المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ذكر الخضر عَلَيْهِ السَّلام [1]
الخضر قَدْ كَانَ قبل موسى، قَالَ الطبري [2] : كَانَ فِي أَيَّام
أفريدُونَ الْمَلِك بْن أثفيان. قَالَ: وقيل: إنه كَانَ عَلَى مقدمة ذي
الْقَرْنَيْنِ الأكبر، الَّذِي كَانَ أَيَّام إِبْرَاهِيم.
وذي الْقَرْنَيْنِ عِنْدَ قوم هُوَ أفريدُونَ، وزعم بَعْضهم أَنَّهُ من
ولد من كَانَ آمن بالخليل عَلَيْهِ السَّلام، وهاجر مَعَهُ من أرض
بابل.
وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن شوذب: الخضر من ولد فارس [3] .
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: هُوَ من سبط هَارُون بْن عمران.
وقول من قَالَ: إنه كَانَ فِي زمان أفريدُونَ أَكْثَر من ألف سَنَة،
والخضر قديم إلا أَنَّهُ لما كَانَ ذكره لَمْ ينبغ إلا في زمان موسى
ذكرناه هاهنا.
فصل [فِي اسم الخضر] [4]
فأما اسم الخضر، فَقَالَ كعب الأحبار: هُوَ الخضر بْن عاميل. وقال ابن
إسحاق:
اسمه أرمياء بن خلقيا.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري: إِن هَذَا لَيْسَ بصحيح لأن أرمياء
كَانَ فِي أَيَّام نصر، وبين عهد موسى ونصر [زمن] [5] طويل.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 365، وكتب التفسير، الآيات 60- 82 من سورة الكهف،
وعرائس المجالس 217، والكسائي 230، وتهذيب ابن عساكر 5/ 144، ومرآة
الزمان 1/ 434، 456.
[2] تاريخ الطبري 1/ 365.
[3] تاريخ الطبري 1/ 365.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: زيادة يقتضيها السياق.
(1/357)
وقيل: هُوَ الخضر بْن ملكان بْن فالغ بْن
عابر بْن شالح بْن أرفخشد بْن سام بْن نوح.
وَقَالَ بَعْض أَهْل الكتاب: هُوَ خضرون بْن عاميل بْن أليفرن بْن
العيص بن إسحاق، وإنه ابن خالة ذي الْقَرْنَيْنِ ووزيره.
قَالَ الطبري: إِن الخضر هُوَ الولد الرابع من أولاد آدَم.
فصل [لَمْ سمي الخضر] [1]
وَقَدِ اختلف الْعُلَمَاء لَمْ سمي الخضر عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهُ
جلس عَلَى فروة بيضاء فاخضرت، والفروة الأَرْض اليابسة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ حُصَيْنٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال:
حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آَدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ:
«إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضْرُ خَضْرًا لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ
بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ تَحْتَهُ خَضْرَاءُ» [2] .
وَالثَّانِي: إنه كَانَ إِذَا جلس اخضر مَا حوله. قاله عكرمة.
وَقَالَ مجاهد: كَانَ إِذَا صلى اخضر مَا حوله.
واختلفوا هل كَانَ نبيا أم لا على قولين ذكرهما ابن الأنباري.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: غير موجود بالأصل.
[2] الحديث: أخرجه البخاري 4/ 190، والترمذي 3151، وابن حبان (موارد
2092) ، والطبري في التفسير 15/ 183، وابن عساكر 5/ 145، والسيوطي في
الدر المنثور 4/ 234، وابن كثير في البداية 1/ 327.
(1/358)
ذكر لقاء موسى الخضر عليهما السَّلام
كَانَ سبب طلب موسى الخضر أَن موسى سئل من أعلم أَهْل الأَرْض؟
فَقَالَ: أنا، قيل له: لنا عبد هو أعلم منك يَعْنِي الخضر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَحْمَدَ بْنُ حَمّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ،
حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ:
أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ
عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ
إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ،
قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ لِي بِهِ، قِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا
فَتَجْعَلْهُ فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ.
فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَحَمَلا
حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَوَضَعَا
رُءُوسَهُمَا فَنَامَا، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ، فاتخذ
سبيله في البحر وكان لموسى ولفتاه عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ
لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى
لِفَتَاهُ: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا من سَفَرِنا هذا نَصَباً 18:
62 [1] . وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ
الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ
إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ 18: 63 [2]
قَالَ مُوسَى:
ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً 18: 64
[3] حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجَّى
بِثَوْبٍ- أَوْ قَالَ بَثَوْبَيْهِ- فَسَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ،
فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلامُ؟
فَقَالَ: أَنَا موسى، فقال: موسى بني إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ هَلْ
أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً 18: 66
[4] ، فقال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً 18: 67 [5] يا
موسى إني على علم
__________
[1] سورة: الكهف، الآية: 62.
[2] سورة: الكهف، الآية: 63.
[3] سورة: الكهف، الآية: 64.
[4] سورة: الكهف، الآية: 66.
[5] سورة: الكهف، الآية: 67.
(1/359)
مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لا
تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لا
أَعْلَمُهُ، قَالَ:
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا/ أَعْصِي لَكَ أَمْراً 18:
69 [1] .
فَانْطَلَقَا يَمْشِيانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا
سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ
يَحْمِلُوهُمَا، فَعَرَفُوا الْخَضْرَ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ
نَوْلٍ. فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفٍ فَنَقَرَ نَقْرَةً
وَنَقْرَتَيْنِ مِنَ الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضْرُ: يَا مُوسَى مَا
نَقُصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلا كَنَقْرَةِ هَذَا
الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ، فَعَمَدَ الْخَضْرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ
أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا
بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا
لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِيَ صَبْراً 18: 72 [2] ، قال: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ 18: 73
[3] . وَكَانَ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.
فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ
الْخَضْرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ،
فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ 18: 74
[4] ، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ
صَبْراً 18: 75 [5] .
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ
يَنْقَضَّ 18: 77، قال الخضر بيده فَأَقامَهُ 18: 77، فَقَالَ لَهُ
مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً 18: 77 [6] ، قال:
هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ 18: 78 [7] .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ
اللَّهُ مُوسَى لَوَدَدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ علينا من
أمرهما» .
