العبر في خبر من غبر، من سنة 491 إلى 500

سنة إحدى وتسعين وأربعمئة
في جمادى الأولى، ملكت الفرنج أنطاكية بالسيف، ونجا صاحبها باغي سيان في ثلاثين فارساً، ثم ندم حتى غشي عليه من الغمّ، فأركبوه فلم يتماسك، فتركوه ونجوا، فعرفه أرمني حطّاب، فقطع رأسه وحمله إلى ملك الفرنج، وعظم المصاب على المسلمين برواح أنطاكية وأهلها، ثم أخذت الفرنج المعرّة وكفرطاب بالسيف، ثم تجمع عساكر الجزيرة والشام، فعملوا مع الفرنج مصافّاً فتخاذلوا وهزمتهم الفرنج.
وفيها توفي أبو العباس، أحمد بن عبد الغفار بن أشتة الأصبهان.
روى عن علي بن ميلة، وأبي سعيد النقاش وطائفة، وعاش اثنتين وثمانين سنة.
وسهل بن بشر، أبو الفرج الإسفراييني، ثم الدمشقي الصوفي المحدّث، سمع بدمشق من ابن سلوان وطائفة، وبمصر من الطفال وطبقته، ولد ببسطام، في سنة تسع وأربعمئة، ومات بدمشق في ربيع الأول.
وطرّاد بن محمد بن علي، النقيب الكامل، أبو الفوارس الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي، نقيب النقباء، ومسند العراق. روى عن هلال الحفّ؟ ار وابن رزقويه، وأبي نصر النرسي وجماعة، وأملى مجالس كثيرة، وازدحموا عليه،

(2/364)


ورحلوا إليه، وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة، توفي في شوال، وله ثلاث وتسعون سنةً.
وأبو الحسن الكرجي، مكي بن منصور بن محمد بن علان، الرئيس السلار، نائب الكرج ومعتمدها، توفي بأصبهان، في جمادي الأولى، عن بضع وتسعين سنة، رحل وسمع من الحيري، والصيرفي، وأبي الحسين بن بشران وجماعة. وكان محمود السيرة وافر الحرمة.
وهبة الله بن عبد الرزاق، أبو الحسن الأنصاري البغدادي، رئيس جليل خيّر، توفي في ربيع الآخر، عن تسع وثمانين سنة. روى عن هلال وجماعة، وهو آخر من حدَّث عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي.
سنة اثنتين وتسعين وأربعمئة
فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها، وقويت شوكتهم، وأخذت الفرنج لعنهم الله بيت المقدس، بكرة يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، بعد حصار شهر ونصف. قال ابن الأثير: قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى، ما يزيد على سبعين ألفاً.
وفيها ابتداء دولة محمد بن السلطان ملكشاه، وكان أخوه بركياروق أقطعه كنجه، فكبر وطلع شهماً شجاعاً مهيباً، فتسارعت إليه العساكر، فسار إلى الريّ فتملكها، فسار إلى خدمته سعد الدولة كوهرايين، فاحترمه وولاه نيابة بغداد، فجاء وأقام بها الخطبة لمحمد. ولقّبوه غياث الدنيا والدين.

(2/365)


وفيها توفي أبو الحسين، أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي، ثقة جليل القدر. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، توفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة.
وأبو القاسم الخليلي، أحمد بن محمد الدُّهقان، عن مئة سنة وسنة، وسنة، حدَّث ببلخ بمسند الهيثم بن كليب، عن أبي القاسم الخزاعي عنه، توفي في صفر.
وأبو تراب المراغي عبد الباقي بن يوسف، نزيل نيسابور. قال السمعاني: عديم النظير في فنه، بهيّ المنظر، سليم النفس، عاملٌ بعلمه، نفّاعٌ للخلق، فقيه النفس، قويّ الحفظ، تفقه ببغداد على أبي الطيّب الطبري، وسمع أبا علي بن شاذان، توفي في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة.
والخلعي القاضي، أبو الحسن علي بن الحسن المصري، الفقيه الشافعي، وله ثمان وثمانون سنة، سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس، وأبا سعد الماليني وطائفة، وانتهى إليه علوّ الإسناد بمصر، قال ابن سكّرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوماً واستعفى، وانزوى بالقرافة، توفي في ذي الحجة.
قلت: وكان يوصف بدين وعبادة.
وأبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزاز، ببغداد، وتوفي يوم عرفة، عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن أبي علي بن شاذان والحرفي.
ومكّي بن عبد السلام، وأبو القاسم بن الرميلي المقدسي الحافظ، أحد

