العبر في خبر من غبر، من سنة 761 إلى النهاية

سنة إحدى وستين وسبعمائة
في سادس عشرين المحرم ظهر الأمير سيف الدين منجك الذي كان تسحب في صفر من العام الماضي وأخذ من الشرف الأعلى ظاهر دمشق ونفذ إلى القاهرة، فعاتبه السلطان على فعله ثم منّ عليه وأطلقه، وكتب له طرخاناً يقيم حيث شاء وأقطعه إقطاعاً وأقام بالقدس.
وفي صفر
صرف الأمير علاء الدين المارديني من نيابة صفد واستقر على نيابة حماة.
وفي ربيع الأول
قبض على شيخنا المعلم سنجر الهلالي وأخذ منه أزيد من ألف ألف درهم؛ بسبب ما نقل عنه من عدم أداء الزكاة والتكسب الفاحش على الأمراء، ثم احتيط على حججه وأملاكه وحواصله، فكانت أزيد من ثلاثة آلاف ألف درهم، ثم سلموها إليه بعد مدة. وأخذ من ابنه شمس الدين محمد بن الصايغ تربته التي كان أنشأها بباب الجامع.
وفي ربيع الاخر
قبض على الصاحب شمس الدين موسى ناظر الدواوين بالشام، وعلى المستوفي، وخلق من الدواوين، وأخذ منهم أزيد من ستمائة ألف درهم، بعد الضرب والإهانة، وجرت أمور، وهج خلق على وجوههم خوف المصادرة.
وفي جمادى الأولى
طلب من التجار أموال بسبب القنود، فشق ذلك على الناس، وهوّ أكثر التجار وأصحاب الأموال بالجلاء عن دمشق. واستمر الخوف بسبب ذلك نحو

(4/184)


خمسة عشر يوماً، ثم أفرج عنهم إلا قليلاً من أصحاب المعاملات فإنهم وزنوا من ذلك جملة.
وفي العشر الأوسط من جمادى الأولى
قدم الوزير فخر الدين الدولة بن قروينة على نظر الدواوين بالشام عوضاً عن الصاحب شمس الدين.
وفي جمادى الآخرة
توجهت العساكر الحلبية مه نائبهم الأمير سيف الدين بيدمر إلى جهة سيس، فافتتحوا عدة قلاع وحصون.
وفي صفر
قدم قاضي القضاة بهاء الدين ابو البقاء السبكي من طرابلس إلى دمشق على جهاته.
وفي ثاني عشرينه
ولي القاضي جمال الدين أحمد بن الرهاوي نظر الجامع الأموي عوضاً عن الصاحب تقي الدين ابن مراجل بحكم إقامته على نظر الإسكندرية، ثم قدم في العشر الأخر من ربيع الأول على وظيفة نظر الجامع على عادته، وصرف ابن الرهاوي.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرين رجب
قبض على الأمير سيف الدين أسندمر نائب دمشق وأقام بطرابلس، وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي فدخلها من حلب يوم السبت تاسع عشر شعبان.

(4/185)


وفي رمضان
توجه الأمير شهاب الدين احمد بن القيمري، حاجب دمشق إلى حلب على نيابتها، واستقر عوضه حاجباً اليوسفي.
وفي رمضان
قتل مرزوق الصفدي النصيري على الزندقة والتعرض للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي ذي الحجة
موافقة لتشرين الأول أرسل بعامة بلاد الشام رعد عظيم وبرق وصواعق، وأمطرت السماء مطراً عظيماً، وسقط برد في بعض الأماكن نحو البيض وما دونه، وهلك من ذلك خلق من السيول، وأبيدت كروم كثيرة، واستمرت المياه متغيرة نحو شهر.
وفي ثالث المحرم
مات شيخنا الإمام العلامة بقية الحفاظ صلاح الدين أبو سعيد خليل ابن كيكلدي العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، مدرس المدرسة الصلاحية وغيرها بالقدس عن سبعٍ وستين سنة. حدث عن القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي، وطبقته فأكثر. وكان إماماً في الفقه، والنحو، والأصول، مفتنا في علوم الحديث ومعرفة الرجال، علامةً في معرفة المتون والأسانيد، فمصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن. توفي ببيبت المقدس. وولي بعده تدريس الصلاحية الخطيب العلامة برهان الدين إبراهيم بن جماعة. ومشيخة التنكرية شهاب الدين ابو محمود.

