المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وثلاثين
فمن الحوادث فيها غزاة المسلمين الروم التي
يقال لها غزاة الصواري [1]
فِي قول الواقدي، وقَالَ أبو معشر: كانت سنة أربع وثلاثين.
شرح القصة
أن المسلمين لما أصابوا من الروم بإفريقية خرج الروم فِي جمع لم يجمع
مثله قط، خرجوا في خمسمائة مركب عليهم قسطنطين بن هرقل، فباتوا يضربون
النواقيس، وبات المسلمون يصلون ويدعون، ثم أصبحوا فقَالَ المسلمون: إن
شئتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم فالبحر. قَالَ:
فنخروا نخرة واحدة وقالوا:
الماء. والسفن بعضها إلى بعض، واقتتلوا أشد القتال، ووثب الرجال على
الرجال يضربون بالسيوف على السفن، ويتواجئون بالخناجر حتى رجعت الدماء
إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما حتى صارت
كالخبال العظيم عند الساحل، وقتل من الفريقين خلق كثير، ثم نصر الله
المسلمين فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج منهم إلا الشريد، وانهزم
قسطنطين. وأقام عَبْد اللَّهِ بذات الصواري أياما بعد هزيمة القوم، ثم
أقبل راجعا.
وفِي هذه السنة [2] :
تكلم قوم فِي عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان مُحَمَّد بن أبي حذيفة
يقول بعد غزاة
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 288.
[2] تاريخ الطبري 4/ 292.
(5/12)
الروم: والله لقد تركنا الجهاد خلفنا،
فيقال له: وأي جهاد؟ فيقول: عُثْمَان بْن عَفَّانَ فعل كذا وكذا حتى
أفسد الناس، فقدموا وقد أظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به، وتكلم
معه مُحَمَّد بن أبي بكر وذكر ما خلف به أبا بكر وعمر رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا، فبلغ ذلك عَبْد اللَّهِ بن سعد، فقَالَ: لا تركبا معنا،
فركبا فِي مركب ما فيه أحد من المسلمين.
وفِي هذه السنة:
فتحت أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة الفهري فِي قول الواقدي [1] .
وفِي هذه السنة: قتل يزدجرد ملك فارس [2] :
وقيل قتل فِي سنة ثلاثين.
قَالَ ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان فِي جماعة يسيرة إلى مرو، فسأل
مرزبانها مالا فمنعه، [فخافوا على أنفسهم] [3] ، فأرسلوا إلى الترك،
فأتوه فبيتوه، فقتلوا أصحابه، وهرب حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على
شط المرغاب، فأوى إليه ليلا، فلما نام قتله.
وقَالَ غيره [4] : بيته أهل مرو ولم يستجيشوا عليه الترك، فقتلوا
أصحابه، وخرج هاربا على رجليه معه منطقته وسيفه وتاجه، حتى أتى منزل
نقار على شط المرغاب، فلما غفل يزدجرد قتله النقار وأخذ متاعه وألقى
جسده فِي المرغاب، وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره، حتى خفِي عليهم عند
منزل النقار، فأخذوه، فأقر لهم بقتله وأخرج متاعه فقتلوا النقار وأهل
بيته، وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد، وأخرجوه من المرغاب، فجعلوه فِي
تابوت من خشب.
فزعم بعضهم أنهم حملوه إلى اصطخر، فدفن بها في أول سنة إحدى وثلاثين.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 292.
[2] تاريخ الطبري 4/ 293.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت، أوردناه من تاريخ الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 293.
(5/13)
وقيل: عمل له بعض النصارى فاروشا بمرو،
فحمل جثته فدفنها فيه.
وكان ملك يزدجرد عشرين سنة، منها أربع سنين فِي دعة، وست عشرة فِي تعب
من محاربة العرب إياه، وكان آخر ملك ملك من آل أردشير، وصفا الملك بعده
للعرب.
فصل
وقد كان أول ملوك فارس دارا، ملك نحوا من مائتي سنة، ثم ملك بعده
أردشير بن بابك، ثم سابور بن أردشير ثلاثين سنة، ثم هرمز بن سابور سنة
وعشرة أيام، ثم بهرام أربعة أشهر، ثم فرسي بن بهرام تسع سنين، ثم هرمز
بن نرسي سبع سنين، ثم سابور بن هرمز، وهو سابور ذو الأكتاف اثنتين
وسبعين سنة، ثم أخوه أردشير بن هرمز أربع سنين، ثم سابور بن سابور خمس
سنين، ثم بهرام بن سابور إحدى عشرة سنة، ثم يزدجرد بن سابور إحدى عشرة
سنة وخمسة أشهر وأياما، ثم بهرام بن يزدجرد، وهو بهرام جور سنتين وعشرة
أشهر، ثم يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر
يوما، ثم فيروز بن يزدجرد سبع عشرة سنة وقتل وكل من قتله مات على
فراشه، ثم ملك بعده بلاش بن فيروز أربع سنين، ثم قباذ بن فيروز ثلاثا
وأربعين سنة، ثم كسرى أنوشروان سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر، ثم ابنه
هرمز اثنتي عشرة سنة وقتل، ثم كسرى بن هرمز ثلاثين سنة وقتل، ثم ابنه
شيرويه ثمانية أشهر، ثم ابنه أردشير سنة ثم قتل، ثم ملك بعده شهريار
أربعين سنة ثم قتل، ثم بعده بوران بنت كسرى سنة وأربعة أشهر ثم قتلت،
وبعدها آزر ميدخت أختها ستة أشهر وماتت، ثم بعدها يزدجرد عشرين سنة، ثم
بطل ملك فارس.
وقد كان يزدجرد [1] هذا قد وطئ امرأة فولدت له غلاما ذاهب الشق- وذلك
بعد ما قتل يزدجرد- فسمي المخدع، فولد له أولاد بخراسان، فوجد قتيبة
حين افتتح الصغد أو غيرها جاريتين، فقيل له: إنهما من ولد المخدع، فبعث
بهما- أو بإحداهما- إلى
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 293.
(5/14)
الحجاج بن يوسف، فبعث بهما إلى الوليد بن
عبد الملك، فولدت للوليد يزيد بن الوليد الناقص.
[شخوص عَبْد اللَّهِ بن عامر إلى خراسان] [1]
وفِي هذه السنة:
أعني سنة إحدى وثلاثين، خرج عَبْد اللَّهِ بن عامر إلى خراسان، ففتح
طوس وغيرها حتى بلغ سرخس، وصالح أهل مرو على ألفِي ألف ومائتي ألف.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ فَضَالَةَ الْكِنْدِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي الْعَبَّاسُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ بِشْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي] [2] / أَبُو حامد 3/ أمحمد بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صَالِحٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْمُصْعَبِ بْنِ أَبِي
الزَّهْرَاءِ:
أَنَّ كَنَّازًا صَاحِبَ نَيْسَابُورَ كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ وَهُوَ وَالِي الْكُوفَةِ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ كُرْزٍ [3] وَهُوَ وَالِي الْبَصْرَةِ فِي خِلافَةِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوهُمَا إِلَى
خُرَاسَانَ، وَيُخْبِرُهُمَا أَنَّ أَهْلَ مَرْوَ قَتَلُوا
يَزْدَجَرْدَ، وَانْتَدَبَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَامِرٍ، وَابْتَدَرَا أَيُّهُمَا يَسْبِقُ إِلَيْهَا، وَفِي
جُنْدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُجَاهِدًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ، فَأَتَى ابْنَ عَامِرٍ دُهْقَانٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا
تَجْعَلُ لِي أَنْ سَبَقْتُ بِكَ، قَالَ: لَكَ خَرَاجُكَ وَخَرَاجُ
أَهْلِ بْيَتِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَخَذَ بِهِ فِي
الطَّرِيقِ الَّذِي أَخَذَ فِيهِ زِيَادُ بْنُ زُرَارَةَ أَيَّامَ
أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَخَذَ بِهِ عَلَى قُومِسَ، فَقَدِمَ جُوَيْنٌ مِنْ
نَيْسَابُورَ، وَنَزَلَ إِزَاذوار [4] فَصَالَحُوهُ، وَقَاتَلَ أَهْلُ
نَيْسَابُوَر تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ ثَلِمَهَا وفتحها.
__________
[1] العنوان ساقط من ت، أوردناه من تاريخ الطبري.
[2] إلى هنا انتهى السقط من الأصل، والّذي بدأ من أول هذا الجزء.
[3] في الأصل: «عامر بن كريز» .
[4] اسم قرية من أعمال نيسابور معجم البلدان 1/ 167.
(5/15)
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، وَإِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ:
أَيُّكُمَا سَبَقَ إِلَى خُرَاسَانَ فَهُوَ أَمِينٌ عَلَيْهَا [1] ،
فَقَدِمَ ابْنُ عَامِرٍ نَيْسَابُورَ، وَجَاءَ سَعِيدٌ حَتَّى بَلَغَ
الرَّيَّ. وكانت فتوح خراسان على يدي ابن عامر، فقَالَ له الناس: ما
فتح الله عز وجل لأحد ما فتح الله عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة
خراسان، فقَالَ: لا جرم، لأجعلن شكري للَّه عز وجل أن أخرج من موضعي
محرما، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله
عنه لامه على ما صنع وقَالَ: ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس.
وكناز المذكور كان ملك تلك الديار فِي زمان كسرى، وهو مجوسي من عبدة
النار، وكأنه أحس بغلبة المسلمين فدعاهم إليه، فلما غلبوا تقبل البلدة
منهم [وصالحهم على ما يؤديه.
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان رضي الله عنه] [2] .
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
256- عويمر بن عامر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية، أبو الدرداء [3] :
كان آخر أهل داره إسلاما، وكان متمسكا بصنم له، وكان عَبْد اللَّهِ بن
رواحة مؤاخيا له فِي الجاهلية، وأسلم ابن رواحة ودعاه فأبى وتجنبه.
وجاءه يوما فلما خرج من 3/ ب بيته دخل ابن رواحة فضرب الصنم بقدومه
فقطعه، فقالت زوجته: / أهلكتني يا ابن رواحة. فخرج، وجاء أبو الدرداء
فوجد المرأة تبكي خوفا منه، فقَالَ: ما شأنك؟ قالت:
أخوك ابن رواحة دخل إلى الصنم فصنع به ما ترى، فغضب غضبا شديدا، ثم فكر
فِي نفسه، فقَالَ: لو كان عنده خير لدفع عن نفسه. فانطلق إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأسلم.
__________
[1] في الأصل: «أمير عليها» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 117.
(5/16)
واختلفوا: هل شهد أحدا أم لا؟ وقد شهد بعد
ذلك مشاهد كثيرة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين
بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خُثَيْمَةَ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ، قَالَ [1] :
كُنْتُ تَاجِرًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ زَاوَلْتُ التِّجَارَةَ
وَالْعِبَادَةَ فَلَمْ تَجْتَمِعَا، فَاخْتَرْتُ الْعِبَادَةَ
وَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ
النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أبي
قدامة مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،
قالت:
كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خَلِيلٍ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
يَدْعُو لَهُمْ فِي الصَّلاةِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ،
فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ يَدْعُو لأَخِيهِ الْغَيْبَ إِلا
وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَقُولانِ: فَلَكَ مِثْلُ ذَلِكَ،
أَفَلا أَرْغَبُ أَنْ تَدْعُوَ لِي الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ [2] :
اسْتُعْمِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ
يُهَنُّونَهُ، فَقَالَ: أَتُهَنُّونِي بِالْقَضَاءِ وَقَدْ جُعِلْتُ
عَلَى رَأْسٍ مُهْوَاةٍ مَنْزِلَتُهَا أَبْعَدُ مِنْ عَدَنَ، وَلَوْ
عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الْقَضَاءِ لأَخَذُوهُ بِالدُّولِ رَغْبَةَ
عَنْهُ وَكَرَاهِيَةً لَهُ، وَلَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الآذَانِ
لأَخَذُوهُ بِالدُّولِ رَغْبَةً فِيهِ وَحِرْصًا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ
حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ:
أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي الْعَصَافِيرَ مِنَ الصبيان ويرسلهن، / ويقول:
اذهبن فعشن. 4/ أقال ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ،
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 117.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 117.
(5/17)
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ
الدَّرْدَاءِ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنِ احْتَجْتُ بَعْدَكَ آكُلُ
الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: لا، اعْمَلِي وَكُلِي، قَالَتْ: فَإِنْ ضَعُفْتُ
عَنِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: الْتَقِطِي السُّنْبُلَ وَلا تَأْكُلِي
الصَّدَقَةَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الضَّحَّاكُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ
النَّهْدِيُّ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُولُ:
لَوْلا ثَلاثٌ لَمْ أُبَالِ مَتَى مِتُّ: لَوْلا أَنْ أَظْمَأَ
بِالْهَوَاجِرِ، وَلَوْلا أَنْ أُعَفِّرَ وَجْهِي بِالتُّرَابِ،
وَلَوْلا أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ [1] :
أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ اشْتَكَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ
فَقَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا تَشْتَكِي؟
قَالَ: أَشْتَكِي ذُنُوبِي، قَالُوا: وَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ:
أَشْتَهِي الْجَنَّةَ، قَالُوا: أَفَلا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ:
هُوَ الَّذِي أَضْجَعَنِي.
توفي أبو الدرداء بالشام فِي هذه السنة.
وقيل: فِي سنة اثنتين وثلاثين.
257- نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف من أشجع:
وهو الذي خذل بين الأحزاب حتى تفرقوا، وهاجر وسكن المدينة، وكان يغزو
مع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غزا،
وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لما أراد تبوكا
ليتنصر الناس] ، وتوفي فِي زمان عثمان.
258-[يزدجرد [2] :
وتوفي يزدجرد الملك فِي هذه السنة [3] على ما سبق شرحه] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 118.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «قبل هذه السنة» .
(5/18)
ثم دخلت سنة اثنتين
وثلاثين
فمن الحوادث فيها: غزوة معاوية بن أبي
سفيان [المضيق] [1] :
مضيق القسطنطينية، ومعه زوجته عاتكة بنت قرطة.
وفيها: غزا عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ربيعة بلنجر [2] :
فحصروها ونصبوا عليها [المجانيق و] [3] العرادات [4] ، فجعل لا يدنو
منها أحد إلا هلك، فقتل معضد فِي تلك الأيام، ثم اجتمع أهل بلنجر [5]
والترك معهم، وأصيب عَبْد الرَّحْمَنِ، وأخذ القوم جسده، فجعلوه فِي
سفط، فهم يستسقون/ به ويستنصرون، 4/ ب وانهزم المسلمون وفيهم سلمان
الفارسي وأبو هريرة.
وفيها [6] : فتح ابن عامر مروالروذ وجوزجان.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
259- الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف [7] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 304، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] تاريخ الطبري 4/ 304.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] العرادات: من آلات الحرب، ترمي بالحجارة المرمى البعيد.
[5] في الأصل: «بلنجة» .
[6] تاريخ الطبري 4/ 309.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 36، وفي ت: «الحصين بن الحارث بن عبد المطلب
بن هاشم بن عبد مناف» .
(5/19)
260- سلمان الفارسي، يكنى أبا عَبْد
اللَّهِ [1] :
من أهل مدينة أصبهان. ويقال: من أهل رامهرمز، أسلم فِي السنة الأولى من
الهجرة، وأول مشهد شهده مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يوم الخندق، وإنما منعه من حضور ما قبل ذلك أنه كان مسترقا لقوم من
اليهود فكاتبوه وأدى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كتابته وعتق، ولم يزل بالمدينة حتى غزا المسلمون العراق فخرج معهم وحضر
فتح المدائن، وولاه إياها عمر، فنزلها حتى مات بها، وقبره الآن ظاهر.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، قال: حدثني أبي، قال:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ
بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ [2] :
كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ [3]
يُقَالُ لَهَا جي، وَكَانَ أَبِي دُهْقَانَ قَرْيَتِهِ [4] ، وَكُنْتُ
أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ
حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ [5] ،
وَاجْتَهَدْتُ [6] فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قُطْنَ النَّارِ
[7] الَّذِي يُوقِدُهَا، لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ: فَشُغِلَ فِي
بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ
شُغِلْتُ بِبِنَائِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ
فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ
أَرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ
النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فيها 5/ أوهم/ يُصَلُّونَ،
وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي
بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ
عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يصنعون.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 53، 6/ 1/ 9، 7/ 2/ 64.
[2] الخبر في المسند 5/ 441- 444، وطبقات ابن سعد 4/ 1/ 53، وتاريخ
بغداد 1/ 164.
[3] في المسند: «من أهل قرية منها يقال لها» .
[4] في طبقات ابن سعد: «دهقان أرضه» .
[5] في المسند: «في بيته أي ملازم النار كما تحبس الجارية» .
[6] في المسند: «أجهدت» .
[7] في طبقات ابن سعد: «كنت قاطن النار» .
(5/20)
قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ
أَعَجْبَتْنِي صَلاتُهُمْ [1] وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ:
هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ [الدِّينِ] [2] الّذي نحن عليه، فو الله
مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي
فَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟
قَالُوا: بِالشَّامِ.
قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي
وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ: فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ:
أَيْ بُنَيَّ، أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا
عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَةْ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي
كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي ما رأيت من دينهم، فو الله مَا زِلْتُ
عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. قَالَ: أي بني، ليس في ذَلِكَ
الدِّينُ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ. قُلْتُ:
كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا.
قَالَ: فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي
بَيْتِهِ. قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا
قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى
فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ [3] ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ
الشَّامِ تُجَّارًا مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَقُلْتُ
لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرُّجْعَةَ إِلَى
بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجْعَةَ
إِلَى بِلادِهِمْ [أَخْبَرُونِي بِهِمْ] [4] فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ
مِنْ رِجْلِي ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ،
فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا:
الأُسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ.
قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ
وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ
وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ مَعَهُ.
قَالَ: وَكَانَ رَجُلُ سُوءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ
وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا
اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ [5] الْمَسَاكِينَ، حَتَّى
جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ [وَوَرِقٍ] [6] قَالَ:
وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ
مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ
لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلُ سُوءٍ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ
وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكتنزها
__________
[1] في المسند: «أعجبني صلاتهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وابن سعد، وأوردناه من المسند.
[3] في الأصل: «إذا قدم عليكم أحد من الشام من تجار النصارى فأخبروني
بهم» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وابن سعد، وأوردناه من المسند.
[5] من هنا ساقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وابن سعد، وأوردناه من المسند.
(5/21)
5/ ب لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ/
الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا [1] . قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ
بِذَلِكَ؟ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا:
فَدُلَّنَا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ
فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا،
قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا.
قَالَ: فصلبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ.
ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ، فَمَا رَأَيْتُ
رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ [وَلا]
[2] أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا
أَدْأَبُ لَيْلا وَلا نَهَارًا مِنْهُ.
قَالَ: فَأَحْبَبْتُه حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ أَحَدًا [3] مِنْ
قَبْلِهِ، فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ،
فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا
لَمْ أُحِبَّهُ أَحَدًا مِنْ قَبْلِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ:
أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا
كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا، وَتَرَكُوا
أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ
فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ،
فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ
أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ:
فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي.
قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ
صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ
الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي
إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني،
وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلا عَلى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا
رَجُلا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلانٌ فَالْحَقْ بِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ،
فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبَيَّ.
قَالَ: فَأَقْمِ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى
أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رجل، فو الله مَا لَبِثُ
أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَهَ قُلْتُ لَهُ: يَا
فُلانُ إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ ثُمَّ أَوْصَى
بِي إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تأمرني؟ قال: أي بني،
والله ما
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من ت الّذي سبق الإشارة إليه.
[2] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[3] «أحدا» : ساقطة من أ، والمسند.
(5/22)
أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا
آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بَعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ عَلَى
مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ فَإِنَّهُ
عَلَى أَمْرِنَا.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بصاحب عمّورية، وأخبرته
خبري، فقال: / أقم 6/ أعندي، فَأَقَمْتُ عِنْدَ رَجُلٍ عَلَى هُدَى
أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ
وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
فَلَمَّا احْتُضِرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ
فُلانٍ فَأَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى
فُلانٍ، وَأَوْصَانِي فُلانٌ إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قَالَ:
أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا
كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ،
وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ مَبْعُوثٍ بِدِينِ
إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ
بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيُنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى،
يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ
خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ
الْبِلادِ فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ، فَمَكَثْتُ بَعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا،
فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ
بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغَنَمِي هَذِهِ [1] ؟ قَالُوا: نَعَمْ،
فَأَعْطَيْتُمُوهَا [2] وَحَمَلُونِي حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي
الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ، فَكُنْتُ
عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ
الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقَّ لِي فِي نَفْسِي.
فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ
بِالَمِدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ،
فَاحْتَمَلَنِي إلى المدينة، فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا
فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَقَامَ
بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لا أَسْمَعُ لَهُ بِذكر مَعَ مَا أَنَا فِيهِ
مِنْ شُغُلِ الرِّقِّ. ثُمَّ هَاجَرَ إلى المدينة، فو الله إني لفي رأس
غدق لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيِّدِي جَالِسٌ،
إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ
فُلانٌ: قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الآنَ
لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ
مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ [3] . قَالَ: فَلَمَّا
سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي
سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، وَنَزَلْتُ من النخلة فجعلت أقول
__________
[1] في المسند: «غنمتي هذه» .
[2] في الأصل: «فأعطيتهم إياها» .
[3] في المسند: «يزعمون أنه نبي» .
(5/23)
لابْنِ عَمِّهِ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا
تَقُولُ؟ قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً
ثُمَّ قَالَ:
مَا لَكَ وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ، قُلْتُ: لا شَيْءَ
إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ [1] عَمَّا قال. وقد 6/ ب كَانَ
عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا/ أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ
ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ:
إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ
لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي
لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ. قَالَ:
فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: «كُلُوا» ، وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ
يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ
انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ جِئْتُهُ
بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ
هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا
مَعَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ اثْنَتَانِ.
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي
أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدْبَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى
ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وُصِفَ لِي، [فَأَتَيْتُهُ
وَهُوَ جَالِسٌ] [2] ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي
شَيْءٍ وصف لي، قال: فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ
إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ
وَأَبْكِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلْ» فَتَحَوَّلْتُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي
كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ-
ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا وَأُحُدًا.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي على
ثلاثمائة نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ وَبِأَرْبَعِين
أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ [3] : «أَعِينُوا أَخَاكُمْ» . فَأَعَانُونِي
بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ
بِعِشْرِينَ وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَالرَّجُلُ بِعَشَرَةٍ،
يُعِينُ الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لي
ثلاثمائة وَدِيَّةٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا فإذا فرغت أكون أنا أضعها
بيدي» .
7/ أقال: فَفَقَّرْتُ/ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا
فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ
لَهُ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فو الّذي نفس
__________
[1] في الأصل: «أن أستبينه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «تحول. فتحولت فقصصت.. فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأصحابه» . ساقطة من ت.
(5/24)
سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا
وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ
الْمَالُ. فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ،
فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتِبُ؟» قَالَ: فَدُعِيتُ
لَهُ فقال: «خذ هذه فأدّبها [1] مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ» قَالَ:
قُلْتُ:
وَأَيْنَ تقع هذه يا رسول الله مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: «خُذْهَا
فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ» .
قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا وَالَّذِي نَفْسُ
سَلْمَانَ بِيَدِهِ- أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ
حَقَّهُمْ وَعُتِقْتُ. فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي [مَعَهُ] [2]
مَشْهَدٌ. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قال:
أخبرنا عاصم بن الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا
عثمان بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ
بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ:
وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
[أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ: «خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ
مِنْهَا» ، فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ] . وَفِي الصَّحِيحِ
عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: تَدَاوَلَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ
رَبٍّ إِلَى رَبٍّ لِي كُلُّهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً.
وَرَوَى أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: «سَلْمَانُ سَابِقُ الْفُرْسِ» [3] . وَلَمَّا خَطَّ
الْخَنْدَقَ قَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَاحْتَجَّ
الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ، وَكَانَ رَجُلا
قَوِيًّا، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتِ
الأَنْصَارُ: لا بَلْ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» . قَالَ
الحسن البصري [4] : كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء
ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب الناس فِي عباءة يفترش بعضها ويلبس
بعضها،
__________
[1] في طبقات ابن سعد: «خذ هذه فأدها ما عليك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وابن سعد، وأوردناها من
المسند.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 59.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 62.
(5/25)
فإذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يديه.
7/ ب وقَالَ عبادة بن نسي [1] : / كان لسلمان خباء من عباء [2] وهو
أمير الناس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ [أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ
الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَجِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ
بْنُ ذُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مَرْزُوقٍ] [3] ،
عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ
قَالَ:
رَأَيْتُ سَلْمَانَ فِي سَرِيَّةٍ هُوَ أَمِيرُهَا، عَلَى حِمَارٍ
عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَقَدَمَاهُ تُذَبْذِبَانِ، وَالْجُنْدُ
يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ، فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّمَا
الْخَيْرُ وَالشَّرُّ بَعْدَ الْيَوْمِ.
ذكر أولاد سلمان:
تزوج امرأة يقال لها بقيرة. وقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود: لسلمان
ثلاث بنات، بنت بأصبهان، وابنتان بمصر.
ذكر وفاته
: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
المبارك بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبَرْمَكِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ بَخِيتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ ذُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قال: حدثنا
أبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ
[4] : دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى سَلْمَانَ يَعُودُهُ،
فَبَكَى سَلْمَانُ فَقَالَ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ؟ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْحَوْضَ [5] ، قَالَ:
فَقَالَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَا إِنِّي مَا أَبْكِي
جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا
فَقَالَ: «لِيَكُنْ بُلْغَةُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مِثْلَ زَادِ
الرَّاكِبِ» وَحَوْلِي هَذِهِ الأَسَاوِرُ. قَالَ: وَإِنَّمَا حَوْلَهُ
إِجَّانَةٌ وَجَفْنَةٌ وَمَطْهَرَةٌ [6] . قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ:
يا أبا عبد الله،
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 63.
[2] في ت: «كان سلمان يسكن خيا من عباء» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد
عن ميمون بن مهران» .
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 65.
[5] في ابن سعد: «وهو عنك راض وتلقى أصحابك وترد عليه الحوض» .
[6] في ابن سعد: «وحوله إجانة أو جفة أو مطهرة» .
(5/26)
اعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ نَأْخُذُهُ
بَعْدَكَ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ، اذكر اللَّهَ عِنْدَ هَمِّكَ إِذَا
هَمَمْتَ، وَعِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ، وَعِنْدَ يَدِكَ إِذَا
قَسَمْتَ. ولما اشتد مرض سلمان وكان قد أصاب صرة مسك يوم جلولاء،
فقَالَ لأمرأته هاتها، فمرسها فِي ماء، ثم قَالَ: انضحيها حولي، فإنه
يأتيني زوار الآن يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، فلم يمكث إلا قليلا
حتى مات.
عاش سلمان مائتين وخمسين سنة لا يشكون في هذا وبعضهم يقول: ثلاثمائة
وخمسين.
وقيل أنه أدرك وحي عيسى عليه السلام، والظاهر أنه توفي فِي زمان عثمان
فِي سنة اثنتين وثلاثين، وقد قيل فِي سنة ست وثلاثين، فعلى هذا تكون
وفاته في زمان علي رضي الله عنه، والأول أصح.
261-/ صخر بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَّيَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بن عبد مناف،
أبو سفيان [1] :
8/ ألم يزل على الشرك يقود الجموع لقتال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى أن أسلم يوم فتح مكة، وكان الإيمان فِي قلبه متزلزلا،
فعد فِي المؤلفة [قلوبهم] ، ثم استقر إيمانه وقوي يقينه، وكان قد كف عن
القتال بعد الخندق، وبعث إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هدية من تمر عجوة، وكتب إليه يستهديه أدما، فقبل هديته وأهدى
إليه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ علي [الجوهري] ، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن
الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال:
حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ
عُتْبَةَ يُخْبِرُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرَّ الظَّهْرَانِ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ إِنْ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْوَةً. قَالَ الْعَبَّاسُ: فَأَخَذْتُ بَغْلَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهباء وقلت:
__________
[1] تهذيب الكمال 13/ 119، وطبقات خليفة 10، وتاريخ الدوري 2/ 268،
والتاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 2942.
(5/27)
أَلْتَمِسُ حَطَّابًا أَوْ إِنْسَانًا
أَبْعَثُهُ إِلَى قُرَيْشٍ، فو الله إِنِّي لَفِي الأَرَاكِ إِذَا
أَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ،
قَالَ: لَبَّيْكَ أَبَا الْفَضْلِ، وَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: مَا
لَكَ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قُلْتُ: وَيْلَكَ هَذَا رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عَشَرَةِ آلافٍ، فَقَالَ: بِأَبِي
وَأُمِّي مَا تَأْمُرُنِي، هَلْ مِنْ حِيلَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،
تَرْكَبُ عَجُزَ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَذْهَبُ بِكَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ إِنْ ظَفَرَ بِكَ
دُونَهُ قُتِلْتَ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ أَرَى ذَلِكَ. ثُمَّ
رَكِبَ خَلْفِي وَتَوَجَّهْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فَعَرَفَهُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا
أَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِلا عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ، قَالَ: فَقُلْتُ:
إِنِّي قد أجرته، وجرى بين العباس وعمر 8/ ب فِي ذَلِكَ الْكَلامُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ
يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ/ تَعْلَمَ أَنْ لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ» قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْلَمَكَ
وَأَكْرَمَكَ وَأَعْظَمَ عَفْوَكَ، قَدْ كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي
أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي
شَيْئًا، قَالَ: «يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ
تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا
أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَعْظَمَ عَفْوَكَ، أَمَّا هذا فو الله
إِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا أَشْيَاءَ بَعْدُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
وَيْحَكَ اشْهَدْ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُقْتَلَ. قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ
الْحَقِّ وَقَالَ: أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ [1] . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَبَا سُفْيَانَ وَحُبَّهُ لِلشَّرَفِ
وَالْفَخْرِ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: «نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ
دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ
آمِنٌ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ
عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، قَالَ: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا
ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ:
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» ، لأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوذِيَ وَهُوَ
بِمَكَّةَ فَدَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ أَمِنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «مَنْ
دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ:
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ [أَبِي] خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيِّ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ كَانَ جالسا، فقال في نفسه: لو جمعت
__________
[1] في الأصل: «وأن محمدا لرسوله» .
(5/28)
لِمُحَمَّدٍ جَمْعًا. قَالَ: إِنَّهُ
لَيُحَدِّثُ نَفْسَهَ بِذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَالَ: «إِذَنْ أَخْزَاكَ
اللَّهُ» قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا أَيْقَنْتُ
أَنَّكَ نَبِيٌّ حَتَّى السَّاعَةِ إِنْ كُنْتُ لأُحَدِّثُ نَفْسِي
بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَشَهِدَ
أَبُو سُفْيَانَ الطَّائِفَ مَعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ورمي يَوْمَئِذٍ فَذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ. وَشَهِدَ
يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ
وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَأَعْطَى ابْنَيْهِ يَزِيدَ وَمُعَاوِيَةَ،
فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَكَرِيمٌ، فِدَاكَ
أَبِي وَأُمِّي لَقَدْ/ حَارَبْتُكَ فَنِعْمَ الْمُحَارِبُ كُنْتَ،
ثُمَّ سالمتك فنعم المسالم 9/ أأنت، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. قَالَ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ثُمَّ عَمِيَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
مُبَشِّرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ:
حَضَرْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ الْمَعْرَكَةَ فَلا أَسْمَعُ لِلنَّاسِ
كَلِمَةً وَلا صَوْتًا إِلا نَقْفَ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ بَعْضًا، إِلا
أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ،
يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ أَبْلُوا للَّه فِيهِ بَلاءً حَسَنًا،
وَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ
يَزِيدَ.
قَالَ مُحَمَّد بن عمر: نزل أبو سفيان المدينة فِي آخر عمره، ومات بها
سنة اثنتين وثلاثين في آخر خلافة عثمان، وهو يوم مات ابن ثمان وثمانين
سنة.
262- الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف [1] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وتوفي في هذه السنة وهو ابن سبعين سنة.
263- عَبْد اللَّهِ بن مسعود بن غافل- ويقال: عاقل- بن حبيب بن شمخ،
أبو عَبْد الرَّحْمَنِ [2] :
ذكر مُحَمَّد بن سعد نسبه فقَالَ: ابن غافل بالغين والفاء. وذكره خليفة
بن خياط، فقَالَ: عاقل بالعين والقاف. وذكره مُحَمَّد بن إسحاق صاحب
المغازي فقَالَ:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 35.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106.
(5/29)
عَبْد اللَّهِ بن مسعود بن الحارث بن شمخ،
ولم يذكر ما بين ذلك من الأسماء.
وأمه أم عبد بنت عبد [ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث
بْن تميم بْن سعد بْن هذيل، وأمها هند بنت عبد بن] [1] الحارث بن زهرة.
أسلم بمكة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين
بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا عَفَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النُّجُودِ، عَنْ ذر بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ [2] : كُنْتُ غُلامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا
لِعُقْبَةَ بن أبي معيط، فجاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالا:
يَا غُلامُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا؟ فقلت: إني مؤتمن
ولست 9/ ب بسامتكما، / فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذْعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا
الْفَحْلُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَسَحَ الضَّرْعَ
وَدَعَا فَجَفَّلَ الضَّرْعُ، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ
مُتَقَعِّرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا، فَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ
شَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ، فَقَلَصَ. قَالَ:
فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا
الْقَوْلِ، قَالَ: «إِنَّكَ غُلامٌ فَتَعَلَّمْ» ، فَأَخَذْتُ مِنْ
فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ. هاجر [3] ابن
مسعود إلى الحبشة الهجرتين، ثم إلى المدينة، وشهد بدرا، وضرب عنق أبي
جهل بعد أن أثبته ابنا عفراء، [وشهد] [4] المشاهد كلها مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان صاحب سره ووساده وسواكه
ونعليه وطهوره فِي السفر، كان يلبس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه
فأدخلهما فِي ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا
أمامه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106، 107.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 107.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من سعد.
(5/30)
وكان يستر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويمشي معه فِي الأرض،
وقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذنك
علي أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك» .
وكان يشبه برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هديه
وسمته، وكان خفيف اللحم قصيرا شديد الأدمة، وكان من أجود الناس ثوبا
وأطيبهم ريحا، كان يعرف بالليل بريح الطيب، وقَالَ فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سره أن يقرأ القرآن
كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» . وقَالَ فيه عمر رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: كنيف مليء علما.
وبعثه إلى أهل الكوفة ليقرئهم القرآن ويعلمهم الأحكام، وكتب إليه: إني
والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي فخذوا منه، فبث فيهم
الفقه.
وكان من كبار أصحابه: الأسود بن يزيد، وعلقمة بن قيس، والربيع بن خثيم،
وزيد بن وهب/، والحارث بن قيس، وأبو وائل، وزر بن حبيش وغيرهم. 10/
أوكان أبو مُوسَى يقول: لا تسألوني عن شيء وهذا الخير فيكم. وولي قضاء
الكوفة وبيت مالها لعمر وصدرا من خلافة عثمان، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا،
ثم صار إلى المدينة فمات بها فِي هذه السنة، ودفن بالبقيع.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ:
وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
إِلا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ وَأَلُمُّ فِيمَا نَزَلَتْ،
وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ
تَنَالُهُ الْمَطِيُّ لأَتَيْتُهَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، [أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ،
أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، حدثنا ابن الفهم حدثنا] [1]
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [2] قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «أخبرنا ابن عبد الباقي
بإسناد عن محمد بن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد.
(5/31)
حَدَّثَ يَوْمًا حَدِيثًا، فَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
أَرْعَدَ وَأَرْعَدَتْ ثِيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْ نَحْوَ ذَا أَوْ
شَبَهَ ذَا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ ذَرٍّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ
وَالْخَمِيسِ.
قَالَ الْفَضْلُ [2] : وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: ما
رأيت فقيها أَقَلَّ صَوْمًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَقِيلُ لَهُ: لِمَ
لا تَصُومُ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخْتَارُ الصَّلاةَ عَنِ الصَّوْمِ،
فَإِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاةِ.
قَالَ المصنف [3] : أوصى ابن مسعود إلى الزبير وابنه عَبْد اللَّهِ أن
يكفن فِي حلة بمائتي درهم، وقَالَ: ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون،
وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، واختلفوا فيمن صلى عليه على ثلاثة
أقوال: أحدها: عثمان، والثاني: عمار، ذكرهما الواقدي، والثالث الزبير،
ذكره خليفة بن خياط، والأول أصح.
10/ ب
264- عَبْد اللَّهِ بن حذافة بن قيس بن عدي بن سهم السهمي، أخو/ خنيس
[4] :
قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وبعثه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين،
ليدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فقرأه وحرقه.
واختلفوا هل شهد بدرا أم لا، وشهد فتح مصر، وتوفي بها، وقبره فِي
مقبرتها.
265- عَبْد اللَّهِ بن نضلة، أبو برزة الأسلمي [5] :
وقَالَ قوم: نضلة بن عَبْد اللَّهِ. أسلم قديما وشهد مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح مكة، وقتل عَبْد اللَّهِ بن
خطل، ولم يزل يغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
قبض، فتحول فنزل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 109.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 109.
[3] في الأصل: «قال مؤلف الكتاب» .
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 139.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 34، 7/ 1/ 4، 7/ 2/ 100.
(5/32)
البصرة حين نزلها المسلمون، ثم غزا خراسان
فمات بها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
266- عَبْد الرَّحْمَنِ بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن
كلاب بن مرة [1] :
وكان اسمه فِي الجاهلية عبد عمرو [2] ، وقيل عبد الكعبة [3] ، فسماه
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسلم عَبْد
الرَّحْمَنِ، ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث.
ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بعد الفيل بعشر سنين، وكان طويلا، حسن الوجه،
رقيق البشرة، مشربا حمره، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مسلم، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ [4] : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ، فَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ،
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَخِي أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالا
فَانْظُرْ شِطْرَ مَالِي فَخُذْهُ، وَتَحْتِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ
أَيَّتَهُمَا أَعْجَبَ إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا لَكَ، فَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ،
دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَدَلُّوهُ عَلَى السُّوقِ، فَاشْتَرَى
وَبَاعَ وَرَبِحَ، فَجَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ أَقْطٍ وَسَمْنٍ، ثُمْ لَبِثَ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، فَجَاءَ وَعَلَيْهِ رَدْعٌ مِنْ
زَعْفَرَانَ، فَقَالَ/ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَهِيمٌ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً،
قال: «فما 11/ أأصدقتها؟» قال: «وزن نواة من ذهب، قال: «أو لم وَلَوْ
بِشَاةٍ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ
رَفَعْتُ حَجَرًا رَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ تَحْتَهُ ذَهَبًا أَوْ
فِضَّةً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا جَرِيرُ
بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 87.
[2] في الأصل: «واسمه في الجاهلية كان عبد عمرو» .
[3] «وقيل عبد الكعبة» : سقطت من ت.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 89.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 89.
(5/33)
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفًا.
قَالَ علماء السير: شهد عَبْد الرَّحْمَنِ بدرا والمشاهد كلها، وبعثه
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى دومة الجندل، وعممه بيده.
وكان له من الولد عشرين ذكرا [1] ، وثمان بنات، وكان مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة تبوك فأم الناس، وجاء رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلحق معه ركعة، ثم قضى
الثانية، وقَالَ: «ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته» .
وكان عَبْد الرَّحْمَنِ كثير الصدقة فباع أرضا له بأربعين ألف دينار،
فقسم ذلك فِي فقراء بني زهرة، وفِي ذوي الحاجة من الناس، وفِي أمهات
المؤمنين، فلما بعث إلى عائشة بنصيبها، قالت أن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون»
[2] سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة [3] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ
الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
قَالَ:
أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ:
إِنَّهُ أَتَانِي مَلَكَانِ أَوْ رَجُلانِ فِيهِمَا فَظَاظَةٌ
وَغِلْظَةٌ، فَانْطَلَقَا بِي، ثُمَّ أَتَانِي رَجُلانِ أَوْ مَلَكَانِ
هُمَا أَرْفَقُ مِنْهُمَا وَأَرْحَمُ، فَقَالا:
أَيْنَ تُرِيدَانِ بِهِ؟ قَالا: نُرِيدُ بِهِ الْعَزِيزَ الأَمِينَ،
قَالا: خَلِّيَا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُ السَّعَادَةُ
وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
توفي عَبْد الرَّحْمَنِ فِي هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة. وخلف
ألف بعير 11/ ب وثلاثة آلاف شاة/ ومائة فرس، وترك ذهبا قطع بالفئوس حتى
مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة، فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين
ألفا، وأوصى فِي السبيل بخمسين ألف دينار.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ:
أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال:
__________
[1] في الأصل: «عشرون ذكرا» .
[2] كذا في الأصل وابن سعد، وفي أ: «الصالحون» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 94.
(5/34)
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ
الْعَالِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
الْيَقْطِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَيُّوبَ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ
حَفْصٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مِسْعَرٌ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ،
[أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف،
حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَهِمِ] [1] ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ [2] :
رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ عِنْدَ قَائِمَتِيْ سَرِيرِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عوف وهو يقول:
وا خلّاه.
267- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، أبو مُحَمَّد
[3] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني الحارث بن الخزرج فِي غزاة
الفتح، وهو الذي رأى الآذان.
توفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين سنة، وصلى عليه عثمان
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
268- العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الفضل [4] :
واسم أمه نتيلة بنت جناب بن كليب. ولد قبل ولادة رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، وكان له من الولد الفضل وهو
أكبر ولده، وعَبْد اللَّهِ وهو الحبر، وعبيد الله الجواد، وعَبْد
الرَّحْمَنِ، وقثم، ومعبد، وأم حبيبة، وأم الكل لبابة بنت الحارث، وكان
له من غيرها كثير، وتمام، والحارث. وكان يضرب المثل بعَبْد اللَّهِ فِي
العلم، وبعبيد الله فِي الجود.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وأخبرنا محمد بن عبد الباقي
البزار بإسناده عن محمد بن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 96.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 87.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 1.
(5/35)
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمَسْلَمَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن سليمان الطوسي، قال:
حدثنا الزبير بن بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الجمحيّ، عن أبيه، قال:
12/ أدخل أَعْرَابِيٌّ دَارَ الْعَبَّاسِ بْنِ/ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي جَانِبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
يُفْتِي وَلا يَرْجِعُ فِي شَيْءٌ يُسْأَلُ عَنْهُ، وَفِي الْجَانِبِ
الآخِرِ عُبَيْدُ اللَّهِ يُطْعِمُ كُلَّ مَنْ دَخَلَ، فَقَالَ
الأَعْرَابِيُّ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ فَعَلَيْهِ
بِدَارِ الْعَبَّاسِ، هَذَا يُفْتِي وَيُفَقِّهُ النَّاسَ، وَهَذَا
يُطْعِمُ الطَّعَامَ. وَكَانَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِبُعْدِ مَا بَيْنَ
قُبُورِ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ دُفِنَ
بِالطَّائِفِ، وَعُبَيَدَ اللَّهِ بالمدينة، والفضل بالشام، وقثم
بسمرقند، ومعبد بِإِفْرِيقِيَّةَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم،
قال: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
[1] :
أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا نَفَرُوا [2] إِلَى بَدْرٍ فَكَانُوا بِمَرِّ
الظَّهْرَانِ هَبَّ أَبُو جَهْلٍ مِنْ نَوْمِهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلا تَبًّا لِرَأْيِكُمْ [3] مَاذَا
صَنَعْتُمْ، خَلَّفْتُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَاءَكُمْ، فَإِنْ ظَفَرَ
بِكُمْ مُحَمَّدٌ كَانُوا مِنْ ذَلِكَ بِنَجْوَةٍ [4] ، وَإِنْ
ظَفَرْتُمْ بمُحَمَّدٍ أَخَذُوا ثَأْرَهُ مِنْكُمْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْ
أَوْلادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، فَلا تَذَرُوهُمْ فِي بَيْضَتِكُمْ
وَنِسَائِكُمْ [5] ، وَلَكِنْ أَخْرِجُوهُمْ مَعَكُمْ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُمْ غَنَاءٌ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوا
الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المطلب ونوفلا وطالبا وعقيلا كرها.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 4.
[2] في طبقات ابن سعد: «لما تفرقوا» .
[3] في الأصل: «ألا تبا لأبيكم» .
[4] في ابن سعد: «من ذلك بنحوه» .
[5] في ابن سعد: «في بيضتكم ففاتكم» .
(5/36)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا
رُوَيْمُ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ
أَبِي عِيسَى الشَّامِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
حَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو
رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَكَانَ الإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ،
فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ، وَكَانَ
الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلافَهُمْ، فَكَانَ يَكْتُمُ
إِسْلامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ/ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، فَخَرَجَ
مَعَهُمْ إِلَى بَدْرٍ، وهو على 12/ ب ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصَحَابِنَا، عَنِ
الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ
الْعَبَّاسَ أَبُو الْيَسَرِ، وَكَانَ رَجُلا مَجْمُوعًا، وَكَانَ
الْعَبَّاسُ جَسِيمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَسَرْتَهُ» ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي
عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلُ وَلا بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ
عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا كَثِيرُ
بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بَرْقَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، قَالَ [1] : لَمَّا كَانَتْ
أُسَارَى بَدْرٍ كَانَ فِيهِمُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَسَهِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَهُ،
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: مَا أَسْهَرَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟
قَالَ: «أَنِينُ الْعَبَّاسِ» . فَقَامَ رَجُلٌ فَأَرْخَى وِثَاقَهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي
لا أَسْمَعُ أَنِينَ الْعَبَّاسِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: إِنِّي أَرْخَيْتُ
مِنْ وِثَاقِهِ شَيْئًا، قَالَ: «فَافْعَلْ ذَلِكَ بِالأُسَارَى
كُلِّهِمْ» . أنبأنا الحسين بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن
المسلمة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن
بكار، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضَالَةِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ
كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلامِ وَإِنَّ جَفْنَةَ الْعَبَّاسِ
لَتَدُورُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَإِنَّ سَوْطَهُ وَقَيْدَهُ
لَمُعَدٌّ لسفهائهم.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 7.
(5/37)
قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي وِلايَتِهِمَا لا يَلْقَى الْعَبَّاسَ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهُوَ رَاكِبٌ إِلا نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ
وَقَادَهَا وَمَشَى مَعَ الْعَبَّاسِ حَتَّى يَبْلُغَ مَنْزِلَهُ أَوْ
مَجْلِسَهُ فَيُفَارِقَهُ.
توفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب هَذِهِ السنة، وَهُوَ
ابْن ثمان وثمانين سنة، وغسله علي بن أبي طالب، وصلى عليه عثمان، ودفن
بالبقيع.
269- قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد، أبو زيد [1] :
شهد العقبتين، وذكر فِي الستة الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار،
وكان من 13/ أالرماة المذكورين. وشهد بدرا، ورمى حجرا بين الصفين، ثم
قَالَ: لا أفر حتى يفر/ هذا الحجر.
وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني سلمة فِي غزوة الفتح، وجرح يوم أحد تسع
جراحات، وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عشرين
رجلا إلى حي من خثعم، فقاتلوه وغنم.
توفي قطبة فِي هذه السنة، ولم يعقب.
270- كعب الأحبار بن ماتع، أبو إسحاق [2] :
كان يهوديا فأسلم وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام فسكن حمص، فتوفي بها
فِي هذه السنة. وقد أسند الحديث إلى عمرو، وصهيب، وعائشة.
271- معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، من الأزد [3] :
أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقدم على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بخيبر فشهدها، وكان عمر رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يأكل معه ويقول: لو كان غيرك ما آكلني فِي صحفة، ولكان
بيني وبينه قدر رمح. وكان إذا شرب من الإناء وضع عمر فمه موضع فمه
فيشرب، وكان قد أسرع فيه الجذام، وكان عمر يطلب له الطب، فقدم رجلان من
أهل اليمن، فقَالَ لهما: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فقالا: ما
شيء يذهبه ولا
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 117.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 156.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 86.
(5/38)
يقدر عليه، ولكنا سنداويه دواء يوقفه،
فقَالَ عمر: عافية عظيمة أن يقف، قالا: هل ينبت بأرضك الحنظل؟ قَالَ:
نعم، قالا: فاجمع لنا منه، فجمع منه مكتلان، فعمدا إلى كل حنظلة فشقاها
شقين، ثم أضجعا معيقيبا، ثم أخذ كل رجل منهما بإحدى قدميه، ثم جعلا
يدلكان بطون قدميه بالحنظلة حتى إذا أمحقت أخذا الأخرى، وجعل معيقيبا
يتنخم أخضر مرا، ثم أرسلاه، فقالا لعمر: لا يزيد وجعه. فما زال متماسكا
حتى مات رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
272- معضد بن يزيد، أبو زياد العجلي [1] :
كان كثير التعبد، واستشهد فِي غزاة بلنجر في هذه السنة [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 111.
[2] تم المجلد السادس في نسخة ترخانة.
(5/39)
ثم دخلت سنة ثلاث
وثلاثين
فمن الحوادث فيها [1] :
غزوة معاوية حصن المرأة من أرض الروم من ناحية ملطية، فِي قول الواقدي.
13/ ب/ وفيها [2] .
غزوة عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح إفريقية الثانية حين نقض أهلها
العهد.
وفيها [3] :
قدم عَبْد اللَّهِ بن عامر الأحنف بن قيس إلى خراسان حين انتقض أهلها،
ونبعه ابن عامر، وفتح عليهم.
وفيها سير عثمان رضي الله عنه من أهل
العراق من سير إلى الشام [4]
فسير جماعة من أهل الكوفة كانوا يذكرون عثمان ويسبون سعدا، فكتب سعد بن
أبي وقاص إلى عثمان فِي أمرهم، فكتب إليه ابعثهم إلى معاوية، فلما
ذهبوا إليه رأى منهم ما لا يصلح، فأبعدهم عنه، فرجعوا إلى الكوفة، فضج
أهل الكوفة منهم فسيروا إلى حمص، ومن القوم مالك بن الحارث الأشتر،
وثابت بن قيس النخعي، وكميل بن زياد، وزيد بن صوحان، وجندب بن زهير،
وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 317.
[2] نفس المرجع والموضع.
[3] نفس المرجع والموضع.
[4] نفس المرجع والموضع.
(5/40)
وسير جماعة من أهل البصرة إلى الشام أيضا،
منهم حمران بن أبان، وكان قد تزوج امرأة فِي عدتها، فنكل به عثمان وفرق
بينهما وسيره إلى أهل البصرة.
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين، وإسماعيل، قالا: أخبرنا ابْنُ
النَّقُّورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى،
قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ [1] :
أَنَّ عُثْمَانَ سَيَّرَ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ حِينَ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَضَرَبَهُ
وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ
الْمَدِينَةَ، وَقَدِمَ مَعَهُ قَوْمٌ سَعَوْا بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ
قَيْسٍ، أَنَّهُ لا يَرَى التَّزْوِيجَ، وَلا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَلا
يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ، وَكَانَ عَامِرٌ مُنْقَبِضًا، وَعَمَلُهُ
كُلُّهُ مُسْتَعَبَرٌ، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ
بِذَلِكَ، فَأَلْحَقَهُ بِمُعَاوِيَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ
وَافَقَهُ وَعِنْدَهُ ثَرِيدَةٌ [2] ، فَأَكَلَ أَكْلا غَرِيبًا،
فَعَرَفَ أَنَّ الرَّجُلَ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذَا،
هَلْ تَدْرِي فِيَما أُخْرِجْتَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أُبْلِغَ
الْخَلِيفَةُ أَنَّكَ لا تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ
مَكْذُوبٌ عَلَيْكَ، وَأَنَّكَ لا تَرَى التَّزْوِيجَ وَلا تَشْهَدُ
الْجُمُعَةَ. قَالَ: أَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنِّي أَشْهَدُهَا فِي
مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَرْجِعُ فِي أَوَائِلِ/ النَّاسِ،
وَأَمَّا التَّزْوِيجُ، فَإِنِّي خَرَجْتُ وَأَنَا 14/ أيخطب عَلَيَّ،
وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَدْ رَأَيْتَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرًأ لا
آكُلُ ذَبَائِحَ الْقَصَّابِينَ مُنْذُ رَأَيْتُ قَصَّابًا يَجُرُّ
شَاةً إِلَى مَذْبَحِهَا، ثُمَّ وَضَعَ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهَا،
وَمَا زَالَ يَقُولُ: النِّفَاقَ النِّفَاقَ حَتَّى وَجَبَتْ [3] .
قَالَ: فَارْجِعْ، قَالَ: لا أَرْجِعُ إِلَى بَلَدٍ اسْتَحَلَّ
أَهْلُهُ مِنِّي مَا اسْتَحَلُّوا، وَلَكِنِّي أُقِيمُ بِهَذَا
الْبَلَدِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِي. وَكَانَ يَكُونُ فِي
السَّوَاحِلِ، وَكَانَ يَلْقَى مُعَاوِيَةَ فَيَقُولُ لَهُ: حَاجَتُكَ؟
فَيَقُولُ: لا حَاجَةَ لِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: تَرُدَّ
عَلَيَّ مِنْ حَرِّ الْبَصْرَةِ لَعَلَّ الصَّوْمَ أَنْ يَشْتَدَّ
عَلَيَّ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَخِفُّ عَلَيَّ فِي بِلادِكُمْ.
وفِي هذه السنة:
حج عثمان بالناس، وولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 327.
[2] «الثريد» : كسر الخبز المبلول بالماء.
[3] أي: تم بيعها ونفذ.
(5/41)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
273- الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم [1] :
أسلم عند إسلام أبيه، وصحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وروى عنه، واستعمله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وولاه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مكة، وانتقل إلى
البصرة ونزلها وتوفي بها.
274- المقداد بن الأسود، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك، أبو معبد
[2] :
كان حليفا للأسود بن عبد يغوث الزهري فِي الجاهلية، فتبناه، وكان يقال
له المقداد بن الأسود إلى أن نزل قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ
33: 5 [3] [فقيل: المقداد بن عمرو] .
وكان طويلا، أدم، ذا بطن، كثير شعر الرأس، [يصفر لحيته، مقرون الحواجب
أقنأ] .
وهاجر المقداد إلى الحبشة الهجرة الثانية فِي قول ابن إسحاق والواقدي،
ولم يذكره مُوسَى بن عقبة، ولا أبو معشر، وشهد مع رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدرا والمشاهد كلها.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عُبَيْدٍ، وَالْفَضْلُ بُنْ دُكَيْنٍ، قَالا: حَدَّثَنَا
الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ [4]
:
أَوَّلُ مَنْ عَدَا بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل المقداد
بن الأسود.
14/ ب قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا/ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ
طارق، عن عبد الله، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 38.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 114.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 5.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 114.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 115.
(5/42)
شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ مَشْهَدًا
لأَنْ أَكُونَ أَنَا صَاحِبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ،
إِنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا
وَاللَّهِ لا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: فَاذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ 5: 24 [1] ،
وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ يَسَارِكَ وَبَيْنَ
يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْرِقُ لِذَلِكَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ ذَلِكَ.
شرب المقداد دهن الخروع فمات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة، فحمل
على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع بالمدينة، وصلى عليه عُثْمَان بْن
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان ابن سبعين سنة أو نحوها.
__________
[1] سورة: المائدة، الآية: 24.
(5/43)
ثم دخلت سنة أربع
وثلاثين
فمن الحوادث فيها [اجتماع المنحرفين على
عثمان] [1]
أن المنحرفين عن عثمان [2] تكاتبوا للاجتماع لمناظرته فيما نقموا عليه،
وتذاكر قوم أعمال عثمان، فأجمعوا رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه
ويخبره بأحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد قيس، فدخل عليه، فقَالَ: إن
ناسا من المسلمين اجتمعوا ونظروا فِي أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا
عظاما فاتق الله وانزع عنها، فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان،
وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإلى سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص،
وعَبْد اللَّهِ بن عامر، فجمعهم فشاورهم فِي أمره، فقَالَ عَبْد
اللَّهِ بن عامر: إني أرى أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، فلا يهم أحدهم
إلا نفسه.
وقَالَ ابن أبي سرح: أعطهم المال تعطف عليك قلوبهم. وقَالَ معاوية:
تأمر أجنادك يكفيك كل منهم من قبله. وقَالَ عمرو بن العاص: اعتدل أو
اعتزل، فإن أبيت فاعتزم 15/ أعزما وامض قدما، فردهم عثمان إلى أعمالهم،
/ وأمرهم بالتضييق على من قبلهم، وتجمير الناس فِي البعوث، ورد سعيد بن
العاص أميرا على الكوفة، فخرج أهل [3] الكوفة فردوه، وهم يزيد بن قيس،
والأشتر، وذلك يوم الجرعة، والجرعة مكان مشرف قرب القادسية، وهناك
تلقاه أهل الكوفة. فرجع إلى عثمان، وضرب الأشتر عنق غلام
__________
[1] العنوان غير موجود بالأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] في الأصل: «إن المنحرفون على عثمان» .
[3] في الأصل: «فخرجوا أهل» .
(5/44)
كان مع سعيد، فقَالَ عثمان لسعيد: ما
يريدون؟ قَالَ: البدل، قَالَ: فمن يريدون؟ قَالَ:
أبا مُوسَى، فجعله عليهم.
وروى الواقدي عن أشياخه [1] : أن جماعة اجتمعوا فكلموا علي بن أبي طالب
فِي أمر عثمان، فدخل عليه وقَالَ: الناس من ورائي وقد كلموني فيك، وما
أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، وقد صحبت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى
بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب. وأنت أقرب إلى رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا. فقَالَ
عثمان: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحما، وسددت
خلة، أنشدك الله يا علي، أتعلم أن عمر ولى المغيرة أو ليس ذلك؟ قَالَ:
بلى، قَالَ: فلم تلومني إن وليت ابن عامر فِي رحمه وقرابته؟
قَالَ: سأخبرك، إن عمر كان كل من ولي فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه
حرف [جلبه ثم بلغ به أقصى غاية] [2] ، وأنت لا تفعل رفقة بأقربائك،
قَالَ عثمان: فهل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها؟ قَالَ: نعم،
قَالَ علي: فهل تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من غلامه يرفأ؟ قَالَ:
نعم فهو يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها، فيبلغك ولا تغير عليه. ثم خرج
علي، فخرج عثمان فجلس على المنبر، ثم قَالَ: لقد عبتم علي ما أقررتم
لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه
فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم، ولنت لكم، وأوطأت لكم كنفِي، وكففت يدي
ولساني عنكم، فاجترأتم علي، فكفوا عليكم ألسنتكم، وطعنكم على ولاتكم،
وما لي لا أصنع فِي فضل المال ما أريد، فلم كنت إماما.
فقام مروان بن الحكم، فقَالَ: إن شئتم حكمنا/ بيننا وبينكم السيف. فقال
15/ ب عثمان: اسكت لا سكتّ، دعني وأصحابي، ثم نزل عثمان.
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان، وحج أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
معه كما فعل عمر رَضِيَ اللهُ عنهما.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 336، 337.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
(5/45)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
275- زيد بن سهل بن الأسود، أبو طَلْحَة الأنصاري [1] :
شهد العقبة مع السبعين، والمشاهد كلها مع النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري،
قال: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قَالَ:
أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ [2] :
أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ يَتَتَرَّسُ بِهِ، وَكَانَ
رَامِيًا، وَكَانَ إِذَا مَا رَفَعَ رَأْسَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ
سَهْمُهُ فَيَرْفَعُ أَبُو طَلْحَةَ رَأْسَهُ وَيَقُولُ:
هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لا يُصِيبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ
نَحْرِكَ.
قَالَ [3] : وسرد الصوم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى أو في مرض.
وقرأ هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا 9: 41 [4] فقَالَ:
جهزوني، فقَالَ بنوه: قد غزوت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ومع أبي بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ونحن نغزو عنك،
فقَالَ:
جهزوني. فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد سبعة أيام،
فدفنوه بها ولم يتغير.
وقيل: مات بالمدينة. وصلى عليه عثمان وهو ابن سبعين سنة.
276- سويد بن شعبة اليربوعي، من بني تميم:
أَخْبَرَنَا عبد الوهاب [بن المبارك الأنماطي، أَخْبَرَنَا أبو الحسن
بن عبد الجبار، أخبره أحمد بن علي التوزي، أخبره عمر بن ثابت،
أَخْبَرَنَا علي بن أبي قيس، حدّثنا أبو
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 64.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 65.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 65.
[4] سورة: التوبة، الآية: 41.
(5/46)
بَكْرِ بْنُ عبيد، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن
إبراهيم، حَدَّثَنَا الهيثم بن جميل، وأَحْمَد بن يونس يزيد أحدهما على
صاحبه، عن ابن شهاب] [1] ، عن أبي حيان التيمي، عن أبيه، قَالَ:
دخلت على سويد بن شعبة، وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بالكوفة،
فإذ هو منكب على وجهه مسجى بثوب، فلولا أن امرأته قالت: أهلي فداؤك، ما
نطعمك، ما نسقيك، ما ظننت أن تحت الثوب شيئا. / فلما رآني قَالَ: يا
ابن أخي 16/ أدبرت الحراقف والصلب، فما من ضجعة غير ما ترى، والله ما
أحب أني نقصت منه قلامة ظفر.
قَالَ الأصمعي: الحرقفة، مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين.
277-[عَبْد الرَّحْمَنِ بن جبر بن عمرو، أبو عبس:
كان هو وأبو بردة بن نيار حين أسلما يكسران أصنام بني حارثة. وشهد أبو
عبس بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، وكان عمر وعثمان يبعثانه يصدق
الناس.
وتوفي فِي هذه السنة بالمدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه،
ودفن بالبقيع وهو ابن سبعين سنة] [2] .
278- عبادة بن الصامت [3] :
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَد، حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: سمعت سفيان بن عيينة يسمي النقباء،
فسمى عبادة بن الصامت فيهم.
قَالَ سفيان: عبادة عقبي، أحدي، بدري، شجري، وهو نقيب، توفي بالرملة
بالشام في هذه السنة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناد عن أبي حيان التيمي»
.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 23، والترجمة كلها ساقطة من الأصل، أوردناها
من ت.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 93، 3/ 2/ 148، 7/ 2/ 113.
(5/47)
279- عوف بن أثاثة بن عبادة بن المطلب بن
عبد مناف، ويكنى أبا عباد، ويلقب مسطحا [1] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وخمسين سنة.
280- كلثوم بن الحصين، أبو رهم الغفاري [2] :
أَنْبَأَنَا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أنبأنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم، قَالَ:
حَدَّثَنَا محمد بن سعد، قَالَ:
أَسْلَمَ أَبُو رُهْمٍ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَشَهِدَ مَعَهُ أُحُدًا، فَرُمِيَ
يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ عَلَيْهِ
فَبَرَأَ، وَكَانَ يُسَمَّى الْمَنْحُورُ.
قَالَ: وقَالَ مُحَمَّد بن عمرو: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسير من الطائف إلى الجعرانة وأبو رهم إلى جنبه على ناقة له، وفِي
رجليه نعلان غليظان إذ زحمت ناقته ناقة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أبو رهم: فوقع حرف نعلي على ساقه فأوجعه،
فقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أوجعتني أخر رجلك» وقرع رجلي بالسوط، فأخذني ما تقدم من أمري وما
تأخر، 16/ ب وخشيت أن ينزل فِي قرآن عظيم مما صنعت، فلما أصبحنا
بالجعرانة/ خرجت أرعى الظهر وما هو يومي فرقا أن يأتي للنبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رسول] [3] يطلبني، فلما روحت الركاب سألت،
فقالوا: طلبك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إحداهن
والله، فجئته وأنا أترقب، فقَالَ:
«إنك أوجعتني برجلك فقرعتك بالسوط وأوجعتك فخذ هذه الغنم عوضا من
ضربتي» قَالَ: فرضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها. قَالَ: وبعثه
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قومه يستنفرهم حين أراد
تبوكا.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 36. وفيه «مسطح بن أثاثة» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 179.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من هامش ت.
(5/48)
ثم دخلت سنة خمس
وثلاثين
فمن الحوادث فيها خروج أهل مصر ومن وافقهم
على عثمان رضي الله عنه [1]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ
قالا: أخبرنا ابن النقور، قال:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف، عن عطية،
عن يزيد الفقعسي، قَالَ [2] :
كان ابن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثم
تنقل فِي بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم بالبصرة، ثم
بالكوفة، ثم بالشام، فلم يقدر على ما يريد، فأخرجوه حتى أتى مصر، فغمز
عُثْمَان بْن عَفَّانَ، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان عمار بمصر فاستماله
ابن السوداء وأصحابه، ودعوه إلى خلع عثمان، فقدم المدينة.
وحَدَّثَنَا سيف عن مبشر بن الفضيل، وسهل بن يوسف، عن مُحَمَّد بن سعد
بن أبي وقاص، قَالَ:
قدم عمار من مصر وأبي شاكٍ فبلغه فبعثني إليه أدعوه، فلما دخل على سعد،
قَالَ: ويحك يا أبا اليقظان، إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الّذي
بلغني من سعيك في
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 340.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 340.
(5/49)
فساد بين المسلمين والتأليب [1] على أمير
المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها وقَالَ:
خلعت عثمان كما خلعت هذه، فقَالَ سعد: إنا للَّه وإنا إليه راجعون،
ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك، خلعت ربقة 17/ أالإسلام من عنقك،
فقام عمار مغضبا وأقبل سعد يبكي له، وقَالَ: من يأمن/ الفتنة يا بني لا
يخرجن منك ما سمعت منه.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ،
قَالَ [2] :
جَعَلَ أَهْلُ مِصْرَ يَكْتُبُونَ إِلَى الأَمْصَارِ، قَالَ سَيْفٌ:
كَاتَبُوا أَشْيَاعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ أَنْ يَتَوَافَوْا
بِالْمَدِينَةِ لِيَنْظُرُوا فِيمَا يُرِيدُونَ، وَأَظْهَرُوا
أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَسْأَلُونَ عُثْمَانَ عَنْ
أَشَيْاءَ، فَاجْتَمَعَ الْمِصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ
بِالْمَدِينَةِ، فَخَطَبَهُمْ عُثْمَانُ وَقَالَ: إن هؤلاء قالوا: أتم
الصلاة فِي السَّفَرِ، وَكَانَتْ لا تُتَمُّ، أَلا وَإِنِّي قَدِمْتُ
بَلَدًا فِيهِ أَهْلِي فَأَتْمَمْتُ، قَالُوا: وَحَمَيْتُ حِمًى،
وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا حَمَيْتُ إِلا مَا حُمِيَ قَبْلِي. وَقَالُوا:
إِنِّي رَدَدْتُ الْحُكْمَ وَقَدْ سَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطَّائِفَ ثُمَّ رَدَّهُ. وَقَالُوا:
اسْتَعْمَلْتُ الأَحْدَاثَ وَلَمْ أَسْتَعْمِلْ إِلا مُجْتَمَعًا
مَرْضِيًّا، وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي
أُسَامَةَ أَشَدَّ مَا قِيلَ لِي.
وَقَالُوا: أَعْطَيْتَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ مَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَيْهِ، وَإِنِّي إِنَّمَا نَفَلْتُهُ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَقَدْ
أَنْفَذَ مِثْلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا كَرِهَ
الْجُنْدُ ذَلِكَ رَدَدْتُهُ، وَقَالُوا: إِنِّي أُحِبُّ أَهْلَ
بَيْتِي وَأُعْطِيهُمْ، فَأَمَّا حُبِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَمِلْ مَعِي
عَلَى جَوْرٍ، وَإِنَّمَا أُعْطِيهُمْ مِنْ مَالِي وَلا أَسْتَحِلُّ
أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ لِنَفْسِي وَلا لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَمَا
تَبَلَّغْتُ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِفَلْسٍ فَمَا
فَوْقَهُ.
وحَدَّثَنَا سيف عن مُحَمَّد وطَلْحَة وأبي عثمان وأبي حارثة، قالوا
[3] :
لما كان شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر فِي أربعة رفاق على أربعة
أمراء، المقلل يقول: ستمائة، والمكثر يقول: ألف. على الرفاق عَبْد
الرَّحْمَنِ بن عديس البكري، وكنانة بن بشر [التجيبي، وعروة بن شبيم]
[4] الليثي، [وأبو عمرو بن
__________
[1] في ت: «الثلب على أمير المؤمنين» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 346.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 348.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
(5/50)
بديل بن ورقاء الخزاعي، وسواد بن رومان
الأصبحي، وزرع بن يشكر اليافعي] [1] ، وقتيرة السكوني، وسودان بن حمران
السكوني. وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن
يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج، ومعهم ابن
السوداء. وخرج أهل الكوفة فِي أربعة رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان
العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعَبْد اللَّهِ بن
الأصم وعليهم جميعا عمرو بن الأصم، وعددهم كعدد أهل مصر، وخرج أهل
البصرة فِي أربعة رفاق، وعلى الرفاق حكيم بن/ جبلة العبدي، وذريح بن
عباد العبدي، وبشر بن شريح بن 17/ ب الحطم القيسي، وابن محرش بن عبد
عمرو الحنفِي، وعددهم كعدد أهل مصر، وأميرهم جميعا حرقوص بن زهير
السعدي، سوى من تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون
عليا، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طَلْحَة، وأما أهل الكوفة
فإنهم كانوا يشتهون الزبير.
فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أناس من أهل البصرة،
[فنزلوا ذا خشب، وأناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم أناس من
أهل مصر] [2] وتركوا عامتهم بذي المروة. ومشى فيما بين أهل مصر وأهل
البصرة زياد بن النضر وعَبْد اللَّهِ بن الأصم، وقالا: لا تعجلوا حتى
ندخل المدينة ونرتاد.
فدخل الرجلان، فلقيا أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وطَلْحَة والزبير وعليا، وقالا: إنما نؤم هذا البيت،
ونستعفِي من هذا الوالي من بعض عمالنا، ما جئنا إلا لذلك، فاستأذنوهم
للناس فِي الدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا
عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومن البصرة نفر فأتوا طَلْحَة، ومن أهل
الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقَالَ كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا
كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم نبغتهم. فأتى المصريون عليا رضي الله عنه
وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عند عثمان، فعرضوا له، فصاح
بهم [فطردهم] [2] ، وقَالَ: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب
والأعوص ملعونون على لسان مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فارجعوا لا صحبكم الله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
(5/51)
وأتى البصريون طَلْحَة وقد أرسل بنيه إلى
عثمان، فعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وقَالَ مثل قول علي.
وأتى الكوفيون الزبير وقد سرح ابنه عَبْد اللَّهِ إلى عثمان، فعرضوا له
فصاح بهم وطردهم، وقَالَ مثل طَلْحَة.
فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون، فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى أتوا
إلى عساكرهم، وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة، ثم يكرون فافترق
أهل المدينة لخروجهم، فكروا فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير فِي
نواحي المدينة، فأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن.
18/ أوأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي، فقَالَ علي: ما ردكم بعد ذهابكم؟
/ فقالوا:
أخذنا مع بريد [1] كتابا بقتلنا هذا وعثمان يصلي بالناس وهم يصلون خلفه
ويقولون: لا حاجة لنا فِي هذا الرجل، ليعتزلنا.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فخرجوا على الصعب والذلول [2] ،
فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي
سرح معاوية بن خديج، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو. ولما جاءت الجمعة
التي على أثر نزول المصريين مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خرج عثمان رضي الله عنه فصلى بالناس، ثم قام على المنبر،
فقَالَ: يا هؤلاء، إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان
مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فامحوا الخطايا بالصواب
[3] .
فقام مُحَمَّد بن مسلمة: إنا نشهد بذلك، فأخذه حكيم بن جبلة فأقعده،
فقام زيد بن ثابت فقَالَ: ابغني الكتاب [4] ، فثار إليه مُحَمَّد بن
أبي قثيرة فأقعده، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوهم حتى أخرجوهم من المسجد،
وحصبوا عثمان حتى صرع
__________
[1] في الأصل: «وجدنا مع بريد» .
[2] في الطبري: «على الصعبة والزلول» .
[3] في الأصل: «فامحوا الخطايا بالصلاة» .
[4] أي: أحضر لي الكتاب.
(5/52)
عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل فأدخل داره،
وكان المصريون لا يطمعون فِي أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا فِي
ثلاثة نفر، فإنهم كانوا يراسلونهم: مُحَمَّد بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن
جعفر، وعمار بن ياسر، وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك،
وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي بن أبي طالب، فبعث إليهم
عثمان بعزمه لما انصرفوا. ودخل علي وطَلْحَة والزبير على عثمان يعودونه
من صرعته، فصلى بهم عثمان بعد ما نزلوا به فِي المسجد ثلاثين يوما ثم
منعوه الصلاة، فصلى بالناس أميرهم الغافقي، دان له المصريون والكوفيون
والبصريون، وتفرق أهل المدينة إلى حيطانهم، ولزموا بيوتهم، لا يخرج
أحد، ولا يجلس أحد إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم، وكان الحصار
أربعين يوما، وفيها كان القتل، ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح، وكانوا
قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون عن الناس، ويحتملون منهم الكلام.
ولما رأى زيد وزياد وعمر والأصم أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عثمان، / وأنهم 18/ ب لا يجيئونهم رجعوا من بين
أهل الكوفة، وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء: إن أمر هؤلاء قد بان،
وأنهم جاولوا الإسلام، ومنعوا الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، ولما
لم يجدوا خرجا، قالوا: لا نرضى إلا بأن يعتزلنا، فأدركوا الفتنة قبل
تدفقها، فحرض العمال أهل بلادهم، وجاء سعد، وزيد، وأبو هريرة للقتال،
فقَالَ عثمان: إن كنتم ترون الطاعة، فاغمدوا أسيافكم وانصرفوا.
وجاء كثير بن الصلت، فقَالَ لعثمان: لو أريت الناس وجهك، فقد انكسر
الناس، فقَالَ: يا كثير، رأيتني البارحة وكأني دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا، فقَالَ: قد صبرت فلن يدركك المسلمون حتى تقتل، فارجع فإنك
مفطر عندي يوم كذا وكذا، ولن تغيب الشمس والله يوم كذا وكذا، إلا وأنا
من أهل الآخرة، فقالوا: نستقيل، فقَالَ: اخرجوا عني.
ولما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على علي بن أبي طالب
رقيبا فِي نفر فلازمه، ورقيبه خالد بن ملجم، وعلى طَلْحَة رقيبا
فلازمه، ورقيبه سودان بن حمران، وعلى الزبير رقيبا فلازمه، ورقيبه
قتيرة وعلى نفر بالمدينة، وقالوا لهم: إن تحركوا فاقتلوهم، فلما لم
يستطع هؤلاء النفر غشيان عثمان بعثوا أبناءهم إلى عثمان،
(5/53)
فَأَقْبَلَ الحسن بن علي، فقَالَ له: مرنا
بأمرك، فقَالَ: يا ابن أخي، أوصيك بما أوصي به نفسي، واصبر وما صبرك
إلا باللَّه، وجاء ابن الزبير، فقَالَ له مثل ذلك، وجاء مُحَمَّد بن
طَلْحَة فقَالَ له مثل ذلك.
وأشرف عثمان [1] ، فقَالَ: يا أهل المدينة إني أستودعكم الله فارجعوا،
ولزم عثمان الدار أربعين ليلة، فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة ليلة
قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: حبيب من
الشام، ومعاوية من مصر، والقعقاع بن عمرو من الكوفة، ومجاشع من البصرة،
فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان، ومنعوه من كل شيء حتى الماء، فبعث
إلى علي رضي الله عنه بأنهم قد منعونا 19/ أالماء، وإلى طَلْحَة
والزبير وعائشة وأزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ [2] ،
فجاء إليهم علي فقَالَ: إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر
الكافرين، فإن الروم لتأسر فتطعم وتسقي، فقالوا:
لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب، فرجع. وجاءت أم حبيبة
[على بغلة لها برحالة] [3] مشتملة على إداوة، فقالت لهم: إن وصايا بني
أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله كيلا تهلك أموال اليتامى،
فقالوا:
كاذبة، وقطعوا حبل بغلتها بالسيف، فنذرت فتلقاها الناس.
وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة.
وحج بالناس تلك السنة عَبْد اللَّهِ بن عباس بأمر عثمان وهو محصور.
