العبر في خبر من غبر، من سنة 731 إلى 740
سنة إحدى وثلاثين
وسبعمائة
وصل إلى بلد حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة، وحفر زمن طويل، وفرحوا
به.
وعزل ابن مراجل من الجامع بابن الشيرازي. وولي نظر الأسرى ابن الفويرة.
ومات في صفر قاضي الحنابلة عز الدين محمد ابن قاضي القضاة سليمان ابن
حمزة المقدسي، وله ست وستون سنة. روى عن الشيخ، وعن أبي بكر الهروي
وبالإجازة عن ابن عبد الدايم. وكان متوسطاً في العلم والحكم، متواضعاً.
ومات بمصر العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني في صفر، وله أربع
وثمانون سنة. سمع من ابن رواج حضوراً، وصالح المدلجي، والبكري،
(4/89)
والرشيد، والمرسي، وابن اللمط الذي سمع من
أبي جعفر الصيدلاني، وتفرد بأشياء.
ومات بحلب نائب السلطنة أرغون الدويدار الذي عمل مدةً نيابة مصر ثم
أخر. وكان مليح الحظ، نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصل
كتباً نفيسة. مات في ربيع الأول كهلاً.
ومات مسند حلب خاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح ابن
العجمي من أبناء التسعين. وقد سمع بدمشق من خطيب مردا.
ومات بحلب بعد أيام في رجب أبو القاسم بن علي بن نصر الحراني بن
الحبشي، وله ست وثمانون سنة. سمع من عيسى الخياط مشيخته.
وماتت بالثغر كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي، في
شعبان، وتسمى ست الناس. روت بالإجازة عن عبد الله ابن برطلة الأندلسي،
ومحمد بن الجراح، والشرف المرسي.
ومات بالغرب السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق
المريني، في ذي القعدة، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. قارب السبعين،
وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن.
ومات بدمشق الإمام أقضى القضاة جمال الدين أحمد بن محمد بن القلانسي
التميمي الشافعي، قاضي العسكر، ووكيل بيت المال، ومدرس الأمينية،
والظاهرية، عن اثنتين وستين سنة. وكان عالماً، محتشماً، مليح الشكل،
لين الكلمة، حدث عن ابن البخاري، توفي في ذي القعدة.
(4/90)
سنة اثنتين وثلاثين
وسبعمائة
جاء بحمص سيلٌ فغرق خلقٌ منهم في حمام النائب بظاهرها نحو المائتين من
نساء وأولاد. وفي ربيع الآخر تسلطن الملك الأفضل علي بن المؤيد إسماعيل
الحموي، وركب بالقاهرة بالغاشية والعصائب.
ثم كان عرس محمد بن السلطان، على بنت بكتمر الكبير، قيل: جهزت بألف ألف
دينار، واحتفلوا للعرس بما لا يوصف. وأقيمت بالشامية جمعةٌ، وخطب قطب
الدين عبد النور، ثم تقرر كمال الدين بن الزكي.
ونقل إلى كتابة السر من دمشق القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن
الشهاب محمود وعظم شأنه. وحج مع السلطان. وبعث ابن فضل الله إلى مكانه
بدمشق. ونكب الصاحب شمس الدين غبريال بدمشق وصودر وزالت سعادته.
ومات في المحرم الشيخ الكبير المتزهد عبد الرحمن بن أبي محمد القرامزي
الدمشقي المقرىء الحنبلي، بجوبر، عن ثمان وثمانين سنة. روى عن ابن أبي
اليسر، والمجد بن عساكر، وتلا بالسبع، وتعبد واشتهر، وتردد إليه
الكبار.
(4/91)
ومات صاحب حماه الملك المؤيد عماد الدين
إسماعيل بن الأفضل علي ابن محمود الأيوبي الحموي صاحب التاريخ، وناظم
الحاوي، - في المحرم - كهلاً. ناب بحماه، ثم تملك اثنتي عشرة سنة. وله
كتاب تقويم البلدان، وفضائل، وفلسفة، والله يعفو عنه.
ومات المقرىء الصالح أبو العباس أحمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني
بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة. روى عن خطيب مردا، وابن عبد الدايم،
وروى كثيراً. وكان تقياً.
ومات بمصر المحدث الإمام تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد ابن
عبد الكافي السعدي الشافعي، في ربيع الأول، عن اثنتين وثمانين سنة. سمع
ابن عزون، والنجيب، وعدة. وخرج التساعيات، وأربعين مسلسلات. وطلب، وكتب
الكثير، وتميز، وأتقن. ولي مشيخة الصاحبية. وأفتى، ونسخ نحواً من
خمسمائة مجلد. وخرج لشيوخ.
ومات بدمشق المفتي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان
الرومي الحنفي مدرس القيمازية وحج سبع مرات، وبلغ ستاً وثمانين سنة.
وله تلامذة.
ومات صاحبنا الفقيه المحدث محيي الدين عبد القادر بن محمد
(4/92)
المقريزي الحنبلي كهلاً. حدث عن ابن
القواس، وبنت كندي، وكتب، ورحل.