(4/186)


ومات الشيخ المعمر الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بابن قيم الضيائية عن نحو تسعين سنة. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، وجماعة. وتفرد. توفي في المحرم.
ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يونس القواس الدمشقي. صحب ابن هود في وقتٍ ثم هاجر، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية. وحدث عن ابن البخاري وغيره، ونعم الرجل كان.
ومات بالقاهرة الإمام العلامة شيخ الأدب جمال الدين أبومحمد عبد الله بن محمد بن هشام النحوي الحنبلي، صاحب كتاب المغني في النحو، عن بضع وخمسين سنة. توفي في ذي القعدة.
ومات المعمر مظفر الدين محمد بن محمد بن يحيى بن عبد الكريم العسقلاني، خاتمة أصحاب العز الحراني، حضر عليه في الرابعة سنة أربع وثمانين. توفي بالقاهرة.
ومات في شعبان القاضي الإمام فخر الدين محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن الحارث بن مسكين القرشي الزهري، نائب الحكم بمصر والقاهرة، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث عن الشهاب القرافي ببعض تصانيفه، وعن عبد الرحيم الدميري وغيرهما. وأجاز له الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، والعز الحراني، وخلق نحو الألف.
ومات الشيخ رضي الدين الحسين بن عبد المؤمن بن علي بن معاذ

(4/187)


الموحدي، سبط المجد الطبري. حدث عن الأبرقوهي، والدمياطي وعدة. وتفرد عن جده. توفي في صفر.
ومات الإمام نجم الدين أيوب بن موسى بن عباس الراشدي الشافعي مدرس القوصية بالقاهرة. حدث عن الشريف عز الدين وغيره. توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين.
ومات بمكة الإمام جمال الدين يوسف بن الحسن بن علي الحنفي. حدث عن الفخر التوزري وغيره. مات في صفر.
وفي هذا العام
أنشئت الخانقاه الكججانية بالشرف الأعلى جوار الطواويس ظاهر دمشق.
سنة اثنتين وستين وسبعمائة
لما تمهد للسلطان الملك الناصر أمره ولم يبق في مملكته من يخشى شره، وغرته الآمال بجمع الأموال نادى عليه لسان الحال، " وعند التناهي يقصر المتطاول " فتخلى حينئذٍ عن أمر مملكته، وشغلته دنياه عن القيام بمصالح رعيته، فمقتته القلوب، وتوجهت عليه إلى علام الغيوب، وفوقوا نحوه سهام الليالي، ومرغوا بخالص التأله غرر الجباه في ظلم الدياجي، فنفذت فيه سهام الأقدار، لما صاح عليه مؤذن غروره بانصرام أيامه، وخلوه بما أوعاه من جرائمه وآثامه، وقبض عليه كبير بطانته، وضرغام دولته، ونظام مملكته، الأمير سيف الدين يلبغا الناصري ضاعف الله أجوره، وأقام ابن أخيه السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون

(4/188)


الصالحي، وحلفت له الأمراء، وجلس على كرسي الملك يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى، وأخذ الناصر فعذب حتى هلك بعد أيام، وكانت دولته في الكرة الثانية ست سنين وسبعة أشهر. ولما وصل الخبر إلى دمشق بذلك، وحلفت الأمراء ونودي في دمشق بالعدل وإزالة المظالم، تنمر لذلك نائب الشام الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وكان في أنفس المصريين منه بعض ما فيها لتوجهه عند الناصر. وأخرج من القاهرة إلى الشام على نيابة طرابلس الأمير سيف الدين تومان تمر، الذي كان ثالث الأمراء في المشورة، ونقل تمر المهمندار من نيابة غزة إلى دمشق حاجباً، ثم مات في شوال عن سن عالية، وأفرج عمن كان اعتقلهم الناصر بالإسكندرية من الأمراء وهم: الأمير شهاب الدين بن صبح نائب صفد، وسيف الدين طنيرق في نيابة حماة، وآقطمر عبد الغني نائب طرابلس، وطيدمر الإسماعيلي حاجب دمشق في آخرين. وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى القدس، وقد كان اعتقله الناصر بالكرك ثم أكحله، ثم قدم دمشق في ذي الحجة.
وفي العشر الأوسط من ذي الحجة
تغلب الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق عليها، وأنفق على رجال القلعة بعد موت نائبها برتاق وحلفهم على السمع والطاعة والقيام معه في مصالح المسلمين، ثم حلف أمراء دمشق على نحو ذلك، وقد كان حضر من طرابلس إلى دمشق الأمير سيف الدين أسندمر - الذي كان نائباً في العام الماضي - فحلف مع الأمراء ثم راسلوا النواب بذلك، فكتب إليهم منجك من القدس بموافقتهم والقيام معهم، وأنهم ليسوا براضين بالطاعة ليلبغا الناصري أنه قتل الناصر محاضر وشقوا العصا ونصبوا راية الخلاف، ثم حضر إلى دمشق الأمير سيف الدين تومان تمر نائب طرابلس في عاشر رمضان ونزل