(2/366)


من استشهد بالقدس، رحل وجمع وغني بهذا الشأن، وكان ثقة متحرياً. روى عن محمد بن يحيى بن سلوان المازني، وأبي عثمان بن ورقا، وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهم. وعاش ستين سنة.
سنة ثلاث وتسعين وأربعمئة
فيها قدم السلطان بركياروق بغداد، وفي خدمته صاحب الحلَّة، صدقة بن مزيد فأعيدت خطبته، ولم يؤاخذ كوهرايين، ثم سار بالعساكر، فالتقى هو وأخوه محمد، فانهزم جيش بركياروق، وسار في خمسين فارساً، فدخل خراسان، فالتقاه أخوه سنجر، فانهزم الجمعان، وذلك من أغرب الاتفاق، فسار بركياروق إلى جراجان، ثم دخل البريّة، وطلب أصبهان، فسبقه أخوه محمد إليها.
وفيها لقي كمشتكين بن الدانشمند، صاحب ملطية، وسيواس الفرنج، بقرب ملطية، فكسرهم اسر ملكهم بيمند، ووصل في البحر سبعة قوامص، فأخذوا قلعة أنكوريّة، وقتلوا أهلها. قال ابن الأثير: فالتقاهم ابن الدانشمند، فلم يفلت أحد من الفرنج، سوى ثلاثة آلاف، هربوا في الليل، قال: وكانوا ثلاثمئة ألف.
وفيها توفي العبّاداني، أبو طاهر جعفر بن محمد القرشي البصري، روى عن أبي عمر الهاشمي أجزاء ومجالس، وكان شيخاً صالحاً أمياً معمّراً.
والنعالي، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمّامي، رجل عاميّ من أولاد المحدّثين، عمَّر دهراً، وانفرد بأشياء. روى عن أبي عمر بن مهدي وأبي سعد الماليني وطائفة. توفي في صفر.
وسليمان بن عبد الله بن الفتى، أبو عبد الله النَّهراوني النحوي اللغوي،

(2/367)


صاحب التصانيف، من ذلك كتاب " القانون " في اللغة، عشر مجلدات، وكتاب في " التفسير " تخرّج به أهل أصبهان، وروى عن أبي طالب بن غيلان وغيره، وهو والد الحسن، مدرس النظامية.
وعبد الله بن جابر بن ياسين، أبو محمد الحنّائي الحنبلي، تفقه على القاضي أبي يعلى، وروى عن أبي علي بن شاذان، وكان ثقة نبيلاً.
وعبد القاهر بن عبد السلام، أبو الفضل العباسي النقيب المكّي المقرئ، أخذ القرءات عن أبي عبد الله الكاريني، وتصدّر للإقراء ببغداد.
وأبو الفضل عبد الكريم بن المؤمّل السلمي الكفرطابي، ثم الدمشقي البزاز. روى جزءاً عن عبد الرحمن بن أبي نصر.
وعميد الدولة، أبو منصور محمود بن فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، الوزير، وزر للمقتدي بالله، سنة اثنتين وسبعين، ثم عزل بعد خمس سنين، بالوزير أبي شجاع، ثم وزر سنة أربع وثمانين، وإلى أن مات. وكان رئيساً كافياً شجاعاً مهيباً فصيحاً مفوّهاً أحمق، صودر قبل موته، وحبس، ثم قتل سرّاً.
سنة أربع وتسعين وأربعمئة
فيها التقى الأخوان، بركياروق ومحمد، فانهزم محمد، وأسر وزيره مؤيد الملك وذبح، ووصل محمد إلى جرجان، فبعث له أخوه سنجر أموالاً وكسوة، ثم تعاهدا، وأما بركياروق، فصار في مائة ألف، فأذن لعسكره في التفرق للغلاء، وبقي في عسكر قليل، فقصده أخواه، ففرّ إلى همذان، ونقصت بذلك حرمته، ثم فرّ إلى خوزستان، وهو في خمسة آلاف ضعفاء جياع،

