العبر في خبر من غبر، من سنة 421 إلى 430
سنة إحدى وعشرين
وأربعمئة
فيها أقيم مأتم عاشوراء، بالنوح والحداد، فثارت العامّة، ووقع القتال
بين الفريقين، حتى قتل جماعة، وأخربت عدّة دكاكين.
وفيها قدم الملك جلال الدَّولة، إلى الأهواز، فنهبتها الأتراك،
وبدّعوا، وأحرقت عدة أماكن، وذهبت أموال لا توصف، فيقال: زاد الذي أخذ
منها، على خمسة آلاف ألف دينار.
وفيها غزا مطلوب الكردي بلاد الخزر، فقتل وسبى وغنم، فثارت الخزر
وكسروه، واستنقذوا الغنيمة، وقتلوا من العسكر والمطوِّعة فوق العشرة
آلاف، وكانت الروم قد أقبلت في ثلاثمائة ألف، على قصد الشام، فأشرف على
معسكرهم، سريّة من العرب، نحو مائة فارس، وألف راجل، فظنّ ملكهم أنها
كبسة، فتخفّى ولبس خفّاً أسود وهرب، فوقعت الخبطة فيهم، واستحكمت
الهزيمة، فطمع أولئك العرب فيهم، ووضعوا السيف، حتى قتلوا مقتلة عظيمة،
وغنموا خزائن الملك، واستغنوا بها.
وأمّا بغداد، فكاد يستولي عليها الخراب، لضعف الهيبة، وتتابع السنين
الخدَّاعة، فاجتمع الهاشميون في شوال، بجامع المنصور، ورفعوا المصاحف،
واستنفروا الناس، فاجتمع إليهم الفقهاء، وخلق من الإمامية والرافضة،
وضجُّوا بأن يعفوا من الترك، فعمدت الترك - قبّحهم الله - ورفعوا
صليباً على رمح، وترامى الفريقان بالنشاب والآجرّ، وقتل طائفة، ثم
تحاجزوا، وكثرت العملات والكبسات من البرجمي ورجاله، وأخذ المخازن
الكبار
(2/242)
والدُّور، وتجدَّد دخول الأكراد اللصوص إلى
بغداد، فأخذوا خيول الأتراك من الاصطبلات.
وفيها توفي الحيري، القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن
أحمد بن حفص الحرشي النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون سنة،
وكان رئيساً محتشماً، إماماً في الفقه، وانتهى إليه علوّ الإسناد، فروى
عن أبي علي الميداني، والأصمّ، وطبقتهما. وأخذ ببغداد عن أبي سهل
القطّان. وبمكة عن الفاكهي، وبالكوفة وجرجان. وتفقّه على أبي الوليد
الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في
تاريخه مع تقدمه وآخر من حدّث عنه، الشِّيروي، وقد صمّ بآخرة، حتى بقي
لا يسمع شيئاً، ووافق شيخه الأصم، صنّف في الأصول والحديث.
وأبو الحسن السَّلطي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري العدل النحوي،
في جمادى الأولى. روى عن الأصم وغيره.
وابن درّاج، أبو عمر أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد القسطلّي، الأديب،
شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن حزم: لو لم يكن لنا من فحول الشعراء،
إلا أحمد بن درّاج، لما تأخر عن شأو " حبيب " و " المتنبي "، وكان من
كتّاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر. وقال
(2/243)
الثعالبي: كان بصقع الأندلس، كالمتنبي بصقع
الشام.
قلت: له ديوان مشهور، وتوفي في جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة.
وإسماعيل بن ينال أبو إبراهيم المروزي المحبوبي، سمع جامع الترمذي من
أستاذهم، محمد بن أحمد بن محبوب، وهو آخر من حدَّث عنه، توفي في صفر،
عن سبع وثمانين سنة. قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالماً، أدركت
نفراً من أصحابه.
والمعاذي، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري
الأصم، سمع من أبي العباس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى،
ووقع لنا حديثه، من طريق شيخ الإسلام الأنصاري.
والجمال أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الأصبهاني، روى عن أبي محمد بن
فارس وجماعة. ومات في ربيع الأول، له جزء معروف.
وأبو محمد البجّاني - بجّانة الأندلس - الحسين بن عبد الله ابن الحسين
بن يعقوب المالكي، وله خمس وتسعون سنة، حمل عنه ابن عبد البر، وأبو
العباس العذري والكبار. وكان أسند من بقي بالمغرب، في رواية " الواضحة
" لعبد الملك بن حبيب، سمعها من سعيد بن فحلون، في سنة ست وأربعين
وثلاثمائة، عن يوسف المغامي، عن المؤلف.
