العبر في خبر من غبر، من سنة 381 إلى 390

سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة
تمّ فيها أمور هائلة، وكان أبو نصر الذي ولي مملكة بغداد، شاباً جريئاً، وكان الطائع لله ضعيفاً، ولاه السلطنة ولقَّبه بهاء الدَّولة، فلما كان في شعبان، وأمر الخليفة الطائع، بحبس أبي الحسين بن المعلِّم، وكان من خواصّ بهاء الدولة أبي نصر، فعظم على بهاء الدولة ذلك، ثم دخل على الطائع للخدمة، فلما قرب، قبّل الأرض وجلس على كرسي، وتقدّم أصحابه، فشحطوا الطائع بحمائل سيفه من السرير، ولفّوه في كيس، وأخذ إلى دار السلطنة، فاختبطت بغداد، وظنّ الأجناد، أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع، فوقعوا في النهب، ثم إن بهاء الدولة، أمر بالنداء بخلافة القادر بالله، وأكره الطائع على خلع نفسه، وعمل ما في دار الخلافة، حتى الرخام والأبواب، ثم أبيحت للرعاع، فقلعوا الشبابيك، وأقبل القادر بالله، أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله، وله يومئذ أربع وأربعون سنة، وكان أبيض، كثّ اللحية، كثير التهجّد والخير والبر، صاحب سنّة وجماعة.
وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران، الأستاذ أبو بكر الأصبهاني ثم النيسابوري المقرئ، العبد الصالح، مصنّف كتاب " الغاية في

(2/157)


القراءات " قرأ بدمشق، على أبي النَّضر الأخرم، وببغداد على النقاش، وأبي الحسين بن ثوبان، وطائفة. وسمع من السرّاج، وابن خزيمة، وطبقتهما. قال الحاكم، كان إمام عصره في القراءات، وأعبد ن رأينا من القرّاء، وكان مجاب الدعوة، توفي في شوال، وله ست وثمانون سنة، وله كتاب " الشامل " في القراءات، كبير.
وجوهر القائد، أبو الحسن الرّومي، مولى المعزّ بالله وأتابك جيشه، وظهيره ومؤيد دولته، وموطئ الممالك له، وكان عاقلاً سائساً، حسن السيرة في الرعية، على دين مواليه، ولم يزل عالي الرتبة، نافذ الكلمة، إلى أن مات.
وسعد الدولة، أبو العباس شريف بن سيف الدولة عليّ بن عبد الله بن حمدان التغلبيّ، صاحب حلب، توفي في رمضان، وقد نيّف على الأربعين، وولي بعده ابنه سعد، فلما مات ابنه، انقرض ملك سيف الدولة، من ذريته.
وعبد الله بن أحمد بن حمَّويه بن يوسف بن أعين، أبو محمد السَّرخسي، المحدّث الثقة، روى عن الفربري، " صحيح البخاري "، وروى عن عيسى بن عمير السَّمرقندي " كتاب الدارمي "، وروى عن إبراهيم ابن خزيم " مسند عبد بن حميد " و " تفسيره "، توفي ذي الحجة، وله ثمان وثمانون سنة.
والجوهري، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله المصري، الفقيه

(2/158)


المالكي، الذي صنّف " مسند الموطَّأ " توفي في رمضان.
وأبو عدي، عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري، المقرئ الحاذق، المعروف بابن الإمام، قرأ على أبي بكر بن سيف، صاحب أبي يعقوب الأزرق، وكان محققاً ضابطاً لقراءاة ورش، توفي في ربيع الأول، وقد حدّث عن محمد بن زبّان، وابن قديد.
وأبو محمد بن معروف، قاضي القضاة، عبيد الله بن أحمد بن معروف البغدادي، قال الخطيب: كان من أجواد الرجال وألبّائهم مع تجربة وحنكة، وفطنة وعزيمة ماضية، وكان يجمع وسامةً في منظره، وظرفاً في ملبسه، وطلاقة في مجلسه، وبلاغة في خطابه، ونهضةً بأعباء الأحكام، وهيبة في القلوب. وقال العتيقي: كان مجرداً في الاعتزال.
قلت: ولد سنة ست وثلاثمئة، وسمع من يحيى بن صاعد، وأبي حامد الحضرمي، وجماعة. وتوفي في صفر.
وأبو الفضل الزُّهري، عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العوفي البغدادي، سمع إبراهيم بن سريك الأسدي، وجعفر الفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني، وطائفة. ومات في أحد الربيعين، وله إحدى وتسعون سنة. قال عبد العزيز الأزجي: هو شيخ ثقة، مجاب الدعاء.
وأبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني الحافظ،

