العبر في خبر من غبر، من سنة 451 إلى 460
سنة إحدى وخمسين
وأربعمئة
فيها رجع السلطان طغرلبك إلى بغداد، فهرب آل البساسيري وحشمه، وأهل
الكرخ بأهاليهم، على كل صعب وذلول، فنهبتهم العربان، وكانت أيام
البساسيري سنة كاملة، وعاد القائم بأمر الله إلى مقرّ عزّه، وسار
عسكره، فالتقاهم البساسيري في ذي الحجة، فقتل وطيف برأسه ببغداد.
وفيها انعقد الصلح بين صاحب غزنة، إبراهيم بن مسعود السبكتكيني، وبين
جغريبك، أخي طغرلبك السلجوقي، بعد حروب طويلة، أضرست الفريقين، وفرح
المسلمون بالاتفاق، فلم ينشب جغريبك أن توفي.
(2/297)
وفيها توفي ابن سميق، أبو عمر أحمد بن يحيى
بن أحمد بن سميق القرطبي، نزيل طليطلة، ومحدّث وقته. روى عن أبي
المطرّف بن فطيس، وابن أبي زمنين وطبقتهما. وكان قويّ المشاركة في عدّة
علوم، حتى في الطب، مع العبادة والجلالة، وعاش ثمانين سنة.
والأمير المظفّر أبو الحارث أرسلان التركي البساسيري قال: وهي نسبة إلى
مدينة فسا - ويقال بسا - وأهل فارس ينسبون إليها هكذا، وهي نسبة شاذة
على غير الأصل، والأصل فسويّ.
وأبو عثمان النجيرمي، سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري، محدّث
خراسان ومسندها. روى عن جدّه أبي الحسين، وأبي عمرو بن حمدان وطبقتهما،
ورحل إلى مرو، وإسفرايين وبغداد وجرجان، توفي في ربيع الآخر.
وأبو المظفر عبد الله بن شبيب الضبيّ، مقرئ أصبهان وخطيبها وواعظها
وشيخها وزاهدها، أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي، وسمع من أبي عبد
الله بن مندة وغيره، توفي في صفر.
وأبو الحسن الزوزني، علي بن محمود بن ماخرة، شيخ الصوفية، ببغداد، في
رمضان، عن خمس وثمانين سنة، وكان كثير الأسفار، سمع بدمشق من عبد
الوهاب الكلابي وجماعة.
والعشاري، أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي الصالح، روى
(2/298)
عن الدارقطني وطبقته، وعاش خمساً وثمانين
سنة، وكان جدّه طويلاً، فلّقبوه العشاري، وكان أبو طالب فقيهاً، تخرّج
على أبي حامد، وقبله على ابن بطة، وكان خيّراً عالماً زاهداً.
سنة اثنين وخمسين وأربعمئة
فيها حاصر محمود الكلابي حلب، فأخذها ثم ثم واقع المصريين بظاهر حلب.
وتعرف بوقعة الفنيدق، فهزمهم واستولى على حلب، بعد أن نهبها المصريون.
وفيها حاصر عطية الكلابي الرحبة، وضيَّق عليهم فأخذها.
وفيها توفي الماهر، أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن فضال الحلبي
الموازيني، الشاعر المفلق بالشام.
وعلي بن حميد، أبو الحسن الذهلي، إمام جامع همذان، وركن السنَّة
والحديث بها. روى عن أبي بكر بن لال وطبقته، وقبره يزار ويتبرك به.
والقزوين، محمد بن أحمد بن علي المقرئ، شيخ الإقراء بمصر، أخذ عن طاهر
بن غلبون، وسمع من أبي الطّيب والد طاهر، وعبد الوهاب الكلابي، وطائفة
توفي في ربيع الآخر.
وابن عمروس، أبو الفضل محمد بن عبد الله البغدادي، الفقيه المالكي.
قال الخطيب: انتهت إليه الفتوى ببغداد، وكان من القرّاء المجوّدين،
حدَّث عن ابن شاهين، وجماعة، وعاش ثمانين سنة.
