المغرب في حلى المغرب

وَمن كتاب الريحانة فِي حلى ذَوي الدّيانَة
114 - الزَّاهِد عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان ابْن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ القنازعي الْقُرْطُبِيّ
من تصنيف ابْن بشكوال فِي زهاد الأندلس وأئمتها أَنه نسب إِلَى صَنعته وَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَأخْبر أَنه جمع فِي أخباره كتابا مُفردا وَله رحْلَة وَرِوَايَة بالمشرق وندبه الْخَلِيفَة عَليّ بن حمود إِلَى الشورى فَلم يعرج

(1/166)


عَلَيْهِ وَكَانَ صوام النَّهَار قوام اللَّيْل رَاضِيا بِالْقَلِيلِ من الْحَلَال وَرُبمَا اقتات بِمَا يرميه النَّاس من أَطْرَاف الْبُقُول وَمَا أشبه ذَلِك وَلَا ينحط إِلَى مَسْأَلَة أحد
وَقَالَ كنت بِمصْر وَشهِدت الْعِيد مَعَ النَّاس فانصرفوا إِلَى مَا أعدوه وانصرفت إِلَى النّيل وَلَيْسَ معي مَا أفطر عَلَيْهِ إِلَّا شَيْء من بَقِيَّة ترمس بَقِي عِنْدِي فِي خرقَة فَنزلت على الشط وَجعلت آكله وأرمي بقشره إِلَى مَكَان منخفض تحتي وَأَقُول فِي نَفسِي ترى إِن كَانَ الْيَوْم بِمصْر فِي هَذَا الْعِيد أَسْوَأ حَالا مني فَلم يكن إِلَّا مَا رفعت رَأْسِي وأبصرت أَمَامِي فَإِذا بِرَجُل يلقط قشر الترمس الَّذِي أطرحه ويأكله فَعلمت أَنه تَنْبِيه من الله عز وَجل وشكرته وَتُوفِّي بقرطبة يَوْم الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من رَجَب سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه مجوداً لِلْقُرْآنِ
الْأَهْدَاب أَبُو بكر مُحَمَّد بن عِيسَى بن عبد الْملك بن عِيسَى بن قزمان
إِمَام الزجالين بالأندلس وشهرته تغني عَن الإطناب فِي ذكره وَقد جمع أزجاله وديوانها مَشْهُور بالمشرق وَالْمغْرب وَذكر فِي خطبَته أَن الْإِعْرَاب فِي الزجل لحن كَقَوْل أحدهم وَهُوَ أخطل بن نمارة ... كسر الله رجل كل ثقيل ...

(1/167)


على كَونه إِمَامًا وَصدر عَنهُ مثل قَوْله ... طاق فِي خد وبف فالقنديل
عَم مُقَابل وجدت إِلَيْك سَبِيل ...

وَقَوله ... قدر الله وسَاق الخناس
إِلَى دَاري على عُيُون النَّاس
ولعبنا طول النَّهَار بالكاس
وجا اللَّيْل وامتد مثل الْقَتِيل ...

ونوه فِي تَرْجَمته بِذكر أبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدين وَأبي الْعَلَاء بن زهر فِي الرياسة ومدحه لَهما
فَمن ملح أزجال ابْن قزمان قَوْله فِي هزيمَة ... والكتف يتَعَلَّق والقحف يقسم
وشنيوران رَاقِد فِي برك من دم
قد خطّ فِيهِ السَّيْف خطا لَا يفهم
وجا الْغُبَار من فَوق بِحل نشاره ...

وَقَوله ... اصحى تعيب النَّاس كل أحد عيب ماع ... إِنَّمَا هُوَ المطهر من سلم يَد وقاع ...

(1/168)


وَقَالَ فِي بداءة زجل فِي مدح ابْن أضحى قَاضِي غرناطة ... الله ساقك وَلم يسوقك أحد ... واجتمعنا اصداف أخير من وعد
وفر الله مشي ذك الأميال
والرقاد الردي وشغل البال
وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال ...

وَفِي آخِره ... طَار حَدِيثك على المدن الْقرى
قَاضِي يُعْطي عَطِيَّة الأمرا
رد غرناطة مَكَّة الشعرا
فترى فِيهَا أهل كل بلد ...

وَله ... لَو زارني صَاحب التَّفْرِيق ... قد كَانَ نفيق
حَتَّى نرى مثل مَا قدريت من الأمل
فَمَا حُلْو لَا تَقول سكر وَلَا عسل
يقبل الرّوح وَلَا يدْرِي طيب الْقبل
لَيْسَ يربح الْقبل والتعنيق ... غير العشيق ...

(1/169)


.. شربت سرك وه عِنْدِي جلّ المنى
وَقمت للرقص بأكمامي على الْغِنَا
وَأصْبح النَّاس يذكر الله وأصبحت أَنا
مَا بَين الأشكال ... سَكرَان غريق ...

وَله ... لَيْسَ عِنْدِي قوام ولاه فلاح
إِلَّا شرب الشَّرَاب وعشق الملاح
نرضي إِبْلِيس إِلَى مَتى ذَا العقوق
فه شَيْخي وَله عَليّ حُقُوق
والشريبة مِفْتَاح لكل فسوق
فِي لساني نربط ذك الْمِفْتَاح
أَيهَا النَّاس وصيتي للْجَمِيع
من خلاع فَإِن الْيَوْم خليع
وَلَا نمشوا إِلَّا بكاس أَو قطيع
وسكارى إيك لَا تمشو صِحَاح
اسْكُتْ اسْكُتْ هَذَا الحَدِيث يمضغ ...

(1/170)


.. فقلاده فِي عنق من بلغ
إِن دَاره مُحَمَّد بن أصبغ
خمس مت سَوط يحس للبراح
إِنَّمَا بِعْ ل المري بِالنَّهَارِ
فَإِذا كنت وَقت رقاد فِي دَار
أرخ شف وارضع فِي هَذَا الْعقار
لَا تقع لَك قطاع فِي اصطباح
فَإِن أَصبَحت وَفِي دماغك ثقل
حج فالدار إِن كَانَ لراسك عقل
وَيكون الغذا لحم ببقل
وَالله وَالله لَا تَسْتَجِيب إِذْ تصاح
وَإِذا كنت صَاح إِذْ تصبح
اغسل أجك وَهَلل أَو سبح ...

(1/171)


.. شَرط إِن قَالَ أحد اعْمَلْ لي آح
اعْمَلْ ات أح وَزيد فالساق حاح
وَإِذا كنت مَعَ فقي أَو إِمَام
ويقل لَك شربت قطّ مدام
قَالَ لَهُ اشنه يَا فقي ذَا الْكَلَام
وَالله مَا ذقت قطّ شرب تفاح
فَإِن أجمعك بيه زَمَانا نبيل
وَعَسَى لس ذَا الصَّبْر غير قَلِيل
قله لَهُ السا وجدت إِلَيْك سَبِيل
جي نقل لَك بالرسل أَو بالصياح
تَدْرِي إِذْ قلت لي شربت عقار
اه حَقًا كن نتبتلعها كبار
وَأَنا ذاب نحسوها ليل ونهار
بشرابك وَرُبمَا أقداح
تحفظ اسماه سا يقل لَك لَا
قل لَهُ خُذ نملا مِنْهُ انينك ملا
هِيَ هِيَ قهوة والمدام والطلا
والحميا والخندريس والراح ...

(1/172)


كن صبيان ودارت الْأَحْوَال
والتحينا وصرنا ذاب رجال
وَكن إكريت دويره من إِنْسَان
برباعي سكنت فِيهِ الزَّمَان
ثمَّ قَالَ لي تزن ثَلَاث أَثمَان
ونزن لَو وَلَو طلب مِثْقَال
وعقاباً مليح بِجنب البير
وقصيبا عَلَيْهَا بَابا كَبِير
تكشف الفحص من ثَلَاث أَمْيَال
والربض لَا شُيُوخ وَلَا حجاج
وأرامل ملاح بِلَا ازاوج
ويجوني طول النَّهَار عَن حواج
واشيات لس يَنْبَغِي أَن تقال ...
وَمِنْه ... إش نقل لَك بقيت كَذَا مبهوت
وأخذني فزع بِحَال من يَمُوت
وقفز قلب مثل قفز الْحُوت
وَضرب بالجناح بِحل بر طَال ...

