المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
. ذكر الحوادث التي كانت فِي سنة ثمان من
مولده صلى الله عليه وسلم
[4]
منها: موت عَبْد المطلب:
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عن عبد الله بن أبي بكر قال: كَانَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ يُوصِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ
وَعَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَا لأُمٍّ [وأب] [4] .
__________
[1] في ألوفا: «هرمز» .
[2] الخبر أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 9- 14 عن أبي زرعة بن سيف
بن يزن. وكذلك أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة 52- 60. وابن كثير في
البداية والنهاية 2/ 328- 330. وابن الجوزي في ألوفا برقم 141، 142.
[3] ألوفا برقم 142.
بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث التي كانت فِي سنة ثمان من مولده صلى
الله عليه وسلم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/280)
قَالَ مؤلف الكتاب: قلت [1] : وقد كان
الزبير عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمهما أيضا
[2] ، لكن كفالة أبي طالب له لسبب فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: وصية عَبْد المطلب لأبي طالب.
والثاني: أنهما اقترعا فخرجت القرعة لأبي طالب.
والثالث: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم اختاره.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري
قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا ابن معروف قال: أَخْبَرَنَا الحارث
بن أبي أسامة قال أخبرنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ
قال:
وحدثني عبد الله بن جعفر بْن عبد الواحد بْن حمزة بْن عَبْد اللَّه
قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا هشام بْن الأعصم الأسلمي، عَنِ المنذر بْن جهم قَالَ:
وَحَدَّثَنَا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:
وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبي الحويرث قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا ابن أبي سبرة، عن سلمان بن سحيم عن نافع بن جُبَيْرٍ-
دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ- قَالُوا: [3] لما حضرت عَبْد
المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحياطته، ولما نزل [4] بعَبْد المطلب الوفاة قَالَ لنسائه ابكينني،
وأنا أسمع فبكته كل واحدة منهن بشعر، فلما تسمع قول أميمة وقد أمسك
لسانه جعل يحرك رأسه- أي قد صدقت، وقد كنت كذلك- وهو قولها:
أعيني جودا بدمع درر ... عَلَى طيب الخيم والمعتصر
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب قلت» سقطت من ت.
[2] «أيضا» سقطت من ت.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بْنُ أَبِي طَاهِرٍ
بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بن سعد عن عبد الواحد بْن حمزة بْن
عَبْد اللَّه عن عبد الله وعن نافع بن جبير وغيرهما. دخل حديثهم في
حديث بعض» .
[4] في الأصل: «نزلت» .
(2/281)
عَلَى ماجد الجد واري الزناد ... جميل
المحيا عظيم الخطر
عَلَى شيبة الحمد ذي المكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الحلم والفضل فِي النائبات ... كثير المكارم جم الفخر
له فضل مجد عَلَى قومه ... مبين يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تشوه ... بصرف الليالي وريب القدر
قَالَ: ومات عَبْد المطلب وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة.
ويقال: ابن مائة وعشر سنين [1] .
وقيل: ابن مائة وعشرين سنة.
وسئل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أتذكر موت عَبْد المطلب؟
قَالَ: «نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين» . قالت أم أيمن: رأيت رسول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ يبكي خلف سرير عَبْد
المطلب [2] .
وقد أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قَالَ: أخبرنا عَاصِمُ بْنُ
الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْن بشران قَالَ:
أَخْبَرَنَا عثمان بْن مُحَمَّد الدقاق قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ بْن الْبَرَاءِ [3] قَالَ:
توفي عَبْد المطلب ورسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قد أتى
عَلَيْهِ ثمانية وعشرون شهرا.
قَالَ وهذا المحفوظ من القول.
قَالَ مؤلف الكتاب [4] : والقول الأول أصح.
وتوفي عَبْد المطلب فِي ملك هرمز بْن أنوشروان، وكان قد مات قبل ذلك
أنوشروان وعلى الحيرة قابوس بن المنذر.
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 118، 119. وألوفا الباب الخامس
والثلاثون.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 119. وألوفا برقم 143.
[3] حذف السند وكتب بدلا منه: «وقد أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن
المبارك بإسناد له عن أبي الحسين بن البراء قال» .
[4] في ت: «قال المصنف رحمه الله» .
(2/282)
ومن الحوادث [1] : كفالة أبي طالب رسول
اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد
بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد
قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قَالَ.
وَأَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَعْفَرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بن إسماعيل بن أبي حبيبة- دخل حديث
بَعْضُهُمْ فِي [حَدِيثِ] [2] بَعْضٍ- قَالُوا [3] :
لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَبَضَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَكَانَ يَكُونُ
معه [4] ، وكان أبو طالب لا مَالَ لَهُ، وَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا
شَدِيدًا لا يُحِبُّهُ وَلَدَهُ [5] ، وَكَانَ لا يَنَامُ إِلا إِلَى
جَنْبِهِ، وَيَخْرُجُ فَيَخْرُجُ مَعَهُ، وَصُبَّ بِهِ أَبُو طَالِبٍ
صَبَابَةً لَمْ يُصَبَّ مِثْلَهَا بِشَيْءٍ قَطُّ، وَقَدْ كَانَ [6]
يَخُصُّهُ بِالطَّعَامِ، وَإِذَا أَكَلَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ
جَمِيعًا أَوْ فُرَادَى لَمْ يَشْبَعُوا، وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبِعُوا، فَكَانَ
إِذَا أَرَادَ أَنْ يغذيهم قَالَ: كَمَا أَنْتُمْ حَتَّى يَحْضُرَ
ابْنِي، فَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ، فَكَانُوا يُفْضِلُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَإِذَا
لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ لَمْ يَشْبَعُوا، فَيَقُولُ أَبُو طَالِبٍ:
إِنَّكَ لَمُبَارَكٌ! وَكَانَ الصِّبْيَانُ يُصْبِحُونَ رُمْصًا
شُعْثًا، وَيُصْبِحُ [7] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دهينا كحيلا [8] .
__________
[1] «ومن الحوادث» بياض مكانها في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل زدناها من ابن سعد لحاجة السياق
لها.
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْبَاقِي» .
أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ بإسناد له عن ابن سعد ... » ثم أكمل السند
كما هو بالأصل.
[4] «إليه فكان يكون معه» سقط من ت.
[5] في ت: «لا يحبه ولده مثله» وما أثبتناه ما في الأصل وهو موافق لما
في ابن سعد.
[6] في ت وابن سعد: «وكان» .
[7] «يصبح» سقطت من ت.
[8] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 119، 120. وألوفا 147. وهو أيضا في
البداية والنهاية (فصل رضاعه وما ظهر عليه من البركات) .
(2/283)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ،
عن عمرو بن سعيد قال:
كَانَ أَبُو طَالِبٍ تُلْقَى لَهُ وِسَادَةٌ يَقْعُدُ عليها، فجاء
النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلامٌ فَقَعَدَ عَلَيْهَا، فَقَالَ
أَبُو طَالِبٍ: وَإِلَهِ رَبِيعَةَ، إِنَّ ابْنَ أَخِي لَيَحْسُنُ
بِنَعِيمٍ [1] .
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاق الأزرق قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن عون، عَنْ عمرو بْن سَعِيد: أن أبا طالب
قَالَ: كنت بذي المجاز، ومعي ابن أخي- يعني النّبي صلى الله عليه وسلم-
فأدركني العطش، فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخي قد أدركني العطش. وما قلت
له [ذاك] [2] وأنا أدري أن عنده شيئا إلا الجزع، قَالَ: فثنى وركه، ثم
نزل فَقَالَ: يا عم أعطشت؟ قَالَ: قلت:
نعم: فأهوى بعقبه إِلَى الأرض، فإذا بالماء فَقَالَ: اشرب يا عم فشربت
[3] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الله بن أبي سبرة،
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ: كَانَ بِبُوَانَةَ [4] صَنَمٌ
تَحْضُرُهُ قُرَيْشٌ وَتُعَظِّمُهُ، وَتَنْسِكُ لَهُ النَّسَائِكَ،
وَيَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ عِنْدَهُ، وَيَعْكِفُونَ عِنْدَهُ يَوْمًا
إِلَى اللَّيْلِ، وَذَلِكَ يَوْمًا فِي السَّنَةِ، فَكَانَ أَبُو
طَالِبٍ يَحْضُرُهُ مَعَ قَوْمِهِ [5] ، وَكَانَ يُكَلِّمُ رَسُولَ
اللَّهِ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعِيدَ مَعَ قَوْمِهِ، فَيَأْبَى
رَسُولُ الله ذَلِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ غَضِبَ
[عَلَيْهِ،] [6] وَرَأَيْتُ عَمَّاتِهِ غَضِبْنَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ
أَشَدَّ الْغَضَبِ [7] ، وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: [إِنَّا نَخَافُ
عَلَيْكَ مِمَّا تَصْنَعُ من اجتناب آلهتنا،] [8]
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 120. وألوفا 148.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من ابن سعد 1/ 152.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 152، 153. وألوفا برقم 149.
