العبر في خبر من غبر، من سنة 391 إلى 400
سنة إحدى وتسعين
وثلاثمائة
فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي، أوب الحسن، نزيل
مصر، ثقة. يروي عن المحاملي، ومحمد بن مخلد، وجماعة. وكان صاحب حديث،
رحل إلى دمشق والرّقَّة.
وأحمد بن يوسف الخشّاب أبو بكر الثَّقفي، المؤذِّن بأصبهان. روى عن
الحسن بن دلويه، وجماعة كثيرة.
(2/180)
وجعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن
الفرات، أبو الفضل بن جنزابة البغدادي، وزير الديار المصرية، ابن وزير
المقتدر أبي الفتح، حدّث عن محمد بن هارون الحضرمي، والحسن بن محمد
الداركي وخلق. وكان صاحب حديث، ولد سنة ثمان وثلاثمئة، ومات في ربيع
الأول.
قال السلفي: كان ابن حنزابة من الحفاظ الثقات، يملي في حال وزارته، لا
يختار على العلم وصحبة أهله شيئاً، وقال غيره: كان له عبادة وتهّد،
وصداقات عظيمة إلى الغاية، توفي بمصر، ونقل فدفن في دار اشتراها من
الأشراف بالمدينة، من أقرب شيء إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابن الحجاج الأديب، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج البغدادي
الشِّيعي المحتسب، الشاعر المشهور، وديوانه في عدّة مجلدات في عصره،
أخذ عن القاضي بشر بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد
الدولة، فاشتغل بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة،
فاشتغل عليه فقهاء بغداد. قال أبو عبد الله الصيمري: ما رأيت فقيهاً
أنظر منه، ومن أبي حامد الإسفراييني الشافعي.
وأبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي،
الكاتب المنشئ، ولد سنة اثنتين وثلاثمئة، ومات في أول ربيع الأول.
(2/181)
قال ابن أبي الفوارس: كان بشيء من مذهب
الفلاسفة.
قلت: روى عن البغوي وطبقته، وله أمالٍ سمعت منها.
وحسام الدولة، مقلَّد بن رافع العقيلي، صاحب الموصل، تملَّكها بعد أخيه
أبي الذَّوّاد، في إحدى عشرة سنة، مدّة الأخوين، وقد بعث القادر بالله
إلى مقلَّد، خلع السلطنة، واستخدم هو ثلاثة آلاف من الترك والدَّيلم،
ودانت له عرب خفاجة، وله شعر، وهو رافضي، قتله غلام له، ورثاء الشريف
الرضيّ، وتملّك بعده ابنه، معتمد الدولة قرواش، خمسين سنة.
والمؤمَّل بن أحمد أبو القاسم الشيباني البزّاز، بغداديّ، ثقة، نزل
مصر، وحدّث عن البغوي، وابن صاعد، وجماعة، وعمّر دهراً.
سنة اثنتين وتسعين وثلاثمئة
فيها زاد أمر الشطَّار، وأخذوا الناس ببغداد، مهاراً جهاراً، وقتلوا
وبدّعوا، وواصلوا أخذ العملات، وكثروا، وصار فيهم هاشميّون، فسيَّر
بهاء الدولة - كان غائباً - عميد الجيوش، إلى العراق ليسوسها، فقطّع
وغرّق، ومنع السنَّة والشّيعة من إظهار مذهبهم، وقامت الهيبة.
وفيها توفي الحاجبي، أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشّاني
السمرقندي، سمع الصحيح من الفربري، ومات في هذه السنة، وقيل في التي
قبلها.
(2/182)
والضرّاب، أبو محمد الحسن بن إسماعيل
المصري المحدّث، راوي المجالسة عن الدِّينوريّ، توفي في ربيع الآخر،
وله تسع وسبعون سنة.
والأصيلي الفقيه، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي، أخذ عن وهب بن
أبي مسر ة، وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته، وبمكة عن الآجرِّي،
وببغداد عن أبي علي بن الصواف، وكان عالماً بالحديث، رأساً في الفقه.
قال الدارقطني: لم أر مثله. وقال غيره: كان نظير أبي محمد بن أبي زيد
بالقيروان، وكان على طريقته وهديه وكان علي السوري بقرطبة.
وعبد الرحمن بن أبي شريح، أبو محمد الأنصاري، محدث هراة، روى عن البغوي
والكبار، ورحل إليه الطلبة، وآخر من روى حديثه عالياً، أبو المنجَّا بن
اللتِّي، توفي في صفر.