(1/173)


وَله ... تدر إش قَالَ لي الفقى تب ... إِن ذَا فضول وأحمق
كف نتوب وَالرَّوْض زَاهِر ... والنسيم كالمسك يعبق
وَالربيع ينشر علام ... مثل سُلْطَانا مويد
وَالثِّمَار تنثر حلية ... بِثِيَاب بِحل زبر جد
والرياض تلبس غلالا ... من نَبَات فَحل زمرد
والبهار مَعَ البنفسج ... يَا جمال ابيض فِي أَزْرَق
والندى وَالْخَيْر والآس ... والراح والظل والما
والمليح خلطي مهاود ... والرقيب أَصمّ أعمى
وزمير من فَم سَاحر ... وغنا من كف سلمى
والزجاج ملح مجزع ... وَالشرَاب أصفر مروق
يَا شرابًا مر مَا أحلاك ... علقم ات ممزوج بسكر
بِالَّذِي رزقن حبك ... من نثر عَلَيْك جَوْهَر
وَترى لش تَشْتَكِي ضرّ ... لش نرَاك رَقِيق أصفر
مَا أَظن إِلَّا ألم بيك ... أَو مليح لَا شكّ تعشق
ذَا الطَّرِيق يعجبن يَا قوم ... مَا أَمْلَح وَمَا أجل ...

(1/174)


.. أَي نبل أقل ل خليه ... وَسمع مِمَّا أقل ل
يَا صديقي لس نراع ... يَا صديقي لس نمل
قل لي كف نَتْرُك ذَا الأشيا ... قصَّة حقيق بِالْحَقِّ
ونجوم السعد تطلع ... ونوار الْيمن تفتح
وغنا وَدَن دن دن ... وَلعب وكح كح كح
وارتفع عني يَا راجل ... انْسَلَخَ عكان أح أح
الْقطع فز عَن يام ... تركف يعْمل لي بق بق ...
وَله ... نفني عمرى فالخنكرا والمجون
يَا بياضي خلع بنيت أَن يكون
إِنَّمَا أَن نتوب أَنا فمحال
وبقاى بِلَا شريب ضلال
نفن عمرى ودعن مِمَّا يُقَال
إِن ترك الخلاع عِنْدِي جُنُون
خُذُوا مَالِي وبددوه فالشراب
وثيابي ولبسوه القحاب
وقلوا لي بِأَن رايك صَوَاب ...

(1/175)


.. لم تكن قطّ فِي ذَا الحَدِيث مغبون
وَإِذا مت مذهبي فالدفن
أَن نرقد فِي كرم بَين الجفن
وَيضم الْوَرق على كفن
ولراسي عِمَامَة من زرجون ...
وَمِنْه ... إِنَّمَا مَا ريت ذك التحت سَاق
وذك الْعَينَيْنِ الملاح الرشاق
وَعمل إير فاسروال رواق
وَرفع بالثياب بِحل قيطون
أَنا وَللَّه قد ابتديت فِي الْعَمَل
أوذيك زلق لساعة دخل
وَأَنا نرعج حُلْو حُلْو كالعسل
وَهَبَطَ روحي بن سقى سخون ...
115 - الهيدورة
قَالَ الْحَضْرَمِيّ كَانَ بقرطبة مخنث يعرف بالهيدورة قد برع فِي

(1/176)


التخنيث والكيد حَتَّى صَار يضْرب بِهِ الْمثل وَهُوَ الَّذِي لما حصل فِي الْأسر كتب لَهُ إخوانه يتفجعون من شَأْنه فجاوبهم يَا سخفاء الْعُقُول ولأي شَيْء تتفجعون من شأني وَهُنَاكَ وَهنا وَزِيَادَة ختانة لم تقطع خير كثير
قَالَ وَلَيْسَ بالأندلس بلد قد شهر بِكَثْرَة القطماء مثل قرطبة وخاصة مِنْهُ درب ابْن زيدون فَيَقُولُونَ فِي التَّعْرِيض هُوَ من درب ابْن زيدون كَمَا يَقُولُونَ رطب الذِّرَاع
قَالَ وَكَانَ فِي درب ابْن زيدون رجل مَشْهُور بِهَذَا الشَّأْن ينَام فِي أسطوان دَاره وَيتْرك القفل على الْبَاب يتَمَكَّن فَتحه فَإِذا رَآهُ سَارِق على تِلْكَ الْحَال عالج الْبَاب وَدخل فيمسكه القطيم وَكَانَ لَهُ عَبْدَانِ يريحهما بِهَذَا الشَّأْن فَيَقُول للسارق أَيهَا الملعون جسرت على بَابي وفتحته وَأَرَدْت الدُّخُول على حرمي مَا بقى لَك إِلَّا أَن وَالله وتالله لَا زلت حَتَّى تفعل فتم لَك النادرة فِي ثمَّ ينبطح فَيرى السَّارِق أَنه يفعل ذَلِك لِئَلَّا يفتضح ثمَّ يُطلقهُ
116 - البحبضة الْحَكِيم
كَانَ خَفِيف الرّوح قصدته يَوْمًا عَجُوز وَهُوَ فِي دكانه فَقَالَت لَهُ وَهُوَ بَين جُلَسَائِهِ يَا سَيِّدي أَنْت هُوَ الْحَكِيم البحبوضي فَقَالَ لَهَا فِي الْحِين يَا ستي وَأَنت هِيَ العجوزة سو القوادة وَكَانَ فِي قرطبة طَبِيب يُقَال لَهُ رَأس قدح فَجَاءَتْهُ عَجُوز يَوْمًا وَقَالَت لَهُ يَا سَيِّدي أَنْت هـ الرَّأْس خيبة فَقَالَ من عَاشَ كبر
117 - يحيى بن عبد الله بن البحبضة
كَانَ فِي الْمِائَة السَّابِعَة يشْتَغل بأعمال السُّلْطَان وَله أزجال على طَريقَة البداوة الَّتِي يغنون بهَا على البوق من ذَلِك زجله الطيار ... دعن نشرب قطيع صَاح
من ذنا سِتّ الملاح ...

(1/177)


.. دعن نشرب ونرخى شفا
ونصاحب من لي فِيهِ عَفا
يَا زغلا شدوا الأكفا
من بَاب الْجَوْز يسمع صياحي
وَالله إِنَّك صرف ملحلا
وسمينا بِحَال بخلا
وخفيفا بِحَال بوللا
حن تطرلى مَعَ الرِّيَاح
وَالله ذنا أَنى مشاكل
وحزامي مليح وكامل
حن تراني نرخي السراول
على وَجه القرق الصياح
يَا زغلة درب الزجالي
مِنْهُ فِيكُم زغل بِحَال
أَو دلال بِحَال دلالي
أَو رماح بِحَال رماحي
غَدا قَالَت تجيني ذنا
بتحنفف مليح وحنا
نشرب الكاس مَعهَا مهنا
حن تجيني بَيَاض صباحي ...

(1/178)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الثَّانِي
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
كتاب الْحلَّة الذهبية فِي حلى الكورة القرطبية وَهُوَ
كتاب الصبيحة الغراء فِي حلى حَضْرَة الزهراء
هن عروس لَهَا منصة وتاج وسلك وحلة
المنصة
ذكر ابْن حوقل أَن النَّاصِر بناها فِي غربي قرطبة فِي سفح جبل وَأمر مناديه يُنَادي أَلا من أَرَادَ أَن يَبْنِي بجوار السُّلْطَان فَلهُ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فسارع النَّاس إِلَيْهَا وَجعلهَا النَّاصِر قطبه قَالَ الحجاري وَكَانَ مُنْذر ابْن سعيد قَاضِي النَّاصِر وخطيبه كثيرا مَا يقرعه فِيمَا أسرف فِيهِ من مبانيه ويعظه وَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ مكب على الْبُنيان فوعظه فأنشده النَّاصِر قَوْله وَهُوَ عالي الطَّبَقَة ... همم الْمُلُوك إِذا أَرَادوا ذكرهَا ... من بعدهمْ فبألسن الْبُنيان
أَو مَا ترى الهرمين قد بقيا وَكم ... ملك محاه حَادث الْأَزْمَان ...

(1/179)


.. إِن الْبناء إِذا تعاظم شَأْنه ... أضحى يدل على عَظِيم الشان ...

