المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثُمَّ دخلت سَنَة ست وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
أَن عُثْمَان أمر بتجديد أنصاب الحرم، وزاد فِي الْمَسْجِد الحرام،
[ووسعه] [1] وابتاع من قوم، وأبى آخرون فهدم عَلَيْهِم، ووضع الأثمان
فِي بَيْت المال، فصاحوا عَلَى عُثْمَان، فأمر بهم إِلَى الحبس،
وَقَالَ: أتدرون مَا جرأكم علي؟ مَا جرأكم علي إلا حلمي، قَدْ فعل
هَذَا بكم عُمَر، فلم تصيحوا بِهِ. ثُمَّ كلمه فيهم عَبْد اللَّهِ بْن
خَالِد بْن أسيد، فأخرجوا.
وَفِي هذه السنة:
جرت خصومة بَيْنَ سَعْد وابن مَسْعُود، فعزل عُثْمَان سعدا. وقيل:
كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة خمس وعشرين. وقيل: فِي سَنَة ثَلاث [وعشرين]
[2] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا
السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قال: حَدَّثَنَا سَيْف بْن عُمَر] [3] ، عَن الشعبي قَالَ:
كَانَ أول مَا نزع الشَّيْطَان من أَهْل الكوفة- وَهُوَ أول- مصر- أَن
سَعْد بْن أَبِي وقاص استقرض من عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود من بَيْت
المال مالا، فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عليه، فارتفع بينهما الكلام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 4/ 251.
[2] تاريخ الطبري 4/ 251، 252.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الشعبي» .
(4/360)
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ،] [1] عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعْدٍ، فَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ
لِسَعْدٍ: أَدِّ الْمَالَ الَّذِي قِبَلَكَ. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: هَلْ
أَنْتَ إِلا عَبْدٌ مِنْ [2] هُذَيْلٍ. قَالَ: [وَأَنْتَ] [3] ابْنُ
حُمَيْنَةَ. فَطَرَحَ سَعْدٌ عُودًا فِي يَدِهِ، وَكَانَتْ فِيهِ
حِدَّةٌ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهمّ رَبَّ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
قُلْ خَيْرًا وَلا تَلْعَنْ. فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا
اتِّقَاءُ اللَّهِ عَلَيْكَ لَدَعَوْتُ عليك دعوة لا تُخْطِئُكَ.
فَوَلَّى الآخَرُ سَرِيعًا، [فَخَرَجَ] [4] .
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ
الْمُسَيَّبِ بْنِ عَبْدِ خَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ
قَالَ] [5] : لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ الْكَلامُ
غَضِبَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ سَعْدٍ وَعَزَلَهُ،
وَأَقَرَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ،
فَقَدِمَ الْكُوفَةَ، فَلَمْ يَتَّخِذْ لِدَارِهِ بَابًا حَتَّى خَرَجَ
مِنَ الْكُوفَةِ.
وَفِي هذه السنة: حج بالناس عثمان رضي الله عنه [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
243- حبيب بْن يساف بْن عتبة
تأخر إسلامه حَتَّى خرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى بدر، فلحقه فأسلم وشهد أحدا والخندق. وتوفي فِي خلافة
عُثْمَان رضي الله عنه.
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن قيس بن حازم» .
[2] في الأصل: «إلا عبد أنت من هذيل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عكيم» .
[6] تاريخ الطبري 4/ 251.
(4/361)
ثُمَّ دخلت سَنَة سبع وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا: فتح الأندلس [1] :
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا
السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف، عن مُحَمَّدٍ] [2] وَطَلْحَةَ قَالا:
أَرْسَلَ عُثْمَانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ/ الْحُصَيْنِ، وعَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَى الأَنْدَلُسِ فَأَتَيَاهَا مِنْ قِبَلِ
الْبَحْرِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ:
«أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ إِنَّمَا تُفْتَحُ مِنَ
قِبَلِ الأَنْدَلُسِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ فَتَحْتُمُوهَا كُنْتُمْ
شُرَكَاءَ مَنْ يَفْتَحُهَا فِي الأَجْرِ وَالسَّلامُ» . فَخَرَجُوا
وَمَعَهُمُ الْبَرِيدُ فَأَتَوْهَا مِنْ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا،
فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ يَزِيد بْن أَبِي حبيب: نزع عُثْمَان عَمْرو بْن العاص عَن خراج
مصر، واستعمل عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد، فكتب عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد
إِلَى عُثْمَان: إِن عمرا كسر الخراج، وكتب عَمْرو إِن عَبْد اللَّهِ
كسر عَلَى مكيدة الحرب، فكتب عُثْمَان إِلَى عَمْرو:
انصرف، وولى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد الخراج والجند، فقدم عَمْرو
مغضبا، فدخل عَلَى عُثْمَان وعليه جبة لَهُ يمانية محشوة قطنا. فَقَالَ
لَهُ عُثْمَان: مَا حشو جبتك هذه؟ قَالَ:
عَمْرو: [فَقَالَ عُثْمَان:] [3] لَمْ أرد هذا، إنما سألت أقطن هو أم
غيره.
