المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

بَاب ذكر موسى عَلَيْهِ السَّلام [1]
كَانَ بَيْنَ موسى وإبراهيم ألف سَنَة، وبين إِبْرَاهِيم ونوح ألف سَنَة، وبين نوح وآدم ألف سَنَة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، أَخْبَرَنَا قُبَيْصَة بْن عقبة، أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْن سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عكرمة، قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَم ونوح عشرة قرون كلهم عَلَى الإِسْلام.
قَالَ ابْن سَعْد: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر، عن غير واحد من أهل العلم، قَالُوا: كَانَ بَيْنَ آدَم ونوح عشرة قرون، القرن مائة سَنَة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سَنَة، وبين إِبْرَاهِيم وموسى عشرة قرون، والقرن مائة سَنَة.
وَهُوَ موسى بْن عمران بْن قاهث بْن لاوي بْن يعقوب كَذَلِكَ قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: موسى بْن عمران بْن يصهر بْن قاهث بْن لاوي.
ورأيته بخط أَبِي الْحُسَيْن بْن المنادي: «ناهب» بالنون والباء.
واسم أم موسى يوخابذ [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 1 م 385، وتفسير الطبري، الآية 51 من سورة البقرة، وعرائس المجالس 43- 187، والبداية والنهاية 1/ 237، والكسائي 194، وابن وثيمة 33، ونهاية الأرب 13/ 173، وزاد المسير 3/ 237- 269، 5/ 271- 320، 6/ 201، 230.
[2] في تاريخ الطبري 1/ 385: «يوخابد» ، وفي بعض نسخه: «يوخايذ» وفي أخرى: «بوخايد» .

(1/331)


وَكَانَ الكهان قَدْ قَالُوا لفرعون- واسمه الْوَلِيد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن الهلواش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق. وكان فرعون يوسف لا يؤذي بَنِي إسرائيل بَل يحسن إليهم، فلما مَات ولي بعده فرعون من فراعنتهم فلم يؤذي بَنِي إسرائيل، ثُمَّ ملك فرعون موسى، وَهُوَ الرابع من الفراعنة، وَكَانَ أخبثهم، وعاش ثلاثمائة سَنَة، واستعبد بَنِي إسرائيل وعذبهم، [وصنفهم فِي أعماله] [1] ، فصنف يبنون لَهُ، وقوم يحرثون لَهُ، ومن لا عمل لَهُ فَعَلَيْهِ الجزية.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَلَمَ/ إجازة، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد الخالق، حدثنا أبو بَكْر المروزي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ المروزي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد، حَدَّثَنَا مَعْمَر بْن بِشْر، قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، يَقُول:
كَانَ فرعون عطارا، وَكَانَ من أَهْل أصبهان فأفلس وركبه دين فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعه أرض وتضعه أُخْرَى حَتَّى دَخَلَ مصر، ورأى عِنْدَ بَاب المدينة وقر بطيخ بدرهم، وَفِي المدينة بطيخة بدرهم.
قَالَ فرعون: قَدْ صرت إِلَى موضع أقضي ديني وأستغني فأشتري وقرا بدرهم.
ومضى ليدخله المدينة فتناول كُل إِنْسَان بطيخة حَتَّى بقي مَعَهُ واحدة وباعها بدرهم، فضجر، فَقَالُوا لَهُ: هكذا سنتنا، فَقَالَ: أما ها هنا أحد [2] يعدل [3] أَوْ نصير؟ فَقَالُوا: لا ها هنا ملك، قَدْ خلا بلذاته، وسلط وزيره عَلَى النَّاس لَيْسَ ينظر فِي شَيْء، فبسط لبدا عَلَى المقابر، فجعل يأخذ من كُل جنازة أربعة دراهم، فصبر بِذَلِكَ مَا شاء اللَّه [4] حَتَّى ماتت بنت الْمَلِك، فمروا بها عَلَيْهِ، فَقَالَ: هاتوا أربعة دراهم، فَقَالُوا: هذه بنت الْمَلِك، فَقَالَ: هاتوا ثمانية، فما زال وزالوا يتنازعون حَتَّى أضعف عَلَيْهِم مرات، فلما رجعوا قَالُوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كَذَا وكذا، قال: ومن عامل الموتى، فوصفوا له.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 387.
[2] في المختصر: «أليس هاهنا أحد» .
[3] في الأصل: «بعدي» ، وفي المرآة 1/ 392: «ينظر» . وما أوردناه من المختصر.
[4] في المختصر: «ومضى على ذلك ما شاء الله» .

(1/332)


فبعث إِلَى وزيره، فدعاه فَقَالَ: أَنْتَ استعملت هَذَا؟ قَالَ: لا، فدعاه، فَقَالَ: من استعملك، فقص عَلَيْهِ القصة، وأخبره بأمر البطيخ وأنهم قَالُوا لَهُ إنه لَيْسَ ها هنا أحد يعدل، فلما رأيت ذلك صنعت مَا ترى لينتهي إليك، فتغير وتنتبه لملكك [1] . قَالَ:
فمذ كم أَنْتَ عَلَى حالك [2] ، فَقَالَ: سنين كثيرة حَتَّى صرت إِلَى الأَمْوَال الكثيرة [3] ، فأمر بوزيره فضربت عنقه، واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فِيهَا طعم العيش لما كَانُوا فِيهِ قبل. يقضي [بالحق ولو عَلَى نَفْسه.
ثُمَّ] إِن الْمَلِك مَات، فَقَالُوا: من نستخلف؟ فاجتمع رأيهم فَقَالُوا: لا نستعمل غَيْر هَذَا الَّذِي أذاقنا طعم العيش، فملكوه عَلَى أنفسهم، فلم يزل عَلَيْهِم يموت قرن ويخلفهم آخرون، وتراخى به السن وطال ملكه حَتَّى ادعى مَا علمتم.
قَالَ علماء السير: قَالَتِ الكهنة لفرعون: يولد مولود فِي بَنِي إسرائيل يَكُون هلاكك عَلَى يده، فأمر بذبح أبنائهم، ثُمَّ اشتكت القبط إِلَى فرعون وَقَالَتْ: إِن دمت عَلَى الذبح فلم يبق من بَنِي إسرائيل من يخدمنا، فصار يذبح سَنَة ويترك سَنَة.
فولد هَارُون فِي السنة الَّتِي لا يذبح فِيهَا، وولد موسى بعده بسنة.
وَقَالَ قوم: بينهما ثَلاث سنين.
قال وهب: بلغني أَنَّهُ ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى بموسى لَمْ يتبين حملها وَلَمْ تعلم بولادتها إلا أخته مريم، فكتمته ثلاثة أشهر.
فلما ولد موسى دَخَلَ الطلب إِلَيْهَا فرمته فِي التنور فسلم، ثُمَّ خافت عَلَيْهِ، فصنعت لَهُ تابوتا وألقته فِي البحر فحمله الماء إِلَى أَن ألقاه بَيْنَ يدي فرعون.
فلما فتح التابوت فنظر إِلَيْهِ، قَالَ: عبراني من الأعداء، كَيْفَ أخطأه الذبح؟
فَقَالَتْ آسية: هَذَا أكبر من ابْن سَنَة، وإنما أمرت بذبح أولاد هذه السنة فدعه يَكُون قرة عين لي ولك.
__________
[1] في المختصر: «ليس هاهنا أحد يعدل وينصف المظلوم من المظالم، فلما رأيت أن الأمر على هذا المنوال فعلت ذلك لعله ينتهي إليك لتعلم أحوال ملكك، فتغير وتنبه لأمره» .
[2] في المختصر: «فمذ كم أنت تفعل هكذا» .
[3] في الأصل: «فذكر سنين حتى صار إلى الأموال واتسع» . وما أوردناه من المختصر.