فلما علم المصريون أنهم مقصودون، قالوا: لا ينجينا إلا قتل هذا الرجل،
فراموا الباب، فمنعهم الحسن، وابن الزبير، ومُحَمَّد بن طَلْحَة،
ومروان، وسعيد بن العاص، وكانوا مقيمين على الباب، فناداهم عثمان: الله
الله، أنتم فِي حل من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب، وخرج ومعه الترس
والسيف، فبارز المصريون، وركبهم هؤلاء فتراجعوا، وأقسم على أصحابه
ليدخلن إذ أبوا أن ينصرفوا، فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين،
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 385.
[2] في الأصل: «أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/54)
واتخذ عثمان القرآن تلك الأيام نجيا، يصلي
وعنده المصحف، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه.
فجاء المصريون بنار فأحرقوا الباب، وعثمان فِي الصلاة قد افتتح طه، فما
كرثه [1] ما سمع، وما تتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه. وبارز
مروان يومئذ، فاختلف هو ورجل منهم ضربتين، فاجتر هذا أصحابه وهذا
أصحابه، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملئوها ولا يشعر
الذين بالباب، فقَالَ رجل: اخلعها وندعك، فقَالَ: لست خالعا قميصا
كسانيه الله، فخرج ودخل آخر فلم يقتله، وجاء ابن سلام ينهاهم، فقالوا:
يا ابن اليهودية، ما أنت وهذا. فأتاه الغافقي وبيده حديدة فضرب بها
رأسه/ فشجها فقطر [2] دمه على المصحف، وضرب المصحف برجله، ثم تعاونوا
19/ ب عليه [3] ، فضربه سودان بن حمران، فوثبت نائلة بنت الفرافصة
فصاحت وألقت نفسها عليه وأخذت السيف بيدها، فتعمدها، فقطع أصابع يدها
وقتله، فوثب غلام لعثمان [4] فقتل سودان، فقتل قتيرة الغلام، فوثب غلام
آخر وقتل قتيرة، ورموا بهما فأكلتهما الكلاب. ولم يغسل عثمان ولا
غلاماه لكونهم شهداء، ودفنا إلى جنب عثمان بالبيت، وانتهبوا متاع
البيت، ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف، فضرب رأسه برجله ونحاه عن
المصحف، وتنادوا فِي الدار: أدركوا بيت المال، لا تسبقوا إليه، فأتوه
فانتهبوه.
وقتل عثمان يوم الجمعة قبل غروب الشمس لثماني عشرة من ذي الحجة سنة خمس
وثلاثين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ:
حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ الْقَاسِمِ الطَّلْحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ، قال:
__________
[1] في الأصل: «فما كره» .
[2] في الأصل: «فشجه فقطر» .
[3] في ت: «تنادوا عليه» .
[4] «لعثمان» : سقط من ت.
(5/55)
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ
قَالَ لِعُثْمَانَ حِينُ حُصِرَ:
إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الأَمْرِ مَا تَرَى، فَاخْتَرْ وَاحِدَةً
مِنْ ثَلاثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْتَحَ لَكَ بَابًا سِوَى الْبَابِ
الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ فَتَلْحَقَ
بِمَكَّةَ فَلَنْ يَسْتَحِلُّوكَ بِهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَلْحَقَ
الشَّامَ وَفِيهَا مُعَاوِيَةُ، وَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتَ بِمَنْ مَعَكَ
فَقَاتَلْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا قَوْلُكَ آتِي إِلَى مَكَّةَ، فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«يُلْحَدُ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ
الأُمَّةِ» فَلَنْ أَكُونَهُ. وَأَمَّا أَنْ آتِيَ إِلَى الشَّامِ،
فَلَنْ أكون لأدع دار هجرتي ومجاورة نبي الله صلّى الله عليه وسلّم
وَآتِي الشَّامَ. وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي أَخْرُجُ بِمَنْ مَعِي
أُقَاتِلُهُمْ فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَخْلُفُ رسول الله صلى
الله عليه وسلم في أمته بإراقة محجمة دم.
20/ أوروى الواقدي/، عن أشياخ له، عن مُحَمَّد بن مسلمة، قَالَ [1] :
خرجت فِي نفر من قومي إلى المصريين، فعظمت حق عثمان وما فِي رقابهم من
البيعة، وخوفتهم الفتنة، وأنه ينزع عن هذه الأمة الخصال التي نقمتم
عليه، وأنا ضامن لذلك. قَالَ القوم:
فإن لم ينزع؟ قلت: فأمركم إليكم.
فانصرف القوم وهم راضون، ورجعت إلى عثمان، فقلت: أخلني، فأخلاني، فقلت:
الله الله يا عثمان فِي نفسك، إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك،
وأنت ترى خذلان أصحابك لك، فأعطاني الرضا وجزاني خيرا.
ثم خرجت من عنده، فأقمت ما شاء الله فيهم، فعادوا له فقَالَ لي: ارجع
إليهم فأرددهم، قلتُ: لا والله، لأني ضمنت لهم أمورا [تنزع عنها] [2]
فلم تنزع عن حرف واحد منها. فقَالَ له: الله المستعان.
وجاءني ابن عديس وسودان، فقالا: ألم تعلم أنك زعمت أن صاحبنا نازع عما
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 372.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/56)
نكره؟ قلت: بلى فأخرجوا صحيفة صغيرة، وإذا
قصبة من رصاص، فقالوا: وجدنا جملا من إبل الصدقة عليه غلام عثمان،
ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذا الكتاب:
أما بعد، فإذا قدم عليك عَبْد الرَّحْمَنِ بن عديس فاجلده مائة جلدة،
واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري، وعمرو بن الحمق فافعل به
مثل ذلك، وسودان مثل ذلك، وعروة مثل ذلك.
قلت: وما يدريكم أن عثمان كتب هذا؟ قالوا: فيفتات مروان على عثمان
بهذا، فهذا أشر، فيخرج نفسه من هذا الأمر. ودخل علي على عثمان فأخبره
بما وجدوا فِي الكتاب، فجعل يقسم باللَّه ما كتب به ولا علم ولا شور.
قَالَ ابن مسلمة: إنه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقَالَ عليّ: أدخلهم
إليك واعتذر إليهم، فدخلوا فما سلموا عليه بالخلافة، بل قالوا: سلام
عليكم، فقلنا:
وعليكم السلام، فقدموا فِي كلامهم ابن عديس، فذكر له أشياء من فعله،
وقالوا: قد رحلنا نريد دمك فردنا علي، ومُحَمَّد بن مسلمة، وضمن لنا
ابن مسلمة النزوع عما نقمناه، فرجعنا إلى بلادنا، فوجدنا غلامك وكتابك
وخاتمك إلى/ عاملك بجلد ظهورنا 20/ ب والمثل بنا، فقَالَ عثمان: والله
ما كتبت ولا أمرت ولا شورت، قالوا: أيكتب مثل هذا غيرك؟ فليس مثلك يلي،
اخلع نفسك، فقَالَ: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل.
فخرج الكل فحاصروه.
ذكر من كان يصلي بالناس وعثمان محصور
اختلف الناس فِي ذلك، فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ
عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: أَنَّهُ لَمَّا حُصِرَ عثمان
جَاءَ الْمُؤَذِّنُ. سَعْدُ الْقُرَظِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؟
فَقَالَ: نَادِ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، فَقَامَ فصلى بِالنَّاسِ. قَالَ
الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جَاءَ
الْمُؤَذِّنُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَذَّنَ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: لا
انْزِلْ، اذْهَبْ إِلَى مَنْ يُصَلِّي، فَجَاءَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَ سَهَلَ بْنَ حَنِيفٍ فصلى الْيَوْمَ الَّذِي
حُصِرَ فِيهِ الْحَصْرَ الأَخِيرَ، وَهُوَ لَيْلَةَ رَأَى هِلالَ ذِي
الْحِجَّةِ، فصلى بِهِمْ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ صَلَّى
عَلِيٌّ الْعِيدَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ حَتَّى قتل.
(5/57)
وقد روينا أن ابن عديس صلى بهم، وكنانة بن
بشر خليفته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بن المبارك، [ومحمد بن ناصر، قالا
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا أبو محمد
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا] [1] حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ:
خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الدَّلَجِ،
وَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاللَّهِ مَا قَتَلَتْ أُمَّةٌ نَبِيًّا إِلا
قُتِلَ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفًا، وَلا قَتَلَتْ أُمَّةٌ خَلِيفَةً
إِلا قُتِلَ مِنْهَا مَكَانَهُ خَمْسَةٌ وَثَلاثُونَ أَلْفًا،
فَأَحْرَقُوا الْبَابَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا عِنْدَهُمْ بَعْدَ
هَذَا بَقِيَّةٌ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.
ذكر من وليه بعد موته وصفة دفنه [2]
ذكر سيف بن عمر أن عثمان قتل يوم الجمعة، ودفن ليلة السبت فِي جوف
الليل.
قَالَ أبو بشر العابدي [3] : نبذ عثمان ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إن حكيم
بن حزام وجبير بن مطعم كلما عليا فِي أن يأذن لهما فِي دفنه ففعل، فلما
سمع بذلك قعدوا له فِي الطريق بالحجارة، فأرسل إليهم عليّ يعزم عليهم
ليكفّنّ عنه ففعلوا.
21/ أوقال غيره [4] : دفن بين المغرب والعتمة، / ولم يشهد جنازته إلا
مروان وثلاثة من مواليه، وابنته الخامسة.
وقَالَ الشعبي [5] : صلى عليه مروان.
قَالَ الواقدي [6] : الثبت عندنا أنه صلى عليه جبير بن مطعم، وقَالَ
صالح بن كيسان: خرج حكيم بن حرام فِي اثني عشر رجلا منهم الزبير.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك
بإسناده عن حماد بن زيد.
[2] تاريخ الطبري 4/ 412.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 412.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 412.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 415.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 413.
(5/58)
وروى الواقدي: أنهم لما قتلوه أرادوا جز
رأسه، فوقعت عليه نائلة وأم البنين، فمنعنهم، وصحن، وضربن الوجوه،
وخرقن ثيابهن، فقَالَ ابن عديس: اتركوه، فأخرج ولم يغسل إلى البقيع،
فأقبل عمير بن ضابىء، فنزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه، وقَالَ: سجنت
ضابئا حتى مات فِي السجن.
وكان عمر عثمان [1] اثنتين وثمانين سنة وأشهرا. وقيل ثلاثا وثمانين.
وقيل: ستا وثمانين. وقيل ثمانيا وثمانين.
وقتل وعامله على مكة عَبْد اللَّهِ بن الحضرمي، وعلى الطائف القاسم بن
ربيعة الثقفي، وعلى صنعاء يعلى بن أمية، وعلى الجند عَبْد اللَّهِ بن
ربيعة، وعلى البصرة عَبْد اللَّهِ بن عامر بن كرز، وعلى مصر عَبْد
اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح ثم غلب مُحَمَّد بن أبي حذيفة على مصر فأخرج
ابن سعد، وعلى الكوفة: على صلاتها أبو مُوسَى، وعلى حربها القعقاع بن
عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عَبْد اللَّهِ، وعلى أذربيجان الأشعث بن
قيس، وعلى حلوان عتيبة بن النهاس، وعلى همذان النسير، وعلى الري سعيد
بن قيس، وعلى أصفهان السائب بن الأقرع، وعلى ماسبذان حبيش، وعلى بيت
المال عقبة بن عمرو، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان.
وعمال معاوية على حمص عَبْد الرَّحْمَنِ بن خالد بن الوليد، وعلى
قنسرين حبيب بن مسلمة، وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان، وعلى القضاء
أبو الدرداء، وعلى قضاء عثمان زيد بن ثابت.
فصل
ولما قتل عثمان رضي الله عنه انتهبت داره ودار غيره، وانتهبت دار أبي
هريرة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا/ عَبْد
اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: 21/ ب حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا
بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ،
قَالَ: فصفهن بين
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 417.
(5/59)
يَدَيْهِ ثُمَّ دَعَا، فَقَالَ لِي:
اجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدِكَ وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلا تَنْثُرْهُ.
قَالَ: فَجَعَلْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
وَآكُلُ وَأُطْعِمُ [1] ، وَكَانَ لا يُفَارِقُ حِقْوِي. فَلَمَّا
قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْقَطَعَ عَنْ حِقْوِي
وَسَقَطَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [2] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ حَبَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي
مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُصِبْتُ
بِثَلاثٍ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ وَذَا يَدٍ مِنْهُ، وَبِقَتْلِ عُثْمَانَ
وَالْمِزْوَدِ. قَالُوا: وَمَا الْمِزْوَدُ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابَتِ
النَّاسَ مَخْمَصَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ،
شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ، قَالَ:
«فَآتِنِي بِهِ» ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخْرَجَ
قَبْضَةً، فَبَسَطَهَا، ثم قال: ادع لي عشرة، فدعوت له عَشَرَةً
فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ
قَبْضَةً فَبَسَطَهَا، ثُمَّ قالَ: ادْعُ لِي عَشَرَةً، فَدَعَوْتُ
لَهُ عَشَرَةً، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يَصْنَعُ
ذَلِكَ حَتَّى أَطْعَمَ الْجَيْشَ كُلَّهُ وَشَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ
لِي: «خُذْ مَا جِئْتَ بِهِ وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَاقْبِضْ وَلا
تَكُبَّهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَبَضْتُ عَلَى أَكْثَرِ مِمَّا
جِئْتُ بِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ عَمَّا
أَكَلْتُ، أَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَأَطْعَمْتُ، وَحَيَاةَ
عُمَرَ وَأَطْعَمْتُ، وَحَيَاةَ عُثْمَانَ وَأَطْعَمْتُ، فَلَمَّا
قُتِلَ عُثْمَانُ انْتُهِبَتْ بَيْتِي وَذَهَبَ الْمِزْوَدُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لَقَدْ جَهَّزْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا في سبيل
الله.
فصل
22/ أ/ ولما ضرب عثمان بالسيف اتقت نائلة بنت الفرافصة بيدها، فقطعت
إصبعان من أصابعها، فلما قتل كتبت إلى معاوية: من نائلة بنت الفرافصة
إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد. فإني أذكركم باللَّه الذي أنعم
عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأبعدكم عن الكفر، وأنشدكم
الله فأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه، وأن
__________
[1] في المسند: «ونأكل ونطعم» .
[2] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 2/ 352.
(5/60)
أمير المؤمنين بغي عليه وكنت مشاهدة أمره،
إن أهل المدينة حصروه يحرسونه ليلهم ونهارهم قياما على أبوابه بسلاحهم
حتى منعوه الماء، ثم إنه رمي بالنبل والحجارة، ثم أحرقوا باب الدار، ثم
دخلوا عليه وأخذوا بلحيته وضربوه على رأسه ثلاث ضربات وطعنوه فِي صدره
ثلاث طعنات، وقد أرسلت إليكم بثوبه، فحلف رجال من الشام ألا يطئوا
النساء حتى يقتلوا قتلته أو تذهب أرواحهم.
فصل
وقد كان أمير المؤمنين علي يقول: إنما وهنت يوم قتل عثمان. أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
الْفَتْحِ أحمد بن محمد الحداد، قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَنْجَوَيْهِ، أَنَّ الْحَاكِمَ أَبَا
أَحْمَدَ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظَ،
أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ
بْنُ عَبَّادِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ،
عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ زَوْدِيٍّ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: [هَلْ تَدْرُونَ]
[1] إِنَّما مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ وَقَتْلُ عُثْمَانَ، كَمَثَلِ
ثَلاثَةِ أَثْوَارٍ كُنَّ فِي أَجَمَةٍ: ثَوْرٌ أَبْيَضُ، وَثَوْرٌ
أَسْوَدُ، وَثَوْرٌ أَحْمَرُ وَمَعَهُمْ فِيهَا أَسَدٌ، فَكَانَ
الأَسَدُ لا يَقْدِرُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ لاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ،
فَقَالَ لِلثَّوْرِ الأَسْوَدِ وَالثَّوْرِ الأَحْمَرِ: إِنَّهُ لا
يَدُلُّ عَلَيْنَا فِي أَجَمَتِنَا هَذِهِ إِلا الثَّوْرُ الأَبْيَضُ
فَإِنَّهُ مَشْهُورُ اللَّوْنِ، فَلَوْ تَرَكْتُمَانِي فَأَكَلْتُهُ،
وَصَفَتْ لِي وَلَكُمَا الأَجَمَةُ وَعِشْنَا فِيهَا، فَقَالا لَهُ:
دُونَكَ وَمَا تُرِيدُ، فَأَكَلَهُ، ثُمَّ لَبِثَ غَيْرَ كَثِيرٍ،
فَقَالَ لِلثَّوْرِ الأَحْمَرِ: إِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْنَا فِي
أَجَمَتِنَا/ هَذِهِ إِلا الثَّوْرُ الأَسْوَدُ فَإِنَّهُ مَشْهُورُ
اللَّوْنِ، وَإِنَّ لَوْنِي وَلَوْنَكَ لا يشتهران، 22/ ب فَلَوْ
تَرَكْتَنِي لآكُلَهُ صَفَتْ لِي وَلَكَ الأَجَمَةُ وَعِشْنَا فِيهَا،
فَقَالَ لَهُ: دُونَكَ، فَأَكَلَهُ. ثُمَّ لَبِثَ غَيْرَ كَثِيرٍ
فَقَالَ لِلثَّوْرِ الأَحْمَرِ: إِنِّي آكُلُكَ، قَالَ: دَعْنِي حَتَّى
أُنَادِي ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ، قَالَ:
نَادِ، فَقَالَ: أَلا إِنِّي أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ
الأَبْيَضُ، أَلا إِنِّي أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ،
أَلا إِنِّي أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ. [قَالَ:
يَقُولُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلا] [1] وَإِنِّي إِنَّمَا
وُهِنْتُ يَوْمَ قتل عثمان رضي الله عنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
(5/61)
ومن الحوادث فِي هذه السنة- أعني سنة خمس
وثلاثين من الهجرة خلافة علي عليه السلام
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن
ثابت الخطيب، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ
الْقَطَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ] [1] سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ، قَالَ [2] :
شَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَشَهِدَ
الْفَتْحَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وروى القزاز [3] بإسناده عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ،
قَالَ: كنت ذات يوم جالسا بين يدي أبي، فجاءت طائفة من الكوفيين فذكروا
خلافة أبي بكر وعمر وعُثْمَان بْن عَفَّانَ، وذكروا خلافة علي بن أبي
طالب، فزادوا وأطالوا، فرفع رأسه إليهم وقَالَ: يا هؤلاء، قد أكثرتم
القول فِي علي والخلافة، وإن الخلافة لم تزين عليا بل علي زينها.
قَالَ السياري: فحدثت بهذا بعض الشيعة، فقَالَ: قد أخرجت نصف ما كان
فِي قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: روى الخطيب قال: أخبرنا القزاز
باسناده قال، وأوردناه من تاريخ بغداد.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 134.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 135.
(5/62)
باب خلافة علي رضوان
الله عليه
قَالَ مُحَمَّد بن الحنفية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [1] : كنت مع أبي حين
قتل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا له: إن هذا الرجل قد
قتل، ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك، لا
أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فقالوا: لا
والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قَالَ: ففِي المسجد، فإن بيعتي لا
تكون إلا عن رضا المسلمين. فدخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه
الناس. وقيل: أول من بايعه/ طلحة. 23/ أأنبأنا عبد الوهاب بن المبارك،
قال: أخبرنا أبو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن علي الطناجيري، قال: أخبرنا عمر بن أَحْمَدَ
بْنِ شَاهِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ [2] ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ:
رَأَى أَعْرَابِيٌّ طَلْحَةَ يُبَايِعُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: يَدٌ شَلاءُ وَأَمْرٌ لا يَتِمُّ.
وقَالَ الزهري: أرسل إلى طَلْحَة والزبير فدعاهما إلى البيعة فتلكأ
طَلْحَة، فقَالَ الأشتر وسل سيفه: والله لتبايعن أو لأضربن به بين
عينيك، فقَالَ طَلْحَة: وأين المذهب
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 427.
[2] في ت: «أخبرنا هيثم» .
(5/63)
عنه، فبايعه وبايعه الزبير. وهرب قوم إلى
الشام فلم يبايعوه، ولم يبايعه قدامة بن مظعون، وعَبْد اللَّهِ بن
سلام، والمغيرة بن شعبة.
قَالَ حبيب بن مُحَمَّد الهاشمي: تربص سبعة فلم يبايعوه: سعد، وابن
عمر، وصهيب، وزيد بن ثابت، ومُحَمَّد بن مسلمة، وسلمة بن سلام بن وقش،
وأسامة بن زيد.
وذكر مُحَمَّد بن سعد أنه بويع لعلي رضي الله عنه بالمدينة، غداة قتل
عثمان، بايعه طلحة والزبير وسعد وسعيد، وجميع من كان بالمدينة، ثم ذكر
طَلْحَة والزبير أنهما بايعا كارهين، فخرجا إلى مكة وبها عائشة رضي
الله عنها، ثم خرجوا إلى البصرة يطالبون بدم عثمان.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، قال:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: أَخْبَرَنَا
السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّادٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ الأَعْلَمِ، وَأَبُو
حَارِثَةَ، وَأَبُو عُثْمَانَ، قَالُوا [1] :
بَقِيَتِ الْمَدِينَةُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ
وَأَمِيرُهَا الْغَافِقِيُّ يَلْتَمِسُونَ مَنْ يُجِيبُهُمْ إِلَى
الْقِيَامِ بِالأَمْرِ فَلا يَجِدُونَهُ، يأَتْيِ الْمِصْرِيُّونَ
عَلِيًّا فَيَخْتَبِئُ مِنْهُمْ وَيَلُوذُ بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ،
فَإِذَا لَقُوهُ بَاعَدَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَمِنْ
مَقَالَتِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَيَطْلُبُ الْكُوفِيُّونَ
الزُّبَيْرَ فَلا يَجِدُونَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ حَيْثُ هُوَ
رُسُلا فَبَاعَدَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، وَيَطْلُبُ البصريون طلحة
فإذا 23/ ب لَقُوهُ بَاعَدَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْ مَقَالَتِهِمْ
مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَكَانُوا مُجْتَمِعِينَ/ عَلَى قَتْلِ
عُثْمَانَ مُخْتَلِفِينَ فِيمَنْ يَهْوَوْنَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا
مُمَالِئًا وَلا مُجِيبًا جَمَعَهُمُ الشَّرُّ عَلَى أَوَّلِ مَنْ
أَجَابَهُمْ، وَقَالُوا: لا نُوَلِّي أَحَدًا مِنْ هَؤُلاءِ
الثَّلاثَةِ، فَبَعَثُوا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالُوا:
إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى، وَرَأْيُنَا فِيكَ مُجْتَمِعٌ،
فَأَقْدِمْ نُبَايِعْكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي وَابْنُ عَمِّي
خَرَجْنَا مِنْهَا فَلا حَاجَةَ لِي فِيهَا عَلَى حَالٍ، وَتَمَثَّلَ:
لا تَخْلِطَنَّ خَبِيثَاتٍ بِطَيِّبَةٍ ... وَاخْلَعْ ثيابك منها وانج
عريانا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 432.
(5/64)
ثُمَّ وَجَدُوا سَعْدًا وَالزُّبَيْرَ
خَارِجَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَطَلْحَةُ فِي حَائِطٍ لَهُ، وَبَنِي
أُمَيَّةَ قَدْ هَرَبُوا إِلا مَنْ لَمْ يُطِقِ الْهَرَبَ، وَكَانَ
الْوَلِيدُ وَسَعِيدٌ وَمَرْوَانُ قَدْ لَحِقُوا بِمَكَّةَ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَقُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالُوا: أَنْتَ
ابْنَ عُمَرَ فَقُمْ بِهَذَا الأَمْرِ، فَقَالَ: إِنَّ لِهَذا الأَمْرِ
انْتِقَامًا، وَاللَّهِ لا أَتَعَرَّضُ لَهُ، فَالْتَمِسُوا غَيْرِي.
فَبَقُوا حَيَارَى لا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قالا [1] : قالوا: يا
أهل المدينة قد أجلناكم يومكم، فو الله لَئِنْ لَمْ تَفْرُغُوا
لَنَقْتُلَنَّ غَدًا عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأُنَاسًا
كَثِيرًا، فَغَشِيَ النَّاسُ عَلِيًّا، فَقَالُوا: نُبَايِعُكَ فَقَدْ
تَرَى مَا نَزَلَ بِالإِسْلامِ، فَقَالَ: دَعُونِي وَالْتَمِسُوا
غَيْرِي، فَقَالُوا:
نَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلا مَا فَعَلْتَ، فَقَالَ: قَدْ أَجَبْتُكُمْ
لِمَا أَرَى، وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكَّبْتُ بِكُمْ
مَا أَعْلَمُ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَإِنَّمَا أَنَا كَأَحَدِكُمْ،
إِلا أَنِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَضَرَ النَّاسُ
الْمَسْجِدَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَجَاءُوا
بِطَلْحَةَ فَقَالُوا: بَايِعْ، فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا أُبَايِعُ
كَرْهًا، فَبَايَعَ أَوَّلَ النَّاسِ، وَكَانَ بِهِ شَلَلٌ، فَقَالَ
رَجُلٌ يَعْتَافُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156،
أَوَّلُ يَدٍ بَايَعَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَدٌ شَلاءُ، لا
يَتِمُّ هَذَا الأَمْرُ. ثُمَّ جِيءَ بِالزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ
ذَلِكَ، ثُمَّ بَايَعَ. ثُمَّ جِيءَ بِقَوْمٍ كَانُوا قَدْ
تَخَلَّفُوا، فَقَالُوا: نُبَايِعُ عَلَى إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ
فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَالْعَزِيزِ وَالذَّلِيلِ،
فَبَايَعَهُمْ، ثُمَّ قام العامة فَبَايَعُوهُ.
وبويع علي رضي الله عنه يوم الجمعة لخمس بقين من ذي/ الحجة. 24/
أأخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ [2]
عُمَرَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْن أَحْمَدَ بْن أبي قيس،
حَدَّثَنَا أَبُو] [3] بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ هِشَامٍ [4] ، عن أبيه، قال:
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 434.
[2] كذا في ت، وفي تاريخ بغداد: «علي بن أحمد بن عمر المقري» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، ومكانه في الأصل: «بإسناده عن أبو بكر» .
[4] كذا في ت، وفي الأصل: «بدون نقط، وفي تاريخ بغداد: «عباس بن هشام»
.
(5/65)
بُويِعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ، لاثْنَتَيْ
عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَاسْتَقَبَلَ
الْمُحَرَّمَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ [1] [قَالَ غَيْرُ عَيَّاشٍ]
[2] : كَانَتْ بَيْعَتُهُ فِي دَارِ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ
الأَنْصَارِيِّ، [ثُمَّ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ] [3]
يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ بُويِعَ بَيْعَتَهُ الْعَامَّةَ مِنَ
الْغَدِ يَوْمَ السَّبْتِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر اسمه ونسبه
هو علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن
عبد مناف، ويكنى أبا الحسن، وأبا تراب. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن
عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وعلي عليه السلام أول من صدق
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني هاشم، وشهد
المشاهد معه ولم يتخلف عن مشهد، إلا [أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه] [4] فِي غزوة تبوك، فقَالَ: أتخلفني فِي
النساء والصبيان، فقَالَ: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من
مُوسَى» . ولما آخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين
الناس آخى بينه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وبين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه.
ذكر صفته
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد، قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن
عَلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد المعدل، قالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه
بْن محمد القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر عَبْد اللَّه بْن أَبِي
سبرة، عَنْ إِسْحَاق بن عَبْد اللَّهِ بن أبي فروة، قال [5] :
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 135.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت، وتاريخ بغداد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين: في الأصل، إلّا في غزوة تبوك خلفه رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال....» وما أوردناه من ت.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 17.
(5/66)
سألت أبا جعفر مُحَمَّد بن علي رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا قلت: ما كانت صفة علي؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ:
رجل آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين، ذو بطن، أصلع، إلى القصر أقرب.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ هَارُونَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عَرِيضَ اللِّحْيَةِ،
وَقَدْ أَخَذَتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، أَصْلَعَ عَلَى رَأْسِهِ
زُغَيْبَاتٌ.
قَالَ مُحَّمَدُ بْنُ سَعْدٍ [2] : وَأَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: / حَدَّثَنَا أَبِي، 24/ ب قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
حَازِمٍ يَقُولُ:
رَأَيْتُ عَلِيًّا أَصْلَعَ، كَثِيرَ الشَّعْرِ، كَأَنَّمَا اجْتَابَ
إِهَابَ شَاةٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب [بْن الْمُبَارَك، أَخْبَرَنَا عَاصِم بن
الحسن، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ أَحْمَدَ
الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا] [3] أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ:
كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «اللَّهُ
الْمَلِكُ» .
ذكر تقدم إسلامه
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَزَّازُ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن
على بن ثابت، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ
الْحَسَنِ الشَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ قَادِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ
مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ [4] :
اسْتُنْبِئَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الاثْنَيْنِ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ يوم الثلاثاء.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 16.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 16.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «أخبرنا عبد الوهاب بإسناده
عن أبي الحسن» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 34.
(5/67)
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن
عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصِّلْحِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ الْهَرَوِيُّ [1] ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سَلْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ
السَّبَخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ:
حدثنا جعفر بن محمد، عن أَبِيهِ، قَالَ [2] :
بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيُّ ابْنُ
سَبْعِ سِنِينَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ
ابْنَ ثَمَانِ سِنِينَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، [أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا] [3] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله بن أبي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ [4] :
أَنَّ عَلِيًّا حِينَ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلَامِ كَانَ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: وَيُقَالُ: دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، وَلَمْ
يَعْبُدِ الأَوْثَانَ قَطُّ لِصِغَرِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ، قَالَ: وَأَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ أَنَّ أَوَّلَ أَهْلِ
الْقِبْلَةِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [6] خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، ثُمَّ اخْتُلِفَ
عِنْدَنَا فِي ثَلاثَةِ نَفَرٍ، أَيُّهُمْ أَسْلَمَ أولا، في أَبِي
بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَمَا نَجِدُ إِسْلامَ
عَلِيٍّ صَحِيحًا إِلا وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
ذكر غزارة علمه
كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرا
إلى علمه، وكان عمر يقول: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو الحسن.
__________
[1] في الأصل: «أبو جعفر محمد بن داود الهروي» .
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 134.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن محمد بن سعد» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 13.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 13.
[6] في الأصل: «مجمعون على أن أول من استجاب من أهل القبلة لرسول الله
صلّى الله عليه وسلّم» .
(5/68)
ذكر أولاده
كان لعلي من الولد/ أربعة عشر ذكرا، وتسع عشرة أنثى: الحسن، والحسين،
25/ أوزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى، أمهم فاطمة بْنت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومُحَمَّد الأكبر، وهو ابن
الحنفية، وأمه خولة بنت جعفر، وعبيد الله، قتله المختار، وأبو بكر قتل
مع الحسين، أمهما ليلى بنت مسعود. والعباس الأكبر، وعثمان، وجعفر،
وعَبْد اللَّهِ، قتلوا مع الحسين، أمهم أم البنين بنت حرام بن خالد،
ومُحَمَّد الأصغر، قتل مع الحسين، أمه أم ولد. ويَحْيَى وعون، أمهما
أسماء بنت عميس. وعمر الأكبر، ورقية، أمهما الصهباء سبية. ومُحَمَّد
الأوسط، أمه أمامة بنت أبي العاص. وأم الحسن، ورملة الكبرى، أمهما أم
سعيد بنت عروة. وأم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة] [1] الصغرى،
وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم
جعفر، وجمانة، ونفيسة، وهن لأمهات شتى. وابنة أخرى لم يذكر اسمها هلكت
وهي صغيرة. فهؤلاء الذين عرفوا من أولاد علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ذكر طرف من سيرته وحاله
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف،
قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا
الفضل بن دكين، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُرُّ بْنُ جُرْمُوزٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [2] :
رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنَ
الْقَصِّ وَعَلَيْهِ قُطْرِيَّتَانِ إِزَارٌ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ،
وَرِدَاءُهُ مُشَمَّرٌ، وَمَعَهُ دِرَّةٌ يَمْشِي بِهَا فِي
الأَسْوَاقِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنِ الْبَيْعِ،
وَيَقُولُ: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ، وَيَقُولُ: لا
تَنْفُخُوا اللَّحْمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد
الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ،
وَأَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ
بْنُ حَيْوَيَةَ، قَالَ: أخبرنا أَبُو بكر بْن الأنباري، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو الفضل الربعي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْعَطَّارُ، قال: حدّثنا حسين
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 18.
(5/69)
25/ ب الأَشْقَرُ، عَنْ أَبِيهِ، / عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْخُلُ السُّوقَ
وَبِيَدِهِ الدِّرَّةُ، وَعَلَيْهِ عَبَاءٌ قُطْوَانِيٌّ، وَقَدْ شَقَّ
وَسَطَهُ وَكَفَتَ حَاشِيَتَاهُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا التُّجَّارُ،
خُذُوا الْحَقَّ وَأَعْطُوا الْحَقَّ تَسْلَمُوا، لا تَرُدُّوا قَلِيلَ
الرِّبْحِ فَتُحْرَمُوا كَثِيرَهُ، وَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ يَقُصُّ،
فَقَالَ لَهُ: أَتَقُصُّ وَنَحْنُ قَرِيبُ عَهْدٍ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَسْأَلَنَّكَ فَإِنْ أَجَبْتَنِي
وَإِلا جَعَفْتُكَ [1] بِهَذِهِ الدِّرَّةِ، مَا ثَبَاتُ الدِّينِ
وَمَا زَوَالُهُ؟ قَالَ: أَمَّا ثَبَاتُهُ فَالْوَرَعُ، وَأَمَّا
زَوَالُهُ فَالطَّمَعُ، قَالَ: أَحْسَنْتَ، قُصَّ فَمِثْلُكَ مَنْ
يَقُصُّ.
ومن الحوادث عند خلافته
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين، وإسماعيل، قالا: أخبرنا ابن النقور، قال:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد، قال: حدثنا السري، قال: حدثنا شعيب،
قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ [2] : اجْتَمَعَ [النَّاسُ] [3]
إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: يَا عَلِيُّ، إِنَّا
قَدِ اشْتَرَطْنَا إِقَامَةَ الْحُدُودِ، فَإِنَّ هؤلاء الْقَوْمَ قَدِ
اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ،
فَقَالَ لَهُمْ: يَا إِخْوَتَاهُ، إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلَ مَا
تَعْلَمُونَ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَصْنَعُ بِقَوْمٍ يَمْلِكُونَا وَلا
نَمْلِكُهُمْ، هَا هُمْ هَؤُلاءِ قد ثارت معهم عَبْدَانُكُمْ،
وَثَابِتٌ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ [4] ، وَهُمْ خِلالكُمْ
يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا، فَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعَ الْقُدْرَةِ
عَلَى شَيْءٍ فَمَا تَرَوْنَ [5] ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَلا وَاللَّهِ
لا أَرَى إِلا رَأْيًا تَرَوْنَهُ أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ [6] :
قَالَ طَلْحَةُ لِعَلِيٍّ: دَعْنِي فَآتِي الْبَصْرَةَ فَلا يَفْجَؤُكَ
إِلا وَأَنَا فِي خَيْلٍ، فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ. وقال
الزبير:
__________
[1] جعفه جعفاً فانجعف: صرعة وضرب به الأرض فانصرع. وجعف الشيء جعفاً.
قلبه.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 437.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «وثابت عليهم أعرابكم» .
[5] في الطبري: «على شيء مما تريدون» .
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 438.
(5/70)
دَعْنِي آتِي الْكُوفَةَ فَلا يَفْجَؤُكَ
إِلا وَأَنَا فِي خَيْلٍ، فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ.
وَسَمِعَ الْمِغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
فَقَالَ: إِنَّ لَكَ حَقَّ الطَّاعَةِ وَالنَّصِيحَةِ، أَقْرِرْ
مُعَاوِيَةَ عَلَى عَمَلِهِ، وَابْنَ عَامِرٍ وَالْعُمَّالَ عَلَى
أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى إِذَا أَتَتْكَ طَاعَتُهُمْ وَبَيْعَةُ
الْجُنُودِ اسْتَبْدَلْتَ أَوْ تَرَكْتَ. فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ:
إِنِّي أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالأَمْسِ بِرَأْيِ، وَإِنَّ الرَّأْيَ أَنْ
تُعَاجِلَهُمْ بِالنُّزُوعِ، فَيَعْرِفَ السَّامِعُ/ مِنْ غَيْرِهِ
ويستقبل أمرك، ثم خرج 26/ أوتلقاه ابْنُ عَبَّاسٍ [خَارِجًا وَهُوَ
دَاخِلٌ] [1] ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى عَلِيٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ
الْمُغِيرَةَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ [فَفِيمَ جَاءَكَ؟] [2] قَالَ:
جَاءَنِي أَمْسِ بِكَذَا وَالْيَوْمَ بِكَذَا، فَقَالَ: أَمَّا أَمْسِ
فَقَدْ نَصَحَكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ غَشَّكَ، قَالَ: فَمَا
الرَّأْيُ؟ قَالَ: كَانَ الرَّأْيُ أَنْ تَخْرُجَ حِينَ قُتِلَ
الرَّجُلُ أَوْ قَبْلَهُ، فَتَأْتِيَ مَكَّةَ فَتَدْخُلَ دَارَكَ وتغلق
بابك، فإن كانت الْعَرَبَ جَائِلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ فِي أَثَرِكَ لا
تَجِدُ غَيْرَكَ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ
يَسْتَحْسِنُونَ الطَّلَبَ بِأَنْ يُلْزِمُوكَ شُعْبَةً مِنْ هَذَا
الأَمْرِ، وَيُشْبِهُونَ عَلَى النَّاسِ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْن
سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ [3] ، قَالَ: دَعَانِي عُثْمَانُ فَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى
الْحَجِّ، فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ
كِتَابَ عُثْمَانَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ
بُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَأَتَيْتُهُ فِي دَارِهِ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ مُسْتَخْلِيًا بِهِ، فَحَبَسَنِي حَتَّى
خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَاذَا قَالَ لَكَ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَرَّةً قَبْلَ مَرَّتِهِ هَذِهِ: أَرْسِلْ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةَ [وَعُمَّالِ عُثْمَانَ] [4]
بِعُهُودِهِمْ وَأَقِرَّهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَيُبَايِعُونَ لَكَ
النَّاسَ، فَأَبْيَتُ هَذَا عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: لا وَلَّيْتُ هَؤُلاءِ
أَبَدًا وَلا مِثْلُهُمْ يُوَلَّى، ثم انصرف وأنا أعرف أنه يَرَانِي
مُخْطِئًا، ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ الآنَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَنْ تَصْنَعَ الَّذِي رَأَيْتُ فتنزعهم وتستعين بمن تثق به.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 439.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/71)
فقلت: أَمَّا الْمَرَّةُ الأُولَى فَقَدْ
نَصَحَكَ، وَأَمَّا الأُخْرَى فَقَدْ غَشَّكَ، لأَنَّكَ إِذَا
عَزَلْتَهُمْ يَقُولُونَ هُوَ قَتَلَ صَاحِبَنَا، وَيُؤَلِّبُونَ
عَلَيْكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أولّي مِنْهُمْ أَحَدًا أَبَدًا،
فَإِنْ أَقْبَلُوا فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَإِنْ أَدْبَرُوا بَذَلْتُ
لَهُمُ السَّيْفَ. ثُمَّ قَالَ لِي: سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ
وَلَّيْتُكَهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، مُعَاوِيَةُ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ، وَعَامِلُهُ
عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ،
أَوْ أَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يحبسني فيتحكم 26/ ب عَلَيَّ،
وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَمَنِّهِ وَعِدْهُ. / فَأَبَى
عَلِيٌّ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لا كَانَ ذَلِكَ أَبَدًا.