__________
[1] البداية والنهاية 7/ 166، 167.
[2] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد» .
[3] ما بين المعقوفتين من الطبري وهو ساقط في الأصل.
(4/362)
قَالَ الواقدي: وَفِي هذه السنة كَانَ فتح
اصطخر الثَّانِي عَلَى يد عُثْمَان بْن أَبِي العاص.
وفيها: غزا مُعَاوِيَة قنسرين [1] .
وفيها: حج بالناس عُثْمَان بْن عَفَّان [2]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
244- عبد الله بْن كعب بْن عَمْرو بْن عوف بْن مبذول، أَبُو الْحَارِث
[3] .
شهد بدرا، وَكَانَ عامل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم علي
المغانم، وشهد المشاهد كلها مَعَ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 257.
[2] تاريخ الطبري 4/ 257.
[3] الطبقات الكبرى 3/ 2/ 73.
(4/363)
ثُمَّ دخلت سَنَة ثمان وعشرين
فمن الحوادث فِيهَا:
فتح قبرس
[1] : عَلَى يد مُعَاوِيَة، غزاها بأمر عُثْمَان. هَذَا قَوْل الواقدي.
وَقَالَ أَبُو معشر: كان ذلك في سَنَة تسع وعشرين، كَانَ عُمَر بْن
الْخَطَّاب يمنع من الغزو فِي البحر/ شفقة بالمسلمين، واستأذنه
مُعَاوِيَة، فلم يأذن لَهُ، فلما ولي عُثْمَان استأذنه فأذن لَهُ،
وَقَالَ: من اختار الغزو معك طائعا فاحمله. فغزا قبرس، فصالح أهلها،
وَهُوَ أول من غزا الروم.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِي المجلي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَيْشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ
بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُوسَى قَالَ:
حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ
نَصْرٍ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قُبْرُسَ فُرِّقَ
بَيْنَ أَهْلِهَا فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَبْكِي إِلَى بَعْضٍ، فَبَكَى
أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ
اللَّهُ فِيهِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ؟
قَالَ: دَعْنَا مِنْكَ يَا جُبَيْرُ، مَا أَهْوَنَ الْخَلْقِ عَلَى
اللَّهِ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ
قَادِرَةٌ، تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فَسَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمُ السِّبَاءَ، وَإِذَا سَلَّطَ [السِّبَاءَ] عَلَى الْقَوْمِ
فَلَيْسَ له فيهم حاجة [2] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 258- 263.
[2] تاريخ الطبري 4/ 262.
(4/364)
وَفِي هذه السنة: غزا حبيب بْن سلمة سورية
[من أرض] [1] الروم.
وفيها: تزوج عُثْمَان نائلة بنت الفرافصة بْن الأحوص العربية [2] .
وكانت نصرانية، فتجنثت قبل أن يدخل بها، وكانت محلتها سماوة كلب.
