العبر في خبر من غبر، من سنة 411 إلى 420

سنة إحدى عشرة وأربعمئة
فيها كان الغلاء المفرط بالعراق، حتى أكلوا الكلاب والحمر.
وفيها أبو نصر النرسي، أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي، الصدوق العبد الصالح. روى عن ابن البختري، وعلي بن إدريس الستوري.
والحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن عبد العزيز بن نزار بن المعزّ العبيدي، صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب، فقد في شوال، وله ست وثلاثون سنة، جهزت أخته ست الملك، عليه من قتله، وكان شيطاناً مريداً، خبيث النفس، متلوَّن الاعتقاد، سمحاً جواداً، سفاكاً للدماء، قتل خلقاً كثيراً من كبراء دولته صبراً، وأمر بشتم الصحابة، وكتبه على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب، حتى لم يبق بمملكته منها إلا القليل، وأبطل الفقَّاع والملوخيّة، والسمك الذي لا فلوس له، وأتى بمن باع ذلك سرً فقتلهم، ونهى عن بيع الرطب، ثم جمع منه شيئاً عظيماً فأحرقه، وأباد أكثر

(2/219)


الكروم، وشدّد في الخمر، وألزم أهل الذمّة بحمل الصُّلبان والقرامي في أعناقهم كما تقدم، وأمرهم بلبس العمائم السود، وهدم الكنائس، ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه، وأمر بالسلام فقط، وبعث إليه باديس عامله على المغرب، ينكر عليه، فأخذ في استمالته، وحمل في كمّه الدفاتر، ولزم التفقُّه، وأمر الفقهاء ببثّ مذهب مالك، واتخذ له مالكيين يفقهانه، ثم ذبهما صبراً، ثم نفى المنجمين من بلاده، وحرَّم على النساء الخروج، فما زلن ممنوعات، سبع سنين وسبعة أشهر، حتى قتل ثم تزهَد وتألَّه ولبس الصوف، وبقي يركب حماراً، ويمرُّ وحده في الأسواق، ويقيم الحسبة بنفسه، ويقال إنه أراد أن يدّعي الإلهية كفرعون، وشرع في ذلك، فخوّفه خواص دولته، من زوال دولته فانتهى، وكان المسلمون والذمَّة في ويل وبلاء شديد معه، حتى إنه أوحش أخنه بمراسلات قبيحة، وأنها تزني بطليب بن دوّاس القائد، وكان خائفاً من الحاكم، فاتفقت معه على قتل الحاكم وسيرته طويلة عجيبة.
وأقامت أخته بعده، ولده الظاهر علي بن منصور، وقتلت ابن دواس وسائر من اطلع على سرّها، وأعدمت جيفة الحاكم، ولم يجدوا إلاَّ جبّته الصوف بالدماء، وضربات السكاكين، وحماره معرقباً.
والقاضي أبو القاسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي، قاضي ميافارقين، ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة، وكان صدوقاً، علامة بالفرائض، روى عن ابن البختري، وإسماعيل الصفار، وجماعة.
وأبو القاسم الخزاعي، عليّ بن أحمد بن محمد البلخي راوي مسند الهيثم بن كليب الشاشي عنه، وقد روى عنه جماعة كثيرة، وحدَّث ببلخ وبخارى وسمرقند، ومات في صفر، ببخارى، عن بضع وثمانين سنة.

(2/220)


سنة اثنتي عشرة وأربعمائة
توفي أبو سعد الماليني، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ. قال الخطيب: كان ثقة متقناً صالحاً. وقال غيره: سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر، وحدَّث عن أبي أحمد بن عدي وإسماعيل بن محمد، وطبقتهما. وكتب الكتب الطوال، وأكثر التطواف، إلى أن مات. توفي بمصر في سابع عشر شوال.
والحسين بن عمر بن برهان الغزال، أبو عبد الله بن أبي الجرّاح المرزباني المروزي، راوي جامع التِّرمذي عن المحبوبي، سكن هراة، وروى بها الكتاب، قال أبو سعد السمعاني: وهو ثقة صالح، توفي - إن شاء الله - سنة اثنتي عشرة.
غنجار الحافظ، صاحب تاريخ بخارى، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل، أبو عبد الله البخاري، روى عن خلف الخيام وطبقته.
وابن رزقويه الحافظ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزق البغدادي البزار. روى عن ابن البختري، ومحمد بن يحيى الطائي، وطبقتهما.
قال الخطيب: كان كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد مديماً للتلاوة،

