المحن
ذِكْرُ سَبَبِ ضَرْبِ فتيَانٍ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ السَّمحِ التُّجِيبِيِّ
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ قَالَ
قَالَ لِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ لَمْ
يَكُنِ الشَّافِعِيُّ ثِقَةً فِي عِلْمِهِ وَلَقَدْ عَمِلَ عَلَى
فتيَانٍ صَاحِبِ مَالِكٍ عِنْدَ السُّلْطَانِ حَتَّى ضَرَبَ ظَهْرَهُ
بِالسِّيَاطِ قَالَ وَمَا أَرَادَ إِلا قَتْلَهُ وَذَلِكَ أَنْ
فتيَانًا نَاظَرَ الشَّافِعِيَّ فَأَفْحَمَهُ فَحِينَئِذٍ عَمِلَ
عَلَيْهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ حَتَّى ضَرَبَهُ
فَأَما الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عمر يُوسُف بن يحيى المغامي أَنَّهُ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْقَرَاطِيسِيُّ يُوسُفُ بن زيد قَالَ
كَانَ فتيَانٌ صَاحِبَ مَالِكٍ لَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ فِي خِلافِ
الشَّافِعِيِّ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أنس وينقم ذَلِكَ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ حِينَ ذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الْوَالِي بِمِصْرَ
أَحْسَبُهُ قَالَ السَّرِيُّ بْنُ الحكم أَشْيَاءَ قَبِيحَةً
اسْتُشْهِدَ فِيهَا بِالشَّافِعِيِّ وَرَجُلٌ آخَرُ سَمَّاهُ فَشَهِدَ
عَلَيْهِ قَالَ الْقَرَاطِيسِيُّ فَكُنْتُ يَوْمًا فِي مَكَانٍ
أُعَالِجُ فِيهِ بَعْضَ الْمَتْجَرِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَإِذَا
رَجُلٌ قَدْ طِيفَ بِهِ مَضْرُوب الظَّهْرِ قَدْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ
فَأَفْظَعَنَا قَبِيحُ مَنْظَرِهِ وَلَمْ نَعْرِفْهُ لِسُوءِ مَا صَارَ
إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فتيَانٌ صَاحِبُ مَالِكٍ ثُمَّ إِنَّ رجَالًا
مَشوا
(1/444)
إِلَى الْوَالِي فَأَعْلَمُوهُ فَقَالَ
الْوَالِي إِنِّي لَمُحْتَشِمٌ مِنَ الشَّافِعِيِّ فِي تَقْصِيرِي
فِيهِ وَلَوْ أَنَّ صَاحب الشَّافِعِي قطع عَلَيْهِ الشَّهَادَة
مِثْلَمَا قطع عَلَيْهِ الشَّافِعِي كَانَ مني فِيهِ غَيْرِ مَا كَانَ
قَالَ الْقَرَاطِيسِيُّ ثُمَّ إِنَّ فتيَان خَرَجَ مِنْ مِصْرَ إِلَى
بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَأَوْطَنَهَا وَتَرَكَ سُكْنَى مِصْرَ
وَبَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن عبد الْحَكَمِ قَالَ
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ النَّاسُ يَقُولُونَ إِنِّي شَهِدْتُ
عَلَى فتيَانٍ وَأَنْتَ تَرَانِي مَرِيضًا فِي هَذِهِ الْحَالِ
وَاللَّهِ مَا شَهِدْتُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ
مَا قَالَ النَّاسُ إِنَّهُ قَالَهُ وَخِفْتُ فِي أَنْ يُشْهَدَ
عَلَيْهِ فَيُؤْخَذَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَمِعْتُ
فتيَانًا وَهُوَ يُطَافُ بِهِ وَيُقَالُ هَذَا جَزَاءُ مَنْ سَبَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفتيَانٌ يَقُولُ
عَائِذٌ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ كَانَ فتيَانٌ نَبِيلا
فَقِيهًا وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّمْحِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ
مِصْرَ وَكَانَ يَخْدِمُ أَشْهَبَ وَيَأْتَمِنُهُ وَكَانَ يَشْتَرِي
لِمَالِكٍ حَوَائِجَهُ من مصر وَيقدم بهَا عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ عشر
مسَائِل يسْأَل مَالك عَنْهَا فِي كُلِّ عَامٍ
(1/445)
ذِكْرُ سَبَبِ ضَرْبِ عَبَّاسِ بْنِ
الْوَلِيدِ الْفَارِسِيِّ الْمُحَدِّثِ وَابْنِ قَادِمٍ
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانٍ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ رَأَيْتُ أَسَدَ بن
الْفُرَات أَمر بِضَرْب عَبَّاس بن الْوَلِيد الْفَارِسِيِّ
بِالدِّرَّةِ قَالَ فَضُرِبَ وَقَالَ لَهُ حَينِئَذٍ أَسَدٌ أَترَانِي
أَنِّي نَسِيتُ دَعْوَةَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْكَ يَعْنِي عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُمَّ افْضَحْهُ فِي
بَلَدِهِ قَالَ فَضرب حَتَّى سَالَ دَمه على قَمِيص كَانَ عَلَيْهِ