قَالَ ابْن الكلبي: كُل اسم فِي المغرب فرافصة بضم الفاء، إلا نائلة
بنت الفرافصة، فإنها بفتح الفاء.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دُرَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا] [3] أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ اهْتَدَاهَا
فَبَعَثَ بِهَا أَبُوهَا إِلَيْهِ مَعَ أَخِيَها ضَبٍّ، فَلَمَّا فصلت
مِنَ السَّمَاوَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَتْ مِنْ فِرَاقِ أَهْلِهَا
وَبِلادِهَا فَقَالَتْ:
أَحَقًّا تُرَاهُ الْيَوْمَ يَا ضَبُّ إِنَّنِي ... مُصَاحَبَةٌ نَحْوَ
الْمَدِينَةِ أَرْكَبَا
أَمَا كَانَ فِي فِتْيَانِ حِصْنِ بْنِ ضَمْضَمٍ ... لَكَ الْوَيْلُ
مَا يُغْنِي الْخِبَاءُ الْمُحْجِبَا [4]
[قَضَى اللَّهُ حَقًّا أَنْ تَمُوتِي غَرِيبَةً ... بِيَثْرِبَ لا
تَلْقِينَ أُمًّا وَلا أَبَا
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ مَوْلًى
لِطَلْحَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعَمَلَ
الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَلَى صَدَقَاتِ كُلَيْبٍ، فَزَوَّجَهُ
نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ:
إِنِّي زَوَّجْتُكَ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ. فَقَالَ:
زَوَّجْتَنِي نَصْرَانِيَّةً؟ قَالَ: إِنَّهَا إذا قدمت إليك أسلمت.
فلما قدم دَخَلَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فصلى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا هَذِهِ، تَأْتِينَا أَوْ نَأْتِيكِ؟
قَالَتْ: بَلْ نَأْتِيكَ وَنُعْمَةَ الْعَيْنِ، فَقَدْ تَجَشَّمْتُ
المسير إليك
__________
[1] في الأصل: «منصورية الروم» .
انظر تاريخ الطبري 4/ 263.
[2] تاريخ الطبري 4/ 263.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عبيدة» .
[4] من هنا حتى نهاية الجزء عدة أوراق مفقودة من نسخة الأصل، فأكملنا
سنة 28 من النسخة ت، وكذلك الجزء الّذي يلي هذا، فقد منه بعض الأوراق
فأكملنا النقص من النسخة ت.
(4/365)
مِنْ أَبْعَدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ
الْبَيْتِ، فَقَامَتْ حَتَّى جَلَسَتْ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،
فقال لها عثمان: إنك لَعَلَّكِ تَرَيْنَ شَيْبًا وَتَقَلُّبًا فِي
السِّنِّ، فَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ غِلالَةً مِنْ شَبَابٍ. فَقَالَتْ:
إِنَّ أَحَبَّ الْخُلَطَاءِ إِلَيَّ لَمَنْ ذَهَبَتْ عَنْهُ مَيْعَةُ
الشَّبَابِ، وَاجْتَمَعَ حِلْمُهُ، وَوُثِقَ بِرَأْيِهِ. فَلَمَّا
خَرَجَ قَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، كَيْفَ
رَأَيْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَوْفَى عَقْلا مِنَ الدَّاخِلَةِ
عَلَيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ كَانَ عَلَى الْكُوفَةِ،
فَتَزَوَّجَ هِنْدَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ،
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً،
فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِنَسَبِهَا وَجَمَالِهَا.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ لَهَا أُخْتٌ فَزَوَّجْنِيهَا، فبعث
سعيد إِلَى الْفَرَافِصَةِ يَخْطُبُ إِحْدَى بَنَاتِهِ عَلَى
عُثْمَانَ، فَأَمَرَ الْفَرَافِصَةُ ابْنَهُ ضَبًّا فَزَوَّجَهَا
إِيَّاهُ، وَكَانَ ضَبٌّ مُسْلِمًا، وَالْفَرَافِصَةُ نَصْرَانِيًّا،
فَلَمَّا أَرَادُوا نَقْلَهَا قَالَ لَهَا أَبُوهَا: إِنَّكِ
تَقْدَمِينَ عَلَى نِسَاءٍ مِنْ نَسَاءِ قُرَيْشٍ، مِنْ أَقْدَرَ عَلَى
الطِّيبِ مِنْكِ، فَاحْفَظِي عَنِّي [1] خَصْلَتَيْنِ: تَكَحَّلِي
وَتَطَيَّبِي بِالْمَاءِ حَتَّى تَكُونَ رِيحُكَ رِيحَ شَنٍّ أَصَابَهُ
مَطَرٌ. فَلَمَّا جُمِّلَتْ كَرَبَتْ لِكَرْبِهِ، وَحَزِنَتْ لِفِرَاقِ
أَهْلِهَا، وَأَنْشَدَتْ:
أَلَسْتَ تَرَى باللَّه يَا ضَبُّ أَنَّنِي ... مُصَاحَبَةٌ نَحْوَ
الْمَدِينَةِ أَرْكَبَا
لَقَدْ كَانَ فِي أَبْنَاءِ حِصْنِ بْنِ ضَمْضَمٍ ... لَكَ الْوَيْلُ
مَانِعُ الْحَيَاءِ الْمُحْجَبَا
فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَى عُثْمَانَ وَضَعَ عَمَامَتَهُ فَبَدَا
الصَّلَعُ، فَقَالَ: لا يُهَوِّلَنَّكِ مَا تَرَيْنَ مِنْ صَلَعِي،
فَإِنَّ وَرَاءَهُ مَا تُحِبِّينَ. فَسَكَتَتْ. فَقَالَ: إِمَّا أَنْ
تَقُومِي إِلَيَّ وَإِمَّا أَنْ أَقُومَ إِلَيْكِ.