(4/189)


القصر الظاهري، وقد كان نائب الشام في الشهر الماضي أخرج رجال القلعة المستقرين، وأقام بها جماعة من ذويه، وكان بها لبيت المال نحو أربعمائة ألف درهم، فحازها واستخرج الأموال الديوانية، وتعجل من الذمة جزية العام الآتي، ونقل إلى القلعة من الغلال، والطعم، والقديد، والعدد، والآلات ما لا يوصف كثرة، ونصب عليها المجانيق ثم حلف الأمراء ثانياً وأعطاهم ووعدهم ومناهم.
ولما قدم عليه نائب طرابلس وجاءته مكاتبة منجك وانضم إليه أمراء الشام وتوثق لنفسه، جهز العساكر الشامية فخرجوا أرسالاً إلى جهة غزة ليحفظوا له ذلك الثغر من جهة المصريين، ثم خرج هو بمن بقي من الأمراء بعد صلاة الجمعة ثاني عشر رمضان، وخرج معه بالقضاة والموقعين، فوصلوا إلى قريب الصنمين. فلما كان الليل جاءهم الخبر أن بعض الأمراء خالفهم وأنهم اقتتلوا ونهبتهم العرب بقرب غزة، فكر راجعاً بمن معه ولحقهم منجك في أواخر النهار، فباتوا ليلتئذ، وأصبح نائب طرابلس وخلق من أمراء دمشق لا حس لهم ولا خبر، فخارت قوى نائب الشام وسقط في يده، وشرع أصحابه في التفرق عنه، فلما لاحت أمارات الكسرة وغشارات الخذلان، ولم يبق ممن كان معه ممن العمدة عليه سوى منجك وأسندمر وجبرائيل حاجبه، ومعهم دون المائتي نفس، وخرج المصريون في خدمة السلطان والخليفة المعتضد والعساكر فوصلوا إلى منزلة الكسوة في رابع عشرين رمضان، فتحصن إذ ذاك نائب دمشق ومن معه بالقلعة وغلقت أبواب البلد، وأشرف الناس على خطة صعبة وتأهبوا للحصار، وأصبح الأمراء يوم الخميس بدمشق لابسين آله الحرب، فقطعوا الأنهر الداخلة إلى القلعة، فقلق الناس لذلك وخافوا الهلكة، فلما كان من الغد وقت صلاة الجمعة فتحت أبواب البلد واستبشر الناس بذلك، وأصبح السلطان نزل المخيم ظاهر دمشق ومعه العساكر والأمير علاء الدين المارداني - الذي كان نائب حماة - بخلعة نيابة دمشق وهذه النيابة الثالثة، وشرعوا في مراسلة الأمير سيف

(4/190)


الدين بيدمر نائب دمشق ومن معه فأجابوا إلى الصلح بعد محاورة طويلة، ودخل قضاة الشام بينهم في ذلك، فنزلوا من القلعة بالأمان ليلة الاثنين تاسع عشرين رمضان، وكان عند الناس من السرور بذلك أعظم من سرورهم بهلال العيد، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً، فلما نزل نائب دمشق، وأسندمر، ومنجك، وجبرائيل، إلى وطاق الأمير سيف الدين يلبغا أمر بتقييدهم فقيدوا وأخذوا إلى القصر الظاهري محتفظاً عليهم، ودخلت العساكر المصرية والشامية وعيدوا بدمشق آمنين. ودخل السلطان القلعة فأقاموا إلى عاشر شوال ثم ترحلوا، وقد كان في خلال هذه الأيام قصد جماعة من الخدام بالقاهرة إقامة الأمير حسين بن الملك الناصر محمد في الملك، فتفطن لهم بعض الأمراء هناك فعاجلوهم ولم يتم أمرهم، ولما حلّ الركاب الملكي السلطاني المنصوري بدمشق أمر بقبض جماعة من الأمراء الشاميين فقبض عليهم وأودعوا القلعة، ثم خرجوا ببعضهم معهم إلى القاهرة، واستقر على نيابة الشام الأمير علاء الدين المارداني عوضاً عن بيدمر، وطيزق على نيابة حماة، وسيف الدين الأحمدي على نيابة حلب عوضاً عن ابن القيمري، وتومان تمر على نيابة حمص، وملكتمر المحمدي على طرابلس، وزين الدين زبالة الفرقاني على نيابة القلعة، واستقر في كتابة السر بدمشق. ومشيخة الشيوخ بها القاضي ناصر الدين محمد بن شرف الدين يعقوب الحلبي عوضاً عن القاضي أمين الدين ابن القلانسي، وقبض على ابن القلانسي، وصودر فأدى في المصادرة نحو المائتي ألف درهم.
واستقر علاء الدين الأنصاري على حسبة دمشق عوضاً عن عماد الدين بن الشيرجي، وعلى نظر الدواوين بالشام الصاحب تاج الدين موسى