وحمام بن أحمد القاضي ابو بكر القرطبي، قال ابن حزم: كان
(2/244)
واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطاً
لما قيّده، أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرّج، وولي
قضاء يابرة، توفي في رجب، وله أربع وستون سنةً.
وابو سعيد الصيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري، كان أبوه ينفق
على الأصم، ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصم، وسمَّعه الكثير، وسمع أيضاً
من جماعة، وكان ثقة، مات في ذي الحجة.
والسلطان محمود بن سبكتكين، سيف الدَّولة أبو القاسم ابن الأمير ناصر
الدولة أبي منصور. كان أبو أمير الغزاة، الذين يغيرون من بلاد ما وراء
النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدّة قلاع، وافتتح ناحية بست وكان
كرّامياً وأما محمود، فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى
على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند
كل عام، فافتتح منه بلاداً واسعة، وكان على عزم وصدق في الجهاد. قال
عبد الغافر الفارسي: كان صادق النيّة في إعلاء كلمة الله تعالى مظفّراً
في غزواته، ما خلت سنة من سني ملكه، عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيّاً،
بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة، يدعى
عنده، قال وقد صنَّف في أيامه تواريخ، وحفظت حركاته وسكناته وأحواله،
لحظةً لحظةً، رحمه الله، توفي في جمادى الأولى.
سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة
فيها تفاقم أمر العيّارين، وتعثّر أهل بغداد، وأقام التجار على المبيت
في الأسواق، ثم نقبوا دار السلطنة، وأخذوا منها قماشاً.
وفيها عزم الصوفي، الملقب المذكور على الغزو، وكتب له السلطان
(2/245)
منشوراً، وأعطي منجوقاً، وقصد الجامع
لقراءة المنشور، فمزقوا على رأسه المنجوق، وبين يديه الرجال بالسلاح،
يترضَّون عن الشيخين، ويقولون: هذا يوم معاويّ، فحصبهم أهل الكرخ،
فثارت الفتنة واضطرمت، ونهبت العامة دار الشريف المرتضى، ودافع عنه
جيرانه الأتراك، واحترقت له سرية، وبات الناس في ليلة صعبة، وتأهّبوا
للحرب، واجتمعت العامة وخلق من الترك، وقصدو الكرخ، فرموا الناس في
أسواقه، وأشرف أهل الكرخ على التلف، فركب الوزير والجند، فوقعت آجرة،
في صدر الوزير، وسقطت عمامته، وقتل جماعة من الشيعة، وزاد أمر النهب
فيهم، وأحرق في هذه الثائرة، سوق العروس، وسوق الصفارين وسوق الأنماط،
وسوق الزيت، ولم يجر من السلطان إنكار، لضعفه وعجزه وتبسطت العامّة
واثروا الفتن، فالنهار فتن ومحن، والليل عملات ونهب.
وأما الجند، فقامت على السلطان جلال الدولة، لاطّراحه مصالحهم، وراموا
قطع خطبته، فأرضاهم بالمال، فثاروا بعد أيام عليه، وآخر القصّة، مات
القادر بالله، واستخلف ابنه القائم بأمر الله، وله إحدى وثلاثون سنة،
فبايعه الشر يف المرتضى، ثم الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر، وقامت
الأتراك على القائم بأمر الله بالرسم الذي للبيعة، فقال: إن القادر لم
يخلف مالاً، وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء، ثم صالحهم على ثلاثة آلاف
دينار ليس إلاّ، وعرض القائم خاناً وبستاناً للبيع، وصغر دست الخلافة
إلى هذا الحدّ. وأما دست السلطنة بالعراق، فكان لجلال الدَّولة: بغداد
وواسط والبطائح، وبعض السَّواد، وليس له من ذلك أيضاً إلا الخطبة، فأما
الأموال والأعمال، فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأتراك، مع ضعف
ارتفاع
(2/246)
الخراج، والوزارة خالية من كبس، والوقت هرج
ومرج، والناس بلا رأس.
