المحن

ذِكْرُ ضَرْبِ الرَّجُلِ الْعِرَاقِيِّ وَضَرْبِ الْحَسَنِ بْنِ هَانِيء بْنِ الأَشْعَثِ

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ ضَرَبَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالسِّيَاطِ فَأُتِيَ إِلَيْهِ فَقِيلَ أَتَدْرِي مَنْ جَلَدْتَ قَالَ لَا قيل لَهُ لم يدْرك بالعراق رجلا أبين ورعا مِنْهُ وَلَا أصلح قَالَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ اعْفُ عَنِّي وَاسْتَغْفِرْ لِي فَإِنِّي فَعَلْتُ مَا فعلت بِجَهَالَة فَقَالَ وَاللَّهِ مَا فَرَغْتَ مِنْ ضَرْبِي حَتَّى عَفَوْتُ عَنْكَ قَالَ الْحَجَّاجُ وَلِمَ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي ظَالِمٌ لَكَ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ يَقِفَ مِثْلِي مَعَ مِثْلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي [1] شَيْخِ يُوسُفَ قَالَ حَدثنَا رَبَاح بْنُ يَزِيدَ قَالَ مَا كُنَّا نَتَسَابَقُ إِلَى خير إِلَّا سبقنَا إِلَيْهِ الْحسن بن هَانِيء وَكَانَ الْحسن بن هَانِيء بن عمر بن الْأَشْعَث (2) فَترك الدِّيوَان فَضَربهُ ابْن الْأَشْعَث ثَلَاثمِائَة سَوط
قَالَ مُحَمَّد كَانَ الْحسن بن هَانِيء بافريقية من خِيَار هَذِه الْأمة وعبادهم

(1/373)


ذِكْرُ مَا امْتُحِنَ بِهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ بَعَثَ فِي طَلَبِ أَبِي عبد الله جَعْفَر ابْن مُحَمَّد فَأتى بِهِ إِلَيْهِ من الْمَدِينَةِ فَأَتَى الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ حَاجِبُ أَبِي أَبِي جَعْفَرٍ فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُتَغَيِّظٌ عَلَيْكَ فَدَخَلَ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَعْفَرٍ نَهِضَ إِلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ ثُمَّ عَانَقَهُ وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغُنِي عَنْكَ لَقَدْ هَمَمْت فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَيُّوبَ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ وَإِنَّ سُلَيْمَانَ أُعْطِيَ فَشَكَرَ وَأَنْتَ مِنْ ذَلِكَ النَّسِيجِ قَالَ فيرفع إِلَى أَن الأَمْوَال تُجْبَى إِلَيْكَ بِلا سَوْطٍ وَلا عَصًا ثُمَّ أَمَرَ بِالرَّافِعِ فَأُحْضِرَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحَقًّا مَا رَفَعْتَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ نعم فاستحلفه بأمير الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْلَف فَقَالَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ هُوَ كَذَا إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا مَجَّدَ اللَّهَ فِي يَمِينِهِ أَمْهَلَهُ بِالْعُقُوبَةِ وَلَكِنْ قُلْ أَنا بَرِيء من الله وَالله برِئ مِنِّي وَأَنَا خَارِجٌ مِنْ حَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ رَاجِعٌ إِلَى حَوْلِ نَفْسِي وَقُوَّتِهَا قَالَ فَحَلَفَ فَوَاللَّهِ مَا رُفِعَ إِلا مَيِّتًا فَرَاعَ ذِلَك أَبُو جعغر وَقَالَ انْصَرِفْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَلَسْتُ أَسْأَلُكَ بَعْدَهَا عَنْ شَيْءٍ فَخَرَجَ جَعْفَرٌ وَتَبِعَهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ فَسَأَلَهُ مَا الَّذِي كَانَ يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَمَّا قَالَ فَقَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ بِكَ أَسْتَفْتِحُ وَبِكَ أَسْتَنْتِجُ

(1/374)


وَبِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوَجَّهُ اللَّهُمَّ ذَلِّلْ لِي حُزُونَتَهُ وَكُلَّ حُزُونَةٍ وَسَهِّلْ لِي صُعُوبَتَهُ وَكُلَّ صُعُوبَةٍ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي مِنْهُ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَرْجُو وَاصْرِفْ عَنِّي مِنْهُ مِنَ الشَّرِّ فَوْقَ مَا أَحْذَرُ فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ

(1/375)


ذِكْرُ سَبَبِ حَبْسِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيِّ

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُوَيْسٍ قَالَ سَأَلَ جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ مَالِكًا عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ قَائِمٌ فَأَمَرَ مَالِكٌ بِحَبْسِهِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَهُوَ قَاضٍ فَقَالَ مَالِكٌ إِنَّ الْقَاضِيَ أَحْرَى أَنْ يُؤَدَّبَ احْبِسُوهُ
قَالَ مُحَمَّدٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَقْد سَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ يُمَاشِيهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ كُنْتَ عِنْدِي أَجَلَّ مِنْ هَذَا تَسْأَلُنِي عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّرِيقِ وَلَقَدْ كَانَ مَالِكٌ لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ مُتَأَهِّبٌ إِعْظَامًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتِرَاسًا مِنَ الزَّلَلِ أَنْ لَا يحدث بِهِ إِلَّا وَهُوَ جَالس متأهب مستعد
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مَالِكٌ إِعْظَامًا لِحَدِيثِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخشية يَعْنِي لَيْسَ فِي الأَصْل

(1/376)


ذِكْرُ مَا امْتُحِنَ بِهِ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ وَأَبُو تُرَابٍ

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْص القلاس قَالَ حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لِي مَا تَقُولُ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ أَمَّا هُوَ فَيَشْفَعُ لَهُ جَدُّهُ وَأَمَّا أَنْتَ فَيَشْفَعُ لَكَ أَبُوكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَفَرَّقْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَكْثَرِ شَيْءٍ مِنْكَ شَعَرًا اخْرُجْ عَنِّي
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ قَالَ تَكَلَّمَ أَمِيرٌ كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِكَلامٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو تُرَابٍ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ فَحُبِسَ فَلَمَّا قدمت الخيزرانة بعث إِلَيْهَا فَبعثت (1) فَخَلا عَنْهُ فَبَلَغَ الْخَبَرُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ قَبْلَ مَجِيءِ أَبِي تُرَابٍ ثُمَّ قَدِمَ أَبُو تُرَابٍ فَلَمَّا رَآهُ فُضَيْلٌ قَالَ هِيهْ أَبَا تُرَابٍ اسْتَشْفَعْتَ بِغَيْرِ اللَّهِ أَمَا عَلِمْتَ مَا لَقِيَ يُوسُفُ قَالَ فَصَاحَ أَبُو تُرَابٍ صَيْحَةً وَالْتَوَى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَعَجِبَ النَّاسُ قَالَ فُضَيْلٌ مِمَّ تَعْجَبُونَ لَوْ تَقَطَّعَ أَعْضَاءً مَا تَعَجَّبْتُ

(1/377)