العبر في خبر من غبر، من سنة 741 إلى 750

الذيل الثاني
للحسيني
من سنة 741 - 764 هجرية

(4/119)


بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
في المحرم منها أو في أواخر العام الماضي قبض على الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام، وأخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية أياماً ثم قتل ودفن هناك. ولي نيابة دمشق في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسار في سنة خمس عشرة فافتتح ملطية وسبى وقتل، وكان رجلاً عبوساً، شديد الهيبة، وافر الحرمة، لا يجترىء أحد من الأمراء أن يكلم أحداً بحضرته، وكان مع جبروته له من يضاحكه ومن يغنيه، وقد زار مرة شيخنا ابن تمام. وسمع من أبي بكر، ابن عبد الدايم، وعيسى، وابن الشحنة، وما علمته حدث.
وله آثارٌ حسنة في أماكن من البلاد الإسلامية رحمه الله تعالى. وولي بعده نيابة دمشق الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب. وفي هذا العام جددت خطبةٌ بالمدرسة البدرية جوار الشبلية باعتناء القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب السر.
ومات الزاهد العابد القدوة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام التلي

(4/121)


ثم الصالحي الخياط، في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة. ثنا عن ابن عوة، وابن السروري، وابن عبد الدايم، وطائفة.
استوعب الذهبي شيوخه في جزء، وزاره تنكز نائب الشام، وحدث عنه البرزالي، والذهبي، والعلائي، وخلق. وكان أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر رحمه الله.
ومات بمصر العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة القرشي الشافعي المعروف بابن القماح في ربيع الآخر عن بضع وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن الرضي بن البرهان.
ومات بدمشق المحدث الإمام بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن غانم الشافعي، سمع التقي بن الواسطي، وطائفة. وعني بالحديث، وحدث، وأفتى، ودرس، وأفاد.
ومات الشيخ الزاهد خالد المجاور لدار الطعم، ودفن بداريا. صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية. وله حال، وكشف، وكلمة نافذة. رحمه الله.
ومات بدمشق أيضاً الإمام العلامة ذو الفنون برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي، عن بضع وخمسين سنة. أفتى قديماً، ودرس، وناظر، وناب في الحكم عن القاضي عز الدين بن التقي سليمان، ثم عن القاضي علاء الدين بن المنجا. وكان إليه المنتهى في التحري، والتفنيد، وجودة الخط، وحسن الخلق. حدث عن عمر ابن القواس، والشرف بن عساكر، وغيرهما، وكان يصبغ بالوسمة.

(4/122)


وفي ذي القعدة
مات شيخنا المعمر بهاء الدين علي بن عيسى بن المظفر بن الياس بن الشيرجي الدمشقي، عن ثمانٍ وثمانين سنة، حدث عن ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وطائفة. توفي في ذي القعدة.
ومات ببغداد المعمر أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود بن الدقوقي عن خمس وسبعين سنة. سمع من ابن أبي الدينة مسند الإمام أحمد، وحدث عن أبي محمد بن ورخز، وكانت سيرته غير مرضية.
ومات بها أيضاً الشيخ وجيه الدين محمد الباذبيني، حدث عن ابن الطبال وغيره.
ومات بدمشق المعمر بهاء الدين عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن مكتوم القيسي الدمشقي الشاهد عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن الأوحد، وابن أبي اليسر، وطائفة. وكان يرتزق من الشهادة، ثم انقطع بأخرة، وضعفت حركته وأضر. ولد في شعبان سنة ثمان وخمسين، وتوفي في ذي القعدة.
وماتت المعمرة الصالحة، الخيرة، أم محمد صفية بنت أحمد بن أحمد المقدسية، زوجة شيخنا بهاء الدين ابن العز عمر، عن سنٍ عالية. حدثت بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم، توفيت في ذي الحجة.

(4/123)


وفي يوم الأربعاء عشرينه، مات بالقاهرة السلطان الملك الناصر، أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي عن بضع وخمسين سنة، ودفن على والده بالمنصورية. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة. وسمع من قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وابن الشحنة، وست الوزراء. وأجاز له من دمشق عام ثلاث وسبعمائة أبو جعفر بن الموازيني، وإسحاق النحاس، والقاضي تقي الدين سليمان، وطائفة.
وكان ابتداء ملكه في المحرم سنة ثلاث وتسعين بعد قتل أخيه الملك الأشرف، فأقام سنتين، ثم خلع بالملك المنصور، حسام الدين لاجين أستاذ تنكز المذكور، فأقام المنصور حتى قتل في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، فأحضر الملك الناصر من الكرك وسلطنوه، وهي المرة الثانية، فأقام إلى سنة ثمانٍ وسبعمائة، ثم أظهر أنه يريد الحج، فخرج وعرج إلى الكرك، فأقام به ولوح بعزل نفسه. فتولى الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير فأقام بقية سنة ثمان وسبعمائة إلى رمضان من العام القابل، فخرج طائفة من كبار الأمراء وكرهوا ولاية المظفر، وساقوا على حمية إلى الكرك، فاستنهضوا الملك الناصر فخرج معهم وسار إلى دمشق، فبايعه أمراء الشام، وتوجه إلى القاهرة، فلما تحقق بيبرس قدوم السلطان خرج هارباً نحو الصعيد، فدخل السلطان إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة واتفقت عليه كلمة المسلمين، فأقام ملكاً مطاعاً، وأذعنت له الملوك، ودانت له الأمم وخافته الأكاسرة، حتى مات في هذا العام، وعهد إلى ابنه الملك المنصور أبي بكر، فولي بعده [أبيه] وهو ابن عشرين سنة.