(1/333)


وَكَانَ فرعون لا يولد لَهُ إلا البنات، فتركه وأحبه.
ولما رمته أمه فِي اليم بكت وجزعت، فربط اللَّه عَلَى قلبها فسكنت وكانت تتوكف الأخبار، حتى سمعت أَن فرعون أخذ صبيا فِي تابوت فعرفت القصة، فَقَالَتْ لأخته- واسمها مريم، وَكَانَ لَهُ أختان: مريم وكلثوم: قصيه فانظري ماذا يفعلون بِهِ.
فدخلت أخته عَلَى آسية مَعَ النِّسَاء، وَقَدْ عرضت عَلَيْهِ المرضعات، فلم يقبل ثديا، فقالت أخته: هل أدلكم عَلَى أَهْل بَيْت يكفلونه لكم؟ قَالُوا: نعم، من هُمْ؟
قَالَتْ: حنة امرأة عمران، فبعثوا إليها، فأخذ ثديها فشرب ونام.
فلما انتهى رضاعه ردته إِلَى فرعون، فاتخذه يوما فِي حجره فمد بلحيته، فَقَالَ:
عَلِي بالذابح، فَقَالَتْ آسية: إِنَّمَا هُوَ صبي لا يعقل. وأخرجت لَهُ ياقوتا وجمرا فوضع يده عَلَى جمرة فطرحها فِي فِيهِ فأحرقت لسانه، فذلك قَوْله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً من لِسانِي 20: 27 [1] .
وكبر موسى فكان يركب مراكب فرعون، ويلبس مثل مَا يلبس، وَكَانَ يدعى موسى بْن فرعون.
وإن فرعون ركب يوما وليس عنده موسى، فلما جاء موسى ركب فِي أثره، فوجد فِي المدينة رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ 28: 15 أي: من بَنِي إسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ 28: 15 [2] يَعْنِي القبط. فاستغاثه الإسرائيلي عَلَى القبطي، فوكزه موسى فمات.
فندم موسى عَلَى قتله، وأصبح خائفا أَن يؤخذ [بِهِ] [3] .
فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) 28: 18 [4] . أي: يستغيثه عَلَى آخر. وَكَانَ القبط قَدْ أخبروا فرعون بالقتل، فَقَالَ: إِن عرفتم قاتله فأخبروني، فلم يعرفوه، فلما أراد موسى أَن ينصر الإسرائيلي فِي هَذَا اليوم الثَّانِي ظن الإسرائيلي أَنَّهُ يقصده بالأذى، فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ 28: 19 [5] .
__________
[1] سورة: طه، الآية: 27.
[2] سورة: القصص، الآية: 15.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] سورة: القصص، الآية: 18.
[5] سورة: القصص، الآية: 19.

(1/334)


فعلم النَّاس أَنَّهُ هُوَ القاتل، فطلبوه فخرج خائفا فهداه اللَّه إِلَى مدين.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: خرج إِلَى مدين وبينه وبينها مسيرة ثمان، وَلَمْ يكن لَهُ طعام إلا ورق الشَّجَر فخرج حافيا [1] .
قَالَ السدي [2] : وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ 28: 23 أي: تحبسان غنمهما، فسألهما: مَا خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ 28: 23 [3] . فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة عَلَى البئر، كَانَ يجتمع عَلَيْهَا نفر حَتَّى يرفعوها، فسقى لهما ورجعتا، وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض، ثُمَّ تولى موسى إِلَى ظل شجرة، فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ من خَيْرٍ فَقِيرٌ 28: 24 [4] .
قَالَ ابْن عَبَّاس: ورد ماء مدين وَإِنَّهُ ليتراءى خضرة البقل فِي بطنه [من الهزال] [5] .
قَالَ السدي [6] : فلما رجعت الجاريتان إِلَى أبيهما سريعا سألهما، فأخبرتاه خبر موسى، فأرسل إلَيْهِ إحداهما فأتته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ 28: 25 [7] .
فقام معها فمشت بَيْنَ يديه، [فضربتها الرياح فنظر إِلَى عجيزتها] [8] ، فَقَالَ:
امشي خلفي ودليني الطريق.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَّافُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن عمر بن بِشْرَانُ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّهْقَانُ، حَدَّثَنَا عباس
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 397.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 396، 397.
[3] سورة: القصص، الآية: 23.
[4] سورة: القصص، الآية: 24.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
والخبر في تاريخ الطبري 1/ 397، 398.
[6] تاريخ الطبري 1/ 398.
[7] سورة: القصص، الآية: 25.
[8] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 398.

(1/335)


الدُّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَعَادُوا الصَّخْرَةَ عَلَى الْبِئْرِ، فَلا يُطِيقُ رَفْعَهَا إِلا عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ، قَالَ: مَا خَطْبُكُمَا؟ فَحَدَّثَتَاهُ، فَأَتَى الْحَجَرَ فَرَفَعَهُ، ثُمَّ لَمْ تُسْقَ إِلا ذَنُوبًا وَاحِدًا حَتَّى رُوِيَتِ الْغَنَمُ، وَرَجَعَتِ الْمَرْأَتَانِ إِلَى أَبِيهِمَا، فَحَدَّثَتَاهُ، وَتَوَلَّى مُوسَى الظِّلَّ، فَقَالَ:
رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ من خَيْرٍ فَقِيرٌ 28: 24 [1] .
فجاءته إحداهما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ 28: 25 وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى ثَغْرِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا 28: 25 [2] فَقَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي وَدُلِّينِي الطَّرِيقَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرِّيحُ ثِيَابَكِ فَيَصِفَ لِي جَسَدَكِ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَبِيهَا: وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ 28: 25 [3] . قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ من اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ 28: 26 [4] : قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، مَا عِلْمُكِ بِأَمَانَتِهِ وَقُوَّتِهِ؟ قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطبقه إِلا عَشَرَةٌ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ، فَقَالَ لِي: امْشِي خَلْفِي وَصِفِي الطَّرِيقَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرِّيحُ ثَوْبَكِ فَيَصِفَ لِي جَسَدَكِ.
قَالَ السدي: لما سمع شُعَيْب قولها قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ 28: 27 [5] .
فزوج الَّتِي دعته، وقضى أيما الأجلين.
فأما اسم المرأة الَّتِي تزوجها فَهُوَ صفورا، والأخرى ليا.
وَقَدْ روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن الّذي استأجره صاحب مدين، واسمه يثربي [6] .
__________
[1] سورة: القصص، الآية: 24.
[2] سورة: القصص، الآية: 25.
[3] سورة: القصص، الآية: 25.
[4] سورة: القصص، الآية: 26.
[5] سورة: القصص، الآية: 27.
[6] تاريخ الطبري 1/ 400.

(1/336)


وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: وَهُوَ ابْن أَخِي شُعَيْب.
ذكر مَا جرى لَهُ بَعْد انفصاله عَنْ مدين شُعَيْب
قَالَ السدي [1] : فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ 28: 29 ضل الطريق فرأى نارا- وَكَانَ شتاء- ف قال لِأَهْلِهِ امْكُثُوا 28: 29 [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا الحسن بن عَلِي التميمي/ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم بْن معقل بْن منبه، حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن معقل، قَالَ: سمعت وهب بْن منبه قَالَ [3] :
لما رأى موسى النار انطلق يسير حَتَّى وقف منها قريبا، فَإِذَا هُوَ بنار عظيمة تفور من فروع شجرة خضراء شديدة الخضرة، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظما وتضرما، ولا تزداد الشجرة عَلَى شدة الحريق إلا خضرة وحسنا.
فوقف ينظر لا يدري عَلَى مَا يضع أمرها، إلا أَنَّهُ قَدْ ظن أَنَّهَا شجرة تحترق أوقد إِلَيْهَا موقد نالها فاحترقت، وَإِنَّهُ إِنَّمَا تمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جزعها. فوضع أمرها عَلَى هَذَا، فوقف يطمع أَن يسقط منها شَيْء فيقتبسه.
فلما طال عَلَيْهِ ذَلِكَ أهوى إِلَيْهَا بضغث فِي يده وَهُوَ يريد أَن يقتبس من لهبها. فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنما تريده، فأستأخر عَنْهَا وهاب، ثُمَّ عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع فِيهَا. وَلَمْ تكن بأوشك من خمودها، فاشتد عِنْدَ ذَلِكَ عجبه وفكر فِي أمرها، وَقَالَ: هِيَ نار ممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تضرم فِي جوف شجرة ولا تحرقها، ثُمَّ خمودها عَلَى قدر عظمها فِي أوشك من طرفة عين، فلما رأى ذَلِكَ موسى، قَالَ: إِن لهذه النار لشأنا. ثُمَّ وضع أمرها عَلَى أَنَّهَا مأمورة أَوْ مصنوعة لا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 400.
[2] سورة: القصص، الآية: 29.
[3] الخبر في كتاب الزهد لأحمد 61، ومرآة الزمان 1/ 399.