فَقَالَتْ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الصَّلَعِ فَإِنِّي مِنْ نِسَاءٍ
أَحَبُّ بُعُولَتِهِنَّ السَّادَةُ الصُّلْعُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ:
إِنْ تَقُومِي أَوْ أقوم، فو الله لِمَا تَجَشَّمْتُ مِنْ حسبَاتِ
السَّمَاوَةِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، بَلْ أَقُومُ
إِلَيْكَ. فَقَامَتْ، فَجَلَسَتْ إلى جَنْبَهُ، فَمَسَحَ رَأْسَهَا
وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ:
اطْرَحِي عَنْكِ رِدَاءَكَ. فَطَرَحَتْهُ، ثُمَّ قَالَ: حُلِّي
إِزَارَكِ. فَقَالَتْ: ذَاكَ إِلَيْكَ. فَحَلَّ إِزَارَهَا، وَكَانَتْ
مِنْ أَحْظَى نِسَائِهِ عِنْدَهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا ابْن المبارك بْن عَبْد
الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد
__________
[1] في ت: «فاحفضي عن» .
(4/366)
الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوة،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن خلف بْن المرزبان قَالَ:
أخبرني أَحْمَد بْن حرب قَالَ: أخبرني الزُّبَيْر بْن أَبِي بَكْر
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
موبان قَالَ: نظرت نائلة بنت الفرافصة، امرأة عُثْمَان بْن عَفَّان رضي
اللَّه عَنْهُ، فِي المرآة، فأعجبها ثغرها، فأخذت فهرا فكسرت ثناياها،
وقالت: والله لا يجب لَكَ أحد بَعْد عُثْمَان وَفِي هذه السنة: كَانَ
فتح أصطخر الأخير [1] .
وفيها: حج بالناس عُثْمَان بْن عَفَّان [2]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
245- عَمْرو بْن سراقة بْن المعتمر بْن أَنَس بْن أداة بْن رباح [3] .
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتوفي فِي خلافة عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عَنْهُ]
[تم الجزء الرابع بحمد الله ويليه الجزء الخامس إن شاء الله تعالى
وأوله: ثم دخلت سنة تسع وعشرين، فمن الحوادث فيها: أن عثمان رضي الله
عَنْهُ عزل أبا مُوسَى عن البصرة وولى عبد الله بن عامر بن كريز] .
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 263.
[2] تاريخ الطبري 4/ 263.
[3] الطبقات الكبرى 3/ 1/ 281 الإصابة في تميز الصحابة 4/ 298 الترجمة
رقم: 5832.
(4/367)
[المجلد الخامس]
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم [1] دخلت سنة تسع وعشرين
فمن الحوادث فيها [عزل أبي مُوسَى عن البصرة] [2]
أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عزل أبا مُوسَى عن البصرة، وولى عبد
الله بن عامر بن كرز وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن
عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [3] :
لَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى
الْبَصْرَةِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَعَزَلَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَمَّرَ
عَلَى خُرَاسَانَ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، وَعَلَى
سِجِسْتَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ، فَأَثْخَنَ
فِيهَا إِلَى كَابُلَ، وَأَثْخَنَ [عُمَيْرٌ فِي خُرَاسَانَ حَتَّى
بَلَغَ فَرْغَانَةَ، فَلَمْ يَدَعْ دُونَهَا كُورَةً إِلا أَصْلَحَهَا،
وَبَعَثَ إِلَى مَكْرَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ
التَّيْمِيَّ، فَأَثْخَنَ] [4] فِيهَا حَتَّى بَلَغَ النَّهْرَ.