(4/124)


وفي أيام الملك الناصر كانت وقعة غازان بوادي الخزندار، ووقعة شقحب، وفتح ملطية، وآياس، ووقعة عرض.
وفي أيامه أسقط مكس الأقوات والله يرحمه.
سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة
وفي المحرم منها
بويع الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله سليمان ابن الحاكم العباسي وكان ولي عهد أبيه.
وقبض السلطان المنصور على الأمير سيف الدين بشتك الناصري وأخذ من حواصله ما يزيد على ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وقبض على غيره من الأمراء، فاتفق الأمراء على خلعه، فخلعوه في سابع عشر صفر، وحبس بقوص ثم قتل في جمادى الآخرة، وكانت دولته نحواً من سبعين يوماً. وأقاموا أخاه الملك الأشرف كجك وهو متميز، فسلطنوه، وخطب له بدمشق وغيرها، في ربيع الأول، وكان أخوه الملك الناصر أحمد بالكرك، فلما بلغه ولاية أخيه الأشرف الذي هو أصغر إخوته، تحركت همته، فسار في شهر رمضان من الكرك إلى القاهرة، وقد كان الأمير قطلوبغا الفخري اتفق مع الأمراء على الشخوص إلى القاهرة، وولاية أحمد صاحب الكرك، وتنازل الفخري وألطنبغا نائب دمشق وتراسلوا، فذهب ألطنبغا على حمية إلى مصر منهزماً، واستقر الفخري بدمشق إلى رمضان، فتوجه هو ونائب حلب طشتمر المعروف بحمص أخضر فدخلا القاهرة، وتوجه قضاة الشام فاجتمعوا كلهم وخلعوا الملك الأشرف كجك. خلعه الخليفة الحاكم بحضور قضاة

(4/125)


مصر والشام، وذلك لصغر سنه وعجزه عن القيام بمصالح الرعية. فكانت دولته نحو سبعة أشهر، وبايعوا السلطان الملك الناصر أحمد بيعة لم يتفق لغيره مثلها، وذلك يوم الإثنين عاشر شوال بحضور أمراء مصر والشام، وقضاة القضاة بمصر والشام، فأقام كذلك إلى ثاني الحجة منها، فسار إلى الكرك بأمواله وخيله ورجاله، ومعه كاتب السر، وناظر الجيش، وطشتمر المذكور محتفظاً عليه، وقد كان ولى الفخري نيابة دمشق فجهز إليه، فقبض عليه بالطريق فضربت عنقه، وعنق طشتمر خارج الكرك في العشر الأخر من ذي الحجة، ثم قتل ألطنبغا نائب الشام وجماعة من الأمراء المصريين.
ومات بدمشق خطيبها المفتي الإمام بدر الدين محمد بن قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي، وقد ناب في الحكم عن والده في الكرة الأخيرة.
ومات ببلبيس المعمر أبو الفتوح عبد الله النصير بن محمد الأنصاري عن ثمانٍ وتسعين سنة. حدث عن الفضل بن رواحة وغيره.
ومات بدمشق مقرئها العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الرقي ثم الدمشقي الحنفي الأعرج، عن أربع وسبعين سنة. حدث عن الفخر وطائفة. وقرأ على الفاروثي، والفاضلي. وأقرأ بالأشرفية. توفي في سلخ صفر.
ومات الحافظ العلامة إمام المحدثين جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الحلبي، ثم الدمشقي المزي الشافعي صاحب تهذيب الكمال، وكتاب الأطراف. ولد في العاشر من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بحلب.

(4/126)


وسمع بدمشق في سنة خمس وسبعين من ابن أبي الخير، وابن علان، والإربلي، والشيخ شمس الدي، وابن البخاري، وخلق من هذه الطبقة، وغيرهم، وهلم جراً. وحدث بالكثير من مسموعاته، وحمل عنه طوائف من الفقهاء والحفاظ، وغيرهم، وبه ختم شيخنا الذهبي طبقات الحفاظ له.
توفي في يوم السبت ثاني عشر صفر ودفن بالصوفية رحمه الله. وكان مع تبحره في علم الحديث رأساً في اللغة العربية والتصريف، له مشاركة جيدة في الفقه وغيره، ذا حظ من زهد وتعفف، ويقنع باليسير، وقد شهد له بالإمامة جميع الطوائف، وأثنى عليه الموافق والمخالف.
ومات ببغداد المحدث المسند محب الدين أبو الربيع علي بن عبد الصمد ابن أحمد بن عبد القادر البغدادي عن ست وثمانين سنة. حدث عن ابن أبي الدينة وطائفة.
ومات في جمادى الأولى ملك العرب مظفر الدين موسى بن مهنا ودفن بتدمر.
ومات بعده بثمانية أيام نائب طرابلس أرنبغا الناصري.
وفي آخر هذا العام قتل قوصون الناصري، ونهبت أمواله بالقاهرة.
سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
وفي المحرم
أرسل أمراء الدولة إلى الملك الناصر أحمد بالكرك ليعود إلى القاهرة مستقر

(4/127)


ملكه وملك أبيه، فأجابهم: إن كنت أنا السلطان فلا يأتمر علي أحد، الشام لي ومصر لي، أيهما شئت أقمت به، وقد أقمت نائباً لقضاء حوائج الرعية. فلم يعجبهم هذا الجواب واضطربت آراؤهم ثم اتفقوا على خلعه، فخلعوه في ربيع الأول وعقدوا الملك لأخيه الملك المظفر عماد الدين إسماعيل وهو ابن نحو من سبع عشرة سنة، وكانت دولة الناصر أحمد نحو خمسة أشهر وأياماً. وتوجه أمراء دمشق بالمجانيق لحصار الكرك.
وولي نيابة دمشق الأمير علاء الدين أيدغمش الناصري فأقام نحو ثلاثة أشهر، ومات فجأة في رابع جمادى الآخرة وولى بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين طقزتمر الناصري فدخلها في نصف رجب.
وفيها ولد لرجل من أهل الجبل ولد برأسين وأربع أيد، فحكى لي شيخنا عماد الدين بن كثير قال: ذهبت إليه ونظرت إليه، فإذا هما ولدان قد اشتبكت أفخاذهما بعضها في بعض، وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهما ميتان.
ومات مسند الشام المقرىء الصالح العابد أبو العباس أحمد بن علي بن حسن بن داوود الجزري ثم الصالحي الحنبلي عن ثلاث وتسعين سنة وسبعة أشهر، حضر على ابني عبد الهادي، واليلداني، والبكري، وخطيب مردا، وإبراهيم بن خليل، وابن عبد الدايم، وغيرهم، وأجاز له ابن الزعبي، والصرصري، وفضل الله الجيلي، وعبد القادر القزويني، وخلق. خرجت له من عواليه، وتوفي في خامس شعبان، وسمعت شيخنا الحافظ تقي الدين السبكي يقول: لم أر أجلد منه على التلاوة والصلاة.
ومات ببعلبك مسندها وخطيبها المعمر محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي الشافعي، نزيل بلد بعلبك وشيخ الكتابة، ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدايم، والقاسم الإربلي، والرشيد العامري، وابن هامل وطائفة. استوعبهم شمس الدين بن سعد

(4/128)


