العبر في خبر من غبر، من سنة 341 إلى 350
سنة إحدى وأربعين
وثلاثمئة
فيها اطلع الوزير المهلَّبي، على جماعة من التناسخية، فيهم رجل يزعم أن
روح عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه انتقلت إليه، وفيهم امرأة تزعم أن
روح فاطمة انتقلت إليها، وآخر يدّعي أنه جبريل، فضربهم فتعزُّوا
بالانتماء إلى أهل البيت، وكان ابن بويه شيعياً، فأمر بإطلاقهم.
(2/61)
وفيها أخذت الروم مدينة سروج فاستباحوها.
وفيها توفي أبو الطاهر المديني، أحمد بن محمد بن عمرو الحامي، محدّث
مصر، في ذي الحجة، روي عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة.
وفيها أبو علي الصَّفّار إسماعيل بن محمد البغدادي النحوي الأديب، صاحب
المبرد. سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، وطائفة، وتوفي في المحرم،
وله أربع وتسعون سنة.
وفيها المنصور أبو الطاهر، إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله
العبيدي الباطني صاحب المغرب، حارب مخلد بن كيداد الإباضي، الذي كان قد
قمع بني عبيد، واستولى على ممالكهم، فأسره المنصور، فسلخه بعد موته،
وحشا جلده، وكان فصيحاً مفوّها، بطلاً شجاعاً، كان يرتجل الخطب، مات في
شوال، وله تسع وثلاثون سنة، وكانت دولته سبعة أعوام.
وفيها محمد بن أيوب بن الصَّموت الرَّقِّي، نزيل مصر، روى عن هلال ابن
العلاء وطائفة.
وفيها محمد بن حميد أبو الطيّب الحوراني، روى عن عبّاد بن
(2/62)
الوليد، وأحمد بن منصور الرَّمادي، ومات في
عشر المئة.
وفيها محمد بن النَّضر، أبو الحسن بن الأخرم الرَّبعي، قارئ أهل دمشق،
قرأ على هارون الأخفش وغيره، وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق، لإتقانه
ومعرفته.
سنة اثنتين وأربعين وثلاثمئة
فيها رجع سيف الدولة من الروم مظفراً منصوراً، قد أسر قسطنطين بن
الدُّمستق، وكان بديع الحسن، فبقي عنده مكرماً حتى مات وفيها سار ابن
محتاج صاحب خراسان إلى الريّ، وجرت بينه وبين ركن الدولة بن بويه حروب،
ثم عاد إلى خراسان.
وفيها توفي العلامة أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الضبُّعي، شيخ
الشافعية بنيسابور، سمع بخراسان والعراق والحجاز والجبال، فأكثر. وبرع
في الحديث، وحدّث عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وأفتى نيّفاً وخمسين
سنة، وصنّف الكتف الكبار في الفقه والحديث.
قال محمد بن حمدون، صحبته عدة سنين، فما رأيته ترك قيام الليل. قال
الحاكم، وكان الضُّبعي، يضرب بعقله المثل وبرأيه، وما
(2/63)
رأيت في جميع مشايخنا، أحسن صلاةً منه،
وكان لا يدع أحداً يغتاب في مجلسه.
وفيها أحمد بن عبيد الله، أبو جعفر الأسدي الهمذاني الحافظ، روى عن ابن
ديزيل، وإبراهيم الحربي.
وفيها إبراهيم بن المولَّد، وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد الرقِّي،
الزاهد الواعظ شيخ الصوفية، أخذ عن الجنيد وجماعة، وحدَّث عن عبد الله
ابن جابر المصيِّصي.
وفيها الحسن بن يعقوب، أبو الفضل البخاري العدل، بنيسابور، روى عن أبي
حاتم الرازي وطبقته، ورحل وأكثر.
وفيها أبو محمد عبد الله بن عمر بن شوذب، أبو محمد الواسطي المقرئ،
محدّث واسط، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن شعيب الصَّريفيني، ومحمد بن
عبد الملك الدَّقيقي، وكان من أعيان القرّاء.