(2/299)
سنة ثلاث وخمسين
وأربعمئة
فيها توفي أبو العباس بن نفيس، شيخ القراء، أحمد بن سعيد بن أحمد بن
نفيس المصري، في رجب، وقد نيّف على التسعين، وهو أكبر شيخ لابن الفحام،
قرأ على السَّامري، وأبي عديّ عبد العزيز، وسمع من أبي القاسم الجوهري
وطائفة، وانتهى إليه علوّ الإسناد في القراءات، وقصد من الآفاق.
وصاحب ميَّافارقين وديار بكر، نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك
الكردي، وكان عاقلاً حازماً عادلاً، لم تفته الصبح، مع انهماكه على
اللذات، وكان له ثلاثمئة وستون سرّية، يخلو كل ليلة بواحدة، وكانت
دولته إحدى وخمسين سنة، وعاش سبعاً وسبعين سنة، وقام بعده ولده نصر.
وأبو مسلم عبد الرحمن بن غزو النهاوندي العطّار، حدث عن أحمد بن فراس
العبقسي، وخلق. وكان ثقة صدوقاً.
وابو أحمد المعلّم عبد الواحد بن أحمد الأصبهاني، راوي مسند أحمد بن
منيع، عن عبد الله بن جميل، وروى عن جماعة، وتوفي في صفر.
وعلي بن رضوان، أبو الحسن المصري الفيلسوف، صاحب التصانيف، وكان رأساً
في الطب وفي التنجيم، من أذكياء زمانه بديار مصر.
وأبو القاسم السميساطي واقف الخانكاه، عليّ بن محمد بن يحيى السمي
الدمشقي، روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره، وكان بارعاً في الهندسة
والهيئة، صاحب حشمة وثروة واسعة، عاش ثمانين سنة.
(2/300)
وقريش بن بدران بن مقلَّد بن المسيب
العقيلي، أبو المعالي، ولي الموصل عشراً، وذبح عمّه قرواش بن مقلّد
صبراً، مات بالطاعون، عن إحدى وخمسين سنة، وقام بعده ابنه شرف الدولة
مسلم، الذي استولى على ديار ربيعة ومضر وحلب، وحاصر دمشق، وكاد أن
يملكها، وأخذ الحمل من بلاد الروم.
وأبو سعد الكنجروذي، محمد بن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري، الفقيه
النحوي الطبيب الفارس، قال عبد الغافر: له قدمٌ: في الطب والفروسية
وأدب السلاح، كان بارع وقته، لاستجماعه فنون العلم، حدّث عن أبي عمرو
بن حمدان وطبقته، وكان مسند خراسان في عصره، توفي في صفر.
سنة أربع وخمسين وأربعمئة
فيها بلغت دجلة إحدى وعشرين ذراعاً، وغرقت بغداد.
وفيها التقى صاحب حلب معز الدولة، ثمال بن صالح الكلابي وملك الروم،
على أرتاح، من أعمال حلب، وانتصر المسلمون، وغنموا وسبوا، حتى أبيعت
السرِّيَّة الحسناء بمائة درهم، وبعدها بيسير، توفي ثمال بحلب.
وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري، أحمد بن إبراهيم بن موسى،
المقرئ المجوّد، الرئيس الكامل. توفي في شعبان وهو في عشر التسعين.
روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة. وروى " الغاية في القراءات " عن ابن
مهران المصنف.
وأبو محمد الجوهري، الحسن بن علي الشيرازي ثم البغدادي المقنَّعي، لأنه
كان يتطليس ويلفها من تحت حنكه، انتهى إليه علوّ الرواية في الدنيا،
(2/301)
وأملى مجالس كثيرة، وكان صاحب حديث، روى عن
أبي بكر القطيعي، وأبي عبد الله العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهم، وعاش
نيِّفاً وتسعين سنة، توفي في سابع ذي القعدة.