في جزءٍ خرجه له، وحدث عنه الذهبي في معجمه، وكان مجيداً للخطابة، مليح الشكل، كبير القدر، عاقلاً، متصوناً. وهو والد شيخنا المجود بهاء الدين محمود، توفي في تاسع رمضان.
ومات بالقاهرة القاضي الإمام الأوحد تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الهادي المعروف بابن الأطرياني، كاتب الإنشاء عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز بن الصيقل وغيره.
ومات بها الأديب البارع العلامة تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد المخزومي المكي، قدم مصر والشام، وتقدم عند صاحب اليمن، وباشر فنون الإنشاء باليمن، ثم تفرقت الدولة فصرف عن ذلك وأوذي، فعاد إلى الحجاز وأقام بالمدينة ةخطب بها نيابة، ثم عاد إلى القاهرة ودرس بها، ثم استوطن القدس. وحضر إلى دمشق وحلب. كتب عنه شيخنا أبو حيان من نظمه، وصنف تصانيف مفيدة، منها كتاب " مطرب السمع في شرح حديث أم زرع ".
ومات بظاهر دمشق الإمام الزاهد المفتي عبد الله بن محمد بن أحمد ابن أبي الوليد المالكي، إمام محراب المالكية بالجامع الأموي. حدث عن ابن البخاري.
ومات الخطيب البليغ شمس الدين محمد بن عبد الأحد بن الوزير الحنبلي خطيب الجامع الكريمي.
ومات شيخ القراء الإمام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن

(4/129)


بصخان الشافعي، ودفن بباب الفراديس، وله خمس وسبعون سنة. حدث عن ابن إسماعيل ابن الفرا وطبقته، وتلا بالسبع على الدمياطي.
سنة أربع وأربعين وسبعمائة
وفي رجب
جيء بتنكز مصبراً في تابوت من الإسكندرية، فدفن بتربة جوار جامعه بدمشق.
وفي منتصف شعبان
كانت الزلزلة العظمى العامة، فهدمت مدينة منبج، وتهدمت منها أماكن بحلب، وغيرها، واستمرت تتعاهدهم بحلب إلى بعد عيد الفطر. وفيها قدم الصاحب مكين الدين إبراهيم بن قروينة من القاهرة على نظر الدواوين بالشام في رمضان، وصرف عنها الصاحب تاج الدين بن أمين الملك إلى طرابلس.
وفي شوال
قدم الصاحب شمس الدين موسى بن التاج عبد الوهاب من مصر إلى حلب على نظر الدواوين بها.
وفي مستهل ربيع الآخر
احترق سوق الصالحية من أوله إلى آخره. وولي قضاء الشافعية بحلب شيخنا الزاهد قاضي القضاة نور الدين محمد بن محمد بن الصايغ، ودرس بعده بالدماغية بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو

(4/130)


الطيب الحسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخذ في قول الله تعالى: " وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه ".
ومات المعمر الصالح كمال الدين محمد بن القاضي محيي الدين بن الزكي القرشي الشافعي مدرس العزيزية والتقوية عن سن عالية، سمع من ابن البخاري، وغيره. ودرس بعده بالتقوية القاضي الإمام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي وأخذ في قوله تعالى: " إنا أنزلناه في ليلة القدر ".
ومات الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف، الحنفي، سبط ابن عبد الحق، سمع جده أبو العباس، وابن البخاري، وغيرهما. وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، ثم صرف عنه في سنة ثمان وثلاثين، فقدم دمشق. وإليه انتهت رياسة المذهب، توفي في ذي الحجة.
ومات بحلب الحافظ الإمام شمس الدين محمد بن علي بن أبيك السروجي. ولد سنة خمس عشرة، عام مولدي، وسمع بالقاهرة من مشيخة الوقت، وقدم دمشق غير مرة، واعتنى بالرجال، وبرع، وكتب، وتعب. وكان فيه شهامة ورقة نفس، توفي في ربيع الأول.
وفيه مات بالقدس القاضي الإمام النبيل شرف الدين أبو بكر ابن محمد بن العلامة شهاب الدين محمود الحلبي، وكيل بيت المال بدمشق، توفي فجأة، وولي بعده القاضي أمين الدين بن القلانسي.

(4/131)


ومات بظاهر دمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة خمس وسبعمائة. وسمع أبويه، والقاضي تقي الدين سليمان، وأبا بكر بن عبد الدايم، وهذه الطبقة، ولازم الحافظ المزي فأكثر عنه وتخرج به، واعتنى بالرجال والعلل، وبرع، وجمع، وصنف، وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من جلة أصحابه، ودرس بالمدرسة الصدرية. وولي مشيخة الضيائية، والصبابية. وتصدر للاشتغال والإفادة. وكان رأساً في القراءات، والحديث، والفقه، والتفسير، والأصلين، واللغة، والعربية. تخرج به خلق، وروى الذهبي عن المزي عن السروجي عنه. توفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى. وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ بعد دفنه: " والله ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه " رحمهما الله.
ومات بحلب المفتي الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن إبراهيم السفاقسي المالكي في رمضان.
ومات بدمشق المعمر الصالح الخير زين الدين عبد الرحيم بن إبراهيم ابن كاميار، القزويني الأصل، الدمشقي، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث بالإجازة عن عثمان ابن خطيب القرافة، والبكري، وخلق.
ومات المسند شهاب الدين أبو القاسم عبد الله بن علي بن محمد بن عمر ابن هلال الأزدي الدمشقي. ولد سنة إحدى وسبعين، وحضر ابن أبي اليسر، ويحيى بن الحنبلي. وسمع ابن علان وطائفة. توفي في منتصف رجب.
ومات بالكرك الشرف محمد بن عبيد الله بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الصالحي، ثم الكركي، ثنا عن ابن البخاري، انتهت إليه رياسة عمل

(4/132)


المنجنيق وبه قتل في جمادى الأولى.
ومات بالقاهرة العلامة تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن التركماني الشافعي أحد أركان المذهب.
ومات بالقريتين، ملك العرب شرف الدين عيسى بن فضل ابن أخي الملك مهنا، ونقل فدفن بحمص.
ومات بدمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون أقضى القضاة، تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي، ولد بالمحلة في ربيع الآخر سنة خمس وسبعمائة، وأحضر على أبوي الحسن علي بن عيسى بن القاسم، وعلي بن محمد بن هارون التغلبي وغيرهما. وسمع من الحسن الكردي، وعلي بن عمر الواني، ويونس الدبوسي، وست الوزراء، وخلق. وأجاز له عام مولده الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره. وحدث، وكتب بخطه المليح المتقن شيئاً كثيراً، وانتقى على جماعة من شيوخه، وكتب العالي والنازل، وبرع في الفقه، والأصلين، والحديث، واللغة. وأفتى ودرس وأفاد، وتلا بالسبع على الأستاذ أبي حيان، وأخذ عنه علم العربية. وتفقه بجده، وأبي عبد الله السنباطي، وشيخ الإسلام السبكي، وناب في الحكم، وتوفي في ثاني عشر ذي القعدة رحمه الله.
ومات بحلب في ذي الحجة العلامة كمال الدين عمر بن محمد بن عثمان بن العجمي في حدود الأربعين، سمع بدمشق من جماعة، وأفتى، ودرس وناظر.