ومات في ربيع الآخر المحدث العالم عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن
الكيال الدمشقي الحنفي، عن سبع وثمانين سنة. قرأ على ابن عبد الدايم،
وابن أبي اليسر، وأيوب الحمامي، وعدة. وكان فصيحاً يعرب، ثم خدم في
المواريث وحصل، ثم تاب وحج وأم بالربوة وغيرها.
ومات بجمادى الأولى بالصالحية فجأةً قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله
بن حسن بن عبد الله بن الحافظ، بعد أن حكم يومئذ بالجوزية، وكان ديناً،
حيياً، خيراً، عالماً. عاش ثمانيا وثمانين سنة، وله فضائل. روى عن ابن
علاق، ومحمد بن سعد، والجمال الصوري، وابن عبد الهادي، وعدة، وتفرد.
ومات زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي، صاحب أبي العباس
المرسي، من أبناء الثمانين.
ومات صدر الأكابر فخر الدين محمد بن فضل الله كاتب المماليك، ناظر
الجيش المصري. وله جلالة، وشهرة، وأوقاف. بلغ ثلاثاً وسبعين سنة.
واحتيط على حواصله.
ومات بمصر العدل نور الدين علي ابن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي عن
ثمانين سنة. توفي في رجب. سمع الزكي المنذري، والرشيد، وشيخ
(4/93)
شيوخ حماة، وابن عبد السلام. وحضر عبد
المحسن بن مرتفع في الرابعة، وكان صالحاً مكثراً.
ومات دويدار السلطان سيف الدين ألجيه الناصري الفقيه الحنفي كهلاً.
وولي مكانه صلاح الدين يوسف بن الأسعد.
وماتت وجيهية، بنت علي بن يحيى بن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية، -
وتدعى زين الدار - في رجب بالإسكندرية. روت عن أحمد بن النحاس.
وبالإجازة عن يوسف الشاوي، والأمير يعقوب الهدباني.
ومات بدمشق كبير الطب أمين الدين سليمان ابن داوود، في عشر التسعين،
درس بالدخوارية.
ومات شيخ بلد الخليل العلامة شيخ القراء برهان الدين إبراهيم بن عمر
الجعبري الشافعي صاحب التصانيف، في رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. أجاز
له ابن خليل، وعرض التعجيز على مؤلفه. وتلا على الوجوهي، وغيره، ورحل
القراء إليه.
ومات مدرس المستنصرية العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر
المالكي البغدادي، وله ثمان وثمانون سنة.
ومات في ذي القعدة قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى
(4/94)
الإخنائي الشافعي، عن ثمان وستين سنة
وأشهر. وكان ديناً، عادلاً. روى عن أبي بكر بن الأنماطي وجماعة. وحدث
بالكثير. وكان من شهود الخزانة. ثم ولي قضاء الإسكندرية ثم دمشق.
ومات الفقيه المحدث المفيد فخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الفخر
البعلبكي ثم الدمشقي الحنبلي في ذي القعدة وله سبع وأربعون سنة. روى عن
الفخر حضوراً، وابن الواسطي، وابن القواس، وارتحل، وكتب، وخرج، وتميز،
وأفتى.
ومات بدمشق ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية،
في ذي الحجة عن اثنتين وسبعين سنة، ودفن بتربة مليحةٍ أنشأها. وكان من
رجال الدهر. وله فضل وخبرة.
ومات بمصر شيخ الحنابلة شمس الدين عبد الرحمن ابن قاضي القضاة سعد
الدين مسعود بن أحمد الحارثي، في ذي الحجة، عن إحدى وستين سنة وأشهر.
وكان من العلماء العاملين. حدث عن العز الحراني، والفخر علي، وجماعة.
ودرس بأماكن وأفتى.
ومات فجأةً في الحج مع السلطان كبير أمرائه وعينهم سيف الدين بكتمر
الساقي وابنه، وخلف ما لا يعبر عنه من صنوف الأموال. وقيل بل ماتا في
أول الآتية، ومما وجد له من الخدام مائة خصي.
سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
قدم أمين الملك على نظر الشام، وعلى نظر الجيش فخر الدين بن الحلى. وفي
ربيع الأول ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة.
(4/95)
وجددت بالربوة خطبه. وأمسك حاجب السلطان
الأمير سيف الدين ألماس، وكان ظلوماً.
ومات شيخ المستنصرية المحدث الإمام تقي الدين محمود بن علي الدقوقي.
وحمل على الرؤوس. توفي في المحرم عن نحو من سبعين سنة. روى عن عبد
الصمد، وابن أبي الدينة، وابن الساعي. وله جلالة عجيبة، وإفادة للعامة.
وفي ربيع الآخر حول كاتب السر شرف الدين إلى دمشق، وابن فضل الله إلى
مصر.
ومات قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة
الكناني الحموي، صاحب التصانيف في ليلة العشرين من جمادى الأولى، وله
أربع وتسعون سنة وشهر. حدث عن شيخ الشيوخ، وابن عزون، والنجيب، والرضي
بن البرهان، والرشيد العطار، وابن أبي اليسر، وعدة. وعني بالرواية،
ومهر في التفسير والفقه، وشارك في فنون. وكان ذا دين، وتعبد، ونزاهة،
وجمد في القضاء. أضر بأخرة وانقطع للطاعة.
