المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

. ذكر مولده عَلَيْهِ السلام
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : ولد عَلَيْهِ السلام [3] فِي يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول عام الفيل [4] .
وقيل: لليلتين خلتا منه [5] .
وقيل: لإحدى عشرة ليلة خلت منه [6] .
وَقَالَ ابن عباس: ولد يوم الجمعة يوم الفيل، وكان قدوم الفيل وهلاك أصحابه يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم وكان أول المحرم تلك السنة الجمعة وذلك [7] فِي عهد كسرى أنوشروان لمضي اثنتين وأربعين سنة من ملكه.
وقد حكى أَبُو بكر الحيري: أن شيخا من الصالحين حكى له أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي المنام قَالَ: قلت: يا رسول اللَّه، بلغني أنك قلت: «ولدت فِي زمن الملك العادل» وإني سألت الحاكم أبا عَبْد اللَّه الحافظ عَنْ هَذَا الحديث فقال: هذا كذب لم يقله رسول الله. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «صدق أَبُو عَبْد اللَّه» .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بن
__________
[1] أي أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل.
وكذلك روى هذا القول ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 100 ورجح القول الأول.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر مولده عَلَيْهِ السلام. قَالَ مؤلف الكتاب» .
[3] «عليه السلام» سقط من ت.
[4] طبقات ابن سعد 1 (100، 101. والسيرة النبويّة 1/ 171. والبداية والنهاية 2/ 261.
[5] الطبقات الكبرى 1/ 101.
[6] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 158.
[7] «أول المحرم تلك السنة الجمعة وذلك» سقط من ت.

(2/245)


الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي الدنيا قال: أخبرني محمد بن صالح الْقُرَشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنِ ابْنِ جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: [1] وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَكَانَ قُدُومُ الْفِيلِ لِلنِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَبَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً وَكَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَالْفِجَارِ عِشْرُونَ سَنَةً، وَكَانَ بَيْنَ الْفِجَارِ وَبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ [2] خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسن قال: أخبرنا/ ابن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن أحمد الدقاق قَالَ: أَخْبَرَنَا [3] أَبُو الحسن مُحَمَّد بْن أحمد بْن البراء قَالَ:
ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول يوم العشرين من نيسان.
أنبأنا يحيى بن الحسن بن البناء قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا الْمُخَلِّصُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الطُّوسِيُّ قال: [أخبرنا] [4] الزُّبَير بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سعد بن زرارة، عَنْ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ [5] قَالَ:
إِنِّي لَغُلامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ [ذَاتَ] [6] غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، [7] فلما اجتمعوا قالوا: مالك [وَيْلَكَ] [8] ؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ
__________
[1] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا إسماعيل بن أحمد بإسناد له عن أبي جعفر محمد بن علي قال» :
[2] في ت: «وكان بين بنيان الكعبة والفجار» .
[3] في ت: «قال أبو الحسن محمد أحمد بن البراء» . وحذف باقي السند.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] حذف الإسناد في ت، وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بن الحسن بن البناء بإسناد له عن حسان بن ثابت قال» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «اليهود» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/246)


بِهِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَأَدْرَكَهُ الْيَهُودِيُّ [1] وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ [2] .
قَالَ ابن جرير: وقيل إنه ولد عَلَيْهِ السلام فِي الدار التي تعرف بدار مُحَمَّد بْن يُوسُف الثقفي.
وقيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها لعقيل بْن أبي طالب، فلم تزل فِي يد عقيل حَتَّى توفي، فباعها ولده من مُحَمَّد بْن يُوسُف أخي الحجاج فبنى داره التي يقال لها: دار ابن يُوسُف، وأدخل ذلك البيت فِي الدار حَتَّى أخرجته الخيزران فجعلته مسجدا يصلي فيه
. ذكر ما جرى عند وضع آمنة لرسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
[3] روى عثمان بْن أبي العاص قَالَ: حدثتني أمي أنها [شهدت] [4] ولادة آمنة لرسول [5] اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وكان ذَلِكَ ليلة ولدته [6] قالت: فما شَيْء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر [7] إِلَى النجوم تدنو حَتَّى [إني] [8] لأقول: ليقعن علي [9] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بن الحسن قال: أخبرنا أبو
__________
[1] في الأصل: «المؤمن» .
[2] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 159. ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 110. والمستدرك للحاكم 3/ 486.
وأورده ابن الجوزي في ألوفا برقم 90.
[3] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى عند وضع آمنة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «رسول الله» .
[6] في ت: «وكان ذلك ليلا» وسقطت كلمة «ولدته» . وفي الأصل: «وكان ذلك ليلا ولدته» .
وما أثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي 1/ 111.
[7] في الأصل: «انظر» .
[8] في الأصل، ت: «حتى أقول» وما بين المعقوفتين زيادة من دلائل النبوة للبيهقي 1/ 111.
[9] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 111. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 220، وقال: «رواه الطبراني، وفيه: عبد العزيز بن عمران، وهو متروك» .
وفي شرح المواهب 1/ 163: «والصحيح أن ولادته عليه الصلاة والسلام كانت نهارا لا ليلا» .