(4/191)


ابن شاكر المصري عوضاً عن الصاحب فخر الدين ناظر قطيا، وقد كان الوزير فخر الدين ابن قروينة القبطي نقل من وزارة الشام في ربيع الأول إلى القاهرة وزيراً، وولي عوضه نظر الشام الصاحب فخر الدين ناظر قطيا المذكور.
وفي شوال
درس القاضي ولي الدين عبد الله بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي بالأتابكية والرواحية والقيمرية عوضاً عن والده المذكور.
وفي ذي القعدة
ولي القضاء الأمير بدر الدين محمد بن أبي الفتح السبكي قضاء العساكر بدمشق.
وفي هذا العام
توجه العسكر الشامي إلى ملطية فتسلموها، وأقيم بها نائب لصاحب مصر.
ومات في المحرم الشيخ الزاهد المعمر أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الحنبلي. أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية، قدس الله روحه، دهراً، وتفقه به. وكان فيه إقدام على الملوك، وأبطل مظالم.
ومات بالقاهرة الحجيج المعمار الصالحي.
ومات بحلب السيد الشريف النبيل علاء الدين محمد بن علي بن حمزة بن زهرة نقيب العلويين بحلب، وكان فيه تشيع ظاهر.

(4/192)


ومات بالصالحية المعمر أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن خليل، الأعزازي عن سن عالية. حدث عن ابن البخاري.
ومات بالمارستان المنصوري بالقاهرة المحتسب علاء الدين علي بن شيعا السيف أبي بكر ابن السيف الحراني. ولي حسبة دمشق مرتين ثم عزل، ومات غريباً.
ومات ببلبيس الشريف كمال الدين محمد بن شرف الدين أحمد بن يعقوب بن فضل بن طرخان الجعفري الزينبي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وطلب وسمع، وكتب الطباق، وباشر المدارس، ثم تخلى ولزم كتابة التوقيع بدمشق. ونقل إلى غزة وخطب بها ثم عزل، ودخل القاهرة فتعلل بها. ومات في ربيع الأول عن بضعٍ وخمسين سنة.
ومات بدمشق الكاتب المجود شمس الدين محمد بن الوزان. حدث عن القاسم بن عساكر. كتب بخطه المنسوب عدة مصاحف وغيرهما.
ومات الصدر الكبير عماد الدين محمد بن محمد بن أحمد بن

(4/193)


الزملكاني الدمشقي ناظر السبع الكبير وجامعه عن نحو سبعين سنة. حدثنا عن الأبرقوهي وعدة. وانتقى عليه البرزالي جزءاً من عواليه.
سنة ثلاث وستين وسبعمائة
استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي ابن محمد بن قلاوون، ونائبه بدمشق الأمير علاء الدين المارداني.
وفي صفر منها
قدم الأمير قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن محمد الدميري على قضاء المالكية بحلب عوضاً عن ابن الرياحي.
وفيه ولي القاضي أمين الدين بن وهبان قضاء الحنفية بحماة.
وفيه توفي بدمشق الإمام علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن سعيد الأنصاري محتسب دمشق، ومدرس الأمنية. توفي عن بضع وأربعين سنة. ودرس بعده بالأمنية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله. وأعيدت الحسبة إلى شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.
ومات بالقاهرة قاضي القضاة تاج الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن الإخنائي المالكي قاضي المالكية وولي عوضها أخوه القاضي برهان الدين.
وفي شهر ربيع الأول
صرف الصاحب تاج الدين عن نظر الدواوين بالشام. وولي الصاحب بدر الدين حسن بن النابلسي فدخل دمشق في ثاني عشرينه.

(4/194)