وأبو الفتح عثمان بن جنّي الموصلي النحوي، صاحب التصانيف، وكان أبوه
مملوكاً رومياً، توفي في صفر، في عشر السبعين. قرأ على المتنبي ديوانه،
ولازم أبا عليّ الفارسي.
والوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي الحافظ، رحل بعد الستين
وثلاثمئة، وروى عن الحسن بن رشيق، وعلي بن الخصيب
(2/183)
وخلق. قال ابن الفرضي: كان إماماً في الفقه
والحديث، عالماً باللغة والعربية، لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ. وقال
غيره: له شعرٌ فائق، توفي بالدِّينور.
سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو جعفر، أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري - أبهر أصبهان -
سمع جزء لوين، من محمد بن إبراهيم الحزورَّي، سنة خمس وثلاثمئة، وكان
ديّناً فاضلاً.
وأبو إسحاق الطبري، إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدَّل،
أحد الرؤساء والعلماء ببغداد، قرأ القرآن على ابن ثوبان، وأبي عيسى
بكّار، وطبقتهما. وحدّث عن إسماعيل الصفّار، وطبقته. وكانت داره، مجمع
أهل القرآن والحديث، وإفضاله زائد على أهل العلم، وهو ثقة.
والجوهري، صاحب الصحاح، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد التركي اللُّغوي، أحد
أئمة اللسان، وكان في جودة الخط كابن مقلة ومهلهل، وأكثر التَّرحال، ثم
سكن نيسابور. قال القفطي: إنه مات متردِّياً من سطح داره بنيسابور في
هذا العام، قال: وقيل مات في حدود الأربعمائة، وقيل، إنه تسودن، وعمل
له شبه جناحين وقال: أريد أن أطير، وطفر، فأهلك نفسه، رحمه الله تعالى.
(2/184)
والطائع لله، أبو بكر عبد الكريم بن المطيع
لله الفضل بن المقتدر بالله بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي،
كانت دولته أربعاً وعشرين سنة، وكان مربوعاً أبيض أشقر كبير الأنف شديد
القوى، في خلقه حدّة خلع من الخلافة في شعبان، سنة إحدى وثمانين،
وبالقادر بالله، ولم يؤذره، بل بقى مكرماً محترماً في دارٍ عند القادر
بالله، إلى أن مات، ليلة عيد الفطر، وله ثلاث وسبعون سنة، وصلّى عليه
القادر بالله، وشيّعه الأكابر، ورثاه الشريف الرضيّ.
والمنصور الحاجب أبو عامر، محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني
المعافري الأندلسي، مدبّر دولة المؤيد بالله، هشام بن المستنصر بالله،
الحكم بن الناصر عبد الرحمن الأموي، لأن المؤيد، بايعوه بعد أبيه، وله
تسع سنين، وبقي صورة، وأبو عامر هو الكل، وكان حازماً بطلاً شجاعاً
غزّاء عادلاً سائساً، افتتح فتوحات كثيرة وأثر آثاراً حميدة، وكان لا
يمكّن المؤيد من الركوب، ولا من الاجتماع بأحد، إلا بجواريه.
والمخلِّص أبو طاهر، محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي ابن
الذَّهبي، مسند وقته، سمع أبا القاسم البغوي، وطبقته. وكان ثقة.
توفي في رمضان، وله ثمان وثمانون سنة.
(2/185)
سنة أربع وتسعين
وثلاثمئة
فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السُّلمي الأصبهاني
المقرئ روى عن عبد الله بن محمد الزُّهري، ابن أخي رستةَ وجماعة، وكتب
الكثير، توفي في ذي القعدة.
وأبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت البغدادي، نزل مصر، وحدّث عن
البغوي، وأبي بكر بن أبي داود. قال الخطيب: كان شيء الحال في الرواية،
توفي بمصر.
ومحمد بن عبد الملك بن ضيفون، أبو عبد الله اللَّخمي القرطي الحداد،
سمع عبد الله بن يونس القبري، وقاسم أصبغ، وبمكة من أبي سعيد ابن
الأعرابي. قال ابن الفرضي: لم يكن ضابطاً، اضطر في أشياء.
ويحيى بن إسماعيل الحربي المزكّى، أبو زكريا، بنيسابور، في ذي الحجة،
وكان رئيساً أدبياً أخبارياً متقناً، سمع من مكي بن عبدان وجماعة.
