المغرب في حلى المغرب

129 - أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن أَحْمد بن شَهِيد
أَبوهُ أَحْمد الْوَزير الْمَذْكُور فِي الزهراء وَابْنه أَحْمد الْمَذْكُور فِي قرطبة استوزره الْمَنْصُور بن أبي عَامر واكتسب مَعَه أَمْوَالًا عَظِيمَة
وَذكر صَاحب المطمح أَنه حضر يَوْمًا عِنْد الْمَنْصُور على رَاحَة فتناهى الطَّرب بالمنصور وندمائه إِلَى أَن تصايحوا وتراقصوا وَبلغ الدّور بالكأس إِلَى ابْن شَهِيد وَكَانَ لَا يُطيق الْقيام من نقرس فأقامه الْوَزير ابْن عَبَّاس فارتجل هَذِه الأبيات وَجعل يغرد بهَا ... هاك شيخ قَادَهُ ود لكا ... قَامَ فِي رقصته منهتكا ...

(1/203)


.. لم يطق يرقصها مستثبتاً ... فانثنى يرقصها مستمسكا
انا لَو كنت مَا تعرفنِي ... قُمْت اجلالا على رَأْسِي لكا
قهقه الإبريق مني ضحكا ... وَرَأى رعشة رجْلي فَبكى ...

وَمن كتاب بغية الرواد فِي حلى الرؤساء والقواد
130 - الْقَائِد يعلى بن أَحْمد بن يعلى
ذكر الْحميدِي فِي الجذوة أَن يعلى كَانَ شَاعِرًا وَأنْشد لَهُ وَقد بعث بورد مبكر إِلَى الْمَنْصُور بن أبي عَامر ... بعثت من جنتي بورد ... غض لَهُ منظر بديع
فَقَالَ نَاس رَأَوْهُ عِنْدِي ... أعجله عَامَّة المريع
قلت أَبُو عَامر الْمُعَلَّى ... أَيَّامه كلهَا ربيع ...

وَمن = كتاب أردية الشَّبَاب فِي حلى الرؤساء وَالْكتاب
131 - أَبُو حَفْص أَحْمد بن برد
من الذَّخِيرَة أَن المظفر بن أبي عَامر ولاه ديوَان الْإِنْشَاء بعد الْقَبْض على أبي مَرْوَان الجزيري ثمَّ كتب لملوك الْفِتْنَة ورقاه للوزارة المستظهر

(1/204)


وَكَانَ وَاسِطَة السلك وقطب رحى الْملك وَبَنُو برد موَالِي بني شَهِيد وَتُوفِّي بسرقسطة سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ
وعنوانه بلاغته فِي النثر قَوْله من رِسَالَة عَن المظفر حِين قتل صهره عِيسَى بن سعيد بن القطاع
ايها النَّاس وفقكم الله بعصمته واستنقذكم برحمته إِن من علم مِنْكُم حَال الخائن عِيسَى بن سعيد بِالْمُشَاهَدَةِ وَرَأى مبلغ النِّعْمَة عَلَيْهِ بالمحاضرة فقد اكْتفى بِمَا شهد واجتزأ بِمَا حضر وَمن غَابَ عَنهُ كنه ذَلِك فَليعلم أَنا أخذناه من الحضيض الأوهد وأنتشلناه من شظف الْعَيْش الأنكد ورفعنا خسيسته وأتممنا نقيصته وخولناه صنوف الْأَمْوَال وصيرنا حَاله فَوق الْأَحْوَال بَدَأَ بذلك الْمَنْصُور مولَايَ رَحمَه الله فاعتمدته وأسبغت من نعمي عَلَيْهِ مَا أحْوج الْعَامَّة والخاصة إِلَيْهِ فَلَا أقرّ لنا بِحَق وَلَا قَابل إحساننا بِصدق وَلَا عَامل رعيتنا بِرِفْق وَلَا تنَاول خدمتنا بحذق بل أعلن بِالْمَعَاصِي واستذل الاعزة وَذي الهيئات والمروة وناجزهم وَأنس بأضدادهم ونبذ عُهُودنَا وَخَالف سبلنا وكدر على النَّاس فونا حَتَّى إِذا ملكه الأشر وتناهى بِهِ البطر وعلت

(1/205)