وَبَعَثَ إِلَى كِرْمَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ، وَبَعَثَ
إِلَى فَارِسَ وَالأَهْوَازَ نَفَرًا، وَضَمَّ سَوَادَ الْبَصْرَةِ
إِلَى الْحُصَيْنِ بْنِ [أَبِي] [5] الْحُرِّ، ثُمَّ عَزَلَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ، وَاسْتَعَمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ [6]
فَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا سَنَةً ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَاصِمَ
بن عمرو،
__________
[1] من هنا ساقط من الأصل، ورقتان، أوردناهما من ت.
[2] تاريخ الطبري 4/ 264، والعنوان غير موجود في ت.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 264.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت، أوردناه من تاريخ الطبري 4/ 264.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت. وأوردناه من الطبري.
[6] في أ: «بن عمير» .
(5/3)
[وَعَزَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
غُبَيْسٍ] [1] ، وَأَعَادَ عَدِيَّ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَدِيٍّ.
فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ كَفَرَ أَهْلُ إِيذجَ
وَالأَكْرَادَ، فَنَادَى أَبُو مُوسَى فِي النَّاسِ، وَحَضَّهُمْ
وَنَدَبَهُمْ، وَذكر مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي الرُّجْلَةِ [2]
حَتَّى حَمَلَ رِجَالٌ عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ
يَخْرُجُوا رِجَالا. وقَالَ آخَرُونَ: لا وَاللَّهِ لا نُعَجِّلُ
بِشَيْءٍ حَتَّى نَنْظُرَ مَا صَنِيعُهُ؟ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ
فِعْلَهُ فَعَلْنَا كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُنَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ أَخْرَجَ ثَقْلَةً مِنْ قَصْرِهِ عَلَى
أَرْبَعِينَ بَغْلا، فَتَعَلَّقُوا بِعَنَانِهِ، وَقَالُوا: احْمِلْنَا
عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْفُضُولِ، وَارْغَبْ مِنَ الرُّجْلَةِ فِيمَا
رَغَّبْتَنَا فِيهِ، فَقَنِعَ الْقَوْمَ حَتَّى تَرَكُوا دَابَّتَهُ
وَمَضَوْا، فَأَتَوْا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَاسْتَعْفَوْهُ مِنْهُ
وَقَالُوا: [مَا كُلُّ مَا نَعْلَمُ نُحِبُّ أَنْ نَقُولَهُ] [3] ،
فَأَبْدِلْنَا بِهِ، فَقَالَ: مَنْ تُحِبُّونَ؟ فقَالَ غَيْلانُ بْنُ
خَرَشَةَ: [4] [فِي كُلِّ أَحَدٍ عِوَضٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي
قَدْ أَكَلَ أَرْضَنَا، وَأَحْيَا أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ فِينَا، فَلا
نَنْفَكُّ مِنْ أَشْعَرِيٍّ كَانَ يُعَظِّمُ مُلْكَهُ عَنِ
الأَشْعَرِيِّينَ، وَيَسْتَصْغِرُ مُلْكَ الْبَصْرَةِ، وَإِذَا
أَمَّرْتَ عَلَيْنَا صَغِيرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، أَوْ
مُهْتَرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، وَمِنْ بَيْنِ ذَلِكَ مِنْ
جَمِيعِ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْهُ] [5] .
فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَامِرٍ، فَأَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ،
وَصَرَفَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ إِلَى فَارِسَ، وَاسْتَعْمَلَ
عَلَى عَمَلِهِ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، فَجَاشَتْ
فَارِسُ، وَانْتَقَضَتْ بِعُبَيْدِ اللَّهِ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ
بِإِصْطَخِرَ، فَالْتَقَوْا عَلَى بَابِ إِصْطَخِرَ، فَقُتِلَ عُبَيْدُ
اللَّهِ وَهُزِمَ جُنْدُهُ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ عَبْدَ اللَّهِ بنَ
عَامِرٍ، فَاسْتَنَفَرَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَخَرَجَ مَعَهُ
بِالنَّاسِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ،
فَالْتَقَى هُوَ وَهُمْ بِإِصْطَخِرَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً
لَمْ يَزَالُوا مِنْهَا فِي ذُلٍّ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عثمان رضي
الله عنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: أوردناه من الطبري، ومكانه في ت: «واستعمل عبد
الله بن عامر» .