(2/368)


فدخل بغداد وتمرّض، ومدَّ جنده أيديهم إلى أموال الرعية، فوصل سنجر ومحمد إلى بغداد، فتقهقر بركياروق إلى واسط، وهو مريض، وأكثر من معه مجمعة، وفي هذا الوقت كثرت الباطنية بالعراق والجبل، وزعيمهم الحسن بن الصبَّاح، فملكوا القلاع، وقطعوا السبل، وأهمّ الناس شأنهم، واستفحل أمرهم، لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم.
وفيها حاصر كندفري - الذي أخذ القدس - عكّا، فأصابه سهم قتله، فسار أخوه بغدوين، إلى القدس، فاتفق دقاق بن تتش صاحب دمشق، وجناح الدولة صاحب حمص، وكسروا الفرنج.
وفيها أخذت الفرنج حيفا وأرسوف بالأمان، وأخذت سروج بالسيف، ثم أخذوا قيسارية بالسبف.
وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي، روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر، وجماعة، ولكنه رافضيّ معتزلي، وله كتب موقوفة بجامع دمشق.
وأبو الفرج الزاز، شيخ الشافعية بخراسان، عبد الرحمن بن أحمد السرخسي، ثم المروزي، تلميذ القاضي حسين، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب، وورعه إليه المنتهى، عاش نيفاً وستين سنة.
وعبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري، أبو سعيد. وكان صالحاً عالماً كثير الفضل. روى عن علي بن محمد الطرازي وجماعة، وسماعه حضور في الرابعة، من الطرازي. توفي في جمادى الآخرة.

(2/369)


وأبو الحسن المديني علي بن أحمد بن الأخرم النيسابوري المؤذِّن الزاهد، أملى مجالس عن أبي زكريا المزكي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر الحيري، وتوفي في المحرم.
وعزيري بن عبد الملك، أبو المعالي الجيلي القاضي شيذلة، شيخ الوعاظ بالعراق، مؤلف كتاب " مصارع العشاق " توفي في صفر.
ونصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر، أبو الخطاب البزاز، مسند بغداد، روى عن أبي محمد بن البيِّع، وابن رزقويه وطائفة، توفي في ربيع ألأول عن ست وتسعين سنة، وكان صحيح السماع، انفرد بالرواية عن جماعة.
سنة خمس وتسعين وأربعمئة
فيها تم مصافّ ثالث، بين بركياروق وأخيه محمد، وكان سنجر قد ردّ إلى خراسان فالتقيا، ومع كل واحد أربعة آلاف، ولم يجر بينهما كبير قتال وتصالحا، ثم جرى بينهما مصاف رابع بعد شهرين، فانهزم محمد، ونهبت خزائنه، ولكن لم يقتل غير رجل واحد، وسار فدخل أصبهان، في سبعين فارساً، فحصنّها، فنازله بركياروق، واشتد القحط إلى الغاية، وتعثّر الناس، ثم خرج محمد في مائة وخمسين فارساً، فنجا وقاتل أهل البلد، حتى عجز بركياروق، وترحّل عنهم إلى همذان.
وفيها نازلت الفرنج اطرابلس.
وفيها توفي المستعلي بالله، أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله، معدّ بن الظاهر علي بن الحاكم منصور العبيدي صاحب مصر، ولي الأمر بعد أبيه ثمان

(2/370)


