ثارات الحسين يعنون صاحب الخال ولد زكرويه لا رحمه الله.
وفيها سار فاتك المعتضدي. فالتقى الخلنجي، فانهزم الخلنجي، وكثر القتل
في جيشه، واختفى الخلنجي. فدل عليه رجل، فبعثه فاتك في جمع من قواده
إلى بغداد، فأدخلوا على الجمال وحبسوا.
وفيها توفي أبو العباس الناشي الشاعر المتكلم، عبد الله بن محمد بمصر.
وفيها عبدان بن محمد بن عيسى المروزي أبو محمد، سمع قتيبة وجماعة، وكان
فقيهاً علامة رأسا في الفقه وغوامضه زاهداً عابداً صاحب حديث.
وفيها عيسى بن محمد أبو العباس الطهماني المروذي اللغوي، كان إماما في
العربية، روى عن إسحاق بن راهويه، وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي
بقيت نيفاً وعشرين سنة، لا تأكل ولا تشرب.
(1/424)
وفيها محمد بن أسد المدايني، أبو عبد الله
الزاهد وكان يقال إنه مجاب الدعوة، عمر أكثر من مئة سنة، وحدث عن أبي
داود الطيالسي بمجلس واحد.
وفيها أبو أحمد محمد بن عبدوس بن كامل السراج الحافظ. ببغداد في رجب،
روى علي بن الجعد وطبقته.
سنة أربع وتسعين ومئتين
فيها أخذ ركب العراق زكرويه القرمطي، وقتل الناس قتلا ذريعاً، وحوى ما
قيمته ألف ألف دينار. وهلك من الحجيج عشرون ألف إنسان، ووقع البكاء
والنوح في البلدان، وعظم هذا على المكتفي، فبعث الجيش لقتاله، وعليهم
وصيف بن صوراتكين فالتقوا، فأسر زكرويه وخلق من أصحابه. وكان مجروحاً.
فمات إلى لعنة الله بعد خمسة أيام، فحمل ميتا إلى بغداد، وقتل أصحابه
ثم أحرقوا، وتمزق أصحابه في البرية.
وفيها توفي الحافظ الكبير. أبو على صالح بن محمد بن عمرو الأسدي
البغدادي خرزة. محدث ما وراء النهر، نزل بخارى وليس معه كتاب. فروى بها
الكثير من حفظه، روى عن سعدويه الواسطي، وعلي بن الجعد. وطبقتهما. ورحل
إلى الشام ومصر والنواحي، وصنف وجرح وعدل، وكان صاحب نوادر ومزاح.
(1/425)
وفيها صباح بن عبد الرحمن، أبو الغصن
العتقي الأندلسي المعمر، مسند العصر بالأندلس. روى عن يحيى بن يحيى
وأصبغ بن الفرج وسحنون.
قال ابن الفرضي: بلغني أنه عاش مئة وثمانية عشر عاما. وتوفي في المحرم.
وفيها عبيد العجل. الحافظ وهو أبو علي الحسين بن حاتم محمد، في صفر،
روى عن يحيى معين وطبقته.
وفيها محمد بن الإمام إسحاق بن راهويه، القاضي أبو الحسن. روى عن أبيه
وعلي بن المديني، قتل يوم أخذ الركب شهيدا.
وفيها محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، الحافظ أبو عبد الله البجلي
الرازي، محدث الري، يوم عاشوراء، وهو في عشر المئة، روى عن مسلم بن
إبراهيم، والقعنبي والكبار. وجمع وصنف، وكان ثقة.
وفيها محمد بن معاذ، دران الحلبي، محدث تلك الناحية، أصله من البصرة،
روى عن القعنبي، وعبد الله بن رجاء وطبقتهما، ورحل إليه المحدثون.
وفيها محمد بن نصر المروزي، الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام، كان رأسا
في الفقه، رأسا في الحديث، رأسا في العبادة.
(1/426)
قال أبو عبد الله بن الأخرم الحافظ قال:
كان محمد بن نصر يقع على أذنه الذباب وهو في الصلاة. فسيل الدم وهو لا
يذبه، كان ينتصب كأنه خشبة.
قال أبو إسحاق الشيرازي: كان من أعلم الناس بالاختلاف. وصنف كتباً.
وقال شيخه في الفقه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان محمد بن نصر
عندنا إماماً فكيف بخراسان؟ وقال غيره: لم يكن للشافعية في وقت مثله،
سمع يحيى بن يحيى، وشيبان ابن فروخ وطبقتها. وتوفي في المحرم بسمرقند.