وَدخل عَلَيْهِ مرّة وَهُوَ فِي قبَّة قد جعل قرمدها من ذهب وَفِضة والمجلس قد غض فَقَامَ ووعظه وتلا {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة} الْآيَة فاحتمله لمكانه مِنْهُ
وَقَالَ وزيره عبيد الله بن إِدْرِيس ... سيشهد مَا شيدت أَنَّك لم تكن ... مضيعاً وَقد مكنت للدّين وَالدُّنْيَا
فبالجامع الْمَعْمُور للْعلم والتقى ... وبالزهرة الزهراء للْملك والعليا ...

وَقد ذكرهَا الْمُعْتَمد بن عبَادَة فِي قَوْله الَّذِي استدعى بِهِ وزراءه وَكتابه وَقد تنادوموا بالزهراء إِلَى قصر قرطبة أنْشدهُ الْفَتْح ... حسد الْقصر فِيكُم الزهراء ... ولعمري وعمركم مَا أَسَاءَ
قد طلعتم بِهِ شموساً صباحاً ... فَاطَّلَعُوا عندنَا بدوراً مسَاء ...

وَقد ذكرهَا الْوَزير أَبُو الْوَلِيد بن زيدون فِي شعره الَّذِي خَاطب بِهِ محبوبته ولادَة ... إِنِّي ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق وَوجه الأَرْض قد راقا
وللنسيم اعتلال فِي أصائله ... كَأَنَّمَا رق لي فاعتل إشفاقا
وَالرَّوْض عَن مَائه الفضى مبتسم ... كَمَا شققت عَن اللبات اطواقا
يَوْم كايام لذات انصرفت ... بتنا لَهَا حِين نَام الدَّهْر سراقا
نَلْهُو بِمَا يستميل الْعين من زهر ... جال الندى حَتَّى مَال اعناقا
كَانَ اعينه إِذْ عانيت ارقى ... بَكت لما بِي فجال الدمع وقراقا
ورد تألق فِي ضاحي منابته ... فازداد الضُّحَى فِي الْعين إشراقا ...

(1/180)


.. كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا ... إِلَيْك لم يعد عَنهُ الصَّبْر أَن اضاقا
لَو كَانَ وفى المنى فِي جَمعنَا بكم ... لَكَانَ من أكْرم الْأَيَّام أَخْلَاقًا
آس ينافحه نيلوفر عبق ... وَسنَان نبه مِنْهُ الصُّبْح أحداقا
لَا سكن الله قلباً عَن ذكركُمْ ... فَلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لَو شَاءَ حملي نسيم الرّيح نحوكم ... وافاكم بفتى أضناه مالاقى
كَانَ التجاري بمحض الود مذ زمن ... ميدان أنس جرينا فِيهِ أطلاقا
فَالْآن أَحْمد مَا كُنَّا لعهدكم ... سلوتم وَبَقينَا نَحن عشاقا ...
بنى الزهراء النَّاصِر وسكنها ثمَّ سكنها ابْنه الْمُسْتَنْصر وَسكن الْمُؤَيد بن الْمُسْتَنْصر مَدِينَة الزاهرة فَنَذْكُر ترجمي النَّاصِر والمستنصر واعلام دولتيهما

التَّاج
118 - النَّاصِر لدين الله أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم ابْن هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان
ذكر الْحميدِي أَنه ولي بعد جده عبد الله وَكَانَ وَالِده قد قَتله أَخُوهُ الْمطرف بن عبد الله فِي صدر دولة أَبِيهِمَا وَترك ابْنه عبد الرَّحْمَن ابْن عشْرين يَوْمًا فولي وَله اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَت ولَايَته من المستطرف إِذْ كَانَ بالحضرة جمَاعَة أكَابِر من أَعْمَامه وأعمام أَبِيه فَلم يعْتَرض معترض وَكَانَ شهماً صَارِمًا وكل من ذكرنَا من أجداده فَلَيْسَ مِنْهُم من تسمى

(1/181)


بإمرة الْمُؤمنِينَ وَلم يتعدوا فِي الْخطْبَة الْإِمَارَة وَجرى على ذَلِك عبد الرَّحْمَن إِلَى آخر السّنة السَّابِعَة عشرَة من ولَايَته فَلَمَّا بلغه ضعف الْخلَافَة فِي الْعرَاق أَيَّام المقتدر وَظُهُور الشِّيعَة بالقيروان تسمى بأمير الْمُؤمنِينَ وتلقب بالناصر وَلم يزل مُنْذُ ولي يسْتَنْزل المتغلبين حَتَّى اسْتكْمل إِنْزَال جَمِيعهم فِي خمس وَعشْرين سنة من ولَايَته وَصَارَ جَمِيع أقطار الأندلس فِي طَاعَته
وَمن المسهب إِنَّمَا تسمى بأمير المؤنين حِين بلغه أَن المقتدر خطب لَهُ بالخلافة وَهُوَ دون الْبلُوغ وَلما قتل الْمطرف بن عبد الله أَخَاهُ مُحَمَّد بن عبد الله قَتله بِهِ ابوه وَقد فيل أَن اباهما قتل الِاثْنَيْنِ وخلا الجو لعبد الرَّحْمَن وَملك قلب جده بِحسن خدمته وكل مَا يعلم أَنه يُوَافق غَرَضه فَتقدم بعد جده فِي مستهل ربيع الأول سنة ثَلَاثمِائَة فَقَالَ ابْن عبد ربه صَاحب العقد ... بدا الْهلَال جَدِيدا ... وَالْملك غض جَدِيد
يَا نعْمَة الله زيدي ... إِن كَانَ فِيك مزِيد ...
وَصرف من الآراء والحيل فِي الثوار الَّذين اضْطر من بهم الأندلس مَا يطول ذكره حَتَّى صفت لَهُ الجزيرة
قَالَ وأعانه على ذَلِك الْمعرفَة باصطفاء الرِّجَال واستمالة اهوائهم بالمواعيد وبذل الْأَمْوَال مَعَ طول الْمدَّة وهبوب ريح السَّعَادَة وَقد شبهوه بالمعتضد العباسي فِي تلافي الدولة وَكَانَ يَده فِي استنزال العصاة الْقَائِد أَبَا الْعَبَّاس ابْن أبي عَبدة وَبَقِي فِي السلطنة خمسين سنة وَسِتَّة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ ابْن غَالب وجد بِخَطِّهِ أَيَّام السرُور الَّتِي صفت لَهُ فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة يَوْم كَذَا وَيَوْم كَذَا فَكَانَت أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَكَانَت وَفَاته

(1/182)


لَيْلَة الاربعاء لليلتين خلتا من رمصان سنة خمسين وثلاثمائة وَكَانَ مشغوفا يتضخيم الْبُنيان والسلطنة والجند وَقسم اموال جبابيه على ثَلَاثَة قسم للجند والحروب وَقسم للبنيان وَقسم ينْفق مِنْهُ فِي غير هذَيْن من الْمصَالح ويحزن بَاقِيه ذخيرة وَقد تقدّمت أبياته فِي الْبُنيان مِمَّا أنْشدهُ الشقندي والحجاري وَله حكايات دينية ودنياوية فأملح مَا وقفت عَلَيْهِ من حكاياته الدِّينِيَّة مَا حَكَاهُ الحجاري من أَنه حضر يَوْم جُمُعَة فِي جَامع الزهراء فَلَمَّا خطب مُنْذر بن سعيد قَالَ فِي خطبَته أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون الاية فَتحَرك النَّاس لذَلِك وَعلم النَّاصِر أَنه عرض بِهِ فَلَمَّا فرغ قَالَ لِابْنِهِ الْمُسْتَنْصر فِيمَا جرى عَلَيْهِ مِنْهُ ثمَّ قَالَ لَكِن عَليّ لله يَمِين أَلا أُصَلِّي خَلفه مَا عِشْت فَلَمَّا جَاءَت الْجُمُعَة الثَّانِيَة قَالَ لِابْنِهِ كَيفَ نصْنَع فِي الْيَمين قَالَ يُؤمر بالتأخر ويستخلف غَيره فاغتاظ النَّاصِر وَقَالَ ابمثل هَذَا الرَّأْي الفائل تُشِير عَليّ وَالله لقد نَدِمت على مَا فرط مني فِي الْيَمين واني لاستحي أَن أجعَل بيني وَبَين الله غير مُنْذر ثمَّ رأى أَن يُصَلِّي فِي جَامع قرطبة فواصل ذَلِك بَقِيَّة مدَّته وَكَانَ لَهُ جلساء ووزراء عُظَمَاء يَأْتِي مِنْهُم تراجم بعد هَذَا وَأعظم من اسْتَعَانَ بِهِ فِي الحروب ابْن عَمه سعيد بن الْمُنْذر بن مُعَاوِيَة بن ابان يحي بن عبيد الله بن مُعَاوِيَة ابْن هِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ الَّذِي تولى حَرْب ابْن حفصون كَبِير الْمُنَافِقين وافتتح قلعته وَكَانَ ممدحاً جواداً سعيد الْحَيَاة فقيد الْمَمَات وَحضر لَيْلَة عِنْده وزيره ومولاه أَبُو عُثْمَان بن إِدْرِيس فغنت جَارِيَة ... أحبكم مَا عِشْت فِي الْقرب والنوى ... وأذكركم فِي حَالَة الْوَصْل والصد
على انكم لَا تشتهون زيارتي ... قَرِيبا وَلَا ذكراي فِي فَتْرَة الْبعد ...