وابو نصر زهير بن الحسين السرخسي الفقيه الشافعي، مفتي خراسان، أخذ
ببغداد عن أبي حامد الإسفراييني، ولزمه وعلّق عنه تعليقه مليحة. وروى
عن زاهر السرخسي، والمخلّص وجماعة. توفي بسرخس، وقيل توفي في سنة خمس
وخمسين، فالله أعلم.
وعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي، أبو الفضل الرازي،
الإمام المقرئ الزاهد، أحد العلماء العاملين. قال أبو سعد السمعاني:
كان مقرئاً، كثير التصانيف، زاهداً خشن العيش، قانعاً منفرداً عن
الناس، يسافر وحده، ويدخل البراري، سمع بمكة من ابن فراس، وبالريّ من
جعفر بن فناكي، وبنيسابور من السلمي، وبنسا من محمد بن زهير النسويّ،
وبجرجان من أبي نصر الإسماعيلي، وبأصبهان من ابن مندة الحافظ، وببغداد
والبصرة والكوفة وحرّان وفارس ودمشق ومصر، وكان من أفراد الدهر.
وأبو حفص الزهراويّ، عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي، محدّث الأندلس
مع ابن عبد البرّ، توفي في صفر، عن ثلاث وتسعين سنة، روى عن عبد الوارث
بن سفيان، وأبي محمد بن أسد والكبار. ولحقته في آخر عمره فاقة، فكان
يستعصى، وتغيّر ذهنه.
والقضاعي، القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر المصري، الفقيه
الشافعي، قضي الديار المصرية، ومصنّف كتاب " الشهاب " روى عن أبي
(2/302)
مسلم الكاتب فمن بعده. وقال ابن ماكولا:
كان متفنّناً في عدّة علوم، لم أر بمصر من يجري مجراه. قال الحبّال:
توفي في ذي الحجة.
والمعزّ بن باديس بن منصور بن بلَّكين الحميري الصنهاجي، صاحب المغرب،
وكان الحاكم العبيدي قد لقّبه شرف الدولة، وأرسل له الخلعة والتقليد،
في سنة سبع وأربعمئة، وله تسعة أعوام، وكان ملكاً جليلاً عالي الهمَّة،
محبّاً للعلماء، جواداً ممدّحاً، أصيلاً في الإمرة، حسن الديانة، حمل
أهل مملكته على الاشتغال بمذهب مالك، وخلع طاعة العبيديين في أثناء
أيامه، وخطب لخليفة العراق، فجهز المستنصر لحربه جيشاً، وطال حربهم له،
وخرّبوا حصون برقة وأفريقية، توفي في شعبان بالبرص، وله ست وخمسون سنة.
سنة خمس وخمسين وأربعمئة
فيها قدم السلطان طغرلبك بغداد، فعاث جيشه وفسقوا، ونزلوا في دور
الناس، وهجم جماعة على حمّامين، وأخذوا ما استحسنوا من النساء. ثم رجع
إلى الريّ، بعد أن دخل بابنة القائم بأمر الله، فمات في رمضان، وله
سبعون سنة، وعاش عقيماً ما بشّر بولد، فعهد بالسلطنة إلى ابن أخيه
سليمان بن جغريبك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه سليمان بن
جغريبك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه ألب أرسلان، فاستولى
على ممالك عمّه مع ما في يده.
وفيها أحمد بن محمود، أبو طاهر الثقفي الأصبهاني المؤدِّب، سمع كتاب "
العظمة " من أبي الشيخ، وما ظهر سماعه منه إلا بعد موته، وكان صالحاً
ثقة سنيّاً، كثير الحديث، توفي في ربيع الأول، وله خمس وتسعون سنة. روى
عن أبي بن المقرئ، وجماعة.
(2/303)
وسبط بحرويه، أبو القاسم إبراهيم بن منصور
السلمي الكرَّاني الأصبهاني، صالح ثقة عفيف. روى مسند أبي يعلى عن ابن
المقرئ، ومات في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة.
وأبو يعلى الصابوني، إسحاق بن عبد الرحمن النيسابوري، أخو شيخ الإسلام،
أبي عثمان. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وأبي محمد
المخلدي وطبقتهما. وكان صوفياً مطبوعاً، ينوب عن أخيه في الوعظ، توفي
في ربيع الآخر، وقد جاوز الثمانين.
وطغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، السلطان الكبير، ركن الدين أبو
طالب التركي الغزّي السلجوقي، أول ملوك السلجوقيّة. وأصلهم من أعمال
بخارى، وهم أهل عمود، أول ما ملك هذا الريّ، ثم نيسابور، ثم أخذ أخوه
داود بلخ وغيرها، واقتسما الممالك، وملك طغرلبك العراق، وقمع الرافضة،
وزال به شعارهم، وكان عادلاً في الجملة، حليماً كريماً محافظاً على
الصلوات، يصوم الاثنين والخميس، ويعمر المساجد، توفي بالريّ، فحملوا
تابوته، فدفنوه بمرو عند قبر أخيه، داود جغرايبك.
ومحمد بن حمدون السلمي، أبو بكر النيسابوري، آخر من روى عن أبي عمرو بن
حمدان، توفي المحرم.
سنة ست وخمسين وأربعمئة
فيها قبض السلطان ألب أرسلان السلجوقي، على الوزير عميد
(2/304)
الملك الكندري ثم قتله، وتفرّد بوزارته
نظام الملك الطوسي، فأبطل ما كان عمد طغرلبك ووزيره الكندري، من سبّ
الأشعرية على المنابر، وانتصر للشافعية، وأكرم إمام الحرمين أبا
المعالي وأبا القاسم القشيري. ونازل ألب أرسلان هراة، فأخذها من عمه
ولم يؤذه، وأخذ صغانيان، وقتل ملكها.
والتقى قتلمش قرابته، فقتل قتلمش في المصافّ، فحزن عليه وندم، ثم تسلّم
الريّ، وسار إلى أذربيجان، وجمع الجيوش، وغزا الروم، فافتتح عدّة حصون،
وهابته الملوك، وعظم سلطانه وبعد صيته، وتوفر الدعاء له بكثرة ما افتتح
من بلاد النصارى، ثم رجع إلى أصبهان، ومنها إلى كرمان. ثم زوّج ابنه
ملكشاه بابنة صاحب غزنة، فوقع الائتلاف، واتفقت الكلمة والله الحمد.
وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد بن عاصم النخشبي - ونخشب هي نسف
- روى عن جعفر المستغفري، وابن غيلان، وطبقتهما، بخراسان وأصبهان
والعراق والشام، ومات كهلاً، وكان من كبار الحفّاظ.
وأبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي، صاحب
التصانيف. قال الخطيب: كان مضطلعاً بعلوم كثيرة، منها النحو واللغة
والنسب وأيام العرب والمتقدمين، وله أنس شديد بعلم الحديث.
وقال ابن ماكولا: سمع من ابن بطة، وذهب بموته علم العربية من بغداد.
وكان أحد من يعرف الأنساب، لم أر مثله، وكان فقيهاً حنفياً، أخذ علم
الكلام عن أبي الحسين البصري، وتقدّم فيه. وقال ابن الأثير: له اختيار
في الفقه، وكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس، ولا يقبل من أحد شيئاً.
مات في جمادى الآخرة، وقد جاوز الثمانين، وكان يميل إلى إرجاء
المعتزلة، ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار.
(2/305)
وأبو شاكر، عبد الواحد بن محمد التجيبي
القبري، نزيل بلنسة، أجاز له أبو محمد بن أبي زيد، وسمع من أبي محمد
الأصيلي، وأبي حفص بن نابل وولي القضاء والخطبة ببلنسة، وعمّر.
وأبو محمد بن حزم، العلامة علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب ابن
صالح الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظَّاهري، صاحب
المصنفات، مات مشرداً عن بلده، من قبل الدولة، ببادية لبلة، بقرية له،
ليومين بقيا من شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن أبي عمر بن
الجسور، ويحيى بن مسعود، وخلق. وأول سماعه سنة تسع وتسعين وثلاثمئة،
وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسعه العلم بالكتاب والسنّة،
والمذاهب والملل والنِّحل، والعربية والآداب، والمنطق والشعر، قال
الغزالي: والديانة والذمّة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب، قال
الغزالي: وجدت في أسماء الله كتاباً لأبي محمد بن حزم، أجمع أهل
الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً مع توسعة في علم اللسان
والبلاغة والشعر والسير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل، انه اجتمع عنده
بخط أبيه من تآليفه، نحو أربعمئة مجلد.