وفيها عبد الرحمن بن حمدان، أبو محمد الهمذاني الجلاب، أحد أئمة السنة
بهمذان، رحل وطوّف وعني بالأثر، وروى عن أبي حاتم الرازي، وهلال بن
العلاء، وخلق كثير.
وفيها أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التَّنوخي القاضي، ولد
بأنطاكية، سنة ثمان وسبعين ومئتين، وقدم بغداد، فتفقه لأبي حنيفة، وسمع
(2/64)
في حدود الثلاثمئة، وولي قضاء الأهواز،
وكان من أذكياء العالم، راويةً للأشعار. وعارفاً بالكلام والنجوم، له
ديوان شعر، ويقال إنه حفظ ستمئة بيت في يوم وليلة.
وفيها الإمام أبو العباس القاسم بن القاسم بن مهدي المروزي السَّيّاري،
الزاهد المحدِّث، شيخ أهل مرو. ومن كلامه: الخطرة للأنبياء والوسوسة
للأولياء، والفكرة للعوام، والعزم للفتيان.
وكان أحمد بن سيّار الحافظ، جدّ هذا الإمام.
وفيها أبو الحسين الأسواري، محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني وأسوار من
قرى أصبهان سمع إبراهيم بن عبد الله القصّار، وأبا حاتم ورحل وجمع.
وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري، شيخ الصوفية
والمحدثين ببلده، طوّف وكتب بهراة ومرو، والرَّيّ، وجرجان، والعراق،
والحجاز، ومصر والشام والجزيرة. وصنّف الشيوخ والأبواب والزُّهديات،
توفي في ربيع الأول، سمع من محمد بن أيوب بن الضُّريس وطبقته.
سنة ثلاث وأربعين وثلاثمئة
فيها وقعة الحدث، وهو مصاف عظيم، جري بين سيف الدولة والدُّمستق، وكان
الدمستق لعنه الله، قد جمع خلائق من الترك والروس
(2/65)
والبلغار والخزر، فهزمه الله بحوله وقوته،
وقتل معظم بطارقته، وأسر صهره وعدة بطارقة، وقتل منهم خلق لا يحصون،
واستباح المسلمون ذلك الجمع، واستغنى خلقٌ.
وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدرة، أبو الحسن الأطرابلسي الحافظ،
روى عن العباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عيسى المدائني، وطبقتهما
بالشام وثغورها، وبالعراق واليمن، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون
سنة، وغير واحد يقول: إنه جاوز المائة، وثّقه الخطيب.
وفيها السُّتوري أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري، روى جزءاً
عن الحسن بن عرفة، يرويه محمد بن الروزبهان، شيخ أبي القاسم بن أبي
العلاء المصيِّصي عنه، وثّقه العتيقي.
وفيها شيخ الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد عقبة الشَّيباني، عن
نيِّف وتسعين سنة. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي، وجماعة.
قال ابن حماد الحافظ: كان شيخ المصر، والمنظور إليه، ومختار السلطان
والقضاة، صاحب جماعة وفقه وتلاوة، توفي في رمضان.
سنة أربع وأربعين وثلاثمئة
فيها أقبل أبو علي بن محتاج، صاحب خراسان، وحاصر الريّ،
(2/66)
فوقع بها وباء عظيم، فمات عليها ابن محتاج.
وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي، المقرئ بحرف
قالون، وله أربع وثمانون سنة.
فيها أحمد بن عيسى بن جمهور، أبو عيسى الخشاب ببغداد، روى أحاديث عن
عمر بن شبَّة، وبعضها غرائب، رواها عن ابن رزقويه، وعمّر مائة سنة.
وفيها أبو يعقوب الأوزاعي، إسحاق بن إبراهيم، ثقة عابد، صاحب حديث
ومعرفة. سمع أبا زرعة الدِّمشقي، ومقدام بن داود الرُّعيني وطبقتهما،
وكان مجاب الدعوة، كبير القدر، ببلد دمشق.
وفيها بكر بن محمد بن العلاء، العلامة أبو الفضل القشيري البصري
المالكي، صاحب التصانيف في الأصول والفروع، روى عن أبي مسلم الكجِّي،
ونزل مصر، وبها توفي في ربيع الأول.
