المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

أبواب ذكر المخلوقات
ذكر خلق الأَرْض [1]
لما روينا أَن اللَّه تَعَالَى خلق الأَرْض قبل السماء ابتدأنا بذكر مَا رَوَى أَبُو الضحى، عن ابن عَبَّاس، قَالَ: خلق اللَّه النون فَوْقَ الماء ثُمَّ كبس الأَرْض عَلَيْهِ [2] .
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو ظَبْيَانَ: دَحَا الأَرْضَ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ فَمَادَتِ الأَرْضُ فَأُثْبِتَتِ بِالْجِبَالِ فَإِنَّهَا لَتَفْتَخِرُ عَلَى الأَرْضِ [3] :
وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَسَمَّى عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءٌ، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءُ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فَخَلَقَ الأَرْضَ عَلَى حُوتٍ- وَهُوَ النُّونُ- وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكِ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ [4] .
وَرُوِّينَا أَنَّ الْكَعْبَةَ خُلِقَتْ قَبْلَ الأَرْضِ. رَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُضِعَ الْبَيْتُ عَلَى الْمَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلِقَ اللَّهُ الدُّنْيَا بِأَلْفَي عَامٍ، ثُمَّ دُحِيَتِ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْبَيْتِ [5] .
وَرَوَى عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخْلِقَ الْخَلْقَ خَلَقَ الرِّيحِ فَأَرْسَلَهَا فَنَسَجَتِ الْمَاءَ حَتَّى حَوَتْ عَلَى خَشَفَةٍ وَهِيَ الَّتِي تحت الكعبة، ثم مد الله
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 47، وما بعدها، وكنز الدرر 71، ومرآة الزمان 1/ 57، وعرائس المجالس للثعلبي 4.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 52.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 51.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 52، ومرآة الزمان 1/ 57.
[5] الخبر في الطبري 1/ 49، ومرآة الزمان 1/ 60.

(1/128)


الأَرْضَ مِنْهَا حَتَّى بَلَغَتْ حَيْثُ شَاءَ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَي سَنَةٍ، وَمِنْهُ دُحِيَتِ الأَرْضُ [1] .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ خَشَفَةٌ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَي سَنَةٍ، وَعَلَيْهَا مَلَكَانِ يُسَبِّحَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ- وَالْخَشَفَةُ الأَكَمَةُ الْحَمْرَاءُ [2] .
قَالَ خَالِدُ بْنُ مِضْرَسٍ، وَهُوَ أخو حارثة: الأرض [مسيرة] [3] خمسمائة سنة، فثلاثمائة مِنْهَا عَمْرَانُ، وَمِائَتَانِ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ.
وَقَالَ حسان بْن عطية: سعة الأَرْض مائة سَنَة، والبحار مائة سَنَة، ومائة سَنَة عمران [4] .
وَقَالَ غيره: ثلث الأَرْض عمران، وثلثها خراب، وثلثها بحار.
وَقَالَ وهب بْن منبه: مَا العمارة فِي الخراب، إلا فسطاط فِي صحراء [5] .
وَقَالَ قَتَادَة: عمران الأَرْض المقسم أربعة وعشرون ألف فرسخ فِي مثلها، فالسند والهند من ذَلِكَ اثنا عشر ألف فرسخ فِي مثلها، وَهُمْ ولد حام بْن نوح، والصين من ذَلِكَ ثمانية آلاف فرسخ فِي مثلها، وَهُمْ ولد يافث، والروم من ذَلِكَ ثلاثة آلاف فرسخ فِي مثلها، والعرب ألف فرسخ فِي مثلها، وَهُمْ والروم جميعا من ولد سام بْن نوح.
والخراب أَكْثَر.
وَرَوَى قَتَادَة عَن أَبِي الجلد، قَالَ: الدنيا أربعة وعشرون ألف فرسخ، اثنا عشر منها للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة لأهل فارس، وألف للعرب [6] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 49.
[2] في المرآة 1/ 60: قال الجوهري: الخشفة: الحس والحركة، ومعناه على هذا أنها كانت تضطرب وتتحرك على الماء.
[3] ما بين المعقوفتين: أضيفت من المرآة: 1/ 61.
[4] الخبر في المرآة 1/ 61 هكذا: إن طولها وعرضها مسيرة ثلاثمائة سنة، العمران منها مائة سنة، والخراب مائة سنة، والبحار مائة سنة.
[5] مرآة الزمان 1/ 61.
[6] الخبر في مرآة الزمان 1/ 60.

(1/129)


وَقَالَ غيره: أرض الحبشة مسيرة سبعة فراسخ، والفرسخ عشرة ألف ذراع.
وَقَالَ معتب بْن سمي: الأَرْض ثلاثة أثلاث، فثلث لِلنَّاسِ والشجر والدواب، وثلث هواء، وثلث بحار [1] .
قَالَ أَبُو الوفاء بْن عقيل: [2] ونقلت من كتاب الهندسة: ذكر علماء الهندسة أَن الأَرْض عَلَى هيئة الكرة عَلَى تدوير الفلك، موضعه فِي جوف الفلك كالمحة، فِي جوف البيضة، وإن النسيم يحيط بها كالبياض من البيضة حول المحة، وان الفلك يحيط بالنسيم كاحاطة القشرة البيضاء بالبياض المحيط بالمحة، وَالأَرْض مقسومة نصفين بينهما خط الاستواء، وَهُوَ من المشرق إِلَى المغرب، وَهُوَ طول الأَرْض، وَهُوَ أكبر خط فِي كرة الأَرْض كَمَا أَن منطقة البروج أكبر خط فِي الفلك، وعرض الأَرْض من القطب الجنوبي [3] الَّذِي تدور حوله بنات نعش. واستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا، والفرسخ اثنا [4] عشر ألف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا، والإصبع ست حبات من شعير مضمومة، فتكون جميع ذَلِكَ تسعة آلاف فرسخ، وبين خط الاستواء وبين كُل واحد من القطبين تسعون درجة، واستدارتها عرضا مثل ذَلِكَ، إلا أَن العمارة بَعْد خط الاستواء أربع وعشرون درجة، ثُمَّ الباقي قَدْ غمره البحر الكبير، فنحن عَلَى الربع الشمالي من الأَرْض. والربع الجنوبي خراب لشدة الحر والنصف الَّذِي تحتنا لا ساكن فِيهِ، وكل ربع من الشمالي والجنوبي سبعة أقاليم، والإقليم هُوَ البلدان الَّتِي يتفق عرضها فِي مسير الشمس وارتفاع درجها.
وَقَالَ بَعْضهم فِي تقدير مَا غمر من الأَرْض بالبحار: أَن موضع البر منها كسواد القمر من القمر، ومعمورها كسرا منه.
وذكر بَعْض الْعُلَمَاء أَن غاية مَا يمكن ارتفاع البنيان فِي الجو مقدار ميلين، فَإِنَّهُ مبلغ أعالي الجبال عَلَى استقامتها بغير تقريح ولا تدريج.
__________
[1] الخبر في المرآة 1/ 61.
[2] قارن بابن خرداذبه 4، والادريسي 1/ 7، وابن الفقيه 4، ومعجم البلدان 1/ 14.
[3] من المرآة 61: «من القطب الشمالي»
[4] ما بين المعقوفتين: من المرآة.

(1/130)