سنة خمس وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي العلامة أبو الحسين أحمد بن فارس الرّازي اللغوي، صاحب
المجمل، نزيل همذان. روى عن أبي الحسن القطّان وطائفة، ومات بالريّ.
والتاهرتي، أبو الفضل أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التميمي
(2/186)
البزاز، العبد الصالح، سمع بالأندلس من
قاسم بن، أصبخ، وطبقته. وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر.
والخفَّاف، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري،
مسند خراسان، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، وهو آخر من
حدَّث عن أبي العباس السَّراج.
والإخميمي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري. روى عن محمد بن
ريان بن حبيب، وعلي بن أحمد بن علان، وطائفة.
وأبو نصر الملاحمي، محمد بن أحمد بن محمد البخاري، رواي كتاب " القراءة
خلف الإمام " و " كتاب رفع اليدين " تأليف البخاري، رواهما عن محمود بن
إسحاق، وكان ثقة، يحفظ ويفهم، عاش ثلاثاً وثمانين سنة.
وعبد الوارث بن سفيان، أبو القاسم القرطبي الحافظ، ويعرف بالحبيب، أكثر
عن القاسم بن أصبغ، وكان من أوثق الناس فيه، توفي لخمس بقين من ذي
الحجة، حمل عنه أبو عمر بن عبد البر الكثير.
وأبو عبد الله بن مندة، الحافظ العلم، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى
العبدي الأصبهاني الجوّال، صاحب التصانيف، طوّف الدنيا، وجمع وكتب مالا
ينحصر، وسمع من ألف وسبعمئة شيخ، وأول سماعه ببلده، في سنة ثمان عشرة
وثلاثمئة، ومات في سلخ ذي القعدة، وبقي في الرحلة بضعاً وثلاثين سنة.
(2/187)
قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ ما رأيت
مثله. وقال عبد الرحمن ابن منده: كتب أبي عن أبي سعيد الأعرابي، ألف
جزء، وعن خيثمة ألف جزء. وع الأصمّ ألف جزء، وعن الهيثم الشاشي ألف
جزء. وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله بن مندة، سيّد أهل زمانه.
سنة ست وتسعين وثلاثمئة
فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللَّخمي
الإشبيلي، الحافظ العلم، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة، وكان يحفظ عدة
مصنّفات، وكان إماماً في الأصول والفروع.
وأبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي، وله سنة ست
وثلاثمئة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعيّ.
وأبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية بجرجان، وابن شيخهم إسماعيل بن
أحمد بن إبراهيم الفقيه. وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون
وتصانيف، توفي ليلة الجمعة، وهو يقرأ في صلاة المغرب " إياك نعبد وإياك
نستعين " ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون سنة.
وأبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق، ويعرف
بأخي تبوك، ولد سنة ست وثلاثمئة وروى عن محمد بن
(2/188)
حريم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي،
وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتَّاني: كان ثقة نبيلاً مأموناً، توفي في
ربيع الأول.
وأبو الحسن الحلبي، علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي نزيل مصر، روى
عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد ب إبراهيم بن نيروز، وطبقتهما.
ورحل إلى العراق ومصر، وعاش مائة سنة.
والبختري، صاحب الأربعين المرويّة، أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر
النيسابوري المزكّي الحافظ. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته. قال
الحاكم: كان من حفاظ الحديث المبرَّزين في المذاكرة. توفي في شعبان،
وله ثلاث وستون سنة.
أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل وابن المأمون العباسي، ثقة مشهور، يروي
عن أبي بكر بن زياد النيسابوري، وطائفة. وهو جدّ جد أبو الغنائم عبد
الصمد بن المأمون.
وابن زنبور، أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الورّاق،
ببغداد في صفر، روى عن البغوي، وابن صاعد وطبقتهما، وابن أبي داود. قال
الخطيب: ضعيف جدَّاً.
(2/189)
سنة سبع وتسعين
وثلاثمئة
فيها كان خروج أبي ركوة، وهو أمويَّ من ذرية هشام بن عبد الملك، كان
يحمل الركوة في السفر، ويتزهّد، وقد لقي المشائخ، وكتب الحديث، ودخل
الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أميّة، ودخل
الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أميّة، ويأخذ
البيعة على من يستجيب له، ثم جلس مؤدّباً، واجتمع عنده أولاد العرب،
فاستولى على عقولهم وأسرّ إليهم أنه الإمام، ولقّب نفسه الثائر بأمر
الله، وكان يخبرهم بالمغيّبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولّي تلك
الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بم حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ
من يهودي بها مئتي ألف دينار، وجمع له أهلها، مئتي ألف دينار، وضرب
السِّكة باسمه، ولعن الحاكم، فجهّز الحاكم لحربه ستة عشر ألفاً، فظفروا
به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل الجيش الذين ظفروا به.