(2/159)


صاحب الرحلة الواسعة، توفي في شوال، عن ست وتسعين سنة، أول سماعه بعد الثلاثمئة، فأدرك محمد بن نصر المديني، ومحمد بن علي الفرقدي، صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي، ثم رحل، ولقي أبا يعلى، وعبدان، وطبقتهما. قال أبو نعيم الحافظ: محدّث كبير ثقة، صاحب مسانيد، سمع مالا يحصى كثرة.
وقاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي، صاحب التصانيف، وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك. سمع قاسم بن أصبغ، وجماعة. وولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمئة، وإلى أن مات. وكان المنصور بن أبي عامر، يعظمه ويجلسه معه.
وابن دوست العلاّف، أبو بكر محمد بن يوسف، ببغداد، روى عن البغوي، وجماعة.
سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة
كان أبو الحسن ابن المعلِّم الكوكبي، قد استولى على أمور السلطان بهاء الدَّولة كلها، فمنع الرافضة من عمل المأتم يوم عاشوراء، الذي كان يعمل من نحو ثلاثين سنة، وأسقط طائفة من كبار الشهود، الذين ولُّو بالشفاعات.
وفيها شغب الجند وعسكروا، وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلِّم، وصمّموا على ذلك، إلى أن قال له رسولهم: أيها الملك،

(2/160)


اختر بقاءه أبو بقاءك، فقبض حينئذ عليه وعلى أصحابه، فما زالوا به، حتى قتله رحمه الله.
وكان القحط شديداً في هذه الأعصر ببغداد.
وفيها توفي أبو أحمد العسكري، الحسن بن عبد الله بن سعيد، الأديب العلامة الأخباري، صاحب التصانيف، روى عن عبدان الأهوازي، وأبي القاسم البغوي، وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.
وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد النَّسائي، الفقيه الشافعي، الذي روى عن الحسن بن سفيان مسنده، وعن عبد الله بن شيرويه مسند إسحاق. قال الحاكم: كان شيخ العدالة والعلم بنسا، وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان، عاش بضعاً وتسعين سنة.
وأبو سعيد الرازي عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرّازي الصوفي، الرَّوي عن محمد بن أيوب بن الضريس، خرج في آخر عمره إلى بخارى، فتوّفي بها، وله أربع وتسعون سنة. قاله الحاكم، وقال: لم يزل كالرَّيحانة عند مشايخ التصوف ببلدنا.
قلت: ولم يذكر فيه جرحاً، ولا ابن عساكر.
وأبو عمر بن حيَّويه، المحدّث الحجة، محمد بن العباس بن محمد

(2/161)


ابن زكريا البغدادي الخزَّاز، في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة، روى عن الباغندي، وعبد الله بن إسحاق المدايني، وطبقتهما. قال الخطيب: ثقو: كتب طول عمره، وروى المصنّفات الكبار.
ومحمد بن محمد بن سمعان، أبو منصور النيسابوري المذكِّر، نزيل هراة، وشيخ أبي عمر المليحي، روى عن السرّاج، ومحمد بن أحمد بن عبد الجبار الريّاني.
سنة ثلاث وثمانين وثلاثمئة
فيها تزوج القادر بالله، بابنة السلطان بهاء الدولة.
وفيها أنشأ الوزير أبو نصر سابور، داراً بالكرخ، ووقفها على العلماء، ونقل إليها الكتب، وسمّاها: دار العلم.
وفيها توفي أبو بكر بن شاذان، والد أبي علي، وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزّار، المحدِّث المتقن، وكان يتَّجر في البزّر إلى مصر وغيرها، توفي في شوال، عن ست وثمانين سنة، روى عن البغوي، وطبقته.
وإسحاق بن حمشاد الزاهد الواعظ، شيخ الكراميّة ورأسهم بنيسابور. قال الحاكم: كان من العبّاد المجتهدين، يقال: أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف، ولم أر بنيسابور جمعاً مثل جنازته.