ومات في جمادى الآخرة بدمشق مفتي المسلمين شهاب الدين أحمد بن يحيى بن
جهبل الشافعي، مدرس البادرائية، عن ثلاث وستين سنة.
(4/96)
حدث عن الفخر علي، وابن الزين، والفاروثي،
ودرس مدة بالقدس.
ومات بحماة في رمضان الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن
محمد بن مزيز الحموي، وله تسعون سنة وشهران. ذكر لوزارة بلده، وسمع من
صفية حضوراً، وبدمشق من ابن علان، واليلداني، ومحمد بن عبد الهادي،
وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير، وابن العليق.
ومات الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم ابن
المهندس الصالحي الحنفي، في شوال، عن ثمانٍ وستين سنة. سمع من ابن أبي
عمر، وابن شيبان فمن بعدهما. وكتب الكثير، ورحل، وخرج، وتعب، ونسخ
تهذيب الكمال للمزي مرتين، مع الدين، والتواضع، ومعرفة الشروط.
ومات ببدر محرماً الإمام القدوة الولي الشيخ علي بن الحسن الواسطي
الشافعي عن ثمانين سنة. وكان من أعبد البشر. واعتمر أزيد من ألف مرة،
وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة. وطاف مراتٍ في الليل سبعين أسبوعاً.
رحمه الله تعالى.
وماتت بدمشق المعمرة المسندة أم محمد أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ
أبي المواهب بن صصرى، أخت القاضي نجم الدين، في ذي الحجة، عن خمسٍ
وتسعين سنة. سمعت من مكي بن علان خمسة أجزاء. وتفردت، وحجت
(4/97)
مرات وتصدقت.
سنة أربع وثلاثين وسبعمائة
جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال، وعشرين فرساً، وخرب أماكن. وقدم إلى
باب السلطان أمير العرب مهنا فأكرم وأعطي ذهباً كثيراً، وعقاراً. وولي
الوكالة نجم الدين بن أبي الطيب. ونظر الجامع عز الدين بن منجا. ونقل
إلى الحسبة عماد الدين بن الشيرازي، وخلع عليهم يوم عرفة بالطرحات.
وألزم النصارى واليهود بالعمائم الزرق والصفر ببغداد، وهدمت بها
كنائسهم، فأسلم رأس اليهود سديد الدولة. وأسقط ببغداد مكوس ومغارم،
ودعا المسلمون للوزير محمد بن الرشيد.
ومات بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي
المشهور بالزرعي الشافعي الذي ولي قضاء مصر سنة، ثم قضاء دمشق بعد ابن
صصرى. وكان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم. لكنه حكام. درس
بأماكن. توفي في صفر عن تسع وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم
وجماعة.
ومات الأمير شهاب الدين قرطاي المنصوري الذي ناب بطرابلس وتوفي بدمشق
في صفر.
ومات الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعين. هلك به
جماعة.
ومات بحماة الفقيه القدوة الولي نجم الدين عبد الرحمن بن الحسن اللخمي
القبابي الحنبلي الزاهد، عن ست وستين سنة. وحمل على الرؤوس.
(4/98)
ومات بمصر الحافظ العلامة المتفنن فتح
الدين أبو الفتح محمد بن محمد ابن محمد بن سيد الناس اليعمري في شعبان
عن ثلاث وستين سنة. روى عن العز، وغازي، وابن الأنماطي، وخلق. وخرج،
ورحل، وجمع، وصنف. وله النظم والنثر، ومعرفة السير والرجال، واللغة،
وبراعة الخط. وتوفي فجأة وله إجازة النجيب وجماعة.
ومات الصاحب شمس الدين غبريال المسلماني بمصر في عشر الثمانين، يقال:
أدى ألفي ألف درهم، وأهين وصودر أهله من بعده. وكان صدراً، محتشماً،
نبيلاً، محباً للستر على الناس، قليل الشر والأذى، لولا ما وقع في
أيامه من زغل الذهب، وتأذى الناس بذلك. وامتدت أيامه بدمشق في سعادة
وتنعم. وكان يحب أصحاب ابن تيمية كثيراً ويذب عنهم.
ومات بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي بن قاسم
الفاقوسي مدرس قبة الشافعي. مات في عشر التسعين.
وفي رمضان أوذي قاضي القضاة ابن جملة. وقاموا عليه، وهدد، وأهين، وعزل،
وحبس بالقلعة بضعة عشر شهراً. وأخذ المنصب شهاب الدين بن المجد عبد
الله.
وعزل من السر شرف الدين أبو بكر، وجاء على السر جمال الدين عبد الله بن
كمال الدين محمد بن الأثير الفقيه، شاب عاقل دين.
سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
استعفى علاء الدين علي بن الشهاب بن السلعوس من ضمانة الدواوين، فولي
(4/99)
عماد الدين بن الشيرجي. وظلم الأمير حمزة،
وعصر الدويدار وابن جملة، وكاتب السر الشرف، وتمرد وتمكن من النائب.