أخرجاه في الصحيحين [8] .
__________
[1] سورة: الكهف، الآية: 69.
[2] سورة: الكهف، الآية: 72.
[3] سورة: الكهف، الآية: 73.
[4] سورة: الكهف، الآية: 74.
[5] سورة: الكهف، الآية: 75.
[6] سورة: الكهف، الآية: 77.
[7] سورة: الكهف، الآية: 78.
[8] الحديث أخرجه البخاري 1/ 42، 4/ 190، ومسلم، وأحمد بن حنبل 5/ 118.
(1/360)
فصل [فِي اخْتِلاف الْعُلَمَاء فِي حياة
الخضر وموته] [1]
وَقَدْ زعم قوم أَن الخضر حي إِلَى الآن، واحتجوا بأحاديث لا تثبت
وحكايات عَنْ أقوام سليمي الصدور، وَيَقُول أحدهم: لقيت الخضر.
فأما الأحاديث:
فمنها مَا يروى عَنْ أَهْل الكتاب: أَن الخضر كَانَ مَعَ ذي
الْقَرْنَيْنِ، وأنه سبق إِلَى العين الَّتِي قصدها ذو الْقَرْنَيْنِ
لما وصف لَهُ أَن من شرب منها خلد فِي الدنيا، فشرب منها فأعطي الخلد
لِذَلِكَ.
وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عُمَرَ
الدَّبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُرَيْمٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ رَزِينٍ، عَنِ
ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قَالَ: لا أَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«يَلْتَقِي الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ فِي كُلِّ عَامٍ فِي الْمَوْسِمِ،
فَيَحْلِقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَأْسِ صَاحِبِهِ وَيَتَفَرَّقَانِ
عَنْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: «بِسْمِ اللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ لا
يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلا اللَّهُ، بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا
يَصْرِفُ السُّوءَ إِلا اللَّهُ، مَا شَاءَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ
نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ
إِلا باللَّه» [2] .
ومنها مَا روي عَنِ الْحَسَن البصري، أَنَّهُ، قَالَ: وكل إلياس
بالفيافي، ووكل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، وأوردناه من المرآة، وفي
المختصر: «فصل في أن الخضر ما زال حي حتى الآن أم لا» .
[2] الحديث أورده الزركشي في التذكرة، وقال: في جزء المزكي من حديث ابن
عباس، وهو ضعيف، وتابعه السيوطي في الدرر المنتثرة، وقال: قلت: ورد
أيضا من حديث أنس، أخرجه ابن أبي أسامة في مسندة بسند ضعيف.
انظر: الموضوعات لابن الجوزي 1/ 196، واللآلئ للسيوطي 1/ 167، والدرر
المنتثرة للسيوطي 490، والغماز على اللماز 8.
(1/361)
الخضر بالبحور، وَقَدْ أعطيا الخلد فِي
الدنيا إلى الصيحة الأولى وأنهما يجتمعان في كل موسم فِي كُل عام.
ومنها مَا أَخْبَرَنَا بِهِ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الختلي، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُثْمَان بْن سَعِيد الأنطاكي قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِي بْن
الهيثم المصيصي، عَنْ عَبْد الحميد بْن بحر، عَنْ سلام الطويل، عَنْ
دَاوُد بْن يَحْيَى مولى عون الطفاوي، عَنْ رجل كَانَ مرابطا فِي بَيْت
المقدس وبعسقلان، قَالَ:
بينا أنا أسير فِي وادي الأردن إذا أنا برجل فِي ناحية الوادي قائم
يصلي، فَإِذَا سحابة تظله من الشمس فوقع فِي قلبي إنه إلياس النبي صلى
الله عليه وسلم، فأتيته فسلمت عَلَيْهِ فانفتل من صلاته فرد عَلِي
السَّلام، فَقُلْتُ: من أَنْتَ رحمك اللَّه؟ فلم يرد عَلِي شَيْئًا،
فأعدت القول مرتين، فَقَالَ: أَنَا إلياس النَّبِي، فأخذتني رعدة شديدة
خشيت عَلَى عقلي أَن يذهب، فَقُلْتُ لَهُ: إِن رأيت رحمك اللَّه أَن
تدعو لي أَن يذهب عني مَا أجد حَتَّى أفهم حَدِيثك، فدعا لي بثمان
دعوات، فَقَالَ: يا بر يا رحيم، يا حي يا قيوم، يا حنان يا منان،......
[1] ، فَذَهَبَ عني مَا كنت أجد، فَقُلْتُ: إِلَى من بعثت؟ قَالَ:
إِلَى أَهْل بعلبك، قُلْت: فهل يوحى إليك اليوم، فَقَالَ: منذ بعث
مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين فلا.
قُلْتُ: فكم من الأنبياء فِي الحياة؟ قَالَ: أربعة أنا والخضر فِي
الأَرْض، وإدريس وعيسى فِي السماء، قُلْت: فهل تلتقي أَنْتَ والخضر؟
قَالَ: نعم فِي كُل عام بعرفات، قُلْت: فَمَا حَدِيثكما؟ قَالَ: يأخذ
من شعري وآخذ من شعره، قُلْت: فكم الأبدال؟ قَالَ: هُمْ ستون رجلا،
خمسون مَا بَيْنَ عريش مِصْر إِلَى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة،
ورجلان بأنطاكية، وسبعة فِي سائر الأَمْصَار تسقون بهم الغيث، وبهم
ينصرون عَلَى عدوهم، وبهم يقيم اللَّه أمر الدنيا حَتَّى إِذَا أراد
أَن يهلك الدنيا أماتهم جميعا.
وَقَدْ روي أَنَّهُ كَانَ فِي زمن نبينا صلّى الله عليه وسلم، ورووا من
حَدِيث عَلِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إثبات
حياة الخضر.
ومن حَدِيث أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بعثه إِلَى
الخضر، وَقَالَ: ادع لرسول اللَّه. وإن أبا بَكْر، وَعُمَر، وعثمان،
وعليا، وابن عُمَر أثبتوا وجوده، وَإِنَّهُ رآه عُمَر بن عبد العزيز،
ورواه مسلمة، ورباح بْن عُبَيْدَة كلاهما عَنْ عُمَر بْن عَبْد العزيز.