(2/162)


وجعفر بن عبد الله بن فناكي، أبو القاسم الرّازي، الرّاوي عن محمد بن هارون الرُّوياني مسنده.
وأبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد، أحد الأعلام واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم، رحل إلى الشام والعراق، وسمع أبا القاسم بن أبي العقب وإبراهيم بن علي الهجيمي وطبقتهما. قال ابن الفرضي: كان جليلاً زاهداً شجاعاً مجاهداً، ولاه المستنصر بالله القضاء، فاستعفاه فأعفاه، وكان فقيهاً صلباً ورعاً، وكانوا يشبهونه بسفيان الثَّوري في زمانه، سمعت عليه علماء كثير، وعاش ثلاثاً وستين سنة.
وعلي بن حسّان، أبو الحسن الجدلي الدممي - ودمما - قرية دون الفرات، روى عن مطيِّن، وبه ختم حديثه.
سنة أربع وثمانين وثلاثمئة
فيها اشتد البلاء بالعيّارين ببغداد، قووا على الدولة، وكان رأسهم عزيز البابصري، التفّ عليه خلق من المؤذين، وطالبوا بضرائب الأمتعة، وجبوا الأموال، فنهض السلطان، وتفرّغ لهم، فهربوا في الظاهر. ولم يحجّ أحد، إلاّ الرّكب المصري فقط.

(2/163)


وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصَّابي المشرك الحرّاني الأديب، صاحب الترسُّل، وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار، ألحّ عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع، وكان يصوم رمضان، ويحفظ القرآن، وله النظم والنثر والترسُّل الفحل، وما ملك عضد الدولة، همّ بقتله، لأجل المكاتبات الفجّة، التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه، إلى عضد الدولة، توفي في شوال، عن سبعين سنة.
وصالح الهمذاني بن أحمد، الحافظ أبو الفضل التَّميمي الأحنفي ابن السمسار، ويعرف أيضاً بابن الكوملاذ محدث همذان. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وطبقته، وهو الذي لما أملى الحديث، باع طاحوناً له، بسبعمائة دينار، ونثرها على المحدِّثين. قال شيرويه: كان ركناً من أركان الحديث، ديّنا ورعاً، لا يخاف في الله لومة لائم وله عدّة مصنفات توفي في شعبان، والدعاء عند قبره مستجاب، ولد سنة ثلاث وثلاثمئة.
والرُّمّاني، شيخ العربية، أبو الحسن علي بن عيسى النحوي، ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة، له قريب من مئة مصنف، أخذ عن ابن دريد، وأبي بكر بن السّراج، وكان متقناً في علوم كثيرة، من القرآن والفقه والنحو، والكلام على مذهب المعتزلة، والتفسير واللغة.
وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل، مسند أصبهان في عصره. روى عن إسحاق بن إبراهيم بن جميل،

(2/164)


ويحيى بن صاعد وطبقتهما.
ومحدّث الكوفة، أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي الحافظ، أدرك أصحاب أبي كريب، وأبي سعيد الأشجّ، وجمع وألف.
وأبو الحسن محمد بن أبي العباس، أحمد بن الفرات البغدادي، ابن الحافظ، سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته، وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال الخطيب: بلغني أنه كان عنده، عن عليّ بن محمد المصري وحده، ألف جزء، وأنه كتب مائة تفسير، ومائة تاريخ، وهو حجة ثقة.
وأبو الحسن الماسرجسي، شيخ الشافعية، محمد بن علي بن سهل النيسابوري، سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس. روى عن أبي حامد الشَّرقي وطبقته، ورحل بعد الثلاثين، وكتب الكثير بالحجاز والعراق ومصر. قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، صحب أبا إسحاق المروزي مدة، وصار ببغداد معيداً لأبي علي بن أبي هريرة وعاش ستّاً وسبعين سنة.
قلت: وعليه تفقّه القاضي أبو الطيّب الطبري، وهو صاحب وجهٍ في المذهب.
وأبو عبد الله المرزباني، محمد بن عمران البغدادي، الكاتب