(4/133)


سنة خمس وأربعين وسبعمائة
في صفر فتحت الكرك وقبض على السلطان الملك الناصر أحمد، ثم قتل ودفن هناك، واحتمل رأسه إلى القاهرة وزين البلد.
وفي ذي الحجة
قدوم شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل من القاهرة على نظر الدواوين بالشام.
وفي سادس رمضان
أثلجت السماء ثلجاً عاماً بحيث أنه أصبح على الأسطحة نحو الذراعين، وفي بعض الأماكن طول رمح، وتقطعت السبل، وهلك الدواب والمواشي، ومات خلق من السفارة بالطرق، واستمر على ذلك خمسة أيام تباعاً ولم يزل يتعاهدنا الثلج إلى ثاني شوال.
ومات بظاهر دمشق المعمر الصالح شمس الدين محمد بن علي بن هكام القيسي المعروف بابن البلوط، حدث عن ابن عبد الدايم.
ومات بالقاهرة شيخ النحاة العلامة أثير الدين أبو حيان النفزي الجياني ثم المصري الظاهري، عن تسعين نسة وأشهر، حدث عن محدثي الأندلس، والقاهرة، وغيرهم - وعني بالحديث، والفقه، والتفسير، واللغة، وأما العربية فهو حامل لوائها. وقد سارت بذكره وتصانيفه. ونظمه ونثره الركبان في أقطار البلدان. تخرج به أئمة، ودرس بالقبة المنصورية وغيرها، وتوفي في ثامن عشرين صفر، أضر في آخر أيامه.

(4/134)


ومات بدمشق العلامة قاضي القضاة جلال الدين أبو المفاخر أحمد بن قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أنو شروان الرازي ثم الدمشقي الحنفي، عن ثلاث وتسعين سنة ونصف. حدث عن ابن البخاري وغيره، وناب في الحكم بدمشق عن والده ثم ولي استقلالاً. ثم عرض له صممٌ فصرف بالقاضي شمس الدين بن الحريري. ودرس بالخاتونية، والريحانية، والقصاعين، وإليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، توفي في رجب، ودفن بمدرسته التي أنشأها بدمشق المعروفة بالجلالية وكانت سكنه رحمه الله.
ومات بأطرابلس شيخنا مجد الدين محمد بن عيسى بن يحيى بن أحمد أبو الخطاب السبتي المصري ثم الدمشقي، الصوفي، عن اثنتين وسبعين سنة، حدث بجامع الترمذي عن ابن ترجم، وولي مشيخة دويرة حمد بباب البريد.
ومات بدمشق شيخ الأدب الإمام ذو الفنون نجم الدين علي بن داوود بن يحيى بن كامل القرشي القحفازي الحنفي، خطيب جامع تنكز، ومدرس الحنفية بالظاهرية. سمع من البرهان بن الدرجي وغيره. ولد سنة ثمان وستين، وولي بعده الخطابة القاضي عماد الدين بن العز.
ومات بالصالحية المعمر الصالح الرئيس الكامل زين الدين عبد الرحمن بن علي بن حسين بن مناع التكريتي ثم الدمشقي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وستمائة، وحدث بالصحيح وغيره عن ابن عبد الدايم، وتوفي في خامس شعبان، وكان رجلاً مهيباً، نبيلاً، منور الشيبة، كريم الأخلاق، محتشماً. أقعد في أواخر عمره.

(4/135)


ومات المسند المقرىء المعمر أبو عمر عثمان بن سالم بن خلف البذي، المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفي في شعبان وقد جاوز المائة.
ومات الإمام المفتي الكبير الزاهد أبو عمرو أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي جعفر أحمد ابن قاضي الجماعة أبي الوليد محمد الإشبيلي ثم الدمشقي المالكي، ولد بغرناطة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدم دمشق فسمع من ابن البخاري، وابن مؤمن، والفاروثي، وغيرهم. حدث عنه الذهبي، وأمّ بمحراب المالكية بالجامع، توفي في ثاني رمضان، وكان يخضب.
ومات بالقاهرة الأمير العالم الكبير علم الدين أبو سعيد سنجر الجاولي المنصوري. سمع من قاضي الشوبك دانيال مسند الشافعي في سنة ثمان وثمانين، وشرحه بإعانة غيره في عدة أسفار، وله آثار حسنة بالبلاد الشامية وغيرها، توفي في رمضان.
ومات ببرزة خطيبها المعمر الصدر سليمان بن أحمد البانياسي، ثم الدمشقي الشافعي، عن إحدى وثمانين سنة. سمع من ابن البخاري وهو خطيب، وحدث عنه وهو خطيب. توفي في شوال.
وماتت بالصالحية الشيخة الصالحة الخيرة المعمرة أم عبد الله حبيبة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسية عن إحدى وتسعين سنة. حدثت عن ابن عبد الدايم وغيره. وأجاز لها في سنة أربع وخمسين وستمائة محمد بن عبد الهادي، وابن السروري، وابن عوه وطائفة. وكانت سوداء. ماتت في ذي القعدة ولم تتزوج.
وفي ليلة الجمعة ثاني عشر ذي القعدة مات شيخنا الإمام العلامة بقية السلف

(4/136)


قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن إبراهيم ابن النقيب الشافعي عن بضع وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره. وجالس شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وولي قضاء حمص، ثم أطرابلس، ثم حلب، ثم صرف. ودرس بالشامية الكبرى عوضاً عن ابن جملة. وكان أحد أوعية العلم. ودرس بعده بالشامية شيخ الإسلام السبكي.
سنة ست وأربعين وسبعمائة
وفي ليلة الخميس رابع ربيع الآخر
مات المولى السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، واستقر أخوه الملك الكامل شعبان فكانت أيام الصالح ثلاث سنين وثلاثة أشهر. ولما ملك الملك الكامل شرع في تفريق كبار الأمراء، فجهز الأمير سيف الدين آل ملك إلى صفد، بعد نيابة مصر. وسيف الدين قماري إلى طرابلس. وسيف الدين طقزتمر إلى مصر، بعد نيابة دمشق والحاج أرقطاي إلى حلب. وسيف الدين يلبغا اليحياوي إلى دمشق، بعد نيابة حلب. وسيف الدين آق سنقر إلى مصر، بعد نيابة طرابلس. وسنجر الأمير حسام الدين طرنطاي البجمقدار إلى دمشق، بعد حجوبية مصر. وسيف الدين طقتمر الخليلي إلى نيابة حمص، بعد حجوبية دمشق. وسيف الدين أياز إلى غزة، بعد نيابة جعبر. فقدم الأمير سيف الدين يلبغا إلى دمشق على نيابتها بكرة يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى.
وفيه عزل الصاحب تقي الدين بن مراجيل عن نظر الدواوين بدمشق

(4/137)


وولي الصاحب بهاء الدين بن سكرة الحلبي.
وفي منتصف الشهر
مات شيخنا الرئيس الإمام عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي محتسب دمشق، وناظر الجامع. حضر زينب بنت مكي. وكان رجلاً خيراً دمث الأخلاق، ذا شارة وبزة حسنة، وسيماً، مجتهداً في لف العمامة. ودرس بعده بالحنبلية عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية.
وولي الحسبة عماد الدين بن الشيرازي.
ومات بأطرابلس قاضيها، كان، العلامة حسام الدين حسن بن رمضان القرمي مدرس الناصرية بالجبل. تفقه للشافعي، وبرع في علم الحديث، وصنف وأفاد. وكان أحد الأئمة. ودرس بعده بالناصرية شيخنا نجم الدين بن قوام.
وفي غرة جمادى الآخرة
مات بالقاهرة الأمير سيف الدين طقزتمر نائب الشام كان.
وفي ثاني عشر
مات القاضي الإمام علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي خطيب جامع الأفرم، ونائب الحكم عن القاضي عماد الدين الطرسوسي. وولي بعده نيابة الحكم شيخنا الإمام شرف الدين الكفري.
وفيه مات بحمص نائبها الأمير سيف الدين طقتمر الخليلي صاحب المدرسة الخليلية بدمشق. ونقل إلى دمشق في تابوت، ودفن بالقبيبات.

(4/138)


ومات الأمير سيف الدين أياز الساقي نائب غزة بها.
وفي رجب
مات شيخنا الإمام القدوة الزاهد نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي ثم الدمشقي الشافعي، ودفن بزاوية جده بقاسيون. درس بالناصرية بالجبل، وثنا عن عمر بن القواس وغيره.
ومات بطيبة المشرقة المحدث المفيد الزاهد، نور الدين علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون في رجب.
وفي سابع عشر منه
مات بدمشق القاضي الرئيس النبيل، بدر الدين محمد بن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله العمري العدوي صاحب ديوان الإنشاء بدمشق. وولي بعده القاضي تاج الدين بن الزين خضر.
وفي عاشر شعبان
مات الصاحب بهاء الدين أبو بكر بن موسى بن سكرة الحلبي ناظر الدواوين بالشام. وولي بعده الصاحب علاء الدين بن الحراني.
وفي ذي القعدة
مات بدمشق الأمير علاء الدين علي بن معبد البعلبكي، ودفن إلى

(4/139)


جانب والده داخل دمشق بتربة أنشأها له وجعلها دار قرآن.
وفي ذي الحجة
مات الأمير الكبير جنكلي بن محمد بن البابا بمصر.
والأمير سيف الدين قماري نائب طرابلس بها.
والأمير سيف الدين آل ملك نائب صفد بها.
والأمير سيف الدين ألمش الحاجب كان بدمشق، توفي ببانياس، ونقل في محفة فدفن بالقبيبات.
سنة سبع وأربعين وسبعمائة
وفي جمادى الأولى منها
خرج نائب دمشق الأمير سيف الدين يلبغا ومعه الأمراء فنزلوا بميدان الحصا، وكتب إلى النواب بحلب، وحماة، وحمص، وطرابلس، وغيرها بما فعله، فأجابوه إلى ذلك، سوى نائب حلب، وقدموا عليه في جملة من عساكرهم فحلفوا له مع أمراء دمشق وأقاموا معه. فلما بلغ أهل مصر ما فعله أهل الشام انتحوا لأنفسهم، وانعزلوا عن السلطان الملك الكامل ولاموه فيما فعله بكبار الأمراء، فحلف ألا يعود، فلم يطمئنوا إليه واجتمعوا بالخليفة الحاكم والقضاة، وأبدوا لهم ما فعله السلطان بالأمراء من سفك دمائهم وتشتيتهم عن أوطانهم، فاتفقوا على خلعه، فخلعوه واعتقلوه هو وجماعة من بطانته، فكانت دولته أربعة عشر شهراً. وتملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل جمادى الآخرة.

(4/140)


وقدم الأمير بيغرا إلى دمشق بالبشارة بذلك فرجعت العساكر، ودخل نائب الشام في عسكر عظيم، حوله نواب السلطنة بحماة، وحمص، وأطرابلس، وصفد، وعسكر دمشق. واستقبلهم الناس بالشمع، وامتدحهم الشعراء، وبين أيديهم الأسد، وكان يوماً مشهوداً، ثم خنق الكامل في اليوم الثالث من خلعه.
وفي هذا العام أنشىء الجامع السيفي يلبغا بدمشق.
وفي ربيع الآخر
مات القاضي تاج الدين محمد بن الزين خضر المصري صاحب ديوان الإنشاء بالشام. وولي بعده القاضي الإمام ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي فقدم إلى دمشق من حلب في ثاني عشر جمادى الأولى.
وفي هذا الشهر
مات ببعلبك شيخنا الإمام القدوة محيي الدين عبد القادر ابن الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن اليونيني شيخ بلد بعلبك. حدث عن الفخر وطائفة.
وفي رجب
مات بأطرابلس قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور الزرعي الشافعي. وكان عمل نيابة الحكم بدمشق.
وفي شعبان
مات بدمشق شيخنا القاضي الإمام العالم الرئيس الكامل تقي الدين أبو

(4/141)