ومات القادر بالله، أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله
جعفر بن المعتضد بالله العباسي، توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وله
سبع وثمانون سنة وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكان أبيض
كثّ اللحية طويلها، مخضب شيبه. قال الخطيب: كان من الديانة وإدامة
التهجد وكثرة الصدقات، على صفة اشتهرت عنه، صنّف كتاباً في الأصول، فيه
فضل الصحابة، وتكفير المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، فكان يقرأ كل
جمعة، ويحضره الناس مدّة.
وطلحة بن علي بن الصقر، أبو القاسم البغدادي الكتّاني، ثقة صالح مشهور،
عاش ستّاً ثمانين سنة، ومات في ذي القعدة، روى عن النّجاد، وأجمد بن
عثمان الأدمي، ودعلج وجماعة.
وأبو المطرّف بن الحصّار، قاضي الجماعة بالأندلس، عبد الرحمن بن أحمد
بن سعيد بن غرسيّة، مات في آخر الكهولة، وكان عالماً بارعاً ذكياً
متفنّناً، فقيه النفس، حاضر الحجة، صاحب سنة رحمه الله توفي في شعبان.
(2/247)
والقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر، أبو
محمد البغدادي المالكي، أحد الأعلام، سمع من عمر بن سنبك وجماعة، وتفقه
على ابن القصّار، وابن الجلاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه
رئاسة المذهب. قال الخطيب: لم ألق في المالكية أفقه منه، ولي قضاء
بادرايا ونحوها، وتحوّل في آخر أيامه إلى مصر، فمات بها في شعبان، وقد
ساق القاضي ابن خلكان، نسب القاضي عبد الوهاب، إلى مالك بن طوق
التغلبي، صاحب الرَّحبة. قال أبو إسحاق الشيرازي: سمعت كلامه في النظر،
وكان فقيهاً متأدباً شاعراً، له كتب كثيرة، في كل فن.
قلت: عاش ستين سنة.
وأبو الحسن الطرازي، علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي،
ثم النيسابوري الأديب. روى عن الأصمّ، وأبي حامد بن حسنويه وجماعة، وبه
ختم حديث الأصم، توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة.
وابن عبد كويه، أبو الحسن علب بن يحيى بن جعفر، إمام جامع أصبهان، في
المحرم، حجّ وسمع بأصبهان والعراق والحجاز، وحدّث عن أحمد بن بندار
الشعّار، وفاروق الخطابي وطبقتهما، وأملى عدة مجالس.
ومحمد بم مروان بن زهر، أبو بكر الإيادي الإشبيلي المالكي، أحد أركان
المذهب، وكان واسع الرواية، عالي الإسناد، عاش ستاً وثمانين سنة، وحدّث
عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي علي القالي وطائفة، وهو والد الطبيب
عبد الملك، وجدّ الطبيب العلامة الرئيس، أبي العلا زهر.
(2/248)
ومحمد بن يوسف القطّان، الحافظ أبو أحمد
الأعرج النيسابوري، مات كهلاً، ولم ينشر حديثه. روى عن أبي عبد الله
الحاكم، وطبقته ورحل إلى العراق والشام ومصر.
ومنصور بن الحسين، أبو نصر المفسّر بنيسابور، مات قبل الطرازي، وحدّث
عن الأصم وغيره.
ويحيى بن عمّار، الإمام أبو زكريا الشيباني السجستاني الواعظ، نزيل
هراة، روى عن حامد الرّفا وطبقته، وكان له القبول التام بتلك الديار،
لفصاحته وحسن موعظته، وبراعته في التفسير والسنة، وخلّف أموالاً كثيرة،
ومات في ذي القعدة، وله تسعون سنة.
سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة
فيها ثارت الغلمان، بالسلطان جلال الدَّولة، وصمّموا على عزله وطرده،
فهرب في الليل مع جماعة من غلمانه، إلى عكبرا ونهبت داره من الغد،
ونادوا بشعار الملك أبي كاليجار، واحتاج جلال الدولة، حتى باع ثيابه في
الشوق، وامتنع أبو كاليجار، أن يجيئ إلا بشروط، ثم إن كمال الدولة أبا
سنان الأمير، أتى جلال الدَّولة، وقبّل الأرض وقال: خزائني بحكمك وأنا
أتوسط بينك وبين الجند، وزوّجه بابنته، وأعيدت خطبته.
وفيها كبس البرجميّ خاناً للتجار فقاتلوه، فقتل جماعة.
وفيها سار الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين، فدخل أصبهان بالسيف، ونهب
وقتل عالماً لا يحصون، وفعل مالا يفعله الكفرة.