(2/165)


الأخباري، العلامة المعتزلي، مات في شوال، وله ثمان وثمانون سنة، صنّف " أخبار المعتزلة " وغير ذلك،، حدّث عن البغوي وابن دريد.
والتَّنوخي، القاضي أبو علي الحسن بن علي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف، ولد بالبصرة، وسمع بها من أبي العباس الأثرم وطائفة، وببغداد من الصُّولي، وعاش سبعاً وخمسين سنة.
سنة خمس وثمانين وثلثمائة
فيها توفي أبو بكر بن المهندس، أحمد بن محمد بن إسماعيل، محدّث ديار مصر، وكان ثقة تقياً. روى عن البغوي، ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتهما.
والصاحب أبو القاسم، إسماعيل بن عبّاد بن العباس، وزير مؤيّد الدولة ابن بويه بن ركن الدولة، وفخر الدولة. صحب الوزير أبا الفضل بن العميد، وأخذ ونبلا، وسخاء وحشمة، وأفضالاً وعدلاً، توفي بالريّ، ونقل ودفن بأصبهان.
وأبو الحسن الأذني القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدّث، نزيل مصر. روى الكثير عن ابن قيل، وأبي عروبة، ومحمد بن الفيض المشقي، وعلي الغضائري، توفي في ربيع الأول.

(2/166)


والدَّارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي، الحافظ المشهور، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. ذكره الحاكم فقال: صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القرّاء والنحاة، صادفته فوق ما وصف لي. وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال، مع الصدق وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم - سوى علم الحديث - منها: القراءات. وقد صنّف فيها مصنّفة ومنها، المعرفة بمذاهب الفقهاء. وبلغني أنه درس فقه الشافعي، على أبي سعيد الإصطخريّ. ومنها، المعرفة بالأدب والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة. وقال أبو ذرّ الهروي: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدَّارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟؟ وقال البرقاني: كان الدَّارقطني، يملي عليَّ العلل من حفظه. وقال القاضي أبو الطيّب الطبري الدارقطني، أمير المؤمنين في الحديث.
وأبو حفص ابن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان البغداديّ، الواعظ المفسّر الحافظ، صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم، توفي بعد الدَّارقطني بشهر، وكان أكبر من الدارقطني بتسع سنين، فسمع من الباغندي. ومحمد بن المجدَّر والكبار، ورحل إلى الشام والبصرة وفارس. قال أبو الحسين بن المهتدي بالله: قال لنا ابن شاهين: صنّفت ثلاثمئة وثلاثين مصنّفاً، منها: التفسير الكبير، ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء والتاريخ مائة

(2/167)


وخمسون جزءاً. قال ابن أبي الفوارس، ابن شاهين ثقة مأمون، جمع وصنّف ما لم يصنّفه أحد. وقال محمد بن عمر الداودي: كان ثقةً لحاناً، وكان لا يعرف الفقه، ويقول: أنا محمدي المذهب.
وأبو بكر الكسائي محمد بن إبراهيم النيسابوري الأديب، الذي روى صحيح مسلم، عن إبراهيم بن سفيان الفقيه، توفي ليلة عيد الفطر، ضعّفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله: من غير أصل.
وأبو الحسن بن سكرة، محمد بن عبد الله الهاشمي، العباسي، الأديب البغدادي، الشاعر المفلق، ولا سيّما في المجون والمزاح، وكان هو وابن الحجّاج يشبّهان في وقتهما، بجرير والفرزدق. ويقال إن ديوان ابن سكرة يزيد على خمسين ألف بيت.
وأبو بكر الأودني شيخ الشافعية ببخارى وما وراء النهر، محمد بن عبد الله بن محمد بن نصير - وأودن: بضم الهمزة وقيل بفتحها، ومن قرى بخارى - وكان علامة زاهداً، ورعاً خاشعاً، بكاء متواضعاً، ومن غرايب وجوهه في المذهب: أن الربا حرام في كل شيء، فلا يجوز بيع شيء بجنسه متفاضلاً، روى عن الهيثم بن كليب الشّاشي وطائفة، ومات في ربيع الآخر، وقد دخل في سن الشيخوخة، والمستغفري من تلامذته.