ومن الحوادث فِي هذه السنة [مسير قسطنطين ملك الروم يريد المسلمين] [1]
أنه سار قسطنطين بن هرقل فِي ألف مركب يريد أرض المسلمين، فسلط الله
عليهم قاصفا من الريح فغرقهم، ونجا قسطنطين، فأتى صقلية [2] ، فصنعوا
له حماما فدخله فقتلوه فيه، وقالوا: قتلت رجالنا.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
281- عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله عنه [3] :
وقد سبق ذكر مقتله.
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَاصِمُ بْنُ [الْحَسَنِ، قال: أخبرنا أبو] [4] الحسين بن بشران، قال:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ:
بَلَغَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْعُمُرِ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِينَ سَنَةً، وترك قيمة ألف ألف درهم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 441، والعنوان غير موجود في الأصول.
[2] في الأصول: ونجا قسطنطين في صقلّيّة» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 36.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
(5/72)
282- عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر، أبو
عَبْد اللَّهِ [1] :
كان حليفا للخطاب بن نفيل، وتبناه الخطاب، فلما نزل قوله تعالى:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5 [2] رجع عامر إلى نسبه.
وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار
الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة
العدوية، وهاجر إلى المدينة فلم يقدمها قبله إلا أبو سلمة، وزوجته أول
ظعينة قدمت المدينة.
وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن
الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَخَالِدُ بْنُ
مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ، قَالا:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال [3] :
قَامَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يُصَلِّي [4] مِنَ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ
حِينَ نَشَبَ النَّاسُ فِي الطَّعْنِ عَلَى عُثْمَانَ، فصلى مِنَ
اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ، فَأُتِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: قُمْ
فَاسْأَلِ/ اللَّهَ أن يعيذك من 27/ أالفتنة الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا
صَالِحَ عِبَادِهِ. فَقَامَ فصلى ثُمَّ اشْتَكَى، فَمَا أُخْرِجَ إِلا
جِنَازَةٌ.
قَالَ ابن سعد [5] : وقال محمد بن عمر: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل
عثمان بأيام، وكان قد لزم بيته فلم يشعر الناس إلا بجنازته وقد أخرجت.
283- معاذ بن عفراء، أمه نسب إليها، وأبوه الحارث بن رفاعة [6] :
شهد معاذ العقبتين، وبدرا. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يبعث إلى أهل بدر حللا، فيبعث إليه ويشتري بها رقابا
فيعتقهم.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 281.
[2] سورة: الأحزاب، الآية: 5.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 282.
[4] في الأصل: «قام أبي» وما أوردناه من ت، وابن سعد.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 282.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 54.
(5/73)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَيْضَاوِيُّ، [أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الطُّيُورِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبِ الْعُشَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِي بْن
الْحُسَيْن بْن سُكَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْقَاسِمِ بْن
مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِي بْن أَحْمَد بْنِ أَبِي قَيْسٍ] [1] ،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قال: حدّثني بعض أصحابنا، عن رقية بن
مَصْقَلَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي
لَيْلَى، قَالَ:
كَانَ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ لا يَدَعُ شَيْئًا إِلا تَصَدَّقَ بِهِ،
فَلَمَّا وُلِدَ لَهُ اسْتَشْفَعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَخْوَالَهُ،
فَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ قَدْ أَعَلْتَ، فَلَوْ جَمَعْتَ
لِوَلَدِكَ، قَالَ: أَبَتْ نَفْسِي إِلا أَنْ أَسْتَتِرَ بِكُلِّ
شَيْءٍ أَجِدُهُ مِنَ النَّارِ، فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَ أَرْضًا إِلَى
جَنْبِ أَرْضٍ لِرَجُلٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَعَلَيْهِ
مِلاءَةٌ صَفْرَاءُ مَا تُسَاوِي ثَلاثَةَ دراهم، ما تسترني الأرض
بملآتي هَذِهِ، فَامْتَنَعَ وَلِيُّ الصِّبْيَانِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهَا
جَارُ الأرض، فباعها بثلاثمائة ألف.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن أبو بكر» .
(5/74)
ثم دخلت سنة ست
وثلاثين
فمن الحوادث فيها تفريق علي رضي الله عنه عماله فِي الأمصار [1]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو
الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا: أخبرنا ابن النقور،
قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا شعيب، عن مُحَمَّدٍ
وَطَلْحَةَ، قَالا [2] : بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عُمَّالَهُ عَلَى الأَمْصَارِ، بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى
الْبَصْرَةِ، وَعُمَارَةَ بْنَ حَسَّانِ بْنِ شِهَابٍ عَلَى
الْكُوفَةِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْيَمَنِ،
وَقَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى مِصْرَ [3] ، وسهل/ بن حنيف على الشام [4]
. 27/ ب فَأَمَّا سَهْلٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ
بِتَبُوكَ لَقِيَتْهُ خَيْلٌ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمِيرٌ،
قَالُوا: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: عَلَى الشَّامِ، قَالُوا: إِنْ
كَانَ عُثْمَانُ بَعَثَكُمْ فَحَيَّهَلا بِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعَثَكَ
غَيْرُهُ فَارْجِعْ، قَالَ: أَوَ مَا سَمِعْتُمْ بِالَّذِي كَانَ،
قَالُوا: بَلَى، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ.
وَأَمَّا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى
أَيَلَةَ لَقِيَتْهُ خَيْلٌ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
مِنْ قَالَةِ عُثْمَانَ، فَأَنَا أَطْلُبُ مَنْ آوِي إِلَيْهِ
وَأَنْتَصِرُ بِهِ، قالوا: من أنت؟ قال: قيس بن
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 442.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 442.
[3] في الأصول: «إلى مصر» .
[4] في الأصول: «إلى الشام» .
(5/75)
سَعْدٍ، قَالُوا: امْضِ، فَمَضَى حَتَّى
دَخَلَ مِصْرَ، فَافْتَرَقَ أَهْلُ مِصْرَ فِرَقًا، فِرْقَةٌ دَخَلَتْ
فِي الْجَمَاعَةِ وَكَانُوا مَعَهُ، وَفِرْقَةٌ وَقَفَتْ
وَاعْتَزَلَتْ، وَقَالُوا: إِنْ قَتْلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَنَحْنُ
مَعَكُمْ، وَإِلا فَنَحْنُ عَلَى جَدِيلَتِنَا، وَفِرْقَةٌ قَالُوا:
نَحْنُ مَعَ عَلِيٍّ مَا لَمْ يُقِدْ إِخْوَانَنَا، فَكَتَبَ قَيْسٌ
إِلَى عَلِيٍّ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ، فَسَارَ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ
عَنْ دُخُولِ الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ لابْنِ عَامِرٍ
رَأْيٌ وَلا حَزْمٌ وَلا اسْتِقْلَالٌ بِحَرْبٍ، فَافْتَرَقَ النَّاسُ
فَاتَّبَعَتْ فِرْقَةٌ الْقَوْمَ، وَدَخَلَتْ فِرْقَةٌ فِي
الْجَمَاعَةِ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: نَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ فَنَصْنَعُ كَمَا صَنَعُوا.
وَأَمَّا عُمَارَةُ فَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِزُبَالَةَ رُدَّ
وَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْيَمَنِ، وَلَمَّا رَجَعَ سَهْلُ
بْنُ حَنِيفٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ دَعَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ،
فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ [1] قَدْ وَقَعَ،
وَسَأَمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، فَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدًّا
فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى أَبِي مُوسَى
وَمُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى بِطَاعَةِ أَهْلِ
الْكُوفَةِ وَبَيْعَتِهِمْ، وَبَيَّنَ الْكَارِهَ مِنْهُمْ
وَالرَّاضِي، وَكَانَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي مُوسَى مَعْبَدٌ
الأَسْلَمِيُّ، وَكَانَ الرَّسُولُ إِلَى مُعَاوِيَةَ سَبْرَةُ
الْجُهَنِيُّ، فَلَمَّا قدم على معاوية لم يكتب معه شيء ولم يجبه، حتى
إذا كان في الشهر الثَّالِثِ مِنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ فِي صَفَرٍ،
دَعَا مُعَاوِيَةُ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ يُدْعَى قَبِيصَةُ،
فَدَفَعَ إِلَيْهِ طُومَارًا مَخْتُومًا، عُنْوَانُهُ: مِنْ
مُعَاوِيَةَ إلى عليّ، فقال له:
28/ أإذا دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَاقْبِضْ عَلَى أَسْفَلِ الطُّومَارِ،
ثُمَّ أَوْصَاهُ/ بِمَا يَقُولُ، وَسَرَّحَ رَسُولَ عَلِيٍّ مَعَهُ،
فَخَرَجَا فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ فِي غُرَّةِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ،
فَلَمَّا دَخَلا الْمَدِينَةَ رَفَعَ الْعَبْسِيُّ الطُّومَارَ كَمَا
أَمَرَهُ، وَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَتَفَرَّقُوا
إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مُعَاوِيَةَ مُعْتَرِضٌ،
وَمَضَى الرَّسُولُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الطُّومَارَ، فَفَضَّ خَاتَمَهُ فَلَمْ
يَجِدْ فِي جَوْفِهِ كِتَابَةً، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: مَا وَرَاءَكَ؟
قَالَ: آمِنٌ أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الرُّسُلَ آمِنَةٌ لا
تُقْتَلُ، قَالَ: وَرَائِي أَنِّي تَرَكْتُ قَوْمًا لا يَرْضَوْنَ إِلا
بِالْقَوَدِ، قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ:
مِنْ نَفْسِكَ، وَتَرَكْتُ سِتِّينَ أَلْفَ شَيْخٍ يَبْكِي تَحْتَ
قَمِيصِ عُثْمَانَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لَهُمْ، قَدْ أَلْبَسُوهُ مِنْبَرَ
دِمَشْقَ، فَقَالَ: أَمِنِّي يَطْلُبُونَ دَمَ عُثْمَانَ، أَلَسْتَ
مَوْتُورًا أَكْرَهُ قَتْلَ عثمان، اللَّهمّ
__________
[1] في الطبري: «كنت أحذركم» .
(5/76)
إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ
عُثْمَانَ، اخْرُجْ، قَالَ: وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالَ: وَأَنْتَ آمِنٌ،
فَخَرَجَ الْعَبْسِيُّ، فَصَاحَتِ السَّبَئِيَّةُ: هَذَا الْكَلْبُ
وَافِدُ الْكِلابِ، اقْتُلُوهُ، فَنَادَى: يَا آلَ مُضَرَ، إِنِّي
أَحْلِفُ باللَّه لَيَرُدَّنَّهَا عَلَيْكُمْ أَرَبَعَةُ آلافِ
خَصِيٍّ، فَانْظُرُوا كَمِ الْفُحُولَةُ وَالرِّكَابُ فَمَنَعَتْهُ
مُضَرُ. وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ،
قَالا: أَتَى مُعَاوِيَةَ الْخَبَرُ بِحَصْرِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ
إِلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ
قَدْ حُصِرَ، فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ يُنْفِذُ لأَمْرِي وَلا
يُقَصِّرُ، قَالَ: مَا أَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرِي، قَالَ: أَنْتَ لَهَا،
فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ أَبْعَثُهُ عَلَى مُقَدِّمَتِكَ لا
تُتَّهَمُ نَصِيحَتُهُ، قَالَ: يَزِيدُ بْنُ شَجَعَةَ الْحِمْيَرِيُّ،
فَدَعَا بِهِمَا [1] فَقَالَ: النَّجَاءُ، سِيرَا فَأَعِينَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَجَّلْ أَنْتَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ قَدِمْتَ يَا
حَبِيبُ وَعُثْمَانُ حَيٌّ فَالأَمْرُ أَمْرُهُ، فَانْفِذْ لِمَا
يَأْمُرُكَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ فَلا تَدَعْنَ أَحَدًا
أَشَارَ إِلَيْهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ إِلا قَتَلْتَهُ. وَبَعَثَ
مَعَ يَزِيدَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَسَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ، فَبَلَغَهُ
الْخَبَرُ، ثُمَّ لَقِيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَعَهُ
الْقَمِيصُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عُثْمَانُ مُخَضَّبٌ بِالدِّمَاءِ
وَأَصَابِعُ امْرَأَتِهِ، فَأَمْضَى حَبِيبٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ
وَأَقَامَ فَأَتَاهُ بِرَأْيِهِ فَرَجَعَ حَتَّى قَدِمَ دِمَشْقَ.
وَلَمَّا قَدِمَ/ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ
أَخْرَجَ القميص وأصابع نائلة بنت الفرافصة- 28/ ب أُصْبُعَانِ قَدْ
قُطِعَتَا بِبَرَاجِمِهِمَا وَشَيْءٍ مِنَ الْكَفِّ، وَأُصْبُعَانِ
مَقْطُوعَتَانِ مِنَ أَصْلِهِمَا مُفْتَرِقَتَانِ، وَنِصْفُ
الإِبْهَامِ- فَوَضَعَ مُعَاوِيَةُ الْقَمِيصَ عَلَى الْمِنْبَرِ،
وَكَتَبَ بِالْخَبَرِ إِلَى الأَجْنَادِ، وَثَابَ إِلَيْهِ النَّاسُ
وَبَكَوْا سَنَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالأَصَابِعُ مُعَلَّقَةٌ
فِيهِ، وَالرِّجَالُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لا يَأْتُونَ النِّسَاءَ،
وَلا يَمَسُّهُمُ الْغُسْلُ إِلا مِنَ الاحْتِلامِ، وَلا يَنَامُونَ
عَلَى الْفُرُشِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَمَنْ عَرَضَ
دُونَهُمْ بِشَيْءٍ أَوْ يُفْنِي أَرْوَاحَهُمْ، فَمَكَثُوا يَبْكُونَ
حَوْلَ الْقَمِيصِ سَنَةً، وَالْقَمِيصُ مَوْضُوعٌ كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي
أَرْدَافِهِ أَصَابِعُ نَائِلَةَ مُعَلَّقَةٌ.
[استئذان طَلْحَة والزبير عليا] [2]
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ قَالا [3] :
اسْتَأْذَنَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلِيًّا فِي الْعُمْرَةِ،
فَأَذِنَ لَهُمَا، فَلَحِقَا بِمَكَّةَ، وَأَحَبَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
أَنْ يَعْلَمُوا مَا رَأْيُ عَلِيٍّ فِي معاوية ليعرفوا
__________
[1] في ت: «فدعاهما» .
[2] العنوان غير موجود في الأصول.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 444، 445.
(5/77)
بِذَلِكَ رَأْيَهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ
الْقِبْلَةِ، أَيَجْسُرُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْكِلُ عَنْهُ، وَقَدْ
بَلَغَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَدَعَاهُ
إِلَى الْقُعُودِ وَتَرْكِ النَّاسِ، فَدَسُّوا إِلَيْهِ زِيَادَ بْنَ
حَنْظَلَةَ التَّمِيمِيَّ- وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَلِيٍّ-
فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَجَلَسَ إِلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ
عَلِيٌّ: يَا زِيَادُ، تَيَسَّرْ، فَقَالَ:
لأَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لِغَزْوِ الشَّامِ، فَقَالَ زِيَادٌ:
الأَنَاةُ وَالرِّفْقُ أَمْثَلُ، وَقَالَ هَذَا الْبَيْتَ:
وَمَنْ لا يُصَانِعُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ ... يُضْرَّسُ بِأَنْيَابٍ
وَيُوطَأُ بِمَنْسِمِ [1]
فتمثل عليّ وكأنه لا يريده يقول:
متى تَجَمَعِ الْقَلْبَ الذَّكِيَّ وَصَارِمًا ... وَأَنْفًا حَمِيًّا
تَجْتَنِبْكُ الْمَظَالِمُ [2]
فَخَرَجَ زِيَادٌ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ:
السَّيْفُ يَا قَوْمُ، فَعَرَفُوا مَا هُوَ فَاعِلٌ، وَدَعَا عَلِيٌّ
مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ،
وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عباس ميمنة، 29/ أوعمرو بْنَ أَبِي
سَلَمَةَ- أَوْ عَمْرَو بْنَ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ- وَلاهُ
مَيْسَرَتَهُ، / وَدَعَا أَبَا لَيْلَى بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَرَّاحِ،
ابْنَ أَخِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَجَعَلَهُ عَلَى
مُقَدِّمَتِهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قُثَمَ بْنَ
عَبَّاسٍ، وَكَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ
إِلَى الشَّامِ، وَإِلَى عُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ وَإِلَى أَبِي مُوسَى
مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَصَرَّ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالتَّجَهُّزِ، وَخَطَبَ
أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى النُّهُوضِ فِي قِتَالِ أَهْلِ
الْفُرْقَةِ [3] ، وَقَالَ: انْهَضُوا إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ تَفْرِيقَ جَمَاعَتِكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ
يُصْلِحُ بِكُمْ مَا أَفْسَدَ أَهْلُ الآفَاقِ أَوْ تَقْضُوا الَّذِي
عَلَيْكُمْ.
فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ
بِنَحْوٍ آخَرَ، فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: أَلا وَإِنَّ طَلْحَةَ
وَالزُّبَيْرَ وَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخَطِ
إِمَارَتِي، وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ.
ثُمَّ أَتَاهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْبَصْرَةَ لِمُشَاهَدَةِ
النَّاسِ وَالإِصْلاحِ، فَتَعَبَّى لِلْخُرُوجِ نَحْوَهُمْ، فَاشْتَدَّ
عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الأَمْرُ، فَتَثَاقَلُوا، فَبَعَثَ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كُمَيْلا النَّخَعِيَّ، فَجَاءَ بِهِ
فقَالَ: انْهَضْ مَعِي، فَقَالَ: أَنَا مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إنما
أنا رجل منهم، فإن يخرجوا
__________
[1] البيت لزهير، انظر ديوانه 29.
[2] البيت لابن براقة الهمدانيّ، انظر الكامل 1/ 27.
[3] في الأصل: «قتال أهل القبلة» .
(5/78)
أَخْرُجْ وَإِنْ يَقْعُدُوا أَقْعُدْ،
فَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ:
لا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ، فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ
لَمُشْتَبَهٌ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ مُقِيمُونَ حَتَّى يُضِيءَ لَنَا
وَيُسْفِرَ.
فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ وَأَخْبَرَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ
عَلِيٍّ بِالَّذِي سَمِعَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ
يَخْرُجُ مُعْتَمِرًا مُقِيمًا عَلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ مَا خَلا
النُّهُوضَ، وَكَانَ صَدُوقًا فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ عِنْدَهَا،
وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقيل له: البارحة حدث حَدَثَ
وَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ وَمُعَاوِيَةَ، قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ فَقَالَ: خَرَجَ
ابْنُ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ فَأَتَى عَلَى السوق، ودعا بالظهر فحمل
الرّجال وَأَعَدَّ لِكُلِّ طَرِيقٍ طُلابًا. وَمَاجَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ، وَسَمِعُتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِالَّذِي هُوَ فِيهِ،
فَأَتَتْ عَلِيًّا فَقَالَتْ: مَا لَكَ لا تُزْنِدُ [1] مِنْ هَذَا
الرَّجُلِ؟
وَحَدَّثَتْهُ [2] حَدِيثَهُ وَقَالَتْ: أَنَا ضَامِنَةٌ لَهُ، /
فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَقَالَ: انْصَرِفُوا، إِنَّهُ عِنْدِي ثقة. 29/ ب
[فَانْصَرَفُوا] [3] ،.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ [4] مُقِيمَةً بِالْمَدِينَةِ تُرِيدُ عُمْرَةَ
الْمُحَرَّمِ، فَلَمَّا قَضَتْ عُمْرَتَهَا وَخَرَجَتْ سَمِعَتْ بِمَا
جرى فانصرفت إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ لا تَقُولُ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ
عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَقَصَدَتِ الْحِجْرَ فَسُتِرَتْ فِيهِ،
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ
أَهْلِ الأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْمِيَاهِ وَعَبِيدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
اجْتَمَعُوا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمَقْتُولِ بِالأَمْسِ،
فَبَادِرُوا بِالْعُدْوَانِ فَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ،
وَاسْتَحَلُّوا الْبَلَدَ الْحَرَامَ، وَأَخَذُوا الْمَالَ الْحَرَامَ،
فَاجْتِمَاعُكُمْ عَلَيْهِمْ يُنَكِّلُ بِهِمْ غَيْرَهُمْ، وَيُشِرِّدُ
بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ
الْحَضْرَمِيُّ: هَا أَنَا لَهَا أَوَّلُ طَالِبٍ، فَكَانَ أَوَّلَ
مُنْتَدَبٍ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ [5] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ نَحْوَ الْمَدِينَةِ
مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا رَجُلٌ مِنْ
أَخْوَالِهَا، فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ:
قُتِلَ عُثْمَانُ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَالأَمْرُ أَمْرُ الغوغاء. قالت: ما أظن
__________
[1] في الأصول: «مالك ما تزند» .
تزند: يقال: تزند فلان إذا ضاق صدره، ورجل مزند، أي: سريع الغضب.
[2] في الطبري: «إن الأمر على خلاف ما بلّغته وحدّثته» .
[3] إلى هنا الخبر في الطبري 4/ 447. وما بين المعقوفتين: ساقط من
الأصول، وأوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 448.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 449.
(5/79)
ذَلِكَ تَامًّا، رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ
رَاجِعَةً إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا دَخَلَتْهَا أَتَاهَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ- وَكَانَ أَمِيرَ عُثْمَانَ
عَلَيْهَا- فَقَالَ: مَا رَدَّكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ:
رَدَّنِي أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَأَنَّ الأَمْرَ لا
يَسْتَقِيمُ وَلِهَذِهِ الْغَوْغَاءِ أَمْرٌ، فَاطْلُبُوا بِدَمِ
عُثْمَانَ تُعِزُّوا الإِسْلامَ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ
الْحَضْرَمِيُّ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَتْ بَنُو أُمَيَّةَ
بِالْحِجَازِ وَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَقَامَ مَعَهُمْ سَعِيدُ بْنُ
الْعَاصِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَسَائِرُ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنَ
الْبَصْرَةِ، وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّة مِنَ الْيَمَنِ، وَطَلْحَةُ
وَالزُّبَيْرُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعُ مَلَؤُهُمْ بَعْدَ
نَظَرٍ طَوِيلٍ فِي أُمُورِهِمْ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَقَالَتْ
عَائِشَةُ فِي مُقَامٍ آخَرَ: يا أيها النَّاسُ، إِنَّ هَذَا حَدَثٌ
عَظِيمٌ وَأَمْرٌ مُنْكَرٌ، فَانْهَضُوا فِيهِ إِلَى إِخْوَانِكُمْ
مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَأَنْكِرُوهُ، فَقَدْ كَفَاكُمْ أَهْلُ
الشَّامِ مَا عِنْدَهُمْ، لَعَلَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْرِكَ
لِعُثْمَانَ وللمسلمين بثأرهم.
30/ أوحدّثنا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ، قَالا [1] : كَانَ
أَوَّلَ/ مَنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ
وَبَنُو أُمَيَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ يَعْلَى بْنُ أمية ومعه ستمائة بعير
وستمائة أَلْفٍ، فَأَنَاخَ بِالأَبْطَحِ مُعَسْكِرًا، وَقَدِمَ
عَلَيْهِمْ طَلْحَةُ والزبير، فلقيا عائشة رضي الله عنها، فقالت: مَا
وَرَاءَكُمَا؟ فَقَالا: إِنَّا تَحَمَّلْنَا هُرَّابًا مِنَ
الْمَدِينَةِ مِنْ غَوْغَاءَ وَأَعْرَابٍ، وَفَارَقْنَا قَوْمًا
حَيَارَى لا يَعْرِفُونَ [حَقًّا] [2] وَلا يُنْكِرُونَ بَاطِلا،
فَائْتَمَرَ الْقَوْمُ بِالشَّامِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: قَدْ كَفَاكُمُ الشَّامُ مَنْ
يَسْتَمِرُّ فِي حَوْزَتِهِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ:
فَأَيْنَ؟ قَالَ: الْبَصْرَةُ، فَإِنَّ لِي بِهَا صَنَائِعَ، وَلَهُمْ
فِي طَلْحَةَ هَوًى، فَقَالُوا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، دَعِي
الْمَدِينَةَ وَاشْخَصِي مَعَنَا إِلَى الْبَصْرَةِ فَتُنْهِضِيهِمْ
كَمَا أَنْهَضْتِ أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنْ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمْرَ
كَانَ الَّذِي تُرِيدِينَ، وَإِلا احْتَسَبْنَا وَدَفَعْنَا عَنْ هَذَا
الأَمْرِ بِجَهْدِنَا [3] ، قَالَتْ: نَعَمْ.
فَانْطَلَقُوا إِلَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ: رَأْيٌ تَبَعٌ لِرَأْيِ
عَائِشَةَ، حَتَّى إِذَا لم يبق إلا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 450.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[3] في الأصل: «ودفعنا بجهدنا عن هذا الأمر» .
(5/80)
الْخُرُوجُ، قَالُوا: كَيْفَ نَسْتَقِلُّ
وَلَيْسَ مَعَنَا مَالٌ نُجَهِّزُ بِهِ النَّاسَ؟ فَقَالَ يَعْلَي بْنُ
أُمَيَّةَ: معي ستمائة ألف وستمائة بَعِيرٍ فَارْكَبُوهَا، فَقَالَ
ابْنُ عَامِرٍ: مَعِي كَذَا وَكَذَا فَتَجَهَّزُوا بِهَا.
فَنَادَى الْمُنَادِي: إِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةَ
وَالزُّبَيْرَ شَاخِصُونَ إِلَى الْبَصْرَةِ [1] ، فَمَنْ كَانَ
يُرِيدُ إِعْزَازَ الإِسْلامِ وَقِتَالَ الْمُحِلِّينَ وَالطَّلَبَ
بِثَأْرِ عُثْمَانَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَرْكَبٌ، وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ جِهَازٌ فَهَذَا جِهَازٌ وَهَذِهِ نَفَقَةٌ، فحملوا ستمائة رجل
على ستمائة نَاقَةٍ سِوَى مَنْ كَانَ لَهُ مَرْكَبٌ- وَكَانُوا
جَمِيعًا أَلْفًا- وَتَجَهَّزُوا بِالْمَالِ، وَنَادَوْا بِالرَّحِيلِ،
وَاسْتَقَلُّوا ذَاهِبِينَ.
وَأَرَادَتْ حَفْصَةُ الْخُرُوجَ، فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ فَطَلَبَ إِلَيْهَا أَنْ تَقْعُدَ فَقَعَدَتْ، وَبَعَثَتْ إِلَى
عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ
الْخُرُوجِ، فَقَالَتْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَبْدِ اللَّهِ.
وَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ [2] ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ
مَعَهُمْ مُرَحَّلَةٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ لِلْمُغِيرَةِ:
مَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: الرَأْيُ وَاللَّهِ الاعْتِزَالُ، فَإِنَّهُمْ
مَا [يَفْلَحُ أَمْرُهُمْ، فَإِنْ] [3] أَظْفَرَهُ اللَّهُ أَتَيْنَاهُ
فَقُلْنَا: كَانَ صَغْوُنَا [4] مَعَكَ، فَجَلَسَا.
وأَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ [5] ، عَنِ
الأَغَرِّ، قَالَ [6] : لَمَّا اجْتَمَعَ إِلَى مَكَّةَ بَنُو
أُمَيَّةَ وَيَعْلَى/ بْنُ أُمَيَّةَ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ،
ائْتَمَرُوا أمرهم، واجتمع ملؤهم على الطلب 30/ ب بِدَمِ عُثْمَانَ
وَقِتَالِ السَّبَئِيَّةِ حَتَّى يَثْأَرُوا، وَأَمَرَتْهُمْ عَائِشَةُ
بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى
الْبَصْرَةِ وَرَدُّوهَا عَنْ رَأْيِهَا، وَأَمَّرَتْ عَلَى الصَّلاةِ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، فَكَانَ يُصَلِّي
بِهِمْ.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، [عَنِ] ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ [7] ، قَالَ: سمعت
__________
[1] في الأصول: «شاخصين إلى البصرة» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 452.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] صغونا: ميلنا.
[5] في الأصول: «عن مخلد بن قيس» . والتصحيح من الطبري.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 453.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري، وفي ت: «عن
عبد الرحمن بن أبي مليكة» .
(5/81)
عَائِشَةُ بِخَبَرِ عُثْمَانَ فِي
الطَّرِيقِ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَلا إِنَّ عُثْمَانَ عَدَتْ
عَلَيْهِ الْغَوْغَاءُ، وَضَعُفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَقَتَلُوهُ
مَظْلُومًا، وَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بُويِعَ فَلَمْ
يَقْوَ عَلَيْهِمْ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ،
فَاطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ، فَخَرَجَتْ لِتُنْهِضَ النَّاسَ
وَتَرْجِعَ.
[خروج علي رضي الله عنه إلى الرَّبَذَة يريد البصرة] [1]
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ [2] ، قَالَ:
جَاءَ عَلِيًّا الْخَبَرُ [عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ] [3] فَأَمَّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ تَمَّامَ بْنَ
الْعَبَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى مَكَّةَ قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ،
وَخَرَجَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالطَّرِيقِ، فَاسْتَبَانَ
لَهُ بِالرَّبَذَةِ أَنْ قَدْ فَاتُوهُ.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [4] : خَرَجَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى تَعْبِيَتِهِ الَّتِي تَعَبَّى
بِهَا إِلَى الشَّامِ، وَخَرَجَ مَعَهُ مَنْ نَشِطَ مِنَ
الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ مُتَخَفِّفِينَ [5] فِي تسعمائة
رَجُلٍ [6] ، وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُمْ فَيَحُولَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْخُرُوجِ.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ
مَرْوَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَمِيسِيُّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ
شِهَابٍ [7] ، قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ الْكُوفَةِ مُعْتَمِرِينَ [حِينَ
أَتَانَا قَتْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [8] ، فَلَمَّا
انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّبَذَة إِذَا الرِّفَاقُ يَحْدُو [9]
بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ
أَتَاهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ، فَجَلَسَ فَقَالَ: قَدْ أَمَرْتُكَ
فَعَصَيْتَنِي، فَتُقْتَلُ غَدًا بِمَضْيَعَةٍ لا نَاصِرَ لَكَ. قَالَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا تزال تخنّ خنين الجارية،
__________
[1] العنوان غير موجود بالأصول.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 455.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 455.
[5] في الأصل: «الكوفيون والبصريون مجتمعين» .
[6] كذا في الأصول، وفي الطبري: «سبعمائة رجل» .
[7] الخبر في الطبري 4/ 455، 456.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول. وأوردناه من الطبري.
[9] في الأصول: «يدق» . وما أوردناه من الطبري.
(5/82)
وَمَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ؟
قَالَ: أَمَرْتُكَ يَوْمَ أُحِيطَ بِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَيُقْتَلُ وَلَسْتَ بِهَا، ثُمَّ
أَمَرْتُكَ يَوْمَ قُتِلَ أَلا تُبَايِعَ حَتَّى يَأْتِيَكَ وُفُودُ
الْعَرَبِ وَبَيْعَةُ كُلِّ مِصْرٍ، ثُمَّ أَمَرْتُكَ حِينَ فَعَلَ
هَذَانِ الرَّجُلانِ مَا فَعَلا أَنْ تَجْلِسَ فِي بَيْتِكَ حَتَّى
يَصْطَلِحُوا، فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَانَ عَلَى يَدَيْ غَيْرِكَ،
فَعَصَيْتَنِي فِي ذَلِكَ/ كله، فقال: أي بني [أما 31/ أقولك: لو خرجت
من المدينة حين أحيط بعثمان، فو الله لَقَدْ أُحِيطَ بِنَا كَمَا
أُحِيطَ بِهِ] [1] .
وَأَمَّا قولك: لا تبايع حتى تأتي بَيْعَةَ الأَمْصَارِ، فَإِنَّ
الأَمْرَ أَمْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَرِهْنَا أَنْ يَضِيعَ هَذَا
الأَمْرُ. أَمَّا قَوْلُكَ: حِينَ خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ
فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهَنًا عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ، وَلا وَاللَّهِ
مَا زِلْتُ مَقْهُورًا مُذْ وُلِّيتَ، مَنْقُوصًا لا أَصْلَ إِلَى
شَيْءٍ مِمَّا يَنْبَغِي. وَأَمَّا قَوْلُكَ:
اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ، فَكَيْفَ لِي بِمَا قَدْ لَزِمَنِي، وَإِذَا
لَمْ أَنْظُرْ فِيمَا قَدْ لَزِمَنِي مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَمَنْ
يَنْظُرُ فِيهِ. فَكُفَّ يَا بُنَيَّ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
قِيلَ لِعَلِيٍّ بِالرَّبَذَةِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا
فِكْرَتُكَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ الْبَصْرَةَ لَفِي يَدَيْكَ،
وَإِنَّ الْكُوفَةَ لَفِي يَدَيْكَ، فَقَالَ: وَيْحُكُمْ ابْتُلِيتُ
بِثَلاثَةٍ مَا رُمِيَ بِمِثْلِهِمْ أَحَدٌ قَطُّ، ابْتُلِيتُ بِفَتَى
الْعَرَبِ وَأَجْوَدِهِمْ طَلْحَةَ، وَبِفَارِسِ الْعَرَبِ
وَأَحْرَبِهِمُ الزُّبَيْرِ، وَبِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَطْوَعِ
النَّاسِ فِي النَّاسِ.
[دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن
حنيف] [2]
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [3] : لَمَّا
كَانَ النَّاسُ بِفِنَاءِ الْبَصْرَةِ لَقِيَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكِ
اللَّهَ أَنْ تَقْدَمِي الْيَوْمَ عَلَى قَوْمٍ لَمْ تُرَاسِلِي
مِنْهُمْ أَحَدًا، [فَأَرْسَلَتِ ابْنَ عَامِرٍ] [4] وَكَتَبَتْ إِلَى
رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَإِلَى الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ،
فَدَعَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ
وَأَلَزَّهُ بِأَبِي [5] الأَسْوَدِ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[2] العنوان غير موجود بالأصول.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 461.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ألزه: ألصقه.
(5/83)
الدُّؤَلِيِّ، فَقَالَ: انْطَلِقَا إِلَى
هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمَا عِلْمَهَا وَعِلْمَ مَنْ مَعَهَا.
فَخَرَجَا فَانْتَهَيَا إِلَيْهَا، فَاسْتَأْذَنَا فَأُذِنَ لَهُمَا،
فَقَالا: إِنَّ أَمِيرَنَا بَعَثَنَا إِلَيْكِ يَسْأَلُكِ عَنْ
مَسِيرَكِ، فَهْل أَنْتِ مُخْبِرَتُنَا؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا
مِثْلِي يَسِيرُ بِالأَمْرِ الْمَكْتُومِ، إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ
أَهْلِ الأَمْصَارِ [وَنُزَّاعَ الْقِبَائِلِ] [1] غَزَوْا حَرَمَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْدَثُوا فِيهِ
الأَحْدَاثَ وَآوَوْا فِيهِ [2] الْمُحْدِثِينَ، فَاسْتَحَلُّوا
الدَّمَ الْحَرَامَ فَسَفَكُوهُ وَانْتَهَبُوا، فَخَرَجْتُ فِي
الْمُسْلِمِينَ أُعْلِمُهُمْ مَا أَتَى هَؤُلاءِ الْقَوْمُ وَمَا ينبغي
لهم أَنْ يَأْتُوا فِي إِصْلاحِ هَذَا.
فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهَا فَأَتَيَا طَلْحَةَ، فَقَالا: مَا
أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: الطلب بدم عثمان، قالا:
31/ ب أَلَمْ تُبَايِعْ/ عَلِيًّا؟ قَالَ: بَلَى، وَاللُّجُّ عَلَى
عُنُقِي [3] ، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ أَتَيَا الزُّبَيْرَ
فَقَالا لَهُ مِثْلَ مَا قَالا لِطَلْحَة، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَنَادَى عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فِي النَّاسِ وَأَمَرَهُمْ بِلُبْسِ
السِّلاحِ، وَقَامَ رَجُلٌ فقال للناس: يا أيها الناس، إن هؤلاء القوم
إن كانوا جَاءُوا خَائِفِينَ فَقَدْ جَاءُوا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي
يَأْمَنُ بِهِ الطَّيْرُ، وَإِنْ كَانُوا جَاءُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِ
عُثْمَانَ فَمَا نَحْنُ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ. أَطِيعُونِي،
وَرُدُّوهُمْ. فَقَالَ الأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ: إِنَّمَا فَزِعُوا
إِلَيْنَا لِيَسْتَعِينُوا بِنَا عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَحَصِبَهُ
النَّاسُ.
فَتَكَلَّمَ طَلْحَةُ فَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ،
فَتَحَاصَبَ النَّاسُ، فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ: يَنْبَغِي
أَخْذُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَتَحَاصَبَ الْقَوْمُ.
وَأَقْبَلَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ، فَأَنْشَبَ الْقِتَالَ، وَأَصْحَابُ
عَائِشَةَ كَافُّونَ إِلا مَا دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَغَدَا
حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ يُبَرْبِرُ وفَِي يَدِهِ الرُّمْحُ، فَقَالَ
لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ: مَنِ الَّذِي تسب؟ قال: عائشة،
قال: يا بن الْخَبِيثَةِ، أَلأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ هَذَا،
فَوَضَعَ حَكِيمٌ السِّنَانَ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ
اقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَمُنَادِي عَائِشَةَ يُنَاشِدُهُمْ
وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْكَفِّ فَيَأْبَوْنُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لا
تَقْتُلُوا إِلا مَنْ قَاتَلَكُمْ، وَنَادَوْا: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَلْيَكْفُفْ عَنَّا، فَإِنَّا لا نُرِيدُ إِلا
قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَأَنْشَبَ حَكِيمٌ الْقِتَالَ، فَاقْتَتَلُوا
أَشَدَّ قتال.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] في الأصل: «الأحداث وأقراوا فيه» .
[3] في الأصل: «على عاتقي» ، وما أوردناه عن ت، والطبري.
(5/84)
وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع
الآخرة سنة ست وثلاثين.
فلما نزل علي [1] رضي الله عنه على الثعلبية أتاه الخبر بما لقي عثمان
بن حنيف [ثم أتاه ما لقي حكيم بن جبلة، ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى
إليه فيها عثمان بن حنيف] [2] وليس فِي وجهه شعرة. وأتاه الخبر بما
لقيت ربيعة، وخروج عبد القيس، وخرج إلى علي خلق كثير من أهل الكوفة،
فدعا على القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة، وقَالَ: الق هذين
الرجلين فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظم عليهما الفرقة، / فخرج
القعقاع [3] حتى أتى البصرة، فبدأ بعائشة فسلم عليها، فقال: أي 32/
أأماه، ما أشخصك وما أقدمك على هذه البلدة؟ قَالَتْ: أي بني، إصلاح بين
الناس، قَالَ: فابعثي إلى طَلْحَة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما،
فبعثت إليهما، فجاءا، فقَالَ: إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها فقالت:
الإصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما، أمتابعين أم مخالفين؟ قالا:
متابعين، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح، فو الله لئن عرفناه
لنصلحن، ولئن أنكرناه لا يصلح، قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان
تركا للقرآن، وإن أعمل به كان إحياء للقرآن، فقَالَ: قد قتلتما قتلة
أمير المؤمنين من أهل البصرة، قتلتم ستمائة إلا رجلا، قالت أم
المؤمنين: فتقول أنت ماذا؟ قَالَ: أقول إن هذا الأمر دواؤه التسكين،
وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير، ودرك بثأر هذا
الرجل، وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر
واعتسافه، كانت علامة الشر، فكونوا مفاتيح الخير، فقالوا له: قد أحسنت
فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر، فرجع إلى علي،
فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، وأقبلت وفود البصرة نحو
علي.
وجاءت وفود تميم [4] وبكر، فجمع علي الناس وقام، فذكر إنعام الله تعالى
على هذه الأمة بالاجتماع إلى أن قَالَ: ثم حدث هذا الحدث الذي جرّه على
هذه الأمة أقوام
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 481.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 4/ 488.
[4] تاريخ الطبري 4/ 493.
(5/85)
طلبوا [هذه] [1] الدنيا، وحسدوا من أفاءها
الله عليه، ألا وإني راحل غدا، فارتحلوا، ولا يرتحلن أحد أعان على
عثمان بشيء، وليغن السفهاء عني أنفسهم.
فاجتمع نفر، منهم علباء بن الهيثم، وعدي بن حاتم، وسالم بن ثعلبة
القيسي، وشريح بن أوفى بن ضبيعة، والأشتر، فِي عدة ممن سار إلى عثمان،
ورضي مسير من سار، وجاء معهم المصريون: ابن السوداء، وخالد بن ملجم،
وتشاوروا، [فقالوا] : [2] ما الرأي؟ وهذا والله علي وهو أبصر [الناس]
[3] بكتاب الله، [وأقرب] [4] ممن يطلب 32/ ب قتلة عثمان، / وأقربهم إلى
العمل بذلك، وهو يقول ما يقول، فكيف به إذا شام القوم وشاموه، ورأوا
قتلنا، وقتلنا فِي كثرتهم، إياكم والله ترادون [5] . فقَالَ الأشتر:
أما طَلْحَة والزبير فقد عرفنا أمرهما، وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان
اليوم، ورأي الناس فينا واحد، وإن يصطلحوا على دمائنا فهلموا نتواثب
على علي فنلحقه بعثمان، فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكوت [6] . فقَالَ
عَبْد اللَّهِ بن السوداء: بئس الرأي رأيت [7] ، نحن نحو من ستمائة،
وهذا ابن الحنظلية وأصحابه فِي خمسة آلاف بالأسواق [8] ، إلى أن يجدوا
إلى قتالكم سبيلا.
وقَالَ علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم وارجعوا، فتعلقوا
ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به، و [امتنعوا من الناس] [9]
. قَالَ ابن السوداء: بئس ما رأيت، ود والله الناس أنكم على جديلة [10]
، ولم تكونوا مع أقوام براء، ولو كان الّذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] في الأصول: «يراد» .
[6] في الطبري: «بالسكون» .
[7] «رأيت» : ساقط من ت.
[8] في الطبري: «بالأشواق» .
[9] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[10] أي: على رأي واحد.
(5/86)
تقول لتخطفكم كل شيء [1] . وقَالَ ابن
السوداء: إذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال، ولا تدعوهم يفرغون
للنظر، فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع، فيشغل الله عليا
وطَلْحَة والزبير، ومن رأى رأيهم عما تكرهون فتفرقوا على مثل ذلك
والناس لا يشعرون.
وأصبح علي رضي الله عنه على ظهر، فمضى ومضى الناس، وقام علي فخطبهم
وقَالَ: يا أيها الناس، كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم
إخوانكم، ومضى حتى أطل على القوم، فبعث إليهم حكيم بن سلامة، ومالك بن
حبيب، فقَالَ: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا
وأقرونا ننزل وننظر فِي هذا الأمر، فقَالَ له الأحنف بن قيس: إن قومنا
بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم ستقتل رجالهم وتسبي نساءهم. فقَالَ:
ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر، وهم قوم مسلمون،
فهل أنت مغن عني قومك؟ قَالَ: نعم، فاختر مني واحدة من اثنتين، إما أن
آتيك فأكون معك بنفسي، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف.
فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وارتحل حتى نزل بحذاء القوم والناس
لا/ 33/ أيشكون فِي الصلح، ومع عائشة ثلاثون ألفا، ومع علي عشرون ألفا،
فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طَلْحَة والزبير، فتواقفوا،
وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع
الحرب، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع علي إلى عسكره، ورجع وطَلْحَة
والزبير إلى عسكرهما.
أمر القتال
وبعث علي [2] من العشي عَبْد اللَّهِ بن عباس إلى طَلْحَة والزبير،
[وبعثاهما من العشي مُحَمَّد بن طَلْحَة إلى علي، وأن يكلم كل واحد
منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمسوا] [3] أرسل طَلْحَة والزبير إلى
رؤساء أصحابهما، وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الذين هضبوا
على عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلة لم
__________
[1] في الأصل: «لتخطفكم الناس» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 506.
[3] ما بين المعقوفتين: في الأصل «وبعثا إليه محمد بن طلحة» وما
أوردناه من الطبري.
(5/87)
يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا
عليه، [والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ما ركبوا] [1] ، وبات
الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة [باتوها قط] ، قد أشرفوا على الهلكة،
وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب [فِي السر]
[2] ، واستسروا بذلك خشية أن يفطن لهم، فغدوا مع الغلس [3] ، وما يشعر
بهم [أحد غير] جيرانهم، فخرج مضريهم إلى مضريهم، [وربعيهم إلى ربعيهم]
[4] ، ويمانيهم إلى يمانيهم، حتى وضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة،
وثار كل قوم فِي وجوه أصحابهم الذين بهتوهم [5] ، وخرج الزبير وطَلْحَة
فبعثا إلى الميمنة عَبْد الرَّحْمَنِ بن الحارث بن هشام، وإلى الميسرة
عَبْد الرَّحْمَنِ بن عتاب بن أسيد، وثبتا فِي القلب، وقالا: ما هذا؟
قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا، فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى
يسفك الدماء، [ويستحل الحرمة] [6] ، وإنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل
البصرة.
فسمع علي وأهل الكوفة الصوت، وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبره بما
يريدون، فلما قَالَ: ما هذا؟ قَالَ ذلك الرجل: ما فاجئنا إلا وقوم منهم
قد بيتونا، فرددناهم من حيث جاءوا، فوجدنا القوم على رجل فركبونا، وثار
الناس، وقَالَ علي لصاحب ميمنته: ائت الميمنة، ولصاحب ميسرته ائت
الميسرة، ولقد علمت أن طَلْحَة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء،
ونادى علي فِي الناس: كفوا، فكان رأيهم جميعا ألا يقتتلوا حتى يبدءوا.
وأقبل كعب بن سعد حتى أتى عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فقال: أدركي،
فقد أبى 33/ ب القوم إلا القتال، لعل/ الله يصلح بك. فركبت، وألبسوا
هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، فلما برزت- وكانت بحيث تسمع الغوغاء-
وقفت، فقالت: ما هذا؟ قالوا:
ضجة العسكر، قالت: بخير أم بشر؟ قالوا: بشر. قالت: وأي الفريقين كانت
منهم هذه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصول: «فغذوا من الغلس» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] أي: كذبوهم. وفي الأصل: «نهنهوهم» ، وفي أ: «نهلوهم» . وما أوردناه
من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/88)
الضجة فهم المهزومون. فما فجئها إلا
الهزيمة، فمضى الزبير فِي وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طَلْحَة سهم
غرب [1] يخل ركبته بصفحة الفرس، فلما امتلأ موزجه دما وثقل قَالَ
لغلامه: ابغني مكانا أنزل فيه، وتمثل بهذا يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما ... شربت رضا بني سهم برغمي
أطعتهم بفرقة آل لأي ... فألقوا للسباع دمي ولحمي
واقتتل الناس [2] وأقبلوا فِي هزيمتهم يريدون البصرة، فلما رأوا الجمل
طافت به مضر، فقالت عائشة: خل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله عز
وجل فادعهم إليه، ودفعت إليه مصحفا. وأقبل القوم وأمامهم السبئية
يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، فرشقوه رشقا واحدا،
فقتلوه، ثم رموا أم المؤمنين فِي هودجها، فجعلت تنادي: يا بني البقية
البقية- ويعلو صوتها- اذكروا الله والحساب، ويأبون إلا إقداما، فقالت:
أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، فضجوا بالدعاء، فسمع علي،
فقَالَ: ما هذه الضجة؟ قالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان
وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللَّهمّ العن قتلة عثمان وأشياعهم.
وأرسلت إلى عَبْد الرَّحْمَنِ بن عتاب وعبد الرحمن بن الحارث: اثبتا
مكانكما، فاجتلدوا قدام الجمل، والمجنبتان على حالهما.
وكان القتال الأول [3] يتسحر إلى انتصاف النهار، وأصيب فيه طَلْحَة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذهب فيه الزبير، فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل
الكوفة إلا القتال، ولم يريدوا إلا عائشة، اقتتلوا حتى تحاجزوا بعد
الظهر، وذلك يوم الخميس فِي جمادى الآخرة، فاقتتلوا صدر النهار/ مع
طَلْحَة والزبير، وفِي وسطه مع عائشة، وتزاحف الناس، 34/ أفهزمت يمن
البصرة يمن الكوفة، وربيعة البصرة ربيعة الكوفة، ونهد علي بمضر الكوفة
إلى مضر البصرة.
واقتتلت [4] المجنبتان حين تزاحفتا قتالا يشبه ما فيه القلبان، وأقبل
أهل اليمن
__________
[1] سهم غرب: لا يدرى راميه.
[2] تاريخ الطبري 4/ 513.
[3] تاريخ الطبري 4/ 514.
[4] تاريخ الطبري 4/ 515.
(5/89)
على راية علي فقتل على راية علي من أهل
الكوفة عشرة، كلما أخذها رجل قتل قيل: وكان العشرة خمسة من همذان وخمسة
من سائر اليمن.
ولما رأت الكماة [1] من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر جعلوا يتوخون
الأطراف [2] : الأيدي والأرجل، فما رئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها، ولا
يسمع بها أكثر يدا مقطوعة [ورجلا مقطوعة] [3] منها، لا يدرى من صاحبها.
فلما ظهر الخلل [4] فِي العسكرين رموا الجمل، وقالوا: لا يزول القوم أو
يصرع الجمل، وأزرت مجنبتا علي فصارت فِي القلب، وكانت أم المؤمنين فِي
حلقة من أهل النجدات والبصائر، وكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان كمن
يحمل الراية، وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل، فإن القوم
ليقتتلون عليه، وما رامه أحد [5] من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت، ثم لم
يعد. ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه، ففقئت عينه
ونكل.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ
[6] : كَانَ لا يَجِيءُ رَجُلٌ فَيَأْخُذُ بِالزِّمَامِ حَتَّى
يَقُولَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قال:
أنا عبد الله بن الزبير، فقالت: وا ثكل أَسْمَاءَ [7] . وَانْتَهَى
إِلَى الْجَمَلِ الأَشْتَرِ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَخَرَجَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إِلَى الأَشْتَرِ، فَاخْتَلَفَا
ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلَهُ الأَشْتَرُ، وَمَضَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الزُّبَيْرِ فَضَرَبَهُ الأَشْتَرُ عَلَى رَأْسِهِ، فَجَرَحَهُ
جُرْحًا شَدِيدًا، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ الأَشْتَرَ ضَرْبَةً
خَفِيفَةً، وَاعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَخَرَّا
إِلَى الأَرْضِ يَعْتَرِكَانِ.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 515.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 4/ 525.
[5] في ت: «وما رماه أحد» .
[6] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 525.
[7] في الطبري: «أنا عبد الله، أنا ابن أختك، فقلت: وا ثكل أسماء- تعني
أختها» .
(5/90)
وحَدَّثَنَا سيف، عن الصعب بن عطية، عن
أبيه، قَالَ [1] : لا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب
قدام الجمل.
/ وحَدَّثَنَا سيف، عن مُحَمَّد وطَلْحَة، قالا [2] : كان من آخر من
قاتل ذلك اليوم 34/ ب زفر بن الحارث، فزحف إليه القعقاع، وقَالَ: يا
بجير بن دلجة، صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم
المؤمنين، فاجتث ساق البعير وأقطع بطانه وحملا الهودج فوضعاه.
وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ الصَّعْبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [3] :
لَمَّا اخْتُلِطَ بِالْجَمَلِ وَعَقَرَهُ بُجَيْرُ بْنُ دُلْجَةَ،
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِلَيْكَ أَشْكُو عَجُرِي وَبُجَرِي ... وَمَعْشَرًا غَشَّوْا عَلَيَّ
بَصَرِي
قَتَلْتُ مِنْهُمْ مُضَرًا بِمُضَرِي ... شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَتَلْتُ
مَعْشَرِي
وكان رجل يومئذ يقول: يال مضر، علام يقتل بعضنا بعضا، فنادوا لا ندري
[4] إلا أنا إلى قضاء. وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ [5] : قَالَ طَلْحَةُ
يَوْمَئِذٍ: اللَّهمّ اعْطِ عُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى،
فَجَاءَهُ سَهْمٌ غَرِبٌ وَهُوَ وَاقِفٌ، فَخَلَّى رُكْبَتَهُ
بِالسَّرْجِ، فَمَضَى بِهِ إِلَى دَارٍ مِنَ دور الْبَصْرَةِ خَرِبَةٍ،
فَمَاتَ فِيهَا.
وحَدَّثَنَا سيف [6] ، عن فطر بن خليفة، عن أبي بشير، قَالَ: شهدت
الجمل، فو الله ما سمعت دق القصارين إلا ذكرت يوم الجمل.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ [7] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ السلمي، عن
ميسرة أبي جميلة، أن
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 526.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 527.
[3] الخبر في الموضع السابق والصفحة.
[4] في الطبري «تبادرون لا ندري» .
[5] الخبر في الطبري 4/ 527.
[6] كذا في الأصول. وفي الطبري 4/ 532: «حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال
حدثنا أبو فقيم، قال: حدثنا فطر» به.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 533.
(5/91)
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَّارَ
بْنَ يَاسِرٍ أَتَيَا عَائِشَةَ وَقَدْ عُقِرَ الْجَمَلُ، فَاحْتَمَلا
الْهَوْدَجَ، فَنَحَّيَاهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ادْخُلا بِهَا
الْبَصْرَةَ، فَأَدْخِلاهَا دَارَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ
الْخُزَاعِيِّ. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا:
أَمَرَ عَلِيٌّ نَفَرًا بِحَمْلِ الْهَوْدَجِ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى،
وَقَدْ كَانَ الْقَعْقَاعُ وَزُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَنْزَلاهُ عَنْ
ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَوَضَعَاهُ إِلَى جَنْبِ الْبَعِيرِ، فَأَقْبَلَ
محمد بن أبي بَكْرٍ [إِلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ] [1] ، فَأَدْخَلَ
يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: أَخُوكِ الْبَرُّ، قَالَتْ: عققت، فأبرزوها بِهَوْدَجِهَا مِنَ
الْقَتْلَى، فَوَضَعُوهَا لَيْسَ قُرْبَهَا أَحَدٌ، وكأن هودجها فرخ
مقصّب [2] مما فيه من النبل. وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي 35/ أحتى
اطَّلَعَ فِي الْهَوْدَجِ، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ لَعَنَكَ اللَّهُ،
فَقَالَ: / وَاللَّهِ مَا أَرَى إِلا حُمَيْرَاءَ، قَالَتْ: هَتَكَ
اللَّهُ سِتْرَكَ، وَقَطَعَ يَدَكَ، وَأَبْدَى عَوْرَتَكَ. فَقُتِلَ
بِالْبَصْرَةِ، وَسُلِبَ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَرُمِيَ بِهِ عُرْيَانًا
فِي خَرِبَةٍ مِنْ خِرَابِ الأَزْدِ، فَارْتَقَى إليها علي بن أبي طالب
رضي الله عنه، فقَالَ: أَيْ أُمَّاهُ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا
وَلَكُمْ، قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. وحَدَّثَنَا سيف،
عن الصعب بن حكيم بن شريك، عن أبيه، عن جده قَالَ [3] : انتهى مُحَمَّد
بن أبي بكر إلى الهودج ومعه عمار بن ياسر، فقطعا الأنساع عن الهودج
واحتملاه، فلما وضعاه أدخل مُحَمَّد يده، وقَالَ: أخوك مُحَمَّد، قالت:
مذمم، قَالَ: يا أخية، هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذلك فِي شيء،
قَالَ: فمن إذن، الضلال؟ قالت: بل الهداة. وانتهى إليها علي رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وقَالَ: كيف أنت يا أماه؟
قالت: بخير، قَالَ: يغفر الله لك، قالت: ولك. وحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ
مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [4] : لَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
خَرَجَ مُحَمَّدٌ بِعَائِشَةَ حَتَّى أَدْخَلَهَا الْبَصْرَةَ،
فَأَنْزَلَهَا فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّ
عَلَى صَفِيَّةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ بن طلحة، وهي أم طلحة الطّلحات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] الفرخ: الزرع إذا تهيأ للانشقاق بعد ما يطلع. مقصب: أي ذو أنابيب.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 534.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 4/ 534.
(5/92)
[من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى فِي
البلاد]
ومضى الزبير فِي صدر يوم الهزيمة راحلا نحو المدينة وكر عليه ابن
جرموز، فطعنه فدق صلبه وأخذ رأسه [1] .
ودخلوا على عائشة، فقالت: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة
[2] .
ودخلوا على علي فقَالَ: لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة.
وبلغ قتلى يوم الجمل عشرة آلاف، نصفهم من أصحاب علي، ونصفهم من أصحاب
عائشة، من الأزد ألفان، ومن سائر اليمن خمسمائة، ومن مضر ألفان
وخمسمائة، وخمسمائة من تميم، وألف من بني ضبة، وخمسمائة من بكر بن وائل
[3] .
وقتل من أهل البصرة فِي المعركة الأولى خمسة آلاف، ولم ير يوم كان أكثر
من يد مقطوعة، ورجل مقطوعة لا يدرى من صاحبها منه. وقتل من أهل البصرة
يومئذ عشرة آلاف من أصحاب علي خمسة آلاف، وقتل من بني عدي يومئذ سبعون
شيخا كلهم قد قرأ القرآن، سوى الشباب ومن/ لم يقرأ القرآن
. 35/ ب
[دخول علي رضي الله عنه على عائشة رضي الله
عنها]
[4] ودخل علي البصرة يوم الاثنين، وانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، فأتاه
الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته، فلما انتهى إلى دار عَبْد اللَّهِ
بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة، وجد النساء تبكين على عَبْد
اللَّهِ وعثمان ابني خلف، قتل أحدهما مع علي والآخر مع عائشة، وصفية
بنت الحارث تبكي مختمرة، فلما رأته قالت: يا علي، يا قاتل الأحبة، يا
مفرق الجماعة، أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عَبْد اللَّهِ منه،
فلم يرد عليها شيئا.
فدخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها، وقَالَ: جبهتنا صفية، أما إني
لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 535.
[2] تاريخ الطبري 4/ 537.
[3] تاريخ الطبري 4/ 539.
[4] تاريخ الطبري 4/ 539.
(5/93)
[بيعة أهل البصرة عليا وقسمة ما فِي بيت
المال عليهم] [1]
ثم بايعه أهل البصرة، ونظر فِي بيت مال البصرة فإذا به ستمائة ألف
وزيادة، فقسمها على من شهد معه، فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة،
وقَالَ: لكم إن أظفركم الله بالشام مثلها إلى أعطياتكم، وخاض فِي ذلك
السبئية، وطعنوا على علي رضي الله عنه من وراء وراء.
[تجهيز علي رضي الله عنه عائشة رضي الله
عنها من البصرة] [2]
وجهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع، وأخرج معها كل
من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من
نساء أهل البصرة المعروفات، وقَالَ: تجهز يا مُحَمَّد، فبلغها، فلما
كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت
وودعوها [3] وودعتهم وقالت: الله ما كان بيني وبين علي فِي القديم إلا
ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبتي لمن الأخيار.
وقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يا أيها الناس، صدقت والله وبرت، ما
كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم فِي
الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثلاثين، وشيعها علي أميالا، وسرح
بنيه معها يوما.
وقصدت [4] عائشة مكة، فأقامت بمكة إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة، 36/
أوانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى المدينة، ورجع علي إلى/
منزله.
[تأمير ابن عباس على البصرة وتولية زياد
الخراج]
وأمر على البصرة [5] ابن العباس، وولى زيادا الخراج وبيت المال، وأمر
ابن
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 541.
[2] تاريخ الطبري 4/ 544.
[3] في ت: «وودعها وودعتهم» .
[4] تاريخ الطبري 4/ 542.
[5] تاريخ الطبري 4/ 543.
(5/94)
العباس أن يسمع منه، وارتحلت السبئية بغير
إذن علي، فارتحل فِي آثارهم ليقطع عليهم أمرا إن كانوا أرادوه.
وعلم أهل المدينة بيوم الجمل يوم الخميس قبل مغرب الشمس من نسر مر بما
حول المدينة، معه شيء متعلقة، فتأمله الناس فوقع، فإذا هو كف فيها خاتم
نقشه «عَبْد الرَّحْمَنِ بن عتاب بن أسيد» وجعل من بين مكة والمدينة
ممن قرب من البصرة أو بعد، يعلمون بالوقعة مما ينقل إليهم النسور من
الأيدي والأقدام.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه
بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ
أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَائِشَةَ أَمْرٌ» ، قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَا
أشقاهم يا رسول الله، قال: «لا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ
فَارْدُدْهَا إِلَى مَأْمَنِهَا» . أخبرنا أبو منصور القزاز، قال:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُثْمَانَ الآدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوَيْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
مَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مَسِيرَهَا قَطُّ إِلا بَكَتْ حَتَّى تَبُلَّ
خِمَارَهَا وَتَقُولُ: لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا 19: 23 [1]
.
قَالَ سُفْيَانُ: النَّسْيُ الْمَنْسِيُّ الْحَصَاةُ [2] الْمُلْقَاةُ.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الحسين
الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ،
قال: أَخْبَرَنِي لَيْثُ بْنُ طَاهِرٍ الْمُنَادِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا
محمد بن يعقوب،
__________
[1] سورة: مريم، الآية: 23.
[2] في الأصل: «الحيضة» .
(5/95)
قالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
الرَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَلادٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عبيد 36/ ب الله بن عمر الرقي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ/ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها كانت تَقُولُ:
لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ وَلَمْ أَكُنْ
خَرَجْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَشَرَةٌ كُلُّهُمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.
أَخْبَرَنَا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، [أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عبد الكريم، حدثنا الهيثم بْنُ عَدِيٍّ،
أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ] [1] ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَمْرِ
الْجَمَلِ قَدِمْتُ عَلَيْهِ الْبَصْرَةَ فَقَالَ: بُويِعْتَ
وَرَجَعْتَ عَنْ نُصْرَتِكَ، وَمَا كُنْتُ أَعْرِفُكَ بِهِ، وَعِنْدَهُ
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقُلْتُ: لا
تُؤَنِّبْنَا وَاسْتَصْفِ كَدَرَ قُلُوبِنَا، فَإِنَّ السَّوْطَ
يَطِيرُ [2] وَعَمُودُ حَرْبِكَ كَمَا هُوَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ
أَمْرِكَ مَا تَعْرِفُ بِهِ الْغَاشَّ مِنَ النَّاصِحِ، قَالَ: لا،
ولكن وجدنا خزاعة أقل شيء شكرا، فقلت: قَدْ نَصَحَنَا وَشَكَرَنَا مَنْ
هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، للَّه وَلِرَسُولِهِ. ثُمَّ قُمْتُ فَأَتَيْتُ
وَلَدَهُ الْحَسَنُ، فَقُلْتُ: لا وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، تَسْمَعُ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لِي مَا يَقُولُ ثُمَّ لا تُعِينُنِي عَلَيْهِ،
فَقَالَ أَبَا مُطَرِّفٍ لا يُهَوِّلَنَّكَ الَّذِي سمعت، فو الله
الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرَهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ
حَيْثُ أَخَذَتِ السُّيُوفُ مَأْخَذَهَا مِنْ جَمَاجِمِ الرِّجَالِ [3]
يَتَغَوَّثُ بِي وَيَقُولُ: يَا حَسَنُ، وَدِدْتُ أَنَّ أَبَاكَ هَلَكَ
قَبْلَ الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً.
ومن الحوادث فِي هذه السنة قتل مُحَمَّد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة
وكان يحرض على عثمان، وهو الذي سير المصريين إليه، فلما خرج المصريون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن سليمان» .
[2] في ت: «فإن السوط يطبن» .
[3] في الأصل: «من هام الرجال» .
(5/96)
مع مُحَمَّد بن أبي بكر أقام هو بمصر،
وأخرج عنها عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح، وضبطها، فلم يزل مقيما
بها حتى قتل عثمان وبويع لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فأظهر معاوية له
الخلاف وتابعه على ذلك عمرو بن العاص، وسار معاوية وعمرو إلى مُحَمَّد
بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر فِي ألف رجل، فتحصن بها، وجاءه عمرو
فنصب المنجنيق عليه حتى نزل فِي ثلاثين من أصحاب، فأخذوه وقتلوه، هذا
قول الواقدي.
/ وأما هشام بن مُحَمَّد، فإنه يزعم أن مُحَمَّد بن أبي حذيفة قتل بعد
قتل 37/ أمحمد بن أبي بكر، وانه لما دخل عمرو بن العاص إلى مصر بعث به
إلى معاوية فحبسه، وكان ابن خال معاوية، وكان معاوية يحب أن يفلت فهرب
من السجن، فقَالَ معاوية: من يطلبه؟ فخرج عَبْد اللَّهِ بن عمر
الخثعمي، فوجده، فقتله وذلك فِي سنة ثمان وثلاثين.
فصل [فِي إظهار معاوية الخلاف لعلي]
[1] وفِي سبب إظهار معاوية مخالفة علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فإنه
بلغه أن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لا أقره على عمله، فقَالَ
معاوية: والله لا ألي له شيئا ولا أبايعه، ولا أقدم عليه، فبعث إليه
جرير بن عَبْد اللَّهِ البجلي يدعوه إلى الطاعة فأبى، فحينئذ عزم علي
رضي الله عنه على الخروج إلى صفين. وقَالَ سهل بن سعد [2] : دعا علي
رضي الله عنه قيس بن سعد الأنصاري، فقَالَ له: سر إلى مصر فقد وليتكها،
فإذا أنت قدمتها فأحسن إلى المحسن، واشتد على المريب وارفق بالعامة
والخاصة. فلما قدم أخذ البيعة لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، واستقامت له
مصر، إلا أن قرية [3] منها يقال لها: «خربتا» فيها أناس قد أعظموا قتل
عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبها رجل يقال له: يزيد بن الحارث من بني
مدلج. فبعث إلى قيس: أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر
الناس.
__________
[1] العنوان ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] تاريخ الطبري 4/ 547، 548.
[3] في الأصل: «إلا أن فرقة» .
(5/97)
فكتب معاوية إلى قيس بن سعد [1] : سلام
عليك، أما بعد، فإنكم كنتم نقمتم على عثمان فِي أثرة رأيتموها، أو ضربة
بسوط ضربها، فإنكم قد علمتم أن دمه لم يكن يحل لكم، فتب إلى الله يا
قيس بن سعد، فإنك كنت من المجلبين على عُثْمَان بْن عَفَّانَ، فأما
صاحبك فقد استيقنا أنه الذي أغرى الناس به، وحملهم على قتله، فإن
استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل، تابعنا على أمرنا،
ولك سلطان العراق إذا ظهرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان
الحجاز ما دام لي سلطان. وسلني غير هذا مما تحب.
فلما جاءه كتاب معاوية أحب أن يدافعه، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغي
كتابك، 37/ ب وفهمت/ ما ذكرت فيه من قتل عثمان، وذلك أمر لم أفارقه،
وذكرت أن صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان، وهذا لم أطلع عليه، وأما ما
سألتني من متابعتك وعرضت علي من الجزاء فيه فهذا أمر لي فيه نظر، ولن
يأتيك شيء تكرهه.
فلما قرأ معاوية الكتاب كتب إليه: أما بعد، فإني لم أرك تدنو فأعدك
سلما، ولم أرك تباعد فأعدك حربا، وليس مثلي ينخدع ومعه عدد الرجال،
وبيده أعنة الخيل.
فلما قرأ كتاب معاوية، ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة، كتب إليه: بسم
الله الرحمن الرحيم من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد،
فالعجب العجيب من اغترارك [2] وطمعك فِي أن تسومني للخروج من طاعة أولى
الناس بالإمارة، وأقولهم للحق [3] ، وأقربهم من رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأمرني بالدخول فِي طاعة أبعد الناس من
هذا الأمر، وأقولهم بالزور، وأضلهم سبيلا، وقولك إني مالئ عليك مصر
خيلا ورجلا [4] ، فو الله لأشغلنك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك، إنك
لذو جد، والسلام.
فلما أتى معاوية كتاب قيس أيس منه، وثقل عليه مكانه.
قَالَ الزهري: كان معاوية وعمرو بن العاص جاهدين أن يخرجا قيسا من مصر
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 550.
[2] في الأصل: «فالعجب العجب من اغترارك» .
[3] في أ: «وأقر لهم بالحق» .
[4] في ابن الأثير: «خيلا رجالا» .
(5/98)
ليغلبا عليها، وكان قد امتنع منها بالدهاء
والمكايدة، فلم يقدرا عليه [1] حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي،
فكان معاوية يقول: ما ابتدعت مكايدة قط كانت أعجب عندي من مكايدة كدت
بها قيسا من قبل علي، فكتبت إلى أهل الشام: لا تسبوا قيسا فإنه لنا
شيعة، تأتينا كتبه ونصيحته سرا. ألا ترونه يحسن إلى كل راكب منكم، ألا
ترون ما يفعل بإخوانكم من أهل خربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم.
فبلغ ذلك عليا فاتهم قيسا وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا، وأهل خربتا
يومئذ عشرة آلاف، فأبى وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر، وقد رضوا مني
أن أؤمن سربهم، وأجري عليهم/ أعطياتهم، وقد علمت أن هواهم مع معاوية،
فأبى علي رضي 38/ أالله عنه إلا قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى
علي: إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك، وابعث عليه غيري، فبعث الأشتر إلى
مصر أميرا عليها حتى إذا صار بالقلزم سقي شربة عسل فيها سم كان فيها
حتفه.
فلما بلغ عليا وفاة الأشتر بالقلزم بعث مُحَمَّد بن أبي بكر أميرا على
مصر. هذا قول الزهري.
وقَالَ هشام بن مُحَمَّد: إنما بعث الأشتر بعد هلاك مُحَمَّد بن أبي
بكر، ولما جاء عليا مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر علم أن قيسا كان ينصحه
فأطاعه فِي كل شيء. قال علماء السير: وكان عليّ رضي الله عنه قد كتب
عهد مُحَمَّد بن أبي بكر لغرة رمضان، فلم يلبث مُحَمَّد شهرا كاملا حتى
بعث إلى أولئك الذين كان قيس وادعهم، وقَالَ: يا هؤلاء، إما أن تدخلوا
فِي طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: دعنا حتى ننظر،
فأبى وبعث إليهم رجلا فقتلوه، ثم بعث آخر فقتلوه.
وفِي هذه السنة قدم ماهويه مرزبان مرو [2] على عَلي بْن أبي طالب
رَضِيَ اللهُ عنه بعد الجمل مقرا بالصلح، فكتب له علي كتابا إلى دهاقين
مرو والأساورة بأنه قد رضي عنه. ثم إنهم كفروا بعد ذلك.
__________
[1] في الأصول: «فلم يقدرا عليها» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 557.
(5/99)
وفِي هذه السنة بايع عمرو بن العاص معاوية
ووافقه على محاربة علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[1] وكان السبب أنه لما أحيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة،
وقَالَ: من لم يستطع نصر هذا الرجل فليهرب، فسار وسار معه ابناه،
فبينما هو فِي بعض الأماكن مر به راكب، فقَالَ: ما الخبر؟ قَالَ: تركت
الرجل محصورا، ثم مكثوا أياما فمر بهم راكب، فقَالَ: قتل عثمان وبويع
لعلي.
فارتحل عمرو وابناه يبكي بكاء المرأة ويقول: وا عثماناه، حتى نزل دمشق،
وبلغه مسير طَلْحَة والزبير وعائشة، فقَالَ: استأن وانظر ما يصنعون،
فأتاه الخبر بأن طَلْحَة والزبير قتلا، فارتج عليه أمره، فقيل له: إن
معاوية يحرض على الطلب بدم عثمان، 38/ ب فقَالَ لابنيه: ما تريان؟
فقَالَ عَبْد اللَّهِ: أرى أن تكف يدك وتجلس فِي بيتك/ حتى يجتمع الناس
على إمام فتبايعه، فقَالَ مُحَمَّد: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أرى
أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر، فقَالَ: أما أنت يا عَبْد
اللَّهِ فأمرتني بما هو خير لي فِي آخرتي، وأسلم لي فِي ديني. وأما أنت
يا مُحَمَّد فأمرتني بالذي هو أنبه لي فِي دنياي وشر لي فِي آخرتي.
ثم خرج عمرو حتى قدم على معاوية، فرأى أهل الشام يحضون معاوية على
الطلب بدم عثمان، فقَالَ: عمرو: أنتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفة
المظلوم- ومعاوية لا يلتفت إليه- فدخل إلى معاوية فقَالَ له: والله إن
أمرك لعجب، لا أراك تلتفت إلى [هؤلاء] [2] ، أما إن قاتلنا معك فإن فِي
النفس ما فيها حتى نقاتل من تعلم فضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه
الدنيا، فصالحه معاوية بعد ذلك وعطف عليه.
وفِي هذه السنة [خروج علي بن أبي طالب إلى صفين
] [3] خرج علي رضي الله عنه فعسكر بالنخيلة، وقدم عَبْد اللَّهِ بن
عباس ثم نهض معه
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 558.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 4/ 563، وما بين المعقوفتين غير موجود بالأصول.
(5/100)
من أهل البصرة إلى الكوفة، فتهيأ منها إلى
صفين، واستشار الناس فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم، وأشار آخرون
بالسير [بنفسه] [1] ، فأبى إلا المباشرة، فجهز الناس، فبلغ ذلك معاوية،
فدعا عمرو بن العاص فاستشاره وقَالَ: يا أبا عَبْد اللَّهِ جهز الناس.
فجاء عمرو فحض الناس، وضعف أمر علي، وقَالَ: إن أهل البصرة مخالفون
لعلي، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار فِي
شرذمة قليلة، فاللَّه الله فِي حقكم أن تضيعوه.
وكتب إلى أجناد الشام، وعقد لابنيه عَبْد اللَّهِ ومُحَمَّد لواء،
ولواء لغلامه وردان، [وعقد علي لغلامه] قنبر [2] . [ثم قَالَ عمرو:
هل يغنين وردان عني قنبرا ... وتغني السكون عني حميرا
إذا الكماة لبسوا السنورا] [3] فبلغ ذلك عليا، فقَالَ:
لأصبحن العاصي ابن العاصي ... سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص ... مستحقبين حلق الدلاص
وجعل معاوية يتأنى فِي أمره ومسيره، وبعث علي رضي الله عنه زياد بن
النضر الحارثي طليعة فِي ثمانية آلاف، وبعث معه شريح بن هانئ في أربعة
آلاف، وخرج/ 39/ أعليّ من النخيلة بمن معه، فلما دخل المدائن شخص معه
من فيها من المقاتلة [4] ، ولما عبر الفرات قدم زيادا وشريحا أمامه،
فلقيهما أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان فِي جند من أهل الشام، فأرسلا
إلى علي يخبرانه، فبعث علي الأشتر إلى النضر وشريح وقَالَ: إذا قدمت
[عليهم] [5] فأنت [أمير] [6] عليهم، وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري. وفي ت: «لواءين ولغلاميه وردان
وقنبر» وفي الأصل: «لواء ولغلامية وردان وقنبر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[4] في الأصل: «شخص ببعض من معه فيها من المقاتلة» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/101)
يبدءوك حتى تدعوهم وتسمع قولهم، واجعل على
ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا، وقف من أصحابك وسطا، فإني حثيت السير
فِي أثرك إن شاء الله تعالى.