(2/249)
وفيها توفي الحرفي أبو القاسم عبد الرحمن
بن عبيد الله الحرفي المحدّث. قال الخطيب: كان صدوقاً، غير أن سماعه في
بعض ما وراء عن النّجتد، كان مضطرباً، مات في شوال، وله سبع وثمانون
سنة. د والنعيمي أبو الحسن علي بن أحمد البصري الحافظ، روى عن طائفة،
ومات كهلاً. قال الخطيب: كان حافظاً عارفاً متكلماً شاعراً.
والكاغدي، أبو الفضل منصور بن نصر السمرقندي، مسند ما وراء النهر. روى
عن الهيثم الشاشي، ومحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة، توفي بسمرقند،
في ذي القعدة، وقد قارب المئة.
سنة أربع وعشرين وأربعمئة
فيها اشتد الخطب ببغداد، بأمر الحراميّة، وأخذوا أموال الناس عياناً،
وقتلوا صاحب الشرطة، وأخذوا لتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار، وبقي
الناس لا يجسرون أن يقولوا فعل البرجمي، خوفاً منه، بل يقولون عنه،
القائد أبو علي، واشتهر عنه أنه لا يتعرض لامرأة، ولا يدع أحداً يأخذ
شيئاً عليها، فلما زاد وأسرف، انتدب له جماعة أمراء وتطلّبوه، وجاءوا
إلى الأجمة التي يأوي إليها، فبرز لهم وقال: من العجب خروجكم إليّ وأنا
كل ليلة عندكم، فإن شئتم فارجعوا، وأنا أجيء إليكم، وإن شئتم فادخلوا،
فلم يتجاسروا عليه، ثم زادت العملات والكبسات، ووقع القتال في
القلائين، واحترقت أماكن وأسواق ومساجد، واستفحل الشرّ، وثارت الجند
بالسلطان جلال الدولة، وقبضوا عليه ليرسلوه إلى واسط والبصرة، وأنزلوه
في مركب، وابتلّت ثيابه وأهين، ثم رحموه، فأخرجوه وأركبوه فرساً ضعيفة
(2/250)
وشتموه فانتصر له أبو الوفاء القائد في
طائفة، وأخذوه من أيدي أولئك، وردّوه إلى داره، ثم عبر في الليل إلى
الكرخ، فدعا له أهلها، ونزل في دار الشريف المرتضى، فأصبح العسكر،
وهمّوا به، فاختلفوا، وقال بعضهم: ما بقي من بني بويه إلا هذا، وابن
أخيه أبو كاليجار، وقد سلَّم الأمر ومضى إلى بلاد فارس، ثم كتبوا له
ورقة بالطاعة والاعتذار، ثم ركب معهم إلى دار السلطنة، وأما العملات،
فازداد أمرها، وعظم البلاء فوثب الناس على أبي الحسين بن الغريق،
وقالوا: إن خطبت للبرجمي، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك، فأقيم في
الشرطة أبو الغنائم، فركب وقتل جماعة.
وفيها توفي الفشيديزجي، قاضي بخارى، وشيخ الحنفية في عصره، أبو علي
الحسن بن الخضر البخاري، روى عن محمد بن محمد بن جابر وجماعة، توفي في
شعبان، وقد خرَّج له عدة أصحاب.
وحمزة بن محمد بن طاهر، الحافظ أبو طاهر الدقّاق، أحد صحاب
الدَّراقطني، وكان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه.
وابن دنين، الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي
الطليطلي. روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته، وأكثر عن أبي محمد بن
أبي زيد بالقيروان، وعن أبي بكر المهندس، وأبي الطّيب بن غليون بمصر،
وكان زاهداً عابداً خاشعاً، مجاب الدعوة، منقطع القرين، عديم النظير،
مقبلاً على الأثر والسنة، أمَّاراً بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة
لائم، مع الهيبة والعزّة، وكان يعمل في كرمه بنفسه، رحمه الله.
(2/251)
وأبو بكر الأردستاني، محمد بن إبراهيم،
الحافظ العبد الصالح، روى صحيح البخاري عن إسماعيل بن حاجب، وروى عن
أبي حفص بن شاهين، وهذه الطبقة.
سنة خمس وعشرين وأربعمئة
فيها قتل البرجمي ويقال البرجمي، وهو مقدّم العيارين اللصوص ببغداد،
واشتغل الناس بالوباء المفرط ببغداد، فيقال مات بها سبعون ألفاً منه.