(2/168)


وأبو الفتح القوَّاس، يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد، المجاب الدعوة، في ربيع الآخرة، وله خمس وثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. قال البرقاني: كان من الأبدال.
سنة ست وثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو حامد النعيمي، أحمد بن عبد الله بن نعيم السَّرخسي، نزيل هراة، في ربيع الأول، روى الصحيح عن الفربري، وسمع من الدَّغولي وجماعة.
وأبو أحمد السامرِّي، عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي المقرئ، شيخ الإقراء بالديار المصرية، في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة.
قرأ القر آن في الصّغر، فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني، وأبي عمران الرقّي، وابن شنَّبوذ، وابن مجاهد. وحدّث عن أبي العلاء محمد بن أحمد الوكيعي، فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقبه وقال: لا أسلّم على من يكذب في الحديث، وفي " العنوان " أن السامرِّي، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي، وهذا الوهم من صاحب العنوان، لأن محمد بن يحيى، توفي قبل مولد السامرِّي بخمس عشرة سنة، أو هو محمد بن السامرّي، ويدلّ عليه قول محمد بن الصوري: قد ذكر أبو أحمد، أنه قرأ على الكسائي الصغير، فكتب في ذلك إلى بغداد، يسأل عن وفاة الكسائي، فكان الأمر من ذلك بعيداً.
قلت: ثم إن أبا أحمد، أمسك عن هذا القول. وروى عن ابن مجاهد، عن الكسائي قلت وثقه أبو عمر الداني وأقره الحافظ محمد بن الجزري كما قاله

(2/169)


في النشر.
وعبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو أحمد الأصبهاني. روى مسند أحمد بن منيع، عن جدّه، ومات في شعبان.
والحربي: أبو الحسن علي بن عمر الحميري البغدادي، ويعرف أيضاً بالسكرى وبالصيرفي والكيّال. روى عن أحمد بن الحسن الصوفي، وعباد بن علي السِّريني، والباغندي وطبقتهم، ولد سنة ست وتسعين ومئتين، وسمع سنة ثلاث وثلاثمئة، باعتناء أخيه، وتوفي في شوال.
وأبو عبد الله الختن الشافعي، محمد بن الحسن الإستراباذي، ختن أبي بكر الإسماعيلي، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنّفات، عاش خمساً وسبعين سنة، وكان أديباً بارعاً مفسراً مناظراً. روى عن أبي نعيم عبد الملك ابن عديّ الجرجاني، توفي يوم عرفة.
وأبو طالب، صاحب " القوت "، محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي، ثم المكّي، نشأ بمكة، وتزهد وسلك، ولقي الصوفية، وصنّف ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم، البصري، شيخ السالمية. روى عن عليّ بن أحمد المصيِّصي، وغيره.
والعزيز بالله، أبو منصور نزار بن المعزّ بالله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي العبيدي الباطني، صاحب مصر والمغرب والشام، ولي الأمر بعد أبيه، وعاش اثنتين وأربعين سنة، وكان شجاعاً جواداً

(2/170)


حليماً، قريباً من الناس، لا يحبّ سفك الدّماء، له أدب وشعر، وكان مغرى بالصيد، وقام بعده ابنه الحاكم.
سنة سبع وثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو القاسم بن الثلاّج، عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد، في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطائفة، واتُّهم بالوضع.
وأبو القاسم، عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزار، ويعرف بابن أبي غالب، روى عن محمد بن محمد الباهلي، وعلي ابن أحمد بن علان، وطائفة. وكان من كبراء المصريين ومتموِّليهم.
وابن بطّة، الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري، الفقيه الحنبلي العبد الصالح، في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة. وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف، من قبل حفظه. روى عن البغوي، وأبي ذرّ بن الباغندي، وخلق. وصنّف كتاباً كبيراً في السنة. قال العتيقي: كان مستجاب الدّعوة.
وابن مردك، أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البردعي البزاز، ببغداد، حدّث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. ووثّقه الخطيب، توفي في المحرم، وكان عبداً صالحاً.