(2/221)


أملى بجامع المدينة مدة سنين وكفّ بصره بأخرة، ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمئة. وقال الأزهري: أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال، فردّه تورعاً.
وأبو الفتح بن أبي الفوارس محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي الحافظ المصنف، في ذي القعدة، وله أربع وسبعون سنة.
سمع من جعفر الخلدي وطبقته، قال الخطيب: كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة، مشهوراً بالصلاح، والانتخاب على المشايخ، وكان يملي في جامع الرُّصافة.
وأبو عبد الرحمن السُّلميّ، محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري الصوفي الحافظ، شيخ الصوفية. صحب جدّه: أبا عمرو بن نجيد، وسمع الأصم وطبقته، وصنّف التفسير والتاريخ وغير ذلك، وبلغت تصانيفه مئة.
قال محمد بن يوسف النيسابوري القطّان: كان يضع للصوفية. وقال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك، مجردا صاحب حديث، وله بنيسابور دويرة للصوفية، توفي في شعبان.
وصريع الدِّلاء، قتيل الغواشي واسمه محمد بن عبد الواحد البصري، الشاعر الماجن، صاحب المقصورة المشهورة: قلقل أحشائي تباريح الجوى وقد أجاد في قوله فيها:
من فاته العلم وأخطأه الغنى ... فذاك والكلب على حدّ سوا

(2/222)


ومنير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخشاب، أبو العباس المصري المعدَّل، شيخ الخلعي. روى عن علي ابن عبد الله بن أبي مطر وجماعة. قال الحبّال: " كان ثقة لا يجوز عليه تدليس ". توفي في ذي القعدة.
سنة ثلاث عشرة وأربعمئة
فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين، فضرب الأسود بدبوس، فقتلوه في الحال. قال محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي: قام فضرب الحجر ثلاث ضربات، وقال: إلى متى يعبد هذا الحجر، ولا محمد ولا علي أفيمنعني محمد مما أفعله، فإني اليوم أهدم أكثر هذا البيت، فاتقاه أكثر الحاضرين، وكاد أن يفلت، وكان أحمر أشقر جسيماً طويلاً، وكان على باب المسجد، عشرة فوارس ينصرونه، فاحتسب رجل ورماه بخنجر، ثم تكاثروا عليه، فهلك وأحرق، وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته، واختبط الوفد، ومال الناس على ركب المصريين بالنهب، وتخشَّن وجه الحجر، وتساقط منه شظايا يسيرة، وتشقق، وظهر مكسّره أسمر يضرب إلى الصفرة، محبباً مثل حب الخشخاش معمر، فعجن بالمسك واللَّك الفتات، وحشيت الشقوق وطليت، فهو يبين لمن يتأمله.
وفيها توفي بشيراز، سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الديلمي، صاحب العراق وفارس، ولي السلطنة، وهو صبي بعد أبيه، وأرسل إليه القادر بالله، خلع الملك إلى شيراز، وقد قدم إلى بغداد في وسط مملكته، ورجع، وكانت دولته ضعيفة متماسكة، وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر.

(2/223)


وصدقة بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو القاسم بن الدلم القرشي الدمشقي، الثقة الأمين، محدث دمشق ومسندها. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي الطّيّب بن عبادل، وطائفة، ومات في جمادى الآخرة.
وأبو المطرِّف القنازعي، القيه عبد الرحمن بن مروان القرطبي المالكي. ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة، وسمع من أبي عيسى الليثي وطبقته، وقرأ القراءات على جماعة، منهم: علي بن محمد الأنطاكي. ورحل، فأكثر عن الحسن بن رشيق، وعن أبي محمد بن أبي زيد، ورجع، فأقبل على الزهد والانقباض، ونشر العلم والإقراء والعبادة والأوراد والمطالعة والتصنيف، فشرح الموطّأ، وصنّف كتاباً في الشروط، وكان أقرأ من بقي بالأندلس.
وعبد العزيز بن جعفر بن خواستي، أبو القا سم الفارسي ثم البغدادي، المقرئ المحدّث، مسند أهل الأندلس في زمانه، ولد سنة عشرين وثلاثمئة، وسمع من إسماعيل الصفّار، وابن داسة وطبقتهما، وقرأ الروايات على أبي بكر النقّاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وكان تاجراً، توفي في ربيع الأول، وقد أكثر عنه أبو عمرو الدَّاني.
وعلي بن هلال، أبو الحسن بن البواب، صاحب الخط المنسوب، كتب على محمد بن أسد، وأخذ العربية عن ابن جني، وكان في شبيبة مزوّقاً دهاناً في السقف، ثم صار يذهِّب الختم وغيرها، وبرع في ذلك، ثم عني بالكتابة، ففاق فيها الأوائل والأواخر، ووعظ وعبَّر الرؤيا، وقال النظم