سنين، ومات في صفر، وله تسع وعشرون سنة، وفي أيامه انقطعت دولته من الشام، واستولى عليها الأتراك والفرنج ولم يكن له مع الأفضل حلّ ولا ربط، بل كان الأفضل أمير الجيوش، هو الكلّ، وفي أيامه هرب أخوه نزار، الذي تنسب إليه الدعوة النزارية بقلعة الألموت، فدخل الاسكندرية وبايعه أهلها، وساعده قاضيها ابن عمار، ومتولِّيها أفتكين، فنازلهم الأفضل، فبرز لحربه أفتكين وهزمه، ثم نازلهم ثانياً وظفر بهم، ورجع إلى القاهرة بأفتكين ونزار، فذبح أفتكين، وبنى على نزار حائطاً فهلك.
وأبو العلا صاعد بن سيّار الكناني، قاضي القضاة بهراة، روى عن أبي سعيد الصيرفي والطرازي وطائفة.
وسعيد بن هبة الله أبو الحسن، شيخ الأطباء بالعراق، وكان صاحب تصانيف في الفلسفة والطب والمنطق، وله عدّة أصحاب.
وعبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي الفقيه. قال السمعاني: عمّر مئةً وثلاثين سنةً، وكتب إملاءً عن أبي ذرّ عمار بن محمد، صاحب يحيى بن محمد ابن صاعد، زرت قبره بوركة، على فرسخين من بخارى.
قلت: ما كان في الدنيا له نظير في علوّ الإسناد، ولم يضعّفه أحد.
وأبو عبد الله الكامخي، محمد بن أحمد بن محمد الساوي. روى عن أبي بكر الحيري، وهبة الله اللالكائي وطائفة، توفي فيها ظناً.
وأبو ياسر الخياط، محمد بن عبد العزيز البغدادي، رجل خيِّر، روى عن

(2/371)


أبي علي بن شاذان وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة.
سنة ست وتسعين وأربعمئة
فيها كان المصافُّ الخامس على باب خويّ، بين الأخوين، فانهزم محمد إلى ناحية خلاط.
وفيها سار دقاق صاحب دمشق، فأخذ الرحبة، وتسلم حمص بعد موت صاحبها جناح الدولة المتوفي عام أول.
وفيها حصرت المصريون يافا وبها الفرنج، فالتقوهم. انكسرت الفرنج، وقتل منهم خلق وأسر خلق.
وفيها توفي ابن سوار، مقرئ العراق، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوار، مصنف " المستنير " في القراءات كان ثقة مجوداً، أقرأ خلقاً، وسمع الكثير، وحدّث عن ابن غيلان وطبقته.
وأبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي، مولى المؤيد بالله الأموي، مقرئ الأندلس، وصاحب أبي عمرو الدَّاني، وهو أنبل أصحابه وأعلمهم، أكثرهم تصانيف، توفي في رمضان، عن ثلاث وثمانين سنة.
وأبو الحسن بن الرُّوش، علي بن عبد الرحمن الشاطبي المقرئ، قرأ القراءات على أبي عمرو الدَّاني، وسمع من ابن عبد البرّ، توفي في شع بان.
وأبو الحسين بن البيَّار، يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي، قرأ على

(2/372)


أبي عمرو الدَّاني، ومكي. قال ابن بشكوال: لقي بمصر القاضي عبد الوهاب، وأخذ عنه كتابه " التلقين " وأقرأ الناس وعمر وأسنّ، وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب، توفي في المحرم، وقد اختلط في آخر عمره، وعاش تسعين سنة.
وأبو العلاء محمد بن عبد الجبّار الفرساني الأصبهاني، روى عن أبي بكر بن أبي العلاء المعدّل، وجماعة.
والفانيذي، أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي، روى عن أبي علي بن شاذان، توفي في شوال.
وأبو ياسر، محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدّث، كتب الكثير وتعب، وكان قارئ أهل بغداد، بعد ابن الخاضبة. روى عن أبي محمد الجوهري وخلق.
وأبو البركات محمد بن المنذر بن طيبان - لا طبيان - الكرخي المؤدِّب، كذبه ابن ناصر. وقد روى عن عبد الملك بن بشران، ومات في صفر.
سنة سبع وتسعين وأربعمئة
فيها اصطلح بنو ملكشاه، وكان يخطب بخراسان كلها لسنجر، ويسمى أخوه محمد في الخطبة، واستقر بركياروق على الري وطبرستان وفارس والجزيرة والحرمين، وخطب له بهذه البلاد، واستقرّ محمد على العراق وأذربيجان وأرمينية وأصبهان.

