العبر في خبر من غبر، من سنة 371 إلى 380
سنة إحدى وسبعين
وثلاثمئة
فيها توفي الإسماعيلي، الإمام الحبر الجامع، أبو بكر أحمد بن إبراهيم
بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه الشافعي، ذو التصانيف الكبار، في
الحديث وفي الفقه، بجرجان، في غرّة رجب، وله أربع وتسعون سنة، أوّل
سماعه في سنة تسع وثمانين، ورحل في سنة أربع وتسعين ومئتين، إلى الحسن
بن سفيان، ثم خرج إلى العراق، سنة ست وتسعين، وسمع من يوسف بن يعقوب
القاضي، إبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما. وكان ثقة حجة كثير العلم.
والمطَّوعي، أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العبَّاداني المقرئ،
نزيل إصطخر، أسند من في الدنيا في القراءات، قرأ القراءات على أصحاب
الدُّوري، وخلف، وابن ذكوان والبزِّي، وحدّث عن أبي خليفة، والحسن بن
المثنّى، ضعّفه ابن مردويه. وقال أبو نعيم، ليس به بأس في روايته.
قلت: عاش مئة سنة وسنتين، قال الخزاعي: كان أبو سعيد، واعظاً محدّثاً.
والزيدي، عبد الله بن إبراهيم بن جعفر، أبو الحسين البغدادي البزار، في
ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن الحسن بن علوية القطّان،
والفريابي وطائفة.
(2/137)
وابن التبّان، شيخ المالكية بالمغرب، أبو
محمد عبد الله بن إسحاق القيرواني. قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط
الإبل من الأمصار، وكان عابداً، بعيداً من التصنُّع والرّياء، فصيحاً.
وأبو زيد المروزي الإمام، الشافعي، محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد،
حدّث بالعراق ودمشق ومكة. وروى الصحيح عن الفربري، ومات بمرو، في رجب،
وله سبعون سنة.
قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظراً، وأزهدهم
في الدنيا. قال أبو إسحاق الشيرازي: هو صاحب أبي إسحاق المروزي، أخذ
عنه أبو بكر القفال المروزي، وفقهاء مرو.
ومحمد بن خفيف الزاهد، أبو عبد الله الشّيرازي، شيخ إقليم فارس، وصاحب
الأحوال والمقامات، روى عن حمّاد بن مدرك وجماعة.
قال السُّلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم
منه سنّاً، ولا أتم حالاً، متمسك بالكتاب والسنّة، فقيه على مذهب
الشافعي، كان من أولاد الأمراء فتزهّد، توفي في ثالث رمضان، عن خمس
وتسعين سنة، وقيل عاش مائة سنة وأربع سنين.
سنة اثنتين وسبعين وثلاثمئة
فيها أدير المارستان العضدي، الذي أنشأه السلطان عضد الدولة ببغداد،
وأنفق عليه أموالاً لا تحصى.
(2/138)
وفي شوال، مات عضد الدولة فنّاخسرو بن
الملك ركن الدولة الحسن ابن بويه، ولي سلطنة بلاد فارس، بعد عمه عماد
الدولة عليّ، ثم حارب ابن عمه عزّ الدولة، واستولى على العراق أيضاً
وعلى الجزيرة، ودانت له الأمم، وهو من خوطب شاهنشاه في الإسلام، وكان
أديباً مشاركاً في فنون من العلم، وله صنف أبو علي " الإيضاح " و "
التكملة ". وقصده الشعراء من البلاد، كالمتنبي، وأبي الحسن السُّلامي،
ومات بعلّة الصرع، في شوال ببغداد، وله ثمان وأربعون سنة، دفنوه بمشهد
عليّ رضي الله عنه، وكان شيعيّاً غالياً، وهو الذي أظهر قبر عليّ
بزعمه، وبنى عليه المشهد، وكان شهماً مطاعاً سجاعاً حازماً ذكيا،
متيقظاً مهيباً، سفاكاً للدماء، له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد
القاصية، وليس في بني بويه مثله، وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام،
فإذا هو ثلاثمئة ألف ألف، وعشرون ألف ألف درهم، وجددّ مكوسا ومظالم،
ولما نزل به الموت، كان يقول: ما أعنى عنّي ماليه هلك عنّي سلطانيه.
