المحن

ذِكْرُ مَا امْتُحِنَ بِهِ مِنَ الْخَوْفِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا وَأَبُو أُسَيْدٍ وَأَبُو مَخْرَمَةَ وَصَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ عَنْ مَحْمُودٍ يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيَّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شَرِيكٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كَانَ عبد الله ابْن أَبِي زَكَرِيَّا وَأَبُو أُسَيْدٍ الدِّمَشْقِيُّ وَأَبُو مَخْرَمَةَ يلبسُونَ التبابين تَحت سراويلاتهم إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ مُخَالفَة الصّلبِ فَيَتَّخِذُونَهَا مِنْ خلْقَانِ ثِيَابِهِمْ لِئَلا يَرْغَبَ فِيهَا فتنتزع عَنْهُمْ
وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَكُونُ جُمُعَةً بِالْمَدِينَةِ وجمعة بِمَكَّة من المخافة إِلَى أَنْ أُلْقَى فِي السِّجْنِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَكَانَ يُقِيمُ بِالْمَدِينَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَبِمَكَّةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ لَا يَظْهَرُ إِلا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ صَدَقْتَ خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ يُسَايِرُنِي رَجُلٌ فَجَعَلْتُ أُنْفِرُ مِنْهُ فَلَمَّا رَآنِي أُنْفِرُ مِنْهُ قَالَ (1) لَتُصْبِحَنَّ الْيَوْمَ ابْنَ بَدريا فَإِذَا هُوَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ
قَالَ أَبُو الْعَرَب وأنشدني بعض إخْوَانِي مِمَّن كَانَ خَائِفًا أَيَّامَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ

(1/436)


(فَإِنْ نَكُ فِيكُمْ خَائِفِينَ فَقَبْلَنَا ... مِنَ النَّاسِ مَا خَافَ النَّبِيُّ الْمُطَهَّرُ)
(أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى أُبْصِرَ الْعَدْلَ يَظْهَرُ)
(عَلَى ابْنِ زِيَادٍ لَعْنَةٌ مِنْ إلهنا ... تروح عَلَيْهِ بالْعَشي وتبكر) // الْبَحْر الطَّوِيل //

(1/437)


ذِكْرُ حَبْسِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَنْ خَتَمَ الْحَجَّاجُ عَلَى يَدِهِ أَوْ عُنُقِهِ

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حُبِسَ فِي دَيْنٍ لامْرَأَةٍ وَأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَمَّا مَاتَ سُئِلَتْ صَاحِبَةُ الدَّيْنِ فَأَخْرَجَتْهُ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ عَلَى الْحَسَنِ رَجَعَ إِلَى الْحَبْسِ فَمَاتَ بَعْدَ الْحَسَنِ بِمِائَةِ يَوْمٍ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ زَيْدِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ جَاءَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْحَجَّاجِ فَلَمْ يُعْطِهِ يَدَهُ لِلسَّلامِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْتِمُوا يَدَهُ
قَالَ زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ وَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى سهل بن سعد السَّاعِدِيّ فَقَالَ مَا لَكَ لَمْ تَنْصُرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ كَذَبْتَ فَخَتَمَ فِي عُنُقِهِ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَكْتُبُ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ وَذَلِكَ حِينَ وَلاهُ الْمَدِينَةَ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ

(1/438)


عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ خَتَمَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ عَلَى يَدِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بسْطَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ رتيمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو يَحْيَى بْنُ زَيْدِ بْنِ علالَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى فِي يَدِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَيْطًا فِيهِ رَصَاصٌ قُلْتُ مَا هَذَا قَالَ أمرالحجاج بن يُوسُف أَن تختم أَيْدِي النَّاسَ
وَحَدَّثَنِي ابْنُ بسْطَامٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ عُرْوَة بن ثَابت عَن عَليّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زَيْدٍ يَقُولُ يُوشكُ أَنْ يَجِيءَ الْخَاتمُ وَلَمْ نَدْرِ مَا الْخَاتمُ حَتَّى خَتَمَ الْحَجَّاجُ النَّاسَ بَعْدَهُ

(1/439)


ذِكْرُ سَبَبِ ضَرْبِ الْبُهْلُولِ بْنِ رَاشِدٍ

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ وَأَمَّا سَبَبُ ضَرْبِ الْبُهْلُولِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي جزيريّ أَنَّ الْبُهْلُولَ بْنَ رَاشِدٍ كَانَ فِي زمَان مُحَمَّد بن مقَاتل العكي وَكَانَ العكي أَمِيرًا عَلَى إِفْرِيقِيَةَ وَكَانَ يُلاطِفُهُ الطَّاغِيَةَ بِالأَلْطَافِ ويكافئه على ذَلِك فَكتب الطاغية إِلَى العكي أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ قَالَ فَاخْتلفَ عَلَيْنَا فِيمَا كُتِبَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ فَقَالَ قَائِلٌ جَارِيَةٌ ضَارِبَةٌ مُغَنِّيَةٌ وَقَالَ قَائِلٌ كتبَ إِلَيْهِ فِي النّحاس وَالْحَدِيد وَالسِّلَاح فَلَمَّا عزم العكي عَلَى أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الطَّاغِيَةِ لَمْ يَسعِ البهلول السُّكُوت فَتكلم وعارض العكي فِي ذَلِكَ وَوَعَظَهُ لِتَزُولَ عَنْهُ الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَعَثَ فِي طَلَبِ الْبُهْلُولِ فَضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ

(1/440)


قَالَ أَبُو الْعَرَب ثمَّ ولي افريقية جدي تَمام بن تميمي التَّمِيمِي فعزل العكي بِأَسْوَإِ عزْلَةٍ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ وَذَلِكَ يَحْدُثُ أَنْ ضَرَبَ الْبُهْلُولَ فِي رَمَضَانَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة
وحَدثني بعض المشائخ أَن العكي قَيَّدَ الْبُهْلُولَ فَلَمَّا مُدَّتْ رِجْلاهُ لِلْقَيْدِ قَالَ الْبُهْلُولُ هَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْبَلاءِ مَا سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَافِيَةَ مِنْهُ قَطُّ قَالَ وَإِنَّ الْبُهْلُولَ بَقِيَ مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ قرحَة أَصَابَهُ طَرفُ السَّوْطِ لَمَّا ضُرِبَ فَمِنْهَا كَانَتْ ميتَته رَحِمَهُ اللَّهُ
وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَدَّادِ أَبُو عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ الْبُهْلُولِ قَالَ لَمَّا ضُرِبَ الْبُهْلُولُ أَتَاهُ السَّجَّانُ لِيُعَالِجَ ضَرْبَهُ فَوَهَبَ لَهُ دِينَارًا وَأَعْطَى لِمَنْ مَعَه دراهما وَقَالَ لَهُمُ اسْتَنْفِقُوهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ دِينَارًا فَخَافَ أَصْحَابُ بُهْلُولٍ أَنْ يَسْتَنْفِدَ مَا فِي مُلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ ضَرْبُهُ فَلَقُوا السَّجَّانَ وَقَالُوا قَدْ بَرِئَ فَلا تَرْجِعْ إِلَيْهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ السَّجَّانُ فَلَمَّا اسْتَبْطَأَهُ الْبُهْلُولُ سَأَلَ عَنْهُ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ مَا أَرَاكُمْ إِلا وَقَدْ صَرَفْتُمُوهُ عَنِّي كَأَنَّهُ اتَّهَمَهُمْ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا عُمَرَ تُعْطِيهِ كُلَّ يَوْمٍ دِينَارًا قَالَ لَهُمْ وَمَا فِي ذَلِك كَأَنَّهُ أعلمهم أَن ذَلِك سهلا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ حَفْصُ بْنُ عُمَارَةَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ إِذَا كَمُلَ صِدْقُ الصَّادِقِ لم يهْلك

(1/441)


مَا فِي يَدَيْهِ فَأَقْبَلَ الْبُهْلُولُ عَلَى يَدِ حَفْصٍ يُقَبِّلُهَا وَجَعَلَ يَقُولُ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ سَمِعْتَهُ يَقُولُ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ هَذَا
قَالَ أَبُو عُثْمَان حَدثنِي أَبُو سِنَان يزِيد بن سِنَان أَن مُحَمَّد بن مقَاتل العكي بعد أَن ضرب حَاجِبه بهلولا وأوهم العكي أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرٍ قَالَ وَإِنَّهُ يَقَعُ فِي سلطانك فَبعد أَن ضربه عرف بفضله اغْتَمَّ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ فَسَمِعْتُ أَبِي أَحْمَدَ بْنَ تَمِيمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ بعض مشائخ افريقية أَن العكي وَجَّهَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ضَرْبِهِ فَوَجَّهَ الْبُهْلُولُ إِلَيْهِ وَاللَّهِ مَا ضَرَبْتَنِي سَوْطًا فَارْتَفَعَ عَنِّي حَتَّى اسْتَغْفَرْتُ لَكَ يَا أَبَا بِشْرٍ أَوْ كَمَا قَالَ
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بُهْلُولٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْكُوفِيِّ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ الْمنسْتِيرَ قَالَ كُنَّا مَعَ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فِي غزَاةٍ لَهُ وَكُنَّا مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الثُّغُورِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَكَانَ يَقْضِي لَنَا كُلَّ يَوْمٍ حَاجَتَيْنِ نَكْتُبُ بِهِمَا إِلَيْهِ فِي بِطَاقَةٍ يُوصلُهَا إِلَيْهِ الْحَاجِبُ فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْبُهْلُولَ بْنَ رَاشِدٍ ضُرِبَ بِإِفْرِيقِيَةَ أَتَيْنَا بِأَسْرِنَا بَابَ الْخَلِيفَةِ فَقَالَ لَنَا الْحَاجِبُ مَا لَكُمْ فَقُلْنَا لَهُ قَدْ جَعَلْنَا حَوَائِجَنَا كُلَّهَا فِي نُصْرَةِ البهلول بلغنَا أَن العكي ضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ فَقَالَ لَنَا الْحَاجِبُ اتَّقُوا اللَّهَ فِي دم العكي

(1/442)


لَئِن بلغ الْخَلِيفَة أَن العكي ضرب البهلول ليَقْتُلهُ وَكَيف وَكَيْفَ يُضْرَبُ الْبُهْلُولُ بِإِفْرِيقِيَةَ إِلا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ إِفْرِيقِيَةَ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ وَلَكِنِ اصْبِرُوا فَإِنْ صَحَّ الْخَبَرُ رَفَعْتُمْ أَمْرَهُ قَالَ فرجعنا

(1/443)