وهو في عشر التسعين.
وفيها الإمام موسى بن هارون بن عبد الله. أبو عمران البغدادي البزار
الحافظ. ويعرف أبوه بالحمال، كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله.
قال أبو بكر الضبعي: ما رأينا في حفاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن
هارون، سمع علي بن الجعد وقتيبة وطبقتهما.
سنة خمس وتسعين ومئتين
فيها توفي إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري الحافظ، أحد أركان الحديث،
روى عن إسحاق بن راهويه وطبقته.
(1/427)
قال عبد الله بن سعد النيسابوري: ما رأيت
مثل إبراهيم بن أبي طالب، ولا رأى هو مثل نفسه. وقال أبو عبد الله بن
الأخرم: إنما أخرجت نيسابور ثلاثة: محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجاج،
وإبراهيم بن أبي طالب.
وفيها إبراهيم بن معقل، أبو إسحاق قاضي نسف وعالمها ومحدثها، وصاحب
التفسير والمسند. وكان بصيراً بالحديث، عارفا بالفقه والاختلاف، روى
الصحيح بن البخاري. وروى عن قتيبة، وهشام بن عمار وطبقتهما.
وفيها المعمري الحافظ أبو علي الحسن بن علي بن شبيب. ببغداد. في
المحرم، روى عن علي بن المديني، وجبارة بن المغلس وطبقتهما. وعاش
اثنتين وثمانين سنة، وله أفراد وغرايب، مغمورة في سعة علمه.
وفيها الحكم معبد الخزاعي الفقيه، مصنف كتاب السنة، بأصبهان، روى عن
محمد بن حميد الرازي، ومحمد بن المثنى وطبقتهما، وكان من كبار الحنفية
وثقاتهم.
وفيها أبو شعيب الحراني عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأموي
الؤدب نزيل بغداد في ذي الحجة. روى عن يحيى البابلتي وعفان وعاش تسعين
سنة وكان ثقة.
(1/428)
وفيها أمير خراسان وما وراء النهر إسماعيل
بن أحمد بن أسد بن سامان في صفر ببخارى وكان ذا علم وعدل وشجاعة ورأي.
وكان يعرف بالأمير الماضي أبي إبراهيم، جمع بعض الفضلاء شمائلة وسيرته
في كتاب. وكان ذا اعتناء زائد بالعلم والحديث.
وفيها أبو علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ. أحد أركان
الحديث ببلخ سمع قتيبة وطبقته وصنف التاريخ والعلل.
وفيها المكتفي بالله أبو الحسن علي بن المعتضد أحمد بن أبي أحمد
المتوكل بن المعتصم العباسي، وله إحدى وثلاثون سنة. وكان جميلاً
وسيماً. بديع الجمال معتدل القامة، دري اللون أسود الشعر. استحلف بعد
أبيه. وكانت دولته ست سنين ونصف. وتوفي في ذي القعدة، وولي بعده أخوه
المقتدر. وله ثلاث عشرة سنة وأربعون يوماً. فلم يل أمر الأمة صبي قبله.
وفيها عيسى بن مسكين قاضي القيروان وفقيه المغرب. أخذ عن سحنون.
والحارث بن مسكين بمصر. وكان إماماً ورعاً خاشعاً متمكناً من الفقه
والآثار، مستجاب الدعوة. يشبه بسحنون في سمته وهيبته. أكرهه ابن الأغلب
الأمير على القضاء، فولي ولم يأخذ رزقاً، وكان يركب حماراً ويستقي
الماء لبيته.
وفيها محمد بن أحمد بن جعفر، الإمام أبو جعفر الترمذي الفقيه
(1/429)
كبير الشافعية الشافعي بالعراق قبل ابن
سريج، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة، وكان قد اختلط في أواخر أيامه،
وكان زاهداً ناسكاً قانعاً باليسر متعففاً.
قال الدراقطني: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أروع منه. وكان
صبوراً على الفقر.
قلت: روى عن يحيى بن بكير وجماعة، وكان ثقة.
وفيها الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الإسماعيل، أحد المحدثين الكبار
بنيسابور، له تصانيف مجودة، ورحلة واسعة، سمع إسحاق بن راهويه، وهشام
بن عمار.