والنَّصروي، أبو منصور العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه بضاد معجمة
مسند هراة، روى عن أحمد بن نجدة ومحمد بن عبد
(2/139)
الرحمن السَّامي، وطائفة، وثّقة الخطيب،
ومات في شعبان.
والغزّي، أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف، الذي يروي الموطأ عن الحسن
بن الفرج الغزي، صاحب يحيى بن بكير، ورّخه أبو القاسم بن منده.
وابن بخيت العدل، أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري
الدقّاق ببغداد، في ذي القعدة، روى عن خلف العكبري، والفريابي.
وابن خميرويه العدل، أبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه بن
سيّار الهروي، محدّث هراة، روى عن علي الحيكاني، وأحمد بن نجدة وجماعة.
سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة
في المحرم، أظهرت وفاة عضد الدولة، وكانت أخفيت، حتى أحضروا ولده صمصام
الدولة فجلس للعزاء، ولطموا عليه أياماً في الأسواق، وجاء الطائع إلى
صمصام الدولة فعزّاه، ثم ولاه الملك، وعقد له لواءين، ولقبه شمس
الدولة، وبعد أيام، جاء الخبر بموت مؤيّد الدولة أخو عضد الدولة
بجرجان، وولي مملكته، أخوه فخر الدولة، الذي وزر له إسماعيل بن عبّاد.
وفيها كان القحط العظيم ببغداد، وبلغ حساب الغرارة.
(2/140)
أربعمئة وفيها توفي أبو بكر الشَّذائي،
أحمد بن نصر البصري المقرئ، أحد القرّاء الكبار، تلا على عمر بن محمد
الكاغدي، وابن شنَّبوذ، وجماعة وتصدّر وأقرأ.
وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل، المعروف
بالقصّار، نزيل نيسابور. روى عن عبد الله بن شيرويه والسرّاج، وغيره.
وكان ممن جاوز المائة.
وبلكِّين بن زيري بن مناد، الأمير أبو الفتوح الصَّنهاجي، نائب المعز
العبيدي على المغرب، وكان حسن السيرة، جيدّ السياسة، بقي على القيروان،
اثنتي عشرة سنة، وكانت له أربعمئة سريّة، يقال إنه ولد له في فرد يوم،
بضعة عشر ولداً ذكراً.
وأبو علي، الحسين بن محمد بن حبش الدِّينوري المقرئ، صاحب موسى ابن
جرير الرقّي.
وأبو عثمان المغربي، سعيد بن سالم الصوفي العارف، نزيل نيسابور.
قال السُّلمي: لم ير مثله في علو الحال، وصون الوقت.
وأبو محمد بن السقّا، الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي.
روى عن أبي خليفة، وعبدان، وطبقتهما. وما حدّث إلا من حفظه، توفي في
جمادى الآخرة، وكان من كبراء أهل واسط، وأولي الحشمة، رحل به أبوه.
(2/141)
وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان
الحربي، أخو محمد، وكانا توأمين، روى عن يوسف القاضي، وعاش نيِّفاً
وتسعين سنة، فاحتيج إليه، وكان جاهلاً.
قال البرقاني: أعطيته الكتاب ليحدثنا من لفظة، فلم يدر ما يقول. فقلت
له: سبحان الله، حدّثكم يوسف القاضي. فقال: سبحان الله، حدّثكم يوسف
القاضي.
قال الجوهري: سمعت منه في سنة ثلاث.
قلت: لم يؤرخه الخطيب ولا غيره.
والفضل بن جعفر، أبو القاسم التّميمي، المؤذِّن الرجل الصالح بدمشق،
وهو راوي نسخة أبي مسهر، عن عبد الرحمن بن القاسم الروّاس، وكان ثقة.