وفيه توفي بالقاهرة المحدث الإمام شمس الدين محمد بن علي بن عبد الواحد النقاش.
ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل أمين الدين أبو عبد الله التميمي الدمشقي بن القلانسي. ولد سنة إحدى وسبعمائة. وأجاز له الحافظ شرف الدين الدمياطي وعدة. وحدث عن إسماعيل بن مكتوم، وعيسى المطعم، وست الةوزراء وغيرهم. وولي قضاء العساكر بدمشق، ووكالة بيت المال مرات، ودرس بالعصرونية. ثم ولي كتابة السر عوضاً عن القاضي ناصر الدين بن شرف الدين يعقوب الحلبي، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الناصرية، والشامية الجوانية. ثم عزل في العام الماضي وأوذي وأدى في المصادرة جملة. وتوفي في ربيع الآخر.
ومات الشيخ الصالح الزاهد العابد الناسك فتح الدين يحيى بن الإمام زين الدين عبد الله بن مروان الفارقي الأصل، الدمشقي الشافعي، خازن الأثر الشريف، وإمام الدار الأشرفية. ولد سنة اثنتين وسبعين. وسمع الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وكان آخر أصحابه. وسمع الفخر، وابن شيبان، وخلقاً. وحدث باليسير من مسموعاته تورعاً. وكان ذا زهد وورع ثخين، ويقنع باليسير. لم يقيض لي السماع منه. توفي في سادس عشرين ربيع الآخر.
ومات بالقاهرة خليفة الوقت الإمام أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر المستكفي ابن الحاكم العباسي. وكانت خلافته نحواً من عشر

(4/195)


سنين. توفي في جمادى الأولى. وبويع لابنه المتوكل على الله حمزة بعهدٍ من أبيه.
ومات بدمشق الزاهد عبد النور بن علي المغربي المكناسي المالكي المقري الصوفي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وخطب بالشامية أياماً، وكان عبداً صالحاً زاهداً متعبداً. توفي في جمادى الأولى.
وفي تاسع جمادى الأولى
ولي قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين الكفري قضاء الحنفية عوضاً عن والده، واستناب القاضي بدر الدين الجواشني، والقاضي شمس الدين بن منصور.
وفي رجب
أفرج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية فأخرج الأمير سيف الدين بيدمر إلى صفد، وسيف الدين أسندمر إلى طرابلس، ومنجك إلى أرض الحجاز، وجبريل إلى حماة، وكذلك أفرج عن الأمراء المعتقلين بقلعة دمشق.
وفيه مات بالصالحية القاضي الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي ثم الصالحي الحنبلي عن إحدى وخمسين سنة. أفتى، ودرس، وناظر، وصنف، وأفاد، وناب في الحكم عن حموه قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان ذا حظٍ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين. حدث عن عيسى المطعم وغيره.

(4/196)


وفي يوم الاثنين خامس شعبان
عزل عن نيابة دمشق المقر العالي أمير علي المارديني، وعزل عن قضائها سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي كلاهما في مجلس واحد.
وولي نيابة الشام الأمير سيف الدين قشتمر نائب السلطنة بمصر، كان، فدخل دمشق يوم السبت مستهل رمضان، وأحضر سيدنا الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين السبكي وألزم بقضاء الشام عوضاً عن أخيه، وطلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله تعالى إلى الأبواب الشريفة على البريد على وظائف أخيه الشيخ بهاء الدين، وهي تدريس الشافعي والخطابة والميعاد بالجامع الطولوني، وتدريس الشيخونية، وفتيا دار العدل، مضافاً إلى ما بيده بدمشق من التداريس التي لا تتعلق بالقضاء وهي، تدريس الشامية البرانية، والعذراوية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، فأقام بمصر على هذا الحكم، واستناب بمدارسه التي في دمشق بإذن السلطان له في ذلك. وقدم أخوه سيدنا الشيخ بهاء الدين المذكور إلى دمشق فدخلها آخر نهار الثلاثاء رابع شهر رمضان ونزل بالمدرسة الركنية، واستمر على القضاء وتدريس الغزالية، والعادلية، ونظر الأوقاف.
وفي رمضان
توفي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن القماح الشافعي شاباً لم يبلغ الأربعين. كان متضلعاً بالعلوم، من دينة الفقهاء.
وفي ذي القعدة
تعرضت الفرنج المتحرمون إلى بعض السواحل، فقبض على كبارهم بدمشق، واعتقلوا، وختم على حواصلهم.

(4/197)