(1/337)


يدري من أمرها ولا بِمَا أمرت ولا من صنعها ولا لَمْ صنعت، فوقف متحيرا لا يدري أيرجع أم يقيم.
فبينا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إذ رمى بطرفه نَحْو فرعها فَإِذَا هُوَ أشد مَا كَانَ خضرة، وإذا الخضرة ساطعة فِي السماء، ثُمَّ لَمْ تزل الخضرة تنور وتصفر وتبياض حَتَّى صارت نورا ساطعا عمودا مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض عَلَيْهِ مثل شعاع الشمس تكل دُونَه الأبصار، كلما نظر إِلَيْهِ كاد يخطف بصره.
فعند ذَلِكَ اشتد خوفه وحزنه، فرد يده عَلَى عينيه ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس إلا أَنَّهُ يسمع حينئذ شَيْئًا لَمْ يسمع السامعون مثله. عظما الحنين.
فلما بلغ موسى الكرب واشتد عَلَيْهِ الهول وكاد أَن يخالط فِي عقله من شدة الخوف لما يسمع ويرى نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى، فأجاب سريعا وَمَا يدري من دعا، وَمَا كَانَ سرعة إجابته إلا استئناسا بالإنس، فَقَالَ: لبيك مرارا، أسمع صوتك وأحس رحبك ولا أرى مكانك، فأين أَنْتَ؟ قَالَ: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك.
فلما سمع هَذَا موسى علم أَنَّهُ لا ينبغي ذَلِكَ إلا لربه تعالى، وأيقن به، فقال:
كذلك أنت يا إلهي، أكلامك أسمع أم لرسولك؟ قَالَ: أنا الَّذِي أكلمك فادن مني، فجمع موسى يديه فِي العصا ثُمَّ تحامل حَتَّى استقل قائما فرعدت فرائصه حَتَّى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه وَلَمْ يبق منه عظم يحمل آخر، فَهُوَ بمنزلة الميت إلا أَن روح الحياة تجري فِيهِ، ثُمَّ زحف عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مرعوب حَتَّى وقف قريبا من الشجرة الَّتِي نودي منها، فَقَالَ لَهُ الرب تبارك وتعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى قال هِيَ عَصايَ 20: 17- 18 قَالَ: وَمَا تصنع بها ولا أحد أعلم بذلك منه، قال موسى: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى 20: 18. وكان لموسى عليه السلام في العصي مآرب. وكانت لَهَا شعبتان ومحجن تَحْتَ الشعبتين.
قَالَ لَهُ الرب تبارك وتعالى: أَلْقِها يَا مُوسى 20: 19 [1] . فظن موسى أَنَّهُ يَقُول لَهُ ارفضها فألقاها عَلَى وجه [الأَرْض لا عَلَى وجه] [2] الرفض، ثم حانت منه نظرة فإذا هي
__________
[1] سورة: طه، الآية: 17 وما بعدها.
[2] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 401.

(1/338)


بأعظم ثعبان نظر إِلَيْهِ الناظرون يدب ليمس كأنه يبتغي شَيْئًا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيقبلها، ويطعن بالناب فِي أصل الشجرة العظيمة فيجتثها، عيناه توقدان نارا، وَقَدْ عاد المحجن عرفا فِيهِ شعر مثل النيازك، وعادت الشعبتان فَمَا مثل القليب الواسع، وفيه أضراس وأنياب لَهَا صريف.
فلما عاين ذَلِكَ موسى عَلَيْهِ السَّلام ولى مدبرا، فَذَهَبَ حَتَّى أمعن [فِي البرية] [1] ، ورأى أَنَّهُ قَدْ أعجز الحية، ثُمَّ ذكر ربه عَزَّ وَجَلَّ فوقف استحياء منه.
ثُمَّ نودي: يا موسى، ارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف، قال:
خُذْها 20: 21 بيمينك وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى 20: 21 [2] وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف، فدخلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها ثنى طرف المدرعة عَلَى يده، فَقَالَ لَهُ ملك: أرأيت يا موسى لو أذن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لما تحاذر، أكانت المدرعة تغني عنك شَيْئًا؟ قَالَ: لا ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت، فكشف عن يده ثم وضعها في فِي الحية حَتَّى سمع حس [الأضراس] [3] والأنياب، ثُمَّ قبض فَإِذَا هِيَ عصاه الَّتِي عهدها، فَإِذَا يده فِي الموضع الَّذِي كَانَ يضعها فِيهِ إِذَا توكأ بَيْنَ الشعبتين.
فَقَالَ لَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: ادن، فلم يزل يدنيه حَتَّى أَسْنَدَ ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة، وجمع يديه فِي العصا وخضع برأسه وعنقه، ثُمَّ قَالَ: إني قَدْ أتيتك اليوم مقاما لا ينبغي لبشر بعدك أَن يقوم مقامك أدنيتك وقربتك حَتَّى سمعت كلامي، وكنت بأقرب الأمكنة مني، فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي، فَإِن معك يدي وبصري، وإني قَدْ ألبستك جبة من سلطاني تستكمل بها القوة فِي أمري، فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إِلَى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرته الدنيا عني، حَتَّى جحد حقي وأنكر ربوبيتي، وَعَبْد [غيري] [4] ، وزعم أَنَّهُ لا يعرفني، وإني أقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار يغضب لغضبه السموات وَالأَرْض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[2] سورة: طه، الآية: 21.
[3] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 401.
[4] ما بين المعقوفتين: من المرآة 1/ 403.

(1/339)


وإن أمرت الأَرْض ابتلعته، وإن أمرت [الجبال] [1] دمرته، وإن أمرت البحار غرقته، ولكنه هان عَلِي وسقط من عيني، ووسعه حلمي، واستغنيت بِمَا عندي، وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري.
فبلغه رسالاتي [2] ، وادعه إِلَى عبادتي وتوحيدي، وإخلاص اسمي، وذكره بآياتي وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أني إِلَى العفو والمغفرة أسرع مني إِلَى الغضب والعقوبة، ولا يرعبك مَا أُلْبِسَهُ من لباس الدنيا، فَإِن ناصيته بيدي لَيْسَ يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني.
قل لَهُ: أجب ربك عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ واسع المغفرة، فَإِنَّهُ قَدْ أمهلك أربعمائة سَنَة وَفِي كلها أَنْتَ مبارز لمحاربته، تشبه وتمثل وتصد عباده عَنْ سبله، وَهُوَ يمطر عليك السماء، وينبت لَكَ الأَرْض، لَمْ تسقم وَلَمْ تهرم وَلَمْ تفتقر [3] وَلَمْ تغلب. ولو شاء أَن يعجل ذَلِكَ لَكَ أَوْ يسلبكه فعل، ولكنه ذو أناة، وحلم عظيم.
وجاهده بنفسك وأخيك، وأنتما محتسبان بجهاده، فإني لو شئت أَن آتيه بجنود لا قبل لَهُ بها لفعلت، ولكن ليعلم هَذَا العبد الضعيف الَّذِي قَدْ أعجبته نَفْسه وجموعه أَن الفئة القليلة- ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني.
ولا تعجبنكما زينته، ولا مَا يتمتع بِهِ، ولا تمدا إِلَى ذَلِكَ أعينكما، فإنها زهرة الحياة الدُّنْيَا، وزينة المترفين، وإني لو شئت أَن أزينكما من الدنيا بزينة يعلم فرعون حِينَ ينظر إِلَيْهَا أَن مقدرته تعجز عَنْ مثل مَا أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عَنْ ذَلِكَ وأزويه عنكما، وَكَذَلِكَ أفعل بأوليائي قديما فأخرت لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فإني لأذودهم عَنْ نعيمها ورخائها كَمَا يذود الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كَمَا يجنب الراعي الشفيق عَنْ مبارك الغرة.
وَمَا ذاك لهوانهم عَلِي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لَمْ تكلمه الدُّنْيَا وَلَمْ يطع الهوى.
واعلم أَنَّهُ لَمْ يتزين الْعِبَاد بزينة هِيَ أبلغ من الزهد فِي الدنيا، فإنها زينة المتقين، عَلَيْهِم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من مرآة الزمان 1/ 403.
[2] في مرآة الزمان 1/ 403 «فبلغه رسالتي» .
[3] في المرآة 1/ 404: «ولم تقشعر» .