__________
[1] في الأصل كلمتان غير واضحتين.
(1/362)
قَالُوا: ورآه إِبْرَاهِيم التيمي،
وإبراهيم بْن أدهم، وَأَحْمَد بْن حَنْبَل.
وكل هذه الأحاديث لا تثبت والحَدِيث الَّذِي ذكرناه عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فيه الحسن بن زيد، قال العقيلي: هُوَ مجهول.
وَفِي الْحَدِيث الثَّانِي السَّلام بْن الطويل، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ
بشيء. وَقَالَ الْبُخَارِي، والرازيّ، والنسائي، والدار الدّارقطنيّ:
هُوَ متروك الْحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حيان: يروي الموضوعات كأنه المعتمد لَهَا.
قَالَ: وعبد الحميد بْن بحر لا يحل الاحتجاج بِهِ بحال، وَدَاوُد
مجهول، والرجل المرابط لا يدري من هُوَ.
وَقَدْ رَوَى مسلمة بْن مصقلة، أَنَّهُ رأى إلياس وجرى لَهُ مَعَهُ
نَحْو مَا سبق.
وربما ظهر الشَّيْطَان لشخص فكلمه، وربما قَالَ بَعْض المتهمين لبعض
أنا الخضر، وأعجب الأشياء أَن يصدق القائل أنا الخضر وليس لنا فِيهِ
علامة نعرفه بها، وَقَدْ جمعت كتابا سميته عجالة المنتظر بشرح حال
الخضر، وذكرت فِيهِ هذه الأحاديث والحكايات ونظائرها وبينت خطأها فلم
أر الإطالة بِذَلِكَ هاهنا.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي ونقلته من خطه. [1] ، عَنْ تعمير
الخضر وهل هُوَ باق فِي الدنيا أم لا، فَإِذَا أَكْثَر المغفلين
مغرورون بأنه باق من أجل مَا قَدْ روي، وساق بَعْض مَا قَدْ ذَكَرْنَا،
ثُمَّ قَالَ: أما حَدِيث أَنَس فواه بالوضاع، وَأَمَّا خبر ابْن
عَبَّاس فضعيف بالحسن بْن رزين، وَأَمَّا قَوْل الحُسَيْن فمأخوذ عَنْ
غَيْر أَهْل ملتنا مربوط بقول بَعْضهم أَن الخضر شرب من العين التي
قصدها ذي الْقَرْنَيْنِ موصول بِمَا قيل إنه الرجل الَّذِي يقتله
الدجال والمسند من ذلك إلى أهل الذمة فساقط لعدم ثقتهم.
وخبر مسلمة فكلا شَيْء، وخبر رياح كالرياح، ثُمَّ مد اللَّه عَلَى
السري وضمرة عفى اللَّه عَنْهُمَا.
وأين كَانَ الخضر عَنْ تبشير أَبِي بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
بالخلافة.
وَهَذِهِ الأخبار واهية الصدور والأعجاز لا تخلو فِي حالها من أحد
أمرين: إما
__________
[1] في الأصل كلمة مطموسة.
(1/363)
أَن تكون أدخلت من حَدِيث بَعْض الرواة
المتأخرين استغفالا. وإما أَن يَكُون الْقَوْم عرفوا/ حالها فرووها
عَلَى وجه التعجب، فنسبت إليهم عَلَى سبيل التحقيق.
قَالَ: والتخليد لا يَكُون لبشر لقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لنبيه
مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ
قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ 21: 34 [1] .
وأهل الْحَدِيث يتفقون عَلَى أَن حَدِيث أَنَس منكر الإسناد، سقيم
المتن، بَيْنَ فِيهِ أثر الصنعة، وأن الخضر لَمْ يراسل نبينا وَلَمْ
يلقه وَلَمْ يكن مِمَّن عرض عَلَيْهِ ليلة الإسراء، وَلَمْ يدركه ذكر
فِي عهده بالبقاء، ولو أَنَّهُ كَانَ فِي عدد الأحياء حينئذ لما وسعه
التخلف عَنْ لقاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
والهجرة إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمَا أعجب إغراء أَهْل الضعف بذكر الخضر وإلياس، والمعنى
مِنْهُم بِذَلِكَ المنتسبون إِلَى رؤية الأبدال ومشاهدة الآيات.
قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْض أَصْحَابنا أَن إِبْرَاهِيم الحربي
بْن إِسْحَاق سئل عَنْ تعمير الخضر فأنكر ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ متقادم
الْمَوْت.
قَالَ وروجع غيره فِي تعميره، وأن طائفة من أَهْل زماننا يرونه ويروون
عنه، فقال: من أحال على غائب حي أو مفقود ميت لَمْ ينتصف منه، وَمَا
ألقى ذكر هَذَا بَيْنَ النَّاس إلا الشَّيْطَان.
قَالَ: فَإِن قيل: هَذَا هامة بْن الهيم وزريب بْن برثملا معمران، قيل:
ومن صحح لهما وجادة حتى يَكُون لهما تعمير، ولو أنهما معروفان لكان
سبيلهما في التخليد سبيل سائر البشر، بل هذان حَدِيثان دسا إِلَى
مغفلين فرووهما بلا تفقد ولا تمييز.
فَإِن قيل: هَذَا هاروت وماروت وإبليس باقون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قيل: لَيْسَ هَؤُلاءِ بشرا، ولو كَانُوا بشرا لما نص الْقُرْآن عَلَى
تخليدهم ولما أنكر ذَلِكَ مؤمن. وتخليد إِبْلِيس ثابت بقوله: فَإِنَّكَ
مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 15: 37- 38
[2] .
__________
[1] سورة: الأنبياء، الآية: 34.
[2] سورة: الحجر، الآية: 15، وسورة: ص، الآية: 81.
(1/364)
وتخليد الملكين بقوله: وَما يُعَلِّمانِ
مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ 2: 102 [1] .
وَهَذَا لا يَكُون إلا عَلَى مستقبل الأيام.
قَالَ: وجاء فِي التفسير إنهما مصلوبان منكسان فِي بئر ببابل لأنهما
اختارا عذاب الدُّنْيَا عَلَى عذاب الآخرة فأعطيا مَا سألا.