[4] في ت: «بداره» .
[5] في الأصل: «يحضر مع قومه» وما أثبتناه من ت وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين زيادة من ابن سعد.
[7] في الأصل: «غضبن عليه أشد الغضب يومئذ» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
(2/284)
وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: مَا تُرِيدُ يَا
مُحَمَّدُ أَنْ تَحْضُرَ لِقَوْمِكَ عِيدًا، وَلا تُكَثِّرَ لَهُمْ
جَمْعًا [1] . قَالَتْ:
فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُمْ، فَغَابَ مَا شَاءَ
اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا مَرْعُوبًا فَقَالَتْ لَهُ عَمَّاتُهُ
[2] : مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي لَمَمٌ.
فَقُلْنَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَبْتَلِيَكَ بِالشَّيْطَانِ وَفِيكَ
مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ مَا فِيكَ [فَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟] [3]
قَالَ: إِنِّي كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْ صَنَمٍ مِنْهَا تَمَثَّلَ لِي
رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي: وَرَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ، لا
تَمَسَّهُ! قَالَتْ فَمَا عاد إلى عيد لهم [4] حتى تنبأ صلى الله عليه
وسلم [5]
. ومن الحوادث: هلاك حاتم الطائي [6]
وهو: حاتم بْن عَبْد اللَّه بْن سعد بْن الحشرج بْن امرئ القيس، وأمه:
غنية بنت عفيف، من طيِّئ، ويكنى: أبا سفانة، وهي ابنته، وأبا عدي.
وسفانة هي التي أتت رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فقالت: هلك
الوالد ومات الوافد [7] .
وكان شاعرا جوادا، إذا سئل أعطى [8] ووهب، وإذا غنم انهب، ومر فِي سفر
له عَلَى عيره وفيهم أسير، فاستغاث به وما حضره فكاكه. فَقَالَ: أسأت
إلي حين [9] فوهت باسمي، وما أنا ببلاد قومي، وليس [10] عندي ما أفديك
به. ثم اشتراه وخلاه، وأقام مكانه في القيد [11] حتى أتي بفدائه.
__________
[1] «جمعا» سقطت من ت.
[2] في الأصل، ت: «فقلن عماته» . وما أثبتناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «لنا» .
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 158.
[6] بياض مكان: «ومن الحوادث: هلاك حاتم الطائي» . وذلك في النسخة ت.
[7] في ت: «وغاب الوافد» .
[8] «أعطى» سقطت من ت.
[9] «حين» سقطت من ت.
[10] في ت: «وما» .
[11] في الأصل: «في القد» .
(2/285)
وقسم ماله بضع عشرة مرة، وكان له قدور عظام
بفنائه عَلَى الأثافي لا تزل، فإذا أهل رجب نحر كل يوم، وأطعم، فكان
أبوه جعله فِي إبل له وهو غلام، فمر به عبيدة بْن الأبرص وبشر بْن أبي
حازم والنابغة الذبياني يريدون النعمان، فقالوا: هل من قرى؟
فَقَالَ: تسألون عَنِ القراء وأنتم ترون الإبل والعنز [1] فنحر لكل رجل
منهم بعيرا ولم يعرفهم، ثم سألهم عَنْ أسمائهم فتسموا له، ففرق الإبل
[2] فيهم والغنم، وبلغ ذلك أباه فجاءه [3] فَقَالَ: ما فعلت الإبل؟
قَالَ: يا أبه طوقتك مجد الدهر طوق الحمامة.
وحدثه بما [4] صنع. قَالَ: إذن لا أساكنك. قَالَ إذن لا أبالي، فاعثر
له.
وَقَالَ حاتم يذكر قول أبيه فيه [5] :
وإني لعف الصبر [6] مشترك الغنى ... تروك لشكل لا يوافقه شكلي
ولي نيقة فِي البذل والجود لم يكن ... تأنقها فيمن مضى أحد قبلي
وما ضرني أن سار سعد بأهله ... وخلفني فِي الدار ليس معي أهلي
فما من كريم غاله الدهر مرة ... فيذكرها إلا تردد فِي البذل
وما من بخيل غاله الدهر مرة ... فيذكرها إلا تردد فِي البخل
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن علي المقري، والحسن بن أحمد بن محبوب
قَالا: أَخْبَرَنَا طَرَّادُ بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الحسين بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن جعفر
الحودي قال: أخبرنا أبو بكر القرشي قال: حدثني عمر بْن بكير، عَنْ أبي
عَبْد الرحمن الطائي، عن ملحان بن عركر بْن حلبس الطائي، عَنْ أبيه،
عَنْ جده- وكان أخا عدي بْن حاتم لأمه [7]- قَالَ:
__________
[1] في ت: «والغنم» .