وفيه
ثارت العربان بالأطراف وقطعوا السبل، فقدم الأمير صولة ابن ملك العرب جبار بن مهنا بالقود من جهة أبيه على العادة، فاعتقل بقلعة دمشق، فزاد الشر وكثر الفساد، وأخذت التجار والبريدية نهاراً، فجهزت إليهم العساكر الشامية فخرجوا في رابع ذي الحجة مع النائب الأمير سيف الدين قشتمر فتسحب بعدهم بليلتين صولة المذكور من برج الطارمة بمن معه من جماعته، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، فأرسل في أثرهم فلم يوقع له خبر، ورجع العسكر إلى دمشق ولم يكن بينهم وبين العرب قتال.
ولما بلغ الأمير سيف الدين يلبغا ذلك، تنمر على نائب القلعة الأمير زين الدين فعزله وأمر بضربه فضرب بدار السعادة، واستقر على نيابة القلعة الأمير سيف الدين بهادر العلائي، وسمر من كان مترسماً على صولة من القلعية وأشهروا على جمال.
ومات القاضي الإمام العالم الصدر الرئيس الكامل قاضي العساكر الحلبية ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي ثم الدمشقي الشافعي. ولد بحلب، وسمع ابن النصيبي وغيره، ودرس وولي كتابة السر بحلب، ثم نقل إلى دمشق، فولي كتابة السر بها، ومشيخة الشيوخ، ودرس بالناصرية والشامية الجوانية، ثم صرف عن ذلك بشيخنا القاضي أمين الدين بن القلانسي، وأعيد إلى حلب على كتابة السر بها، ثم عاد في العام الماضي إلى دمشق على جهاته، وكان ديناً، فاضلاً، عفيفاً، نزهاً، عديم الشر، تام العقل. توفي في ذي القعدة. وتولى بعده تدريس الناصرية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين أبو حامد السبكي، وتدريس الشامية الجوانية قاضي القضاة بدر الدين السبكي.

(4/198)


ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش الإسلامية سيف الدين طاز بن عبد الله الناصري أحد الشجعان والأبطال وأكبر أمراء الدولة في سنة خمسين وما بعدها، ولما حج بيغبغاروس، نائب مصر في أيام الناصر حسن سنة إحدى وخمسين، أردفوه بالأمير سيف الدين طاز، فساس الأمر وتلطف بالأمير يلبغا غاية اللطف، ولما وقعت الفتنة بمنى ذلك العام، قبض على الملك المجاهد صاحب اليمن، وعلى رميثة صاحب مكة، وعلى طفيل صاحب المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقدم بالجميع إلى مصر من غير تكلف حتى وطئوا بساط السلطان.
ثم ولي نيابة حلب في سنة خمس وخمسين كما تقدم، ثم عزل واعتقل بالكرك، ثم أحضره السلطان إلى القاهرة فكحله واعتقله بالإسكندرية، ثم أخرج إلى القدس الشريف فأقام أياماً ثم حضر إلى دمشق فمات بها في العشرين من ذي الحجة وفيها نقض أهل ملطية وثاروا على نائبهم فخرج إلى حلب وجهز إليهم عسكراً.
سنة أربع وستين وسبعمائة
وفي صفر منها
طلب سيدنا قاضي القضاة شيخ افسلام بهاء الدين السبكي إلى مصر على البريد، وأعيد إلى وظائف الشيخونية، والشافعي، والجامع الطولوني، وفتيا دار العدل. وسئل سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي - فسح الله في مدته - في العود إلى قضاء الشام على عادته فلم يجب، حتى روجع في ذلك مرات فعاد بحمد الله تعالى إلى دمشق قاضياً على عادته، ودخلها بكرة يوم

(4/199)


الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر فقرت برؤية وجهه العيون، وسر بقدومه الناس أجمعون.
وكان يوم دخوله إلى دمشق كالعيد لأهلها، وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حال شهيرةٍ من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعام، ويتبرك بمجالسته ذوو السيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون العلم على أبوابه، وتمسح العامة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه. فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وأله.
وفي خامس عشر شعبان
خلع السلطان الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وولي عوضه الملك الأشرف شعبان ابن الأمير حسين بن الناصر محمد بن قلاوون.
وفي شهر ربيع الأول
توفي الأمير حسين ولد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون وهو آخر من بقي من أولاده الذكور ليصلبه.
وفي يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر
توفي بدمشق بالعادلية الكبرى القاضي قطب الدين محمد بن عبد المحسن بن حمدان السبكي الشافعي قاضي حمص. مولده سنة ست وثمانين وستمائة. وسمع الحديث في سنة أربع وسبعمائة. وبعدها سمع بالقاهرة من الشيخ

(4/200)