محمد عبد الكريم ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي ابن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الأموي العثماني المصري، ثم الدمشقي الشافعي. ولد ليلة عرفة سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، ثم قدم فتفقه بها، وسمع من ابن البخاري وغيره. وولي مشيخة الشيوخ، ودرس بأماكن، وكان رجلاً ساكناً، عاقلاً، مهيباً، وقوراً، ذا غور ودهاء. وفيه مكارم وإفضال، رحمه الله.
ومات السيد الشريف النقيب علاء الدين علي ابن السيد النقيب زين الدين الحسين بن محمد بن عدنان الحسني نقيب العلويين بدمشق. ولد في مستهل سنة خمس وثمانين، وسمع من ابن البخاري، وباشر المواريث، ثم نقابة السادة. وتوفي في شعبان. وولي بعده السيد زين الدين الحسين ابن عمه.
ومات الشيخ الزاهد الصالح أبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن حسين القرشي الصوفي الصالحي، أحد مشايخها الزهاد. ولد سنة ست وستين. وسمع الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وغيرهما. وتوفي في رمضان ودفن في زاوية جده بقاسيون.
مات شيخنا أبو العباس أحمد ابن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس

(4/142)


الحنفي، سمع الفخر.، وابن شيبان وخلقاً. باعتناء أخيه المحدث شمس الدين. وولي مشيخة الكاملية بالجبل بعد أخيه. توفي في شوال.
وفيه
ماتت المعمرة الصالحة العابدة أم إبراهيم فاطمة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسية الصالحة، خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل، وآخر من حدث بالإجازة عن محمد بن عبد القادر، وابن السروري، وابن عوة، وخطيب مردا. توفيت في شوال من ثلاث وتسعين سنة.
ومات شيخنا المعمر الثقة زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي الحنبلي، أخو شيخ الإسلام تقي الدين. ولد بحران سنة ثلاث وستين، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، والشيخ شمس الدين، وخلقاً. توفي في ذي القعدة.
ومات بقطنا الزاهد القدوة الشيخ علي بن عبد الله القطناني. وكان له أحوالٌ وكشف وكرم.
وفي شوال
صرف الصاحب علاء الدين الحراني ناظر الدواوين بالشام، وولي الصاحب تقي الدين بن هلال.

(4/143)


سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
وفي جمادى الأولى
جاء الخبر إلى دمشق بمسك جماعةٍ من كبار أمراء مصر، منهم؛ آق سنقر، والحجازي، وبيدمر البدري، وغيرهم، تتمة ستة. فجمع نائب الشام الأمير سيف الدين يلبغا الأمراء بعد الموكب واستشارهم فيما يصنع، فاختلفوا عليه. فكاتب إلى النواب في البلاد الشامية، فأجابه بالطاعة نائب حلب أرغون شاه، فتحول نائب دمشق بأهله وخزانته إلى القصر الظاهري، فأقام به أياماً، فقدم عليه أمر السلطان يعلمه أنه قد كتب تقليد أرغون شاه نائب حلب بنيابة دمشق، ويأمره بالشخوص إلى القاهرة، فانتهر الرسول ورده بغير جواب. فلما كان من الغد وهو يوم الخميس منتصف الشهر خرج بجميع أهله وغلمانه ودوابه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به اليوم، وخرج معه أبوه وإخوته وجماعة من الأمراء، منهم: قلاوون، وسيفاه فيمن أطاعهم، فباتوا ليلتئذٍ بأرض القبيبات، فلما كان من الغد يوم الجمعة نودي في البلد؛ من تأخر من الأمراء والجند عن الوطاق شنق على باب داره، فتأهب الناس للخروج، وطلع الأمراء فاجتمعوا إلى السنجق السلطاني تحت القلعة، فلما تكاملوا ساروا نحوه بعد صلاة الجمعة ليمسكوه، فجهز ثقله وزاده، وما خف عليه من أمواله، ثم ركب بمن أطاعه، ووافاه الجيش عند ركوبه وهابوا أن يبدأوه بالشر فتقدمهم وساقوا وراءه. وأما أهل القبيبات وعوام الناس والأجناد البطالة فنهبوا خامه، وكانت قيمته ما يزيد على مائة درهم، فقطعوه ونهبوا مطبخه وما قدروا عليه من الشعير، والجمال، والمتاع. وأما العسكر فساقوا خلفه وتتابعت عليه الجيوش وأحاطت به العرب من كل جانب فألجئوه إلى واد بين حماة وحمص. فدخل إلى نائب حماة بعد أن قاسى من الشدائد ما قاسى، فاستجار به فأجاره وأنزله

(4/144)


وأكرمه، وكتب إلى السلطان الملك المظفر يعلمه بذلك، فجاءه الجواب بمسكه فقبض عليه نائب حماة، وقيده وأرسل به محتفظاً عليه، فلما وصل إلى قاقون جاءه أمر الله فخنق هناك، واحتزوا رأسه ومضوا به إلى القاهرة.
ثم قدم إلى دمشق شيخنا الأمير نجم الدين بن الزيبق، صحبة الصاحب علاء الدين الحراني للحوطة على أموال يلبغا ومن تبعه من الأمراء.
ومات الأمير سيف الدين قلاوون الناصري في هذه الأيام بحمص.
وفي جمادى الأولى
عزل الصاحب تقي الدين بن هلال من نظر الدواوين في الشام، ثم مات برجب. وولى بعده الصاحب شمس الدين موسى بن عبد الوهاب القبطي، ثم عزل في ذي الحجة منها بالصاحب جلال الدين بن الأجل، ثم أعيد في صفر من العام الآتي.
وفي ثامن عشر جمادى الآخرة
قدم الأمير سيف الدين أرغون شاه من حلب على نيابة دمشق.
ومات قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمداني النويري المالكي في ثاني المحرم عن بضع وثمانين سنة. وولي بعده قضاء المالكية نائبه الإمام جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي.

(4/145)


ومشيخة الشيوخ شيخنا علاء الدين علي بن محمود القونوي الحنفي الصوفي.
ومات المعمر الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي ثم الدمشقي الصالحي ابن قيم الصاحبة. ولد سنة ستين وستمائة. حدث عن ابن عبد الدايم، وعبد الوهاب المقدسي، توفي في المحرم.
ومات شيخنا تقي الدين أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر بن تبع البعلي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين. وسمع من ابن البخاري وطائفة. وأسره التتار عام غازان، ثم خلصه الله من أيديهم. وكان رجلاً صالحاً، لطيفاً، خفيف الروح، صاحب ملح ونوادر، وكان يتكلم بعدة ألسنة.
ومات بالقدس شيخنا الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور أحد فقهاء الشافعية، ومدرس الصلاحية عن بضع وثمانين سنة. حدث عن البخاري وغيره. وبرع في الفقه، واللغة والعربية، وعني بالحديث. وتفقه بالشيخ تاج الدين. ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، وسمع الكتب الكبار المطولة. وكان يكتب اسمه في الطباق عليان. اختلط قبل موته بمدة. توفي في منتصف رمضان.
ومات بدمشق شيخنا الأمير نجم الدين داوود بن أبي بكر بن محمد البعلي، ثم الدمشقي المعروف بابن الزيبق.