[2] الرجلة بالضم: أن يسير المرء راجلا غير راكب.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت، وأوردناه من الطبري.
[4] في ت: «قالوا: غيلان بن خرشة» . وما أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من الطبري.
(5/4)
وفِي هذه السنة رجم عثمان امرأة من جهينة
دخلت على زوجها فولدت له فِي ستة أشهر، فدخل عليه علي فقَالَ: إن الله
يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً 46: 15 [1] . فأرسل فِي
أثرها فإذا قد رجمت. قاله محمد بن حبيب وفِي هذه السنة ضاق مسجد رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس، فوسعه عُثْمَان بْن
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وابتدأ فِي بنائه فِي شهر ربيع الأول،
وكانت القصة [2] تحمل إلى عثمان من بطن نخل، وبناه بالحجارة المنقوشة،
وجعل عمده من حجارة فيها رصاص، وسقفه ساجا، وجعل طوله ستين ومائة ذراع،
وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه على ما كانت على عهد عمر رضي الله
عنه ستة أبواب.
وَرَأَيْتُ لأبي ألوفا بْنِ عَقِيلٍ فِي ذكر مَسْجِدِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامًا حَسَنًا، قَالَ فِي
قَوْلِهِ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِي
غَيْرِهِ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» قَالَ:
هَذَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْجِدِ الرَّسُولِ الَّذِي فِي زمانه لا بما زيد
فيه بعد.
وفِي هذه السنة حج عثمان بالناس وضرب بمنى فسطاطا، وأتم الصلاة بها
وبعرفة، قَالَ: إني اتخذت بمكة أهلا فصرت من أهلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
246- سلمان بن ربيعة الباهلي [3] :
شهد يوم القادسية، وحدث عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وولاه قضاء
المدائن، وهو
__________
[1] سورة: الأحقاف، الآية: 15.
[2] القصة: الحجارة من الجص.
[3] تاريخ بغداد 9/ 206.
(5/5)
أول من ولي قضاء الكوفة ثم عزله عمر، فخرج
غازيا للترك ثم انصرف فاستشهد بالجر من بلاد أرمينية فِي خلافة عثمان
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هذه السنة، وقيل فِي سنة ثلاثين، وقيل فِي
سنة إحدى وثلاثين.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ
الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمَهْدِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ حَفْصُ بْنُ
عُمَرَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي
وَائِلٍ، قَالَ [1] :
رَأَيْتُ سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ جَالِسًا بِالْمَدَائِنِ عَلَى
قَضَائِهَا، وَاسْتَقْضَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَمَا رَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ
رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ، فَقُلْنَا لأَبِي وَائِلٍ: فَمِمَّ ذَاكَ؟
قَالَ: مِنِ انْتِصَافِ الناس منهم
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 9/ 26.
(5/6)
ثم دخلت سنة ثلاثين
فمن الحوادث فيها:
أن قوما شهدوا على الوليد بن عقبة أنه شرب الخمر، فعزله عثمان رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وولى سعيد بن العاص بن أبي أحيحة [1] .
وفِي هذه السنة: غزا سعيد بن العاص طبرستان [2] :
وذلك أنه خرج من الكوفة يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من
أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعه الحسن،
والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص، وعَبْد
اللَّهِ بن الزبير. وخرج عَبْد اللَّهِ بن عامر من البصرة يريد خراسان،
ففعل كل واحد منهما فعلا حسنا فِي البلاد من قتل وصلح.
وفِي هذه السنة: سقط خاتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من يد عثمان فِي بئر أريس [3] :
وهي بئر على ميلين من المدينة، جلس عليها عثمان فجعل يعبث بالخاتم فوقع
فِي البئر، وكانت من أقل الآبار ماء، فنزحت ولم يوجد.
وفِي هذه السنة:
زاد عثمان النداء الثالث على الزوراء، وهي دار له بناها فِي عهد
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 271.
[2] تاريخ الطبري 4/ 269.
[3] تاريخ الطبري 4/ 281.