وكتب إليهما [1] : إني قد أمرت عليكما مالكا، فاسمعا له وأطيعا. وقدم
الأشتر على القوم، وكف عن القتال حتى إذا كان المساء حمل عليهم أبو
الأعور، فثبتوا له، واضطربوا له ساعة، ثم انصرف أهل الشام، ثم خرج
إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري فِي خيل ورجال، فاقتتلوا يومهم ذلك،
وحمل عليهم الأشتر فقتل عَبْد اللَّهِ بن المنذر التنوخي، وحجز الليل
بينهم [2] ، فلما أصبحوا انصرف أهل الشام تحت الليل، فقدم الأشتر بمن
معه، ولحقه علي، فأمر الناس فوضعوا الأثقَالَ وذهب شباب الناس يستقون
[3] الماء، فمنعهم أهل الشام فاقتتلوا على الماء، وكان معاوية قد اختار
موضعا سهلا إلى جانب شريعة فِي الفرات، ليس ثمة غيرها، فجاء أصحاب علي
فأخبروه بعطش الناس، وإنهم لم يجدوا غير شريعة القوم، فقَالَ: قاتلوهم
عليها، فقَالَ الأشعث بن قيس: أنا أسير إليهم، فقَالَ علي: سر.
فسار فِي أصحابه، فثاروا فِي وجوههم، فتراموا بالنبل، وتطاعنوا بالرمح،
واجتلدوا بالسيوف، وأتى أهل الشام يزيد بن أسد البجلي مددا، وخرج عمرو
بن العاص فِي جند كثير يمد أبا الأعور ويزيد بن أسيد، وجاء الأشتر يمد
الأشعث بن قيس، وشبث بن ربعي، فاشتد القتال، وأنشأ عَبْد اللَّهِ بن
عوف الأزدي مرتجزا يقول:
39
/ ب/ خلوا لنا ماء الفرات الجاري ... أو أثبتوا لجحفل جرار
لكل قوم [4] مستميت شاري ... مطاعن برمحه كرّار
ضرّاب هامات العدا مغوار
وأتى مملوك لبعض أهل العراق فملأ قربته فشد عليه رجل من أهل الشام
فضربه فصرعه، ثم إن القوم خلوا عن الماء فاجتمعت سقاة الفريقين عليه،
وبعث علي رضي
__________
[1] في الأصل: «وكتب شريح وزياد» .
[2] في الأصل: «وحجز الظلام بينهم» .
[3] في الأصل: «وذهب شباب القوم» .
[4] في الأصول: «لكل قرن» .
(5/102)
الله عنه صعصعة [فقَالَ له: ائت معاوية وقل
له] [1] : إنا سرنا إليك ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك
قدمت خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك، وبدأتنا بالقتال ونحن من
رأينا الكف عنك حتى ندعوك، وهذه أخرى قد فعلتموها، قد حلتم بين الناس
وبين الماء، فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء حتى ننظر
فيما بيننا وبينكم، فإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ونترك الناس
يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب.
فقَالَ معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقَالَ الوليد بن عقبة: امنعهم الماء
كما منعوه [عُثْمَان] [2] بْن عَفَّانَ، حصروه أربعين صباحا يمنعونه
برد الماء ولين الطعام. وقَالَ عمرو بن العاص: خل بينهم وبين الماء،
فإن القوم لن يعطشوا وأنت ريان. وقَالَ عَبْد اللَّهِ بن أبي سرح:
امنعهم الماء [إلى] الليل، فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا، وكان رجوعهم
فلّا لهم. فقال صعصعة: إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة
الفسقة أولي الفجور وشربة الخمور، فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه،
فقَالَ معاوية:
كفوا عن الرجل فإنه رسول [3] .
ثم بعث من يردهم عن الماء، فأبرزهم علي إلى القتال فاقتتلوا، فغلب
أصحاب علي رضي الله عنه على الماء، فقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا، وخلوا عنهم، ففعلوا.
[دعاء علي معاوية إلى الطاعة والجماعة]
[4] ومكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يرسل إليه معاوية، ثم أرسل
إليه علي رسولا يدعوه إلى الله وإلى الطاعة، فأتاه فقَالَ: إن الدنيا
عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، وإن الله جازيك بما قدمت يداك، وإننا
ننشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها، فقَالَ
للمتكلم: هلا أوصيت صاحبك بذلك؟ فقال: إن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 4/ 571.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 4/ 572.
[4] تاريخ الطبري 4/ 573. والعنوان غير موجود في الأصول.
(5/103)
40/ أصاحبي أحق البرية كلها/ بهذا الأمر
فِي الفضل والدين والسابقة فِي الإسلام والقرابة [من الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ، فقَالَ معاوية: ونطل دم عثمان [1] ، لا
والله لا أفعل ذلك أبدا.
فاقتتلوا شهر ذي الحجة جميعه، وربما اقتتلوا فِي اليوم مرتين.
وحج بالناس فِي هذه السنة عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب بأمر
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
284- أسلم مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكنى
أبا رافع
[2] :
وكان مملوكا للعباس، فوهبه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فلما بشر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بإسلام العباس أعتقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وهاجر بعد بدر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد
أحدا والمشاهد بعدها، وزوجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سلمى مولاته.
وتوفي بعد قتل عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
285- حذيفة بن اليمان- واليمان لقب- واسمه حسل- ويقال: حسيل- بن جابر
بن ربيعة بن عمرو بن جروة، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ [3] ، ويقال أن
جروة هو اليمان [4] :
خرج حذيفة هو وأبوه فأخذهما كفار قريش، وقالوا: إنكما تريدان
مُحَمَّدًا، فقالا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منهما عهدا ألا يقاتلا
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ينصرفا إلى المدينة،
فأتيا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَاهُ وقالا: إن شئت [قاتلنا معك] [5] ، قَالَ: بلى نفي
__________
[1] أي نترك دم عثمان.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 51.
[3] في الأصول: «عبيد الله» . والتصحيح من كتب الرجال.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 161، 6/ 1/ 8، 7/ 2/ 64.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من ت.
(5/104)
[لهم] [1] ونستعين الله عليهم، ففاتهما
بدر، وشهد حذيفة أحدا وما بعدها.
وكان حذيفة صاحب سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لقربه منه وثقته به، وأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأسماء المنافقين الذين بخسوا بعيره ليلة [العقبة]
[2] بتبوك، وكانوا اثني عشر كلهم من الأنصار ومن حلفائهم، وكان حذيفة
يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وأنا
أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
وولاه عمر بن الخطاب المدائن، فأقام بها إلى حين وفاته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن على بن
ثابت، قال: أخبرنا علي بْن [مُحَمَّد] [3] المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
[أَحْمَدُ] [4] بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد
الرزاق، / قال: أخبرنا معمر، عن 40/ ب أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،
قَالَ [5] :
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا بَعَثَ
أَمِيرًا كَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ فُلانًا
وَأَمَرْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَلَمَّا
بَعَثَ حُذَيْفَةَ كَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ
فُلانًا فَأَطِيعُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ لَهُ شَأْنٌ،
فَرَكِبُوا لِيَلْتَقُوهُ، فَلَقُوهُ عَلَى بَغْلٍ تَحْتَهُ أَكَافٍ
وَهُوَ مُعْتَرِضٌ عَلَيْهِ رَجُلاهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ
يَعْرِفُوهُ فَأَجَازُوهُ، فَلَقِيَهُمُ النَّاسُ، فَقَالُوا: أَيْنَ
الأَمِيرُ؟ قَالُوا: هُوَ الَّذِي لَقِيَكُمْ. قَالَ: فَرَكَضُوا فِي
أَثَرِهِ، فَأَدْرَكُوهُ وفِي يَدِهِ رَغِيفٌ وَفِي الأُخْرَى عَرَقٌ
وَهُوَ يَأْكُلُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى عَظِيمٍ
مِنْهُمْ فَنَاوَلَهُ الْعَرَقَ وَالرَّغِيفَ. قَالَ: فَلَمَّا غَفَلَ
أَلْقَاهُ أَوْ أَعْطَاهُ لِخَادِمِهِ.
وروى هذا الحديث سلام بن مسكين، عن ابن سيرين، فقَالَ فيه: لما قدم
حذيفة المدائن استقبله الناس والدهاقين وبيده رغيف وعرق من لحم وهو على
حمار على أكاف، فقرأ عهده عليهم [فقالوا: سلنا ما شئت، قَالَ: أسألكم
طعاما آكله، وعليقا لحماري
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من تاريخ بغداد.
[5] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 162.
(5/105)
هذا ما دمت فيكم] فأقام ما شاء الله، ثم
كتب إليه عمر أن أقدم، فلما بلغ قدومه عمر كمن له فِي الطريق فِي مكان
لا يراه، فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه فالتزمه
وقَالَ: أنت أخي وأنا أخوك.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، [أَخْبَرَنَا
الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ الملطي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو] [1] بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن الحسين، قال: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ
عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
بَكَى حُذَيْفَةُ فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْتَفَتُّ فَإِذَا
رَجُلٌ خَلْفَهُ، فَقَالَ: لا تُعْلِمَنَّ هَذَا أَحَدًا [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ
الآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
كَثِيرٍ] [3] ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ دَخَلَ عَلَى حُذَيْفَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ
فِيهِ، فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي أَرَى هَذَا الْيَوْمَ آخِرَ يَوْمٍ
مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الآخِرَةِ
لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ، اللَّهمّ إِنَّكَ تَعْلَمُ إني كنت أحب الفقر
على الغنا، وَأُحِبُّ الذِّلَّةَ عَلَى الْعِزِّ، وَأُحِبُّ الْمَوْتَ
عَلَى الْحَيَاةِ، حَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، لا أَفْلَحَ مَنْ
نَدِمَ، ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ،
[أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ] [4] ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
رَبِيعٍ الْعَبْسِيِّ، قَالَ:
سَمِعْنَا بِوَجَعِ حُذَيْفَةَ فَرَكِبَ إِلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيُّ في نفر أنا فيهم إلى المدائن،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن أبي بكر القرشي»
.
[2] في الأصل: «لا تعلم بهذا أحدا» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن زياد» .
[4] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده عن خالد» .
(5/106)
فَأَتَيْنَاهُ/ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ،
فَقَالَ: هَلْ جِئْتُمْ بِأَكْفَانِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَلا
تُغَالُوا بِكَفَنِي، 41/ أفإن يَكُنْ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ يُبَدَّلُ خَيْرًا مِنْ كِسْوَتِكُمْ وَإِلا يُسْلَبَ سَلْبًا
سَرِيعًا، ثُمَّ ذكر عُثْمَانَ، فَقَالَ: اللَّهمّ لَمْ أَشْهَدْ،
وَلَمْ أَقْتُلْ، وَلَمْ أَرْضَ.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن الفضل، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن درستويه، قَالَ:
حَدَّثَنَا يعقوب، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد الله بْن مُوسَى قَالَ:
حَدَّثَنَا سعيد بن أوس، عن بلال [1] بن يَحْيَى، قالَ:
عاش حذيفة بعد قتل عثمان أربعين ليلة.
أَخْبَرَنَا القزاز، أَخْبَرَنَا الخطيب [قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن
بشران، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن صفوان] [2] ، قَالَ: حَدَّثَنَا
[3] القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سعد، قَالَ:
مات حذيفة سنة ست وثلاثين. اجتمع على ذلك الواقدي، والهيثم بن عدي.
286- الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمه صفية
بنت عبد المطلب، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ [4] :
أسلم بعد أبي بكر، وكان رابعا أو خامسا، وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة،
وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا، ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رجلا ليس بالطويل ولا
بالقصير، إلى الخفة ما هو فِي اللحم، خفيف اللحية، أسمر اللون أشعر،
وله من الولد أحد عشر ذكرا، وتسع نسوة: عَبْد اللَّهِ، ومصعب، وعروة،
والمنذر، وعاصم، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة، وأمهم
أسماء بنت أبي بكر. وخالد، وعمرو، وحبيبة، وسودة، وهند، وأمهم أم خالد،
وهي بنت خالد بن سعيد بن العاص. ومصعب، وحمزة ورملة [5] وأمهم أم
الرباب بنت أنيف. وعبيدة،
__________
[1] من هنا ساقط من ت، والخبر في تاريخ بغداد 1/ 163.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من تاريخ بغداد،
ومكانه في الأصل: «بإسناده عن محمد ابن سعد» .
[3] إلى هنا انتهى السقط من ت.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 70.
[5] «أم خالد وهي أمة ... وحمزة ورملة» .
(5/107)
وجعفر، وأمهما زينب بنت مرثد. وزينب، وأمها
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
وخديجة الصغرى، وأمها الحلال بنت قيس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن
معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدّثنا محمد بن 41/ ب
سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ/ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ [1] : كَانَتْ عَلَى الزُّبَيْرِ رِيطَةٌ صَفْرَاءُ
مُعْتَجِرًا بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ نَزَلَتْ مِنَ
السَّمَاءِ عَلَى سِيمَاءِ الزُّبَيْرِ» [2] . قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، [عَنْ
جَابِرِ] [3] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ؟
[يَوْمَ الأَحْزَابِ] فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، قَالَ: «مَنْ
يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟» قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، قَالَ:
«مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟» قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لكل
نبي حواريا، وإن حواري الزبير» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ:
وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ [4] : قُلْتُ لأَبِي
يَوْمَ الأَحْزَابِ: قَدْ رَأَيْتُكَ يَا أَبَهْ تَحْمِلُ عَلَى
فَرَسٍ لَكَ أَشْقَرَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتَنِي أَيْ بُنَيَّ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ لِي أَبَوَيْهِ يَقُولُ: «فِدَاكَ أَبِي
وَأُمِّي» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قال [5] :
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 72.
[2] كذا في الأصل، وفي ت: «على سيماء الزبير، وفي ابن سعد: «على
سماء الزبير» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت، والخبر في
طبقات ابن سعد 3/ 1/ 74.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 74.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 75.
(5/108)
لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ
الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ
إِنَّهُ لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ،
وَإِنِّي لا أراني إلا سأقتل الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ
أَكْبَرِ هَمِّي لِدَيْنِي، أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقِي مِنْ
مَالِنَا شَيْئًا؟ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ بِعْ وَاقْضِ دَيْنِي
وَأَوْصِ بالثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا مِنْ بَعْدِ
قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ. وَلَهُ
يَوْمَئِذٍ تِسْعُ بَنَاتٍ، قَالَ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ
وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فاستعن
عليه مولاي. قال: فو الله مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ:
يَا أبه، من مولاك؟ قال: الله، فو الله مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ
مِنْ دَيْنِهِ إِلا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ
دَيْنَهُ، فَيَقْضِيَهُ.
قَالَ: وقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فيهما
الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة،
ودارا بمصر.
قَالَ: / وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال
فيستودعه إياه، 42/ أفيقول الزبير: لا، ولكن هو سلف، إني أخشى عليه
الضيعة، وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجا ولا شيئا إلا أن
يكون فِي غزو مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع
أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
قَالَ عَبْد اللَّهِ بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته
ألفِي ألف ومائتي ألف، فلقي حكيم بن حزام عَبْد اللَّهِ بن الزبير،
فقَالَ: يا ابن أخي كم على أخي من الدين؟
قَالَ: فكتمته وقلت مائة ألف، فقَالَ حكيم: والله ما أرى أموالكم
تتسع لهذه، فقَالَ عَبْد اللَّهِ: أفرأيتك إن كانت ألفِي ألف
ومائتي ألف؟ قَالَ: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه
فاستعينوا بي، وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها
عَبْد اللَّهِ بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف، ثم قام فقَالَ: من
كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة، فأتاه عَبْد الله بن
جعفر- وكان له على الزبير أربعمائة ألف- فقَالَ لعبد الله بن
الزبير: إن شئتم تركتها لكم وإن شئتم فأخروها فيما تؤخرون، إن
أخرتم شيئا، فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن الزبير: لا، قَالَ: فاقطعوا
لي قطعة، فقال له عبد الله: لك من هاهنا إلى ها هنا، قَالَ: فباعه
منها بقضاء دينه، فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف.
قَالَ: فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير
وابن زمعة، قَالَ: فقَالَ له معاوية: كم قومت الغابة؟ قَالَ: كل
سهم مائة ألف، قَالَ: كم بقي؟ قال:
(5/109)
أربعة أسهم ونصف، قَالَ: فقَالَ المنذر بن
الزبير: قد أخذت سهما بمائة ألف، وقَالَ عمرو بن عثمان: قد أخذت
سهما بمائة ألف، وقَالَ ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف، فقَالَ
معاوية: فكم بقي؟ قَالَ: سهم ونصف، قَالَ: أخذته بخمسين ومائة ألف.
قَالَ: وباع عَبْد اللَّهِ بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف،
فلما فرغ ابن الزبير 42/ ب من قضاء دينه، قَالَ بنو الزبير: / أقسم
بيننا ميراثنا، قَالَ: لا والله لا أقسم بينكم ميراثكم حتى أنادي
فِي الموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا
فلنقضه. قَالَ:
فجعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضت أربع سنين قسم بينهم.
قَالَ: وكان للزبير أربع نسوة، قَالَ: وربع الثمن فأصاب كل امرأة
ألف ألف ومائة ألف. قَالَ: فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
قَالَ علماء السير: حضر الزبير يوم الجمل، ثم بدا له أن يقاتل فركب
فرسه وانطلق يريد المدينة فلحقه قوم فقاتلوه، وحمل عليه عمرو بن
جرموز فطعنه فأثبته فوقع فاعتوروه وأخذوا سيفه، وأخذ ابن جرموز
رأسه فحمله إلى علي وأتى بسيفه فأخذه علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وقَالَ: سيف والله طال ما جلا به عن وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرب. وقَالَ: بشر قاتل ابن صفية بالنار، وجلس
يبكي عليه هو أصحابه، وقَالَ: إني لأرجو أن أكون أنا وطَلْحَة
والزبير من الذين قَالَ الله: وَنَزَعْنا مَا في صُدُورِهِمْ من
غِلٍّ 7: 43 [1] . ودفن الزبير بوادي السباع، وكانت عنده عاتكة بنت
زيد بن عمرو بن نفيل، وكان أهل المدينة يقولون: من أراد الشهادة
فليتزوج عاتكة، لأنها كانت عند عَبْد اللَّهِ بن أبي بكر، فقتل
عنها، ثم كانت عند عمر بن الخطاب فقتل عنها، ثم عند الزبير فقتل
عنها وهو ابن أربع وستين سنة.
287- زيد بن صوحان بن حجر بن الهجرس، يكنى أبا عائشة، [وأبا عَبْد
اللَّهِ] : [2]
سمع عمر وعليا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وكان يصوم بالنهار ويقوم
الليل.
أَخْبَرَنَا أبو منصور عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد، قال: أخبرنا أبو
بكر أحمد بن علي [بن
__________
[1] سورة: الأعراف، الآية: 43.
[2] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 84. وتاريخ بغداد 8/ 439. وما بين
المعقوفتين: من ت.
(5/110)
ثَابِتٍ] [1] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد
بْن الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قال أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق،
قال أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن الخليل البرجلاني أبو النصر، قال:
أخبرنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ،
قَالَ:
كان زيد بن صوحان يقوم الليل ويصوم النهار، فإذا كانت ليلة الجمعة
أحياها، فإن كان ليكرهها [إذا جاءت] مما كان يلقى فيها، فبلغ سلمان
ما كان يصنع، فأتاه فقَالَ:
أين/ زيد؟ قالت امرأته: ليس ها هنا، قَالَ: فإني أقسم عليك لما
صنعت طعاما ولبست 43/ أمحاسن ثيابك، ثم بعثت إلى زيد، فجاء زيد
وقرب الطعام، فقَالَ سلمان: كل يا زيد، فقَالَ: إني صائم، قَالَ:
كل يا زيد لا تنقص دينك، إن شر السير الحقحقة [2] ، إن لعينك عليك
حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، كل يا زيد، فأكل،
وترك ما يصنع.
قتل زيد يوم الجمل، فقَالَ: ادفنوني فِي ثيابي، فإني مخاصم، ولا
تغسلوا عني دما، ولا تنزعوا عني ثوبا.
288- طَلْحَة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة،
يكنى أبا مُحَمَّد [3] :
وأمه الصعبة بنت عمار الحضرمي [4] ، وأمها عاتكة بنت وهب بن قصي بن
كلاب. وكان وهب صاحب الرفادة دون قريش كلها.
وكان لطَلْحَة من الولد مُحَمَّد، وهو السجاد، وبه كان يكنى، قتل
معه يوم الجمل، وعمران، وأمهما حمنة بنت جحش. ومُوسَى، وأمه خولة
بنت القعقاع بن معبد، وكان يقال للقعقاع تيار الفرات من سخائه.
ويعقوب وكان جوادا قتل يوم الحرة، وإسماعيل، وإسحاق، وأمهم أم أبان
بنت عقبة بن ربيعة. وزكريا، ويوسف، وعائشة، أمهم أم كلثوم بنت أبي
بكر الصديق. وعيسى ويَحْيَى، وأمهما سعدى بنت عوف. وأم إسحاق
تزوجها الحسن بن علي، فولدت له طَلْحَة ثم توفي عنها، فخلف عليها
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت.
[2] سير الحقحقة: المتعب من السير، وقيل: أن تحمل الدابة ما لا
تطيقه.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 152.
[4] كذا في الأصول، وفي ابن سعد: «بنت عبد الله بن عمارة» .
(5/111)
الحسين بن علي فولدت له فاطمة، والصعبة،
ومريم، وصالح الأمهات.
وكان طَلْحَة آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط، ولا بالسبط، حسن
الوجه، دقيق القرنين لا يغير شعره.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قَالَ: أخبرنا الحسين بن 43/ ب
الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي/ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ
مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ [1] :
حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ:
سَلُوا أَهْلَ هَذَا الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: فَقُلْتُ: نَعَمْ أَنَا، فَقَالَ: هَلْ
ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قَالَ:
قُلْتُ: وَمَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، [هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ
آَخِرُ الأَنْبِيَاءِ [2] ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ،
وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةَ وَسَبَاخَ، فَإِيَّاكَ أَنْ
تُسْبَقَ إِلَيْهِ] [3] ، قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي
مَا قَالَ، فَخَرَجْتُ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ،
فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَمِينُ تَنَبَّأَ وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ
أَبِي قُحَافَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ، فَقُلْتُ: اتَّبَعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ
فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا
قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ فَدَخَلَ بِهِ
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ،
وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
أَخَذَهُمَا نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيَّةِ
فَشَّدَهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُمَا بَنُو
تَيْمٍ، وَكَانَ نُوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُدْعَى أَسَدُ
قُرَيْشٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ
الْقَرِينَيْنِ.
قَالَ علماء السير: آخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بين طَلْحَة وسعيد بن زيد، وبعثهما رسول
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 153.
[2] في ت: «أمين الأنبياء» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/112)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتحسسان خبر العير [1] ، فخرجا ففاتتهما بدر، فضرب لهما رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهامهما وأجورهما، فكانا كمن
شهدها.
وشهد طَلْحَة أحدا، وثبت يومئذ حين ولى الناس، ورمى مالك بن زهير
يوم أحد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتقى
طَلْحَة بيده عن وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فأصابت خنصره فشلت أصبعاه، وجرح يومئذ أربعا وعشرين جراحة، وقع
منها فِي رأسه شجه، فلما كسرت رباعية/ رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشج فِي وجهه احتمله طَلْحَة ورجع به القهقرى،
كلما أدركه أحد 44/ أمن المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أوجب
طَلْحَة» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، [أخبرنا
الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بْنُ مَعْرُوفٍ،
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا] [2]
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ] [3]
، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى،
قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي سُعْدَى ابْنَةُ عَوْفٍ
الْمُرِّيَّةُ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى طَلْحَةَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْتُ: مَا لِي أَرَاكَ
مَهْمُومًا؟ قَالَ: عِنْدِي مَالٌ قَدْ أَهَمَّنِي، فَقَسَمْتُهُ.
فَسَأَلْتُهَا: كَمْ كان المال؟ قالت: أربعمائة أَلْفٍ [4] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا رَوْحٌ، قَالَ حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ طَلْحَةَ بَاعَ
أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عفان بسبعمائة أَلْفٍ [6] ،
فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ بِهَا، قَالَ: إِنَّ رَجُلا
يُبَيِّتُ هَذِهِ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ لا يَدْرِي مَا يَطْرُقُهُ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الغرير باللَّه، فبات
__________
[1] في ت: «يتحسبان خبر العير» .
[2] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «مكانه: «بإسناده عن محمد
بن سعد» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 157 بأوضح من ذلك، ونصه:
«دَخَلْتُ عَلَى طَلْحَةَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْتُ:
مَا لي أراك أرابك شيء من أهلك فنعتب؟ قال: نعم حليلة المرء أنت،
ولكن عندي مال قد أهمني، أو غمني، قالت: اقسمه. فدعا جاريته فقال:
ادخلي على قومي، فأخذ يقسمه، فسألتها: كم كان المال؟
فقالت: أربعمائة ألف» .
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 157.
[6] في ت: «بتسعمائة ألف» .
(5/113)
وَرُسُلُهُ تَخْتَلِفُ بِهَا فِي سِكَكِ
الْمَدِينَةِ حَتَّى أَسْحَرَ وَمَا عِنْدَهُ مِنْهَا دِرْهَمٌ.
حضر طَلْحَة يوم الجمل، فرماه مروان بن الحكم فأصاب ساقه، فلم يزل
ينزف الدم، فقَالَ: اللَّهمّ خذ لعثمان مني حتى يرضى، فمات وهو ابن
أربع وستين سنة.
وقيل: اثنتين وستين.
وترك طَلْحَة من العين ألفِي ألف درهم ومائتي ألف دينار، وترك
عروضا كثيرة، وقومت أصوله وعقاره ثمانين ألف ألف درهم.
وقَالَ عمرو بن العاص: حدثت أن طَلْحَة ترك مائة بهار فِي كل بهار
ثلاثة قناطير ذهب. وسمعت أن البهار جلد ثور.
توفي يوم الجمل على ما سبق شرحه.
289- عَبْد اللَّهِ بن بديل بن ورقاء [1] :
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى
أهل اليمن، وشهد مع علي رضي الله عنه صفين، وقتل هناك.
290- عَبْد الرَّحْمَنِ بن عديس البلوي [2] :
بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة.
وروى عنه عليه السلام.
44/ ب وشهد فتح مصر، / واختط بها، وكان رئيس الخيل التي سارت من
مصر إلى عثمان، وقتل بفلسطين فِي هذه السنة، كان قد سجن فهرب
فأدركه فارس، فقَالَ له:
اتق الله فِي دمي فإني من أصحاب الشجرة، فقَالَ: الشجر فِي الجبل
كثير، [فقتله] [3] .
291- عمرو بن أبي عمرو بن ضبة، أبو شداد [4] :
شهد بدرا وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 204.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 199.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 304.
(5/114)
292- قدامة بن مظعون بن حبيب، أبو عمر [1]
:
هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وشهد أحدا والخندق والمشاهد
كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثمان وستين سنة.
293- كعب بن سور بن بكر بن عَبْد اللَّهِ بن ثعلبة الأزدي [2] :
ولاه عمر قضاء البصرة، وكان سبب توليته إياه ما أَخْبَرَنَا بِهِ
أَبُو الْفَضْلِ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْن
بْندار، وأحمد بن علي بن سوار، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَاقِرُ [3] ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ بْنِ رَزَمَةَ، قَالَ: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن عبد
الله السِّيرَافِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ
بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ الْحِزَامِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:
أَتَتِ امْرَأَةٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ
النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْكُوَهُ
وَهُوَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ لَهَا:
نِعْمَ الزَّوْجُ زَوْجُكِ، فَجَعَلَتْ تُكَرِّرُ عَلَيْهِ
الْقَوْلَ وَهُوَ يُكَرِّرُ عَلَيْهَا الْجَوَابَ، فَقَالَ لَهُ
كَعْبٌ الأَزْدِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ
الْمَرْأَةُ تَشْكُو زَوْجَهَا فِي مُبَاعَدَتِهِ إِيَّاهَا عَنْ
فِرَاشِهِ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: كَمَا فَهِمْتَ كَلامَهَا فَاقْضِ
بَيْنَهُمَا، فَقَالَ كَعْبٌ: عَلَيَّ بِزَوْجِهَا، فَأُتِيَ بِهِ،
فَقَالَ لَهُ:
امْرَأَتُكَ هَذِهِ تَشْكُوكَ، قَالَ: أَفِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ،
قَالَتِ الْمَرْأَةُ تَرْتَجِزُ:
يَا أَيُّهَا الْقَاضِي الْحَكِيمُ رُشْدُهْ ... أَلْهَى خَلِيلِي
[4] عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ
زُهْدُهُ فِي مَضْجَعِي [5] تَعَبُّدُهْ ... نَهَارُهُ وَلَيْلُهُ
مَا يَرْقُدُهْ
/ فَلَسْتُ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَحْمَدُهْ ... فاقض القضاء يا
كعب لا تردده
45/ أفقال زَوْجُهَا:
أَزْهَدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِي الْحِجَلْ ... أَنِّي امرؤ أذهلني
ما قد نزل
__________
[1] في الأصول: «أبو عمر» . وراجع طبقات ابن سعد 3/ 1/ 291.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 65، وفيه: «بن عبد بن ثعلبة» . وفي
الأصول: «الأسدي» .
[3] في ت: «محمد بن عبد الله الناقد» .
[4] في الأصل: «ألقى خليلي» .
[5] في الأصل: «إن هذه في مضجعي» .
(5/115)
فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَفِي السَّبْعِ
الطُّوَلْ ... وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَخْوِيفٌ جَلَلْ
فَقَالَ كَعْبٌ:
إِنَّ لَهَا عَلَيْكَ حَقًّا يَا رَجُلْ ... تُصِيبُهَا فِي
أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلْ
فَاعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلْ
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكَ مِنَ النِّسَاءِ
مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ، فَلَكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيهِنَّ تَعْبُدُ فِيهِنَّ رَبَّكَ، وَلَهَا يَوْمٌ
وَلَيْلَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ
أَمْرٍ بِكَ أَعْجَبُ، أَمِنْ فَهْمِكَ أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ
حُكْمِكَ؟ اذْهَبْ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ.
قَالَ علماء السير: فلما قدم طَلْحَة والزبير وعائشة يرجي الله
عنهم البصرة دخل كعب إلى بيت وطين عليه، وجعل فيه كوة يتناول منها
طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة، فقيل لعائشة: إن كعب بن سور إن خرج
معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته فلم يجبها، فقالت:
يا كعب ألست أمك ولي وعليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن أصلح
بين الناس، فخرج فأخذ المصحف فنشره ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما
فيه، فجاءه سهم غرب فقتله. وكان خيرا صالحا وليس له حديث.
294- هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وهو المعروف بالمر [1] :
قَالَ: وهو أخو نافع بن عتبة، وابن أخي سعد بن أبي وقاص. أسلم يوم
فتح مكة، وحضر مع عمه سعد حرب الفرس بالقادسية، فلما هزم الله
العدو، ورجعوا إلى المدائن اتبعهم سعد والمسلمون، فدل علج من أهل
المدائن سعدا على مخاضة، فخاضوا وأتوا المدائن فحاصروها وهاشم
فيهم.
وقتل بصفين مع علي رضي الله عنه.
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 196، وفي ت: «هشام بن عتبة» .
(5/116)
ثم دخلت سنة سبع
وثلاثين
فمن الحوادث فيها وقعة صفين
وذلك أن عليا رضي الله عنه [1] ومعاوية توادعا على ترك الحرب فِي
شهر المحرم طمعا فِي الصلح، واختلفت بينهما الرسل، فلم تنفع.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ [2] بن المبارك، ومحمد بن ناصر [3]
، قالا: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، قال: أخبرنا أبو
مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ الْمُقَدِّمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْدَانِيَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي سَعِيدُ بْنُ مَرْدَانِيَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: قَالَ عَدِيُّ بْنُ
حَاتِمٍ الطَّائِيُّ: كُنَّا بِصِفِّينَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ مَعَ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَصَدَتْهُ وَهُوَ فِي سبعمائة
مِنْ رَبِيعَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلا تَرُوحُ إِلَى الْقَوْمِ،
فَإِمَّا لَنَا وَإِمَّا عَلَيْنَا، فَسَكَتَ فَلْم يُجِبْنِي،
فَقُلْتُ:
مَا لِي أَرَاكَ مُخَيِّمًا، أَلا تروح إلى القوم فإما لنا وإما
علينا، فقال: ادن منا يا ابن حاتم، فتخطيت الناس إليه حتى وَضَعْتُ
يَدِي عَلَى رُكْبَتِهِ، فَقَالَ لِي: يَا عَدِيُّ، إِنَّ
مُعَاوِيَةَ مَعَ قَوْمٍ يُطِيعُونَهُ، وَأَنَا مَعَ قَوْمٍ
يَعْصُونِي، فَأَمَّا الَّذِينَ مَعِي فَأَشَدُّ مكايدة من الذين
مع معاوية،
__________
[1] في الأصل: «عليّا عليه السلام» .
[2] في ت: «عبد الواحد بن المبارك» .
[3] في الأصل: «عن محمد بن ناصر» .
(5/117)
فَعَذَرْتُهُ وَرَحِمْتُهُ رَحْمَةً
شَدِيدَةً مَا رَحِمْتُ أَحَدًا مِثْلَهَا قَطُّ.
قَالَ علماء السير: فتناهدوا عند انسلاخ المحرم، وبات علي رضي الله
عنه عنه يعبي الكتائب، ويقول: لا تقاتلوهم إلا أن يبدءوكم، فإذا
قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح، ولا
تأخذوا شيئا من أموالهم. وبعث على خيل أهل الكوفة الأشتر، وعلى خيل
أهل البصرة سهل بن حنيف، وعلى رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر، وعلى
رجالة أهل البصرة قيس بن سعد وهاشم بن عتبة مع ابنه.
46/ أوبعث/ معاوية على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري، وعلى ميسرته
حبيب بن مسلمة الفهري، وعلى مقدمته أبو الأعور السلمي، وكان على
خيول الشام كلها عمرو بن العاص، ومسلمة بن عقبة على رجالة أهل
دمشق، والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم. وبايع رجال من أهل
الشام على الموت، فعقلوا أنفسهم بالعمائم وكانوا خمسة صفوف.
ثم اقتتلوا [1] فكانوا يتبارزون، التقوا جميعا فِي بعض الأيام، لا
ينصرف بعضهم عن بعض إلا إلى الصلاة، وكثرت القتلى بينهم، ثم
تحاجزوا عند الليل، ثم أصبحوا على القتال، وكان علي رضي الله عنه
يتقدم حتى أن النبل لتمر بين عاتقه ومنكبه، وكان معاوية يقول: أردت
أن أنهزم، فذكرت قول ابن الإطنابة، والإطنابة امرأة من بلقين وهو:
أبت لي عفتي وحياء نفسي ... وإقدامي على البطل المشيح [2]
وإعطائي على المكروه مالي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
فيمنعني هذا القول من الفرار.
وكان عمار يقول: والله لو ضربونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت
أنا على الحق وهم على الباطل. وكان يصيح بعمرو بن العاص: يا عمرو،
بعت دينك بمصر تبا
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 24.
[2] المشيح: المجد.
(5/118)
لك تبا طالما بغيت فِي الإسلام عوجا. ثم
قَالَ لأصحابه: لقد قاتلت صاحب هذه الراية- يعني عمرو بن العاص-
ثلاثا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه
الرابعة.
وكان علي رضي الله عنه يحمل ويضرب حتى ينثني سيفه، فقتل عمار،
فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عمرو لأبيه: يا أبه، قتلتم هذا الرجل فِي
يومكم هذا، وقد قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ويحك تقتلك الفئة الباغية» فقَالَ عمرو:
أتسمع ما يقول عَبْد اللَّهِ، فقَالَ معاوية: إنك شيخ أخرق، ولا
تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض فِي بولك، أو نحن قتلنا عمارا، إنما
قتل عمارا من جاء به.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي/ طَاهِرٍ، [أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن 46/ ب مَعْرُوفٍ،
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، أَخْبَرَنَا] [1]
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ [2] :
إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ عَنْ صِفِّينَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَهْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَمَّارٍ: «وَيْحَكَ يَا
ابْنَ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» فَقَالَ
عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ:
فقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا تَزَالُ تَأْتِينَا بِهَنَّةٍ تَدْحَضُ
بِهَا فِي بَوْلِكَ، أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ
الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ.
قَالَ علماء السير: ولما قتل عمار حمل علي رضي الله عنه وأصحابه،
فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض، وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى
بلغوا معاوية، وعلي رضي الله عنه يقول [3] :
أضربهم ولا أرى معاويه ... الجاحظ العين العظيم الحاويه
ثم نادى علي: يا معاوية، علام يقتل الناس بيننا، هلم أحاكمك إلى
الله، فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور، فقَالَ له عمرو: أنصفك
[الرجل] [4] ، فقال معاوية:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، ومكانه في الأصل: «بإسناده عن ابن
سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 180.
[3] نسبه في «وقعة صفين لنصر بن مزاحم» إلى الأشتر 454.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(5/119)
إنك تعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله،
قَالَ له عمرو: ما يجمل بك إلا مبارزته، فقال معاوية: طمعت فيها
بعدي.
ثم اقتتل الناس ليلة إلى الصباح، وهي ليلة الهرير، حتى تقصفت
الرماح، ونفذ النبل، وصار الناس إلى السيوف، وأقبل علي رضي الله
عنه يسير فِي الناس ويحرض، والأشتر فِي ميمنته، وابن عباس فِي
الميسرة، وعلي فِي القلب، والناس يقتتلون من كل جانب. أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، [أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بُشْرَانَ،
أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا] [1] أَبُو
الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ، قَالَ:
لَمَّا وَلِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى
الْبَصْرَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَثَلاثِينَ، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ، ثُمَّ سَارَ
إِلَى صِفِّينَ، وَكَانَتِ الْحَرْبُ سَنَتَيْنِ، وَقُتِلَ
بِصِفِّينَ سَبْعُونَ أَلْفًا: خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا
مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَخَمْسَةٌ وِعْشِرُونَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ
الْعِرَاقِ، مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وعشرون بدريا. وكان 47/ أالمقام
بِصِفِّينَ/ مِائَةَ يَوْمٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ فِيهِ
تِسْعُونَ وَقْعَةً، وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ الْتَقَى
الْحَكَمَانِ.