سنة ست وتسعين ومئتين
دخلت والملأ يستصبون المقتدر، ويتكلمون في خلافته، فاتفق طائفة على
خلعه، وخاطبوا عبد الله بن المعتز، فأجاب بشرط أن لا يكون في حرب وكان
رأسهم محمد بن داود بن الجراح، وأحمد بن يعقوب القاضي، والحسين بن
حمدان. واتفقوا على قتل المقتدر، ووزيره العباس بن الحسن، وفاتك
الأمير. فلما كان في عاشر ربيع الأول، ركب الحسين بن حمدان، والوزير
والأمراء، فشد ابن حمدان على الوزير فقتله، فأنكر فاتك قتله، فعطف على
فاتك، فألحقه بالوزير، ثم ساق ليثلث بالمقتدر، وهو يلعب بالصوالجة،
فسمع الهيعة، فدخل وأغلقت الأبواب ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب
واستدعى ابن المعتز، وأحضر الأمراء والقضاة، سوى خواص المقتدر. فبايعوه
ولقبوه الغالب بالله فاستوزر ابن
(1/430)
الجراح واستخلفه على الجيش وصدرت الكتب إلى
البلاد، وأرسلوا الى المقتدر ليتحول من دار الخلافة، فأجاب ولم يكن بقي
معه غير مؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، وخاله الأمير غريب، فتحصنوا وأصبح
الحسين بن حمدان علىمحاصرتهم. فرموه بالنشاب، وتنادو ونزلوا على حمية،
وقصدوا ابن المعتز، فانهزم كل من حوله، وركب ابن المعتز فرساً ومعه
وزيره وحاجبه، وقد شهر سيفه، وهو ينادي معاشر العامة: ادعوا لخليفتكم.
وقصد سامراً ليثبت بها أمره فلم يتبعه كبير أحد. فخذل ونزل عن فرسه،
فدخل دار ابن الجصاص، واختفى وزيره. ووقع النهب والقتل في بغداد، وقتل
جماعة من الكبار، واستقام الأمر للمقتدر، ثم أخذ ابن المعتز وقتل سراً،
وصودر ابن الجصاص، وقدم بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات. ونشر العدل،
واشتغل المقتدر باللعب.
وأما الحسين بن حمدان فأصلح أمره، وبعث إلى ولاية قم وقاشان.
وفيها وصل إلى مصر، أمير أفريقية، زيادة الله بن الأغلب، هارباً من
المهتدي عبيد الله، وداعيه أبي عبد الله الشيعي، فوجه إلى العراق.
وفيها مات المحدث أبو جعفر أحمد بن حماد بن مسلم.، أخو عيسى زغبة
التجيبي، بمصر في جمادى الأولى، روى عن سعيد بن أبي مريم وسعيد بن عفير
وطائفة وعمره أربعاً وتسعين سنة.
(1/431)
وفيها أحمد بن نجدة الهروي المحدث روى عن
سعيد بن منصور وطائفة.
وفيها أحمد بن يحيى الحلواني أبو جعفر، الرجل الصالح، ببغداد، سمع أحمد
بن يونس وسعدويه، وكان من الثقات.
وفيها أحمد بن يعقوب المثنى القاضي، أحد من قام في خلع المقتدر تدينا،
ذبح صبراً.
وفيها خلف بن عمرو العكبري، محتشم نبيل تقة، روى عن الحميدي، وسعيد بن
منصور. وفيها أبو حصين الوادعي القاضي محمد بن الحسين بن حبيب، في
رمضان، صنف المسند، وكان من حفاظ، الكوفة، روى عن أحمد بن يونس
وأقرانه.
وفيها محمد بن داود بن الجراح الكاتب. أبو عبد الله الأخباري العلامة،
صاحب المصنفات، وكان أوحد زمانه في معرفة أيام الناس، أخذ عن عمر بن
شبة وغيرها. وقتل كما مر في فتنة ابن المعتز، صاحب الأدب والشعر. وكذلك
فاتك المعتضدي. في كثير من أمراء الوقت.
سنة سبع وتسعون ومئتين
فيها توفي عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي أبو محمد، راوية الكتب
عن أبي بكر بن أبي شيبة، وكان محدثا صدوقا، روى
(1/432)
أيضاً عن جبارة بن المغلس، وهو صدوق.
وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة. زهير بن حرب أبو عبد الله، الحافظ
ابن الحافظ ابن الحافظ.