ومحمد بن حيويه بن المؤمّل بن أبي روضة، أبو بكر الكرخي النحوي بهمذان،
أحد المتروكين، ذكر أنّه بلغ مائة سنة واثنتي عشرة سنة وروى عن أسيد بن
عاصم، وإبراهيم بن ديزيل، وإسحاق بن إبراهيم الدَّبري.
ومحمد بن محمد بن يوسف بن مكي، أبو أحمد الجرجاني. روى عن البغوي
وطبقته. وحدّث بصحيح البخاري عن البغوي، وتنقّل في
(2/142)
النواحي. قال أبو نعيم: ضعّفوه، سمعت منه
الصحيح.
سنة أربع وسبعين وثلاثمئة
فيها توفي إسحاق بن سعد بن الحافظ الحسن بن سفيان، أبو يعقوب النَّسوي.
روى عن جدّه، وفي الرِّحلة عن محمد بن المجدّر وطبقتهما.
وعبد الرحمن بن محمد بن حيكا العلامة أبو سعيد الحنفي الحاكم بنيسابور،
في شعبان، وله اثنتان وتسعون سنة، روى عن أبي يعلى الموصلي،
والبغداديين، وولي قضاء ترمذ.
وابن نباتة، خطيب الخطباء، أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن
نباته الفارقي، مصنّف الخطب المشهورة، وليّ خطابة حلب لسيف الدولة فيما
قيل، ومات في الكهولة.
وعلي بن النعمان بن محمد، قاضي القضاة بالديار المصرية، ولي بعد أبيه،
وكان شيعيّاً غالياً، وشاعراً مجوداً.
وأبو الفتح الأزدي، الحافظ محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، نزيل
بغداد، صنّف في علوم الحديث، وفي الضعفاء، وحدّث عن أبي يعلى، ومحمد بن
جرير الطبريّ، وطبقتهما. ضعّفه البرقاني.
(2/143)
والرَّبعي، أبو بكر محمد بن سليمان الدمشقي
البندار، روى عن أحمد ابن عامر، ومحمد بن الفيض الغسّاني، وطبقتهما.
توفي في ذي الحجة.
سنة خمس وسبعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو زرعة، أحمد بن الحسين الرازي الصغير الحافظ، رحل وطوّف،
وجمع وصنّف، وسمع من أبي حامد بن بلال، والقاضي المحاملي، وطبقتهما.
قال الخطيب: كان حافظاً متقناً، جمع الأبواب والتراجم.
والبحيري، أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النّيسابوري، سمع ابن خزيمة،
ومحمد بن محمد الباغندي، وطبقتهما. واستملى عليه الحاكم.
وحسينك، الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد التّميمي النّيسابوري،
روى عن ابن خزيمة، والسرّاج، وعمر بن أبي غيلان، وعبد الله بن زيدان،
والكبار. وكان رئيساً محتشماً حجة، توفي في ربيع الآخر. قال الحاكم:
صحبته حضراً وسفراً، نحو ثلاثين سنة، فما رأيته ترك قيام الليل، وكان
يقرأ كل ليلة سبعاً، وأخرج مرّة عن نفسه عشرة إلى الغزو.
والعسكري، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقّاق.
(2/144)
روى عن محمد بن يحيى المروزي، ومحمد بن
عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما.
وأبو مسلم بن مهران، الحافظ العابد العارف، عبد الرحمن بن محمد ابن عبد
الله بن مهران البغدادي، روى عن البغوي، وأبي عروبة وطبقتهما.
ورحل إلى خراسان والشام والجزيرة، ثم دخل بخارى وأقام بتلك الديار،
نحواً من ثلاثين سنة، وصنّف المسند، ثم نزهّد وانقبض عن الناس، وجاور
بمكة، وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدّثين ولا لغيرهم. قال ابن أبي
الفوارس: صنّف أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهداً، ما رأينا مثله.
والخرقي، أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي، روى عن أحمد ابن
الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدُّوري، وجماعة. وكان ثقةً.
والدّاركي أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الشافعي، نزيل نيسابور،
ثم بغداد. انتهى إليه معرفة المذهب، قال أبو حامد الاسفراييني: ما رأيت
أفقه منه. وقال ابن أبي الفوارس: كان يتهم بالاعتزال.
قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، تفقه على أبي إسحاق المروزي، وحدّث عن
جدّه لأمه الحسن بن محمد الدَّاركي ودارك من قرى أصبهان توفي في شوال
وهو في عشر الثَّمانين.
وأبو حفص بن الزّيات، عمر بن محمد بن علي البغدادي، قال ابن أبي
الفوارس: كان ثقةً متقناً، جمع أبواباً وشيوخاً.
(2/145)
وقال البرقاني: ثقة مصدّق.
قلت: روى عن إبراهيم بن شريك والفريابي، وطبقتهما. ومات في جمادى
الآخرة، وله تسع وثمانون سنة.
والأبهري، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التّميمي، شيخ
المالكية العراقيين، وصاحب التصانيف، توفي في شوال، وهو في عشر
السَّبعين، وسمع الكثير بالشام والعراق والجزيرة، وروى عن الباغندي،
وعبد الله ابن زيدان البجلي، وطبقتهما، وسئل أن يلي قضاء القضاة،
فامتنع.
والميانجي، القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي، المحدّث، نزيل
دمشق، ناب في القضاء مدة، عن قاضي قضاة بني عبيد، أبي الحسن عليّ بن
النعمان، وحدّث عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان، وطبقتهما. ورحل إلى الشام
والجزيرة وخراسان والعراق، وتوفي في شعبان، وقد قارب التسعين.
سنة ست وسبعين وثلاثمئة
شرعت دولة بني بويه تضعف، فمال العسكر عن صمصام الدَّولة، إلى أخيه شرف
الدولة، فذلّ الصمصام، وسافر إلي أخيه، راضياً بما يعامله به، فدخل
وقبّل الأرض مرات، فقال له شرف الدولة: كيف أنت، أوحشتنا. ثم اعتقله،
فوقع بين الدَّيلم وكانوا تسعة عشر ألفاً وبين
(2/146)
الترك وكانوا ثلاثة آلاف فالتقوا، فاننهزمت
الدَّيلم، وقتل منهم نحو ثلاثة آلاف، وحفّت الترك بشرف الدولة، وقدموا
به بغداد، فأتاه الطائع يهنئه ثم خفي خبر صمصام الدولة ثم أمسك وأكحل،
فلم تطل للشرف مدّة.
وفيها توفي أبو إسحاق المستملي، إبراهيم بن أحمد البلخي الحافظ، سمع
الكثير، وخرّج لنفسه معجماً، وحدّث بصحيح البخاري مراتٍ عن الفربري،
وكان ثقة صاحب حديث.
وأبو سعيد السمسار، الحسن بن جعفر بن الوضّاح البغدادي الحربي الخرقي،
حدّث عن محمد بن يحيى المروزي، وأبي شعيب الحرّاني، وطبقتهما.
قال العتيقي: فيه تساهل.
وأبو الحسن الجراحي، علي بن الحسن البغدادي، القاضي المحدّث.
روى عن حامد بن شعيب والباغندي. قال البرقاني: اتهم في روايته عن حامد.
وأبو الحسن البكّائي، علي بن عبد الرحمن الكوفي شيخ الكوفي روى عن
مطيّن، وأبي حصين الوادعي، وطائفة. وعاش أكثر من تسعين سنة.
وابن سبنك، أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي القاضي.
روى عن محمد بن حبّان، والباغندي، وجماعة. وعاش خمساً
(2/147)
وثمانين سنة.
وقسّام الحارثي، من أهل تلفيتا بجبل سنِّير، كان ترّاباً ثم تنقلت
الأحوال به، وصار مقدّم الأحداث والشباب بدمشق، وكثرت أعوانه حتى غلب
على دمشق حتى لم يبق للنائب معه أمر، فسار جيش من مصر، لقصده
ولمحاربته، فضعف أمر قسّام، واختفى، ثم استأمن فقيّدوه، وبعث إلى مصر
في هذا العام، فعفي عنه وخمل أمره.