وفيها توفي البرقاني، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد اب
غالب الخوارزمي الفقيه الشافعي، مولده بخوارزم سنة ستٍ وثلاثين
وثلاثمئة، وسمع بها بعد الخمسين، من أبي العباس بن حمدان وجماعة،
وببغداد من أبي علي بن الصوّاف وطبقته، وبهراة ونيسابور وجراجان ودمشق
ومصر.
قال الخطيب: كان ثبتاً ورعاً لم ير في شيوخنا أثبت منه، عارفاً بالفقه،
كثير التّصنيف، ذا حظٍ من علم العربية، صنّف مسنداً ضمَّنه ما اشتمل
عليه الصَّحيحان، وجمع حديث الثوري، وحديث شعبة وطائفة، وكان حريصاً
على العلم، منصرف الهمة إليه. وقال أبو محمد الخلال: كان البرقاني نسيج
وحده.
وأبو علي بن شاذان البزّاز، الحسن بن أبي بكر أحمد بن
(2/252)
إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان
البغدادي، ولد سنة وثلاثين وثلاثمئة، وسمّعه أبوه من أبي عمرو بن
السماك، وأبي سهل بن زياد، والعبَّاداني وطبقتهم، فأكثر، وطال عمره،
وصار مسند العراق. قال الخطيب: كان صدوقاً صحيح السماع، يفهم الكلام
على مذهب الأشعري، سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: أبو علي أوثق من برأ
الله في الحديث، تفي في آخر يوم من السنة، ودفن من الغد، في أول سنة ست
وعشرين.
وابن شبانة العدل، أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني.
روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة، وكان صدوقاً.
وأبو الحسن الجوبري عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي
الدمشقي، كان أبوه محدّثاً، فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب وطائفة،
توفي في صفر، وكان أمّياً لا يكتب.
وعبد الوهاب بن عبد الله بن عمر، بن فضالة وطبقته، وصنّف كتباً كثيرة.
قال الكتَّاني: مات في شوال.
وعمر بن إبراهيم، أبو الفضل الهروي الزاهد. روى عن أبي بكر الإسماعيلي،
وبشر بن أحمد الإسفرييني وطبقتهما، وكان فقيهاً عالماً، ذا صدق وورع
وتبتُّل.
وأبو بكر بن مصعب التاجر، محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني.
(2/253)
روى عن ابن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار،
وجماعة، توفي في ربيع الأول.
سنة ست وعشرين وأربعمئة
البلاء بحاله ببغداد، من جهة الحرامية بل أشد، ووكثر القتل، وعظم
النهب، وخذل السلطان والأمراء، حتى لو حالوا دفع فسادٍ لزاد، وتملّك
العيّارون ببغداد في المعنى.
وفيها غزا مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فوصل كتابه، بأنه قتل
من القوم خمسين ألفاً، وسبى منهم سبعين ألفاً، وبلغت الغنيمة ما يقارب
ثلاثين ألف ألف درهم، ولكن رجع، وقد استولت الغزُّ على بلاده، فحاربهم
وجرت لهم أمور طويلة.
وفيها توفي ابن شهيد، الأديب أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن مروان بن
ذي الوزارتين، أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي
الشاعر، حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس. قال ابن حزم: توفي في
جمادى الأولى، وصلّى عليه أبو الحزم جهور، ولم يخلف له نظيراً في الشعر
والبلاغة، وكان سمحاً جواداً، عاش بضعاً وأربعين سنة.
وأبو محمد بن الشقَّاق عبد الله بن سعيد، كبير المالكية بقرطبة، ورأس
القرَّاء، توفي في رمضان، وله ثمانون سنة، أخذ عن أبي عمر بن المكوي
وطائفة.
(2/254)
وأبو بكر المنيني، محمد بن رزق الله بن أبي
عمرو الأسود، خطيب منين. روى عن علي بن أبي العقب، والحسين بن أحمد بن
أبي ثابت وجماعة. قال الوليد الدربندي:، لم يكن بالشام من يكتني بأبي
بكر غيره، وكان ثقة. وقال الكتَّاني: توفي في جمادى الأولى، وله أربع
وثمانون سنة، وكان يحفظ القرآن بأحرفٍ.
وأبو عمر الرزجاهي، محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه الأديب
المحدث، تفقه على أبي سهل الصَّعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، ومات
في ربيع الأول، وله خمس وثمانون سنة، ورزجاه من قرى بسطام، وقد تضم
راؤها، وكان يقرئ العربية.