قال أحمد بن حنبل وما رأيت أحفظ من أربعة أحدهم محمد بن أحمد بن أبي
خيثمة. وكان أبوه يستعين به في تصنيف التاريخ، سمع أبا حفص الفلاس
وطبقته، ومات في عشر السبعين. وفيها عمرو بن عثمان. أبو عبد الله المكي
الزاهد. شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق، صحب أبا سعيد الخراز
والجنيد، وروى الكثير عن يونس بن الأعلى وجماعة.
وفيها محمد بن داود بن علي الظاهري، الفقيه أبو بكر، أحد أذكياء زمانه.
وصاحب كتاب االزهرة تصدر للاشتغال والفتوى ببغداد بعد أبيه. وكان يناظر
أبا العباس بن سريج، وله شعر رائق، وهو ممن قتله الهوى، وله نيف
وأربعون سنة.
وفيها مطين. وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي
الكوفي، في ربيع الآخر بالكوفة، وله خمس وتسعون سنة،
(1/433)
ودخل على أبي نعيم، وروى عن أحمد بن يونس
وطبقته.
قال الدراقطني: ثقة. جبل.
وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة. الحافظ ابن الحافظ أبو جعفر العبسي
الكوفي نزيل بغداد في جمادى الأولى. وهو في عشر التسعين. روى عن أبيه
وعمه وأحمد بن يونس وخلق، وله تاريخ كبير، وثقه صالح جزرة. وضعفه
الجمهور.
وأما ابن عدي فقال: لم أر له حديثاً منكراً فأذكره.
وفيها موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي، القاضي أبو بكر الفقيه
الشافعي، بالأهواز، وله سبع وثمانون سنة، ولي قضاء نيسابور، وقضاء
الأهواز، وحدث بن أحمد بن يونس وطائفة. وهو آخر من حدث عن قالون صاحب
نافع القارىء، وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء. وثقه ابن
أبي حاتم.
وفيها يوسف بن يعقوب القاضي أبو محمد الأزدي. ابن عم إسماعيل القاضي،
ولي قضاة البصرة وواسط، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي، وولد سنة ثمان
ومئتين، وسمع في صغره بن مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما،
وصنف السنن، وكان حافظاً ديناً عفيفاً مهيباً.
(1/434)
سنة ثمان وتسعين
ومئتين
فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر وربيعة.
وفيها خرج على عبيد الله المهتدي. داعياه: أبو عبد الله الشيعي، وأخوه
أبو العباس وجرت لهما معه وقعة هائلة في جمادى الآخرة، فقتل الداعيان
الأعيان وأعيان جندهما، وصفا الوقت لعبيد الله. فعصي عليه أهل طرابلس.
فجهز لحربهم ولده القائم أبا القاسم، فأخذها بالسيف في سنة ثلثلمائة.
وفيها توفي أبو أحمد، أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي الزاهد ببغداد في
صفر. وكان من سادة الصوفية ومحدثيهم، روىعن علي بن الجعد وعلي المديني،
وجمع وصنف.
وفيها قاضي الأنبار وخطيبها البليغ المصقع، أبو محمد بهلول ابن إسحاق
بن بهلول بن حسان التنوخي. وكان ثقة صاحب حديث، سمع بالحجاز. سعيد بن
منصور، وإسماعيل بن أبي أويس. وفيها الزاهد القطب، شيخ العصر، أبو
القاسم الجنيد بن محمد القواريري، ببغداد، وقيل في سنة سبع وقيل في سنة
تسع صحب السري السقطي، والحارث المحاسبي. وتفقه على أبي ثور، وله
المقامات والكرامات، والكلام النافع في الصدق والمعاملات، رحمه الله،
ومات في عشر الثمانين.
وفيها العلامة أبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوري المزكي، شيخ
(1/435)
الحنيفة. وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع
الآخر وقد ناهز الثمانين روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة، وكان ذا عبادة
وتقى.
وفيها الزاهد الكبير، أبو عثمان الحيري، سعيد بن إسماعيل. شيخ نيسابور
وواعظها وكبير الصوفية بها في ربيع الآخر وله ثمان وستون سنة صحب
العارف أبا حفص النيسابوري. وسمع بالعراق من حميد بن الربيع. وكان كبير
الشأن محارب الدعوة.
