المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
- 1- تعريف التاريخ وأهميته وفوائده وفروعه
تعريف التاريخ لغة:
قال السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» [1] : التاريخ لغة الإعلام بالوقت،
يقال:
أرخت الكتاب، وورخته، أي: بينت وقت كتابته.
قال الجوهري: التاريخ تعريف الوقت، والتوريخ مثله، يقال: أرخت وورخت.
وقيل: اشتقاقه من الأرخ- بفتح الهمزة وكسرها- وهو صغار الأنثى من بقر
الوحش، لأنه شيء حدث كما يحدث الولد.
قال أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتاب «الخراج» له: تاريخ كل شيء
آخره، فيؤرخون بالوقت الّذي فيه حوادث مشهورة.
تعريف التاريخ اصطلاحا:
قال السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» : [2] وفي الاصطلاح: التعريف بالوقت
الّذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة، ووفاة، وصحة، وعقل،
وبدن، ورحلة، وحج، وحفظ، وضبط، وتوثيق، وتجريح، وما أشبه هذا، مما
مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم، ويلتحق به ما
يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة، من ظهور ملمة، وتجديد فرض، وخليفة،
ووزير، وغزوة، وملحمة، وحرب، وفتح بلد وانتزاعه من متغلب عليه، وانتقال
دولة، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص
__________
[1] الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، للسخاوي صفحة 14- 17 ط. دار
الكتب العلمية.
[2] الإعلان بالتوبيخ، صفحة 17.
(1/8)
الأنبياء، وغير ذلك من أمور الأمم الماضية،
وأحوال القيامة ومقدماتها مما سيأتي. أو دونها: كبناء جامع، أو مدرسة،
أو قنطرة، أو رصيف، أو نحوها، مما يعم الانتفاع به مما هو شائع ومشاهد،
أو خفي: سماوي: كجراد وكسوف وخسوف، أو أرضي: كزلزلة وحريق وسيل وطوفان
وقحط وطاعون وموتان وغيرها من الآيات العظام والعجائب الجسام.
والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما
كان في العالم.
أهمية التاريخ وفائدته:
قال ابن الجوزي في مقدمة هذا الكتاب [1] : وللسير والتواريخ فوائد
كثيرة أهمها فائدتان:
إحداهما: أَنَّهُ إِن ذكرت سيرة حازم ووصفت عاقبة حاله، أفادت حسن
التدبير واستعمال الحرم، أو سيرة مفرط ووصفت عاقبته أفادت الخوف من
التفريط، فيتأدب المتسلط، ويعتبر المتذكر، ويتضمن ذَلِكَ شحذ صوارم
العقول، ويكون روضة للمتنزه فِي المنقول.
وَالثَّانِيَة: أَن يطلع بِذَلِكَ عَلَى عجائب الأمور وتقلبات الزمن
وتصاريف القدر، وسماع الأخبار.
وقال المسعودي [2] : إنه علم يستمتع به العالم والجاهل، ويستعذب موقعه
الأحمق والعاقل، فكل غريبة منه تعرف، وكل أعجوبة منه تستظرف، ومكارم
الأخلاق ومعاليها منه تقتبس، وآداب سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس،
يجمع لك الأول والآخر، والناقص والوافر، والبادي والحاضر، والموجود
والغابر، وعليه مدار كثير من الأحكام، وبه يتزين في كل محفل ومقام،
وإنه حمله على التصنيف فيه وفي أخبار العالم محبة احتذاء المشاكلة التي
قصدها العلماء وقفاها الحكماء، وأن يبقى في العالم ذكرا محمودا، وعلما
منظوما عتيدا.
__________
[1] انظر مقدمة الكتاب.
[2] انظر مقدمة مروج الذهب 1/ 4 ط القاهرة.
(1/9)
فروع علم التاريخ:
قال السخاوي [1] : وأما التصانيف في التاريخ فكثيرة جدا، لا تدخل تحت
الحصر، بحيث قال الحافظ العلاء مغلطاي الحنفي في كتاب «إصلاح ابن
الصلاح» له فيما قرأته بخطه: رأيت من ملك نحوا من ألف تصنيف فيه.
ثم قال السخاوي: ورأيت بخط المؤرخ العمدة أبي عبد الله الذهبي ما نصه:
فنون التواريخ التي تدخل في تاريخي الكبير المحيط، ولم أنهض له، ولو
عملته لجاء في ستمائة مجلد:
1- سيرة نبينا صلّى الله عليه وسلم.
2- قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
3- تاريخ الصحابة رضي الله عنهم.
4- تاريخ الخلفاء من الصحابة، ومن بني أمية، وبني العباس، ومعهم
المروانية بالأندلس والعبيدية بالمغرب ومصر.
5- تاريخ الملوك والدول والأكاسرة والقياصرة ومعهم ملوك الإسلام: كابن
طولون، والإخشيد، وابن بويه، وابن سلجوق ونحوهم. وملوك خوارزم، والشام،
وملوك التتار، ومن لقّب بالملك.
6- تاريخ الوزراء أولهم: هارون عليه السلام، وأبو بكر وعمر، وطائفة.
وبعضهم دخل في الأنبياء، وفي الخلفاء، وغير ذلك، وفي الملوك.
7- تاريخ الأمراء، والأكابر، ونواب المماليك، وكبار الكتاب. ومنهم من
الموقعين، وبعضهم أدباء وشعراء.
8- تاريخ الفقهاء وأصحاب المذاهب، وأئمة الأزمنة، والفرضيين.
9- تاريخ القراء بالسبع.
10- تاريخ الحفاظ.
11- تاريخ مشيخة المحدثين وأئمتهم.
12- تاريخ المؤرخين.
__________
[1] الإعلان بالتوبيخ، للسخاوي ص 150- 154.
(1/10)
13- تاريخ النحاة، والأدباء، واللغويين،
والشعراء، والبلغاء، والعروضيين، والحسّاب.
14- تاريخ العباد، والزهاد، والأولياء، والصوفية، والنساك.
15- تاريخ القضاة، والولاة ومعهم تاريخ الشهود، والأمناء.
16- تاريخ المعلمين، والوراقين، والقصاص، والطرقية، والغرباء.
17- تاريخ الوعاظ، والخطباء، وقراء الأنغام، والندماء، والمطربين.
18- تاريخ الأشراف، والأجواد، والعقلاء، والأذكياء، والحكماء.
19- تاريخ الأطباء، والفلاسفة، والزنادقة، والمهندسين، ونحو ذلك.
20- تاريخ المتكلمين، والجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والكرامية،
والمجسمة.
21- تاريخ أنواع الشيعة، من الغلاة، والرافضة، وغير ذلك.
22- تاريخ فنون الخوارج، والنواصب، وأنواع المبتدعة وأهل الأهواء.
23- تاريخ أهل السنة من علماء الأمة، وصوفيتها، وفقهائها، ومحدثيها.
24- تاريخ البخلاء، والطفيلية، والثقلاء، والأكلة، وذوي الحمق
والخيلاء، والسفهاء.
25- تاريخ الأضراء، والزمنى، والصم، والخرس، والحدبان.
26- تاريخ المنجمين، والسحرة، والكيميائيين، والمطالبين والمشعوذين.
27- تاريخ النسابين، والأخباريين، والأعراب.
28- تاريخ الشجعان، والفرسان، والشطار، والسعاة.
29- تاريخ التجار، وعجائب الأسفار، والبحار، وغرباء البحرية،
والمجردين.
30- تاريخ أولي الصنائع العجيبة، والرشقين في أشغالهم، واقتراحاتهم،
وتوليدهم فنون الأعمال.
31- تاريخ الرهبان، وأولي الصوامع، والخلوات والأحوال الفاسدة.
(1/11)
32- تاريخ الأئمة، والمؤذنين، والموقتين،
والمعبرين، والعامة.
33- تاريخ قطاع الطريق، والغداوية، ولعّاب الشطرنج والنرد والقمار.
34- تاريخ الملاح، والعشاق، والمتيمين، والرقاصين، وشربة الخمور،
والعرر، وأهل الخلاعة، والقيادة، والكذب، والأبنة.
35- تاريخ أولي الدهاء والحزم والتدبير والرأي والخداع والحيل.
36- تاريخ المنديين، والمخايلين، والصانعين، والفرشيين، والمخنثين،
وأهل المجون، والمزاح، والتجر، والتلار، والكذب.
37- تاريخ عقلاء المجانين، والموسوسين، والمتمرين، والمدمغين،
والمطعومين.
38- تاريخ السائلة، والشحاذين، والمتمنين، والحرافشة والجمرية.
39- تاريخ قتلى القرآن والحب والسماع والفرع والحال.
40- تاريخ الكهان، وأولي الخوارق والكشف الّذي كأنه كرامات، من الفسقة
وغيرهم
.
(1/12)
|