بِهِ الْأُمُور وغره بِاللَّه الْغرُور وحاول شقّ عَصا الْأمة وهد ركن الْخلَافَة بِمَا احتجن من حرَام الْأَمْوَال واستمال من طغام الرِّجَال فحجته نعمنا عَلَيْهِ وخصمته عوارفنا لَدَيْهِ وكشف لنا سَرِيرَته حَتَّى صرعه بغيه وأسلمه غدره وَأَخذه الله بِمَا اجترح وأوبقه بِمَا اكْتسب فأعجلناه عَن تَدْبيره وَصَارَ إِلَى نَار الله وسعيره
وَكَانَ ابْن القطاع قد أَرَادَ أَن يقلب الدولة ويولى الْخلَافَة هِشَام بن عبد الْجَبَّار بن النَّاصِر المرواني فَقتله المظفر فِي مجْلِس شراب
وَمن = كتاب الْيَاقُوت فِي حلى ذَوي الْبيُوت
132 - عبد الرحجمن بن مُحَمَّد بن النظام
من المسهب أَنه كَانَ من نبهاء الدولة العامرية وَأنْشد لَهُ ملغزاً فِي مبخرة ... وجاثمة لَهَا ابْن مستطار ... يُفَارق جِسْمه عِنْد احتراق
وَلم أر قبله من ذِي نعيم ... يحرق جِسْمه وَالروح بَاقٍ
إِذا صاحبته لم يبد شخصا ... وَلَا يخفى عَلَيْك لَدَى التلاق ...

133 - أَبُو مُضر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن التَّمِيمِي الطبني
هُوَ أصل بني الطبني أهل الْبَيْت الشهير بقرطبة من الجذوة أَنه من

(1/206)


بني حمان شَاعِر مكثر وأديب مفتن وَمن بَيت أدب وَشعر وجلالة كَانَ فِي أَيَّام الْمُسْتَنْصر وَله أَوْلَاد نجباء مبرزون فِي الْأَدَب وَالْفضل وَذكر ابْن حَيَّان أَنه كَانَ شَاعِرًا عَالما بأخبار الْعَرَب وأنسابهم شرب يَوْمًا مَعَ الْمَنْصُور بن أبي عَامر فغنت قينه بَيْتَيْنِ من شعره ... صدفت ظَبْيَة الرصافة عَنَّا ... وَهِي أشهى من كل مَا يتَمَنَّى
هجرتنا فَمَا إِلَيْهَا سَبِيل ... غير أَنا نقُول كَانَت وَكُنَّا ...

فاستعادها أَبُو مُضر فَأنْكر ذَلِك الْمَنْصُور وَعلم أَن هيبته لم تملأ قلبه فَأَوْمأ إِلَى بعض خصيانه فَأخْرج رَأس الْجَارِيَة فِي طست وَوَضعه بَين يَدي الطبني وَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور مرها فلتعد فَسقط فِي يَده
وَمن المسهب أَنه وَفد على الْمَنْصُور من طبنة قَاعِدَة الزاب فاستوطن حَضرته وَكَانَ مَعَ شعره وَعلمه وارتفاع مَكَانَهُ لَهُ خفَّة روح وانطباع نَادِر جذب بهما هَوَاهُ وَأحسن مَا أختاره من شعره قَوْله ... اجْتَمَعنَا بعد التَّفَرُّق دهراً ... فظللنا نقطع الْعُمر سكرا
لَا يراني الْإِلَه إِلَّا طريحاً ... حَيْثُ تلقى الغصون حَولي زهرا
قَائِلا كلما فتحت جفوني ... من نُعَاس الْخمار زِدْنِي خمرًا ...