(2/224)


والنثر، ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير، ولم يعرف الناس قدر خطّه إلا بعد موته، لأنه كتب ورقة إلى كبير، يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين، وقد بسط القول فيها، فلما كان بعد موته بمدة، بيعت تلك الورقة بسبعة عشر ديناراً. قال الخطيب: كان رجلاً ديّناً، لا أعلمه روى شيئاً. وقال ابن خيرون: كان من أهل السنّة، رحمه الله تعالى وتوفي في جمادى الأول.
والجارودي، أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ، في شوال. روى عن حامد الرفّا، والطبراني وابن نجيد، وطبقتهما. وكان شيخ الإسلام، إذا روى نه قال، حدّثنا إمام أهل المشرق أبو الفضل الجارودي.
وقال أبو النصر الفامي: كان عديم النظير في العلم، خصوصاً في علم الحفظ والتحديث، وفي التقلل من الدنيا، والاكتفاء بالقوت، وحيداً في الورع، رحمه الله.
والشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً: بابن المعلِّم، عالم الشيعة وإمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة. قال ابن أبي طيّ في تاريخه - تاريخ الأمة - هو شيخ مشائخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة، مع الجلالة العظيمة، في الدولة البويهية. قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس. وقال غيره: كان عضد الدولة، ربما زار الشيخ المفيد. وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مئتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة والخوارج، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان رحمه الله.

(2/225)


سنة أربع عشرة وأربعمئة
فيها سار السلطان مشرِّف الدولة أبو علي بن السلطان بهاء الدولة، إلى بغداد، وتلقاه القادر بالله.
وفيها جاء كتاب محمود بن سبكتكين ملك المشرق، بأنه أوغل في بلاد الهند، فأتى لقلعة عظيمة فأخذها بالأمان، وضرب عليهم الخراج.
وفيها توفي أبو القاسم، تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي، الحافظ ابن الحافظ أبي الحسين، في ثالث المحرم، وله أربع وثمانون سنة، روى عن خيثمة، وأبي علي الحصائري وطبقتهما، قال الكناني: كان ثقة، لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين، وقال أبو علي الأهوازي: ما رأيت مثله في معناه. وقال أبو بكر الحداد، ما رأينا مثل تمام، في الحفظ والخير.
والغضائري، أبو عبد الله الحسين بين الحسن بن محمد بن جليس المخزومي البغدادي، روى عن الصولي والصفار وجماعة. قال الخيطب: كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلاً، مات في المحرم.
والحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي العدل. روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة، بدمشق ومصر.

(2/226)


وابن فتحويه، الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري أبو عبد الله، بنسابور، في ربيع الأخر، وكان ثقة مصنفاً، روى عن أبي بكر بن السني، عيسى بن حامد الرخجي، وطبقتهما، وحصل له حشمة ومال.
وابن جهضم، أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمداني، شيخ الصوفية بالحرم، ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف. روى عن أبي سلمة القطان، وأحمد بن عثمان الأدمي، وعلي بن أبي العقب وطبقتهم، وأكثر الناس عنه، وطال عمره. قال أبو الفضل ابن خيرون: قبل إنه كان يكذب، وقال غيره: اتهموه بوضع الحديث.
وابن ماشاذه، الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن ميلة الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد، روي عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن حكيم، وأبي علي المصاحفي، وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة، وأملى عدة مجالس، قال أبو نعيم، وبه ختم كتاب الحلية: وختم التحقيق في طريقة الصوفية، بأبي الحسن، لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة، وكان عارفاً بالله، فقيهاً عاملاً، له الحظ الجزيل من الأدب. وقال أبو نعيم أيضاً: كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، كان ينكر على المشبهة من الصوفية وغيرهم، فساد مقالتهم في الحلو والإباحة والتشبيه.
وأبو عمر الهاشمي، القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي

(2/227)