(2/247)


الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أحمد الدقاق قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَتْ آمِنَةُ [1] وَلَدْتُهُ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الأَرْضِ، وَأَهْوَى سَاجِدًا، وَوُلِدَ وَقَدْ قُطِعَتْ سراره، فغطين [2] عَلَيْهِ إِنَاءً فَوَجَدْتُهُ قَدْ تَفَلَّقَ الإِنَاءُ عَنْهُ وَهُوَ يَمَصُّ إِبْهَامَهُ/ يَشْخُبُ لَبَنًا، وَكَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ حِينَ وُلِدَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ قَالُوا: لا نَعْلَمُهُ. قَالَ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ نَبِيُّ الْعَرَبِ، بِهِ شَامَةٌ بَيْنَ مِنْكَبَيْهِ سَوْدَاءً ظَفْرَاءً، فِيهَا شَعْرَاتٌ- فَرَجَعَ الْقَوْمُ فَسَأَلُوا أَهْلِيهِمْ [3] . فَقِيلَ:
وُلِدَ اللَّيْلَةَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلامٌ. فَلَقُوا الْيَهُودِيَّ فَأَخْبَرُوهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا الَّذِي سَرَّ أَحْبَارَهُمْ، أَفَرِحْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ!؟ وَاللَّهِ لَيَسْطُوَنَّ بكم سطوة يخرج نبأها من المشرق إلى الْمَغْرِبِ [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أخبرنا الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. وَقَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [5] .
أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَضَعَتْهُ تَحْتَ بُرْمَةٍ فَانْفَلَقَتْ عَنْهُ. قَالَتْ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ شَقَّ بَصَرَهُ بِنَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ [6] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«رَأَتْ أُمِّي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ منه قصور الشّام» [7] .
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا عبد الوهاب الحافظ بإسناد له عن آمنة» .
[2] في ألوفا (97) : «وكنت وضعت عليه» . وفي الطبقات الكبرى: «وضعته تحت برمة» .
[3] في ت: «أهاليكم» .
[4] انظر الخبر في: دلائل النبوة للبيهقي 1/ 108، 109، والمستدرك للحاكم 2/ 601، 602. وألوفا لابن الجوزي 97، 98.
[5] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن محمد بن سعد ... » .
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 102.
[7] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 102.

(2/248)


قَالَ ابن سعد: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمرو بْن واقد قَالَ: حدثني علي بْن يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن وهب بْن زمعة، عَنْ أبيه، عَنْ عمته قالت:
لما ولدت آمنة بنت وهب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أرسلت إِلَى عَبْد المطلب، فجاءه البشير وهو جالس فِي الحجر معه ولده ورجال من قومه، فأخبره أن آمنة قد ولدت غلاما فسر بذلك عَبْد المطلب وقام هو ومن معه فدخل عليها فأخبرته بكل ما رأت، وما قيل لها وما أمرت به، فأخذه عبد المطّلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو اللَّه ويشكر ما أعطاه [1] .
قَالَ ابن واقد: أخبرت/ أن عَبْد المطلب قَالَ يومئذ [2] :
الحمد للَّه الذي أعطاني ... هَذَا الغلام الطيب الأردان
قد ساد فِي المهد عَلَى الغلمان ... أعيذه بالبيت ذي الأركان [3]
حَتَّى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنئان [4]
من حاسد مضطرب العنان
[5]
ذكر الحوادث التي كانت ليلة ولادته صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ
[6] أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْن المبارك الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم عبد الواحد بْن علي بْن مُحَمَّدً بْن فهد العلاف قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الفرج محمد بن فارس الغوري قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن علي بْن أحمد بْن علي بْن أبي قيس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي الدنيا [7] قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن حرب قَالَ حَدَّثَنَا يعلى بْن عمران البجلي قَالَ: حدثني مخزوم بْن هانئ، عَنْ أَبِيهِ وأتت له خمسون ومائة سنة قَالَ:
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 103.
[2] في الأصل: «قال يومئذ هذا» .
[3] في ابن سعد 1/ 103: «أعيذه باللَّه ذي الأركان» .
[4] في الأصل: «من شر كل شاني» .
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 103.
[6] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث التي كانت ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم» .
[7] في ت: «أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك بإسناد عن ابن أبي الدنيا» وأكمل السند بعد ذلك.