فأما بقاء الدجال الأعور فليس ذَلِكَ بالطويل لأنه ولد بِالْمَدِينَةِ
فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
يحيا إِلَى نزول المسيح عيسى فيقتله.
قَالَ: فَقَدْ صح لما بينا أَن الخضر عَبْد من عباد اللَّه نصب لموسى
لأمر أراده اللَّه، وَقَدْ مضى لسبيله فليعرف ذَلِكَ، وإن سمع من جاهل
خلاف ذَلِكَ فلا يمارين لأن المراء فِي ذَلِكَ نقص، زادنا اللَّه
وإياكم فهما.
هَذَا آخر كَلام أَبِي الْحُسَيْن المنادي، ومن خطه نقلته.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْر النقاش: أَن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل
الْبُخَارِي سئل عَنِ الخضر وإلياس هل هما فِي الأحياء؟ فَقَالَ:
كَيْفَ يَكُون ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لا يبقى عَلَى رأس مائة سَنَة مِمَّن هُوَ اليوم عَلَى ظهر
الأَرْض أحد» .
[فصل فِي ذكر قارون وسلبه كُل مكنون ومخزون] [2]
قَالَ ابْن جريج: كَانَ قارون ابْن عم موسى أَخِي أَبِيهِ، فَهُوَ
قارون بْن يصهر بْن قاهث، وموسى بْن عمران بْن قاهث [3] .
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 102.
[2] مكان العنوان بياض في الأصل، وأوردناه من المرآة، وفي المختصر:
«ذكر قارون» .
وراجع: تاريخ الطبري 1/ 443، وتفسير الطبري 20/ 67، وعرائس المجالس
213، والبداية والنهاية 1/ 309، ونهاية الأرب 13/ 232، وزاد المسير 6/
239- 245، وتفسير ابن كثير 5/ 297- 304، والدر المنثور 5/ 136، ومرآة
الزمان 1/ 449.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 443 وفي الأصل بياض.
(1/365)
وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم النخعي:
كَانَ ابْن عمه [1] .
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قارون عم موسى [2] .
قَالَ قَتَادَة: كَانَ يسمى المنور من حسن صورته، ولكنه نافق كَمَا
نافق السامري فأهلكه البغي [3] .
وَرَوَى الأَعْمَش، عَنْ خيثمة، قَالَ: كانت مفاتيح كنوز قارون من
جلود، كُل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح عَلَى خزانة عَلَى حدة، فَإِذَا
ركب حملت المفاتيح عَلَى ستين بغلا [4] .
واختلفوا فِي قَوْله تعالى: فَبَغى عَلَيْهِمْ 28: 76 [5] :
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: جعل لبغية جعلا عَلَى أَن تقذف موسى [بنفسها
ففعلت فاستحلفها موسى] [6] عَلَى مَا قَالَتْ، فأخبرته الحال.
وَقَالَ الضَّحَّاك: بغى بالكفر، وَقَالَ قَتَادَة بالكبر.
وَقَالَ عَطَاء [الخراساني] [7] : زاد فِي طول ثيابه شبرا.
فوعظه قومه فكان جوابه إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي 28: 78
[8] . قَالَ قَتَادَة [9] : عَلَى خير عندي، وَقَالَ غيره [10] : لولا
رَضِيَ اللَّه عني مَا أعطاني هَذَا، فَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ
يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ
مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً 28: 78 [11]
للأموال.
والمعنى: لو كَانَ اللَّه إِنَّمَا يعطي الأَمْوَال من يعطيه لرضاه
عَنْهُ وفضله عنده لم يهلك أرباب الأموال الكثيرة.
__________
[1] المرجع السابق والصفحة.
[2] المرجع السابق والصفحة.
[3] تاريخ الطبري 1/ 444.
[4] تاريخ الطبري 1/ 445.
[5] سورة: القصص، الآية: 76.
[6] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[8] سورة: القصص، الآية: 78.
[9] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 445.
[10] تاريخ الطبري 1/ 445، 446.
[11] سورة: القصص، الآية: 78.
(1/366)
فوعظه [قومه] [1] فلم تزده العظة إلا بغيا
حَتَّى خرج عَلَى قومه فِي زينته، وَكَانَ راكب برذون أبيض مسرج بسرج
الأرجوان، قَدْ لبس ثيابا معصفرة، وحمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته
وزينته، وأربعة آلاف من أصحابه.
وقيل: حمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته، وتسعين ألفا [من أَصْحَابه]
[2] .
قَالَ مجاهد [3] : فخرجوا عَلَى براذين بيض عَلَيْهَا سروج الأرجوان
عَلَيْهِم المعصفر.
قَالَ ابْن عَبَّاس [4] : لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى فصالحه عَلَى
كُل ألف دينار دينارا، وعن كُل ألف درهم درهما، وعن كُل ألف شاة شاة،
وعن كُل ألف شَيْء شَيْئًا.
ثُمَّ أتى إلى منزله فحسبه فوجده كثيرا، فجمع بَنِي إسرائيل، وَقَالَ:
إِن موسى [قَدْ أمركم] [5] بكل شَيْء فأطعتموه [6] ، وَهُوَ الآن يريد
أَن يأخذ من أموالكم، فَقَالُوا: أَنْتَ كبيرنا فمرنا بِمَا شئت،
فَقَالَ: آمركم أَن تجيئوا بفلانة البغي فتجعلوا لَهَا جعلا فتقذفه
بنفسها.
ففعلوا ثُمَّ أتاه قارون، فَقَالَ: إِن قومك قَدِ اجتمعوا لتأمرهم
وتنهاهم، فخرج فَقَالَ: يا بَنِي إِسْرَائِيل، من سرق قطعنا يده، ومن
افترى جلدناه ثمانين، ومن زنا وليست لَهُ امرأة جلدناه مائة، فَإِن
كانت لَهُ امرأة جلدناه حَتَّى يموت، فَقَالَ لَهُ قارون:
وإن كنت أَنْتَ؟ قَالَ: وإن كنت أَنَا، قَالَ: فَإِن بَنِي إِسْرَائِيل
يزعمون إنك فجرت بفلانة، قَالَ: ادعوها، فلما جاءت قَالَ موسى: يا
فلانة أنا فعلت مَا يَقُول هَؤُلاءِ؟ قَالَتْ: لا كذبوا ولكن جعلوا إلي
جعلا عَلَى أني قَدْ أقذفك بنفسي، فسجد فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: مر
الأَرْض بِمَا شئت، قَالَ: يا أرض خذيهم فأخذتهم هكذا.
روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فأخذتهم، وَقَالَ غيره: أخذت
قارون وأصحابه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 446.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 447.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[6] في الأصل: «فتطيعونه» . والتصحيح من تاريخ الطبري 1/ 447.
(1/367)
وَرَوَى عَلِي بْن زَيْد بْن جدعان، عَنْ
عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث، قَالَ: جاء موسى إِلَى قارون فدخل
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا موسى ارحمني، فَقَالَ: يا أرض خذيهم، فاضطربت
داره وساخت، [وخسف] [1] بقارون وأَصْحَابه.
قَالَ قَتَادَة [2] : ذكر لنا أَنَّهُ يخسف بِهِ كُل يَوْم قدر قامة،
[وأنه يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة] [3] .
[فصل فِي ذكر قتيل بَنِي إِسْرَائِيل] [4]
رَوَى السدي عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ رجل من بَنِي إسرائيل مكثرا من
المال، وكانت لَهُ بنت، وَكَانَ لَهُ ابْن أخ محتاج فخاطب إِلَيْهِ
ابْن أخيه ابنته، فأبى أَن يزوجه، فغضب الصبي، وقال: والله لأقتلن عمي
ولآخذن ماله ولأنكحن ابنته ولآكلن ديته.
فأتاه الفتى فَقَالَ لَهُ: يا عم، قَدْ قدم تجار فِي بَعْض أسباط بَنِي
إسرائيل، فانطلق معي فخذ لي من تجارة هَؤُلاءِ الْقَوْم لعلي أصيب
فِيهَا فإنهم إِذَا رأوك معي أعطوني.
فخرج العم مَعَ الفتى ليلا، فلما بلغ ذَلِكَ السبط قتله الفتى ثُمَّ
رجع إِلَى أهله، فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه لا يدري أين هُوَ، وإذا
هُوَ بِذَلِكَ السبط مجتمعين عَلَيْهِ، فأخذهم، وَقَالَ: قتلتم عمي
فأدوا إلي ديته، وجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه، وينادي: وا عمّاه.
قَالَ أَبُو العالية [5] : وأتى القاتل إِلَى موسى، فَقَالَ: إِن قريبي
قتل ولا أجد من يبين لي من قتله غيرك. فنادى موسى فِي النَّاس: أنشدكم
اللَّه، من كَانَ عنده من هَذَا القتيل علم إلا بينه لنا، فلم يكن
عندهم علم، فأقبل القاتل عَلَى موسى/ وَقَالَ: أَنْتَ نبي اللَّه فأسأل
اللَّه أن يبين لنا. فسأل ربه فأمره بذبح البقرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 450.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 451.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[4] مكان العنوان في الأصل بياض، وأوردناه من المختصر.
[5] تفسير الطبري 2/ 184.
(1/368)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْن حبيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْفَضْلِ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عَبْد الصمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ
بْن أَحْمَد بْن حمويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن حمويه، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن خريم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الحميد بْن
حميد، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْد الصمد بْن معقل، إنه سمع وهبا يَقُول [1] :
إِن فتى من بَنِي إسرائيل كَانَ برا بوالدته، وَكَانَ يقوم ثلث الليل
يصلي ويجلس عِنْدَ رأس والدته ثلث الليل، فيذكرها التسبيح والتكبير
والتهليل والتحميد، وَيَقُول: يا أماه إِن كنت ضعفت عَنْ قيام الليل
فكبري اللَّه وسبحيه وهلليه، وَكَانَ ذَلِكَ عملهما الدهر كُلهُ،
فَإِذَا أصبح أتى الجبل فاحتطب عَلَى ظهره، فيأتي بِهِ السوق فيبيعه
بِمَا شاء اللَّه أَن يبيعه، فيتصدق بثلثه، ويبقي لعبادته ثلثا، ويعطي
الثلث أمه، فكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف، فكان ذَلِكَ عملهما
الدهر.
فلما طال ذَلِكَ عليهما، قَالَتْ: يا بَنِي اعلم إني ورثت من أبيك بقرة
وختمت عنقها وتركتها فِي البقر عَلَى اسم اللَّه إله إِبْرَاهِيم
وإسحاق ويعقوب وسأبين لَكَ مَا لونها وهيئتها فادعها باسم إله
إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وإن علامتها أَنَّهَا ليست بهرمة
ولا فتية غَيْر أَنَّهَا بينهما، وَهِيَ صفراء فاقع لونها تسر
الناظرين، إِذَا نظرت إِلَى جلدها خيل إليك إِن شعاع الشمس يخرج من
جلدها، وليست بالذلول لونها واحد، فإذا رأيتها فخذ عنقها فأزلها تتبعك
بإذن إله إسرائيل.
فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته، وسار فِي البرية يومين أَوْ ثلاثة،
ثُمَّ صاح بها، وَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إلا
مَا أتيتيني، فأقبلت البقرة إِلَيْهِ وتركت الرعي وقامت بَيْنَ يدي
الفتى. فأخذ بعنقها، فتكلمت البقرة وَقَالَتْ: يا أيها الفتى البر
بوالدته اركبني، فَقَالَ الفتى: لَمْ تأمرني والدتي أَن أركب عليك
ولكنها أمرتني أن أسوقك، فأحب أَن أتبع قولها، قَالَتْ: وإله إسرائيل
لو ركبتني مَا كنت لتقدر عَلِي، فانطلق أيها الفتى البر بوالدته، فإنك
لو أمرت هَذَا الجبل أَن ينقلع من أصله لاقتلع لبرك بوالدتك وطاعتك
إلهك.
__________
[1] الخبر في تفسير الطبري 1/ 187.
(1/369)
فانطلق فطار طائر من بَيْنَ يديه فاختلس
البقرة، فدعاها بإله إِبْرَاهِيم فأقبلت وَقَالَتْ: إِن الطائر
إِبْلِيس اختلسني فلما ناديتني جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني
إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك.