البصري القاضي، من ولد الأمير جعفر بن سليمان. ولد اثنتين وعشرين وثلاثمئة، وسمع من اللؤلؤي سنن أبي داود، ومن أبي العباس الأثرم، وعلي ابن إسحاق المادرائي، وطائفة. قال الخطيب: كان ثقة أميناً، ولي قضاء البصرة، ومات بها في ذي القعدة.
وأبو سعيد النقّاش، محمد بن علي عمرو بن مهدي الأصبهاني الحنبلي الحافظ، صاحب التصانيف، في رمضان. روى عن ابن فارس، وإبراهيم الهجيمي، وأبي بكر الشافعي وطبقتهم، وكان ثقة صالحاً.
وأبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفّار، ببغداد في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن ابن عيّش القطان، وابن البختري، وطائفة. قال الخطيب: صدوق كتبنا عنه.
والمزكِّي أبو زكريا بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، شيخ العدالة ببلده، وكان صالحاً زاهداً ورعاً، صاحب حديث كأبيه أبي إسحاق المزكِّي، روى عن الأصمّ وأقرانه، ولقي ببغداد النجّاد وطبقته.
وأملى عدة مجالس. ومات في ذي الحجة.
سنة خمس عشرة وأربعمئة
فيها توفي أبو الحسن المحاملي، شيخ الشافعية، أحمد بن محمد ابن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي، تفقّه على والده أبي الحسين، وعلى الشيخ أبي حامد الإسفرييني، ورحل به أبوه فأسمعه بالكوفة، من ابن أبي السريّ البكائي، ومات في ربيع الآخر، عن سبع وأربعينن سنة، وكان عديم

(2/228)


النظير في الذكاء والفطنة، صنّف عدة كتب. قال الشيخ أبو حامد: هو اليوم أحفظ مني: وأحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى أبو العباس الإشبيلي المعدَّل بمصر، في صفر، سمع عثمان بن محمد السمرقندي، وأبا الفوارس بن الصابوني، وطبقتهما بمصر والشام، انتقى عليه أبو نصر السجزيّ.
والقاضي عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الاسد آبادي المعتزلي، صاحب التصانيف، عمَّر دهراً في غير السنَّة. وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطّان، والجلاب، وعبد الله بن جعفر بن فارس.
والعيسوي، أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العباسي البغدادي، قاضي مدينة المنصور، مات في رجب، وحدّث عن أبي جعفر بن البختري وطائفة.
وأبو الحسين بن بشران، علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدّل، سمع ابن البختري وطبقته. قال الخطيب: كان صدوقاً ثبتاً تامّ المروءة ظاهر الديانة، ولد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة، وتوفي في شعبان، كتبنا عنه.
وأبو الحسين القطان، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطّان الأزرق البغدادي الثقة، ولد سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة، توفي في رمضان.
روى عن إسماعيل الصفّار، ومحمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب وطبقتهما، وكان مكثراً.

(2/229)


ومحد بن سفيان أبو عبد الله القيرواني، صاحب كتاب " الهادي " في القراءات. تفقه على أبي الحسن القابسي، ورحل فأخذ القراءات عن أبي الطيّب بن غلبون وغيره. قال أبو عمرو الداني: كان ذا فهمٍ وحفظ وعفاف.
سنة ست عشرة وأربعمئة
فيها انتشر العيّارون ببغداد، وخرقوا الهيبة، وواصلوا العملات والقتل.
وفيها مات السلطان مشرّف الدولة، ونهبت خزائنه، وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر، ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة، وهو يومئذ بالبصرة، فخلع على وزيره، علم الدين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا.
ثم إن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار، ونوهوا باسمه، وكان وليّ عهد أبيه، سلطان الدولة، فخطب لهذا ببغداد، واختبط الناس، وأخذت العيارون الناس نهاراً جهاراً، وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل، ويكبسون البين، ويأخذون صاحبه يعذبونه، إلى أن يقرّ لهم بذخائره، وأحرقوا دار الشريف المرتضي. ولم يخرج ركبٌ من بغداد.
وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب، أبو الخير، القاضي المصري، حدّث عن أبيه، وعثمان بن السمرقندي وطائفة.
وأبو محمد بن النحاس، عبد الرحمن بن عمر المصري البزار، في عاشر صفر، وكان مسند الديار المصرية ومحدّثها، عاش بضعاً وتسعين سنة،

(2/230)