(1/340)


منها لباس يعرفون بِهِ من السكينة والخشوع، سِيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ من أَثَرِ السُّجُودِ 48: 29 [1] .
أولئك أوليائي حقا حقا، فَإِذَا لقيتهم فاخفض لَهُمْ جناحك وذلل لَهُمْ قلبك ولسانك.
واعلم أَنَّهُ من أهان لي وليا إِذَا خافه فَقَدْ بارزني بالمحاربة وَمَا رآني، وعرض نَفْسه [للهلكة] [2] ودعاني إِلَيْهَا، وأنا أسرع شَيْء إِلَى نصرة أوليائي، أفيظن الَّذِي يحاربني أَن يقوم لي؟ أَوْ يظن الَّذِي يعاديني أَن يعجزني؟ أم يظن الَّذِي بارزني أَن يسبقني أَوْ يفوتني؟ فكيف وأنا الثائر لَهُمْ فِي الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إِلَى غيري.
قَالَ [3] : فأقبل موسى صلى الله عليه وسلم إِلَى فرعون فِي مدينته، قَدْ جعل حولها الأسد فِي غيضة قَدْ غرسها، فالأسد فِيهَا مَعَ ساستها، إِذَا آسدتها عَلَى أحد أكل. وللمدينة أربعة أبواب فِي الغيضة، فأقبل موسى عَلَيْهِ السَّلام من الطريق الأعظم الَّذِي يراه منه فرعون، فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذَلِكَ الساسة وفرقوا من فرعون.
وأقبل موسى حَتَّى انتهى إِلَى الباب إِلَى قبة فرعون فقرعه بعصاه، وعليه جبة صوف وسراويل صوف، فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه وَلَمْ يأذن لَهُ، وَقَالَ: هل تدري من تضرب؟ إِنَّمَا تضرب بَاب سيدك، قَالَ: أَنْتَ وأنا وفرعون عبيد لربي عَزَّ وَجَلَّ فأنا آمره، فأخبر البواب الَّذِي يليه والبوابين حَتَّى بلغ ذَلِكَ أدناهم ودُونَهم سبعون حاجبا كُل حاجب مِنْهُم تَحْتَ يده من الجنود مَا شاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كأعظم أمِير اليوم إمارة، حَتَّى خلص الْخَبَر إِلَى فرعون، فَقَالَ: أدخلوه عَلِي [فأدخلوه] [4] ، فلما أتاه قَالَ لَهُ فرعون: أأعرفك، قَالَ: نعم، قَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً 26: 18 [5] . فرد موسى عَلَيْهِ الَّذِي ذكره اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ فرعون: خذوه، فبادرهم موسى فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ 26: 32 [6] فحملت عَلَى النَّاس فانهزموا منها فمات مِنْهُم خمسة وعشرون ألفا، قتل بَعْضهم بَعْضًا.
وقام فرعون منهزما حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت، فَقَالَ لموسى: اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر
__________
[1] سورة: الفتح، الآية: 29.
[2] ما بين المعقوفتين: من المرآة 15/ 404.
[3] الزهد لأحمد 65- 66، وعرائس المجالس 181.
[4] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[5] سورة: الشعراء، الآية: 18.
[6] سورة: الشعراء، الآية: 32.

(1/341)


فِيهِ، فَقَالَ لَهُ موسى: لَمْ أومر [1] بِذَلِكَ وأنا أمرت بمناجزتك، وإن أَنْتَ لَمْ تخرج إلي دخلت إليك.
فأوحى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى موسى: أَن اجعل بينك وبينه أجلا، واجعل ذَلِكَ إِلَيْهِ، قَالَ فرعون: أجعله إِلَى أربعين يوما، ففعل. وَكَانَ فرعون لا يَأْتِي الخلاء إلا فِي أربعين يوما مرة، فاختلف ذَلِكَ اليوم أربعين مرة.
قَالَ: وخرج موسى من المدينة، فلما مر بالأسد بصبصت بأذنابها، وسارت مَعَ موسى تشيعه ولا تهيجه ولا أحد من بَنِي إسرائيل.
ومن مَا كلم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ موسى عَلَيْهِ السَّلام
مَا أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بِنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا ابْن دُومَا، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بن بشر القرشي، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ:
إِنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلّ قَالَ لِمُوسَى: يَا مُوسَى إِذَا رَأَيْتَ الْغَنِيَّ مُقْبِلا فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلا فَقُلْ مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ.
يَا مُوسَى، إِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ عَلِيَّ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ خَيْرٍ لَكَ مِنَ الرِّضَا بِقَضَائِي، وَلَنْ تَأْتِيَ بِعْمَلٍ أحَبطَ لِحَسَنَاتِكَ مِنَ الْبَطَرِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّضَرُّعَ لأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، إِذَنْ أُعْرِضُ عَنْكَ، وَإِيَّاكَ أَن تَجُودَ بِدِينِكَ لِدُنْيَاهُمْ إِذِنْ آَمُرَ أَبْوَابَ رَحْمَتِي أَن تُغْلَقَ دُونَكَ.
ادْنِ الْفُقَرَاءَ وَقَرِّبْ مَجْلِسَهُمْ مِنْكَ، وَلا تَرْكِنْ إِلَى حُبِّ الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ لَنْ تَلْقَانِي بِكَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ أَضَرَّ عَلَيْكَ مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا.
يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، قُلْ لِلْمُذْنِبِينَ النَّادِمِينَ أَبْشِرُوا، وَقُلْ لِلْعَالِمِينَ الْمُعْجَبِينِ اخْسَئُوا.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ موسى إِذَا كَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَرَى النُّورَ عَلَى وَجْهِهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنِّسَاءِ مذ كلمه.
__________
[1] في الأصل: أومن.

(1/342)


وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدِرِيُّ قَالَ: افْتَخَرَ أهل الإبل والغنم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الإِبِلِ» . وَقَالَ: «بُعِثَ مُوسَى وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لأَهْلِهِ، وَبُعِثْتُ وَأَنَا أَرْعَى غَنَمًا لأَهْلِي بِجِيَادٍ» . وزعم السدي: أَن موسى رجع من تكليم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فسار بأهله نَحْو مصر فأتاها ليلا فتضيف عَلَى أمه وَهُوَ لا يعرفها، فجاء هَارُون فقيل لَهُ: ضيف، فقعد معه، فسأله:
من أنت؟ فقال: أنا موسى، فقام كُل واحد منهما إِلَى صاحبه فاعتنقه، فلما تعارفا، قَالَ لَهُ: يا هَارُون انطلق معي إِلَى فرعون، إِن اللَّه تَعَالَى قَدْ أرسلنا إِلَيْهِ، قَالَ هَارُون: سمعا وطاعة، فانطلقا إِلَيْهِ ليلاً، فأتيا الباب فضرباه، ففزع فرعون وفزع البواب فكلمهما فَقَالَ موسى: أنا رَسُول رب العالمين.
فأتى فرعون، فَقَالَ: إِن ها هنا إِنْسَانا مجنونا، يزعم أَنَّهُ رَسُول رب العالمين، فَقَالَ:
أدخله، فدخل فعرفه فرعون.
فَقَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً 26: 18 [1] ، ثم قال له: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ 26: 23 [2] ، قَالَ مَا قصه اللَّه تَعَالَى عَلَيْنَا. فَقَالَ لَهُ: إِن كنت جئت بآية فأت بها، فألقى عصاه، فَإِذَا هِيَ ثعبان مبين قَدْ فتحت فاها ووضعت لحيها الأسفل فِي الأَرْض، والأعلى عَلَى سور القصر، ثُمَّ توجهت إِلَى فرعون فذعر منها ووثب وصاح: يا موسى خذها فأنا أومن، فعادت عصا، ثُمَّ نزع يده فَإِذَا هِيَ بيضاء، فخرج من عندها.
فأبى فرعون أَن يؤمن، وبنى الصرح ورقي عَلَيْهِ وأمر بنشابه فرمى بها نَحْو السماء فردت إليه ملطخة بالدم، فَقَالَ: قَدْ قتلت إله موسى.
قَالَ وهب: بعث إِلَى السحرة [فجمعهم] [3] وَقَالَ: قَدْ جاءنا ساحر مَا رأينا مثله قط، فَإِن غلبتموه أكرمكم. وَكَانَ يرأس السحرة ساتور، وعازور، وحطحط، ومصفى، وَهُمُ الَّذِينَ آمنوا لما رأوا سلطان اللَّه فتبعتهم السحرة فِي الإيمان.
__________
[1] سورة: الشعراء، الآية: 18.
[2] سورة: الشعراء، الآية: 23.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.