وفيها أبو عمرو بن السمَّاك، عثمان بن أحمد البغدادي الدقّاق، مسند
بغداد، في ربيع الأول، وشيَّعة خلائق نحو الخمسين ألفاً، روى عن محمد
ابن عبيد الله بن المنادي، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما، وكان صاحب
حديث، كتب المصنَّفات الكبار بخطه.
(2/67)
وفيها ابو بكر بن الحداد المصري، شيخ
الشافعية، محمد بن أحمد ابن محمد بن جعفر، صاحب التصانيف، ولد يوم وفاة
المزني، وسمع من النَّسائي، وهو صاحب وجه في المذهب، وكان متبحِّراً في
الفقه، متفنَّناً في العلوم، معظماً في النفوس. ولي قضاء الإقليم، وعاش
ثمانين سنة.
وكان يصوم صوم داود، ويختم في اليوم والليلة، وكان جدا كله.
وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلاف، روى عن الكديمي وطائفة.
وحدّث بحلب ومصر.
وفيها الإمام محمد بن محمد بن يوسف أبو النَّصر الطوسي الشافعي، مفتي
خراسان، وكان أحد من عني أيضاً بالحديث، ورحل فيه. روى عن عثمان بن
سعيد الدارمي، وعلي بن عبد العزيز، وطبقتهما. وصنّف كتاباً على وضع
مسلم، وكان قد جزأ الليل: ثلثاً للتصنيف وثلثاً للتلاوة، وثلثاً للنوم.
قال الحاكم: كان إماماً بارع الأدب، ما رأيت أحسن صلاة منه، كان يصوم
النهار، ويقوم الليل، ويأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويتصدّق بما
فضل من قوته.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني الحافظ،
محدث نيسابور، صنّف المسند الكبير، وصنّف مستخرجاً على الصحيحين. وروى
عن أبي الحسن الهلالي، ويحيى الذُّهلي وطبقتهما، ومع براعته في الحديث
والعلل والرجال، لم يرحل من نيسابور، عاش أربعاً وتسعين سنة.
(2/68)
وفيها أبو زكريا العنبري يحيى بن محمد
النَّيسابوري العدل، الحافظ الأديب المفسّر. روى عن محمد بن إبراهيم
البوشنجي وطبقته، ولم يرحل، وعاش ستاً وسبعين سنة.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أبو زكريا يحفظ ما يعجز عنه، وما أعلم
أني رأيت مثله.
سنة خمس وأربعين وثلاثمئة
فيها غلبت الروم على طرسوس، وقتلوا وسبوا وأحرقوا قراها.
وفيها قصد روزبهان الدَّيلمي العراق، فالتقاه معزّ الدولة ومعه
الخليفة، فهزم جيشه، اسر روزبهان وقوّاده.
وفيها توفي العبَّاداني، أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب، روى ببغداد
عن الزَّعفراني، عليّ بن حرب، وعدّة. وعاش سبعاً وتسعين سنة وهو صدوق.
وفيها الإمام أبو بكر غلام السبّاك، وهو أحمد بن عثمان البغدادي، شيخ
الإقراء بدمشق، قرأ على الحسن بن الحباب صاحب البزّي، والحسن بن
الصوّاف شيخ الإقراء صاحب الدُّوري.
وفيها أبو القاسم، إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر بن
(2/69)
الجراب، وله ثلاث وثمانون سنة، روى عن موسى
بن سهل الوشّاء وطبقته، وسكن مصر.
وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي الدُّخمسيني، محدث مرو.
رحل وسمع أبا قلابة الرَّشي وطبقته، وكان فصيحاً أديباً أخباريا
نديماً، وقيسل بل توفي سنة ثمان وأربعين.
وفيها أبو علي بن أبي هريرة، شيخ الشافعية، واسمه حسن بن حسين
البغدادي، صاحب التصانيف، وصاحب ابن سريج، وهو صاحب وجهٍ في المذهب.
وفيها عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو السَّمرقندي وله خمس وتسعون
سنة، روى بمصر عن أحمد بن شبيب بن الرَّملي، وأبي أميّة الطَّرسوسي،
وطائفة.
وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة، الحافظ العلامة الجامع، أبو الحسن
القزويني القطّان، الذي روى عن ابن ماجة سننه. رحل إلى العراق واليمن،
وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته. وعاش إحدى وثمانين سنة قال الخليلي
فضائله أكثر من أن تعد سرد الصوم، وكان يفطر ثلاثين سنة على الخبز
والملح، وكّان جماعة من شيوخ قزوين، يقولون: لم ير أبو الحسن مثل نفسه،
في الفضل والزهد.
(2/70)
وفيها أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح
البغدادي البزّار، وله اثنتان وثمانون سنة، وكان يحفظ ويذاكر روى عن
أبي قلابة الرَّقاشي وعدّة.
وفيها أبو عمر الزاهد، غلام ثعلب، وصاحبه وهو محمد بن عبد الواحد
البغدادي اللغوي، قيل إنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه، وكان
ثقة، آية في الحفظ والذكاء، وقد روى عن موسى الوشّاء، وأحمد بن عبيد
الله النَّرسي وطائفة.
وفيها الوزير الماذرائي، أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب، وزر
لخمارويه صاحب مصر، وعاش نحو التسعين، واحترقت سماعاته، وسلم له جزءان،
سمعهما من العطاردي، وكان من صلحاء الكبراء، وأما معروفه، فإليه
المنتهى، حتى قيل إنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة. وأنفق في حجّة
حجّها، مائة ألف دينار، وبغ ارتفاع مغلّه بمصر، من أملاكه في العام،
أربعمائة ألف دينار، قاله المسبّحي.
وفيها مكرم بن أحمد، القاضي أبو بكر البغدادي البزار. سمع محمد ابن
عيسى المدايني، والدَّير عاقولي وجماعة، وثّقة الخطيب.
وفيها المسعودي المؤرخ، صاحب مروج الذهب في جمادى الآخرة. وهو علي بن
الحسين بن علي.
(2/71)
سنة ست وأربعين
وثلاثمئة
فيها قلّ المطر جدّا، ونقص البحر نحوا من ثمانين ذراعاً، وظهر فيه جبال
وجزائر وأشياء لم تعهد، وكان بالريّ، فيما نقل ابن الجوزي في منتظمه،
زلازل عظيمة، وخسف ببلد الطّالقان في ذي الحجة، ولم يفلت من أهلها، إلا
نحو من ثلاثين رجلاً، وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الريّ.
قال: وعلّقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم، ثم خسف بها.
قلت: إنما نقلت هذا ونحوه، للفرجة لا للتصديق والحجةّ، فان مثل هذا
الحادث الجليل، لا يكفي فيه خبر الواحد الصادق، فكيف وإسناد ذلك، معدوم
منقطع.
وفيها توفي أحمد بن مهران، أبو الحسن السِّيرافي المحدث بمصر، في
شعبان، روى عن الربيع بن سليمان المرادي، والقاضي بكّار وطائفة.
وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد، أبو جعفر الأصبهاني المسار، شيخ
أبي نعيم، في رمضان، روى عن أحمد بن عصام وجماعة. وفيها أحمد بن محمد
بن عبدوس أبو الحسن العنزي الطَّرائفي، في رمضان بنيسابور، روى عن
عثمان بن سعيد الدَّارمي وجماعة.
وفيها إبراهيم بن عثمان، أبو القاسم بن الوزّان القيرواني،
(2/72)
شيخ المغرب في النحو واللغة، يوم عاشوراء،
حفظ كتاب سيبويه، والمصنّف الغريب، وكتاب العين، وإصلاح المنطق، وأشياء
كثيرة.
وفيها محدث اسفرايين، أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن إسحاق
الاسفراييني. رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة، فسمع أبا مسلم الكجّي
وطبقته، توفي في شعبان.
وفيعا محدّث الأندلس، أبو عثمان سعيد بن فحلون، في رجب، وله أربع
وتسعون سنة، روى عن بقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضّاح، ولقي في الرحلة، أبا
عبد الرحمن النَّسائي، وهو آخر من روى عن يوسف المغامي، حمل عنه "
الواضحة " لابن حبيب.