وسمع بمكة من ابن الأعرابي، وبمصر من أبي الطاهر المديني، وعلي بن عبد الله بن أبي مطر، وطبقتهما. وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة.
وأبو الحسن التِّهامي، علي بن محمد الشاعر، له ديوان مشهور، دخل مصر بكتب من حسّان بن مفرج، فظفروا به وقتلوه سراً، في جمادى الأولى.
وأبو بكر القطّان، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الطائي الدارني، المعروف أيضاً: بابن الخلاّل. صالح ثقة. روى عن خيثمة وجماعة كثيرة.
وأبو عبد الله بن الحذّاء القرطبي، محمد بن يحيى التميمي المالكي المحدّث، عاش ثمانين سنة. وروى عن أبي عيسى الليثي، وأحمد بن ثابت، وطبقتهما، وحجّ، فأخذ عن أبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر المهندس، وطبقتهما. وتفقه على أبي محمد الأصيلي، وألف في تعبير الرؤيا كتاب " البشرى " في عشرة أسفار، وولي قضاء إشبيلية وغيرها.
ومشرِّف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة ابن السلطان عضد الدولة الدَّيلمي، ولي مملكة بغداد وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء، عاش ثلاثاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان مدة ملكه خمسة أعوام، وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه، ثم نودي بعد أيام بشعار أبي كاليجار.

(2/231)


سنة سبع عشرة وأربعمئة
فيها قدمت الاسفهسلارية بغداد، فراسلوا العيّارين بالكف عن الناس، فلم يفكروا فيهم، وخرجوا إلى خيمهم وسبوهم، وتحاربوا واستعرت الفتنة، ولبسوا السلاح، ودقّت الدبادب، وحمي الطويس، ثم هجمت الجند على الكرخ فنهبوه، وأحرقوا الأسواق، ووقعت الرعاع والدعّار في النهب، وأشرف الناس على التلف فقام المرتضي وطلع إلى الخليفة واجتمع به، فخلع عليه، ثم ضبطت محال بغداد، لكن شرعوا في المصادرات.
وفيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي.
قال الخطيب: كان رئيساً نزهاً عفيفاً، سمع من عبد الباقي بن قانع، ولم يحدّث، وعاش ثمانياً وثمانين سنة. وقد ولي القضاء أربعة وعشرون نفساً، من أولاد محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب. منهم ثمانية ولّوا قضاء القضاة، هذا آخرهم.
وفيها أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي البغدادي اللغوي الأديب، نزيل الأندلس. صنّف الكتب، وروى عن القطيعي وطائفة. قال ابن بشكوال: كان يتَّهم بالكذب.
وأبو بكر القفّال المروزي، عبد الله بن أحمد، شيخ الشافعية بخراسان، حذق في صنعته، حتى عمل قفلاً ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة، أحسّ من نفسه ذكاء، وحبّب إليه الفقه، فبرع فيه، وصار إلى ما صار، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه، عاش تسعين

(2/232)


سنة، ومات في جمادى الأولى. قال ناصر العمري: لم يكن في زمانه أفقه منه، ولا يكون بعده مثله. كنّا نقول: إنه ملك في صورة آدمي.
وأبو محمد عبد الله بن يحيى السكري البغدادي، صدوق مشهور روى عن إسماعيل الصفّار وجماعة، توفي في صفر.
وأبو الحسن الحمامي، مقرئ العراق، علي بن أحمد بن عمر البغدادي. قرأ القراءات على النقّاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وبكّار، وزيد بن أبي بلال وطائفة، وبرع فيها. وسمع من عثمان بن السماك وطبقته.
وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن، وعاش تسعاً وثمانين سنة، توفي في شعبان.
وأبو حازم العبدوي الجاولي، عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه الهذلي المسعودي النيسابوري الأعرج، يوم عيد الفطر.
روى عن إسماعيل بن نجيد وطبقته. قال الخطيب: كان ثقة صادقاً حافظاً عارفاً ويقال إنه كتب عن عشرة أنفس، عشرة آلاف جزء.
وأبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن عثمان العكبري البزاز.
روى عن محمد بن يحيى الطائي وجماعة، وعاش سبعاً وتسعين سنة. ووثقه الخطيب.
وأبو نصر بن الجندي، محمد بن أحمد بن هارون الغسّاني الدمشقي،

(2/233)