(1/343)


وَفِي عدد السحرة أقوال كثيرة مذكورة فِي التفسير، فمن قائل يَقُول: كَانُوا سبعين ألفا، ومن قائل يقول: كانوا سبعمائة ألف. إِلَى غَيْر ذَلِكَ.
وإنهم جمعوا حبالهم وعصيهم، وَكَانَ موعدهم يَوْم الزينة [وَهُوَ عيد كَانَ لَهُمْ] [1] ، فلما اجتمعوا ألقوا مَا فِي أيديهم فَإِذَا حيات كأمثال الجبال قَدْ ملأت الوادي تركب بَعْضهَا بَعْضًا، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى 20: 67 [2] . فأوحى إِلَيْهِ: أَن ألق عصاك، فألقاها فتلقفت جميع مَا صنعوا حَتَّى مَا يرى فِي الوادي شَيْء، ثُمَّ أخذها موسى فَإِذَا هِيَ عصاه، فخرت السحرة سجدا، فواعدهم فرعون بالقتل، فقالوا: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ 20: 72 [3] . فرجع مغلوبا، وأبى إلا التمادي فِي الكفر.
قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا فِي أول النهار سحرة وَفِي آخره شهداء [4] .
ذكر الآيات الَّتِي أرسلت عَلَى قوم فرعون [5]
لما فرغ من أمر السحرة وَلَمْ يؤمن فرعون أرسلت عَلَيْهِ الآيات.
وَقَدْ زعم السدي أَن الآيات أرسلت قبل لقاء السحرة.
فأما الأولى الطوفان [6] :
وَهُوَ المطر، أغرق كُل شَيْء لَهُمْ. وقيل: بَل ماء فاض عَلَى وجه الأَرْض ثُمَّ ركد فلم يقدروا أَن يعملوا شَيْئًا، فَقَالُوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشفه فنبتت زروعهم، فَقَالُوا: مَا يسرنا أننا لَمْ نمطر، فبعث اللَّه عَلَيْهِم الجراد فأكل حروثهم وزروعهم حَتَّى أكل مسامير الأبواب، فسألوا موسى أَن يدعو ربه، فدعا فكشفه فلم يؤمنوا، فبعث الله عليهم القمل والدبا فلحس الأَرْض كلها وَكَانَ يأكل لحومهم وطعامهم ومنعهم النوم والقرار، فسألوا موسى أَن يدعو ربه أَن يكشفه، وَقَالُوا: نؤمن، فدعا فكشفه فلم يؤمنوا، فأرسل اللَّه عَلَيْهِم الضفادع فملأت البيوت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش المخطوط.
[2] سورة: طه، الآية: 67.
[3] سورة: طه، الآية: 72.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 413.
[5] مرآة الزمان 1/ 408.
[6] المرجع السابق والصفحة.

(1/344)


والأطعمة والأواني، فَقَالُوا: اكشف ذَلِكَ فكشفه فلم يؤمنوا، فأرسل عَلَيْهِم الدم، وَكَانَ الإسرائيلي يَأْتِي والقبطي يستقيان من ماء واحد فيخرج ماء هَذَا القبطي دما، ويخرج للإسرائيلي ماء، فسألوا موسى، فدعا فكشف فلم يؤمنوا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: مكث موسى فِي آل فرعون بَعْد مَا غلب السحرة عشرين سَنَة يريهم الآيات: الجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
قَالَ علماء السير: ثُمَّ إِن اللَّه تَعَالَى أوحى إِلَى موسى وأخيه أَن يقولا قولا لينا، فقال له موسى: هل لَكَ فِي أَن أعطيك شبابك/ ولا تهرم وملكك فلا ينزع منك، فَإِذَا مت دخلت الْجَنَّة وتؤمن بي، فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَأْتِي هامان، فلما جاء أخبره فعجزه، وَقَالَ: تعبد بَعْد مَا كنت ربا، فخرج فقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى 79: 24 [1] .
قَالَ السدي [2] : بَيْنَ هذه الكلمة وبين قَوْله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ من إِلهٍ غَيْرِي 28: 38 [3] .
أربعون سَنَة.
ثُمَّ قَالَ لَهُ قومه [4] : أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ 7: 127 [5] . فقال: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ 7: 127 [6] . فأعاد القتل عَلَى الأبناء وحتما إذ علم أَنَّهُ لا يقدر عَلَى قتل موسى.
ذكر مؤمن آل فرعون [7]
كَانَ هَذَا المؤمن يكتم إيمانه، فَإِذَا هموا بقتل موسى جادل عَنْهُ، وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ 40: 28 [8] .
__________
[1] سورة: النازعات، الآية: 24.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 411، 412.
[3] سورة: القصص، الآية: 38.
[4] الطبري 1/ 413.
[5] سورة: الأعراف، الآية: 127.
[6] سورة: الأعراف، الآية: 127.
[7] هو حزقيل عند الثعلبي ومعظم المصادر. راجع: عرائس المجالس 187، ومرآة الزمان 1/ 411.
[8] سورة: غافر، الآية: 28.

(1/345)


قَالَ قَتَادَة: كَانَ قبطيا من قوم فرعون فنجى مَعَ موسى.
قَالَ شُعَيْب الجبائي: إنه سمعان، وقيل: سمعون، وقيل شمعان وشمعون بالشين المعجمة.
وَقَالَ مقاتل: حزقيل.
وممن آمنت بموسى آسية [1]
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: ضرب فرعون لامرأته أوتارا فِي يديها ورجليها، وكانوا إِذَا تفرقوا عَنْهَا أظلتها الْمَلائِكَة، فَقَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً في الْجَنَّةِ 66: 11 [2] فكشف اللَّه لَهَا عَنْ بيتها فِي الْجَنَّة حَتَّى رأته قبل موتها.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عَلِياٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بُنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنِ» [3] .
وممن آمن ماشطة ابنة فرعون [4]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ محمد القزاز، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد، بْنِ حِبَّانَ أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّتْ بِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٍ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرائحة؟
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 410.
[2] سورة: التحريم، الآية: 11.
[3] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 316، 393، والطبراني في الكبير 11/ 366، والحاكم في المستدرك 3/ 160، 185.
[4] عرائس المجالس 187، ومرآة الزمان 1/ 410.