وفيها محدّث أصبهان، عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، الرجل الصالح
أبو محمد، في شوال، وله ثمان وتسعون سنة، تفرّد بالرواية عن طائفة،
منهم: محمد بن عاصم الثَّقفي وسموية، وأحمد بن يوسف الضَّبَّي.
وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطَّستّي الوكيل ببغداد، في شعبان،
وله ثمانون سنة. روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأقرانه، وله جزء معروف.
وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى، عبد المؤمن بن خلف النَّسفي، وله سبع
وثمانون سنة، رحل وطوّف ووصل إلى اليمن، ولقي أبا حاتم الرّازي وطبقته،
وكان مفتياً ظاهرياً أثرياً، أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري، وفيه زهد
وتعبُّد.
(2/73)
وفيها أبو العباس المحبوبي، محمد بن أحمد
بن محبوب المروزي، محدّث مرو وشيخها ورئيسها، في رمضان، وله سبع وتسعون
سنة. روى جامع التِّرمذي عن مؤلفه، وروى عنسعيد بن مسعود، صاحب النَّضر
بن شميل وأمثاله.
وفيها أبو بكر بن داسة البصري التمار، محمد بن بكر بن محمد بن عبد
الرزاق، راوي السنن، عن أبي داود.
وفيها محدّث ما وراء النهر، أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة
البغدادي، نزيل سمرقند، في ذي الحجة، انتقى عليه أبو علي النيسابوري،
أربعين جزءاً. روى عن ابن أبي الدنيا، وأحمد بن عبد الله النَّرسي
والكبار، وكان كثير الأسفار للتجارة، ثقة ثبتاً رضىً.
وفيها محدث خراسان، ومسند العصر، أبو العباس الأصمَّ، محمد بن يعقوب بن
يوسف بن معقل بن سنان الأمويّ مولاهم، النيسابوري المعقلي المؤذِّن
الورّاق بنيسابور، في ربيع الآخر، وله مئة سنة إلا سنة، حدث له الصَّمم
بعد الرحلة، ثم استحكم به، وكان يحدّث من لفظه، حدّث في الإسلام نيّفا
وسبعين سنة. وأذن سبعين سنة بمسجده، وكان حسن الصوت حسن الأخلاق
كريماً، ينسخ بالأجرة، وعمّر دهراً، ورحل إليه خلق كثير.
(2/74)
قال الحاكم: ما رأيت الرحالة في بلد، أكثر
منهم إليه، رأيت جماعة من الأندلس، ومن أهل فارس على بابه.
قلت: سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة، وابن وهب، وكانت رحلته مع
والده، في سنة خمس وستين ومئتين، فغاب عن بلده خمس سنين، وسمع بأصبهان
والعراق ومصر والشام والحجاز والجزيرة.
وفيها مسند الأندلس، أبو الحزم وهب بن مسرَّة التميمي الفقيه، وكان
إماماً في مذهب مالك، محققاً له بصيراً بالحديث وعلله، مع زهد وورع.
روى الكثير عن محمد بن وضاح وجماعة، ومات في شعبان، في عشر التسعين.
سنة سبع وأربعين وثلاثمئة
فيها فتكت الروم لعنهم الله، ببلاد الإسلام، وعظمت المصيبة وقتلوا
خلائق، وأخذوا عدّة حصون بنواحي آمد، وميّافارقين، ثم وصلوا إلى
قنَّسرين، فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان، فعجز عنهم، وقتلوا معظم
رجاله، وأسروا أهله، ونجا هو في عدد يسير.
وفيها سار معز الدولة، واستولى على إقليم الجزيرة، وفرّ بين يديه
صاحبها ناصر الدولة، فقدم على أخيه بحلب، ملتجئاً إليه، وجرت لأمور
طويلة. ثم إن سيف الدولة، أرسل إلى معز الدولة يستعطفه، فعقد له على
الموصل، وذلك لأن ناصر الدولة، نكث بمعز الدولة مرّات، ومنعه الحمل
والخراج.