واستجاز وزيره فَقَالَ الِابْتِدَاء لأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ... وَأَنْتُم جعلتم مهجتي مسكن الجوى ... وانتم جعلتم مقلتي مسكن السهد ...

ثمَّ قَالَ الْوَزير ... وَمَالِي عَنْكُم جرتم أَو عدلتم ... على كل حَال فاعلموا ذَاك من بُد ...

(1/183)


وَكَانَت عَلامَة سكره وَأمر ندمانه بِالْقيامِ أَن يمِيل بِرَأْسِهِ إِلَى حجره وَرُبمَا انشد ... وَكَانَ أشربها وَاللَّيْل معتكر ... حَتَّى أكب الْكرَى رَأْسِي على قدحي ...

وَكَانَ على حسن خلقه وحلمه رُبمَا حدثت لَهُ على المنادمة وَسْوَسَة كدرت مَا يعْتَاد مِنْهُ وَلما كثرت قطع المنادمة ثمَّ تزهد وَمن قَبِيح مَا يُؤثر عَنهُ حكايته مَعَ الْجَارِيَة الَّتِي كَانَت عِنْده بِمَنْزِلَة حبابة من يزِيد سكر لَيْلَة فَأكْثر من تقبيلها فَأَكْثَرت الضجر والتبرم وقبضت وَجههَا أَمر أَلا يزَال وَجههَا يلثم بألسنة الشمع وَهِي تشتغيث فَلَا يرحمها حَتَّى هَلَكت
قَالَ الحجاري وَرُبمَا كَانَ أَجود من جَمِيع من ملك من بني مَرْوَان وَمِمَّا نسب لَهُ وَقد نسب لِابْنِهِ الْمُسْتَنْصر ... مَا كل شَيْء فقدت إِلَّا ... عوضني الله عَنهُ شيا
إِنِّي إِذا مَا منعت خيري ... تبَاعد الْخَيْر من يديا
من كَانَ لي نعْمَة عَلَيْهِ ... فَإِنَّهَا نعْمَة عليا ...

وَذكر أَن توقيعاته بليغة كتب لَهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بالشيخ الْمُمْتَنع بحصن لقنت فِي جَوَاب استنزاله لَهُ مَا أوجب أَن كَانَ فِي جَوَاب النَّاصِر لَهُ وَلما رَأَيْنَاك قد تذرعت بِإِظْهَار اتقاء الله رَأينَا أَن نعرض عَلَيْك أَولا مَالا بُد لَك مِنْهُ أخراً وَلَيْسَ من أطَاع بالمقال كمن أطَاع بعد الفعال فبادر مستسلماً إِلَى قرطبة
وَكتب لَهُ ابْن سعيد بن الْمُنْذر وَهُوَ محاصر ابْن حفصون يذكر لَهُ تلون بني حفصون فَأَجَابَهُ بِكِتَاب فِيهِ مهما تحققت من عذر بني حفصون ومكرهم فزد فِيهِ بَصِيرَة واثبت على تحقيقك وَمهما ظَنَنْت فصير

(1/184)


ظَنك تَحْقِيقا فَإِنَّهُم شَجَرَة نفاق أَصْلهَا وفروعها تسقى بِمَاء وَاحِد فاهجر فيهم الْمَنَام والدعة فالعيون إِلَيْهِم تنظر والآذان نحوهم تسمع فَمَتَى اسْتَنْزَلَهُمْ من معلقهم أَغْنَاك ذَلِك عَن مكابدة غَيرهم فَلم يزل بهم حَتَّى غلب عَلَيْهِم
وأقدم عَلَيْهِ رجل وقاح بالشكوى والصياح وَخرج من أمره أَنه اشْترى حمارا فَخرج فِيهِ عيب فَرفع ذَلِك إِلَى القَاضِي فَرد حكمه إِلَى أهل السُّوق فأفتوا أَنه عيب حَدِيث قَالَ فألزموني بِهِ وَأَنا لَا أريده فَقَالَ تجاوزت القَاضِي وَأهل السُّوق إِلَى الْخَلِيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الوضيعة ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب ونودى عَلَيْهِ بذلك مجرساً ورد رَأسه إِلَى وزرائه وَقَالَ أعلمتم أَن الْأَمِير عبد الله جدي بنزوله للعامة فِي الحكم للْمَرْأَة فِي غزلها والحمال فِي ثمن مَا يحملهُ والدلال فِي ثمن مَا يُنَادي عَلَيْهِ أضاع كبار الْأُمُور ومهماتها وَالنَّظَر فِي حروبه ومدارأة المتوثبين عَلَيْهِ حَتَّى اضطرمت جَزِيرَة الأندلس وكادت الدولة أَلا يبْقى لَهَا رسم وَأي مصلحَة فِي نظر غزل امْرَأَة ينظر فِيهِ أَمِين سوق الْغَزل وإضاعة النّظر فِي قطع الطّرق وَسَفك الدِّمَاء وتخريب الْعمرَان وَكَانَ حَاجِبه مُوسَى بن حدير على ذكائه يَقُول مَا رَأَيْت أذكى مِنْهُ كنت وَالله آخذ مَعَه فِي الشَّيْء تحليقاً على سواهُ حَتَّى أخرج إِلَيْهِ فيسبقني لمرادي وَيعلم مَا بنيت عَلَيْهِ تدبيري وَكَانَ لَهُ عُيُون على مَا قرب وَبعد وَصغر وَكبر وَكَانَ مَعْرُوفا بِحسن الْعَهْد وَبِذَلِك انْتفع فِي استنزال المتغلبين
قَالَ الحجاري وَرفع للناصر أَن تَاجِرًا زعم أَنه ضَاعَت لَهُ صرة فِيهَا مائَة دِينَار ونادى عَلَيْهَا وَاشْترط أَن يهب للآتي بهَا عشرَة دَنَانِير فجَاء بهَا رجل عَلَيْهِ سمة خير ذكر أَنه وجدهَا فَلَمَّا حصلت فِي يَده قَالَ إِنَّهَا كَانَت مائَة وَعشرَة وَإِن الْعشْرَة الَّتِي نقصت مِنْهَا أَخذهَا الَّذِي أَتَى بهَا وأبى أَن يدْفع لَهُ مَا شَرط فَوَقع النَّاصِر صدق التَّاجِر وَالرجل الَّذِي

(1/185)