(1/346)


قَالَ: مَاشِطَةُ ابْنَةَ فَرْعَوْنَ كَانَتْ تُمَشِّطُهَا فَوَقَعَ الْمِشْطُ مِنْ يَدِهِا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ: أَبِي، قَالَتْ: بَلْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ، قَالَتْ: أُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبِي، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَا بِهَا، فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتْ: رَبِّيَ وَرَبُّكَ اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ نَقْرَةً مِنْ نُحَاسٍ [1] فَأُحْمَتْ وَدَعَا بِهَا وَبِوَلَدِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعُ بِعِظَامِي وَعِظَامِ وَلَدِي فتدقها جَمِيعًا، قَالَ:
ذَلِكَ لَكَ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَلْقى وَلَدَهَا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى إِذَا كَانَ آَخِرُ وَلَدِهَا كَانَ صَبِيًا مُرْضَعًا قَالَ: اصْبِرِي يَا أُمَّاهُ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، قَالَ: ثُمَّ أُلْقِيَتْ مَعَ وَلَدِهَا.
قصة الغرق [2]
ثُمَّ أَن اللَّه تَعَالَى أمر موسى أَن يخرج ببني إسرائيل، وأوحى إِلَيْهِ: أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي 20: 77 [3] .
فأمر موسى بَنِي إسرائيل أَن يستعيروا الحلي من القبط، فخرجوا ليلا وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا، وخرج موسى ومعه تابوت يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام لما خرج ليدفنه مَعَ آبائه فِي الأَرْض المقدسة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَوْثِ طَيِّبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ العجليّ، حدثنا أحمد بن عمران الأَخْنَسِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ: «يَا أَعْرَابِيّ تُعَاهِدُنَا» ، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: اسْأَلْ حَاجَتَكَ، قَالَ: نَاقَةٌ بِرَحْلِهَا وَأَجِيرٌ يَحْمِلُهَا عَلِيَّ. قَالَهَا مَرَّتَيْنِ. قَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، أَعجزتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجْوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُ:
«إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ضَلَّ عَنِ الطريق، فقال لعلماء بني
__________
[1] في المرآة 1/ 410: «نقرة من نحاس» . وفي المسند 1/ 309: «بقرة من نحاس» .
[2] تاريخ الطبري 1/ 414، وعرائس المجالس 196، ومرآة الزمان 1/ 412.
[3] سورة: الشعراء، الآية: 52.

(1/347)


إِسِرَائِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: نَحْنُ نُخْبِرُكَ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ مَوَاثِيقَ مِنَ اللَّهِ أَنْ لا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نُخْرِجَ عِظَامَهُ مَعَنَا، فَقَالَ مُوسَى: وَأَيُّكُمْ يَدْرِي أَيْنَ قَبْرُ يُوسُفَ؟ قَالُوا: مَا تَدْرِي إِلا عَجُوزٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَقُولُ حَتَّى تُعْطِينِي حُكْمِي، قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا، فَأَتَتْ مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ، فَقَالَتْ: انْضُبُوا هَذَا الْمَاءُ، فَلَمَّا أَنْضَبُوهُ قَالَتْ:
احْفُرُوا هَا هُنَا فَاحْتَفَرُوا، فَبَدَتْ عِظَامُ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَقَلَّوْهَا مِنَ الأَرْضِ بَانَ لَهُمُ الطَّرِيقُ مِثْلَ ضَوْءِ النَّهَارِ. قَالَ علماء السير: وَكَانَ لموسى حِينَ خرج من مصر ثمانون سَنَة، ويقال: إِن بَيْنَ مولد إبراهيم إِلَى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر خمسمائة وخمس سنين، وأن من هبوط آدَم إِلَى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ثلاثة آلاف سنة وثمانمائة وأربعين سَنَة.
ودعا موسى حِينَ خرج، فَقَالَ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ 10: 88 [1] فجعلت دراهمهم ودنانيرهم حجارة، حَتَّى الحمص والعدس والجوز، فلما خرجوا ألقي عَلَى القبط الْمَوْت فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عَنْ طلب بَنِي إسرائيل.
وقيل: بَل علموا فِي الليل بخروجهم، فَقَالَ فرعون: لا نتبعهم حَتَّى يصيح الديك، فَمَا صاح ديك بلد بالليل.
وَكَانَ موسى عَلَى الساقة، وهارون يقدمهم، وتبعهم فرعون عَلَى مقدمته هامان فِي ألف ألف وستمائة ألف حصان.
فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قال أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ 26: 61 [2] هَذَا البحر بَيْنَ أيدينا وَهَذَا فرعون خلفنا، قَالَ موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ 26: 62 [3] .
قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن مؤمن آل فرعون كَانَ بَيْنَ يدي موسى، وَكَانَ يَقُول: أين أمرت يا نبي اللَّه [أَن تنزل] [4] ؟ فَيَقُول: أمامك، فَيَقُول: وهل أمامي إلا البحر؟ فيقول:
__________
[1] سورة: يونس، الآية: 88.
[2] سورة: الشعراء، الآية: 61.
[3] سورة: الشعراء، الآية: 62.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من المرآة.

(1/348)


مَا كذبت ولا كذبت. فأوحى اللَّه إِلَى موسى: اضرب بعصاك البحر، فأوحى إِلَى البحر:
إِذَا ضربك موسى فانفلق لَهُ، فبات البحر يضرب بعضه بَعْضًا فزعا من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وانتظارا لأمره، فضربه فانفلق اثنا عشر طريقا عَلَى عدد الأسباط، فسار موسى وأَصْحَابه على طريق يابس والماء قائم بَيْنَ كُل فريقين، فلما دَخَلَ بنو إسرائيل وَلَمْ يبق مِنْهُم أحد، أقبل فرعون عَلَى حصان لَهُ حَتَّى وقف عَلَى شفير البحر، فهاب الحصان أَن ينفذ فعرض لَهُ جبرئيل عَلَى فرس أنثى وديق فشمها الفرس فدخل فرعون فدخل قومه وجبرئيل أمامه وميكائيل عَلَى فرس خلف القوم يحثهم يَقُول: الحقوا بصاحبكم، فلما أراد أولهم أَن يصعدوا تكامل نزول آخرهم انطبق البحر عليهم، فنادى فرعون:
آمَنْتُ 10: 90.
قَالَ ابْن عَبَّاس: جاء جبرئيل إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا محمد، لو رأيتني وأنا أدس من حمأة البَحْر فِي فِي فرعون مخافة أَن تدركه الرحمة [1] .
قَالَ الْعُلَمَاء: فَقَالَ قوم: إِن فرعون لَمْ يغرق، فقذفه البحر حَتَّى رأوه فعرفوه، فذلك قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ 10: 92.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيُنَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَانَ أَصْحَابُ مُوسَى الَّذِينَ جَاوَزُوا الْبَحْرَ اثْنَي عَشْرَ سَبْطًا، وَكَانَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا كُلُّهُمْ وَلَدُ يَعْقُوبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [2]
. ومن الحوادث [3]
إِن بَنِي إسرائيل مروا عَلَى قوم يعكفون عَلَى أصنامهم، فَقَالُوا: يا موسى اجعل لنا إلها، فأجابهم بِمَا قص اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي القرآن.
__________
[1] مسند أحمد بن حنبل 1/ 240، 245، 309، 340، ومرآة الزمان 1/ 414.
[2] الحديث أورده السيوطي في الدر المنثور 5/ 85.
[3] مرآة الزمان 1/ 416.

(1/349)


ذكر طلبهم للتوبة [1]
لما ندموا سألوا قبول التوبة فقيل لَهُمْ: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ 2: 54 [2] .
فروى عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لما أمروا بقتل أنفسهم، قَالُوا: يا نبي اللَّه كَيْفَ نقتل الأبناء [3] والأخوة، فأنزل اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِم ظلمة لا يرى بَعْضهم بَعْضًا، فقتلوا وَقَالُوا: مَا آية توبتنا؟ قَالَ: أَن يقوم السلاح والسَّيْف فلا يقتل، فقتلوا حَتَّى خاضوا فِي الدماء، وصاح الصبيان: يا موسى العفو العفو، فبكى موسى فأنزل اللَّه تَعَالَى التوبة، وقام السلاح وانكشفت الظلمة عَنْ سبعين ألفا.
قيل: قَالَ قَتَادَة: فجعل اللَّه القتل للمقتول شهادة وللحي توبة. هَذَا يدل عَلَى أَن الكل ابتلوا.
وَقَالَ ابْن السائب: والمقاتل إِنَّمَا أمر من لَمْ يعبد أَن يقتل العابدين وأن لا يمتنع العابدُونَ من ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدمشقي: إِنَّمَا الْخَطَّاب لعبدة العجل وحدهم أمروا أَن يقتل بَعْضهم بَعْضًا.
ومن الحوادث [ذهاب السبعين إِلَى الطور يعتذرون من عبَادَة العجل] [4]
إِن موسى أخذ من أَصْحَابه جَمَاعَة ومضى إِلَى الطور يعتذرون من عُبَادَة العجل.
قَالَ ابْن إِسْحَاق [5] : اختار سبعين، وَقَالَ: انطلقوا فتوبوا مِمَّا صنعتم وسلوه التوبة عَلَى من خلفتم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، فخرج إلى طور سيناء
__________
[1] عرائس المجالس 211، وكتاب التوابين 57، ومرآة الزمان 1/ 427.
[2] سورة: البقرة، الآية: 54.
[3] على هامش المخطوط: «كيف نقتل الآباء» .
[4] عرائس المجالس 212، وتاريخ الطبري 1/ 427، ومرآة الزمان 1/ 427، وما بين المعقوفتين من المرآة.
[5] تاريخ الطبري 1/ 427.