فدخل الفتى إِلَى أمه فأخبرها بالخبر، فَقَالَتْ: يا بَنِي إني أراك
تحتطب عَلَى ظهرك فاذهب بِهَذِهِ البقرة فبعها وخذ ثمنها وتقوبه
فَقَالَ: بكم أبيعها؟ قَالَتْ: بثلاثة دنانير عَلَى رضى مني.
فانطلق إِلَى السوق فبعث اللَّه ملكا من الْمَلائِكَة فَقَالَ للفتى:
بكم تبيعها؟ قال:
بثلاثة دنانير عَلَى رضى من والدتي، قَالَ: لَكَ ستة دنانير ولا تستأمر
والدتك، قَالَ: لو أعطيتني زنتها لَمْ أبيعها حَتَّى أستأمرها. فخرج
الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت: بعها بستة دنانير عَلَى رضى مني.
فانطلق فأتاه الْمَلِك وَقَالَ: مَا فعلت؟ فَقَالَ: أبيعها بستة دنانير
عَلَى رضى من والدتي، فَقَالَ: فخذ اثني عشر دينارا ولا تستأمرها،
قَالَ: لا.
فانطلق إِلَى أمه، فَقَالَتْ: يا بَنِي إِن الَّذِي يأتيك ملك من
الْمَلائِكَة فِي صورة آدمي، فَإِذَا أتاك فقل لَهُ: إِن والدتي تقرأ
عليك السَّلام وتقول: بكم تأمرني أَن أبيع هذه البقرة؟ فَقَالَ لَهُ
الْمَلِك: أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بْن عمران لقتيل يقتل فِي
بَنِي إسرائيل، فاشتروها منه عَلَى أَن يملئوا له جلدها دنانير، فعمدوا
إلى جلدها فملئوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى. فعمد الفتى فتصدق
بالثلثين عَلَى الفقراء من بَنِي إسرائيل، وتقوى بالثلث
. [فصل فِي ذكر أَن بَنِي إِسْرَائِيل آذوا موسى فنسبوه إِلَى الآدر]
[1]
إِن قوما من بَنِي إِسْرَائِيل عابوا موسى لكونه يغتسل مؤتزرا، فقالوا
إنه آدر. والآدر:
العظيم الخصيتين.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 423، وصحيح البخاري، الغسل 20، وصحيح مسلم، حيض 75،
وفضائل 155، 156، ومسند أحمد 2/ 315، 515.
(1/370)
السَّرَخْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ،
فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا
إِلا أَنَّهُ آَدَرُ. فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ
عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَجَمَعَ مُوسَى فِي
أَثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى
نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ،
وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، وَأَخَذَ ثوبه فطفق
بالحجر ضربا» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَندب
بِالْحَجَرِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
فَإِن قيل: كَيْفَ خرج موسى عريانا حَتَّى رآه النَّاس؟
فيحتمل وجهين، أحدهما: أَنَّهُ خرج وليس هناك أحد فرأوه.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مئزر، والإزرة تبين تَحْتَ الثوب
المبتل بالماء
. [ذكر الملوك] فِي زمان موسى عَلَيْهِ السَّلام] [2]
إِن أول ملك من ملوك اليمن ملك كَانَ لَهُمْ فِي زمان موسى من حمير
يقال لَهُ:
شمير بْن الأهلوك [3] . وَهُوَ الَّذِي بنى مدينة ظفار باليمن، وأخرج
من كَانَ بها من العماليق، وإن هَذَا الملك الحميري كَانَ من عمال ملوك
الفرس يَوْمَئِذٍ على اليمن ونواحيها.
__________
[1] الحديث أخرجه البخاري 1/ 78، ومسلم في الفضائل، الباب 42، حديث
155، والقرطبي في التفسير 14/ 251.
[2] تاريخ الطبري 1/ 442، ومرآة الزمان 1/ 431. ومكان العنوان بياض في
الأصل، وما أوردناه من المختصر.
[3] في المرآة 1/ 431: «شمر بن الأملول» .
(1/371)
ومن الحوادث فِي زمانه [احتراق ابني
هَارُون] [1]
قَالَ وهب بْن منبه: كَانَ يسرج فِي بَيْت المقدس ألف قنديل وَكَانَ
يخرج زيتا من طور سيناء مثل عنق البعير حَتَّى يصب فِي القنديل، ولا
يمس بالأيدي، وكانت تنحدر نار من السماء بيضاء فيسرج بها، وَكَانَ يلي
السراج ابنا هَارُون. فأوحى اللَّه تَعَالَى إليهما:
أَن لا تسرجا بنار الدُّنْيَا، فأبطأت النار عَنْهُمَا عشية، فعمدا
إِلَى نار من نار الدنيا فأسرجا بها، فانحدرت النار فأحرقتهما.
فخرج الصريخ إِلَى موسى فخرج إِلَى الموضع الَّذِي كَانَ يناجي فِيهِ
ربه، فقال:
أي رب ابنا هارون أخي، قَدْ علمت منزلتهما مني فانحدرت النار
فأحرقتهما، وناداه: يا موسى هكذا أفعل بأوليائي إِذَا عصوني، فكيف أفعل
بأعدائي
. [ومن الحوادث] [2] موت هَارُون فِي زمان موسى عليهما السَّلام [3]
رَوَى السدي عَنْ أشياخه [4] : إِن اللَّه تَعَالَى أوحى إِلَى موسى:
إني متوف هَارُون، فأتى بِهِ جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نَحْو
الجبل، فَإِذَا [هما] [5] فِيهِ بشجرة لَمْ ير شجر مثلها، وإذا هما
ببيت مبني، وإذا هما فِيهِ بسرير عَلَيْهِ فرش، وإذا فِيهِ ريح طيبة،
فلما نظر هَارُون إِلَى ذَلِكَ الجبل والبيت وَمَا فِيهِ أعجبه،
فَقَالَ: يا موسى إني لأحب أَن أنام عَلَى هَذَا السرير، فَقَالَ لَهُ
موسى: فنم عَلَيْهِ، قَالَ إني أخاف أَن يَأْتِي رب هَذَا الْبَيْت
فيغضب عَلِي، فَقَالَ لَهُ موسى: لا ترهب، أنا أكفيك رب هَذَا الْبَيْت
فنم، فَقَالَ: يا موسى نم معي.