134 - أَبُو بكر عبد الله بن أبي الْحسن
من المسهب من أَعْيَان قرطبة وَمِمَّنْ يحضر مجْلِس ابْن أبي عَامر وَبلغ ابْن أبي عَامر عَنهُ مَا أوجب طلبه فاستخفى مُدَّة وَأحسن مَا أنْشد لَهُ قَوْله فِي رثاء صديق لَهُ اعتبط

(1/207)


.. رجعت على رغم الْوَفَاء إِلَى صَبر ... كَمَا صَبر الظمآن فِي الْبَلَد القفر
وَقلت لعَيْنِي مَا وفيت وَإِن جرت ... عَلَيْك كَمَا ينهل منسكب الْقطر
وَكَيف أوفى قدر ثكلي بعد من ... دفنت بِهِ الآمال أجمع فِي قبر
على حِين لم أبْصر بِهِ مَا رجوته ... وَلم أر من ذَاك الْهلَال سنا الْبَدْر
فواهاً لعمر مِنْك لذ قصيره ... فَكَانَ خَفِيفا مثل إغْفَاءَة الْفجْر
135 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد شخيص
من المسهب أحد من لَهُ الْبَيْت الرفيع وَالنّظم البديع وَمِمَّنْ يحضر مجْلِس المظفر بن أبي عَامر وَمَا شاه يَوْمًا فِي بُسْتَان فَنظر إِلَى ورد مُقَابل آس وَرغب أَن يَقُول فِي ذَلِك فَقَالَ ... أَرَادَ الْورْد بالاس انتقاصاً ... فَقَالَ لَهُ نقيصتك الملال
فَقَالَ الْورْد لست أَزور إِلَّا ... على شوق كَمَا زار الخيال
وَأَنت تديم تثقيلاً طَويلا ... تدوم بِهِ كَمَا رست الْجبَال
فتسأمك الْعُيُون لذاك بغضاً ... وترقبني كَمَا رقب الْهلَال ...
وَذكر الْحميدِي أَنه مَاتَ قبل الأربعمائة
136 - جَعْفَر بن أبي عَليّ القالي
من المسهب بنى لَهُ أَبوهُ بقرطبة مرتبَة بقيت مَحْفُوظَة وَرفع لَهُ ذكرا ووطد لَهُ كَرَامَة لم تزل ملحوظة وَحمى مَا غرسه لَهُ أَبوهُ وثمره بناصع ادبه

(1/208)


قَالَ وَمن فطانته أَنه دخل يَوْمًا على الْمَنْصُور بن أبي عَامر فَقَالَ لَهُ من أَرَادَ ينكت عَلَيْهِ يَا مَوْلَانَا هَذَا هُوَ القالي فَقَالَ جَعْفَر لأعداء الْحَاجِب أذلّهم الله بعزته اسْتحْسنَ ذَلِك الْمَنْصُور
وَمن أحسن مَا أنْشد لَهُ قَوْله من شعر ... بَين العذيب وَبَين وَادي المنحني ... خلفت قلبِي للصبابة والعنا
الْمَوْت أحسن من فراقك سَاعَة ... أتراك تحسب من تفارق فِي هُنَا
ودعت مِنْك الْغُصْن يبسم زهره ... والورد عانق آسه والسوسنا
ورحلت مِنْك بعبرة مَا تَنْقَضِي فحسبت جفني للسحائب معدنا
قَالَ وثار فِي خاطره أَن يرحل إِلَى موطن أَصله ويجتمع هُنَالك مفترق شَمله وَيحل بَين من لَهُ بِهِ من الْأَقَارِب وَلَا يثني الْعَنَان بعد إِلَى المغارب فَلَمَّا حل بَغْدَاد أكذبت عينه ظَنّه وأجدب المُرَاد وأخفق المُرَاد فَرجع لَا يلوي على مُتَعَذر وَلَا يمر بِغَيْر مستكره عِنْده متكدر فَقَالَ ... حننت إِلَى بَغْدَاد حَيْثُ تمكنت ... أصولي فَلَمَّا أَن حللت بِبَغْدَاد
رَأَيْت ديارًا يبْعَث الْهم لحظها ... وقوماً يسومون الْغَرِيب بأحقاد
فوليت عَنْهُم عَائِدًا غير عاطف ... وان كَانَ فِيمَا بَينهم نشيء أجدادي
وجزت على مصر فغمضت مقلتي ... وَقلت بعنف مغرب الشَّمْس يَا حادي ...
وَكَانَ أَشد مَا لقِيه بِبَغْدَاد انه حرد يَوْم بِحَضْرَة جمَاعَة مِنْهُم وأفرط فِي سوء الْخلق فَقَالَ لَهُ أحدهم يَا هَذَا بئس مَا عوضتنا عَمَّا نَقله ابوك من لبدنا إِلَى الْمغرب حمل عَنَّا علما وادبا وَجِئْنَا بِجَهْل وَسُوء أدب فَقَالَ الْمَشْي يلْزَمنِي إِلَى مَكَّة حافياً رَاجِلا إِن قعدت لكم فِي بلد من يومي