وأبو عمر بن حمدان الجيري وهو، محمد بن أحمد بن حمدان بن علي
النيسابوري النحويّ، مسند خراسان، توفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون
سنة، سمع بنيسابور ولسا والموصل وجرجان وبغداد والبصرة. وروى عن الحسن
بن سفيان، وزكريا السّاجي، وعبدان، وخلائق.
وكان مقرئاً عارفاً بالعربية، له بصرٌ بالحديث، وقدم في العبادة، كان
المسجد فراشه ثلاثين سنة، ثم لما ضعف وعمي، حوّلوه.
وأبو بكر الرّازي، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان الصوفي
الواعظ، والد المحدّث أبي مسعود، أحمد بن محمد البجلي الرازي.
روى عن يوسف بن الحسين الرازي، وابن عقدة وطائفة، وهو صاحب مناكير
وغرايب، ولا سيّما في حكايات الصوفية.
(2/148)
سنة سبع وسبعين
وثلاثمئة
رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة، فمن ذلك، أنه ردّ على الشريف
أبي الحسن محمد بن عمر، جميع أملاكه، وكان مغلُّها في العام، ألفي ألف
وخمسمئة ألف درهم، وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف.
وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصريّ، روى عن
النّسائي مجلسين، وهو آخر من روى عنه.
وإسحاق بن المقتدر بالله، توفي في ذي القعدة، عن ستين سنة، وصلّى عليه
ولده القادر بالله، الذي ولي الخلافة بعد الطائع.
وأمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي،
حفظت القرآن والفقه والنحو والفرائض والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعي،
وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.
وأبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي، صاحب التصانيف،
ببغداد في ربيع الأول، وله تسع وثمانون سنة، وكان متّ؟ هماً بالاعتزال،
وقد فضّله بعضهم على المبرّد، وكان عدّيم المثل.
وابن لولو الورّاق، أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثّقفي
(2/149)
البغدادي الشِّيعي. روى عن علي بن إبراهيم
بن شريك، وحمزة الكاتب، والفريابي وطبقتهم. توفي في المحرم، وله ست
وتسعون سنة، وكان ثقة، يحدّث بالأجرة.
وأبو الحسن الأنطاكي، علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي،
قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي بالروايات، ودخل الأندلس، ونشر
بها العلم. قال ابن الفرضي: أدخل الأندلس علماً جمّاً. وكان رأساً في
القراءات، لا يتقدّمه فيها أحد، مات بقرطبة، في ربيع الأول، وله ثمان
وسبعون سنة.
ومن طبقته: ابو طاهر الأنطاكي، محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقق،
قال أبو عمرو الداني، هو أجل أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي،
وأضبطهم. روى عنه القراءة، جماعة من نظرائه، كابن غلبون، توفي قبل
الثمانين بيسير.
والغطريفي، أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السريّ بن
الغطريف الجرجاني الرِّباطي الحافظ، توفي في رجب عن سنّ عالية روى عن
أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة وطبقتهم. وكان صوّاماً
متقناً، صنَّف المسند الصحيح، وغيره ذلك.
ومحمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل
الكوفة، روى عن عبد الله بن ناجية، وحامد بن شعيب.
(2/150)
سنة ثمان وسبعين
وثلاثمئة
فيها أمر الملك شرف الدولة، برصد الكواكب، كما فعل المأمون، وبنى لها
هيكلاً بدار السلطنة.
وفيها توفي بشر بن محمد بن ياسين القاضي، ابو القاسم الباهلي
النيسابوري، توفي في رمضان، وقد جلس وأملى عن السرّاج، وابن خزيمة.
وتبوك بن الحسن بن الوليد، أبو بكر الكلابي المعدَّل، أخو عبد الوهاب،
روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقته.
والخليل بن أحمد بن محمد، أبو سعيد السِّجزي، القاضي الفقيه الحنفي
الواعظ، قاضي سمرقند، وبها مات، عن تسع وثمانين سنة. روى عن السرّاج،
وأبي القاسم البغويّ، وخلق.