فناما فأخذ هَارُون الْمَوْت، فلما قبض رفع ذَلِكَ الْبَيْت وذهبت تلك
الشجرة ورفع
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 431. وما بين المعقوفتين من المرآة.
[2] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل.
[3] تاريخ الطبري 1/ 432، وعرائس المجالس 246، ومرآة الزمان 1/ 441.
[4] تاريخ الطبري 1/ 432.
[5] في الأصل: «هم» والتصحيح من الطبري.
(1/372)
السرير بِهِ إِلَى السماء، فلما رجع موسى
إِلَى بَنِي إسرائيل وليس مَعَهُ هَارُون، قَالُوا: إِن موسى قتل
هَارُون وحسده عَلَى حب بَنِي إسرائيل لَهُ، وَكَانَ هَارُون أكف
عَنْهُم وألين لهم من موسى، وكان في بَعْض الغلظ/ عَلَيْهِم.
فلما بلغه ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: ويحكم، أترونني أقتل أَخِي، فلما
أكثروا عَلَيْهِ قام فصلى ركعتين ثُمَّ دعا اللَّه فنزل بالسرير حَتَّى
نظروا إِلَيْهِ من السماء وَالأَرْض فصدقوه.
وَقَالَ عَمْرو بْن ميمون: مَات موسى وهارون فِي التيه، مَات هَارُون
قبل موسى، وكانا أخرجا فِي التيه إِلَى بَعْض الكهوف، فمات فدفنه موسى
وانصرف إِلَى بَنِي إسرائيل، فَقَالُوا: مَا فعل هَارُون؟ قَالَ: مَات،
قَالُوا: لكنك قتلته لحبنا إياه. فشكى موسى مَا لقي من بَنِي
إِسْرَائِيل، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ: أَن انطلق بهم إِلَى موضع قبره،
فإني باعثه حَتَّى يخبرهم أَنَّهُ مَات موتا.
فانطلق بهم إِلَى قبر هَارُون، فنادى: يا هَارُون، فخرج من قبره ينفض
رأسه، فَقَالَ: أنا قتلتك؟ قَالَ: لا والله ولكني مت، قَالَ: فعد إِلَى
مضجعك.
قَالَ الْحَسَن: مَات هَارُون وَهُوَ ابْن مائة وثماني عشرة سَنَة، قبل
موسى بثلاث سنين.
وَفِي التوراة: أَن هَارُون مَات وَهُوَ ابْن عشرين ومائة سَنَة وكانت
وفاته فِي التيه
. [ومن الأحداث] [1] وفاة موسى عَلَيْهِ السَّلام [2]
قَالَ السدي عَنْ أشياخه: بينما موسى يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح
سوداء، فلما نظر [إليها] [3] يوشع ظن أَنَّهَا الساعة فالتزم موسى
وَقَالَ: يا قوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي اللَّه، فاستل موسى من
تَحْتَ القميص وترك القميص فِي يدي يوشع، فلما جاء يوشع بالقميص أخذته
بنو إِسْرَائِيل، وَقَالُوا: قتلت نبي اللَّه، قَالَ: لا والله مَا
قتلته ولكنه استل مني، فلم يصدقوه وأرادوا قتله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل.
[2] تاريخ الطبري 1/ 432، عرائس المجالس 247، ومرآة الزمان 1/ 442،
والزهد لأحمد بن حنبل 74.
[3] في الأصل «إليه» والتصحيح من الطبري.
(1/373)
قَالَ: فَإِذَا لَمْ تصدقوني فأخروني ثلاثة
أَيَّام. فدعا اللَّه فأتى كُل رجل مِمَّن كَانَ يحرسه فِي المنام،
فأخبر أَن يوشع لَمْ يقتل موسى، وأنا قَدْ رفعناه إلينا، فتركوه ولم
يبق ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مَعَ موسى أحد إلا مَات وَلَمْ يشهد
الفتح.
وزعم ابْن إِسْحَاق: أَن موسى كَانَ قَدْ كره الْمَوْت وأعظمه، فأراد
اللَّه أَن يحبب إِلَيْهِ الْمَوْت ويكره إِلَيْهِ الحياة، فنبي يوشع
وَكَانَ يغدو عَلَيْهِ ويروح فَيَقُول لَهُ موسى: يا نبي اللَّه مَا
أحدث اللَّه إليك؟ فَيَقُول لَهُ يوشع: يا نبي اللَّه ألم أصحبك كَذَا
وكذا سَنَة، فهل كنت أسألك عن شَيْء مِمَّا أحدث اللَّه إليك حَتَّى
تكون أَنْتَ الَّذِي تبتدئ بِهِ وتذكره؟ فلا يذكر لَهُ شَيْئًا.
فلما رأى ذَلِكَ موسى كره الحياة وأحب الْمَوْت.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد بْن كعب القرظي: كَانَ تحويل النبوة إِلَى
يوشع بْن نون قبل موت موسى، وَكَانَ يختلف يوشع إِلَى موسى غدوة وعشية،
فَيَقُول لَهُ موسى: يا نبي اللَّه هل أحدث اللَّه إليك اليوم شَيْئًا؟
فَيَقُول لَهُ يوشع: يا صفي اللَّه صحبتك من كَذَا وكذا سَنَة، فهل
سألتك عَنْ شَيْء يحدثه اللَّه إليك حَتَّى تكون أَنْتَ الَّذِي تبتدئه
لي؟ فلما رأى موسى الْجَمَاعَة عِنْدَ يوشع أحب الْمَوْت.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: هذه العبارة توهم بَعْض الأغبياء
أَن موسى غاظه مَا رأى، فأحب الْمَوْت، إذ ضاق ذرعا بالذي أبصر من
منزلة يوشع حِينَ علت. وليس كَذَلِكَ، إِنَّمَا أحب موسى الْمَوْت لما
رأى لَهُ خلفا فِي أمته كافيا يقوم مقامه فيهم، فاستطاب حينئذ الْمَوْت
لما وصفنا لا غَيْر.