(4/146)


حدث عن ابن جوشكين، والتاج عبد الخالق، وبنت كندي. وكان رجلاً شجاعاً، حازماً، عاقلاً، سئوساً، مهيباً. تنقل في المباشرات بدمشق وغيرها. توفي في رجب.
وفيه مات الشيخ نجم الدين أبو الفتح أحمد ابن العلامة شمس الدين محمد ابن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي. حدث عن ابن البخاري وطائفة، وكان مغفلاً.
ومات بدمشق في شعبان الأمير الكبير حسام الدين طرنطاي بن عبد الله البجمقدار الناصري، أحد أمرء الألوف بدمشق عن سنٍ عالية. حدث عن عيسىالمطعم، وأبي بكر بن عبد الدايم، وابن الشحنة. وولي حجوبية مصر والشام. وكان ذا حزمٍ وخبرةٍ، رحمه الله.
ومات بالصالحية الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع الناسك، عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي، عن خمس وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم حضوراً، وسمع من الشيخ شمس الدين وطائفة. وخطب بالجامع المظفري. ودرس بأماكن. وكان رحمه الله على سمت السلف هدياً ودلاً، مواظباً على تشييع الجنائز وتلقين الموتى، طلق الوجه، حسن البشر، مهيباً، وقوراً، أماراً بالمعروف، توفي في رمضان.
وفي رمضان قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون

(4/147)


الناصري. وولي بعده أخوه الملك الناصر حسن بن محمد، وكانت دولة المظفر خمسة عشر شهراً.
وفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة
مات شيخنا الحافظ الإمام العلامة مؤرخ الشام ومحدثه ومفيده، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي المعروف بالذهبي الشافعي، مصنف كتاب الأصل، وصاحب كتاب تاريخ الإسلام، وسير النبلاء، والميزان، وغير ذلك. ولد سنة ثلاث وسبعين، وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جراً. فحدث عن عمر بن القواس، والشرف بن عساكر، والأبرقوهي، وخلق. وشيوخه في معجمه الكبير نحو ألف وثلاثمائة بالسماع والإجازة. وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد، وحنبل، والكندي، وابن الحرستاني. وخرج لجماعة من شيوخه، وجرح وعدل، وفرع وأصل، وصحح وعلل، واستدرك وأفاد، وانتقى واختصر كثيراً من تواليف المتقدمين والمتأخرين، وصنف الكتب المفيدة السائرة في الآفاق، وخطب بكفر بطنا مدة ثم ولى مشيخة الحديث بأماكن، ولم يزل يكتب ويدأب حتى أضر في سنة إحدى وأربعين. توفي في هذا العام رحمه الله.
ومات في ذي الحجة بالمزة الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي. حدث عن ابن البخاري وغيره. وولى قضاء الحنفية بدمشق في سنة سبع وعشرين بعد

(4/148)


القاضي صدر الدين البصراوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان رجلاً جليلاً، مهيباً، وقوراً، كثير التلاوة، متعبداً. وولي بعده ابنه القاضي نجم الدين إبراهيم.
سنة تسع وأربعين وسبعمائة
وفي أولها
اشتهر السلطان الشيخ حسن الكبير حاكم بغداد وجد دفيناً في بعض خرائب دور الخلافة ببغداد مقدار عشرة قناطير ذهب في خوابي نحاس مسلسلة، وأنه أبطل بسبب ذلك مظالم ومكوس.
وفي أواخر صفر
من هذا العام كان الطاعون العام بأقطار البلدان، وامتد إلى أواخر المحرم من العام المقبل، فقيل: مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد نحو أحد عشر ألف نفس. وأما دمشق فأكثر ما ضبط فيها في اليوم أربعمائة نفس.
فممن مات من المشهورين بالقاهرة ومصر، العلامة شمس الدين محمد ابن أحمد بن لاحق المعروف بابن عدلان، عن بضع وثمانين سنة. درس بأماكن، وناب في الحكم عن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد قبل السبعمائة، تخرج به أئمة.
والإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان الإسعردي مدرس قبة الإمام الشافعي.

(4/149)


والإمام الأصولي شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصبهاني الحافظ.
والحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك بن عبد الله الدمياطي.
والمحدث المفيد شرف الدين صالح بن عبد الله القيمري.
وقاضي الإسكندرية الإمام جمال الدين محمد بن محمد بن سبط القيسي.
وابنه القاضي جمال الدين. ابن القاضي جلال الدين محمد القزويني.
وبحلب شيخنا الفقيه العلامة جمال الدين يوسف بن مظفر بن عمر ابن الوردي.
وزاهدها الشيخ علي بن محمد بن نبهان. الرقي الأصل الجبريني.
وقاضيها شيخنا الإمام نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر، ابن الصايغ الشافعي.
وبدمشق القاضي الإمام عز الدين محمد بن عيسى ابن الأقصرائي الحنفي نائب الحكم.
وشيخنا شمس الدين محمد بن الصلاح الشهرزوري مدرس القيمرية.
وخطيب دمشق البليغ تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين محمد القزويني.