وجد المَال وَلَوْلَا صدق الرجل مَا أَتَى بِشَيْء مَجْهُول فاردد عَلَيْهِ الْمِائَة وناد على مَال التَّاجِر فَإِنَّهُ مائَة وَعشرَة فَكَانَ ذَلِك من ملحه
وَقَالَ لقائد عسا كره ابْن أبي عَبدة إِن استرسلت فِي الْكَلَام مَعَك بمحفل فتعقبه فِي الْخلْوَة وَمَعَ ذَلِك فَإنَّك ترى بِالْمُشَاهَدَةِ مَا لَا نرَاهُ فَلَا ترجع عَن مصلحَة
وَقتل النَّاصِر ابْنه عبد الله ذبحا بِيَدِهِ وَقد بلغه أَنه يُرِيد قَتله وَأخذ الْخلَافَة
119 - ابْنه الحكم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه
من الجذوة كَانَ لَهُ إِذْ ولى بعد أَبِيه سبع وَأَرْبَعُونَ سنة وَكَانَ حسن السِّيرَة جَامعا للعلوم محباً لَهَا مكرماً لأَهْلهَا وَجمع من الْكتب فِي أَنْوَاعهَا مَا لم يجمعه أحد من مُلُوك الأندلس قبله وَذَلِكَ بإرساله فِيهَا إِلَى الأقطار واشترائه لَهَا بِأَعْلَى الْأَثْمَان ونفق عَلَيْهِ ذَلِك فَحمل إِلَيْهِ وَكَانَ قد رام قطع الْخمر من الأندلس وَأمر بإراقتها وتشدد فِي ذَلِك وشاور فِي استئصال شَجَرَة الْعِنَب فَقيل انهم يعلمونها من التِّين وَغير ذَلِك فَوقف عَمَّا هم بِهِ
وَمن المسهب توفّي يَوْم الْأَحَد لليلتين خلتا من صفر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة فَكَانَت مدَّته خَمْسَة عشر سنة وَخمْس أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام
وَحكى ابْن حَيَّان أَن عدد الْكتب الَّتِي كَانَت فهارس بأسماء الْكتب الَّتِي اجْتمعت فِي خزائنه أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ فِي كل فهرست مِنْهَا عشرُون ورقة وَوجه لأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ ألف دِينَار على أَن يُوَجه لَهُ نُسْخَة من كتاب الأغاني وباسمه طرز أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ كتاب الأمالي وَعَلِيهِ وَفد فَأَحْمَد وفادته وَأنْشد من شعره قَوْله ... إِلَى الله أَشْكُو من شمائل مترف ... على ظلوم لَا يدين بِمَا دنت ...

(1/186)


.. نات عَنهُ دَاري فاستزاد صدوده ... وَإِنِّي على وجدي الْقَدِيم كَمَا كنت
وَلَو كنت أَدْرِي أَن شوقي بَالغ ... من الوجد مَا بلغته لم أكن بنت ...

وَأنْشد لَهُ ابْن حَيَّان ... عجبت وَقد ودعتها كَيفَ لم امت ... وَكَيف اثنيت بعد الْوَدَاع يَدي معي
فيامقلتي العبرى عَلَيْهَا اسكبي دَمًا ... وَيَا كَبِدِي الحرى عَلَيْهَا تقطعي ...

وَله غزوات وفتوح مدن وَمَات بالفالج
وَكَانَ حَاجِبه جَعْفَر مَوْلَاهُ قبل جَعْفَر المصحفي قَالَ ابْن غَالب وَفِي مدَّته ضرب الدِّينَار الْجَعْفَرِي الْمَشْهُور بالأندلس
السلك من كتاب الصَّفَا فِي حلى الشرفا
بَنو أُميَّة بالأندلس يعْرفُونَ بالشرفاء وَنَذْكُر مِنْهُم هُنَا أولي الْفضل من السلالة الناصرية على نسق وَغَيرهم مِمَّن كَانَ فِي مدتي النَّاصِر والمستنصر
120 - عبد الله بن النَّاصِر
من الجذوة انه كَانَ فَقِيها شافعياً متنسكاً شَاعِرًا أخبارياً وَأنْشد لَهُ ... إِمَّا فؤداي فكاتم ألمه ... لَو لم يبح ناظري بِمَا كتمه ...

(1/187)


.. إِلَيْك عَن عاشق بَكَى أسفا ... حَبِيبه فِي الْهوى وَمَا ظلمه
ظلت جيوش الْهوى تُقَاتِلهُ ... مذ نذرت أعين الملاح دَمه ...

وَمن المسهب مثل ذَلِك وَأَنه كَانَ محسناً للشعراء وَأَن سعيد ابْن فرج أَخا أبي عمر أهْدى لَهُ ياسميناً أَبيض وأصفر وَكتب مَعَه ... مولَايَ قد أرْسلت نَحْوك تحفة ... بِمُرَاد مَا أبغيه مِنْك تذكر
من ياسمين كَالنُّجُومِ تبرجت ... بيضًا وصفرا والسماح يعبر ...

فَعوضهُ عَنْهَا ملْء طبقها دَنَانِير ودراهم وَكتب لَهُ ... أَتَاك تعبيري وَلما يحل ... مني على أضغاث أَحْلَام
فاجعله رسماً دَائِما قَائِما ... مِنْك ومني أول الْعَام ...

وانشد لَهُ وَقد مر أحد الْفُقَهَاء فأبصر غُلَاما فتان الصُّورَة ... أفدي الَّذِي مر بِي فَمَال لَهُ ... لحظي وَلَكِن ثنيته غصبا
مَا ذَاك إِلَّا مخاف منتقد ... فَالله يعْفُو وَيغْفر الذنبا ...

قَالَ الرَّقِيق فِي تَارِيخه كَانَ عبد الله يُسمى الزَّاهِد فَبَايع قوما على قتل وَالِده وأخيه الحكم ولي الْعَهْد فسجنه أَبوهُ ثمَّ ذبحه بِيَدِهِ يَوْم الْأَضْحَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَقتل أَصْحَابه قَالَ صَاحب سفط اللآلئ وَمن الْعَجَائِب أَن عبد الله كَانَ شافعياً وأخاه عبد الْعَزِيز حنفيا والمستنصر مالكيا

(1/188)


121 - عبد الْعَزِيز بن النَّاصِر
ذكره الْحميدِي وَأنْشد لَهُ مَا تَركه أولى وَأنْشد لَهُ صَاحب سفط اللآلئ وَقَالَ كَانَ لَهُ شعر عراقي المشرع نجدي المنزع كَقَوْلِه ... زارني من هَمت فِيهِ سحرًا ... يتهادى كنسيم السحر
أقبس الصُّبْح ضِيَاء نوره ... فأضا وَالْفَجْر لم ينفجر
واستعار الرَّوْض مِنْهُ نفخة ... بثها بَين الصِّبَا والزهر
أَيهَا الطالع بَدْرًا نيراً ... لَا حللت الدَّهْر إِلَّا بَصرِي ...

وَكَانَ مغرما بِالْخمرِ والغناء فَترك الْخمر لِبُغْض أَخِيه فِيهَا فَقَالَ لَو ترك الْغناء لكمل سروره فَقَالَ وَالله لَا تركته حَتَّى تتْرك الطُّيُور تغريدها ثمَّ قَالَ ... أَنا فِي صِحَة وجاه ونعمى ... هِيَ تَدْعُو للذة الألحان
وَكَذَا الطير فِي الحدائق تشدو ... للَّذي سر نَفسه بالعيان ...

أخوهما
122 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن النَّاصِر
من السقط أَنه كَانَ شَاعِرًا أديباً حسن الْأَخْلَاق كريم السجايا لَهُ من قصيدة وَقد قدم أَخُوهُ الْمُسْتَنْصر من بعض غَزَوَاته

(1/189)


.. قدمت بِحَمْد الله أسعد مقدم ... وضدك أضحى لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
لقد حزت فِينَا إِذْ كنت أَهله ... كَمَا حَاز بِسم الله فضل التَّقَدُّم ...

123 - ابْن أخيهم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْملك بن النَّاصِر
ذكره الثعالبي فِي الْيَتِيمَة وَأنْشد لَهُ من قصيدة خَاطب بهَا الْعَزِيز صَاحب مصر ... أَلسنا بني مَرْوَان كَيفَ تبدلت ... بِنَا الْحَال أَو دارت علينا الدَّوَائِر
إِذا ولد الْمَوْلُود منا تهللت ... لَهُ الأَرْض واهتزت إِلَيْهِ المنابر ...

فَأَجَابَهُ الْعَزِيز عرفتنا فهجوتنا وَلَو عرفناك لأجبناك وفضله الحجاري فِي الشّعْر وَمن أحسن مَا أنْشد لَهُ صَاحب السقط قَوْله ... أَتَانِي وَقد خطّ العذار بخده ... كَمَا خطّ فِي ظهر الصَّحِيفَة عنوان
تزاحمت الألحاظ فِي وجناته ... فشقت عَلَيْهِ للشقائق أردان
وزدت غراماً حِين لَاحَ كَأَنَّمَا ... تفتح بَين الْورْد آس وسوسان ...

وَقَوله من قصيدة ... وَإِنِّي إِذا لم يرض قلبِي بمنزل ... وجاش بصدري الْفِكر جم الْمذَاهب
جليد يود الصخر لَو أَن صبره ... كصبري على مَا نابني للنوائب
وَأسرى إِلَى أَن يحْسب اللَّيْل أنني ... لطول مسيري فِيهِ بعض الْكَوَاكِب ...