وابن النرسي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسون
البغدادي، في صفر، عن تسع وثمانين سنة، روى في مشيخته عن محمد بن
إسماعيل الوراق وطبقته.
وقتلمش بن أسرائيل بن سلجوق، الملك شهاب الدولة، وابنّ عمّ
(2/306)
السلطان طغرلبك، كانت له قلاع وحصون بعراق
العجم، فعصى على قرابته، السلطان ألب أرسلان وواقعه، فقتل في المعركة،
وهو جدّ سلاطين الروم السلجوقية، وكان بطلاً شجاعاً.
والمطرِّز، صاحب المقدّمة اللطيفة، محمد بن علي بن محمد بن صالح
السُّلمي الدمشقي، أبو عبد الله النحوي المقرئ، في ربيع الأول، روى عن
تمام وجماعة، وآخر من حدَّث عنه، النسيب ي فوائده.
وأبو سعيد الخشاب، محمد بن علي بن محمد النَّيسابوري المحدّث، خادم أبي
عبد الرحمن السلمي، روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف وطائفة.
وعميد الملك، الوزير أبو نصر محمد بن منصور الكندري. وزير السلطان
طغرلبك، كان من رجال العالم، حزماً ورأياً وشهامةً وكرماً، وكان قد
حيَّ مذاكيره لأمرٍ، ثم قتله ألب أرسلان بمرو الرُّوذ، في آخر العام،
وحمل رأسه إلى نيسابور.
سنة سبع وخمسين وأربعمئة
فيه ادخل السلطان ألب أرسلان إلى ما وراء النهر، فنازل مدينة جند،
وجدُّ سلحوق مدفون بها، فنزل صاحبها إلى خدمته، فأحسن إليه وأقرَّه
بها.
فيها توفي العيّار، سعيد بن أبي سعيد أحمد بن محمد بن نعيم أبو عثمان
النيسابوري الصوفي. روى صحيح البخاري، عن محمد بن شبُّويه، وروى عن أبي
ظاهر بن خزيمة، والمخلدي والكبار، وانتقى عليه البيهقي، توفي بغزنة
(2/307)
في ربيع الأول، وله مائة سنة وزيادة، وقد
رحلبنفسه في الحديث، سنة ثمان وسبعين وثلاثمئة.
سنة ثمان وخمسين وأربعمئة
قال ابن الأثير: فيها ولدت بنت لها رأسان ورقبتان ووجهان، على بدن
واحد، ببغداد بباب الأزج.
وفيها توفي البيهقي، الإمام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي
الخسروجردي الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف، توفي عاشر جمادى الأول
بنيسابور، ونقل تابوته إلى بيهق، وعاش أربعاً وسبعين سنة، لزم الحاكم
مدة، وأكثر عن أبي الحسن العلوي، وهو أكبر شيوخه، وسمع ببغداد من هلال
الحفّار، وبمكة والكوفة، وبلغت تصانيفه ألف جزء، ونفع الله بها
المسلمين شرقاً وغرباً، لإمامة الرجل ودينه وفضله وإتقانه، فالله
يرحمه.
وعبد الرزاق بن عمر بن سمه، أبو الطيب الأصبهاني التاجر، روى عن ابن
المقرئ.
وأبو الحسن بن سيده، علي بن إسماعيل المرسي العلامة، صاحب المحكم في
اللغة، وكان أعمى بن أعمى، رأساً في العربية، حجّة في نقلها. قال أبو
عمر الطلمنكي: أتوني بمرسية ليسمعوا مني غريب المصنف، فقلت انظروا من
يقرأ لكم، فأتوني برجل أعمى، يعرف بابن سيده، فقرأه، فعجبت من حفظه.