(2/249)


لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة [1] ، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فِي بلادها [2] .
فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى، فتصبر عَلَيْهِ تشجعا [3] ، ثم رأى أن لا يكتم ذلك عَنْ وزرائه ومرازبته [4] ، فلبس تاجه، وقعد عَلَى سريره، وجمعهم إليه، فلما اجتمعوا عنده قَالَ: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك. [قَالَ المصنف رحمه اللَّه: رأى كسرى ارتجاس الإيوان وسقوط الشرف فحسب لا المنام، فالمنام للموبذان وهو قاضي قضاتهم] [5] .
فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار [6] ، فازداد غما إِلَى غمه، فَقَالَ الموبذان: وأنا- أصلح اللَّه الملك- قد رأيت فِي هَذِهِ الليلة. وقص عَلَيْهِ الرؤيا فِي الإبل، فَقَالَ: أي شيء يكون [7] هَذَا يا موبذان؟ فَقَالَ: حادث يكون من عند العرب.
فكتب عند ذلك [إِلَى النعمان بْن المنذر] : [8] من كسرى ملك الملوك إِلَى النعمان بْن المنذر، أما بعد: فوجه إلي/ رجلا عالما بما أريد أن أسأله عنه.
فوجه إليه عَبْد المسيح بْن عمرو بْن حيان بْن بقيلة [9] الغساني. فلما قدم عَلَيْهِ، قَالَ له: هل عندك علم بما أريد [10] أن أسألك عنه قَالَ: ليخبرني الملك. قَالَ: فإن
__________
[1] في ت والأصل: «شرافة» .
[2] في ت: «بلادهم» .
[3] «فتصبر عليه تشجعا» سقط من ت.
[4] «ومرازبته» سقط من ت. وهي جمع مرزبان، وقد وردت في الأصل: «مرازبته» . وهو خطأ. والتصحيح من اللسان مادة «زرب» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] في ت: «النيران» .
[7] «يكون» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في الأصل: «نفيلة» .
[10] في ت: «أعندك علم بما أريد» . وفي الأصل: «هل عندك علم بما يريد» .

(2/250)


كَانَ عندي منه علم [أخبرته] [1] ، وإلا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رأى، فَقَالَ: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام، يقال له: سطيح. قَالَ: فأته فاسأله عما سألتك عنه وائتني بجوابه.
فركب عَبْد المسيح راحلته حَتَّى قدم عَلَى سطيح، وقد أشفى عَلَى الموت، فسلم عَلَيْهِ. وحياه، فلم يخبر سطيح جوابا، فأنشأ عَبْد المسيح يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن ... [أم فاد فازلم به شأو العنن] [2]
يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... وكاشف الكربة عَنْ وجه غضن
أتاك شيخ الحي من آل سنن ... وأمه من آل ذئب بْن حجن
[أزرق بهم الناب صوار الأذن] [3] ... أبيض فضفاض الرداء والبدن
رسول قيل العجم يسري بالرسن ... [لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن]
[4] فلما سمع سطيح [5] شعره رفع رأسه وَقَالَ: عَبْد المسيح، عَلَى جمل مسيح، إِلَى سطيح، وقد أوفى عَلَى الصريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت فِي بلادها. يا عَبْد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات عَلَى عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانه، فصار عبد المسيح إِلَى أهله وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذلك أطوار دهارير
/ فربما ربما أضحوا بمنزلة ... يهاب صولتها الأسد المهاصير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي 1/ 129.
[3] ، (4) ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من دلائل النبوة 1/ 128 وفي الدلائل أبيات أخر.
[5] «سطيح» سقطت من ت.

(2/251)


منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور
وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان من قرن ... والخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح عَلَى كسرى أخبره بقول سطيح، فَقَالَ:
إِلَى أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور، فملك منهم أربعة [1] عشر، عشرة [2] فِي أربع سنين، وملك الباقون إِلَى خلافة عثمان بْن عفان رضي اللَّه عنه [3] .