وَولى الْإِمَامَة ولداه المرتضى والمعتد

(1/190)


124 - الشريف الطليق أَبُو عبد الله الْملك مَرْوَان ابْن عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان بن النَّاصِر
من الجذوة أَن أَكثر شعره فِي السجْن وَقَالَ ابْن حزم إِنَّه فِي بني أُميَّة كَابْن المعتز فِي بني الْعَبَّاس ملاحة شعر وَحسن تَشْبِيه سجن وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة
وَمكث فِي السجْن سِتّ عشرَة سنة وعاش بعد إِطْلَاقه من السجْن سِتّ عشرَة سنة وَمَات قَرِيبا من الأربعمائة وَكَانَ فِيمَا قيل يتعشق جَارِيَة كَانَ أَبوهُ قد رباها مَعَه وَذكرهَا لَهُ ثمَّ بدا لَهُ فاستأثر بهَا وَأَنه اشتدت غيرته لذَلِك فانتضى سَيْفا وانتهز فرْصَة فِي بعض خلوات أَبِيه مَعهَا فَقتله وعثر على ذَلِك فسجن وَذَلِكَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أبي عَامر مُحَمَّد بن أبي عَامر ثمَّ أطلق بعد ذَلِك فلقب الطليق لذَلِك وَمن مستحسن شعره قصيدة أَولهَا ... غُصْن يَهْتَز فِي دعص نقا ... يجتني مِنْهُ فُؤَادِي حرقا
أطلع الْحسن لنا من وَجهه ... قمراً لَيْسَ يرى ممحقا
ورنا عَن طرف ريم أحور ... لحظه سهم لقلبي فوقا ...

(1/191)


وفيهَا ... أَصبَحت شمساً وفوه مغرباً ... وَيَد الساقي المحيي مشرقا
فَإِذا مَا غربت فِي فَمه ... تركت فِي الخد مِنْهُ شفقا ...

(1/192)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الثَّالِث من الْكتب الَّتِي يشْتَغل عَلَيْهَا كتاب الْحلَّة الذهبية فِي حلى الكورة القرطبية
وَهُوَ
كتاب = الْبَدَائِع الباهرة فِي حلى حَضْرَة الزاهرة
هِيَ عروس لَهَا منصة وتاج وسلك وحلة المنصة التَّاج
125 - الْمُؤَيد هِشَام
قَالَ ابْن حَيَّان وانهمك هِشَام طول أَيَّامه ونال فِي مُدَّة هَذَا الانهماك والدعة أهل الاحتيال من النَّاس الرغائب النفسية بِمَا ازدلفوا بِهِ من أثر كريم أَو زخرفوه من كذب صَرِيح حَتَّى لقد اجْتمع عِنْد نسَاء الْقصر ثَمَانِيَة حوافر عزي جَمِيعهَا إِلَى حمَار عَزِيز المستحيى بالأية الباهرة وَاجْتمعَ عِنْدهن من خشب سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام وألواحها قِطْعَة وظفرن من نسل غنم شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام بِثَلَاث وَكثير من هَذَا تَوَجَّهت على أَمْوَاله

(1/193)


مِنْهُ أعظم حِيلَة ولهجن مَعَ ذَلِك بِطَلَب ذَوي الْأَسْمَاء الغريبة من النَّاس مثل عبد النُّور وَعبد السَّمِيع وحزب الله وَنصر الهل يصير الرجل من هَؤُلَاءِ فِي الْحَاشِيَة وَيسْتَعْمل على وكَالَة جِهَة وَلَا يبعد أَن يتمول فِي أقرب مُدَّة وَإِن اتّفق أَن يكون مَعَ ذَلِك ذَا لحية عَظِيمَة وَهَامة ضخمة تقدّمت بِهِ السَّعَادَة وَلَا سِيمَا إِن كَانَت لحيته حَمْرَاء قانية فَإِنَّهَا أجدى عَلَيْهِ من دَار الْبِطِّيخ غلَّة ثمَّ لَا يسْأَل عَمَّا وَرَاء ذَلِك من أصل وفضيلة وَلَو كَانَ مردداً فِي بني اللخناء ترديداً وَذكر فِي شَأْن الدعي الَّذِي تشبه بِهِشَام أَنه ظهر فِي المرية فِي أَيَّام زُهَيْر سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ ظهر عِنْد القَاضِي ابْن عباد بإشبيلية وخطب لَهُ مغالطاً باسمه ومستميلاً قُلُوب النَّاس وَوجه ابْن جهور أَمِير قرطبة من وقف على غيه وَصحت عِنْده الشَّهَادَة بِهِ وخطب لَهُ ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك
قَالَ وَأظْهر المعتضد بن عباد موت هَذَا الدعي
وهول الحجاري حَدِيثه فِي التَّخَلُّف وَقَالَ نَشأ جامد الْحَرَكَة أخرس الشَّمَائِل لَا يشك المتفرس فِيهِ أَن نفس حمَار فِي صُورَة آدَمِيّ وعشق فِي صباه نباح كلب فَجعل الغلمان يهيجونه حَتَّى ينبح ليلتذ بذلك وَكلما زَاد سنا نقص عقلا وَلما خلعه الْمهْدي وَحصل فِي قَبضته قَالَ لأحد غلمانه وَقد ذهب دولته وهتك حرمه بِاللَّه انْظُر هدهدي إِن كَانَ

(1/194)


سلم وافتقده لِئَلَّا يهْلك بِالْجُوعِ والعطش فَإِنَّهُ من ذُرِّيَّة الهدهد الَّذِي دلّ سُلَيْمَان على عرش بلقيس قَالَ الْمَأْمُور بِهَذَا فكدت وَالله أخنقه فيستريح ويستراح مِنْهُ
وَكَانَت أمه صبح هِيَ الَّتِي أظهرت الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَيُقَال إِنَّهَا أَرْضَعَتْه وَلِهَذَا كَانَ يُقَال لَهُ ظئر هِشَام فَلَمَّا تغلب وَلم يرع صبحاً قَالَت لابنها أما ترى مَا يصنع هَذَا الْكَلْب فَقَالَ دعيه ينبح لنا وَلَا ينبح علينا
وَمن تخلفه أَنه رام الصعُود إِلَى برج يتفرج فِيهِ فَنزل فِي دهليز تَحت الأَرْض فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ النُّزُول وأظلم الْمَكَان قَالَ للَّذي مَعَه يَا إِنْسَان أَيْن أَعلَى البرج قَالَ فَقلت يَا مولَايَ لَيْسَ هَذَا بَابه وَإِنَّمَا هَذَا بَاب الدهليز الَّذِي تَحت الأَرْض قَالَ صدقت وَإِلَّا لَو كَانَ بَاب البرج كَانَ يكون فِيهِ خابية المَاء وَإِنَّمَا جعل الخابية شرطا لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ برج يعْتَاد صُعُوده وَفِي بَابه خابية
وَنظر يَوْمًا إِلَى بغلة كَانَت من تحف الْمُلُوك وَقد جعل على فرجهَا مَا جرت بِهِ الْعَادة خوف تعدى السواس عَلَيْهَا فَقَالَ لم صنعت هَذِه الأخراس على حر هَذِه البغلة فَعرفهُ بِالْعِلَّةِ فَقَالَ فَاجْعَلْ على حجرها أخراساً أخر فقد يكون فِي السواس لاطة قَالَ فوَاللَّه مَا قدرت على أَن أملك الضحك فخالسته وتحملت على تقطيعه وستره ثمَّ قلت يَا سَيِّدي البغلة إِذا خيط فرجهَا قدرت على أَن تبول مِنْهُ وَكَيف تصنع إِذا خيط حجرها بِمَا يخرج مِنْهُ قَالَ صدقت فَاجْعَلْ على حراستها شَاهِدين عَدْلَيْنِ يرقبان ذَلِك الْموضع فَقلت لَهُ سأكلم الْحَاجِب قَالَ وانفصلت إِلَى ابْن أبي عَامر لأطرفه بِمَا جرى فَلَمَّا أخْبرته سجد وَجعل يُكَرر حمد الله قَالَ ثمَّ قَالَ لي أتعلم أَن فِي هَذَا الَّذِي أنكرته صَلَاح الْمُسلمين وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان الَّذِي تصلح مَعَه الرّعية اثْنَان إِمَّا سُلْطَان قاهر ذُو رَأْي عَارِف بِمَا يَأْتِي ويذر مستبد بِنَفسِهِ وَإِمَّا سُلْطَان