(2/373)


وفيها أخذت الفرنج جبيل صلحاً، ونكثوا وأخذوا عكا بالسيف، وهرب متولِّيها زهر الدولة بنا الجيوشى في البحر، ونازلت الفرنج حران، فالتقاهم سقمان، ومعه عشرة آلاف، فانهزموا وتبعتهم الفرنج فرسخين، ثم نزل النصر، وكرَّ المسلمون، فقتلوهم كيف شاءوا، وكان فتحاً عظيماً.
وفيها توفي أبو ياسر، أحمد بن بندار البقال، أخو ثابت، روى عن بشرى الفاتني وطائفة، ومات في رجب.
وأبو بكر الطريثيثي، أحمد بن علي بن حسين بن زكريا، ويعرف بابن زهيراً الصوفي البغدادي، من أعيان الصوفية ومشاهيرهم، روى عن أبي الفضل القطّان. واللاّلكائي وطائفة، وهو ضعيف، عاش ستّاً وثمانين سنة.
وأبو علي الجاجرمي، إسماعيل بن علي النيسابوري الزاهد القدوة الواعظ، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن أبي عبد الله بن باكويه وعدّة.
وابو عبد الله بن البسري، الحسين بن علي بن أحمد بن محمد بن البندار البغدادي، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال السِّلفي: لم يرو لنا عن عبد الله بن يحى السكّري سواه.
ودقاق، شمس الملوك، أبو نصر بن تاج الدولة تتش ابن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب دمشق، ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين، ومرض مدة، ومات في رمضان، وقيل سمّوه في عنب، ودفن بخانكاة الطواويس وأقام أتابكه طغتكين في السلطنة ولداً طفلاً لدقاق، وقيل بل أقدم طغتكين ألتاش أخاد قاق - وكان مسجوناً ببعلبك - وسلطنة، فبقي ثلاثة

(2/374)


أشهر، وتحيّل من طغتكين، فذهب بجهله إلى بغدوين صاحب القدس، لكي ينصره، فلم يلو عليه، فتوجّه إلى الشرق، وهلك.
وأبو ياسر الطباخ، طاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي، المواقيتي. روى عن عبد الملك بن بشران وغيره، وتوفي في رجب.
وأبو مسلم السمناني، عبد الرحمن بن عمر، شيخ بغدادي، روى عن أبي علي بن شاذان، ومات في المحرم.
وأبو الخطاب بن الجرّاح، علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي، الشافعي المقرئ الكاتب الرئيس. روى عن عبد الملك بن بشران، وكان لغويّ زمانه، له منظومة في القراءات، توفي في ذي الحجة، وقد قارب التسعين.
وابو مكتوم، عيسى بن الحافظ أبي ذرّ عبد بن أحمد الهروي ثم السروي الحجازي، ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة، وروى عن أبيه " صحيح البخاري " وعن أبي عبد الله الصنعاني، جملة من تواليف عبد الرزّاق.
وأبو مطيع، محمد بن عبد الواحد المديني المصري الأصل الصحّاف الناسخ والصحاف الناسخ عاش بضعاً وتسعين سنة، وانتهى إليه علوّ الإسناد بأصبهان. روى عن أبي بكر بم مردويه، والنقّاش وابن عقيل الباروديّ وطائفة.
وأبو عبد الله بن الطلاع، محمد بن فرح، مولى محمد بن يحيى بن

(2/375)