وفيها فقيه قرطبة ومسند الأندلس، أبو مروان عبيد الله بن الإمام يحيى
بن يحيى الليثي في عاشر رمضان، وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة. روى عن
والده الموطأ، وحمل عنه بشر كثير. وفيها محمد بن يحيى بن سليمان، أبو
بكر المروزي في شوال ببغداد، روى عن عاصم بن علي وأبي عبيد.
وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، أبو العباس
الأمير ببغداد. ودفن عند عمه محمد بن عبد الله، سمع من إسحاق بن راهويه
وغيره. وولي إمرة خراسان بعد والده، سنة ثمان وأربعين وهو شاب، ثم خرج
عليه يعقوب الصفار وحاربه، وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين، ثم وخلص من
أسره سنة اثنتين وستين، ثم بقي خاملا إلى أن مات.
(1/436)
سنة تسع وتسعين
ومئتين
فيها قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات، ونهبت دوره، ووقع النهب
والخبطة في بغداد. وفيها توفي شيخ نيسابور، أبو عمرو الخفاف. أحمد بن
نصر الزاهد الحافظ سمع إسحاق بن راهويه وجماعة.
قال الضبعي: كنا نقول إنه يفي بمذاكرة ثلاثمائة ألف حديث.
وقال ابن خزيمة: يوم وفاته لم يكن بخراسان أحفظ للحديث منه.
وقال يحيى العنبري: لما كبر أبو عمرو، ويئس من الولد. تصدق بأموال يقال
إن قيمتها خمسون ألف دينار.
وفيها الحافظ أبو الحسين محمد بن حامد بن السري خال ولد السري المروزي،
حدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته.
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، صاحب التصانيف
في القراءات والغريب والنحو، وكان أبو بكر بن مجاهد يعظمه ويطريه ويقول
وهو أنحى من الشيخين يعني ثعلباً والمبرد توفي في ذي القعدة.
(1/437)
وفيها محمد بن يزيد بن محمد بن عبد الصمد
المحدث أبو الحسن، روى عن صفوان بن صالح وطبقته، وكان صدوقا، وقع لنا
جزء من حديثه.
سنة ثلاثمائة
فيها توفي صاحب الأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن
الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني، في ربيع
الآخر، وكانت دولته خمسا وعشرين سنة، ولي بعد أخيه المنذر في سنة خمس
وسبعين، وكان ذا صلاح وعبادة وعدل وجهاد، يلتزم الصلوات في الجامع، وله
غزوات كبار، أشهرها غزوة ابن حفصون، وكان أبن حفصون قد نازل حصن بلي في
ثلاثين ألفا، فخرح عبد الله من قرطبة، في أربعة عشر ألفا، فالتقيا،
فانكسر ابن حفصون، وتبعه عبد الله يأسر ويقتل، حتى لم ينج منهم أحد،
وكان ابن حفصون من الخوارج، وولي الأندلس بعده حفيده، الناصر لدين الله
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن فبقي في الإمرة خمسين عاماً.
وفيها أبو الحسن علي بن سعيد العسكري الحافظ، أحد أركان الحديث، روى عن
محمد بن بشار وطبقته وتوفي بخراسان.
وفيها محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي الكوفي أبو العلاء الذهلي
(1/438)
بمصر، عن ست وتسعين سنة، روى عن علي بن
المديني وجماعة، وثقه ابن يونس.
وفيها محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي الكوفي. في جمادى الأولى. ومحمد
بن جعفر القتات الكوفي أبو عمرو، في جمادى الأولى أيضاً، رويا كلاهما
على ضعف فيهما عن أبي نعيم.
وفيها محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر المعروف بابن الإمام. في
آخر السنة بدمياط، وهو في عشر المائة روى عن إسماعيل ابن أبي أويس،
وأحمد بن يونس.
وفيها أبو الحسن مسرد بن قطن النيسابوري. روى عن جده لأمه. بشر بن
الحكم وطبقته بخراسان والعراق. قال الحاكم: كان مزني عصره، والمقدم في
الزهد والورع.
وفي حدود الثلاثمائة، أحمد بن يحيى الريوندي الملحد لعنه الله. ببغداد.
وكان يلازم الرفضة. والزنادقة. قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم،
حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب أن يقوله عاقل فمن كتبه: كتاب نعت
الحكمة. وكتاب قضيب الذهب وكتاب الزمردة.
وقال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل، وقد صنف الدامغ يدمغ به القرآن،
والزمردة يزري به على النبوات.
(1/439)
|