(1/195)


مثل هَذَا تدبر الدُّنْيَا باسمه وَلَا يخْشَى المتفرغ لحراسة سُلْطَانه غائلة والمتوسط يهْلك وَيهْلك
وَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا أحد الْفُقَهَاء ليستفتيه فِي مَسْأَلَة تخْتَص بحرمه فَلَمَّا فرغ من سواله قَالَ لَهُ يَا فَقِيه إِنَّا فِي هَذَا الْبُسْتَان نعرض لمشاهدة هَذِه الطُّيُور فِي مسافدتها أتراها تحسب علينا قيادة قَالَ فَقلت لَهُ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الْحَمد لله وتهلل وَجهه وَقَالَ لقد أزلت عني غماً تراكم فِي صَدْرِي ثمَّ أَمر خَادِمًا وَاقِفًا على رَأسه أَن يَأْتِيهِ بسفط فَلَمَّا كشفه إِذا فِيهِ حَصى كثير فَقَالَ كل حَصَاة مِنْهَا مُقَابلَة لمجامعة بَين طوير وَنحن نُسَبِّح الله كل يَوْم بِهَذَا الْعدَد ليكفر عَنَّا تِلْكَ الهنات فَقلت الْأَمر أَهْون فقد رخص الله لأمير الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك
وَكَانَت لَهُ جَارِيَة من أحسن مَا تقع عَلَيْهِ الْعين فَلَمَّا اراد أَن يستفضها وجدهَا ثَيِّبًا فَسَأَلَهَا فَقَالَت بَيْنَمَا أَنا ذَات يَوْم رَاقِدَة تَحت الشَّجَرَة الْفُلَانِيَّة فِي الْبُسْتَان وَإِذا بِمن نزه الله ذكره عَن هَذَا الْمَكَان قد جامعني واستفضني فَاسْتَيْقَظت فَوجدت الدَّم على رجْلي وَخفت الفضيحة وكتمت ذَلِك فَبكى هِشَام المتخلف وَقَالَ أبلغت أَنا من الْعِنَايَة عِنْد الله أَن يَأْتِي من أَتَاك إِلَى بستاني ويستفض جاريتي أَنْت حرَّة لوجه الله وَأمر فِي الْحِين أَن تبنى بذلك الْموضع رابطة يتعبد فِيهَا وَوجد بِخَطِّهِ على هَذَا الْبَيْت ... ترى بعر الآرام فِي عرصاتها ... وقيعانها كَأَنَّهُ حب فلفل ...

هَذَا وَقت كَانَ بعر الغزلان فِيهِ ييبس للشمس بدل الزَّبِيب ويوكل فسبحان الَّذِي عوضنا مِنْهُ بالزبيب الطّيب ببركة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/196)


وَمن السلك
من = كتاب الْعَيْش فِي حلى قُرَيْش
126 - الْمطرف بن عمر الهشيمي ولد هشيم بن عبد الْملك ابْن الْمُغيرَة بن الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان
من السقط أَنه من متميزي المروانيين وشعرائهم وَكَانَ المظفر بن أبي عَامر يحسن لَهُ وَله فِيهِ أمداح مِنْهَا قَوْله ... إِن المظفر لَا يزَال مظفراً ... حكما من الرَّحْمَن غير مبدل
تَلقاهُ صَدرا كلما قابلته ... مثل السنان بمحفل وبجحفل ...

وَطَلَبه الْمهْدي ففر إِلَى شَرق الأندلس وَصَحب المرتضى
وَله فِي شعر ... وكدر عيشي بعد صفو وَإِنَّمَا ... على قدر مَا يصفو الْخَلِيل يكدر ...

127 - أَبُو عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان بن مَرْوَان الْمَعْرُوف بالبلينة
قَالَ الْحميدِي هُوَ من شعراء الدولة العامرية وَأنْشد لَهُ من قصيدة فِي الْمَنْصُور بن أبي عَامر

(1/197)


.. من لي بِمن تأبى الجفون لفقده ... فِي الدَّهْر إِلَّا تلتقي أَو نلتقى
ريم يروم وَمَا اختبرت جريمة ... قَتْلِي ليتلف من بقائي مَا بقى
وَإِذا رماني عَن قسي جفونه ... لم أدر من أَي الجوانب أتقى ...
قَالَ وفيهَا مدح مفرط الْحسن أعطَاهُ عَلَيْهَا ثلثمِائة دِينَار
وَمن السقط أَنه من نبهاء بني مَرْوَان ومتقدمي شعرائهم والبلينة حوت كَبِير يعرف بِدَابَّة الْبَحْر
وَلما هجره الْمَنْصُور بن أبي عَامر دخل عَلَيْهِ ومجلسه غاص فأنشده ... مولَايَ مولَايَ أما آن أَن ... تريحني الْأَيَّام من هجركا
وَكَيف بالهجر وَأَنِّي بِهِ ... وَلم أزل أسبح فِي بحركا ...
فَضَحِك وَأَقْبل عَلَيْهِ
وَأنْشد لَهُ صَاحب الْيَتِيمَة ... والبدر فِي جو السَّمَاء قد انطوى ... طرفاه حَتَّى عَاد مثل الزورق
فتراه من تَحت المحاق كَأَنَّمَا ... غرق الْكثير وَبَعضه لم يغرق ...

(1/198)


وَمن = كتاب تلقيح الآراء فِي حلى الْحجاب والوزراء
128 - الْمَنْصُور أَبُو عَامر مُحَمَّد بن أبي عَامر الْمعَافِرِي
الَّذِي حجب الْمُؤَيد وَكَانَ فِي منزلَة سُلْطَان هُوَ مَذْكُور فِي كتب كَثِيرَة وَلابْن حَيَّان فِيهِ كتاب مُفْرد قَالَ الْحميدِي أَصله من الجزيرة الخضراء وَله بهَا قدر ابوة وَورد شَابًّا إِلَى قرطبة فَطلب الْعلم وَالْأَدب وتمهر وَكَانَت لَهُ همة لم تزل ترتقى من شَيْء إِلَى شَيْء إِلَى أَن اعتنت بِهِ صبح أم هِشَام الْمُؤَيد فَصَارَت لَهُ الحجابة وَكَانَ لَهُ مجْلِس مَعْرُوف فِي الْأُسْبُوع يجْتَمع فِيهِ أهل الْعلم وغزواته نَيف وَخَمْسُونَ غَزْوَة وَله فتوح كَثِيرَة وَكَانَ فِي اكثر زَمَانه لَا يخل بغزوتين فِي السّنة
وَمن خطّ ابْن حَيَّان هُوَ أَبُو عَامر مُحَمَّد بن عبد الله بن عَامر أبي عَامر مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن سُوَيْد بن عبد الْملك وَعبد الْملك جده هُوَ الدَّاخِل للأندلس مَعَ طَارق فِي أول الداخلين من الْعَرَب وَهُوَ وسيط فِي قومه
وَذكر أَن الْمُسْتَنْصر ولى ابْنه هشاماً الْعَهْد وَهُوَ غُلَام وَلما مَاتَ قَامَ بأَمْره

(1/199)