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّ أَسَدًا أَمَرَ
بِعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الْفَارِسِيِّ فَبُطِحَ وَعَلَيْهِ
قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَضُرِبَ وَهُوَ مَبْطُوحٌ قَالَ
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ضَرْبِهِ وَقَامَ قَالَ لأَسَدٍ هَلْ هَذَا مِنْ
جَهْلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَا مدَّ فِي الإِسْلامِ وَقَدْ أَمَرْتَ بِي فَمُدِدْتُ
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَحْيَى أَنَّ
عَبَّاسًا كَانَ يُلَقِّبُ أَسَدًا فَيَقُول أَبُو الْحِجَارَة وَكَانَ
بَيْنَهُمَا غَيْرَ جَمِيلٍ وَقَدْ ضَرَبَ أَسَدٌ مُحَمَّدَ بن قادم
وَكَانَ غزى مَعَهُ صِقِلِّيَةَ وَكَانَ ابْنُ قَادِمٍ قَدْ أَرَادَ
الرُّجُوعِ إِلَى إِفْرِيقِيَةَ وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَعَتَبَ
عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَسَدٌ وَضَرَبَهُ وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ ابْنِ
قَادِمٍ أَنَّهُ
(1/446)
قَالَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
إِنَّمَا كَانَ يَقْفلُ جُيُوشَهُ إِذَا أَقَامُوا سِتَّةَ أَشْهُرَ
وَقَدْ طَالَ مُقَامُنَا فَأَقْفلنَا فَحِينَئِذٍ ضَرَبَهُ أَسَدٌ
(1/447)
ذِكْرُ مَنْ ضُرِبَ فِي الْقُرْآنِ
وَامْتُحِنَ عَلَى ذَلِكَ وَسُجِنَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ لَمَّا
دُعِيَ عَفَّانُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ لِيمْتَحنَ عُرِضَ عَلَيْهِ
قَبْلَ الْفِتْنَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّا قَدْ أَمَرْنَا أَنْ نجْرِيَ
عَلَيْك أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فِي السّتْر وَعشْرين قَفِيزا من قَمح
إِن أجبْت إِلَى مَا رَأْيِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنُونَ
الْوَاثِقَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ عَفَّانُ إِنْ لَمْ أَقُلْ
تُعْطُونِي شَيْئًا قَالُوا لَهُ كَذَا أُمِرْنَا إِنْ قُلْتَ
أَعْطَيْنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَمْ نُعْطِكَ فَقَالَ عَفَّانُ
اقطعوها فقد قطعهَا الله وَوَاللَّه لَقَدْ لَقِيتُ ثَمَانِينَ شَيْخًا
فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا
وَكَانَ عَفَّانُ زَاهِدًا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَوْ جَاءَهُ
صَاحِبٌ لَهُ فَيَجِيئُهُ بِرُمَّانَةٍ أَوْ بِجَزَرَةِ بقل مَا
قَبْلهَا وَقَدْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا وَمَا كَانَ يملك شَيْئا
(1/448)
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ قَالَ أَوَّلُ مَنِ امْتُحِنَ
فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَا أَبَا عُثْمَانَ قَالَ لَهُ مَا تُرِيدُ قَالَ
كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَمْتَحِنَكَ قَالَ فِي
أَيِّ شَيْءٍ قَالَ تَزْعمُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ قَالَ مَا
أَقُولُ ثُمَّ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى خَتمهَا إِذْ
لَا أَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَام الله}
{وكلم الله مُوسَى تكليما} إِذا لَا أَقُول هَذَا الْكفْر بِاللَّهِ
فَقَالَ لَهُ إِذًا تُقْطَعُ أَرْزَاقُكَ قَالَ عَفَّانُ قَالَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَفِي السَّمَاءِ رزقكم وَمَا توعدون} أَمَا
لَكَ بَابٌ لَا وَقفت عَلَيْكَ أَبَدًا قَالَ فَمَا أَقَامَ إِلا
أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ
فَأَمَّا عَبْدُ الْحَكِمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي عَنْ قَائِمِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ قَالَ حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَكَمِ الْكَبِيرَ
وَقَدِ امْتُحِنَ فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ أَقَلَّ
مِنْ ثَلاثِينَ سَوْطًا فِي غلالَةٍ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ الأَصَمُّ
وَابْنُ أبي دؤاد يَوْمَئِذٍ قَاضٍ فِي أَيَّامِ الْمَأْمُونِ
(1/449)
|