(4/150)


وولي بعده الخطيب جمال الدين محمود بن جملة.
والحاكم العادل زين الدين عمر بن سعد الله بن النجيح الحراني ثم الدمشقي الحنبلي. حدث عن التقي بن الواسطي، وابن البخاري، وطائفة.
وأخوه السيف أبو بكر. حدث عن الفخر وجماعة.
وشمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي محدث الصالحية. حدث عن الفخر وغيره.
والمعمر بهاء الدين علي بن العز عمر بن أحمد بن عمر الشروطي عن تسع وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. وخرجت له عوالي، توفي في المحرم.
وفخر الدين عثمان بن عمر بن عثمان بن الحرستاني المؤذن، عن اثنتين وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري، وابن المجاور. توفي في ربيع الأول.
والعدل بهاء الدين محمد بن الإمام شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي الحنبلي. حضر عمر بن القواس، وسمع من طائفة. وولي العقود، ومشيخة الأسدية.
وأمه سكينة بنت الحافظ شرف الدين اليونيني. حدثت عن أبيها، والقاضي تاج الدين عبد الخالق، والثقة شهاب الدين محمد بن أحمد بن هارون الساوجي الصوفي، عن نحو سبعين سنة. حدث بالترمذي عن ابن البخاري. وولي مشيخة خانقاه القصاعين.
والرئيس النبيل، عماد الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله

(4/151)


ابن محمد بن يحيى أبو المعالي ابن الشيرازي الدمشقي، عن بضع وستين سنة. حدث عن ابن البخاري حضوراً، وعن الأبرقوهي. وولي نظر الجامع والحسبة مرات. وكان فيه شهامة توفي في شعبان.
وشيخ الشيوخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمود بن حميد بن مؤمن القونوي ثم الدمشقي الحنفي مدرس القليجية.
والقاضي الإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري، صاحب ديوان الإنشاء بالشام كان. وصاحب كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، في عدة أسفار. ولد في شوال سنة سبعمائة، وتوفي يوم عرفة، أجاز له الأبرقوهي.
وشيخنا زين الدين عبد الرحمن بن حافظ الآفاق جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي المزي، عن إحدى وستين سنة. حدث عن ابن البخاري وخلق. وتوفي في جمادى الأولى.
والإمام صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم المالكي شيخهم، ومدرس الشرابيشية، وشيخ التنكزية بعد الذهبي.
والإمام العلامة نور الدين فرج الأردبيلي الشافعي، مدرس الناصرية والجاروخية، وشارح منهاجي البيضاوي والنووي.
والصدر النبيل شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي العز الحراني ثم الدمشقي المعروف بابن الصباب. ولد سنة أربع وسبعين وستمائة، وسمع من الشيخ

(4/152)


شمس الدين، وابن البخاري. وهو واقف المدرسة الصبابية بدمشق.
والتاجر الكبير شمس الدين أفريدون العجمي واقف المدرسة المليحة الأفريدونية خارج باب الجابية.
والحافظ المفيد شرف الدين عبد الله بن محمد بن إبراهيم الواني الحنفي مدرس العلمية.
والحافظ نجم الدين سعيد بن عبد الله الدهلي البغدادي.
وشهاب الدين أحمد بن علي بن سعيد السيواني الصوفي.
وأحمد بن عيسى الكركي.
وشمس الدين محمد بن حسن ابن النقيب الحربي التيمي.
والحافظ شهاب الدين أبو الفتح أحمد بن شيخنا المحب عبد الله بن أحمد ابن المحب المقدسي. حدث عن عيسى المطعم وغيره.
وعمه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المحب.
وناصر الدين محمد بن طولبغا السيفي.
ومحمد بن عبيد البالسي المحدث. وأممٌ لا يحصيهم إلا الله تعالى.
سنة خمسين وسبعمائة
وفي ربيع الأول
قدم الأمير سيف الدين ألجي بغا المظفري نائب طرابلس إلى دمشق مختفياً في جماعة من أصحابه، فنزل ليلاً على الأمير فخر الدين إياس الذي كان نائب حلب، وكان نائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه تلك الليلة بالقصر الظاهري، فتلطف ألجي بغا وإياس بالبوابين ففتحوا ودخلوا إلى

(4/153)


باب القصر فطرقوه بزعجة، فخرج أرغون شاه مسرعاً، فقبضوه وسحبوه إلى خارج القصر عند المنيع، فذبحوه وأمسكوا السكين بيده، وأحضروا من ليلتهم القاضي جمال الدين إبراهيم الحسباني والشهود وسألوهم هل تعرفون هذا؟ فأنكره القاضي والشهود، فعرفوهم به وراودوهم أن يعملوا محضراً أنهم وجدوه مذبوحاً وبيده السكين، يعنون أنه ذبح نفسه، فامتنع القاضي والشهود وأدركهم الصبح، فظهر ألجي بغا وإياس، ونصبوا الخيام بالميدان الكبير، وأخرجوا كتاباً مفتعلاً على السلطان أنه أمرهم بما فعلوا، وجلس ألجي بغا والموقعون في الميدان فحكم ذلك اليوم، وعلم على المراسيم كعادة النواب، فلما كان في اليوم الثاني، أراد الخروج والعود إلى طرابلس، فخرج ذوو الرأي من الأمراء مثل ألجي بغا العادلي، وبدر الدين ابن خضير في آخرين وهم ملبسون، وأرادوا منعه من الخروج من دمشق حتى يكاتبوا إلى مصر ويستصحوا الخبر، فانتدب لهم ألجي بغا الخارجي بمن معه بالسيوف، فتأخر عنه الأمراء وخافوا الفتنة، لكن قطعت يد ألجي بغا العادلي، وخرج ألجي بغا المظفري على حمية حتى قدم طرابلس، وبلغ ذلك السلطان فأنكر على أمراء الشام بسبب ذلك، وأرسل يطلب ألجي بغا العادلي، فخرج من طرابلس وشق العصا، فركب العسكر في طلبه، وتوجه إليه جماعة من عسكر دمشق وضايقوه في البرية حتى قبضوه وحضروا به إلى دمشق، وحبسوه وإياس بالقلعة، فورد المرسوم بقتلهما وإشهارهما، فقتلا في حادي عشرين ربيع الآخر، وعلقا تحت القلعة نصفين.
وولي نيابة دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري فقدمها في جمادى الآخرة، وكان لين الجانب.
وفيها مات المعمر الصالح الزاهد شمس الدين محمد بن عبد الحليم الرقي الحنفي النقيب عن نحو تسعين سنة. حدث عن أبي بكر بن البشتي وغيره.

(4/154)


وكان من عباد الله الخاشعين.
وماتت المعمرة أمة العزيز زينب بنت المحدث نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز في المحرم أو في آخر ذي الحجة من العام الماضي. حدثت عن ابن عبد الدايم وخلق وجاوزت التسعين.
ومات قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن العلامة زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة سبع وسبعين وسمع أباه، وابن البخاري، وابن شيبان، وطائفة استوعبهم ابن سعد في معجم خرجه له. وتفقه بأبيه وغيره، وأفتى ودرس. وولي قضاء الحنابلة بعد ابن الحافظ فشكرت سيرته. وكان رجلاً وافر العقل، حسن الخلق، كثير التودد. توفي في ثامن شعبان. وولي بعده القاضي جمال الدين المرداوي.