(5/7)
بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فلما كان
فِي خلافته وكثر الناس أمر عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يوم الجمعة
بالآذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك.
فإن قيل: كيف صار ثلاثا؟ قلنا: بالإقامة [1] .
وفِي هذه السنة:
هرب يزدجرد من فارس إلى خراسان فِي قول بعض الرواة. قَالَ: وذلك أن ابن
عامر خرج إلى فارس، فهرب يزدجرد، فوجه ابن عامر فِي أثره من تبعه إلى
كرمان، فهرب إلى خراسان [2] .
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان رضي الله عَنْهُ.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
247- أبي بن كعب بن قيس بن عبد المنذر [3] :
شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يكتب له الوحي، وهو أحد
الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وأمر الله عز وجل نبيه أن يقرأ عليه القرآن، وقَالَ عمر فِي
حقه: هذا سيد المسلمين.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم لأبيّ بن
كعب:
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 287.
[2] تاريخ الطبري 4/ 286.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 59، 2/ 2/ 103.
(5/8)
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي
أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ 98: 1 [1] قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ،
فَبَكَى. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ،
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن
سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ،
فَقَالَ: أَكَانَ هَذَا؟ قُلْتُ: لا، قَالَ:
فَأَحْمِنَا حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ اجْتَهَدْنَا لَكَ
رَأْيَنَا.
248- أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام، أخو حسان، وهو أبو شداد بن أوس
[2] :
شهد أوس العقبة مع السبعين، وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
249- أوس بن خولي بن عَبْد اللَّهِ [3] :
شهد بدرا والمشاهد كلها، وحضر وقت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتوفي في خلافة عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
250- جبار بن صخر بن خنساء بن عبيد، أبو عَبْد اللَّهِ [4] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا والمشاهد كلها وتوفي فِي هذه السنة.
251- حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، يكنى أبا مُحَمَّد [5] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وبعثه [بكتاب] إلى المقوقس صاحب الإسكندرية. قَالَ حاطب:
فأنزلني المقوقس وأقمت عند بابه ليالي ثم أرسل إلي فقَالَ: إني أسألك
فأجبني عني، قلت: هلم، قَالَ: أخبرني عن صاحبك، أليس هو
__________
[1] سورة: البينة، الآية: 1.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 63.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 91.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 115.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 80.
(5/9)
نبيا؟ قلت: بلى قَالَ: فما له لم يدع الله
على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟
قلت: فعيسى بن مريم عليه السلام أتشهد أنه رسول الله؟ قَالَ: نعم، قلت:
فما له أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ولم يدع عليهم فيهلكوا حتى رفعه
الله إليه؟ فقَالَ: أنت حكيم جاء من حكيم، هذه هدايا أبعث بها معك إلى
مُحَمَّد، وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك [1] إلى مأمنك، فأهدى إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جواري منهن مارية أم إبراهيم، وواحدة
وهبها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي جهم بن حذيفة،
وواحدة وهبها لحسان بن ثابت.
وكان حاطب من الرماة المذكورين، وكان خفيف اللحية أجنأ، إلى القصر ما
هو، شثن الأصابع، وتوفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن خمس وستين،
وصلى عليه عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله عنه.
252- عَبْد اللَّهِ بن مظعون [بن حبيب] بن وهب [2] :
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى
الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي وهو ابن ثمانين سنة [3] .
253- عياض بن زهير بن [أبي] [4] شداد بن ربيعة بن هلال، يكنى أبا سعد
[5] :
هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس له عقب.
254- مسعود بن الربيع، وقيل: ابن ربيعة بن عمرو بن سعد حليف بني عبد
مناف بن زهرة، يكنى أبا عمير [6] :
__________
[1] البذرقة: كلمة فارسية معربة، وهي الخفارة، يقال: بعث السلطان بذرقة
مع القافلة. وقال الهروي: ان البذرقة يقال لها عصمة، أي يعتصم بها.
(لسان العرب 238) .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 291، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول
أوردناه من ابن سعد.
[3] في طبقات ابن سعد: «ستين سنة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 304.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 119.
(5/10)
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دار الأرقم، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات فِي هذه السنة، وقد زاد على الستين،
وليس له عقب.
255- معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال، يكنى أبا سعد [1] :
وبعضهم يسميه عمرو، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا
والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303.
(5/11)
|