(2/75)
وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن حزلم، وهو
أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدّمشقي. روى عن بكّار بن قتيبة بن
بكّار القاضي، وطائفة. وناب في القضاء بلده، وهو آخر من كانت له حلقة
بجامع دمشق يدرِّس فيها مذهب الأوزاعي.
وفيها المحدّث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد، في صفر، عن بضع
وثمانين سنة. سمع أبا قلابة الرَّقاشي وطائفة.
وفيها أبو الحسن الشَّعراني، إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن
المسيّب النيسابوري، العابد الثقة. روى عن جدّ، ورحل وجمع وخرّج لنفسه.
وفيها حمزة بن محمد بن العباس، أبو أحمد العقبي الدُّهقان ببغداد، روى
عن العطاردي، ومحمد بن عيسى المدايني والكبار، وهو أكبر شيخ لعبد الله
بن بشران.
وفيها أبو محمد بن عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي، ببغداد
في صفر، وله تسع وثمانون سنة. روى ع ن يعقوب الفسوي تاريخه ومشيخته،
وقدم بغداد في صباه، فسمع من عباس الدُّوري وطبقته،
(2/76)
بعناية أبيه، ثم أقبل على العربيّة حتى برع
فيها، وصنّف التصانيف، ولم يضعّفه أحد بحجّة.
وفيها أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي
الدمشقي الأديب المحدث، سمع بكّار بن قتيبة، وأبا زرعة وخلقاً كثيراً،
وبلغ خمساً وتسعين سنة.
وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس
بن عبد الأعلى الصَّدفي المصري، صاحب تاريخ مصر، توفي في جمادى الآخرة،
وله ست وستون سنة، وأقدم شيوخه، أحمد بن حمّاد زغبه، وأقرانه.
وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوكبي الكاتب، أبو
الحسين، ببغداد، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن إبراهيم بن عبد الله
القصَّار، وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي.
وفيها محمد بن أحمد بن الحسن، أبو عبد الله الكسائي المقرئ بأصبهان.
روى عن عبد الله بن محمد بن النعمان وطبقته.
وفيها أبو الحسن، محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرّازي الحافظ،
والد الحافظ تمّام، سمع بخراسان والعراق والشام، وسكن دمشق، وصنّف
وجمع. وأقدم شيوخه، محمد بن أيوب بن الضُّريس.
(2/77)
وفيها أبو علي محمد بن القاسم بن معروف
التميمي الدمشقي الأخباري، قال الكتّاني: حدث عن أبي بكر أحمد بن علي
المروزي بأكثر كتبه، واتهم في ذلك، وقيل إن أكثرها إجازة، وكان صاحب
دنيا، يحب المحدّثين ويكرمهم، عاش أربعاً وستين سنة.
سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة
فيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين، وظفروا بسريَّة فأسروها،
وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان، ثم أغاروا على الرُّها
وحرّان، فقتلوا وسبوا، وأخذو حصن الهارونية وخرّبوه، وكرّوا على ديار
بكر.
وفي هذه المدة، عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرّض
الإسلام على الغزاة.
وفيها توفي النجَّاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن الفقه الحافظ،
شيخ الحنابلة بالعراق، وصاحب التصانيف والسُّنن، سمع أبا داود
السِّجستاني وطبقته، وكانت له حلقتان، حلقة للفتوى، وحلقة للإمام، وكان
رأساً في الفقه، رأساً في الحديث.
(2/78)
قال أبو إسحاق الطبري: كان النجّاد يصوم
الدّهر، ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة، أكل تلك
اللُّقم، وتصدق بالرغيف توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة رحمه
الله تعالى.
وفيها الخلدي، أبو محمد بن جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخلدي
الخوّاص الزاهد، شيخ الصوفية ومحدّثهم، سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي
بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما، وصحب الجنيد، وأبا الحسين النُّوري،
وأبا العباس بن مسروق، وكان إليه المرجع في علم القوم، وتصانيفهم
وحكاياتهم وحجّ ستاً وخمسين حجّة، وعاش خمسة وتسعين عاماً، توفي في
رمضان.