وبنى حماماً في القنوات في غاية السعة والزخرف، ثم استأصله الله، وعرفه
ملك الأمراء فصودر وضرب بالبندق، وعصر وقطع لسانه من أصله، فهلك وما رق
له مسلمٌ، نسأل الله العفو.
ورضي السلطان عن ثلاثة عشر أميراً وأطلقهم، منهم تمر الساقي الذي ناب
بطرابلس، وبيبرس الحاجب. وأغار المسلمون على بلاد سيس فوثب الملاعين
على التجار والعربان فقتلوا ألفي مسلم. ووقع بحماة حريق كثير ذهبت به
الأموال، واحترق مائتان وخمسون دكاناً. وسمر بمصر إبراهيم الساحر.
ومات بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتاً برهان الدين إبراهيم بن محمد
الخلاطي الواني الشافعي عن أكثر من تسعين سنة. توفي في صفر. حدث عن
الرضي بن البرهان، وابن عبد الدايم، وجماعة.
ومات بعده بشهر ولده المحدث مفيد الجماعة أمين الدين محمد عن
(4/100)
إحدى وخمسين سنة. روى عن الشرف بن عساكر،
وأبي الحسن اللمتوني، وابن مؤمن، وعدة. وارتحل مرات، وحج، وجاور، وكتب،
وخرج، وأفاد.
ومات في صفر مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب
الأنصاري الدمشقي الشاهد، عن قريب من تسعين سنة. وتفرد بأشياء. حدث عن
ابن علان، والعراقي، والبلخي، وعثمان ابن خطيب القرافة، وجماعة. سماعه
صحيح. وهو لين.
ومات مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محيي الدين محمد ابن
عبد الرحيم السلمي، عن سبع وأربعين سنة. كتب صحيح البخاري. وكان ديناً،
ورعاً، مليح الشكل، متواضعاً.
ومات بمصر الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير. سمع
الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، والنجيب وكان
حسن المذاكرة والعلم. عاش أربعاً وثمانين سنة.
ومات الحافظ الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي
بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة. تلا بالسبع على إسماعيل المليحي، وسمع
من ابن العماد، وإبراهيم المنقذي، والعز، والفخر علي، وبنت مكي، وابن
الفرات الإسكندراني، وصنف، وخرج، وأفاد، مع الصيانة، والديانة،
والأمانة، والتواضع، والعلم، ولزوم الاشتغال والتأليف. حج مرات،
(4/101)
وحدثنا بمنى. وعمل تاريخاً كبيراً لمصر بيض
بعضه. وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين. وعمل أربعين تساعيات، وأربعين
متباينات، وأربعين بلدانيات. وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات.
وماتت في ذي القعدة، المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين
بن عبد السلام السلمية عن سبع وثمانين سنة. روت عن اليلداني وإبراهيم
بن خليل، وعمر بن عوة، وعثمان ابن خطيب القرافة، ولها إجازة السبط. روت
الكثير وتفردت.
ومات ملك العرب حسام الدين مهنا ابن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب
سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة. وأقاموا عليه المأتم، ولبسوا
السواد، وكان فيه خير وتعبد.
سنة ست وثلاثين وسبعمائة
سار ملك الأمراء في نقاوة الجيش فقدم جعبر وتصيد خمسة وثلاثين يوماً.
ودرس بالناصرية النور الأردبيلي. وبالظاهرية ابن قاضي الزبداني. وعزل
من السر بدمشق ابن الأثير بالعلم ابن القطب. ودرس بالأمينية ابن إمام
المشهد. وعزل الشمس الكاشغري من تدريس الشبلية بنجم الدين إبراهيم بن
الطرسوسي.
(4/102)
وناب بصفد الحمص الأخضر سيف الدين طشتمر
بعد موت نائبها ايتمش المحمدي.
ومات بدمشق المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود بن جامع
البندنيجي البغدادي الصوفي بالسميساطية، في المحرم عن اثنتين وتسعين
سنة. سمع صحيح مسلم من الباذبيني، وجامع الترمذي من العفيف بن الهني،
وأجاز له النشتبري، ومحمد بن السباك، وإياس الحجبي صاحب خطيب الموصل،
وتفرد، وأكثروا عنه. ثم تعاسر إلا بعطاء.
ومات قاضي بغداد قطب الدين الأخوين، واسمه محمد بن عمر التبريزي
الشافعي، وله ثمان وستون سنة. سمع شرح السنة من قاضي تبريز محيي الدين.
وكان ذا فنون، ومروءة، وذكاء. وكان يرتشي.
ومات مدرس الناصرية القاضي كمال الدين أبو القاسم بن الصدر عماد الدين
بن الشيرازي في صفر عن ست وستين سنة ببستانه بأرض الحميريين. تفقه
بالشيخ تاج الدين وغيره. وروى عن أبيه، وابن البخاري. وذكر للقضاء،
وكان فيه معرفة، وتواضع، وصيانة. حفظ مختصر المزني.
ومات في صفر فجأةً القاضي علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن القلانسي
مدرس الأمينية والظاهرية. وكان ولي أيضاً الوكالة، وقضاء العسكر
(4/103)
والمارستان، مع نظر ديوان ملك الأمراء.