إمام الجامع، ونائب الحكم، ومحدّث البلد. روى عن خيثمة، وعلي بن أبي العقب. وجماعة. قال الكتّاني: كان ثقة مأنوناً، توفي في صفر.
سنة ثماني عشرة وأربعمئة
فيها اجتمعت الحاشية ببغداد، وصمموا على الخليفة، حتى عزل أبا كاليجار، وأعيدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر.
وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين، بما فتحه من بلاد الهند، وكسره صنم سومنات، وأنهم فتنوا به، وكانوا يأتون إليه من كل فج عميق، يقرّبون له القرابين، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزانة الصنم بالأموال، وله ألف نفس يخدمونه، وثلاثمئة يحلقون رؤوس حجابه. وثلاثمئة رجل وخمسمئة امرأة يغنون، فاستخار العبد الله في الانتداب له، ونهض في شعبان سنة ست عشرة وأربعمئة، في ثلاثين ألف فارس، سوى المطوِّعة، ووصلنا بلد الصنم، وملكنا البلد، وأوقدت النيران على الصنم، حتى تقطع، وقتلنا خمسين ألفاً من أهل البلد.
وفيها قدم جلال الدولة ببغداد، وتلقّاه الخليفة، ونزل بدار السلطنة. ولم يسر من بغداد ركبٌ.
وفيها توفي أبو إسحاق الاسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأصولي المتكلم الشافعي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف. روى عن دعلج وطبقته، وأملى مجالس، وكان شيخ خراسان في زمانه. توفي يوم عاشوراء، وقد نيَّف على الثمانين.

(2/234)


وأبو القاسم بن المغربي الوزير، واسمه حسين بن علي الشِّيعي، لمّا قتل الحاكم بمصر، أباه وعمه وأخوته، هرب هو وقصد حسّان بن مفرَّج الطائي ومدحه، فأكرم مورده، ثم وزر لصاحب ميافارقين: أحمد بن مروان الكردي. وله شعر رائق، وعدّة تواليف، عاش ثمانياً وأربعين سنة، وكان من أدهى البشر وأذكاهم.
وأبو القاسم السراج، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري الفقيه. روى عن الأصم وجماعة، وكان من جلَّة العلماء توفي في صفر.
وعبد الوهاب بن الميداني، محدّث دمشق، وهو أبو الحسين بن جعفر بن علي. روى عن أبي علي بن هارون، واتهم في روايته عنه. وروى عن أبي عبد الله بن جروان وخلق. قال الكتّاني: ذكر أبو الحسين، أنه كتب بقنطار حبر، وكان فيه تساهل.
ومحمد بن زهير، أبو بكر النَّسائي، شيخ الشافعية بنسا، وخطيب البلد. روى عن الأصم وأبي سهل بن زياد القطّان وطبقتهما.
ومحمد بن محمد بن أحمد الروزبهان، أبو الحسن البغدادي. روى عن علي السُّتوري، وابن السماك، وجماعة. وتوفي في رجب، قال الخطيب: صدوق.
ومعمر بن أحمد بن محمد بن زياد، أبو منصور الأصبهاني الزاهد،

(2/235)


شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني، وأبي الشيخ. ومات في رمضان.
ومكِّي بن محمد بن الغمر، أبو الحسن التميمي الدمشقي المؤدِّب، مستملي القاضي الميّانجي، أكثر عنه وعن أحمد بن البراثي، وهذه الطبقة.
ورحل إلى بغداد، فلقي القطيعي، وكان ثقة.
وأبو القاسم اللالكائي، هبة الله بن الحسن الطبري الحافظ، الفقيه الشافعي. تفقّه على الشيخ أبي حامد، وسمع من المخلص وطبقته، وأكثر من جعفر بن فنَّاكي. قال الخطيب: كان يحفظ ويغهم، صنّف كتاباً في السنة، وكتاب رجال الصحيحين، وكتاباً في السُّنن. ثم خرج في آخر أيامه إلى الدِّينور، فمات بها في رمضان كهلاً رحمه الله.
سنة تسع عشرة وأربعمئة
كان جلال الدَّولة السلطان ببغداد، فتخالفت عليه الأمراء وكرهوه، لتوفره على اللعب، وطالبوه، فأخرج لهم من المصاغ والفضيات، ما قيمته أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، ونهبوا دار الوزير، وسقطت الهيبة، ودبّ النهب في الرعيّة، وحصروا الملك، فقال: مكنوني من الانحدار، فأجابوه، ثم وقعت صيحة، فوثب وبيده طبرٌ، وصاح فيهم، فلانوا له، وقبّلوا الأرض، وقالوا: اثبت، فأنت السلطان، ونادوا بشعاره، فأخرج لهم متاعاً كثيراً، فبيع، فلم تف بمقصودهم، ولم يحجّ ركبٌ من بغداد.
وفيها توفي ابن العالي، أبو الحسين أحمد بن محمد بن منصور