أَخْبَرَنَا الحافظ بن عبد الوهاب وابن ناصر [قالا: أَخْبَرَنَا
المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أبو بكر بن
الأنباري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد المقدمي، أَخْبَرَنَا
أَحْمَد بن سعد الزهري، أَخْبَرَنَا إسحاق بن أبي إسرائيل،
أَخْبَرَنَا حماد بن زيد، عن هشام،] [2] عن مُحَمَّد بن سيرين،
قَالَ:
قتل يوم صفين سبعون ألفا، ما عرفت عدتهم إلا بالقصب، كان يوضع على
كل قتيل قصبة.
فصل
فلما رأى عمرو [3] بن العاص أن أمر العراق قد اشتد وخاف الهلاك،
قال
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، ومكانه في الأصل: «بإسناده عن أبي
الحسن» .
[2] في الأصل: بإسنادهما عن محمد بن سيرين.
[3] تاريخ الطبري 5/ 48.
(5/120)
لمعاوية: هل لك فِي أمر أعرضه عليك لا
يزيدنا إلا اجتماعا، ولا يزيدهم إلا فرقة، قَالَ: نعم قَالَ: نرفع
المصاحف ثم نقول: ما فيها حكم بيننا وبينكم فإن أبى بعضهم أن يقبل،
وقَالَ بعضهم: بل نقبل، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا: نقبل،
رفعنا هذا القتال إلى أجل.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب الله بيننا وبينكم، من
لثغور أهل الشام بعد أهل الشام، ومن لثغور أهل العراق بعد أهل
العراق. فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت، قالوا: نجيب إلى كتاب
الله ونثيب إليه، فقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما رفعوها إلا
خديعة، فقالوا له: ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله،
فقَالَ: إني إنما أقاتلهم بحكم الكتاب، فقَالَ له مسعر بن فدكي
التميمي، وزيد بن حصين الطائي فِي عصابة معهما من القراء الذين
صاروا خوارج بعد ذلك: يا علي، أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه،
وإلا ندفعك برمتك إلى القوم، أو نفعل ما فعلنا بابن عفان، إنه أبى
علينا أن نعمل بما فِي كتاب الله فقتلناه، والله لتفعلنها أو
لنفعلنها بك.
قَالَ: أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا
لكم، قالوا: فابعث إلى الأشتر فليأتك. فأرسل إليه، فقَالَ للرسول:
إني قد رجوت أن يفتح الله لي فلا تعجلني. فارتفع الرهج من قبل
الأشتر، فقَالَ القوم: ما نراك أمرته إلا بالقتال، فقَالَ: هل
رأيتموني ساررته؟
قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا اعتزلناك/ فبعث إليه: أقبل إلي فإن
الفتنة قد وقعت. فلما 47/ ب بلغه ذلك، قَالَ: ألرفع المصاحف؟
قَالَ: نعم، قَالَ: أما والله لقد ظننت حين رفعت أنها ستوقع
اختلافا وفرقة، فقَالَ له الرسول: أتحب أن تظفرها هنا وتسلم أمير
المؤمنين إلى عدوه؟ فأقبل حتى انتهى إليهم، فقَالَ: يا أهل العراق،
يا أهل الذل والوهن، أحين قهرتم القوم رفعوا المصاحف يدعونكم إلى
ما فيها، وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها، أمهلوني فإني قد
رأيت النصر، فقالوا: إذا ندخل معك فِي خطيئتك، فقَالَ: خدعتم والله
فانخدعتم، فسبوه وسبهم. وقَالَ الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن
بيننا [وبينهم حكما] [1] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/121)
فقَالَ الأشعث: يا معاوية، لأي شيء رفعتم
هذه المصاحف؟ قَالَ: لنرجع إلى أمر الله به، تبعثون رجلا ترضون به،
ونبعث منا رجلا، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما فِي كتاب الله لا
يعدوانه، ثم نتبع ما اتفقا عليه.
فجاء الأشعث إلى علي فأخبره، فقَالَ الناس: قد رضينا، فقَالَ أهل
الشام: فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص، فقَالَ الأشعث وأولئك الذين
صاروا خوارج بعد: فإنا رضينا بأبي مُوسَى الأشعري، فقَالَ علي:
إنكم عصيتموني فِي أول الأمر فلا تعصوني الآن، إني لا أرى أن أولي
أبا مُوسَى، فقَالَ أولئك: إنا لا نرضى إلا به، قَالَ: فهذا ابن
عباس، قالوا: لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء، ليس إلى
واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر، قَالَ: فإني أجعل الأشتر، قالوا:
وهل سعر الأرض غير الأشتر؟ قَالَ:
فاصنعوا ما شئتم، فقَالَ الأحنف لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنك
قد رميت بحجر الأرض، فإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم
حتى يصير فِي أكفهم، ويبعد حتى يصير بمنزلة النجم منهم، فإن أبيت
أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا فإنه لن يعقد عقدة إلا 48/
أحللتها، ولن يحل/ عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها. فأبى
الناس إلا أبا مُوسَى. فكتبوا: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما
تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ... » . فقَالَ عمرو: اكتب اسمه واسم
أبيه، وهو أميركم، أما أميرنا فلا، فقَالَ الأحنف بن قيس: لا تمح
اسم «إمارة المؤمنين» فإني أخاف إن محوتها لا ترجع إليك أبدا، فأبى
ذلك علي، فقَالَ له الأشعث: امح هذا الاسم برحه الله [1] ، فمحي،
فقَالَ علي: الله أكبر، سنة بسنة، والله إني لكاتب رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية إذ قالوا: لست
رسول الله، ولا نشهد لك به، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فكتب: هذا
ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضي علي على
أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضي
معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين، إنا
ننزل عند حكم الله وكتابه،
__________
[1] في ت: «ببركة الله» .
(5/122)
نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد
الحكمان فِي كتاب الله عز وجل- وهما أبو موسى الأشعري، وعمرو بن
العاص- وما لم يجدا فِي كتاب الله فالسنة العادلة الجامعة غير
المفرقة. وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين العهود
والمواثيق أنهما أمنان على أنفسهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار على
الذي يتقاضيان عليه، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما
عهد الله وميثاقه أنا على ما فِي هذه الصحيفة، وأجلا القضاء إلى
رمضان، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما. وكتب فِي يوم
الأربعاء لثلاث عشر خلت من صفر سنة سبع وثلاثين، على أن يوافي عليّ
ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل فِي رمضان، فإن لم يجتمعا بذلك
اجتمعا من العام المقبل.
وخرج الأشعث بذلك الكتاب/ يقرؤه على الناس، ويعرضه عليهم [1] ، فمر
به 48/ ب على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية، فقرأه عليهم،
فقَالَ عروة: تحكمون فِي أمر الله الرجال، لا حكم إلا للَّه، ثم سل
سيفه فضرب به عجز دابته، فغضب للأشعث قومه [وناس كثير من أهل
اليمن] [2] ، ثم سكتوا.
وأذن علي بالرحيل [3] ، فمضى علي على طريق البر على شاطئ الفرات
حتى انتهى إلى هيت وعلى صندوداء.
وقَالَ سيف الضبي: أقاموا بصفين سبعة أو تسعة أشهر. وكان بينهم
القتال نحو سبعين زحفا، وقتل فِي ثلاثة أيام نحو سبعين ألفا من
الفريقين.
قَالَ الزهري: بلغني أنه كان يدفن فِي القبر خمسون.
قَالَ ربيعة بن لقيط: مطرت السماء عليهما دما كانوا يأخذونه
بالآنية.
ذكر خروج الخوارج على أمير المؤمنين
رضي الله عنه [4] .
لما رجع علي رضي الله عنه من صفين فدخل الكوفة لم تدخل معه
الخوارج،
__________
[1] في الأصل: «ويقرؤه عليهم ويوصيه على الناس» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 5/ 60.
[4] تاريخ الطبري 5/ 63.
(5/123)
وكانوا من وقت تحكيمه يردون عليه ولا يرضون
بفعله، فلما رجع باينوه فأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر
ألفا، وقالوا: لا حكم إلا للَّه- وكان ذلك أول ظهورهم- ونادى
مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عَبْد
اللَّهِ بن الكواء اليشكري، والأمر شورى.
فبعث علي رضي الله عنه عَبْد اللَّهِ بن العباس إلى الخوارج،
فقَالَ: ما نقمتم من الحكمين. أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد
السمرقندي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن هبة اللَّه الطبري،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن الفضل، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن درستويه، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ،
عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا
اعْتَزَلَتِ الْخَوَارِجُ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَخْرُجُوا على عَلي
بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه أتيته يوما قَبْلَ الظُّهْرِ،
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْرِدْ بِالصَّلاةِ
لَعَلِّي أَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَأُكَلِّمَهُمْ،
فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلْيَكَ، فَقُلْتُ: كَلا، وكنت حسن
الخلق، لا أوذي 49/ أأحدا، فأذن لي/ فدخلت عليهم فَلَمْ أَرَ
قَوْمًا أَشَدَّ مِنْهُمُ اجْتِهَادًا جِبَاهُهُمْ قَرِحَةٌ مِنَ
السُّجُودِ، وَأَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا نَقْرُ الإِبِلِ [1] ،
وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ [2] مُشَمِّرِينَ، مُشَهَّمَةٌ
وَجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا:
مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ فَقَالَ:
أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمِنْ
عِنْدِ صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ
مِنْكُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: لا تُخَاصِمُوا
قُرَيْشًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 43: 58 [3] فَقَالَ اثْنَانِ أَوْ
ثَلاثَةٌ: لَنُكَلِمَنَّهُ، فَقُلْتُ: هَاتُوا مَا نَقَمْتُمْ
عَلَى صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالُوا: ثَلاثًا، أَمَّا إِحْدَاهُنَّ: فَإِنَّهُ حَكَّمَ
الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ 6: 57 [4] ، فما شأن الرجال والحكم؟
فقلت: هذه
__________
[1] النقرة: داء يأخذ الدابة في أرجلها، وهي التواء العرقوبين.
[2] مرحضة: مغسولة.
[3] سورة: الزخرف، الآية: 58.
[4] سورة: يوسف، الآية: 67.
(5/124)
وَاحِدَةٌ، قَالُوا: وَإِنَّهُ قَاتَلَ
وَلَمْ يُسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا
حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ وَسَبْيُهُمْ. قَالُوا: وَمَحَى نَفْسَهُ
مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ.
فَقُلْتُ لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي
أَمْرِ اللَّهِ، أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ
مَا يَنْقُضُ قَوْلَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ صَيَّرَ مِنْ حُكْمِهِ
إِلَى الرِّجَالِ فِي رُبُعِ دِرْهَمٍ ثَمَنَ أَرْنَبٍ، وَتَلَى
قَوْلُهُ تَعَالَى: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ...
5: 95 [1] الآيَةَ. وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ
وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها 4: 35 [2] . فَنَشَدْتُكُمُ اللَّهَ، هَلْ
تَعْلَمُونَ حُكْمَ الرِّجَالِ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ،
وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ أَفْضَلَ مِنْ حُكْمِهِمْ فِي أَرْنَبٍ
وَبُضْعِ امْرَأَةٍ، فَأَيُّهُمَا تَرَوْنَ أَفْضَلَ؟ قَالُوا:
بَلْ هَذِهِ، قُلْتُ: خَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ وَلَمْ يُسْبِ وَلَمْ
يَغْنَمْ، فَتُسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، فو الله إِنْ قُلْتُمْ
لَيْسَتْ بِأُمِّنَا لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الإِسْلامِ، وَإِنْ
قُلْتُمْ لَنُسبِيَنَّهَا وَنَسْتَحِلُّ مِنْهَا مَا نَسْتَحِلُّ
مِنْ غَيْرِهَا خَرَجْتُمْ مِنَ الإِسْلَامِ، أَخَرَجْتُ مِنْ
هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَى نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَاتَبَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ
حَرْبٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ اكْتُبْ:
هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا:
مَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ/، وَلَوْ نَعْلَمُ مَا
قَاتَلْنَاكَ، فقال: امح يا 49/ ب عَلِيُّ وَاكْتُبْ: هَذَا مَا
كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بن عبد الله، فو الله لَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ
وَقَدْ مَحَى نَفْسَهُ.
فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَخَرَجَ سَائِرُهُمْ فَتَقَاتَلُوا
[3] . قَالَ علماء السير [4] : وجاء علي بن أبي طالب [رضي الله عنه
إلى القوم] [5] وابن عباس يكلمهم، فقَالَ لهم: من زعيمكم؟ قالوا:
ابن الكواء، قَالَ: فما أخرجكم علينا؟
__________
[1] سورة: المائدة، الآية: 95.
[2] سورة: النساء، الآية: 35.
[3] في الأصل: «وخرج منهم ألفان فقتلوا» .
[4] تاريخ الطبري 5/ 65.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/125)
قالوا: حكومتك يوم صفين، قَالَ: أنشدكم
باللَّه، أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب
الله قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا
قرآن، إني عرفتهم أطفالا ورجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، امضوا
على حقكم، فإنما رفعهم المصاحف خديعة، فرددتم علي رأيي وقلتم: لا
بل نقبل منهم، فلما أبيتم إلا الكتاب [1] اشترطت على الحكمين أن
يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم
القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما فِي القرآن، وإن أبيا
فنحن من حكمهما براء. قالوا له: فخبرنا، أتراه عدلا تحكيم الرجال
فِي الدماء؟ فقَالَ: إنا لسنا حكمنا الرجال، إنما حكمنا القرآن،
وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين، لا ينطق، إنما يتكلم به
الرجال، ادخلوا مصركم، فدخلوا من عند آخرهم.
وقَالَ الخوارج منهم: كان الأمر كما وصفت، ولكن كان ذلك كفرا منا،
فقد تبنا إلى الله منه، فتب كما تبنا نبايعك، وإلا فنحن مخالفون.
فانصرف علي بأصحابه، فقَالَ قوم: إنه أقر لهم بالخطأ، فصعد المنبر
فذكر أمرهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حكم إلا
للَّه، فقَالَ علي: كلمة حق أريد بها باطل.
وفِي هذه السنة كان اجتماع الحكمين [2]
فبعث عليّ رضي الله عنه أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي،
وفيهم أبو مُوسَى [الأشعري] [3] ، وبعث معهم عَبْد اللَّهِ بن عباس
يصلي ويلي أمورهم، ولم يحضر علي وبعث معاوية عمرو بن العاص في
أربعمائة من أهل الشام، ثم جاء معاوية، واجتمعوا بأذرح، وشهد معهم
عَبْد اللَّهِ بن عمر، وعبد الله بن الزبير، 50/ أوالمغيرة بن شعبة
فِي جماعة كثيرة. / وخرج عمرو بن سعد بن أبي وقاص، فأتى أباه وهو
بالبادية، فقَالَ: يا أبت، قد بلغك ما كان بين الناس بصفين، وقد
حكموا وقد
__________
[1] في الأصل: «إلا القتال» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 67.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/126)
شهدهم نفر من قريش، فاشهدهم فإنك صاحب رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحد أهل الشورى، وأنت أحق
بالخلافة، فقَالَ: لا أفعل، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إنه تكون فتنة خير الناس
فيها الخفي التقي» . والتقى الحكمان، فقَالَ عمرو بن العاص: يا أبا
مُوسَى، أرأيت أول ما يقضى به من الحق أن يقضى لأهل الوفاء
بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم، قَالَ: وما ذاك؟
قَالَ: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشام قد وافوا وقدموا للموعد؟
قَالَ: بلى، قَالَ عمرو:
اكتبها، فكتبها أبو مُوسَى، قَالَ: ألست تعلم أن عثمان رضي الله
عنه قتل مظلوما؟ قَالَ:
أشهد، قَالَ: أفلست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قَالَ:
بلى، قَالَ: فإن الله عز وجل قَالَ: وَمن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ
جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً 17: 33 [1] ، فما يمنعك من معاوية
ولي عثمان، وبيته فِي قريش كما قد علمت، فإن قَالَ الناس ليس له
سابقة فلك حجة، وهي أن تقول: إني وجدته ولي عثمان المظلوم، والطالب
بدمه، وقد صحبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقَالَ: إني لم أكن لأوليه، وأدع المهاجرين الأولين والأنصار، ولو
خرج لي من سلطانه ما كنت لأرتشي فِي حكم الله، ولكنك إن شئت أحيينا
اسم عمر بن الخطاب.
فأبى عمرو وقَالَ: أخبرني عن رأيك، قَالَ: رأيي أن نخلع هذين
الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين، فيختار المسلمون لأنفسهم
من أحبوا، فقَالَ له عمرو: فإن الرأي ما رأيت، فأقبلا إلى الناس
فقَالَ عمرو: يا أبا مُوسَى أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع، فتكلم أبو
مُوسَى فقَالَ: رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله
به أمر هذه الأمة، فقَالَ عمرو: صدق وبر، يا أبا مُوسَى، تقدم
فتكلم. فتقدم أبو مُوسَى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقَالَ له: ويحك،
والله إني لأظنه قد خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه
فليتكلم بذلك قبلك، فإني لا آمن أن يخالفك، فقَالَ: إنا قد اتفقنا.
فتقدم أبو مُوسَى، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: أيها الناس،
إنا قد نظرنا فِي أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم/
لشعثها من أمر قد اجتمع عليه رأيي ورأي 50/ ب عمرو، وهو أن نخلع
عليا ومعاوية، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر، فيولوا منهم ما أحبوا
__________
[1] سورة: الإسراء، الآية: 33.
(5/127)
عليهم، وإني قد خلعت عليا ومعاوية،
فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثم تنحى.
وأقبل عمرو فقام مقامه، فحمد الله وأثنى عليه وقَالَ: إن هذا قد
قَالَ ما سمعتم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت
صاحبي [معاوية] [1] ، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس
بمقامه، فقَالَ له أبو مُوسَى: مالك، لا وفقك الله، غدرت وفجرت،
إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. قَالَ
عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.
وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط، وحمل على شريح ابن لعمرو
فضربه بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم. فالتمس أهل الشام أبا
مُوسَى فركب راحلته ولحق بمكة. وكان يقول: اطمأننت إلى عمرو وظننت
أنه لن يؤثر شيئا على نصح الأمة، ولقد حذرنيه ابن عباس.
وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية وسلموا عليه بالخلافة وقام
معاوية عشية فِي النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ: أما بعد، من كان متكلما فِي هذا الأمر فليطلع لنا
قرنه، قَالَ ابن عمر: فأطلعت حويتي فأردت أن أقول:
يتكلم فيه رجال قاتلوك وأباك على الإسلام، ثم خشيت أن أقول كلمة
تفرق بين الجماعة ويسفك فيها دم وأحمل فيها على غير رأيي، وذكرت ما
وعد الله فِي الجنان فأمسكت.
قَالَ عمرو بن العاص: بلغني أن عتبة بن أبي سفيان قَالَ لعبد الله
بن عباس: ما منع عليّا أن يبعثك مكان أبي مُوسَى، فقَالَ عَبْد
اللَّهِ: منعه والله من ذلك حاجز القدر، وقصر المدة، ومحنة
الابتلاء، أما والله لو بعثني لاعترضت فِي مدارج نفس عمرو ناقضا ما
أبرم ومبرما لما نقض، أسف إذا طار وأطير إذا أسف، ولكن مضى قدر
وبقي أسف، والآخرة خير لأمير المؤمنين.
وقَالَ خريم بن فاتك الأسدي هذه الأبيات:
لو كان للقوم رأي يرشدون به ... أهل العراق رموكم بابن عباس
51/ أ/ للَّه در أبيه أيما رجل ... ما مثله لفصال الأمر للناس
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/128)
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن ... لم يدر ما
ضرب أخماس لأسداس [1]
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الحريري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو طالب
العشاري، قال: حدّثنا أبو الحسن الدار الدارقطني، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو الحسين إبراهيم بن بيان الرزاد، قَالَ: حَدَّثَنَا
أبو سعيد الخرقي، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْنُ أَحْمَد
بْنِ حَنْبَلٍ، [قَالَ:
سألت أبي] قلت: ما تقول فِي علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قَالَ: يا بني،
إيش أقول فيهما، أعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه
عيبا فلم يجدوا، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فوضعوا له فضائل
كيدا منهم له. [أو كما قَالَ] .
وفِي هذه السنة بعث علي رضي الله عنه بعد مرجعه من صفين جعدة بن
هبيرة المخزومي إلى خراسان [2]
فانتهى إلى قوم قد كفروا وامتنعوا، فرجع، فبعث مكانه خليد بن قرة
اليربوعي، فحاصر أهل نيسابور حتى صالحوه، وصالحه أهل مرو فأصاب
جاريتين من أبناء الملوك فنزلتا بأمان، فبعث بهما إلى علي رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فأعطاهما بعض الدهاقين.
وفِي هذه السنة اجتمعت الخوارج على حرب علي رضي الله عنه وتأهبوا
لذلك [3]
وشرح القصة: أنه لما أراد علي رضي الله عنه أن يبعث أبا مُوسَى
للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن
زهير السعيدي، فدخلا عليه، فقالا: لا حكم إلا للَّه، فقَالَ علي:
لا حكم إلا للَّه، فقَالَ له حرقوص: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك
واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا، قَالَ لهم: قد أردتكم
على ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشرطنا شروطا
وأعطينا عليها عهودا ومواثيقا، وقد قال الله تعالى: وَأَوْفُوا
بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا 16: 91
__________
[1] في ت البيت:
«لكن رموكم بمن لم يدر ... ما ضرب أسداس في أخماس»
[2] تاريخ الطبري 5/ 63.
[3] تاريخ الطبري 5/ 72.
(5/129)
الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ
جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ الله يَعْلَمُ ما
تَفْعَلُونَ 16: 91 [1] ، فقَالَ حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب
منه، فقَالَ له علي: ما هو ذنب ولكن عجز من الرأي، 51/ ب وضعف من
العمل وقد/ نهيتكم عنه، فقَالَ له زرعة: أما والله يا علي، لئن لم
تدع تحكيم الرجال في كتاب الله قاتلتك أطلب بذلك وجه الله ورضوانه،
فقَالَ علي: بؤسا لك، ما أشقاك، كأني بك قتيلا تسفِي عليك الريح،
فقَالَ: وددت أن قد كان ذلك.
فخرج علي يوما فخطب، فقالوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا الله،
وصاح منهم رجل بعلي رضي الله عنه، فقَالَ: وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ 39: 65 [2]
فقَالَ علي: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ 30: 60 [3] . فاجتمعت
الخوارج فِي منزل عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي، فحمد الله وأثنى
عليه، ثم قَالَ: ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم
القرآن أن تكون هذه الدنيا التي [الرضا بها والركون بها والإيثار
إياها عناء وتبار] [4] آثر عنده من الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والقول بالحق، فاخرجوا بنا إلى إخواننا من بين أهل هذه
القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد، وإلى بعض كور الجبال أو
إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة، والأحكام الجائرة.
فقَالَ حرقوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها
وشيك، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن
طلب الحق وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فقَالَ حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم، إن الرأي ما رأيتم، وإن الحق
ما ذكرتم، فولوا أمركم هذا رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد
وسناد وراية تحفون بها، وترجعون إليها.
__________
[1] سورة: النحل، الآية: 91.
[2] سورة: الزمر، الآية: 65.
[3] سورة: الروم، الآية: 60.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 5/ 74.
(5/130)
فبعثوا إلى زيد بن حصن الكناني [1] ، وكان
من رءوسهم، فعرضوها عليه فأبى، وعرضوها على عَبْد اللَّهِ بن وهب
الراسبي، فقَالَ: هاتوها، أنا والله لا آخذها رغبة فِي الدنيا ولا
أدعها فرقا من الموت، وذلك بعد ما عرضوها على حرقوص، فأبى وعرضوها
على حمزة فأبى، وعرضوها على شريح بن أوفى/ العبسي فأبى ولم يقبلها
غير ابن 52/ أوهب الراسبي، وقَالَ ما قَالَ.
ثم إنهم اجتمعوا فِي منزل زيد بن حصن، فقَالَ: إن الله قد أخذ
عهودنا ومواثيقنا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قَالَ:
وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ
الْكافِرُونَ 5: 44 [2] وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 5: 45 [3] وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 5: 47 [4] فاشهد
على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم
الكتاب، وجاروا فِي القول والفعل، وإن جهادهم حق على المؤمنين،
وأقسم بالذي تعنو له الوجوه، وتخشع له الأبصار إني لو لم أجد على
تغيير الجور، وقتال القاسطين أحدا مساعدا لمضيت فردا حتى ألقى ربي
ليرى أني قد عبرت إرادة رضوانه.
فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها [5]
. فقَالَ شريح:
اخرجوا إلى المدائن فلننزلها ولنأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكانها،
ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا، فقَالَ زيد: إنكم
إن خرجتم يرى لكم جماعة تبعتم، ولكن اخرجوا وحدانا، فأما المدائن
فإن بها قوما يمنعونها منكم، ولكن اكتبوا إلى إخوانكم من أهل
البصرة فأعلموهم بمخرجكم، وسيروا حتى تنزلوا جسر النهروان، قالوا:
هذا الرأي.
وأجمعوا على ذلك، وكتبوا إلى أهل البصرة، وخرجوا ليلة السبت وحدانا
يتسللون، فبلغ خبرهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكتب إليهم وهو
بالنهر.
__________
[1] كذا في الأصلين، وفي الطبري: «الطائي» .
[2] سورة: المائدة، الآية: 44.
[3] سورة: المائدة، الآية: 45.
[4] سورة: المائدة، الآية: 47.
[5] في الأصل: «إلى البلدة بعد فيها» .
(5/131)
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي
أمير المؤمنين إلى زيد بن حصن وعبد الله بن وهب ومن معهما من
الناس. أما بعد، فإن هذين الرجلين الذين ارتضينا حكمين قد خالفا
كتاب الله، واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله، فلم يعملا بالسنة،
ولم ينفذا للقرآن حكما، فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون، فإذا
بلغكم كتابي هذا فأقبلوا 52/ ب فإنا/ سائرون إلى عدونا ونحن على
الأمر الأول الذي كنا عليه [والسلام] [1] . فكتبوا إليه: أما بعد،
فإنك لم تغضب لربك، وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت [على نفسك] [2]
بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد
نابذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين.
فلما قرأ كتابهم أيس منهم.
ولقي الخوارج [3] فِي طريقهم عَبْد اللَّهِ بن خباب، فقالوا: هل
سمعت من أبيك حديثا يحدثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم تحدثناه؟ قَالَ: نعم، سمعته يُحَدِّثُ عَنْ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير
من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من
الساعي، قَالَ: فإن أدركت ذلك فكن عَبْد اللَّهِ المقتول. قالوا:
أنت سمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم، فقدموه على شفير النهر فضربوا عنقه، فسال
دمه كأنه شراك نعل، ونقروا أم ولده عما فِي بطنها، وكانت حبلى،
ونزلوا تحت نخل مواقر [4] ، فسقطت رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها فِي
فيه، فقَالَ أحدهم: بغير حلها وبغير ثمن، فلفظها من فيه. واخترط
أحدهم سيفه فأخذ يهزه، فمر خنزير لأهل الذمة [5] ، فضربه، فقالوا
له: هذا فساد فِي الأرض، فلقي صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره.
وكان علي رضي الله عنه قد تجهز للخروج إلى قتال الشام، وندب الناس،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 5/ 81.
[4] أو قرت النخلة: إذا كثر حملها، ونخل موقور، والجمع مواقر.
[5] في الأصل: «لأهل المدينة» .
(5/132)
فاجتمع معه ثمانية وستون ألفا، فلما سمع
الناس خبر هؤلاء قالوا: لو سار بنا إلى هؤلاء فبدأنا بهم [1] ثم
وجهنا إلى المحلين [2] ، فبلغه قولهم، فقَالَ: إن غير هؤلاء أهم
إلينا، فسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين، فقالوا: سر
بنا حيث أحببت.
فلما بلغه قتلهم عَبْد اللَّهِ بن خباب بعث إليهم الحارث بن مرة
العبدي ليأتيه بخبرهم، فلما دنا منهم يسألهم قتلوه. فأتى الخبر
عليا، فقام الناس/ إليه، فقالوا: يا 53/ أأمير المؤمنين، علام ندع
هؤلاء وراءنا يخلفوننا فِي أموالنا وعيالنا، سر بنا إلى القوم،
فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام.
فنادى بالرحيل وخرج، ثم بعث إليهم: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم
نقتلهم بهم، ثم نكف عنكم، واخرجوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم،
فبعثوا إليه كلنا قتلهم، وكلنا نستحل لدمائهم ودمائكم. وفِي رواية
أخرى [3] أن عليا أتاهم فوقف عليهم، فقَالَ: أيتها العصابة التي
أخرجتها اللجاجة، وصدها عن الحق الهوى، إني نذير لكم أن تصبحوا
صرعى بأثناء هذا النهر، تلفيكم الأمة غدا بغير بينة من ربكم [4] ،
وإن الحكمين اختلفا وخالفا كتاب الله والسنة، فنبذنا أمرهما ونحن
على الأمر الأول، فما الذي بكم؟ ومن أين أتيتم؟
فقالوا: إنا لما حكمنا أثمنا وكلنا بذلك كافرين وقد تبنا قَالَ:
إذا تبت كما تبنا، فنحن منك وإلا فاعتزلنا فإنا منابذوك على سواء،
فقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أصابكم حاصب ولا بقي منكم وابر
[5] ، أبعد إيماني برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهجرتي معه وجهادي فِي سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت
إذا وما أنا من المهتدين.
__________
[1] في ت: «هؤلاء فبدأ بهم» .
[2] المحل: الّذي نقض العهد، وفي ابن الأثير والنويري: «إلى قتال
المحلين» .
[3] تاريخ الطبري 5/ 84.
[4] في تاريخ الطبري: «تلفيكم الأمة غدا صرعى بأثناء هذا النهر
وبأهضام هذا الغائط، بغير بينة من ربكم» .
[5] يقال ما بالدار وابر، أي: ما بالدار أحد.
(5/133)
فتنادوا [1] : لا تخاطبوهم ولا تكلموهم،
وتهيأوا للقاء الرب، الرواح الرواح إلى الجنة. فخرج علي فعبأ
الناس، فجعل على ميمنته حجر بن عدي، وعلى ميسرته شبث بن ربعي- أو
معقل بن قيس الرياحي- وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة
أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة قيس بن سعد.
وعبأت الخوارج [2] ، فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن، وعلى ميسرتهم
شريح بن أوفى العبسي، وعلى خيلهم حمزة بن سنان، وعلى رجالتهم حرقوص
بن زهير [3] . ودفع علي إلى أبي أيوب الأنصاري راية أمان، فناداهم
أبو أيوب: من جاء هذه 53/ ب الراية منكم/ ممن لم يقتل ولم يستعرض
فهو آمن، ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه
الجماعة فهو آمن، إنه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا فِي
سفك دمائكم، فقال فروة بن نوفل: والله ما أدري على أي شيء نقاتل
عليا، لا أرى إلا أن أنصرف حتى تنفذ لي بصيرتي فِي قتاله أو اتباعه
[4] . فانصرف في خمسمائة فارس.
وخرجت طائفة [أخرى] [5] متفرقين، فنزلوا الكوفة، وخرج إلى علي منهم
نحو من مائة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الذين بقوا مع عبد الله بن
وهب ألفين وثمانمائة، فزحفوا إلى علي فقَالَ علي لأصحابه: كفوا
عنهم حتى يبدءوكم، فتنادوا: الرواح الرواح، فشدوا على الناس، فلم
تثبت خيل علي لشدتهم، فاستقبلت الرامية وجوههم بالنبل وعطفت عليهم
الخيل من الميمنة والميسرة فأناموهم، ولم يقتل من أصحاب علي رضي
الله عنه إلا سبعة أولهم يزيد بن نويرة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن على
بن ثَابِتٍ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [بْنِ] [6]
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْعُكَبْرِيُّ،
أَخْبَرَنَا جدي، حدّثنا
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 85.
[2] المرجع السابق والصفحة.
[3] في الأصل: «حرقوص بن وهب» .
[4] في الأصل: «قتاله أو أتابعه» .
[5] ما بين المعقوفين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] «بن» : ساقطة من ت.
(5/134)
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ] [1]
حَاتِمٍ الْمَدَنِيُّ، قَالَ [2] : أَوَّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ
أَصْحَابِ عَلِيٍّ يَوْمَ النَّهْرَوانِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بْنُ نُوَيْرَةَ، شَهِدَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ
مَرَّتَيْنِ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَازَ التَّلَّ فَلَهُ
الْجَنَّةُ» . فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ نُوَيْرَةَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْجَنَّةِ هَذَا التَّلُّ،
ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَضَارَبَ حَتَّى جَازَ التَّلَّ، فَقَالَ
ابْنُ عَمٍّ لَهُ: [3] يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَجْعَلُ لي ما جعلت
مِثْلَ مَا جَعَلْتَ لابْنِ عَمِّي يَزِيدَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ،
فَقَاتَلَ حَتَّى جَازَ التَّلَّ، ثُمَّ أَقْبَلا يَخْتَلِفَانِ
فِي قَتِيلٍ قَتَلاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا: «كِلاكُمَا قَدْ وَجَبَتْ لَهُ
الْجَنَّةُ، وَلَكَ يَا يَزِيدُ عَلَى صاحبك درجة» ، قال: فشهد
يزيد مَعَ عَلِيٍّ فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ
يَوْمَ النَّهْرَوَانِ. قَالَ علماء السير [4] : وخرج علي فِي طلب
ذي الثدية، فوجده فِي حفرة على شاطئ النهر قتيلا، فلما استخرج نظر
إلى عضده فإذا لحم مجتمع/ على منكبه كثدي 54/ أالمرأة له حلمة
عليها شعيرات سود، فقَالَ علي: الله أكبر، والله ما كذبت ولا كذبت،
أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان
نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قاتلهم مستنصرا فِي
قتالهم. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن
أحمد بن إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ النَّسَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، قال: حدّثنا أصبغ بن الفرح،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ، عَنْ بَكِيرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ عَلَى عَلي بْن أبي طالب
رَضِيَ اللهُ عنه وَقَالُوا: لا حُكْمَ إِلا للَّه، قالَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ،
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وصف لنا
__________
[1] ما بين المعقوفين: من ت، ومكانة في الأصل: «بإسناده عن حاتم
المدني» .
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 203، 204.
[3] في تاريخ بغداد: «فقال ابن عمر» .
[4] تاريخ الطبري 5/ 88.
(5/135)
نَاسًا إِنِّي لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي
هَؤُلاءِ، يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ، لا يُجَاوِزُ
هَذَا مِنْهُمْ- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ
اللَّهِ إِلَيْهِ، فَيهِمْ أَسْوَدُ، إِحْدَى يَدَيْهِ كَأَنَّهَا
طُبْيُ [1] شَاةٍ، أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ، فَلَمَّا قَتَلَهُمْ
قَالَ: انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، فَقَالَ:
ارْجِعُوا، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ- مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا-
فَوَجَدُوهُ فِي حُفْرَةٍ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَأَنَا حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ،
قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَكَّائِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ
الْحَضْرَمِيُّ [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ الْحَمَّامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ [3] ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
مَيْسَرَةَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ [4] : قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حِينَ فَرَغْنَا مِنَ الْحَرُورِيَّةِ: إِنَّ فِيهِمْ رَجُلا
مُخْدَجًا [5] ، لَيْسَ فِي عَضُدِهِ عَظْمٌ، ثُمَّ عَظْمُهُ أَوْ
عَضُدُهُ حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهَا شُعَيْرَاتٌ
طُوَالٌ عقف [6] ، 54/ ب فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، /
وَأَنَا فِيمَنْ يَلْتَمِسُ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ عَلِيًّا
جَزِعًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْ جَزَعِهِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالُوا: مَا
نَجِدُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَا اسْمُ
هَذَا الْمَكَانِ؟ قَالُوا:
النَّهْرَوَانُ، قَالَ: كَذَبْتُمْ إِنَّهُ لَفِيهِمْ،
فَثَوَّرْنَا [7] الْقَتْلَى فَلَمْ نَجِدْهُ، فَعُدْنَا إِلَيْهِ
فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَجِدُهُ، قَالَ:
وَيْلَكُمْ مَا اسْمُ هَذَا الْمَكَانِ؟ قَالُوا: النَّهْرَوَانُ.
قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَكَذَبْتُمْ إِنَّهُ لَفِيهِمْ
فَالْتَمِسُوهُ، فَالْتَمَسْنَاهُ فِي سَاقِيَةٍ، فَوَجَدْنَاهُ
فَجِئْنَا بِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى عَضُدِهِ لَيْسَ فِيهَا عَظْمٌ،
وَعَلَيْهَا حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثدي المرأة، عليها شعرات طوال
عقف.
__________
[1] الطبي: حلمات الضرع التي فيها اللبن من الخف والظلف والحافر
والسباع، وقيل: هو لذوات الحافر والسباع كالثدي للمرأة وكالضرع
لغيرها.
[2] في ت، والبداية والنهاية: «قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عطاء، عن سليمان الحضرميّ» . وما أوردناه عن
الأصل، وتاريخ بغداد.
[3] كذا في الأصول والبداية والنهاية. وفي تاريخ بغداد «عبد الله»
.
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 199.
[5] «المخدج» : الناقص اليد أو الخلق، من الخداج وهو النقصان. وهي
ساقطة من أ، والبداية.
[6] عقف: ملتوية معوجة.
[7] أي: آثرناهم وهيجناهم.
(5/136)
قَالَ علماء السير [1] : ثم قام علي رضي
الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: إن الله عز وجل قد [أحسن
بكم [2] ، و] أعز نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم، فقالوا:
يا أمير المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، فارجع إلى مصرنا،
واستعد بأحسن عدتنا. فأقبل حتى نزل النخيلة، فأمر الناس أن يلزموا
عسكرهم، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة أبنائهم
ونسائهم حتى يسيروا إلى عدوهم، فأقاموا أياما ثم تسللوا فدخلوا إلا
قليلا منهم، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر رأيه فِي المسير. وقد
ذهب قوم إلى أن هذه الوقعة بالخوارج كانت فِي سنة ثمان وثلاثين.