والعبّادي، القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد الهروي، شيخ
(2/308)
الشافعية، وصاحب التصانيف، تفقه على القاضي
أبو منصور الأزدي، وبنيسابور علي أبي عمر البسطامي، وكان إماماً دقيق
النظر، واسع العلم، له " المبسوط " و " أدب القاضي " و " الهادي ".
وتوفي في شوال، عن ثلاث وثمانين سنة.
وأبو يعلى بن الفرّاء، شيخ الحنابلة، القاضي الحبر محمد بن الحسين بن
محمد بن خلف البغدادي، صاحب التصانيف، وفقيه العصر، كان إماماً لا يدرك
الحربي، والمخلّص وطبقتهما، وأملى عدَّة مجالس، وولي قضاء الحريم،
وتوفي في تاسع عشر رمضان، تفقّه على أبي عبد الله بن حامد وغيره، وجميع
الطائفة معترفون بفضله، ومغترفون من بحره.
سنة تسع وخمسين وأربعمئة
في ذي القعدة، فرغت المدرسة النظامية، التي أنشأها الوزير نظام الملك
ببغداد، وقرّر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق، واجتمع الناس فلم يحضر لأنه
لقيه صبيّ فقال: كيف تدرّس في مكان مغضوب؟ فوسوسه، فاختفى، فلما آيسوا
من حضوره، درس ابن الصبّاغ، مصنف " الشامل "، فلما وصل الخبر إلى
الوزير، أقام القيامة على أبي سعيد، فلم يزل يرفق بأبي إسحاق، حتى درّس
بها، وعمد العميد إلى قبر أبي حنيفة، فبنى عليه قبة عظيمة، أنفق عليها
الأموال.
وفيها توفي ابن طوق، أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي،
الراوي عن نصر المرجي، صاحب أبي يعلى، توفي بالموصل في
(2/309)
رمضان، وله سبع وسبعون سنة.
وابو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري، روى عن أبي
الفضل بن خزيمة وطائفة، توفي في رمضان، وكان بزّازاً.
وأبو القاسم الحنّائي، صاحب الأجزاء الحنائيات، الحسين بن محمد بن
إبراهيم الدمشقي المعدّل الصالح، وله ثمانون سنة. روى عن عبد الوهاب
الكلابي، والحسن بن محمد بن درستويه وطائفة.
وابو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المعتزلي، محمد بن علي بن محمد ابن
مهر بزد، آخر أصحاب ابن المقرئ موتاً، له تفسير في عشرين مجلداً، توفي
في جمادى الآخرة، وله ثلاث وتسعون سنة.
سنة ستين وأربعمئة
فيها وقبلها، كان الغلاء العظيم بمصر.
وفيها كانت الزلزلة التي هلك فيها بالرملة وحدها، على ما ورّخ ابن
الأثير، خمسة وعشرون الفاً وقال: انشقت صخرة بيت المقدس، وعادت بأذن
الله، وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم، وردّ.
وفيها توفي الباطرقاني، أبو بكر احمد بن الفضل الأصبهاني المقرئ
الأستاذ، توفي في صفر، عن ثمان وثمانين سنة، وله مصنفات في القراءات،
وكان صاحب حديث وحفظ، روى عن أبي عبد الله بن مندة وطبقته.
وابن القطّان، أبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى القرطبي المالكي، رئيس
المفتين بالأندلس، وله سبعون سنة. روى عن يونس بن عبد الله القاضي
وجماعة.
(2/310)
وخديجة بنت محمد بن علي الشَّاهجانيَّة الواعظة ببغداد، كتبت بخطها عن
ابن سمعون، وتوفيت في المحرم، عن أربع وثمانين سنة.
وعائشة بنت الحسن الوركانية الأصبهانيَّة. روت عن أبي عبد الله بن
مندة.
وعبد الدائم بن الحسن الهلالي الحوراني ثم الدمشقي، آخر أصحاب عبد
الوهاب الكلابي، عن ثمانين سنة. |