سنة سبع وعشرين وأربعمئة
فيها دخل العيّارون - وهم مئة من الأكراد والأعراب - وأحرقوا دار صاحب
الشرطة، أبي محمد بن النسوي، وفتحوا خاناً، وأخذوا ما فيه. وأخذوا
بالكارات، والناس لا ينطقون.
وفيها شغبت الجند على الملك جلال الدَّولة، وقالوا له اخرج عنّا. فقال:
أمهلوني ثلاثة أيام، وجرت فصول طويلة، ثم تركوه لضعفهم، وردّوه إلى
السلطنة.
وفيها توفي أبو إسحاق الثَّعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري
(2/255)
المفسّر. روى عن أبي محمد المخلدي، وطبقته
من أصحاب السرّاج، وكان حافظاً واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، مت
ين الديانة، توفي في المحرم.
وأبو النعمان، تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب، روى عن أبي أحمد بن
الناصح وجماعة، توفي في ربيع الآخر بمصر، وله خمس وثمانون سنة.
وأبو القاسم حمزة بن يوسف السَّهمي الجرجاني الحافظ، من ذرّية هشام ابن
العاص، سمع سنة أربع وخمسين، من محمد بن أحمد بن إسماعيل الصرَّام صاحب
محمد بن الضريس، ورحل إلى العراق، سنة ثمان وستين، فأدرك ابن ماسي، وهو
مكثر عن ابن عديّ والإسماعيلي، وكان من أئمة الحديث، حفظاً ومعرفة
وإتقاناً.
والفلكي، أبو الفضل علي بن الحسين الهمذاني الحافظ، رحل الكثير، وروى
عن أبي الحسين بن بشران، وأبي بكر الحيري وطبقتهما، ومات شاباً قبل
أوان الرواية، ولو عاش لما تقدّمه أحد في الحفظ والمعرفة، لفرط ذكائه
وشدة اعتنائه، وقد صنّف كتاب " المنتهى في الكمال في معرفة الرجال " في
ألف جزء، لم يبيضه.
وقال شيخ الإسلام الأنصاري: ما رأيت أحداً أحفظ من أبي الفضل بن
الفلكي، قلت مات بنيسابور، وكان جدّه يلقب بالفلكي، براعته في الهيئة
والحساب، وغير ذلك.
والظاهر لإعزاز دين الله، عليّ بن الحاكم منصور بن العزيز نزاز بن
(2/256)
المعز العبيدي المصري، صاحب مصر والشام،
بويع بعد أبيه، وشرعت دولتهم في انحطاط، منذ ولي، وتغلب حسّان بن
مفرِّج الطائي، على أكثر الشام، وأخذ صالح بن مرداس حلب، وقوي نائبهم
على القيروان، وقد وزر للظاهر، الوزير نجيب الدولة، علي بن أحمد
الجرجائي، وكان هذا أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم، في سنة
أربع وأربعمئة، فكان يكتب العلامة عنه، القاضي القضاعي. ولما توفي
الظاهر، فبايعوا بعده لولده المستنصر، وهو صبيّ.
ومحمد بن المزكِّي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو عبد الله
النيسابوري، مسند نيسابور في زمانه، روى عن أبيه، وحامد الرفّا، ويحيى
بن منصور القاضي، وأبي بكر بن الهي ثم الأنباري وطبقتهم، سمع منه
الشِّيروي.
سنة ثمان وعشرين وأربعمئة
فيها أيضاً شغب العسكر على المعتز جلال الدولة وآخر الأمر، قطعت خطبته
من العراق، وأقيمت لأبي كاليجار، ثم تابوا، فخطبوا لهما معاً، ثم مشى
حال جلال الدولة، وشدَّ منه القائم بأمر الله.
وأما أمر العيارين، فكما تعهد في السنن الماضية بل أشد، فلا حول ولا
قوة إلا بالله.
(2/257)
وفيها توفي أحمد بن محمد بن علي بن منجويه
الحافظ، أبو بكر الأصبهاني اليزدي، نزيل نيسابور ومحدّثها، صنّف
التصانيف الكثيرة، ورحل ووصل إلى بخارى، وحدَّث عن أبي بكر الإسماعيلي،
وأبي بكر بن المقري وطبقتهما. روى عنه شيخ الإسلام وقال: هو أحفظ من
رأيت من البشر.
قلت: توفي في المحرم، وله إحدى وثمانون سنة، صنّف على البخاري ومسلم
والترمذي، وكان عديم المثل.