وفيها عليّ بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدّث، أبو الحسن.
حدّث عن أبي عفّان، وإبراهيم بن عبد الله القصّار، وجماعة. وثّقة
الخطيب، ومات في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي، القارئ بالألحان، حدّث عن أحمد بن
عبيد بن ناصح، وجماعة. وقيل إنه خلط قبل موته.
سنة تسع وأربعين وثلاثمئة
وفيها أوقع نجا، غلام سيف الدولة بالروم، فقتل وسبا وأسر، وفرح
المسلمون.
(2/79)
وفيها تمت وقعة هائلة ببغداد، بين
السُّنَّة والرافضة وقويت الرافضة ببني هاشم، وبمعز الدَّولة، وعطّلت
الصلوات في الجوامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من
الهاشميين، فسكنت الفتنة.
وفيها حشد سيف الدَّولة، ودخل الروم، فأغار وقتل وسبي، فزحفت إليه جيوش
الروم فعجز عن لقائهم فكر في ثلاثمائة وذهبت خزانته، وقتل جماعة من
أمرائه، والله المستعان.
وفيها كان إسلام الترك، قال ابن الجوزي: أسلم من الترك مائتا ألف
خركاه.
وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي ببغداد، في ربيع
الآخر، وله أربع وتسعون سنة. روى عن العطاردي، وعباس الدُّوري،
والكبار.
وفيها أبو الفوارس الصابوني، بن محمد بن حسين ابن السِّندي، الثّقة
المعمَّر،، مسند ديار مصر، في شوال، وله مائة وخمس سنين. روى عن يونس
بن عبد الأعلى، والمزني والكبار. وآخر من روى عنه ابن نظيف.
وفيها العلامة أبو الوليد، حسّان بن محمد القرشي الأموي النَّيسابوري
الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج،، صنّف
(2/80)
التصانيف، وكان بصيراً بالحديث وعلله، خرّج
كتاباً على صحيح مسلم، ورى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، وهو
صاحب وجهٍ في المذهب.
وقال فيه الحاكم: هو إمام أهل الحديث بخراسان، أزهد من رأيت من العلماء
وأعبدهم، توفي في ربيع الأول، عن اثنتين وسبعين سنة.
وفيها أبو علي النيسابوري الحافظ الحسين بن علي بن يزيد النَّيسابوري،
أحد الأعلام، في جمادى الأولى، نيسابور وله اثنتان وسبعون سنة.
قال الحاكم: هو واحد عصره، في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة
والتصنيف، سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته. وفي الرحلة، من النسائي،
وأبي خليفة وطبقتهما، وكان في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه.
وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، أبو محمد العدل، وكان
إسحاق، ابن عم أبي القاسم البغوي، سمع أحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي
طالب، وطبقتهما. قال الدّارقطني: ليِّن.
وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم شيخ القرّاء بالعراق، وهو عبد الواحد ابن
عمر بن محمد البغدادي، صاحب التصانيف، وتلميذ ابن مجاهد. روى عن محمد
بن جعفر القتّات، وطائفة. ومات في شوال، عن سبعين سنة.
(2/81)
وفيها أبو أحمد العسّال القاضي، واسمه محمد
بن أحمد بن إبراهيم، قاضي أصبهان. سمع محمد بن أسد المديني، وأبا بكر
بن أبي عاصم، وطبقتهما. ورحل وجمع وصنّف، وكان من أئمة هذا الشأن.
قال أبو نعيم الحافظ: كان من كبار الحفاظ.
وقال ابن مندة: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسّال.
قلت: توفي في رمضان، وله نحو من ثمانين سنة، أو أكثر.
وفيها ابن علم الصفّار، أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي،
صاحب الجزء المشهور.
قال الخطيب: جميع ما عنده جزء، ولم أسمع أحداً يقول فيه. إلاّ خيراً.
قلت: سمع محمد بن إسحاق الصغّاني وغيره، ومات في شعبان، ويقال إنه جاوز
المائة.