وأبو نصر السرّاج، عبد الله بن علي الطُّوسي الزاهد، شيخ الصوفية،
وصاحب كتاب " اللُّمع في التصوف "، روى عن جعفر الخلدي، وأبي بكر محمد
بن داود الدُّقّي توفي في رجب.
وابن الباجي، الحافظ المحقق، أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي
اللَّخمي الإشبيلي، سمع محمد بن عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز،
وطبقتهما.
ومات في رمضان، وله سبع وثمانون سنة.
قال ابن الفرضي: لم ألق أحداً فضِّله عليه في الضبط، رحلت إليه مرتين.
(2/151)
وأبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن مسرور
البلخي الحافظ، نزيل مصر، توفي في ذي الحجة، روى عن الحسين بن محمد
المطبقي، وأحمد بن سليمان بن زبّان الكندي، وطبقتهما.
وأبو بكر المفيد، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، بجرجرايا وكان يفهم
ويحفظ ويذاكر، وهو بيّن الضعف، روى عن أبي شعيب الحرّاني، وأقرانه،
وعاش أربعاً وتسعين سنة.
وأبو بكر الورّاق، محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملي، اعتنى
به أبوه، وأسمعه من الحسن بن الطيّب البلخي وعمر بن أبي غيلان وطبقتهما
وعاش خمساً وثمانين سنة وكان صاحب حديث.
ومحمد بن بشر، أبو سعيد البصري ثم النيسابوري الكرابيسي، المحدّث، رحل
وروى عن أبي لبيد السامي، وابن خزيمة، والبغوي، وكان ثقةً صالحاً.
ومحمد بن العباس بن محمد، أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي الضبِّي
الهروي، أحد الرؤساء الأجواد، وكانت أعشار غلاته، تبلغ ألف حمل، وقيل:
كان يقوم بخمسة آلاف بيت ويموِّنهم، وعرضت
(2/152)
عليه ولاياتٌ جليلة فامتنع، وكان ملك هراة
من تحت أوامره، سمّوه قميص، فمات شهيداً في صفر، وله أربع وثمانون سنة.
روى عن يحيى ابن صاعد، وأقرانه رحمه الله تعالى.
وابو بكر، محمد بن عبد الله بن الشخِّير الصيرفي، ببغداد. روى عن عبد
الله بن إسحاق المدايني، والباغندي، توفي في رجب، وله بضع وثمانون
سنةً.
وأبو أحمد، الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النَّيسابوري
الكرابيسي الحافظ، أحد أئمة الحديث، وصاحب التصانيف. روى عن ابن خزيمة،
والباغندي، ومحمد بن المجدَّر، وعبد الله بن زيدان البجلي، ومحمد ابن
الفيض الغسّاني، وطبقتهم.
وأكثر الترحال، وكتب مالا يوصف، قال الحاكم ابن البيِّع: أبو أحمد
الحافظ، إمام عصره في الصنعة، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون
سنة، صنّف على الصحيحين، وعلى التِّرمذي، وألّف كتاب " الكنى ": وكتاب
" العلل "، وكتاب " الشروط " و " المخرج " على كتاب المزني. وولي قضاء
الشّاش، ثم قضاء طوس، ثم قدم نيسابور، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة
والتصنيف، وكفَّ بصره قبل موته بسنتين رحمه الله تعالى.
وأبو القاسم بن الجلاّب، الفقيه المالكي، صاحب القاضي أبي بكر الأبهري
ألف كتاب " التفريع " وهو مشهور، وكتاب " مسائل الخلاف " وفي اسمه
أقوال.
(2/153)
سنة تسع وسبعين
وثلاثمئة
فيها وفي التي تليها، استفحل البلاء، وعظم الخطب ببغداد، بأمر
العيّارين، وصاروا حزبين، ووقعت بينهم حروب، واتصل القتال بين أهل
الكرخ وباب البصرة وقتل طائفة، ونهبت أموال الناس، وتواترت العملات،
وأحرق بعضهم دروب بعض، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري، سمع
محمد بن شاذل، والسرّاج، وجماعة. وهو صدوق، توفي في شعبان.