(1/350)


لميقات وقته لَهُ ربه، فلما وصلوا قَالَ لموسى: اطلب لنا أَن نسمع كَلام ربنا، فذكر قوم من علماء السير أنهم سمعوا كَلام اللَّه من اللَّه وليس هَذَا بصحيح، وأي خير يبقى لموسى، وإنما هلك الْقَوْم لأنهم قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً 2: 55 [1] فصعقوا وماتوا، فقام موسى يسأل ربه، وَيَقُول: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ من قَبْلُ وَإِيَّايَ 7: 155 [2] ، فرد اللَّه إليهم أرواحهم، فسألوا التوبة لبني إسرائيل من عُبَادَة العجل، فقيل: لا إلا أَن تقتلوا أنفسكم.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن السبعين إِنَّمَا اعتذروا بَعْد توبة من تاب وقتلهم أنفسهم، وَهَذَا قَوْل السدي [3] .
ومن الحوادث [قصة أريحا] [4]
إِن اللَّه تَعَالَى أمر موسى وقومه إِلَى أريحا، وَهِيَ أرض بَيْت المقدس.
قَالَ السدي [5] : ساروا حَتَّى إِذَا كَانُوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بَنِي إسرائيل ليأتوه بخبر الجبارين، فلقيهم رجل من الجبارين يقال لَهُ: عاج، فأخذ الاثني عشر فجعلهم فِي حجزته [6] ، وعلى رأسه حمل حطب، فانطلق بهم إِلَى امرأته، فَقَالَ: انظري إلى هؤلاء الَّذِينَ يزعمون أنهم يريدُونَ قتالنا، فطرحهم بَيْنَ يديها وَقَالَ:
لأطحنهم برجلي، قَالَتْ: بَل خل عَنْهُم حَتَّى يخبروا قومهم بِمَا رأوا، ففعل ذَلِكَ.
فلما خرج الْقَوْم قَالَ بَعْضهم لبعض: يا قوم، إنكم إِن أخبرتم بَنِي إسرائيل خبر الْقَوْم رجعوا عَنْ نبي اللَّه، ولكن اكتموا وأخبروا نبي اللَّه، فانطلق عشرة مِنْهُم فأخبروا أهاليهم وكتم رجلان، فَقَالَ النَّاس: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا 5: 22
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 55.
[2] سورة: الأعراف، الآية: 155.
[3] تاريخ الطبري 1/ 428.
[4] عرائس المجالس 236- 243، ومرآة الزمان 1/ 428، وتاريخ الطبري 1/ 429، وما بين المعقوفتين:
ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 1/ 429.
[6] في الأصل: «فجعلهم في حجرته» . وفي العرائس: «حزمته» . وما أوردناه من الطبري 1/ 429.

(1/351)


ومن الحوادث [حَدِيث الحجر] [1]
أنهم لما خرجوا من البحر احتاجوا فِي طريقهم إِلَى الماء فاستسقى موسى فأمر أَن يضرب/ بعصاه الحجر، وَكَانَ حجرا خفيفا بقدر رأس الإِنْسَان قاله ابْن عَبَّاس.
وعنه أَنَّهُ كَانَ كذراعين فِي ذراع.
وَقَالَ مجاهد: كَانَ ذَلِكَ فِي تيههم.
ومن الحوادث [إنزال التوراة] [2]
إنهم طلبوا من موسى أَن يأتيهم بكتاب من عِنْدَ اللَّه، فوعده اللَّه تَعَالَى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر وأعطاه التوراة، وأنزل عَلَيْهِ عشر صحائف أَيْضًا.
وفرض اللَّه عَلَى موسى صلاتين كُل يَوْم والحج.
ومن الأحداث نتق الجبل
قَالَ قَتَادَة: تدلوا فِي أصل الجبل فوقع فوقهم، فَقَالَ: لتأخذن أمري أَوْ لأرمينكم بِهِ. وَكَانَ السبب أنهم رأوا تكاليف التوراة ثقيلة، فأبوا قبولها فنتق الجبل.
ومن الحوادث قصة العجل [3]
وَذَلِكَ أَن جبرئيل جاء إِلَى موسى عَلَى فرس ليذهب بِهِ إِلَى مناجاة ربه، فرآه السامري فأنكره [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: اضافة من عندنا.
[2] ما بين المعقوفتين: اضافة من عندنا.
[3] تاريخ الطبري 1/ 421، 422، عرائس المجالس 208، ومرآة الزمان 1/ 424.
[4] تاريخ الطبري 1/ 421، 422.

(1/352)


واسم السامري منجا، كَذَلِكَ ضبطه ابْن المنادي.
وَقَالَ: إِن لِهَذَا لشأنا، فأخذ من تربة حافر الفرس، فانطلق موسى واستخلف هَارُون وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها اللَّه تَعَالَى لَهُ بعشر، فوقع فِي تلك الزيادة زللهم بعبادة العجل.
وَكَانَ السبب فِي اتخاذه أَن هَارُون قَالَ لَهُمْ: يا بَنِي إسرائيل إِن الغنيمة لا تحل لكم وإن حلي القبط غنيمة، فاجمعوا واحفروا لَهُ فادفنوه فَإِن جاء موسى فأحلها فأخذتموها وإلا كَانَ شَيْئًا لَمْ تأكلوه. فجمعوه فِي حفرة، فجاء السامري تلك الصفة فألقاها، وَقَالَ: كن عجلا، فصار عجلا جسدا لَهُ خوار، وَكَانَ السامري من قوم يعبدُونَ البقر، وَكَانَ حب ذَلِكَ فِي قلبه، فَقَالَ لَهُمْ: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ 20: 88 [1] .
يَقُول: ترك موسى إلهه وذهب يطلبه، فعكفوا عَلَيْهِ يعبدُونَه، فَقَالَ لَهُمْ هَارُون: إِنَّما فُتِنْتُمْ به 20: 90 [2] .
وإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أخبر موسى بالقصة بقوله: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ 20: 85 [3] .
ثُمَّ إِن موسى طلب الرؤية بقوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ 7: 143 [4] . فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:
سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ 7: 143 [5] .
فأخذ الألواح ورجع إِلَى قومه غَضْبانَ أَسِفاً 7: 150 [6] لما صنعوا، فألقى الألواح وأخذ برأس أخيه فاعتذر كَمَا قص اللَّه، ثُمَّ التفت إِلَى السامري، فقال: فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ 20: 95 [7] . قَالَ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا به 20: 96.
فأخذ موسى العجل فذبحه، ثُمَّ برده بالمبرد وذراه فِي البحر وندم من عَبْد العجل.
__________
[1] سورة: طه، الآية: 88.
[2] سورة: طه، الآية: 90.
[3] سورة: طه، الآية: 85.
[4] سورة: الأعراف، الآية: 143.
[5] سورة: طه، الآية: 86.
[6] سورة: طه، الآية: 95.
[7] سورة: طه، الآية: 96.