وفيها أصاب ركب العراق عطشّ شديد، واعتقلهم ابن الجرّاح على ما طلبه،
وضاق القوم، وخافوا فوات الحج، فردُّوا ودخلوا بغداد يوم عرفة.
وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلس المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي
بطليوس، وأخو حامد الزاهد.
وأبو الحسن بن القصّار، علي بن عمر البغدادي، الفقيه المالكي صاحب كتاب
" مسائل الخلاف ". قال أبو إسحاق الشيرازي: لا أعرف لهم كتاباً في
الخلاف أحسن منه. وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه
(2/190)
من رأيت من المالكية. ومن طبقته: أبو الحسن
بن القصار علي بن محمد بن عمر الرّازي، الفقيه الشافعي. قال الخليل: هو
أفضل من لقيناه بالريّ، كان مفتيها قريباً من ستين سنة، أكثر من عبد
الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. وكان له في كل علم حظ، وعاش قريباً من مئة
سنة.
وابن واصل، الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون منه،
ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب، وملك
سيراف والبصرة، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان بهاء الدولة
وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متولّيها مهذب الدولة، فسار لحربه
فخر الملك، أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسّان الخفاجي، ثم
قصد بدر بن حسنويه، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.
سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة
فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجلٌ شيخ الشِّيعة ابن المعلّم، وهو
الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره، فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا
الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة، أبي محمد بن الأكفاني، والشيخ أبي
حامد بن الأسفراييني، فسبّوهما، وحميت الفتنة.
ثم إن السُّنّة أخذوا مصحفاً، قيل إنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف
(2/191)
كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء
بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق
المصحف، فأخذ وقتل، فثارت الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين السنة،
واختفى أوب حامد، واستظهرت الروافض، وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب
القادر بالله، وبعث خيلاً لمعاونة السنة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض
دورهم وذلُّوا، وأمر عميد الجيوش، بإخراج ابن المعلِّم من بغداد،
فأخرج. وحبس جماعة، ومنع القصّاص مدّة.
وفيها زلزلت الدِّينور، فهلك تحت الردم، أزيد من عشرة آلاف.
وزلزلت سيراف، السيب وغرق عدّة مراكب، ووقع بردٌ عظيم، وزن أكبر ما وجد
منه، فكانت مئة وستة دراهم.
وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة قمامة بالقدس، لكونهم يبالغون في إظهار
شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلا فليخرج
من مملكتي، أو يلتزم بما آمر، ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم،
وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة مثل المكمدة، وزنها ستة
أرطال، في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، فقيل: كانت
الخشبة على تمثال رأس عجل، وبقي هذا سنوات، ثم رخّص لهم في الردَّة،
لكونهم مكرهين، وقال: ننزّه مساجدنا عمن لا نيّة في الإسلام.
(2/192)
وفيها توفي البديع، أبو الفضل أحمد بن
الحسن الهمذاني، الأديب العلامة، بديع الزمان، صاحب المقامات المشهورة،
وصاحب الرسائل، وكان فصيحاً مفوّهاً، وشاعراً مفلقاً، توفي بهراة، في
جمادى الآخرة.
وابن لآل، الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. قال شيرويه:
كان ثقة، أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنفات في علوم الحديث، غير انه
كان مشهوراً بالفقه، له كتاب " السنن " و " معجم الصحابة ". عاش تسعين
سنة، والدعاء عند قبره مستجاب.
قلت: سمع الكثير، وأكثر الترحال، وروى عن محمد بن حمدويه المروزي، وأبي
سعيد بن الأعرابي، وطبقتهما.
وأبو نصر الكلاباذي، الحافظ أحمد بن محمد بن الحسين - وكلاباذ محلّة
ببخارى - صنّف رجال صحيح البخارى، وغير ذلك. وعاش خمساً وسبعين سنة.
قال جعفر المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم.