(2/171)


وفخر الدولة علي بن أبي زكريا الحسن بن بويه الدَّيلمي سلطان الرّي وبلاد الجبل، وزر له الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وكان ملكاً شجاعاً مطاعاً، جمّاعاً للأموال، واسع الممالك، عاش ستّاً وأربعين سنة، وكانت أيامه أربع عشرة سنة، لقّبه الطائع: ملك الأمّة، وكان أجلّ من بقي من ملوك بني بويه، كان يقول: قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم، خمس عشرة سنة، خلّف من الذهب عيناً وأواني وحلية، قريباً من أربعة آلاف ألف دينار، ومن الذخائر والمتعة على هذا النحو، ولما مات، ضمّت الخزائن، واشتروا له ثوباً كفنوه فيه، من قيّم الجامع.
وأبو ذرّ عمّار بن محمد بن مخلد التميمي البغداديّ، نزيل بخارى، روى عن يحيى بن صاعد وطائفة، ومات في صفر، روى عنه عبد الواحد الزبيري، الذي عاش بعده، مئة وثمان سنين، وهذا معدوم النظير.
وأبو الحسين بن سمعون، الإمام القدوة الناطق بالحكمة، محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، صاحب الأحوال والمقامات. روى عن أبي بكر بن داود، وجماعة، وأملى عدّة مجالس، ولد سنة ثلاثمئة، ومات في نصف ذي القعدة، ولم يخلف ببغداد بعده مثله.
وأبو الطيّب السُّلمي، محمد بن الحسين الكوفي، سمع عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة، وكان ثقة.

(2/172)


وأبو الفضل الشَّيباني، محمد بن عبد الله الكوفي، حدّث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري، والكبار لكنه كان يضع الحديث للرافضة، فترك.
وأبو طاهر، محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلمي النيسابوري، روى الكثير عن جدّه، وأبي العباس السرّاج، وخلق. واختلط قبل موته بثلاثة أعوام، فتجنَّبوعه.
ومحمد بن المسيّب، الأمير أبو الذّواد العقيلي، من أجلاء أمراء العرب، تملكَّ الموصل، وغلب عليها، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وصاهر بني بويه، وتمَّلك بعده أخوه حسام الدولة مقلَّد بن المسيّب.
وأبو القاسم السرّاج، موسى بن عيسى البغدادي، وقد نيّف على التسعين. روى عن الباغندي وجماعة، وثّقه عبيد الله الأزهري.
ونوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن الملك إسماعيل الساماني، أبو القاسم، سلطان بخارى وسمرقند، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وولي بعده ابنه المنصور، ثم بعد عامين، توثّب عليه أخوه، عبد الملك بن نوح، الذي هزمه السلطان محمود بن سبكتين، وانقرضت الدولة السّامانيّة.
سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة
فيها توفي أبو بكر، أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج

(2/173)


الشّيرازيّ الحافظ، وكان من كبار المحدّثين، سأله حمزة السَّهمي، عن الجرح ولتعديل، وعمّر دهراً، روى عن الباغندي والبغوي والكبار. وأوّل سماعه، سنة أربع وثلاثمئة، توفي في صفر بالأهواز، وكان يقال له الباز الأبيض.
وأبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيَّرفي الحافظ، روى عن إسماعيل الصفار وطبقته. وكان عجباً في حفظ الحديث وسرده. روى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدُّمه، وتوفي في ربيع الآخر، عن إحدى وستين سنة، وكان ثقة، غمزه بعضهم.
وأبو سليمان الخطّابي، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطّاب البستي الفقيه الأديب، صاحب " معالم السنن " و " غريب الحديث " و " الغنية عن الكلام " و " شرح الأسماء الحسنى " وغير ذلك. رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وإسماعيل الصفّار والأصم، وطبقتهم، وسكن بنيسابور مدّة، توفي ببست في ربيع الآخر، وكان علامة محققاً.
وأبو الفضل الفامي، عبيد الله بن محمد النيسابوري. روى عن أبي العباس السرّاج وغيره.
وأبو العلا بن ماهان، عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري، راوي صحيح مسلم، عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر، سوى ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب، يرويها عن الجلوديّ.
وأبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري المقرئ