(2/236)


البوشنجي خطيب بوشنج. روى عن محمد بن أحمد بن ديسم، وأبي أحمد بن عديّ، وطبقتهم. بهراة وجرجان ونيسابور. توفي في رمضان.
وعبد المحسن بن محمد الصُّوري، شاع محسن، يدرج القول، وله:
بالذي ألهم تعذ ... يبي ثناياك العذابا
ما الذي قالته عي ... ناك لقبي فأجابا
وعلي بن أحمد بن محمد بن داود الرزّاز، أبو الحسن البغدادي، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن السمّاك وطبقته وقرأ على أبي بكر بن مغنم، قال الخطيب: كان كثير السماع والشيوخ، وإلى الصدق ما هو.
والذكواني، أبو بكر محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني المعدّل، المحدّث الصدَّوق، عاش ستاً وثمانين سنة، ورحل إلى البصرة والكوفة والأهواز والريّ والنواحي. وروى عن أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد القاضي العسال، وفاروق الخطّاب وطبقتهم، وله معجم، توفي في شعبان.
وأبو عبد الله بن الفخار، محمد عمر بن يوسف القرطبي الحافظ،

(2/237)


شيخ المالكية، وعالم أهل الأندلس. روى عن أبي عيسى الليثي وطائفة، وكان زاهداً عابداً ورعاً متألهاً، عارفاً بمذاهب العلماء، واسع الدائرة، حافظاً للمدوَّنة عن ظهر قلب، والنوادر لابن أبي زيد، مجاب الدعوة. قال القاضي عياض: كان أحفظ الناس، وأحضرهم علماً، وأسرعهم جواباً، وأوقفهم على اختلاف العلماء، وترجيح المذاهب، حافظاً للأثر، مائلاً إلى الحجة والنظر.
قلت: عاش ستاً وسبعين سنة.
وابو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز، ببغداد، في ربيع الأول، وله تسعون سنةً. وهو آخر من حدَّث عن الصّفار، وابن البختري، وعمر الأشناني. قال الخطيب: كان صدوقاً، جميل الطريقة، له أنسة بالعلم والفقه، على مذهب أبي حنيفة.
سنة عشرين وأربعمئة
فيها وقع برد عظام إلى الغاية، في الواحدة أرطال بالبغدادي، حتى قيل: إن بردةً وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحواً من ذراع، وذلك بالنعمانيَّة من العراق، وهبّت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل.
وفيها جمع القادر بالله كتاباً فيه وعظ، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصّة ما تمّ لعبد العزيز صاحب الحيرة مع بشر المريسي، والردّ على من يقول بخلق القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة، وغير ذلك.
وجمع له العلماء والأعيان ببغداد، فقرئ على الخلق ثم أرسل الخليفة إلى جامع براثا، وهو مأوى الرافضة، من أقام الخطبة على السنّة، فخطب وقصرّ

(2/238)


عما كانوا يفعلونه في ذكر عليّ رضي الله عنه، فرموه بالآجر من كل ناحية، فنزل وحماه جماعة، حتى أسرع بالصلاة، فتألَّم القادر بالله، وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى، شيخ الرافضة، وكاتب السلطان ووزيره ابن ماكولا، يستجيش على الشيعة، ويتضوّر من ذلك، وإذا بلغ الأمير - أطال الله بقاه - إلى الجرأة على الدين، وعدم سياسة المملكة من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بهما توجبه الحميَّة، وقد بلغه ما جرى في الجمعة الماضية في مسجد براثا، الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرّأ الله منه، فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيباً كان فيه، يقول مالا يخرج به عن الزندقة، فإنه كان يقول، بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشريّ الآلهيّ، مكلم أهل الكهف. فأنفذ الخطيب ابن تمام، فأقام الخطبة، فجاءه الآجرّ المطر، فكسر أنفه، وخلع كتفه، ودمى وجهه، وأسيط بدمه، لولا أربعة من الأتراك حموه، وإلاّ كان هلك، والضرورة ماسّة إلى الانتقام.
ونزل ثلاثون بالمشاعل، على دار ذلك الخطيب، فنهبوا الدار، وعرّوا الحريم، فخاف أولوا الأمر من فتنة تكثر، فلم يخطب أحد ببراثا، وكثرت العملات والكبسات، وفتحت الحوانيت جهاراً، وعمّ البلاء إلى آخر السنة، حتى صلب جماعة.
وفيها قدم المصريون مع أنوشتكين البربري، فالتقاهم صالح بن مرداس على نهر الأردنّ، فقتل صالح وابنه، وحمل رأساهما إلى مصر، فقام نصر ولد صالح، وتملك حلب بعد أبيه.
وفيها توفي أبو بكر المنقَّى، أحمد بن طلحة البغدادي، في ذي