قلت: روى عن الهيثم بن كليب الشاشي، وعبد الله الحسن بن هارون
البغدادي، ولي قضاء مدينة المنصور، وقضاء الكوفة، وأملى الكثير عن
المحاملي، وابن
(2/193)
عقدة، وطبقتهما. قال الدَّارقطني: هو في
غاية الفضل والدين، عالم بالأقضية، عالم بصناعة المحاضر والترسُّل،
موفق في أحواله كلها، رحمه الله.
والبافي، أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الفقيه الشافعي، ببغداد في
المحرم، تفقّه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من
أصحاب الوجوه.
والببَّغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي
النَّصيبي، مدح سيف الدولة ابن حمدان والكبار، ولقّبوه الببغاء،
لفصاحته، وقيل للثغة في لسانه.
وأبو القاسم بن الصيدني، عبد الله بن أحمد بن علي، روى مجلسين عن ابن
صاعد، وهو آخر الثقات في أصحابه، وروى عن جماعة، توفي في رجب، ببغداد.
سنة تسع وتسعين وثلاثمئة
فيها رجع الركب العراقي، خوفاً من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل
العيد، وأما ركب البصرة، فأخذه بنو زغب الهلاليون، قال ابن الجوزي في
منتظمه: يأخذون للركب ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل
مكة، روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزيّ، وخيثمة
(2/194)
الأطرابلسي، وطائفة، وصحب محمد بن داود
الرّقي، روى عنه خلق كثير من الحجاج.
وأبو العباس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الأعمى الحافظ، روى
عن عبد الرحمن بن أبي حاتم واستملى عليه، وسمع بنيسابور، من أبي حامد
بن بلال وطائفة. وكان من أركان الحديث، وقد ولد أعمى.
والنامي، الشاعر البليغ، أبو العباس أحمد بن محمد، كان تلو المتنبي في
الرتبة عند سيف الدولة، وكان مقدّماً في اللغة، وله مع المتنبي معارضات
ووقائع، وطال عمره، وصار شيخ الأدب بالشام، روى عن علي ابن سليمان
الأخفش، والصُّولي، وعاش تسعين سنة.
وأبو الرقعمق الشاعر، صاحب المجون والنوادر، أبو حامد أحمد بن محمد
النطاكي، دخل مصر، ومدح المعزّ وأولاده، والوزير ابن كلِّس.
وخلف بن أحمد بن محمد بن اللّيث البخاري، صاحب بخارى ةابن صاحبها، كان
عالماً جليلاً، مفضلاً على العلماء وطبقته. ومات شهيداً في الحبس ببلاد
الهند.
وأبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي، ثم
المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف التذكرة، رحل إلى
(2/195)
البصرة، وقرأ بها على صاحب أبي العباس
الأشناني. وبمصر على أبيه، وأبي عدي عبد العزيز، وغيره واحد.
وأبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر، في ذي القعدة،
كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وروى كتاب السبعة
لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة والشام والقيروان، وكان سماعه صحيحاً من
البغوي في جزء واحد، وما عداه مفسود.
وابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المرِّي
الأندلس الألبيري، نزيل قرطبة، وشيخها ومفتيها، وصاحب التصانيف الكثيرة
في الفقه والحديث والزهد، سمع من سعيد بن فحلون، ومحمد بن معاوية
القرشي، وطائفة، وكان راسخاً في العلم مفنناً في الآداب، مقتفياً لآثار
السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمساً وسبعين سنة، وتوفي في ربيع
الآخر. ومن كتبه " اختصار المدونة " ليس لأحد مثله.
سنة أربعمئة
فيها أقبل الحاكم - قاتله الله - على التألُّه والدين، وأمر بإنشاء دار
العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدّثين، وعمر الجامع الحاكمي
بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل
العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل الكثير من الخير.
وفيها توفي ابن خرشيذ قوله، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله
(2/196)
ابن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون
سنة، دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، وسمع من ابن زياد
النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه
الله.
وأبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلف " أطراف
الصحيحين " روى عن عبد الله بن محمد بن السقّا، وأبي بكر المقرئ
وطبقتهما، وكان عارفاً بهذا الشأن، ومات كهلاً، فلم ينتشر حديثه، توفي
في رجب.
وأبو نعيم الإسفراييني، عبد الملك بن الحسن، راوي المسند الصحيح، عن
خال أبيه، أبي عوانة الحافظ، وكان صالحاً ثقة، ولد في ربيع الأول، سنة
عشر وثلاثمئة، واعتنى به أبو عوانة، وأسمعه كتابه، وعمّر، وازدحم عليه
الطلبة، وأحضروه إلى نيسابور. |