(2/174)


المجوّد القيِّم بقراءة ورش، توفي يوم عاشوراء، قر أعلى أصحاب إسماعيل النّحاس.
وأبو الفرج الشَّنَّبوذي، محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ، غلام ابن شنَّبوذ، قرأ عليه القراءات، وعلى ابن مجاهد وجماعة. واعتنى بهذا الشأن، وتصدّر للإقراء، وكان عارفاً بالتفسير، وكان يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن، تكلم فيه الدَّارقطني.
وأبو بكر الإشتيخني محمد بن أحمد بن متّ، الراوي صحيح البخاري، عن الفربري، توفي في رجب، بما وراء النهر.
وأبو علي الحاتمي، محمد بن الحسن بن مظفَّر البغدادي اللغويّ الكاتب، أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وكان بصيراً بالآداب.
وأبو بكر الجوزقي، محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدَّل، شيخ نيسابور ومحدّثها، مصنف الصحيح، روى عن السرّاج، وأبي حامد بن الشَّرقي وطبقتهما. ورحل إلى أبي العباس الدُّغولي، وإلى ابن الأعرابي، وإلى وإسماعيل الصفّار. قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءاً، ثم ظهر بعدها سماعه من السرّاج.
قلت: اعتنى به خاله أبو إسحاق المزكَّي، توفي في شوال، عن اثنتين وثمانين سنة.
وأبو بكر الأدفوي، محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسّر النحوي، وأدفو بقرب أسوان، وكان خشاباً، أخذ عن أبي جعفر

(2/175)


النّحاس فأكثر، وأتقن ورش، على أبي غانم المظفَّر بن أحمد، وألف " التفسير " في مائة وعشرين مجلداً، وكان شيخ الديار المصرية وعالمها، وكانت له حلقة كبيرة للعلم، توفي في ربيع الأول.
سنة تسع وثمانين وثلاثمئة
تمادت الرافضة في هذه الأعصر في غيِّهم، بعمل عاشوراء باللطم والعويل، وبنصب القباب والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير، فعمدت جاهلية السنة، وأحدثوا في مقابلة يوم عيد الغدير، يوم الغار، وجعوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجة، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، اختفيا حينئذ في الغار، وهذا جهل وغلط، فإن أيام الغار، إنما كانت بيقين، في شهر صفر، وفي أول ربيع الأول، وجعلوا بإزاء عاشوراء وبعده بثمانية أيام، يوم مصرع مصعب بن الزبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن، وبكوا عليه، ونظروه بالحسين، لكونه صبر وقاتل حتى قتل، ولأن أباه ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وحواريّة وفارس الإسلام، كما أن أبا الحسين، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وفارس الإسلام، فنعوذ بالله من الهوى والفتن. ودامت السُّنّة على هذا الشِّعار القبيح مدّة عشر سنين.
وفيها توفي أبو محمد المخلدي، الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن مخلد النيسابوري المحدِّث، شيخ العدالة، وبقيّة أهل البيوتات، في رجب، روى عن السرّاج، وزنجويه اللبّاد، وطبقتهما.
وأبو علي، زاهر بن أحمد السَّرخسي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة،

(2/176)


في ربيع الآخر، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي لبيد السامي، والبغويّ، وطبقتهما.
قال الحاكم: شيخ عصره بخراسان، وكان قد قرأ على ابن مجاهد وتفقّه وطبقتهما.
على أبي إسحاق المروزي، وتأدب على ابن الأنباري.
قلت: وأخذ علم الكلام عن الأشعريّ، وعمّر دهراً.
وأبو محمد بن عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، شيخ المغرب، وإليه انتهت رئاسة المذهب.
قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار، ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخّص المذهب، وملأ البلاد في تواليفه، حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره، وكان يسمى مالكاً الصغير. قال الحبّال: توفي للنصف في شعبان.
وأبو الطيّب بن غلبون، عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقري الشافعي، صاحب الكتب في القراءات، قرأ على جماعة كثيرة، وروى الحديث، وكان ثقة محققاً. بعيد الصّيت، توفي بمصر، في جمادى الأولى، وله ثمانون سنة، أخذ عنه خلق.
وأبو القاسم بن حبابة المحدّث، عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي المتُّوثي البذار، رواي الجعديات عن البغويّ، في ربيع الآخر.
وأبو الهيثم الكشميهني محمد بن مكّي المروزي، راوية البخاري،