[2] في ت: «ففرق فيهم الإبل» .
[3] «فجاءه» سقطت من ت.
[4] في الأصل «ما صنع» .
[5] في ت: «تحول أبيه عنه» .
[6] في ت: «الفقر» .
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا عبد الله بن علي المقري
بإسناده عن ابن أبي الدنيا قال» ثم أكمل السند كما هو بالأصل.
(2/286)
قيل لنوار امرأة حاتم: حدثينا عَنْ حاتم.
قالت: كل أمره كان عجبا أصابتنا [1] سنة خصت كل شَيْء. قَالَ: فاقشعرت
لها الأرض، واغبرت لها السماء، وضنت المراضع عَلَى أولادها، وراحت
الإبل ما تبض بقطرة، وأنا لفي ليلة صنبرة [2] بعيدة ما بين الطرفين، إذ
تضاغى الصبية [3] من الجوع:
عَبْد اللَّه، وعدي، وسفّانة، فو الله إن وجدنا شيئا نعللهم به فقام
إِلَى أحد الصبيين فحمله، فقمت إِلَى الصبية فعللتها، فو الله إن سكتا
إلا بعد هدأة من الليل، ثم عدنا إِلَى الصبي الآخر فعللناه حَتَّى سكت،
وما كاد ثُمَّ افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل فأضجعنا [4] الصبيان
عليها ونمت أنا وهو فِي حجرة والصبيان بيننا [5] ، ثم أقبل علي يعللني
لأنام [6] وعرفت ما يريد، فتناومت. فقال: ما لك، أنمت [7] ؟ فسكت.
فَقَالَ:
ما أراها إلا قد نامت [8] وما بي من نوم [9] ، فلما ادلهم الليل،
وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل [10] إذا جانب البيت [11]
قد رفع، فَقَالَ: من هَذَا؟ فولى حتى إذا قلت قد أسحرنا أو كدنا عاد
فَقَالَ: من هَذَا. قالت: جارتك فلانة يا أبا عدي ما وجدت عَلَى أحد
معولا غيرك [12] ، أتيتك من عند صبية يعوون عواء الذئب من الجوع.
قَالَ: اعجليهم [علي] [13] قالت: النوار، فوثبت فقلت: ماذا صنعت، فو
الله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم به، فكيف بهذه وبولدها؟!
فَقَالَ: اسكتي، والله
__________
[1] في ت: «اثنتا» .
[2] في ت: «مطيرة» وفي البداية والنهاية: «صنّبر» .
[3] في ت: «الاحبية» .
[4] في ت: «فأضحت الصبيان عليها» .
[5] في ت: «والصبيان فينا» .
[6] في ت: «يعللني لأيام» .
[7] في ت: «نمت» .
[8] في الأصل: «ها جدت» .
[9] في ت: «النوم» .
[10] في ت: «الرجال» .
[11] في ت: «الخباء» .
[12] في ت: «على أحد مقولا عليك» .
[13] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/287)
لأشبعنك وإياهم إن شاء اللَّه قالت: فأقبلت تحمل اثنين وتمشي جنبتيها
أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها. قالت: فقام إِلَى فرسه فوجأها بحربته
فِي لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عَنْ جلده، ثم
دفع المدية إِلَى المرأة ثم قَالَ: دونك، ثم قَالَ: ابعثي صبيانك.
فبعثتهم، ثم قَالَ: سوءة، أتأكلون شيئا [1] دون أهل الصرم، فجعل يطيف
بهم حَتَّى هبوا، فأقبلوا عَلَيْهِ [فقسمه فيهم وأعطانيه] [2] والتفع
فِي ثوبه، ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا [لا والله ما ذاق منه مزعة، ولأنه
أحوج إليه منهم] [3] ، فأصبحنا وما عَلَى الأرض منه إلا عظم أو حافر
[4] .
قَالَ أَبُو عَبْد الرحمن الصرم الأبيات العشر أو ونحوها ينزلون فِي
جانب.
فصل [5]
وكانت أم حاتم لا تدخر شيئا سخاء وكرما، وكان إخوتها يمنعونها من ذلك،
وتأبى فحبسوها فِي بيت [6] سنة يرزقونها فيه شيئا معلوما، فلما ذاقت
طعم البؤس وأخرجوها فأعطوها صرمة من مالها فأتتها امرأة فسألتها،
فقالت: دونك الصرمة، فقد والله مسني من الجوع ما آليت معه أن لا أمنع
سائلا [7] |