وأبو بكر بن النَّمط، أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقري، ثقة
ومسلم ةالترمذي، وكان عديم المثل.
وابو بكر بن النَّمط، أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقري، ثقة
عابد، روى عن أبي بكر الشافعي، وفاروق وطبقتهما.
وأبو الحسين القدوري، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي
الفقيه، شيخ الحنفية بالعراق، انتهت إليه رئاسة المذهب وعظم جاهه وبعد
صيته، توفي في رجب، وله ست وستون سنة، رحمه الله.
وفيها أبو علي بن سينا، الرئيس الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن
سينا صاحب التصانيف الكثيرة، في الفلسفة والطب، ومن له الذكاء الخارق،
والذهن الثاقب، أصله بلخيّ، ومولده
(2/258)
ببخارى، وكان أبوه من دعاء الإسماعيلية،
فأشغله في الصغر، وحصَّل عدة علوم قبل أن يحتلم، وتنقل في مدائن خراسان
والجبال وجرجان، ونال حشمة وجاهاً، وعاش ثلاثاً وخمس ين سنة. قال ابن
خلّكان في ترجمة ابن سينا: اغتسل وتاب وتصدّق بم معه على الفقراء، وردّ
المظالم وأعتق مماليكه، وجعل كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم
الجمعة، في شهر رمضان.
وذو القرنين، أبو المطاع بن السحن بن عبد الله بن حمدان، وجيه الدَّولة
بن الملك ناصر الدولة الموصلي، الأديب الشاعر الأمير، وليّ إمرة دمشق،
سنة إحدى وأربعمئة، وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم، ثم وليها للظاهر، سنة
اثنتي عشرة، وعزل، ثم وليها ثالثاً، سنة خمس عشرة، فبقي إلى سنة تسع
عشرة، وله شعرٌ فائق، توفي في صفر.
وعبد الغفار بن محمد المؤدِّب، أبو طاهر البغدادي، روى عن أبي بكر
الشافعي، وأبي علي بن الصواف، وعاش ثلاثاً وثمانين سنة.
وعثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف، أبو عمرو البغدادي، صدوق. روى
عن النجّاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني توفي في صفر.
وأبو الحسن الحنائي، علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي، المقري المحدث
الحافظ الزاهد. روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق، ورحل إلى مصر، وخرّج
لنفسه معجماً كبيراً. قال الكتَّاني: توفي شيخنا وأستاذزنا أبو الحسن،
في ربيع الأول، وكان من العبّاد، وكانت له جنازة عظيمة، ما رأيت مثلها،
وعاش ثمانياً وخمسين سنة.
(2/259)
وأبو علي، محمد بن أحمد بن أبي موسى
العاشمي البغدادي الحنبلي، صاحب التصانيف، ومن إليه انتهت رئاسة
المذهب، أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره، وحدَّث عن ابن المظفّر، وكان
رئيساً رفيع القدر، بعيد الصيت.
وابن باكويه، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله
الشيرازي الصوفي، أحد المشايخ الكبار، وصاحب محمد بن خفيف، رحل وعني
بالحديث، وكتب بفارس والبصرة وجرجان وخراسان وبخارى ودمشق والكوفة
وأصبهان فأكثر، وحدَّث عن أبي أحمد بن عدي والقطيعي وطبقتهما.
قال أبو صالح المؤذِّن: نظرت في أجزائه فم أجد عليها آثار السماع،
وأحسن ما سمعت عليه الحكايات.
ومهيار بن مرزويه الدَّيلمي، أبو الحسن الكاتب الشاعر المشهور، كان
مجوسياً، فأسلم على يد أستاذه في الأدب، الشر يف الرضي، فطلع رافضياً
جلداً، وديوانه في ثلاثة مجلدات، وكان مقدّماً على شعراء العصر.
سنة تسع وعشرين وأربعمئة
فيها توفي أبو عمر الطلمنكي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى
المعافري الأندلسي المقري المحدّث الحافظ، عالم أهل قرطبة صاحب
التصانيف، وله تسعون سنة. روى عن أبي عيسى اللَّيثي، وأحمد بن عون
الله، وحجّ، فأخذ بمصر عن أبي بكر الأرموي وأبي بكر
(2/260)
المهندس، وخلق كثير. وكان خبيراً في علوم
القر آن، تفسيره وقراءاته وإعرابه وأحكامه ومعانيه، وكان ثقة، صاحب
سنّة واتباع، ومعرفة بأصول الديانة.