(2/177)


عن الفربري، توفي عرفة، وكان ثقة.
وقاضي القضاة لصاحب مصر أبو عبد الله محمد بن النعمان بن محمد بن منصور الشِّيعي في الظاهر، الباطني فيما أحسب، ولد قاضي القوم، وأخو قاضيهم.
قال ابن زولاق: لم نشاهد بمصر لقاض من الرئاسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك من قاضٍ بالعراق، ووافق ذلك، استحقاقاً لما فيه من العلم والصيّانة، والهيبة وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته، حتى إن العزيز، أجلسه معه يوم الأضحى على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، ثم تعلّل وتنقرس، ومات في صفر، وله تسع وأربعون سنة، وولي القضاء بعده، ابن أخيه، الحسين بن علي، الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين.
سنة تسعين وثلاثمئة
فيها عظم أمر الشطار، وأتوا بيوت الناس نهاراً جهاراً، وواصلوا العملات، وقتلوا وبدّعوا، وأشرف الناس بهم على أمر عظيم، وقويت شوكتهم، وصار فيهم علويّون وعباسيون، حتى جاء عميد الجيوش وولاه بهاء الدولة تدبير العراق، فغرّق وقتّل وقلّ المفسد.
وفيها توفيت أمة السّلام، بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية وكانت ديّنة فاضلة. روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني وغيره.
وحنش بن محمد بن صمصامة القائد، أبو الفتح الكناني، ولي إمرة دمشق

(2/178)


ثلاث مرات لصاحب مصر وكان جباراً ظلوماً غشوماً سفاكاً للدماء، وكثر ابتهال أهل دمشق إلى دمشق في هلاكه، حتى هلك بالجذام في هذه السنة.
وأبو حفص الكتّاني بن إبراهيم البغدادي المقرئ صاحب ابن مجاهد، قرأ عليه، وسمع منه، كتابه في القراءات، وحدّث عن البغويّ وطائفة، توفي في رجب، وله تسعون سنة، وكان ثقة.
وابن أخي ميمي الدقّاق، أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. روى عن البغويّ وجماعة، وله أجزاء مشهورة، توفي في رجب..
وأبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسنيّ الزّيدي الكوفي، رئيس العلويّ بالعراق، ولد سنة عشرة وثلاثمئة، وروى عن هنّاد بن السريّ الصغير، صادرة عضد الدولة، وحبسه وأخذ أمواله، ثم أخرجه شرف الدولة لما تملّك، وعظم شأنه في دولته، فيقال إنه كان من أكثر العلويين مالاً، وقد أخذ منه عضد الدولة، ألف ألف دينار.
وأبو زرعة الكشِّي، محمد بن يوسف الجرجاني الحافظ - وكشّ قرية قريبة من جرجان - سمع إبراهيم بن عديّ، وأبي العباس الدَّغولي

(2/179)


وطبقتهما، بنيسابور وبغداد وهمذان والحجاز، وصنّف وحمع الأبواب والمشايخ، جاور بمكة سنوات، وبها توفي.
والمعافى بن زكريا، القاضي أبو الفرج النَّهرواني الجريري، ويعرف أيضاً بابن طرار تفقّه على مذهب محمد بن جرير الطبري، وسمع من البغويّ، وطبقته فأكثر، وجمع فأوعى، وبرع في عدّة علوم. قال الخطيب: كان من أعلم الناس في وقته، بالفقه والنحو واللغة وأصناف الآداب، ووليّ القضاء بباب الطَّاق، وبلغنا عن الفقيه أبي محمد البافي، أنه كان يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج، لوجب أن يدفع إليه. قال البرقاني: كان المعافى أعلم الناس، توفي المعافى بالنَّهروان، في ذي الحجة، وله خمس وثمانون سنة، وكان قانعاً باليسير متعفّفاً.