جَعْفَر المصحفي الْحَاجِب وَعدل عَن الْمُغيرَة الَّذِي أَرَادَ الصقالبة مبايعته وَهُوَ أَخُو الْمُسْتَنْصر وَقَالَ إِن أبقينا بن مَوْلَانَا كَانَت الدولة لنا وَإِن استبدلنا بِهِ استبدل بِنَا وَبعث ابْن أبي عَامر إِلَى الْمُغيرَة فَقتله فِي دَاره وَكَانَ عبد الْعَزِيز أَخُو الْمُسْتَنْصر تقدمه بمديدة واشتغل الْأَصْبَغ ببطالة أزالت عَنهُ التُّهْمَة وَذكر أَن المصحفي اسْتَأْثر بالأموال وَبنى الْمنَازل وَهدم الرِّجَال وعارضه من ابْن أبي عَامر فَتى ماجد أَخذ مَعَه بطرفي نقيض بالبخل جوداً وبالاستبداد أَثَرَة وباقتناء الضّيَاع اصطناع الرِّجَال فَظهر عَلَيْهِ عَمَّا قَلِيل وَكَانَت حَال ابْن أبي عَامر متمكنة عِنْد الْحرم لقديم الِاتِّصَال وَحسن الْخدمَة والتصدي لمواقع الْإِرَادَة وطلاقة الْيَد فِي بَاب الألطاف وأخرجن لَهُ أَمر الْخَلِيفَة هِشَام إِلَى حَاجِبه المصحفي فِي الِاسْتِعَانَة بِهِ والمؤازرة واستراح المصحفي إِلَى كِفَايَته واغتر بخدمته ومكره وَأخذ المصحفي يدْفع الرِّجَال وَابْن أبي عَامر يضمهم إِلَى أَن غلب عَلَيْهِ وَذكر أَنه فِي مُدَّة الْمُسْتَنْصر ولى قَضَاء كورة رية وَقَضَاء إشبيلية وارتقى إِلَى خطة الشرطة بالحضرة وَالسِّكَّة فعلت حَاله وهمته ترتمي أبعد مرمى وَهُوَ فِي ذَلِك كُله يَغْدُو إِلَى بَاب المصحفي وَيروح فَلَمَّا ثبتَتْ قدمه امتثل رسم أُمَرَاء الديلم المتغلبين فِي عصره على بني الْعَبَّاس وَنسخ رجال الدولة بِرِجَالِهِ وَأول عُرْوَة نقضهَا فتكه فِي جمَاعَة الصقلب المتمردين واستخراج الْأَمْوَال الْعَظِيمَة مِنْهُم وَكَانَت النَّصْرَانِيَّة قد جَاشَتْ بِمَوْت الْمُسْتَنْصر وَجَاء صراخهم إِلَى بَاب قرطبة وَظهر من المصحفي جبن وَأمر أهل قلعة رَبَاح بِقطع سد نهرهم يلْتَمس بذلك دفاع الْعَدو عَن حوزته فَأَنف ابْن أبي عَامر من ذَلِك وَقَامَ بِأَمْر الْجِهَاد ووعد من نَفسه الِاسْتِقْلَال بِهِ على أَن يخْتَار الجهاز ويعان بِمِائَة ألف مِثْقَال فَلَمَّا قفل ظافراً وَقد ملك الْجند بِمَا رَأَوْهُ من حسن كرمه سمت همته وَأخذ نَفسه بالتغلب على مَكَان

(1/200)


المصحفي فاستعان بغالب الناصري صَاحب مَدِينَة سَالم شيخ الموَالِي وَفَارِس الأندلس وصاهره وَكَانَ عدوا للمصحفي فَتمكن وَصَارَ عِنْده المصحفي كلا شَيْء إِلَّا أَنه غالطه مديدة وَلم يشك المصحفي فِي الإدبار إِلَى أَن عزل وَسخط السُّلْطَان عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده وأسبابه وطولبوا بالأموال وَتمكن مِنْهُم ابْن أبي عَامر كَيفَ شَاءَ وَكَانَ لَا يرِيح المصحفي من الْمُطَالبَة وَإِذا سم من أَذَاهُ أسلمه إِلَى عدوه غَالب إِلَى أَن هلك فِي سجنه كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته
ثمَّ حصلت وَحْشَة بَين صبح أم هِشَام الْخَلِيفَة وَبَين الْمَنْصُور آل الْأَمر فِيهَا إِلَى أَن كَانَت الْغَلَبَة لَهُ وَأخذ الْأَمْوَال الَّتِي كَانَت فِي الْقصر مختزنة ونقلها إِلَى دَاره ووكل بِالْقصرِ من أَرَادَ وَصَارَت الدولة بَاطِنا وظاهراً على حكمه
وَكَانَ فِي أثْنَاء ذَلِك مَرِيضا وأرجف أعداؤه بِهِ وَلما أَفَاق وصل إِلَى الْخَلِيفَة هِشَام وَاجْتمعَ بِهِ واعترف بِهِ بالاضطلاع بالدولة فخرست أَلْسِنَة الحسدة وَعلم مَا فِي نفوس النَّاس لظُهُور هِشَام ورؤيته إِذْ كَانَ مِنْهُم من لم يره قطّ فأبرزه وَركب ركبته الْمَشْهُورَة وَقد برزوا لَهُ فِي خلق عَظِيم لَا يحصيهم إِلَّا رازقهم معمما على الطَّوِيلَة سادلاً للذؤابة والقضيب فِي يَده على زِيّ الْخلَافَة وَإِلَى جَانِبه الْمَنْصُور رَاكِبًا يسايره وَعبد الْملك بن الْمَنْصُور رَاجِلا يمشي بَين يَدَيْهِ ويسير الْجَيْش أَمَامه وَخرج الْمَنْصُور إِلَى الْغُزَاة وَقد وَقع فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة واقتحم أَرض جليقية من تِلْقَاء طليطلة إِلَى أَرض قشتلة بلد شانجه بن غرسية وَهُوَ كَانَ مَطْلُوبه فأحال الْغَارة على بِلَاده وقويت هُنَالك علته فَاتخذ سَرِير خشب يحملهُ السودَان فِي أَعْنَاقهم

(1/201)


واشتدت عَلَيْهِ الخلفة فوصل إِلَى مَدِينَة سَالم وأيقن بِالْمَوْتِ فَقَالَ إِن زمامي يشْتَمل على عشْرين ألف مرتزق مَا أصبح مِنْهُم أَسْوَأ حَالا مني فَأمر ابْنه عبد الْملك بالنفوذ إِلَى قرطبة بعد مَا أَكثر وَصيته وَأمره أَن يسْتَخْلف أَخَاهُ عبد الرَّحْمَن على الْعَسْكَر
وَذكر ابْن حَيَّان أَن أَبَاهُ خلف بن حُسَيْن دخل على الْمَنْصُور حِينَئِذٍ وَهُوَ كالخيال وَأكْثر كَلَامه بِالْإِشَارَةِ وَمَات لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لثلاث بَقينَ من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَأوصى أَن يدْفن حَيْثُ يقبض فَدفن فِي قصره بِمَدِينَة سَالم
واضطرب الموَالِي على ابْنه عبد الرَّحْمَن وَقَالُوا إِنَّمَا نَحن فِي حجر آل أبي عَامر الدَّهْر كُله
وَكَانَ عَلَيْهِ فِي قرطبة من الْحزن يَوْم وُصُول الْعَسْكَر مَالا شَيْء فَوْقه وَكَانَ مِمَّا أوصى وَلَده عبد الْملك أَلا يلقى بِيَدِهِ إِلْقَاء الْأمة فينشب فِي حبس بني أُميَّة
قَالَ فَإِن انقادت لَك الْأُمُور بالحضرة وَإِلَّا فانتبذ بِأَصْحَابِك وغلمانك إِلَى بعض الْأَطْرَاف الَّتِي حصنتها لَك وانتظر غدك إِن أنْكرت يَوْمك وَإِيَّاك أَن تضع يدك فِي يَد بني مَرْوَان فَإِنِّي أعرف ذَنبي لَهُم
وَمن فرحة الْأَنْفس دَامَت دولته سِتا وَعشْرين سنة فِيهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ غَزْوَة وَمن المسهب أَنه اسْتَعَانَ أَولا بالمصحفي على الصقالبة ثمَّ بغالب على المصحفي ثمَّ بِجَعْفَر ممدوح ابْن هَانِئ على غَالب ثمَّ بِعَبْد الرَّحْمَن بن هَاشم التجِيبِي على جَعْفَر وَعدا بِنَفسِهِ على عبد الرَّحْمَن وَقَالَ للدهر هَل من مبارز
وعَلى قَبره مَكْتُوب ... آثاره تنبيك عو أَوْصَافه ... حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ ...

(1/202)


.. تالله لَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ أبدا وَلَا يحمي الثغور سواهُ ...

وَقيل إِنَّه وصل من قَرْيَة كرتش من عمل الجزيرة الخضراء برسم طلب الْعلم وترقى من الْكِتَابَة أَمَام بَاب الْقصر إِلَى أَن صَار الْقصر بِحكمِهِ
وَأنْشد لَهُ ابْن حَيَّان ... ومت بنفسي هول كل عَظِيمَة ... وخاطرت وَالْحر الْكَرِيم يخاطر
وَمَا شدت بَيْتا لي وَلَكِن زِيَادَة ... على مَا بنى عبد المليك وعامر
رفعنَا الْمَعَالِي بالعوالي بسالة ... وأورثناها فِي الْقَدِيم معافر ...

وَله حكايات فِي الْجِهَاد والغيرة والهيبة كَثِيرَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