سنة خمسين وثلاثمئة
فيها بنى معزّ الدولة ببغداد، دار السلطنة، في غاية الحسن والكبر، غرم
عليها ثلاثة عشر ألف ألف دينار وقد درست آثارها في حدود الستمئة، وبقي
مكانها دحلة، يأوي إليها الوحش، وبعض أساسها موجود، فإنه حفر لها في
الأساسات نيّفا وثلاثين ذراعاً.
(2/82)
وفيها تمت أخلوقة قبيحة، وهي أن أبا العباس
عبد الله بن أبي الشوارب ولي قضاء القضاة، وركب بالخلع الحرير
المحترمة، من دار معز الدَّولة بالدبادب والبوقات، وفي خدمته الأمراء،
وشرط على نفسه بمكتوب أن يحمل في العام مائتي ألف درهم، إلى خزانة
الدولة، وتألّم المطيع، وأبى أن لا يدخل عليه، وامتنع من تقليده، وضمّن
آخر الحسبة، وآخر الشرطة.
وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري
التاجر، سمع أبا عيسى المروزي، وأبا حاتم الرازي، وطبقتهما.
قال الحاكم: كان من المجتهدين في العبادة، ولو اقتصر على سماعه الصحيح،
لكان أولى به، لكنه حدّث عن جماعة، أشهد بالله، أنه لم يسمع منهم.
وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ
محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون، ولي قضاء الكوفة، وحدّث عن
محمد بن سعد العوفي، وطائفة. وعاش تسعين سنة، توفي في المحرم.
قال الدارقطني: ربما حدّث من حفظه، بما ليس في كتابه، أهلكه العجب،
وكان يختار لنفسه، ولا يقلّد أحداً.
وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله.
(2/83)
وفيها أبو سهل القطّان، أحمد بن محمد بن
عبد الله بن زياد البغدادي، المحدّث الأخباري الأديب، مسند وقته. روى
عن العطاردي، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وخلق. وفيه تشيُّع قليل،
وكان يديم التهجّد والتلاوة والتعبُّد، وكان كثير الدعابة.
قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق، توفي في شعبان، وله إحدى
وتسعون سنة.
وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي، الأديب
الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الحارث بن أبي أسامة، وطائفة وكان
يرتجل الخطب، ولا يتقدّمه فيها أحد.
وفيها أبو علي الطبري، الحسن بن القاسم، شيخ الشافعية ببغداد، درّس
الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وصنّف التصانيف، كالمحرر،
والإفصاح، والعدّة، وهو صاحب وجه.
وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور أبي جعفر، في صفر،
وله سبع وثمانون سنة، وهو ذو قعدد في النسب في طبقة الواثق. روى عن
العطاردي، وابن أبي الدنيا.
وفيها توفي خليفة الأندلس، وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء
(2/84)
الأندلس، الناصر لدين الله، أبو المطرِّف
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأموي المرواني، وكانت دولته خمسين
سنة، وقام بعده ولده المستنصر بالله، وكان كبير القدر كثير المحاسن،
أنشأ مدينة الزهراء، وهي عديمة النظير في الحسن، غرم عليها من الأموال
ما لا يحصى، ولما بلغه ضعف أحوال الخلافة بالعراق، ورأى أنه أمكن منهم،
وأولى تلقّب بذلك.
وفيها القاضي أبو السائب، عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي،
تزهَّد أولاً، وصحب الكبار، ولقي الجنيد، ثم كتب الفقه والحديث
والتفسير، وتوصَّل، وولي قضاء أذربيجان، ثم قضاء همذان، ثم سكن بغداد،
ونوّه باسمه، إلى أن ولي قضاء القضاة، فكان أوّل من ولي قضاء القضاة من
الشافعية.
وفيها فاتك المجنون، أبو شجاع الرومي، الإخشيذي، رفيق الأستاذ كافور،
أجلّ أمراء الدولة، وكان كافور يخافه ويداريه، وقد مدحه المتنبي، فوصله
فاتك بألف دينار.
وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البغدادي الدِّهقان
الفقيه المحدّث، في رجب، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن أبي
طالب، وابن أبي الدنيا والكبار، واستوطن بخارى، وصار شيخ تلك الناحية.
(2/85)
|