علي بن محمد بن هارون التغلبي، وأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الحبوبي وغيرهما. وسمع بمكة من الشيخ عز الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الشيخ أبي عمر، وشهاب الدين أحمد بن الشجاع عبد الرحمن الصرخدي. وحدث فسمع منه سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي وروى عنه وهو حيٌ. وسمع منه جماعة آخرون. وكان قد حضر إلى الشام في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فولاه الشيخ الإمام قضاء حمص، وتدريس النورية، والمجاهدية، والخطابة بها، فاستمر بها نائباً عن الشيخ الإمام، ثم عن ولده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أيده الله، وهكذا إلى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فنقله سيدنا قاضي القضاة تاج الدين باختياره إلى قضاء بعلبك، وتدريس النورية بها، فأقام بها على ذلك نحو شهرين، ثم أعاده إلى حمص على عادته المتقدمة فأقام بها إلى صفر من هذه السنة، ثم خرج منها ودخل دمشق لتلقي سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي فسح الله في مدته، فعرض له مرض وعزل نفسه عن القضاء، واستمر على تدريس النورية وحدها. وأقام مريضاً إلى أن توفي في التاريخ المذكور رحمه الله.
وكان رجلاً صالحاً، كثير التلاوة للقرآن، حسن الحفظ له، يختم في اليوم والليلة، وكان ينقل مذهب الشافعية جيداً، وكان معروفاً باستحضار الحاوي الكبير للماوردي، ولا يدري من العلوم شيئاً سوى الفقه. تفقه على الشيخ صدر الدين السبكي، ولازم حلقة الشيخ الإمام بعد العشر وسبعمائة.
وتوفي بدمشق شيخنا بدرالدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمود بن أبي القاسم ابن الزقاق المغربي الأصل، الدمشقي المولد، والمنشأ، والدار والمعهد. الكاتب، الرئيس، المسند، المكثر، الشهير بابن الجوخي، وكانت وفاته في الحادي عشر من رمضان عن بضع وثمانين سنة.

(4/201)


ونعم الرجل كان.
وفي شوال
صرف الأمير سيف الدين قشتمر الناصري عن نيابة الشام وأقر على نيابة صفد. وولي عوضه نيابة دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الناصري، فتوجه من حلب إليها، ودخلها يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة.
وفيه صرف القاضي جمال الدين بن الأثير عن كتابة السر بدمشق وعن مشيخة الشيوخ بها، وتوجه القاضي فتح الدين محمد بن إبراهيم بن الشهيد إلى القاهرة وتولى الوظيفتين المذكورتين عوضاً عن المذكور. وعاد إلى دمشق وكان دخوله إليها في يوم الثلاثاء الثاني من ذي الحجة.
وفي هذا العام
وقع الطاعون العام وكان ابتداء وقوعه بدمشق في شعبان.
وتوفي بالقاهرة القاضي شهاب الدين أحمد بن يس بن محمد الرباحي المالكي قاضي حلب.
وبالقدس شيخنا الزاهد القدوة المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن ابن سعد اله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، ابن أخي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة. وكان ذا حظ من الخير جاور بالمساجد الثلاثة المشرفة مدة. وكانت وفاته في ذي الحجة بعد أم ثقل سمعه.
وبدمشق الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي، المقرىء المجود، النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء وبتربة أم الصالح، وبالأشرفية، ومدرس القليجية، والعادلية الصغرى.

(4/202)


وولي بعده التدريس بالعادلية الشيخ جمال الدين محمد بن الحسن الحارثي ابن قاضي الزبداني.
وولي تدريس القليجية الشيخ شهاب الدين أحمد بن الزهري. وولي أمّ الصالح شمس الدين محمد بن اللبان المقرىء، وولي التربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار. وكان مولد المذكور ببعلبك في سنة ثمان وتسعين وستمائة. وانتقل إلى دمشق، فاشتغل بالعلم وتلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الحسين بن سليمان الكفري الحنفي، وأخذ عن الشيخ مجد الدين التونسي. وناب في الحكم لقاضي القضاة شهاب الدين بن المجد. وسمع من الشيخ شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي، وعلاء الدين علي بن إبراهيم بن داوود بن العطار وغيرهما. وباشر وظيفة إفتاء دار العدل بدمشق مدة، وخلفه فيها صهره شهاب الدين أحمد بن الزهري المتقدم ذكره، وكان موته في رمضان.
وشيخنا القاضي الأديب صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الألبكي الشافعي. كاتب السر بمدينة حلب، ثم وكيل بيت المال بدمشق. سمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وروى بدمشق وحلب، وألف كتباً كثيرةً في عدة فنون. وكان من بقايا الرؤساء الأخيار. وولي الوكالة بعده الشيخ جمال الدين أحمد بن الرهاوي الشافعي، وكانت وفاته ليلة العاشر من شوال. ومولده تقريباً في سنة ست وتسعين وستمائة.
والأمير صلاح الدين خليل بن خاص ترك الناصري أحد أمراء الحلقة الشامية بدمشق، وكانت وفاته يوم الاثنين سلخ ذي الحجة. وكان راغباً في أهل العلم، محباً لكتبه، جامعاً لها.