وذكر للقضاء ثم تنمر له النائب وصودر وعزل. حدث عن الفخر علي، وعاش
ثلاثاً وستين سنة.
ومات الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي في ربيع
الأول، حدث عن خطيب مردا، وابن عبد الدايم. عاش تسعين سنة.
ومات بالثغر الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي
المغربي العشاب وزير متملك تونس، اللحياني في ربيع الأول عن سبع
وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن التجيبي، ويوسف بن خميس.
وطلب الحديث، وبرع في النحو وأقرأه.
ومات بدمشق ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي
بن القلانسي المحتسب عن ثلاث وستين سنة. وكان مليح الشكل، متواضعاً،
نزهاً، ديناً، ورعاً، أخذت منه الحسبة عام أول. واعتقل لامتناعه من
شهادة.
ومات بالأردوا القان أبو سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاوو
المغلي، ونقل إلى السلطانية، وله بضع وثلاثون سنة. فدفن بتربته. وكان
يكتب المنسوب، ويجيد ضرب العود، وفيه ديانة، ورأفة، وقلة شر. هادن
سلطان الإسلام وهادنه، وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد.
(4/104)
وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية. وكانت دولته
عشرين سنة.
ومات والي دمشق شهاب الدين أحمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي
عن أربع وستين سنة. وكان جيد السياسة، محبباً إلى الناس. ولي ثلاث عشرة
سنة. وحدث عن ابن علان، والمجد بن الخليلي.
ومات بعده بيومين والي البر فخر الدين عثمان بن محمد بن مالك الأمراء
شمس الدين لؤلؤ عن أربعٍ وستين سنة أيضاً، وكان أجود الرجلين.
وماتت عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن، في شوال عن تسعين
سنة. روت عن العراقي، والبلخي حضوراً، وعن اليلداني، ومحمد ابن عبد
الهادي، وتفردت.
ومات شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب، عن اثنتين
وسبعين سنة. روى عن ابن علان، وتفقه للشافعي، وترفض.
ومات الذي تسلطن بعد أبي سعيد القان أرياخان، ضربت عنقه صبراً يوم
الفطر. وكانت دولته نصف سنة. خرج عليه علي باش، والقآن موسى، فالتقوا
فأسروا المذكور ووزيره الذي سلطنه خواجا محمد بن الرشيد الهمذاني وقتلا
صبراً. وكان النصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشائر بدمشق، وجاء الرسول
بنصرتهم.
ومات بدمشق الصاحب الأمجد عماد الدين إسماعيل بن محمد بن
(4/105)
شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني، في
ذي القعدة، عن خمسٍ وستين سنة. وكان منشأ، بليغاً، رئيساً، ديناً،
صيناً، نزهاً. روى عن العز الحراني، وغيره. وهو والد كاتب السر القاضي
شهاب الدين.
سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
في أولها بلغنا كسرة علي باش وأنه قتل، ثم قتل موسى بن علي بن بيدوا
الذي سلطنه، وكانت دولتهم ثلاثة أشهر. وفي المحرم أخذ بمصر شمس الدين
بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم، فرجع ورسم
بنفيه، ثم شد منه كبار، ولله الأمر.
وولي بمصر وكالة بيت المال الإمام عز الدين بن جماعة وكيل السلطان.
وسار الجيش لحصار سيس، ثم سلم صاحبها سبع قلاع، وصولح وخفف عنه من
الحمل، وقرىء له الأمان، فقبل الأرض وبقي العسكر بأرضه أربعة أيام فسلم
آياس، وكواره، ونجيمة، وسوكندار، والهارونية، وقلعة البحر، وميناء
آياس، وأخذ منه قبل ذلك قلعة النقير.
وقتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار وأحرق. أضل جماعة. قام عليه
قاضي القضاة شرف الدين بحماة.
ومات بتبوك الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد بن غانم المنشىء في
المحرم، عن ست وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم، والزين خالد،
والنظام بن البانياسي، وعدة. وحفظ التنبيه، وله النظم والترسل
(4/106)
الفائق، والمروءة التامة، وكثرة التلاوة،
ولزوم الجماعات، والشيبة البهية، والنفس الزكية. باشر الإنشاء ستين
سنة. وحدث بالصحيحين، وحج مرات.
ومات بعده بأشهر أخوه الأديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد عن سبع
وثمانين سنة. وله نظم، ونثر، ومعرفة بالتواريخ. دخل اليمن ومدح الكبار.
وخدم في الديوان. وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة. ثم اختلط قبل موته
بسنة أو أكثر، وربما ثاب إليه وعيه.
ومات في ربيع الأول الإمام المحدث التقي محب الدين عبد الله بن أحمد بن
المحب المقدسي، عن خمس وخمسين سنة. وشيعه الخلق. روى عن الفخر وجماعة.
وطلب الحديث سنة سبع وتسعين فقرأ الكثير، وتعب، وخرج، وأفاد العامة.
وكان لعبارته وقعٌ عجيبٌ في النفوس، ومحاسنه كثيرة.