قال ابن بشكوال: كان سيفاً مجرَّداً على أهل الأهواء والبدع، قامعاً
لهم، غيوراً على الشريعة، شديداً في ذات الله تعالى رحمه الله.
وأبو يعقوب القرّاب، إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي، ثم الهروي
الحافظ، محدّث هراة، وله سبع وسبعون سنة. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي
وخلق كثير، وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس، وصنّف تصانيف كثيرة،
وكان زاهداً صالحاً، مقلاًّ من الدنيا.
ويونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد،
ويعرف بابن الصفّار، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن محمد بن معاوية
القرشي، وأبي عيسى اللّيثي والكبار. وتفقه على أبي بكر ابن زرب، وولي
القضاء مع الخطابة والوزارة، ونال رئاسة الدين والدنيا. وكان فقيهاً
صالحاً عدلاً، حجّة علامة في اللغة والعربية والشعر، فصيحاً مفوهاً،
كثير المحاسن، له مصنفات في الزهد وغيره، توفي في رجب.
سنة ثلاثين وأربعمئة
فيها قويت شوكة الغزّ، وتملك بنو سلجون خراسان، وأخذوا البلاد من
السلطان مسعود.
وفيها لقِّب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة، بالملك العزيز، وهو أول
من لقِّب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا.
(2/261)
وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن
عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف بن
البنا، بأصبهان، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة. اعتنى به أبوه، وسمّه
في سنة أربع وأربعين وثلاثمئة، وبعدها استجار له خيثمة الأطرابلسي
والأصم وطبقتهما، وتفرّد في الدنيا بعلّو الإسناد، مع الحفظ والاستجاؤ
من الحديث وفنونه. روى عن ابن فارس والعسّال، وأحمد بن معبد السمسار،
وأبي علي بن الصواف، وأبي بكر بن خلاد وطبقتهم، بالعراق والحجاز
وخراسان، وصنَّف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار.
وأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحرث التميمي، أبو بكر
الأصبهاني المقري النحوي، سكن نيسابور، وتصدَّر للحديث والإقراء
العربيّة، وروى عن أبي الشيخ وجماعة، ورى السُّنن عن الدارقطني، توفي
في ربيع الأول، وله إحدى وثمانون سنة.
والحيري، أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسّر.
روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وطبقته، وصنّف التصانيف في القراءات
والتفسير والوعظ والحديث، وكان أحد الأئمة.
قال الخطيب: قدم علينا حاجّاً، ونعم الشيخ كان علماً وأمانة وصدقاً
وخلقاً. ولد سنة إحدى وستين وثلاثمئة، وكان معه صحيح البخاري، فقرأت
جميعه عليه في ثلاثة مجالس
(2/262)
وقال عبد الغافر: كان من العلماء العاملين،
نفّاعاً للخلق مباركاً.
والدَّبوسي، القاضي العالامة أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي -
ودبوسة: بليدة بين بخاري وسمرقند - كان أحد من يضرب به المثل في النظر
واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، وكان شيخ تلك
الديار، توفي ببخارى.
وابن بشران، المحدّث أب القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله ابن
بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي الواعظ، مسند وقته ببغداد، في
ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة، سمع النجّاد، وأبا سهل القطّان،
وحمزة الدهان وطبقتهم.
قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً صالحاً، وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحدّ،
ويفوت الإحصاء، رحمه الله.
وأبو منصور الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الأديب
الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، عاش ثمانين سنة.
والحوفي، مؤلف " الاعراب للقرآن " في عشرة مجلدات وتلميذ الأدفوي،
انتفع به أهل مصر، وتخرّجوا به في النحو، واسمه أبو الحسن علي بن
إبراهيم.
وأبو عمران الفاسي، موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري
(2/263)
الغفجومي - وغفجوم بطن من زناتة قبيلة من البربر بالمغرب - شيخ
المالكية بالقيروان، وتلميذ أبي الحسن القابسي. دخل الأندلس، وأخذ عن
عبد الوارث بن سفيان وطائفة، وحجّ مرات، وأخذ علم الكلام ببغداد، عن
ابن الباقلاَّني، وقرأ على الحمامي، وكان إماماً في القراءات، بصيراً
في الحديث، رأساً في الفقه، تخرج به خلق في المذهب، ومات في رمضان، وله
اثنتان وستون سنة. |