الطلاّع القرطبي المالكيّ، مفتي الأندلس ومسندها، وله ثلاث وتسعون سنة.
روى عن يونس بن مغيث، ومّكيّ القيسي وخلق، وكان رأساً في العلم والعمل، قوَّالاً بالحق. رحل الناس إليه من الأقطار، لسماع " الموطَّأ " و " المدوَّنة ".
سنة ثمان وتسعين وأربعمئة
فيها توفي بركياروق، واستولى أخوه محمد بن ملكشاه على ممالكه.
وفيها التقى رضوان بن تتش والفرنج، فانكسر المسلمون وأصيبوا، وأخذت الفرنج حصن أرتاح.
وفيها قدم المصريون في خمسة آلاف، ونجدهم طغتكين بألفين، فالتقوا بقرب عسقلان، وثبت الجمعان، حتى قتل من المسلمين فوق الألف، ومن الفرنج مثلهم، ثم تحاجزوا وتوادعوا الحرب.
وفيها توفي الحافظ أبو علي البرداني، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، عن اثنتين وسبعين سنة، في شوال، روى عن ابن غيلان، وأبي الحسن القزويني وطبقتهما. وكان بصيراً بالحديث، محققاً حجة.
وأبو بكر، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة، وكان ثقة نبيلاً، حدّث قديماً.
وبركياروق: السلطان ركن الدين أبو المظفر بن السلطان ملكشاه السلجوقي، تملّك بعد أبيه، وجرت له حروب وفتن مع أخيه على السلطنة،

(2/376)


وعاش ستّاً وعشرين سنة، وكانت دولته ثلاث عشرة سنة، وكان ملازماً للشرب، مات ببروجرد، في ربيع الأول بالسِّل.
وثابت بن بندار، أبو المعالي البقال المقرئ ببغداد، روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، وهو ثقة فاضل، توفي في جمادى الآخرة.
وابو عبد الله الطبري، الحسين بن علي الفقيه الشافعي، محدّث مكّة، في شعبان، واه ثمانون سنة. روى صحيح مسلم عن عبد الغافر بن محمد، وكان فقيهاً مفتياً تفقه على ناصر بن الحسين العمري، وجرت له فتن وخطوب مع هيّاج بن عبيد وأهل السنَّة، وكان عارفاً بمذهب الأشعري.
وأبو علي الغسَّاني، الحسين بن محمد الجيَّاني الأندلسي الحافظ، أحد أركان الحديث بقرطبة. روى عن حكم الجذامي، وحاتم بن محمد، وابن عبد البرّ وطبقتهم وكان كامل الأدوات في الحديث علامة في اللغة والشعر والنسب، حسن التصنيف، توفي في شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة، وأصابته في الآخر زمانه.
وسقمان بن أرتق بن أكسب التركماني، صاحب ماردين، وجدّ ملوكها، كان أميراً جليلاً فارساً موصوفاً، حضر عدّة حروب، توفي بالشام.
ومحمد بن أحمد بن محمد بن قيداس، أبو طاهر التوثي الحطاب، سمع أبا علي بن شاذان، والحرفي، وأجاز له أبو الحسين بن بشران، توفي في المحرم.

(2/377)


ومحمد بن عبد السلام، الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز، بغدادي جليل صالح. روى عن البرقاني، وابن شاذان، وتوفي في ربيع الآخر.
ونصر الله بن أحمد بن عثمان أبو علي الخشنامي، النيشابوري، ثقة صالح، عالي الإسناد، روى عن أبي عبد الرحمن السلمي والحيري وطائفة.
سنة تسع وتسعين وأربعمئة
فيها ظهر بنهاوند، رجل ادعّى النُّبوّة، وكان ساحراً، صاحب مخاريق، فتبعه خلق، وكثرت عليهم الأموال، وكان لا يدّخر شيئاً، فأخذ وقتل، ولله الحمد.
وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين، فأسر وقتل، وزيّنت دمشق.
وفيها أخذت الفرنج حصن فامية، وأما طرابلس، ففتحت الحصار، والمسلمون يخرجون منها، وينالون من الفرنج، فمرض ملكهم صنجيل ومات، وحمل فدفن بالقدس، وأقامت الفرنج غيره.
وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق الطُّوسي، أخو نظام الملك، سمع أبا حسان المزكّي، وأبا جفص بن مسرور، وعاش خمساً وثمانين سنة.
وأبو منصور الخيّاط، محمد بن أحمد بن علي البغدادي الزاهد، أحد القرّاء ببغداد، روى عن عبد الملك بن بشران وجماعة، وكان عبداً صالحاً قانتاً لله، صاحب أوراد واجتهاد. قال ابن ناصر: كانت له كرامات، توفي في المحرم، وقال غيره: ولد سنة إحدى وأربعمئة رحمه الله.