ومات في الشهر بحماة المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغريل الصيرفي
عن نيف وأربعين سنة. قرأ الكثير، وتعب، ورحل، وخرج، وقرأ للعوام. حدث
عن أبي بكر بن عبد الدايم، وعيسى الدلال. ومات غريباً. الله يسامحه.
ومات شيخ نابلس ومفتيها القدوة شمس الدين عبد الله بن العفيف محمد بن
يوسف الحنبلي في ربيع الآخر وله ثمان وثمانون سنة. روى عن السبط إجازة،
وعن خطيب مردا حضوراً، وعن عم أبيه الجمال عبد الرحمن. أمّ بمسجد
الحنابلة نحواً من سبعين سنة وتأسفوا عليه.
(4/107)
ومات بقاسيون شيخ الفقراء أبو عبد الله
محمد بن أبي الزهر الغسولي عن ثلاث وثمانين سنة. روى عن إبراهيم بن
خليل حضوراً، وعن العماد بن عبد الهادي، وابن عبد الدايم، وجماعة. وله
زاوية ومريدون.
ومات بمصر مسندها العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي، له إجازة ابن
رواج، وابن الجميزي. وروى الكثير وتفرد. توفي في جمادى الآخرة عن نيف
وتسعين سنة.
ومات في دمشق في رجب الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب ابن علي
الشافعي ابن الطحان نقيب الشامية، والسبع الكبير، وله خمس وثمانون سنة
وأشهر. سمع من عثمان بن خطيب القرافة، ومن الكرماني، والزين خالد.
ومات الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد
في رمضان بقريته منية مرشد كهلاً. وقد قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع
بزاويته له، فكان يقري الضيفان وربما كاشف. وللناس فيه اعتقاد زائد،
ويخدم الواردين، ويقدم لهم ألوان المآكل، ولا خادم عنده، حتى قيل: أطعم
الناس في ليلة ما قيمته مائة دينار، وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما
قيمته ألف دينار. وزاره أمراء وكبراء، وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء
يقول: كان مخدوماً. وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة
له: احضروا فقد عرض أمر مهم، ثم دخل خلوته فوجدوه ميتاً. قيل: قرأ
ختمةً على الصائغ.
(4/108)
ومات المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن
عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم في رمضان عن خمس وتسعين سنة. ودفن
بالقدس، روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا، وتفرد. وكان ممتعاً بحواسه،
مليح الشكل، ما تزوج ولا تسرى.
وقتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك
يغمراسن بن عبد الواحد الزناتي البربري. وكان سيء السيرة. قتل أباه
وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السريرة وقبح
السيرة. ثم تمكن وظلم. وكان بطلاً شجاعاً، تملك نيفاً وعشرين سنة.
حاصره سلطان المغرب أبو الحسن المريني مدة. ثم برز عبد الرحمن ليكبس
المريني فقتل على جواده في رمضان كهلاً.
سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
كان أهل العراق وأذربيجان في خوفٍ وحروب وشدائد وملال لاختلاف التتار.
ومات الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضي الصالحي القطان في جمادى
الآخرة عن تسع وثمانين سنة. سمع حضوراً من خطيب مردا، وعبد الحميد بن
عبد الهادي، وسمع من عبد الله بن الخشوعي، وابن خليل، وابن
(4/109)
البرهان، وتفرد، وأكثروا عنه، ونعم الشيخ
كان، له إجازة السبط وجماعة.
ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن
ثلاث وتسعين سنة. روى الكثير بإجازة السبط.
ومات القاضي الأثير محيي الدين يحيى بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب
السر بمصر، في رمضان، عن ثلاثٍ وتسعين سنة. ونقل إلى دمشق. وكان صدراً،
معظماً، متمولاً، رزيناً، كالم السؤدد. وروى عن ابن عبد الدايم، وغيره.
وبالإجازة عن ابن مسلمة. وولي بعده ابنه الصغير علاء الدين.
ومات قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الإربلي ثم الدمشقي الشافعي
في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة. نفرت به بغلته فرضت دماغه وهلك
إلى عفو الله بعد ست ليالٍ. روى عن ابن أبي اليسر، وابن أبي عمر،
وجماعة. وأفتى، وناظر، وحكم نحو ثلاث سنين. وجاء على منصبه قاضي
المالكية جلال الدين.
ومات بحماة قاضيها شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن القاضي نجم
الدين عبد الرحيم ابن القاضي شمس الدين إبراهيم بن البارزي الجهني
الشافعي. في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن جده، وابن هامل وله
من الباذرائي، والكمال الضرير، وجماعة، وإجازة. وكان إماماً، قدوةً،
مصنفاً، صاحب فنون، وإكباب على العلم، وصلاح، وتواضعٍ، وخشيةٍ، وصحة
ذهن. بلغ رتبة الاجتهاد وتخرج به الأصحاب، رحمه الله.