وَأَمَّا استجابة يوشع وامتناع يوشع من إفشائه مَا يَكُون من اللَّه
إِلَيْهِ فلم يك من بَاب التعزز من يوشع ولا من حبه الاقتصار من موسى
إِلَيْهِ، بَل هُوَ من استخبار موسى يوشع هل بلغ حد الأمناء الَّذِينَ
يكتمون مَا يجب كتمه عَنْ أقرب النَّاس إليهم وأعزهم عَلَيْهِم، فلما
ألفى يوشع بالغا هذه المرتبة لَمْ يشك فِي نهوضه بالوحي واستمكانه من
الحال الَّتِي أَهْل لَهَا فهذا الَّذِي أصار موسى إِلَى السؤال [1] .
ويدل عَلَى هَذَا مَا روي عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ، قَالَ: لما ودع موسى
أهله وولده أرسل
__________
[1] في المختصر: «فهذا هو الّذي بعث موسى أم إلى السؤال» .
(1/374)
إِلَى يوشع فاستخلفه عَلَى النَّاس، قَالَ:
وَكَانَ موسى إِنَّمَا يستظل فِي عريش ويأكل ويشرب فِي نقير من حجر
تواضعا للَّه عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أكرمه بكلامه.
قَالَ وهب: ذكر لي أَنَّهُ كَانَ من أمر وفاته أَنَّهُ أخرج يوما من
عريشه ذَلِكَ لبعض حاجته، فمر برهط من الْمَلائِكَة يحفرون قبرا،
فعرفهم فأقبل إليهم حَتَّى وقف عَلَيْهِم فَإِذَا هُمْ يحفرون قبرا
لَمْ ير شَيْئًا أَحْسَن منه وَلَمْ ير مثل مَا فِيهِ من الخضرة
والنضرة والبهجة، فَقَالَ لَهُمْ: يا مَلائِكَة اللَّه لَمْ تحفرون
هَذَا القبر؟ قَالُوا: نحفره والله لعبد كريم على الله، قال: إن هذا
العبد من اللَّه لبمنزلة، مَا رأيت كاليوم مضجعا، قَالَتِ
الْمَلائِكَة:
يا صفي اللَّه أتحب أَن يَكُون لَكَ؟ قَالَ: وددت، قَالُوا: فانزل
فاضطجع فِيهِ وتوجه إِلَى ربك ثُمَّ تنفس، فنزل فاضطجع فيه وتوجه إِلَى
ربه ثُمَّ تنفس فقبض اللَّه روحه ثُمَّ سوت عَلَيْهِ الْمَلائِكَة.
قَالَ مؤلف الكتاب: وَفِي هَذَا بَعْد، فَإِن الْحَدِيث الصحيح يدل
عَلَى غَيْر هَذَا.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا
أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق، قال: حدثنا
معمر، عن همام مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ،
قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ ففقأها، فرجع الملك
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى
عَبْدٍ لَكَ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فقأ عيني، قال: فَرَدَّ
اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ:
إِنْ كُنْتَ تُرِيدَ الْحَيَاةِ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ
فَمَا تَوَارَيَتْ بِيَدِكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا
سَنَةً.
[فَعَادَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ] [1] فَقَالَ: ثُمَّ مَهْ، قَالَ:
ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ. قَالَ: يَا رَبِّ
أَدْنِنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حجر» . قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي
عِنْدَهُ لأَرَيَتْكُمُ [قَبْرَهُ] [2] إِلَى جنب الطريق عند الكثيب
الأحمر» [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] الحديث: أخرجه أحمد في المسند 2/ 269، 315، وصحيح البخاري 4/ 121،
وصحيح مسلم، الفضائل 158، ومسند أبي عوانة 1/ 188، والبداية والنهاية
1/ 317.
(1/375)
قَالَ أَبُو عمران الجوني: لما مثل موسى
عَلَيْهِ السَّلام جعل يبكي وَيَقُول: لست أجزع للموت ولكني أجزع أَن
ييبس لساني عَنْ ذكر اللَّه عِنْدَ الْمَوْت.
قَالَ: وَكَانَ لموسى ثَلاث بنات فدعاهن فَقَالَ: يا بناتي، إِن بَنِي
إِسْرَائِيل سيعرضون عليكن الدُّنْيَا بعدي فلا تقبلن منها شَيْئًا
تلقطن هَذَا السنبل فافركنه ثُمَّ كلنه، وستبلغن بِهِ إِلَى الْجَنَّة.
قَالَ علماء السير: توفي موسى بَعْد هَارُون بثلاث سنين، وأوصى إِلَى
يوشع، وتوفي بباب لد.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطبري [1] : كَانَ جميع مدة عُمَر موسى عَلَيْهِ
السَّلام مائة وعشرين سَنَة، عشرون منها فِي ملك أفريدُونَ، ومائة منها
فِي ملك منوشهر، وَكَانَ ابتداء أمره منذ بعثه اللَّه نبيا إِلَى أَن
قبضه اللَّه فِي ملك منوشهر.
واختلفوا: هل مَات بأرض الشام أم لا عَلَى قولين: أحدهما أَنَّهُ توفي
بأرض التيه، وَقَدْ روينا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَاتُوا
كلهم فِي التيه وموسى وهارون، وَلَمْ يدخل بَيْت المقدس إلا يوشع،
وكالب بْن يوفنا، والحَدِيث الَّذِي قدمناه يدل عَلَى هَذَا.
والقول الآخر: لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إِسْرَائِيل من التيه،
وَقَالَ لَهُمْ: ادخلوا القرية فكلوا منها حيث شئتم. قاله الرَّبِيع
بْن أَنَس، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد.
وَقَالَ ابْن جَرِير: وَهَذَا هُوَ الصحيح، وإن موسى هُوَ الَّذِي فتح
قرية الجبارين مَعَ الصالحين من بني إسرائيل لأن أَهْل السير أجمعوا
أَن موسى هُوَ قاتل عوج، وَكَانَ عوج ملكهم، وَكَانَ بلعام فيمن سباه/
سباه موسى وقتله.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: وَقَدْ قيل: إِن الْيَهُود لا
تدري أين قبر موسى وهارون، ولو علموا لاتخذوهما إليهن من دون الله.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 434.
(1/376)
|