(2/378)


وأبو البركات بن الوكيل، محمد بن عبد الله بن يحيى الخيّاز الدبّاس الكرخي، قرأ بالروايات على أبي العلا الواسطي، والحسن بن الصَّقر وجماعة، وتفقه على أبي الطيّب الطبري، وسمع من عبد الملك بن بشران، وكان يتَّهم بالاعتزال، ثم تاب وأناب، توفي في ربيع الأول عن ثلاث وتسعين سنة.
وأبو البقاء الحبّال، المعمّر بن محمد بن علي الكوفي الخزاز، روى عن جناح بن نذير المحاربي وجماعة، توفي في جمادى الآخرة بالكوفة.
سنة خمسمئة
فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية، وأخذ قلعتهم بأصبهان، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش، وكان قد تمّكها اثنتي عشرة سنة، وهي من بناء ملكشاه، بناها على رأس جبل، وغرم عليها ألأفي ألف دينار.
وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية ووجد وقد انتفخ.
وفيها توفي أبو افتح الحدّاد، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني التاجر، وكان ورعاً ديّناً كثير الصّدقات، توفي في ذي القعدة، عن اثنتين وتسعين سنة، روى عن أبي سعيد النقّاش وخلق، وأجاز له من مرّ، وإسماعيل بن ينال المحبوبي.

(2/379)


وأبو المظفّر الخوّافي، أحمد بن محمد بن مظفر الشافعي، العلامة، عالم أهل طوس، ورفيق الغزالي ونظيره، وكان عجيباً في المناظرة، رشيق العبارة، برع عند إمام الحرمين ودرس في أيامه.
وجعفر بن أحمد بن حسين، أبو محمد البغدادي المقرئ السرّاج الأديب، روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة، وكان ثقة بارعاً أخبارياً علامة، كثير الشعر، حسن التصانيف، توفي في صفر.
وأبو غالب الباقلاَّني، محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي، الرجل الصالح، روى عن ابن شاذان والبرقاني وطائفة، توفي في ربيع الآخر، عن ثمانين سنة.
وأبو الحسين بن الطُّيوري، المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيَّرفي البغدادي المحدِّث، سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده. قال ابن السمعاني: كان مكثراً صالحاً أميناً صدوقاً، صحيح الأصول صيِّناً وقور كثير الكتابة وقال غيره: توفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة، وكان عنده ألف جزء بخط الدارقطني.
والمبارك بن فاخر أبو الكرم الدبّاس الأديب، من كبار أئمة اللغة والنحو ببغداد، وله مصنفات. روى عن القاضي أبي الطيّب الطبري، وأخذ العربية عن عبد الواحد بن برهان، رماه ابن ناصر بالكذب في الرواية، توفي في

(2/380)


ذي القعدة، عن سبعين سنة.
ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين، سلطان المغرب، أبو يعقوب الَّلمتوني البربري الملثّم، توفي في ثالث المحرم، عن تسعين سنة، وكان أكبر ملوك الدنيا في عصره، ودولته بضع وثلاثون سنة، وكان بطلاً شجاعاً عادلاً، عديم الرفاهية، قشب العيش على قاعدة البربر، اختط مرّاكش وأنشأها في سرح، وصيّرها دار الإمارة، وكثرت جيوشه وبعد صيته وتملك الأندلس، ودانت له الأمم، وفي آخر أيامه، بعث رسولاً إلى العراق، يطلب عهداً من المستظهر بالله، فبعث له بالخلع والتقليد واللواء، وأقيمت الخطبة العباسيّة بممالكه، وعهد بالأمر من بعده إلى ابنه عليّ، الذي خرج عليه ابن تومرت.