(4/110)
ومات بدمشق مدرس الشامية الذي كان قاضي
القضاة، جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي ثم الصالحي
الشافعي، في ذي القعدة، عن سبعٍ وخمسين سنة. حدث عن الفخر وغيره. وتفقه
بابن الوكيل، وبابن النقيب، وتميز، ودرس. سعى له ناصر الدين الدويدار
فولي القضاء نحو سنتين وعزل وسجن مدة، ثم أعطي الشامية. وكان قوي
النفس، ماضي الحكم على حدةٍ فيه. وكان كثير الفضائل.
ومات بمصر شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم الدمشقي بن
الكتاني، عن خمسٍ وثمانين سنة. وكان تام الشكل، عالماً، ذكياً، مهيباً،
مائلاً إلى الحجة، فيه قوة وزعارة. سمع جزء الأنصاري وأبي أن يحدث. ولي
مشيخة المنصورية وغير ذلك، وكان يذكر دروساً مفيدة.
ومات بدمشق بالشامية الكبرى مدرسها العلامة زين الدين محمد بن عبد الله
بن المرحل، في رجب، عن بضع وأربعين سنة. فقيهً، مناظر، أصولي. تفقه
بعمه. وناب في الحكم عن ابن الإخنائي، وكان يذكر للقضاء.
ومات بقوص ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي.
وكان سرياً، فقيهاً، شجاعاً، مهيباً، وسيماً. قيل: هو السبب في تسييرهم
إلى قوص. مات في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة.
(4/111)
سنة تسع وثلاثين
وسبعمائة
عساكر التتار في اختلاف وافتراق، والرعية في مشاق لذلك، وخوفٍ ومغارم.
وفي رجب هلك تحت الزلزلة بطرابلس الشام ستون نفساً. وفيه قدم العلامة
شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام، وفرح المسلمون
به.
ومات ببغداد عالمها الإمام ذو الفنون صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب
عبد الحق بن شمايل البغدادي الحنبلي مدرس البشيرية في صفر وله إحدى
وثمانون سنة. صنف شرحاً للمحرر في ستة أسفار، وألف في الفرائض، وطلب
الحديث، وعمل معجماً. حدث عن عبد الصمد بن أبي الجيش، والكمال ابن
الفويرة، وأسمعته من الشرف بن عساكر، وله نظمٌ رائق، وفيه دين، وفتوة،
وأخلاق، وتصوف، ولم يتأهل.
ومات بمصر قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن خطيب جبرين علي بن
عثمان الحلبي الشافعي في المحرم، عن سبعٍ وسبعين سنة. كان طلب وأخرق
به، وعزل، والله يأجره. وكان يدري القراءات، والأصول، والنحو. وله
تواليف وتلامذة.
(4/112)
ومات بدمشق قاضي قضاة الإقليمين جلال الدين
محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي في نصف جمادى الأولى وله ثلاث
وسبعون سنة، ودفن بقابر الصوفية. وكان مولده بالموصل، وتفقه بأبيه،
وأخذ الأصول عن الأيكي، وأفتى، ودرس، وناظر، وتخرج به الأصحاب. وكان
مليح الشكل، فصيحاً، حسن الأخلاق، غزير العلم، ناب في القضاء لأخيه
إمام الدين، ولابن صصرى. ثم ولي خطابة دمشق مدة، ثم قضاءها، ثم قضاء
دمشق وأصابه طرف فالج مديدة. وتأسفوا عليه لأياديه وحلمه، والله يسمح
لنا وله. حدث عن الفاروثي وغيره.
ومات القاضي الإمام القدوة العابد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي
القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصائغ
الدمشقي الشافعي، مدرس العمادية، والدماغية، في جمادى الأولى، عن ثلاثٍ
وستين سنة. حدث عن ابن شيبان، والفخر، وطائفة. وحفظ التنبيه، ولازم
الشيخ برهان الدين زماناً، وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة
سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفي. ثم ولي خطابة القدس وتركها. وكان
مقتصداً في أموره، كثير المحاسن، حج غير مرة.
ومات شيخ الأمراء الكبير سيف الدين كجكن المنصوري عن نحو التسعين.
ومات بمصر المعمر الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد ابن عثمان بن
مكي الشارعي. وكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه، وكان
(4/113)
من أبناء التسعين. لحقه أبو الخير الدهلي.
مات في جمادى الأولى.
ومات المفتي زين الدين عبادة بن عبد الغني السعدي الحراني الحنبلي، في
شوال، عن ثمانٍ وستين سنة. حدث بالصحيح عن القاسم الإربلي وغيره. وكان
ديناً، متهجداً، متواضعاً، جواداً، مناظراً، صحبته بضعاً وأربعين سنة.
وكان يلي العقود والفسوخ.
ومات شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة شمس الدين محمد بن شرشق بن محمد
بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي في أول ذي الحجة بقرية
الجبال من عمل سنجار عن تسع وثمانين سنة. وكان عالماً، صالحاً، وقوراً،
وافر الجلالة، حج مرتين. وروى عن الفخر علي بدمشق، وببغداد، وخلف
أولاداً كباراً، لهم كفاية وحرمة.
ومات العدل الأمير شمس الدين محمد بن إبراهيم بن الجزري الدمشقي صاحب
التاريخ الكبير، في وسط السنة، وله إحدى وثمانون سنة. وكان ديناً
ساكناً، وقوراً، به صمم. روى عن إبراهيم بن أحمد، والفخر ابن البخاري،
وسمع ولديه مجد الدين، ونصير الدين كثيراً.