وشرف الدولة سلطان بغداد، ابن السلطان عضد الدولة الدَّيلمي، كان فيه
خير وقلّة ظلم، مرض بالاستقساء، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وعشرون
سنة، وتملّك بغداد سنتين وثمانية أشهر، وولي بعده أخوه أبو نصر.
ومحمد بن أحمد بن العباس، أبو جعفر الجوهري البغدادي، نقاش الفضّة، كان
من كبار المتكلِّمين، وهو عالم الأشعر ية في وقته، وعنه أخذ أبو علي بن
شاذان علم الكلام، توفي في المحرم، وله سبع وثمانون سنة، روى عن محمد
بن مسلم الباغندي وجماعة.
وأبو بكر الزبيدي، محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج
(2/154)
الأندلسي، شيخ العربية بالأندلس، وصاحب
التصانيف، ولي قضاء إشبيليّة وأدَّب المؤيَّد بالله، ولد المستنصر، أخذ
عن أبي علي القالي وغيره، ومات في جمادى الآخرة، عن ثلاث وستين سنة.
وأبو سليمان بن زبر، المحدّث الحافظ، محمد بن القاضي عبد الله ابن أحمد
بن ربيعة الرَّبعي الدمشقي الثقة، في جمادة الأولى. روى عن أبي القاسم
البغوي، وجماهر الزَّملكاني، ومحمد بن الربيع الجيزي، وخلق.
وصنّف التصانيف.
ومحمد بن المظفّر، الحافظ أبو الحسن البغدادي، وله ثلاث وتسعون سنة،
توفي في جمادى الأولى، وكان من أعيان الحفّاظ، سمع من أحمد بن الحسن
الصُّوفي، وعبد الله بن زيدان، ومحمد بن خزيم، وعليّ ابن أحمد علان،
وطبقتهم، بالعراق والجزيرة والشام ومصر، وكان يقول: عندي عن الباغندي
مائة ألف حديث.
ومحمد بن النضر، أبو الحسين الموصلي النحاس، الذي روى ببغداد، معجم أبي
يعلى عنه. قال البرقاني: واهٍ، لم يكن ثقة.
سنة ثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن مروان الضبِّي المرواني
النيسابوري، في شعبان، روى عن السرّاج، وابن خزيمة.
(2/155)
وابو العباس الصندوقي، أحمد بن محمد بن
أحمد النيسبوري، روى عن محمد بن شاذان، وابن خزيمة، وشاخ، وتفرّد
بالرواية عن بضعة عشر شيخاً.
وسهل بن أحمد الدِّيباجي، روى عن أبي خليفة وغيره، لكنه رافضيّ يكذب.
وطلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم الشاهد المعدَّل المقرئ، تلميذ ابن
مجاهد. روى عن عمر بن أبي غيلان وطبقته، لكنه معتزلي.
وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرِّج الأموي مولاهم
القرطبي الحافظ، محدّث الأندلس، رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي،
وخيثمة، وقاسم بن أصبغ وطبقتهم، وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس،
صنّف له عدة كتب، فولاه القضاء، توفي في رجب، وله ست وستون سنة. قال
الحميدي: فمن تصانيفه: " فقه الحسن البصري " في سبع مجلدات، و " فقه
الزُّهري " في أجزاء عديدة.
ويعقوب بن يوسف بن كلِّس، الوزير الكامل، أبو الفرج، وزير صاحب مصر
العزيز بالله، وكان يهودياً بغدادياً، عجباً في الدهاء والفطنة والمكر،
وكان يتوكّل للتجار بالرَّملة، فانكسر وهرب إلى مصر، فأسلم بها، واتصل
بالأستاذ كافور، ثم دخل المغرب، ونفق على المعز، وتقدم، ولم يزل في
ارتقاء إلى أن مات، وله اثنتان وستون سنة، وكان عظيم الهيبة، وافر
الحشمة، عالي الهمة. وكان معلومه على مخدومه في السنة، مائة ألف دينار،
وقيل: إنه خلّف أربعة آلاف مملوك، بيض وسود، ويقال إنه حسن إسلامه.
(2/156)
|