(1/209)


هَذَا وَخرج من حِينه فَقَالَ لَهُ البواب من أَيْن أتيت يَا إِنْسَان فَقَالَ بِشدَّة الغيظ من لعنة الله فَقَالَ اصبر حَتَّى أَسْتَأْذن عَلَيْك وَكتب بذلك للوزير فَقَالَ الْوَزير لَا يُنكر هَذَا الْخلق على مغربي فأطلقوه ينْصَرف إِلَى مَوْضِعه الَّذِي ذكر
وَمن = كتاب نُجُوم السَّمَاء فِي حلى الْعلمَاء
137 - أَبُو الْأَصْبَغ عِيسَى بن عبد الْملك بن قزمان
مَعْدُود فِي عُلَمَاء الحَدِيث وَالْأَدب وَكَانَ الْمَنْصُور بن أبي عَامر قد جعله يُؤَدب هشاماً الْمُؤَيد
وانشد لَهُ حبيب الأندلسي فِي كتاب فصل الرّبيع ... لَا شَيْء أحسن منْظرًا إِن زرته ... أَو مخبرا من حسن روض ناضر
إِن جِئْته أَعْطَاك أجمل منظر ... أَو غبت زارك فِي النسيم الخاطر ...

وَأنْشد لَهُ أَبُو الْحجَّاج البياسي مؤرخ الأندلس ... وَمِمَّا شجاني هَاتِف يبْعَث الأسى ... فهيج من قلبِي وَمن خفقانه
يكَاد الْقَضِيب اللدن يعشق قده ... فيذهله بالميس عَن طيرانه ...

وَبَيت بني قزمان فِي قرطبة بَيت جليل مِنْهُ أَعْلَام ونبهاء وَمِنْهُم أَبُو بكر بن قزمان الزجال

(1/210)


138 - الْحَكِيم الأديب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن الْمذْحِجِي المعروب بِابْن الكتاني
من الجذوة لَهُ مُشَاركَة قَوِيَّة فِي علم الْأَدَب وَالشعر وَله تقدم فِي عُلُوم الطِّبّ والمنطق وَكَلَام فِي الحكم ورسائل فِي ذَلِك كُله وَكتب مَعْرُوفَة وعاش بعد الأربعمائة مُدَّة
وَمن شعره قَوْله ... نأيت عَنْكُم بِلَا صَبر ولاجلد ... وَصحت واكبدي حَتَّى مَضَت كَبِدِي
أضحى الْفِرَاق رَفِيقًا لي يواصلني ... بالبعد والشجو وَالْأَحْزَان والكمد
وبالوجوه الَّتِي تبدو فأنشدها ... وَقد وضعت على قلبِي يدى بيَدي
إِذا رَأَيْت وُجُوه الطير قلت لَهَا ... لَا بَارك الله فِي الْغرْبَان والصرد ...

139 - أَبُو الْأَصْبَغ عِيسَى بن الْحسن
من المسهب من شعراء الدولة العامرية من عشره قَوْله فِي عِيسَى بن سعيد ابْن القطاع ... أَنْت عِيسَى بن سعيد ... لست روح الله عِيسَى
كلم النَّاس فقد كلم ... رب النَّاس مُوسَى ...

(1/211)


وَكَانَ مِمَّن بَاطِن عبد الله بن الْمَنْصُور بن أبي عَامر فَلَمَّا ضرب أَبوهُ عُنُقه سجن أَبَا الْأَصْبَغ وَفِي طول سجنه يَقُول ... لَيْت شعري كَيفَ الْبِلَاد وَكَيف ... الْإِنْس والوحش وَالسَّمَاء وَالْمَاء
طَال عهدي عَن كل ذَاك وليلي ... ونهاري فِي مقلتي سَوَاء
لَيْسَ حظي من البسيطة إِلَّا ... قدر قبر صَبِيحَة أَو مسَاء
وَإِذا مَا جنحت فِيهِ لأنس ... أوحشتني بأنسها الأغبياء ...