(2/239)


الحجة، وكان ثقة، يروي عن النجّاد، وعبد الصمد الطَّستي.
وابو الحسن بن الباذا، أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي، في ذي الحجة. روى عن أبي سهل بن زياد، وابن قانع، وطائفة. قال الخيب: كان ثقة من أهل القرآن والأدب، والفقه على مذهب مالك.
والأمير صالح بن مرداس أسد الدولة الكلابي، كان م أمراء العرب، فقصد حلب، وبها نائب الظاهر، صاحب مصر، فانتزعها منه، وتملكها ثلاثة أعوام، ثم حارب جيش الظاهر فقتل.
وعبد الجبار بن أحمد أبو القاسم الطرطوسي، شيخ اٌلإقراء بالديار المصرية، وأستاذ مصنف " العنوان " قرأ على أبي أحمد السامري، وجماعة. وألّف كتاب " المجتبى " في القراءات. توفي في ربيع الآخر.
وعبد الرحمن بن أبي نصر، عثمان بن القاسم بن معروف أبو محمد التميمي الدمشقي، رئيس البلد، ويعرف بالشيخ العفيف. روى عن إبراهيم بن أبي ثابت، وخيثمة وطبقتهما، وعاش ثلاثاً وتسعين سنة. قال أبو الوليد الدربندي كان خيراً من ألف مثله، إسناداً وإتقاناً وزهداً، مع تقدمه. وقال رشا بن نظيف: شاهدت سادات، فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر، كان قرة عين. وقال عبد العزيز الكتّاني: توفي في جمادى الآخرة فلم أر أعظم من جنازته، حضرها جميع أهل البلد، حتى اليهود والنصارى، وكان عدلاً مأموناً ثقة، لم ألق شيخاً مثله، زهداً وورعاً وعبادة ورياسة، رحمه الله.

(2/240)


وابن العجوز، الفقيه عبد الرحمن بن أحمد الكتامي المالكي. قال القاضي عياض: كان من كبار قومه، وإليه كانت الرحلة بالمغرب، وعليه دارت الفتوى، وفي عقبه أئمة نجباء، أخذ عن ابن أبي زيد، وأبي محمد الأصيلي وغيرهما.
وعلي بن عيسى الربعي، أبو الحسن البغدادي، شيخ النحو ببغداد، أخذ عن أبي سعيد السِّيرافي، وأبي علي الفارسي، وصنّف " شرح الإيضاح "، لأبي علي، و " شرح مختصر الجرمي " ونيّف على التسعين، وقيل: إن أبا عليّ قال: قولوا لعلي البغدادي، لو سرتّ من الشرق إلى الغرب، لم تجد أحداً أنحا منك، وكان قد لازمه بضع عشرة سنة.
وأبو نصر العكبري، محمد بن أحمد بن الحسين البقّال، والد أبي منصور محمد بن محمد. روى عن أبي علي بن الصوّاف وجماعة، وهو ثقة.
وأبو بكر الرباطي، محمد بن عبد الله بن أحمد. روى عن أبي أحمد العسّال، والجعابي وطائفة، وأملى مجالس، توفي في شعبان.
والمسبِّحي، الأمير المختار، عزّ الملك، محمد بن عبد الله ابن أحمد الحرّاني، الأديب العلامة، صاحب التواليف، وكان رافضياً جاهلاً، له كتاب " القضايا الصائبة " في التنجيم، في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، وكتاب " التلويح والتصريح " في الشعر، ثلاث مجلدات وكتاب " تاريخ

(2/241)


مصر "، وكتاب " أنواع الجماع " في أربع مجلدات. وعاش أربعاً وخمسين سنة.