(1/353)


مِنْهَا [1] قال رَجُلانِ 5: 23 وهما اللذان كتما، وهما يوشع بْن نون، وكالب بْن يوفنه: يا قوم ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ 5: 23 [2] فَقَالُوا: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها 5: 24 [3] فغضب موسى [فدعا عَلَيْهِم] ، فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 5: 25 [4] فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الْأَرْضِ 5: 26 [5] . فلما ضرب عَلَيْهِم التيه ندم موسى، فَقَالُوا: يا موسى كَيْفَ لنا ها هنا بالطعام، فأنزل اللَّه عَلَيْهِم المن والسلوى، وَكَانَ المن يسقط عَلَى الشجرة، والسلوى طائر، فَقَالُوا: أين الشراب؟ فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فشرب كُل سبط من عين، قالوا: فأين الظلّ؟ فظلل الله عليهم الغمام، قَالُوا: فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كَمَا تطول الصبيان ولا يتخرق لَهُمْ ثوب، فأجمعوا ذَلِكَ فَقَالُوا: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ 2: 61 [6] . فلما خرجوا من التيه أكلوا البقول.
ومن الحوادث قتل موسى عَلَيْهِ السَّلام عوج بْن عناق [7]
حكى أَبُو جَعْفَر الطبري أَن عوجا عاش ألف سَنَة [8] ، وَإِنَّهُ التقى بموسى، فضرب موسى كعب عوج فقتله.
وعناق اسم أَبِيهِ، وَقَالَ وهب بْن منبه: بَل اسم أمه، وكانت من بنات آدَم.
قَالَ: وولد عوج فِي زمن آدَم، وَكَانَ جبارا لا يوصف عظما، وعمره ثلاثة آلاف سنة
__________
[1] سورة: المائدة، الآية: 22.
[2] سورة: المائدة، الآية: 23.
[3] سورة: المائدة، الآية: 24.
[4] سورة: المائدة، الآية: 25.
[5] سورة: المائدة، الآية: 26.
[6] سورة: البقرة، الآية: 61.
[7] تاريخ الطبري 1/ 431، عرائس المجالس 241، ومرآة الزمان 1/ 429.
[8] في تاريخ الطبري 1/ 431: «وقيل إن عوجا عاش ثلاثة آلاف سنة» .

(1/354)


وستمائة سَنَة حَتَّى أدرك موسى، وَكَانَ الماء فِي زمان الغرق إِلَى حجزته، وَكَانَ يتناول الحوت من البحر فيرفعه بيده فِي الهواء فيفور فِي حر الشمس ثُمَّ يأكله.
وَكَانَ سبب هلاكه أَنَّهُ قطع حجرا من جبل فجاء بِهِ عَلَى رأسه ليقلبه عَلَى عسكر موسى، فبعث اللَّه طائرا فنقر الحجر فنزل فِي عنقه، فجاء موسى فضربه بالعصا فِي كعبه فقتله
. ومن الحوادث مَا جرى لبلعام من دعائه عَلَى موسى [1]
رَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ سالم بْن أَبِي النضر، أَنَّهُ حدث: أَن موسى لما نزل فِي أرض كنعان من أرض الشام، وَكَانَ بلعام بقرية من قرى البلقاء، فأتى قوم بلعم إِلَى بلعم، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا موسى بْن عمران فِي بَنِي إسرائيل/ قَدْ جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بَنِي إسرائيل ويسكنها، وإنا قومك وليس لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فادع اللَّه عَلَيْهِم. فَقَالَ: ويلكم، نبي اللَّه مَعَهُ الْمَلائِكَة والمؤمنون فكيف أدعو عَلَيْهِم وأنا أعلم من اللَّه [مَا أعلم] [2] .
قَالُوا: مَا لنا من منزل، فلم يزالوا بِهِ يرققونه ويتضرعون إِلَيْهِ حَتَّى فتنوه فافتتن فركب حماره متوجها إِلَى الجبل الَّذِي يطلعه عَلَى عسكر بَنِي إسرائيل، فَمَا سار عَلَيْهَا غَيْر قليل حَتَّى ربضت بِهِ، فنزل عَنْهَا فضربها حَتَّى أذلقها وأذن اللَّه لَهَا فكلمته، فَقَالَتْ:
ويحك يا بلعم! أَيْنَ تذهب؟! ألا ترى الْمَلائِكَة أمامي تردني [عَنْ] [3] وجهي هَذَا، أتذهب إِلَى نبي اللَّه والمؤمنين تدعو عَلَيْهِم! فلم ينزع عَنْهَا يضربها، فخلى اللَّه سبيلها حين فعل بها ذلك.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 437، وتفسير الطبري 13/ 252- 268، وعرائس المجالس 237، وتفسير ابن كثير 3/ 250، والدر المنثور 3/ 145، وزاد المسير 3/ 286، والكسائي 227، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 294.
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 437.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 437.

(1/355)


فانطلقت حَتَّى إِذَا أشرفت بِهِ عَلَى عسكر موسى وبنى إسرائيل جعل لا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إِلَى بَنِي إسرائيل.
قَالَ: فَقَالَ قومه: أتدري يا بلعم مَا تصنع إِنَّمَا تدعو لَهُمْ وتدعو عَلَيْنَا، قَالَ: فهذا مَا لا أملك، هَذَا شَيْء قَدْ غلب اللَّه عَلَيْهِ، فاندلع لسانه فوقع عَلَى صدره، فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة، فسأحتال لكم. جملوا النِّسَاء وأعطوهن السلع، ثُمَّ أرسلوهن إِلَى العسكر يبعنها فِيهِ وأمروهن أَن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فَإِنَّهُ إِن زنى رجل واحد مِنْهُم كفيتموهم.
ففعلوا فوقع رجل مِنْهُم عَلَى امرأة، فأرسل اللَّه الطاعون عَلَى بَنِي إسرائيل حينئذ، فهلك منهم سبعون ألفا فِي ساعة، وَكَانَ فنحاص بْن العيزار بْن هَارُون صاحب أمر موسى، وَكَانَ قَدْ أعطي بسطة فِي الخلق وقوة فِي البطش، فأخبر خبر الرجل والمرأة، فأخذ حربته ثم دخل عليهما القبة وهما مضطجعان، فانتظمهما بحربته ثُمَّ خرج بهما رافعهما إِلَى السماء والحربة قَدْ أخذها بذراعه، واعتمد بمرفقه عَلَى خاصرته، وَهُوَ يَقُول: اللَّهمّ هكذا نفعل بمن يعصيك.
وَقَدْ قيل: إِن بلعام لما دعى عَلَى قوم موسى تاهوا، وإن موسى دعا عَلَيْهِ ثُمَّ حارب أَهْل بلده بَعْد خروجه من التيه، فأسره وقتله، وحارب الكنعانيين، وقتل عوج، وحارب موسى اليونانيين والمديانيين والأمم الكافرة.
وَقَدْ حكى أَحْمَد بْن جَعْفَر المنادي: أَن موسى بَعْد هلاك فرعون وطئ الشام، فأهلك مَا بها من الكُفَّار، وبعث بعثا إِلَى الحجاز وأمرهم أَن لا يستبقوا مِنْهُم أحدا، فقدموها فرزقهم اللَّه الظفر فقتلوا العمالقة، وكانوا بيثرب حَتَّى انتهوا إِلَى ملكهم الَّذِي كَانَ يقال لَهُ: الأرقم قيما فقتلوه، وأصابوا ابنا لَهُ شابا لَمْ ير أَحْسَن منه، فضنوا بِهِ عَنِ القتل [1] ، وأجمع رأيهم على أَن يسحبوه حَتَّى يقدموا بِهِ عَلَى موسى فيرى فِيهِ رأيه.
فأقبلوا قادمين بِهِ، وقبض موسى قبل قدومهم فتلقاهم النَّاس فأخبروهم الْخَبَر، فقالت بنو إسرائيل: خالفتم نبيكم حين استبقيتم هَذَا، لا تدخلوا عَلَيْنَا، فحالوا بينهم وبين الشام، فرجعوا إلى الحجاز، فكان ذلك أول سكنى يَهُود الحجاز، فنزلوا المدينة واتخذوا فِيهَا
__________
[1] في المختصر: «فلم يقتلوه» .

(1/356)


المزارع، فمنهم بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان، نسبة إِلَى جدهم الكاهن بْن هَارُون بْن عمران.