(4/203)


والصاحب تقي الدين سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن مراجل الدمشقي، الرئيس الأمين، ناظر الجامع الأموي. وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وباشر كثيراً من الجهات الديوانية. وحدث عن أقش الشبلي وولي نظر الجامع بعده القاضي علاء الدين علي بن عثمان بن شمرنوح الشافعي. وكانت وفاته ظاهر دمشق.
وشيخنا الإمام العلامة الزاهد القدوة بهاء الدين أبو الأزر هارون، الشهير بعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد المولى الإخميمي المراغي المصري، ثم الدمشقي الشافعي. وكان بارعاً في المعقولات، تخرج بالشيخ علاء الدين القونوي، وروى لنا عن يونس بن إبراهيم الدبابيسي. وألف أشياء منها الكتاب المنقذ من الزلل في القول والعمل، وكان يؤم بمسجد درب الحجر، ودفن بزاوية ابن السراج، بالصاغة العتيقة داخل دمشق بالقرب من سكنه، رحمه الله.
وشيخنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن صالح بن العرضي الدمشقي التاجر المسند الخير. روى لنا عن ابن البخاري، وابن الزين، وابن المجاور، وزينب بنت مكي، وغيرهم. وحدث بجميع المسند للإمام أحمد بن حنبل. وكانت وفاته في شوال بالإسكندرية عن خمس وثمانين سنة.
والقاضي أمين الدين محمد، بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن علي

(4/204)


السلمي المسلاتي المالكي المكنى أبا حيان. وكان في أول أمره شافعي المذهب ثم صار مالكياً. وناب في الحكم عن عمه سيدنا قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي. وسمع معنا بدمشق ومصر من جماعة كثيرين. وكان من القضاة المشكورين، كثير التواضع، حسن السيرة. وكانت وفاته بجديا من غوطة دمشق. وحمل منها ودفن خارج باب الصغير بدمشق رحمه الله. وذلك يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال. وباشر نيابة الحكم بعده القاضي أمين الدين محمد بن علي الأنفي المالكي.
والأمير ناصر الدين محمد بن صلاح الدين عبد الله بن عبد الوهاب بن فضل الله العمري.
أحد الجلة من أمراء دمشق. باشر شد الأوقاف بها مدة. وروى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم وجماعة. وخرجت له مشيخة وقرأها عليه مخرجها فلم يقدر لي السماع منه. وكان مشكوراً، موصوفاً بالخير. وكانت وفاته بأدنة من أعمال أنطرسوس في ذي القعدة.
والخطيب الإمام العلامة القدوة جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم ابن جملة المحجي الأصل الدمشقي الشافعي أحد الأعيان. تفقه بعمه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة. وروى عن جماعة. ومن شيوخه القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة الحنبلي. وناب عنه في الحكم يوماً واحداً. ودرس بالظاهرية البرانية، وأعاد بعدة مدارس، وأفتى، وشغل، وألف كتباً كثيرة. وكان ملازماً لبيته، مشتغلاً بما يعنيه، محباً للفقراء، ديناً، صيناً.

(4/205)


وباشر خطابة الجامع الأموي بعد الشيخ تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني. وكانت وفاته في العشرين من رمضان. وولي الخطابة بعده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي أمتع الله به. وكان مولد الخطيب جمال الدين المذكور، في سنة سبع وسبعمائة. وكانت جنازته مشهودة.
والأصولي الإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن الإسنائي الشافعي، أخو شيخنا العلامة جمال الدين عبد الرحيم الإسنائي. وكان ينوب في الحكم بالصالحية من القاهرة، وكانت وفاته في شهر رجب.
وصلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الداراني الأصل، الدمشقي، الكتبي، الصوفي، الخازن، المؤرخ. روى عن الحجار وغيره. وجمع تواريخ وغيرها. وخلف جملةً كثيرة. وكان في أول أمره فقيراً مدقعاً. وكانت وفاته في رمضان، ودفن خارج باب الصغير ظاهر دمشق.
والصاحب جلال الدين أبو القاسم ابن الأجل الحلبي الأصل. وكان قد باشر عدة من الوظائف الديوانية. وكان عنده تواضع ومحبة لأهل الخير. توفي بالقاهرة.
والشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي الشهير بابن الربوة، مدرس المقدمية بدمشق، وخطيب جامع يلبغا ظاهر دمشق. وكان فقيهاً، مفتياً، ذا مروءة. وولي خطابة الجامع المذكور بعد سيدنا قاضي القضاة جمال الدين يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد الكفري الحنفي.
والصدر الرئيس علاء الدين علي بن أبي بكر بن محمد بن الشيخ شهاب

(4/206)


الدين محمود الحلبي. أحد الموقعين بدمشق. وكان شاباً، ساكناً، متواضعاً.
والصدر شمس الدين عبد الرحمن بن عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي. روى لنا عن القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة، وعيسى المطعم، وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم، وغيرهم.

انتهى الكتاب

(4/207)