ومات بخليص محرماً في ذي الحجة الإمام الحافظ محدث الشام علم الدين
القاسم بن محمد بن البرزالي الشافعي، صاحب التاريخ، والمعجم الكبير،
وله أربع وسبعون سنة وأشهر. وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين. روى عن ابن
أبي
(4/114)
الخير، وابن أبي عمر، والعز الحراني،
وغازي، وخلق كثير. وقرأ، وكتب، وتعب وأفاد، وخرج من الصدق والتواضع،
والإتقان، وكثرة المحاسن. ووقف جميع كتبه، وأوصى بثلثه. وحج خمس مرات،
رحمه الله.
وفي المحرم منها مات الشيخ شرف الدين أبو الحسين بن عمر البعلي شيخ
الربوة والشبلية. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، وطائفة. وله
بضع وثمانون سنة.
ومات بطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن العلم المنذري. سمع المسند من
ابن شيبان.
ومات بالقدس خطيبه زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين
محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي.
ومات بدمشق معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان ابن
الخراط. حدث عن ابن البخاري وغيره. وعمل خطباً ومقامات.
ومات شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد بن العماد
الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر. درس بالعمادية. وحدث عن ابن أبي اليسر،
وابن الأوحدي، وجماعة.
ومات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان
الحسيني. وكان سيداً نبيلاً. وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في
الأشهر الحرم.
ومات بالقاهرة قاضي العساكر، وناظر الخزانة، القاضي كمال
(4/115)
الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين
الإخنائي. حدث عن الديماطي وغيره.
ومات بالإسكندرية قاضيها العلامة وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي
المالكي. ولحقه الدهلي.
ومات بالصالحية المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود السبعي.
حدث عن ابن عبد الدايم وغيره، وله إحدى وتسعون سنة.
سنة أربعين وسبعمائة
في صفر هبت ريح بجبل طرابلس وسمومٌ وعواصف على جبال عكا، وسقط نجم اتصل
نوره بالأرض برعد عظيم، وعلقت منه نارٌ في أراضي الجون أحرقت أشجاراً،
ويبست ثماراً، وأحرقت منازل، وكان ذلك آية. ونزلت من السماء نارٌ بقرية
الفيجة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت. وصح هذا
واشتهر. وأمر التتار في اختلافٍ، وهرجٍ، وفرقة.
ومات بدمشق الشيخ المعمر نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن
القرشية البعلبكي الصوفي. أحد أعيان الصوفية، وأكابر الفقراء القادرية،
عن تسعين سنة، أو أكثر. حدث عن الشيخ الفقيه. وكان خاتمة أصحابه، وعن
ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وجماعة. وولي مشيخة الشبلية، والأسدية،
توفي في رجب.
ومات بمصر العلامة مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز
(4/116)
الزنكلوني الشافعي، في ربيع الأول، عن بضع
وستين سنة. إمام، مفتٍ، ورع، صالح، مصنف. ألف للتنبيه شرحاً، وللتعجيز.
وتفقه به جماعة. روى عن الأبرقوهي وغيره، ودرس.
وماتت مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم
المقدسية، المرأة الصالحة العذراء، في تاسع عشر جمادى الأولى، عن أربعٍ
وتسعين سنة. روت عن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، واليلداني، وسبط
ابن الجوزي وجماعة. وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير، وابن
العليق، والنشري، وعددٍ كثير. وتكاثروا عليها. وتفردت. وروت كتباً
كباراً. رحمها الله.
وفي ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريقٌ كبير شمل اللبادين
القبلية، وما تحتها وما فوقها، إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين،
وسوق الدهشة وحاصل الجامع وما حوله، المئذنة الشرقية، وعدم للناس فيه
من الأموال والمتاع مالا يحصر. ونسب فعل ذلك إلى النصارى فأمسك كبارهم
وسمروا حتى ماتوا.
وفي هذا العام مات الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم
العباسي بقوص. وكانت خلافته ثمانياً وثلاثين سنة. وبويع لأخيه إبراهيم
بغير عهد.
ومات القاضي الإمام محيي الدين إسماعيل بن يحيى بن جهبل الشافعي عن سن
عالية. حكم بدمشق نيابةً، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم عزل. وحدث عن ابن
عطاء، وابن البخاري وجماعة.
(4/117)
وفيه قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب
النشو القبطي في صفر وصودر، واستصفيت حواصله بمباشرة الأمير سيف الدين
شنكر الناصري. ومن جملة ما وجد له، صندوقٌ ضمنه تسعة عشر ألف دينار،
وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار، وصليب مجوهر، ووجد بداره كنيسة مرخمة مصورة
بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها. واستمر الملعون في العقوبة حتى
هلك في ربيع الآخر.
وقد زاد النيل في اليوم الذي قبض فيه على النشو ثمانية عشر إصبعاً
وثاني يوم إلى اثنين وعشرين إصبعاً ولله الحمد.
(4/118)
|