وفِي هذه السنة، أعني سنة سبع وثلاثين حج بالناس [3] عبيد الله بن
عباس، وكان عامل علي على اليمن ومخاليفها، وكان عامله على مكة
[والطائف] [4] قثم بن العباس، وعلى المدينة سهل بن حنيف، وقيل:
كان عليها تمام بن العباس. وكان على البصرة عَبْد اللَّهِ بن
العباس، وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي، وعلى مصر مُحَمَّد بن أبي
بكر. ولما شخص علي إلى صفين استخلف على الكوفة أبا مسعود الأنصاري،
وعلى خراسان خليد بن قرة اليربوعي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
295-/ الربيع بنت معوذ بن عفراء
[5] : 55/ أأسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثت عنه.
وكانت تغزو مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتخدم
القوم وترد القتلى والجرحى إلى المدينة.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 89.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 5/ 92.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 1/ 327.
(5/137)
296- خباب بن الأرت بن جندلة
[1] :
كان قد أصابه سباء فبيع بمكة واشترته أم أنمار، وهي أم سباع
الخزاعية. ويقال:
بل أم سباع بن عبد العزى واحدة.
وكانت ختانة بمكة، وهي التي عنى حمزة بن عبد المطلب حين قَالَ
لسباع بن عبد العزى وأمه أم أنمار: هلم يا ابن مقطعة البظور، فانضم
خباب بن الأرت إلى آل سباع، وادعى حلف بني زهرة بهذا السبب. وكان
يكنى أبا عَبْد اللَّهِ وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها، وكان
من المستضعفين الدين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه. وشهد بدرا
والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، [أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الحسن بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ] [2]
، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيَّانُ
بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ [3] :
دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ عَلَى عُمَرَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى
مُتَّكَئِهِ، وَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ أحد أحق بهذا المجلس
مِنْ هَذَا إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ لَهُ خَبَّابٌ: مَنْ هُوَ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ:
بِلالٌ، قَالَ: فَقَالَ خَبَّابٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا
هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي
أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا أَخَذُونِي
وَأَوْقَدُوا لِي نَارًا ثُمَّ سَلَقُونِي فيها، ثم وضع رجل
رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي فَمَا اتَّقَيْتُ الأَرْضَ إِلا بِظَهْرِي،
قَالَ: ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَإِذَا هو قد بَرَصٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ
كِدَامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شهاب، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 116، 8/ 1/ 6.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل، «بإسناده عن ابن سعد» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 117.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 118.
(5/138)
عَادَ خَبَّابًا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا:
أَبْشِرْ/ يَا أبا عبد الله، إخوانك 55/ ب تُقْدِمُ عَلَيْهِمْ
غَدًا، فَبَكَى وَقَالَ: [عَلَيْهَا مِنْ حَالِي] [1] ، أَمَا
إِنَّهُ لَيْسَ بِي جَزَعٌ، وَلَكِنْ ذَكَّرْتُمُونِي أَقْوَامًا
وَسَمَّيْتُمُوهُمْ لِي إِخْوَانًا، وَإِنَّ أُولَئِكَ مَضَوْا
وَأُجُورُهُمْ كَمَا هِيَ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ
مَا تَذْكُرُونَ مِنْ تِلْكَ الأَعْمَالِ مَا أُوتِينَا
بَعْدَهُمْ.
توفي خباب بالكوفة فِي هذه السنة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وهو أول
من دفن بظهر الكوفة.
297- خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن عامر، أبو عمارة، وهو ذو
الشهادتين:
[2] أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد
الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بن
معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
ثَابِتٍ، عَنْ عَمِّهِ- وَكَانَ من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ
الأَعْرَابِ، فَاسْتَتْبَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْيَ، وَأَبْطَأَ
الأَعْرَابِيُّ فَطَفِقَ رِجَالٌ يَلْقَوْنَ الأَعْرَابِيَّ
يُسَاوِمُونَهُ الْفَرَسَ وَلا يَشْعُرُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ ابْتَاعَهُ، حَتَّى زَادَ
بَعْضُهُمُ الأَعْرَابِيَّ فِي السَّوْمِ عَلَى ثَمَنِ الْفَرَسِ
الَّذِي ابْتَاعَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِهِ. فَلَمَّا زَادَهُ نَادَى الأَعْرَابِيُّ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ
مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ وَإِلا بِعْتُهُ، فَقَامَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ
قَوْلَ الأَعْرَابِيِّ حَتَّى أَتَاهُ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَسْتُ
قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟» فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: لا وَاللَّهِ
مَا بِعْتُكَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «بَلَى قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ» فَطَفِقَ النَّاسُ
يَلُوذُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَبِالأَعْرَابِيِّ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَطَفِقَ الأعرابي/
يقول: هلم شهيدا 56/ أيشهد لَكَ، فَمَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ للأَعْرَابِي: وَيْلَكَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَقُلْ إِلا حَقًّا،
حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَاسْتَمَعَ مُرَاجَعَةَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُرَاجَعَةَ
الأَعْرَابِيِّ، فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ
شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي قد بايعتك، فقال خزيمة: أنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 90.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد الموضع السابق.
(5/139)
أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ،
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ.
قَالَ مُحَمَّد بن عمر [1] : لم يسم لنا أخو خزيمة الذي روى هذا
الحديث، وكان له أخوان، [يقال لأحدهما وحوح] [2] ولا عقب له،
وعَبْد اللَّهِ وله عقب.
وفِي طريق آخر أنه قَالَ [3] : أنا أصدقك بخبر السماء، ولا أصدقك
بما تقول.
قَالَ مُحَمَّد بن عمر [4] : وكانت له راية بني خطمة فِي يوم
الفتح، وشهد صفين مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وقتل يومئذ.
298- سفينة- مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
واسمه مهران، ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ [5] :
اشترته أم سلمة فاعتقته واشترطت عليه يَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عاش.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا ابْنُ حَيَّوَيْهِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن الفهم،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، قال: أخبرنا الفضل بن دكين،
قال: حدثنا خرجُ بْنُ نُبَاتَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُهْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَفِينَةَ
عَنِ اسْمِهِ، فَقَالَ: سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفينة، قلت: وبما سَمَّاكَ سَفِينَةَ؟ قَالَ:
خَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَتَاعُهُمْ
فَقَالَ لِي: ابْسُطْ لِي كُسَاكَ، فَبَسَطَهُ، فَحَوَّلُوا فِيهِ
مَتَاعَهُمْ ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَيَّ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلْ فَمَا أَنْتَ إِلا
سَفِينَةَ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بن مُوسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن
المنكدر، عن سفينة:
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 91.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 91.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 92.
[5] تهذيب الكمال 2420، وطبقات خليفة 190، وتاريخ البخاري الكبير
4/ 3524، وحلية الأولياء 1/ 368.
(5/140)
أَنَّهُ رَكِبَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ، /
فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ، قال: فتعلقت بشيء منها حتى 56/ ب خرجت إلى
جزيرة، فإذا فِيهَا الأَسَدُ، فَقُلْتُ: أَبَا الْحَارِثِ،
إِنَّمَا سَفِينَةُ مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَدْفَعُنِي
بِجَنْبَيْهِ، يَدُلُّنِي عَلَى الطَّرِيقِ فَلَمَّا خَرَجْتُ
إِلَى الطَّرِيقِ هَمَّهُمْ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي.
299- سحيم، عبد بني الحسحاس: [1]
اشتراه عَبْد اللَّهِ بن عامر، فأهداه إلى عُثْمَان بْن عَفَّانَ
فرده عليه وقَالَ: لا حاجة لنا فيه، وله أشعار كثيرة وأخبار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن
عبد الجبار، أَخْبَرَنَا الجوهري، أَخْبَرَنَا ابن حيوية،
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خلف، قَالَ: قَالَ ابن الأعرابي:
كان سحيم حبشيا وقد أدرك الجاهلية.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، [عَنْ
أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ
حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَدُ بْن
مُحَمَّد بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا] [2] الزُّبَيْرُ
بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، عَنْ خَالِهِ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونَ، قَالَ:
اشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ سُحَيْمًا عَبْدَ
بَنِي الْحَسْحَاسِ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ:
إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ لَكَ غُلامًا حَبَشِيًّا شَاعِرًا، فَكَتَبَ
إِلَيْهِ عُثْمَانُ: لا حَاجَةَ لِي بِهِ، فَإِنَّمَا قُصَارَى
الْعَبْدِ الشَّاعِرِ، إِنْ شَبِعَ تَشَبَّبَ بِنِسَائِهِمْ،
وَإِنْ جَاعَ يَهْجُوهُمْ، فَرَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ فَاشْتَرَاهُ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ. وَكَانَ حَبَشِيًّا أَعْجَمِيَّ
اللِّسَانِ يُنْشِدُ الشِّعْرَ.
قَالَ الزبير: وحَدَّثَنِي عمر بن أبي بكر، عن أبي صالح الفقعسي،
قَالَ: كان سحيم عبدا لبني الحسحاس حبشيا شاعرا، وكان يهوى ابنة
مولاه عميرة بنت أبي معبد، ويكنى عن حبها إلى أن خرج مولاه أبو
معبد سفرا، وخرج به معه، وكان أبو معبد يتشوق إلى ابنته ويقول:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
__________
[1] في أ: «بني الخشخاش» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «بإسناده عن الزبير بن
بكار» .
(5/141)
[يردد النصف ولا يزيد عليه ثم قَالَ: ابعد
يا سحيم، فهيج منه ما كان باطنا فقَالَ:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا] [1] ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
ثم بنى عليها وأتمها قصيدة وفحش فيها فقَالَ:
وبتنا وسادانا [إلى علجانة ... وحقف تهاداه الرياح تهاديا] [2]
57/ أ/ توسدني كفا وتثني بمعصم ... علي وتحوي رجلها من ورائيا
وهبت شمالا آخر الليل قرة ... ولا ثوب إلا درعها وردائيا
فما زال ثوبي طيبا من نسيمها ... إلى الحول حتى أنهج الثوب باليا
قَالَ: فذهب به أبو معبد إلى المدينة ليبيعه بها، فقَالَ بعد أن
أخرجه بها:
وما كنت أخشى معبدا أن يبيعني ... بشيء ولو أمست أنامله صفرا
أخوكم ومولى مالكم وربيبكم ... ومن قد ثوى فيكم وعاشركم دهرا
أشوقا ولما يمض لي غير ليلة ... فكيف إذا سار المطي بنا عشرا
قَالَ: فرق له ورده، وآل أمر سحيم أنه أحب امرأة من أهل بيت مولاه،
فأخذوه وأحرقوه.
وقَالَ ابن قتيبة: سقوه الخمر وعرضوا عليه نسوة، فلما مرت به التي
كان يتهم بها أهوى إليها فقتلوه.
300- عَبْد اللَّهِ بن الأرقم بن عبد يغوث [بن وهب] بن عبد مناف بن
زهرة [3] :
أسلم يوم الفتح، وكان يكتب لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وكتب إلى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب فقَالَ: من
يجيب؟ فقَالَ ابن الأرقم: أنا، فأجاب عنه ثم أتى إلى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعجبه وأنفذه. وَكَانَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يعجبه ذلك ويقول:
أصاب ما أراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم
يزل ذلك فِي قلبه، فلما ولي عمر استعمله على بيت المال، وقَالَ
عمر: ما رأيت أحدا أخشى للَّه منه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، ومكانه في الأصل بياض علجانة، قال
الأزهري: العلجان شجر يشبه العلندي. (لسان العرب 3066) .
[3] طبقات خليفة 16، وتاريخه 156، 179، وتاريخ البخاري الكبير 5/
56، والمعارف 151.
(5/142)
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز، قَالَ:
أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أَبُو عُمَرَ بْنُ
حَيُّوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ معروف قال: حدثنا ابْن
الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ
عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جعفر، عَنْ أُمِّ
بَكْرٍ بِنْتِ الْمَنْصُورِ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ:
وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيَّ/، وَكَانَ 57/ ب
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَسْلِفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ،
فَإِذَا أَخْرَجَ الْعَطَاءَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَقَاضَاهُ
فَيُقْضِيهِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّهُ عَلَى بَيْتِ
الْمَالِ، وَكَانَ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ ثُمَّ يُقْضِيهِ كَعُمَرَ،
ثُمَّ اجْتَمَعَ عِنْدَ عُثْمَانَ مَالٌ كَثِيرٌ وَحَضَرَ خُرُوجُ
الْعَطَاءِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَدِّ الْمَالَ الَّذِي
اسْتَسْلَفْتَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا أَنْتَ وَذَاكَ،
إِنَّمَا أَنْتَ خَازِنٌ، فَخَرَجَ عَبْدُ ِاللَّهِ حَتَّى وَقَفَ
عَلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَ بِالنَّاسِ، فَاجْتَمَعُوا
فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ عُثْمَانُ وَقَالَ: هَذِهِ مَفَاتِيحُ
بَيْتِ مَالِكُمْ.
قَالَ مؤلف الكتاب: ولما رد المفاتيح استخزن عثمان زيد بن ثابت.
301- عَبْد اللَّهِ بن خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة [1]
:
ولد فِي زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان
موصوفا بالخير والصلاح، وورد المدائن وقتله الخوارج وهو بالنهروان.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَدَ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، [قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي صَابِرٍ الدَّلالُ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ
عَلِيُّ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنِي
أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدَةَ الشَّيْبَانِيُّ
الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ] [2] ،
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ [3] : كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ
الْنَهْرَوَانِ [4] ، فَجَاءَتِ الْحَرُورِيَّةُ فَكَانَتْ من وراء
النهر، فقال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 182، وتاريخ بغداد 1/ 205.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناد عن أبي الأحوص» .
[3] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 205.
[4] في الأصل: «يوم النهر» .
(5/143)
والله لا يقتل اليوم رجل من وراء
النَّهْرِ، ثُمَّ نَزَلُوا فَقَالُوا لِعَلِيٍّ: قَدْ نَزَلُوا،
قَالَ: وَاللَّهِ لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ
النَّهْرِ، فَأَعَادُوا عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثَلاثًا،
كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُمْ عَلِيٌّ مِثْلَ قَوْلِهِ الأَوَّلِ،
قَالَ: فَقَالَتِ الْحَرُورِيَّةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَرَى
عَلِيٌّ أَنَّا نَخَافُهُ، فَأَجَازُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ
لأَصْحَابِهِ: لا تُحَرِّكُوهُمْ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا،
فَذَهَبُوا إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ وَكَانَ
مِنْزُلُهُ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ مَنْزِلِهِ،
فَقَالُوا: حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ حَدَّثَكَهُ أَبُوكَ سَمِعَهُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ
فيها خير من القائم، والقائم فيها خير مِنَ السَّاعِي» ،
فَقَدَّمُوهُ إِلَى الْمَاءِ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ،
فَسَالَ دَمُهُ فِي الْمَاءِ مِثْلَ الشراك ما امذقرّ. 58/ أقال
الْحَكَمُ: فَسَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ: مَا امْذَقَرَّ؟ / قَالَ:
مَا اخْتَلَطَ. قَالَ: وَأَخْرَجُوا أُمَّ وَلَدِهِ فَشَقُّوا
عَمَّا فِي بَطْنِهَا، فَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِمَا صَنَعُوا،
فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، نَادُوهُمْ أَخْرِجُوا لَنَا قَاتِلَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ،
فَنَادَاهُمْ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ لأَصْحَابِهِ: دُونَكَمُ الْقَوْمُ، قَالَ: فَمَا
لَبِثُوا أَنْ قَتَلُوهُمْ، فقَالَ عَلِيٌّ: اطْلُبُوا فِي
الْقَوْمِ رَجُلا يَدُهُ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، فَطَلَبُوهُ ثُمَّ
رَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: مَا وَجَدْنَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ
مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، وَإِنَّهُ لَفِي الْقَوْمِ. ثَلاثَ
مَرَّاتٍ يَجِيئُونَهُ فَيَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ. ثُمَّ
قَامَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِقَتْلَى جَمِيعًا
إِلا بَحَثَهُمْ فَلا يَجِدُهُ فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى
حُفْرَةٍ مِنَ الأَرْضِ فِيهَا قَتْلَى كَثِيرٌ، فَأَمَرَ بِهِمْ
فَبَحَثُوا فَوُجِدَ فِيهِمْ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: لَوْلا أَنْ
تَنْتَظِرُوا لأَخْبَرْتُكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ تعالى لِمَنْ
قَتَلَ هَؤُلاءِ.
302- عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب بن خزيمة
[1] :
أسلم قديما.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أخبرنا
الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ
مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: حدثنا
محمد بن سعد، قال: أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَدِيمًا،
وَكَانَ يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فربما أملى
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 190.
(5/144)
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«سَمِيعٌ عَلِيمٌ» 2: 181، فيكتب «عَلِيمٌ حَكِيمٌ» 4: 26. فيقرأه
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقِرُّهُ،
فَافْتَتَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعٍد، وَقَالَ: مَا يَدْرِي
مُحَمَّدٌ مَا يَقُولُ، إِنِّي لأَكَتْبُ لَهُ مَا شِئْتُ، هَذَا
الَّذِي يُوحَى إِلَيَّ كَمَا يُوحَى إِلَى مُحَمَّدٍ. وَخَرَجَ
هَارِبًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا، فَأَهْدَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهُ يَوْمَ
الْفَتْحِ، فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- وَكَانَ
أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ- فَقَالَ: يَا أَخِي إِنِّي وَاللَّهِ
اخْتَرْتُكَ على غيرك فاحبسني هاهنا، وَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلِّمْهُ فِيَّ،
فَإِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ رَآنِي ضَرَبَ الَّذِي فِيهِ عَيْنَايَ،
فَإِنَّ جُرْمِي أَعْظَمُ الْجُرْمِ، وَقَدْ جِئْتُ تَائِبًا،
فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلِ اذهب معي، فقال: والله/ لئن 58/ ب رَآنِي
لَيَضْرِبَنَّ عُنُقِي فَقَدْ أَهْدَرَ دَمِي وَأَصْحَابُهُ
يَطْلُبُونَنِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ:
انْطَلِقْ مَعِي فَلا يَقْتُلَنَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ
يَرْعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا
بعثمان آخذا بيد عبد الله ابن أَبِي سَرْحٍ وَاقِفَيْنِ بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّهُ
كَانَتْ تَحْمِلُنِي وَتُمْشِيهِ، وَتُرْضِعُنِي وَتَفْطِمُهُ،
وَكَانَتْ تَلْطُفُنِي [1] وَتَتْرُكُهُ فَهَبْهُ لِي، فَأَعْرَضَ
عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجَعَلَ عُثْمَانُ كُلَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ اسْتَقْبَلَهُ فَيُعِيدُ
عَلَيْهِ هَذَا الْكَلامَ، وَإِنَّمَا أَعْرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِرَادَةَ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ
فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْهُ.
فَلَمَّا رَأَىَ أَلا يَقُومَ أَحَدٌ وَعُثْمَانُ قَدْ أَكَبَّ على
رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبَايِعُهُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ،
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ
يَقُومَ رَجُلٌ مِنْكُمْ إِلَى هَذَا الْكَلْبِ فَيَقْتُلَهُ» -
أَوْ قَالَ: الْفَاسِقِ- فَقَالَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ: أَلا أومأت
إليّ يا رسول الله، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لأَتْبَعُ
طَرَفَكَ مِنْ كُلِّ ناحية رجاء أن تشير إلي فأضرب عُنُقِهِ-
وَيُقَالُ: قَالَهُ أَبُو الْيُسْرِ، وَيُقَالُ: عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا- فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لا أَقْتُلُ
بِالإِشَارَةِ» .
وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ
يومئذ: «إن النبي لا تَكُونُ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ»
فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى الإِسْلامِ، وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّمَا
رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفِرُّ
مِنْهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاهُ يَفِرُّ
مِنْكَ كُلَّمَا رَآكَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أو لم أبايعه وأؤمنه» قال:
بلى وَلَكِنَّهُ يَتَذكر عِظَمَ جُرْمِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِسْلامُ يَجُبُّ مَا
قَبْلَهُ» فَرَجَعَ عُثْمَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ
فَأَخْبَرَهُ فَكَانَ/ بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي فَيُسَلِّمُ عَلَى
59/ أرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ
النَّاسِ.
__________
[1] في الأصل: «تطلقني» .
(5/145)
وشهد عبد الله فتح مصر، واختط بِهَا،
وَوَلاهُ إِيَّاهَا عُثْمَانُ، وَغَزَا إِفْرِيقِيَّةَ وَأَرْضَ
النُّوبَةِ وَذَاتَ الصَّوَارِي مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فِي
الْبَحْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا رَجَعَ
مَنَعَهُ ابْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ الْفُسْطَاطِ،
فَمَضَى إِلَى عَسْقَلانَ فَأَقَامَ بِهَا وَلَمْ يُبَايِعْ
لِعَلِيٍّ وَلا لِمُعَاوِيَةَ. تُوُفِّيَ بِهَا فِي هَذِهِ
السَّنَةِ.
303- عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس، يكنى أبا اليقظان [1]
:
أسلم بمكة قديما فِي دار الأرقم بعد بضعة وثلاثين رجلا، وهو معدود
فِي السابقين الأولين من المهاجرين عذب فِي الله بمكة وأسلم هو
وأبوه وأمه سمية مولاة أبي حذيفة بن المغيرة، وكانت قريش تعذبهم
فِي الرمضاء ليرجعوا عن دينهم، ومر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بهم وهم يعذبون، فقَالَ: «اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم
الجنة» . وكان عمار [2] يعذب حتى لا يدري ما يقول، وهو أول من بنى
مسجدا فِي بيته يصلي فيه. شهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدرا والمشاهد كلها، وكان طويلا أدما مضطربا،
أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، [أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ] [3] ، عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ [4] :
اسْتَأْذَنَ عَمَّارٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَعَرَفَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ
بْنِ الْمُطَيَّبِ» . أَخْبَرَنَا الْكَرُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْعَزْرَجِيُّ، قَالا:
أَخْبَرَنَا الْجَرَّاحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْغَنَوِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ [بْنِ
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الأَيَادِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ] ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 176.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 189.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت وفي الأصل: «بإسناده عن علي» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 151.
(5/146)
«إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى
ثَلاثَةِ [نَفَرٍ] [1] : عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ» .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، [أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف،
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا] [2] مُحَمَّدُ
بْنُ سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني يعقوب بن عَبْدُ
اللَّهِ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، / أنه قال وهو يسير 59/ ب إِلَى صِفِّينَ
عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ:
اللَّهمّ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرْضَى لَكَ عَنِّي أَنْ أَرْمِيَ
بِنَفْسِي مِنْ هَذَا الْجَبَلِ فَأَتَرَدَّى فَأَسْقُطُ فَعَلْتُ،
ولو أعلم أَنَّهُ أَرْضَى لَكَ عَنِّي أَنْ أُوقِدَ نَارًا
عَظِيمَةً فَأَقَعَ فِيهَا فَعَلْتُ، اللَّهمّ لَوْ أَعْلَمُ
أَنَّهُ أَرْضَى لَكَ عَنِّي أَنْ أُلْقِيَ نَفْسِي فِي الْمَاءِ
فَأُغْرِقَ نَفْسِي فَعَلْتُ، فَإِنِّي لا أُقَاتِلُ إِلا أُرِيدُ
وَجْهَكَ، وَأَنَا أَرْجُو أَلا تُخَيِّبَنِي وَأَنَا أَرِيدُ
وَجْهَكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : وَأَخْبَرَنَا [أَبُو] [4] دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
أَنْبَأَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ [5] ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ [بْنَ سَلَمَةَ] [6] يَقُولُ:
رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ فِي
يَدِهِ الْحَرْبَةُ، وَإِنَّهَا لَتَرْعَدُ، فَنَظَرَ إِلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ
الرَّايَةَ قَدْ قَاتَلْتُ بِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَهَذِهِ
الرَّابِعَةُ، وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يُبْلِغُونَا
سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَرَفْتُ أَنَّ مَصْلَحَتَنَا عَلَى الْحَقِّ
وَأَنَّهُ عَلَى الضَّلالَةِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، [أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده إلى محمد بن
سعد» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 83.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] في ت: «حدثنا شعبة، قال: حدثني أبي، قال أنبأني عمرو بن مرة» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
(5/147)
رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ] [1] ، عَنْ أَبِي
سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ صَاحِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ [2] : رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ
دَعَا بِشَرَابٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ،
ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، الْيَوْمَ أَلْقَى
الأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ آخِرَ شَيْءٍ
تُزَوَّدَهُ مِنَ الدُّنْيَا صُحْفَةُ لَبَنٍ» . أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال:
أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْ عَبْسٍ مِنَ الْيَمَنِ، حَلِيفٌ
لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَيُكَنَّى أَبَا الْيَقْظَانِ، قُتِلَ
بِصِفِّينَ مع أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَهُوَ ابْنُ
ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ هُنَاكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ: أَنَّ عليا صلّى على
عمار ولم يغسله. 60/ أقال مؤلف الكتاب: وقد قيل إن عمارا قتل وهو
ابن إحدى وتسعين سنة. وقيل:
أربع وتسعين، قتله أبو عادية المزني، طعنه برمح فسقط، فلما وقع أكب
عليه/ رجل آخر فاجتز رأسه، وأقبلا يختصمان فيه، كلاهما يقول: أنا
قتلته، فقَالَ عمرو بن العاص: والله إن يختصمان إلا فِي النار،
فسمعها منه معاوية، فلما انصرف الرجلان قَالَ معاوية لعمرو: ما
رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان
فِي النار، فقَالَ عمرو: هو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت
أني مت قبل هذا بعشرين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل مكانه: «بإسناده عن» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 184.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 188.
(5/148)
ثم دخلت سنة ثمان
وثلاثين
فمن الحوادث فيها مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر رضي الله عنهما [1]
قد تقدم ذكرنا السبب فِي عزل قيس بن سعد عن مصر وتولية مُحَمَّد بن
أبي بكر.
قَالَ الزهري [2] : لما حدث قيس بن سعد [بمجيء] [3] مُحَمَّد بن
أبي بكر، وأنه قادم عليه أميرا، تلقاه وخلا به، وقَالَ له: إنك جئت
من عند امرئ لا رأي له، وليس عزلكم إياي بمانعي أن أنصح لكم، وإني
أدلك على الأمر الذي كنت أكايد به معاوية وعمرا فكايدهم به، فإنك
إن تكايدهم بغيره تهلك، وحدثه بما كان يصنع، واغتشه مُحَمَّد،
وخالف ما أمره به، فلما استقر مُحَمَّد نهض بأهل مصر إلى قتال أهل
خربتا، وهزم مُحَمَّد، ولما قدم قيس بن سعد المدينة خافه مروان
والأسود بن البخترى حتى إذا خاف أن يؤخذ ويقتل ركب راحلته فلحق
بعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فكتب معاوية إلى مروان والأسود يتغيظ عليهما ويقول: أمددتما عليا
بقيس بن سعد ومكايده، فو الله لو أمددتموه بمائة ألف مقاتل ما كان
ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيسا إلى علي. فلما جاء قتل مُحَمَّد عرف
علي أن قيسا كان يداري أمورا كثيرة، وأن من أشار إليه بعزل قيس لم
ينصحه، فبعث الأشتر.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 90.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 90.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(5/149)
وقد ذكرنا أن قوما يقولون: إنما بعث محمدا
بعد الأشتر، والله أعلم.
60/ ب ولما/ انصرف الحكمان [1] بايع أهل الشام معاوية بالخلافة ولم
يزدد معاوية إلا قوة، واختلف الناس بالعراق على علي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فما كان لمعاوية هم إلا مصر، وكان يرجو أنه إذا أظهر عليها
ظهر على حرب علي لعظم خراجها، وكان عمرو بن العاص صالح معاوية حين
بايعه على قتال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ على أن له مصر طعمة ما
بقي. فلما أراد معاوية أخذ مصر استشار أصحابه، فقَالَ عمرو: أرى أن
نبعث جيشا كثيفا عليهم رجل حازم صارم تأمنه وتثق به فيأتي مصر،
فإنه سيأتيه من كان على مثل ذلك فتظاهره على عدوك، فقَالَ معاوية:
هل عندك غير هذا؟ قَالَ: ما أعلمه، قَالَ معاوية: بلى، فكاتب من
بها، فأما شيعتنا فنأمرهم بالثبات على أمرهم ونمنيهم قدومنا عليهم،
وأما عدونا فندعوهم إلى صلحنا ونمنيهم شكرنا ونخوفهم حربنا، فإن
صلحوا لنا وإلا كان حربهم من وراء ذلك، فقَالَ عمرو: اعمل بما ترى،
فو الله ما أرى أمرك وأمرهم يؤول إلا إلى الحرب.
فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري، وإلى معاوية بن حديج
السكوني [الكندي] [2] ، أما بعد: فإن الله تعالى قد ابتعثكما لأمر
أعظم به أجركما، ورفع به ذكركما، طلبكما بدم الخليفة، فابشرا
برضوان الله. فقدم به رسوله إلى مصر ومُحَمَّد بن أبي بكر أميرها،
فكتبا إليه: عجل بخيلك ورجلك يفتح الله عليك. فبعث عمرو بن العاص
فِي ستة آلاف، فخرج فاجتمع إليه العثمانية، وكتب إلى مُحَمَّد بن
أبي بكر:
تنح عني بدمك فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، وكتب إليه معاوية: إني
لا أعلم أحدا كان أعظم على عثمان بلاء منك، فلا تظنن أني نائم عنك.
فبعث الكتابين إلى علي وكتب إليه: أما بعد، فإن ابن العاص قد نزل
أراضي مصر، واجتمع إليه أهل البلد، وقد رأيت من قبلي بعض الفشل،
فإن كان لك فِي أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال والأموال.
فكتب إليه علي: اصبر لعدوك وإن كانت فئتك أقل الفئتين، فإني باعث
إليك
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 97.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/150)
الناس، وانتدب إلى القوم كنانة بن بشر،
وقام علي رضي الله عنه فحث/ الناس على 61/ أمصر، فتقاعدوا، فعاد
يحثهم، فخرج نحو من ألفين، فقَالَ: أف لكم، وقام مُحَمَّد خطيبا،
فقَالَ: إن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة قد ساروا إليكم
بالجنود فمن أراد فليخرج إليهم، انتدبوا رحمكم الله مع كنانة بن
بشر. فانتدب معه نحو من ألفِي رجل، وخرج مُحَمَّد فِي ألفِي رجل،
وأقبل عمرو فطرد أصحابه كنانة، فبعث إلى معاوية بن حديج فأحاط
أصحابه بكنانة فقاتل حتى قتل، وتفرق عن مُحَمَّد أصحابه، فخرج يمشي
حتى انتهى إلى خربة، فأوى إليها، وخرج معاوية بن حديج فِي طلب
مُحَمَّد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق، فسألهم: هل مر بكم
أحد تستنكرونه؟ فقَالَ أحدهم: لا والله إلا أني دخلت تلك الخربة
فإذا فيها رجل جالس، فقَالَ ابن حديج: هو هو ورب الكعبة، فدخلوا
عليه واستخرجوه وقد كاد يموت عطشا وأقبلوا به نحو الفسطاط، فوثب
أخوه عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي بكر- وكان فِي جند عمرو بن العاص-
وقَالَ: أيقتل أخي صبرا، ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه، فبعث
إليه: إن عمرو بن العاص يأمرك أن تأتيه بمُحَمَّد بن أبي بكر،
فقَالَ: أكذاك قتلتم كنانة بن بشر وأخلي أنا عن مُحَمَّد، هيهات.
فقَالَ مُحَمَّد: اسقوني من الماء، فقَالَ معاوية: لا سقاني الله
إن سقيتك قطرة أبدا، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه
صائما، أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك فِي جوف حمار ثم أحرقه بالنار.
فلما بلغ الخبر عائشة جزعت عليه جزعا شديدا، وقنتت فِي دبر كل صلاة
تدعو على معاوية وعمرو، وقبضت عيال مُحَمَّد إليها وولده، وكان
القاسم بن مُحَمَّد فِي عيالها، وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية
بقتل مُحَمَّد وكنانة. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ
الْحَافِظُ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَنْدَهْ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ
بْنُ أَحْمَدَ التُّجِيبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَبِي
زَيْدِ بْنِ أَبِي الْعمرِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يحيى ابن زَيْدٍ،
عَنْ/ إِسْحَاقَ بْنِ الْفُرَاتِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قال: 61/ ب بَعَثَ مُعَاوِيَةُ
بْنُ حُدَيْجٍ بِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ إِلَى
الْمَدِينَةِ بَشِيرًا بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
وَمَعَهُ قَمِيصُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَدَخَلَ بِهِ دَارَ
عُثْمَانَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ آلُ عُثْمَانَ مِنْ رِجَالٍ
وَنِسَاءٍ، وَأَظْهَرُوا السُّرُورَ بِمَقْتَلِهِ، وَأَمَرَتْ
أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بِكَبْشٍ يُشْوَى،
(5/151)
وَبَعَثَتْ بِذَلِكَ إِلَى عَائِشَةَ
وَقَالَتْ: هَكَذَا شُوِيَ أَخُوكِ، فَلَمْ تَأْكُلْ عَائِشَةُ
شِوَاءً حَتَّى لَحِقَتْ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وأما مُحَمَّد بن أبي حذيفة [1] فقد زعم قوم أنه قتل بعد قتل ابن
أبي بكر. وقَالَ آخرون: بل قتل [قبل] [2] ذلك فِي سنة ست وثلاثين،
وقد سبق ذكر ذلك فيما قدمنا.
وفِي هذه السنة بعد مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر وجه معاوية عَبْد
اللَّهِ بن عمرو بن الحضرمي إلى البصرة، فوجه علي رضي الله عنه
أعين بن ضبيعة المجاشعي لإخراج ابن الحضرمي من البصرة مددا لزياد
[3] شرح القصة [4] : لما قتل مُحَمَّد بن أبي بكر خرج ابن عباس من
البصرة إلى علي بالكوفة واستخلف زيادا، وقدم ابن الحضرمي من قبل
معاوية، فنزل فِي بني تميم، فأرسل زيادا إلى حضين بن المنذر، ومالك
بن مسمع، فقَالَ: أنتم يا معاشر بكر بن وائل من أنصار أمير
المؤمنين، وقد نزل ابن الحضرمي حيث ترون، وأتاه من أتاه، فامنعوني
حتى يأتيني رأي أمير المؤمنين، فقَالَ حضين: نعم، وقَالَ مالك-
وكان رأيه مائلا إلى بني أمية، وكان مروان لجأ إليه يوم الجمل: هذا
أمر لي فيه شركاء، أستشير وأنظر. فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف أن
تختلف ربيعة، فأرسل إلى نافع بن خالد فسأله أن يمنعه، فأشار عليه
نافع بصبرة بن شيمان الحداني، فأرسل إليه زياد فقَالَ: ألا تجيرني
وبيت مال المسلمين، قَالَ: بلى إن حملته إلي ونزلت داري، ففعل وحول
معه المنبر، وتحول معه خمسون رجلا، فكان زياد يصلي الجمعة فِي مسجد
الحداني.
وكتب زياد إلى علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إن ابن الحضرمي قد أقبل
من الشام، فنزل 62/ أفي بني تميم، ونعى ابن عفان، ودعى إلى الحرب
وبايعته تميم وجل/ أهل البصرة، ولم يبق معي من أمتنع به، فاستجرت
لنفسي ولبيت المال بصبرة بن شيمان، فوجه علي أعين بن ضبيعة، وكتب
إلى زياد: إني قد وجهت أعين ليعرض بقومه عن ابن
__________
[1] في الأصل: «وأما محمد بن أبي بكر» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] تاريخ الطبري 5/ 110.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 110.
(5/152)
الحضرمي، فإن فرق جمعه فهو ما نريد، وإن
ترقت إليهم الأمور فانهض إليهم وجاهدهم، وإن رأيت ممن قبلك تثاقلا،
فدارهم وطاولهم، وكأنك بجنود الله قد أظلتك.
فقدم أعين فأتى زيادا فنزل عنده، ثم أتى قومه فجمع رجالا ونهض إلى
ابن الحضرمي، فدعاهم فشتموه وناوشوه وانصرف عنهم، فدخل عليه قوم
فقتلوه، فلما قتل أعين، أراد زياد قتالهم، فأرسل بنو تميم إلى
الأزد: إنا لم نعرض لجاركم ولا لأحد من أصحابه، فماذا تريدون من
جارنا، وكرهت الأزد القتال، وقالوا: إن عرضوا لجارنا منعناه، وإن
كفوا عنا كففنا عن جارهم، فأمسكوا. وكتب زياد إلى علي بقتل أعين،
وأخبره أنه لم يخف معه ممن تقوى به على قتالهم، فكتب إليه علي يصوب
رأيه، وبعث إليه حارثة بن قدامة فِي خمسين من بني تميم، وشريك بن
الأعور في خمسمائة، فقدم حارثة البصرة، فقَالَ له زياد: احذر أن
يصيبك ما أصاب صاحبك فسار حارثة إلى قومه فقرأ عليهم كتاب علي
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فأجابه أكثرهم، فسار إلى ابن الحضرمي فحصره
فِي داره ثم أحرق عليه الدار وعلى من معه، وكانوا سبعين رجلا،
وقيل: أربعين، وتفرق الناس، ورجع زياد إلى دار الإمارة.
وكان من الحوادث فِي هذه السنة إظهار الخريت [1] بن راشد فِي بني
ناجية الخلاف على علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [2] .
وذلك أنه كان مع الخريت من بني ناجية ثلاثمائة، وكانوا قدموا على
علي من البصرة، فأقاموا معه بالكوفة، وخرجوا إليه يوم الجمل،
وشهدوا معه صفين، فلما حكم علي جاءه الخريت فقَالَ: والله يا علي
لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك، وإني لمفارق لك. فقَالَ علي: ثكلتك
أمك، إذا تعصي ربك، وتنكث عهدك، ولا تضر إلا نفسك، لم تفعل ذلك؟
قَالَ: لأنك حكمت فِي الكتاب، / وضعفت عن الحق. ثم أنه فارقه 62/ ب
وخرج بأصحابه، فقَالَ زياد بن حفصة: يا أمير المؤمنين، إنا نخاف أن
يفسد علينا جماعة كبيرة فأذن لي فِي اتباعهم أردهم عليك إن شاء
الله، قَالَ: فاخرج فِي آثارهم
__________
[1] في الأصل: «الحريث» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 113، وشرح نهج البلاغة لابن أبي حديد 3/ 128-
148.
(5/153)
راشدا، فخرج فِي آثارهم وقد جمع الخريت
جموعا فاقتتلوا وانهزم الخريت، ثم عاد وجمع واستغوى الناس وحرضهم
على قتال علي، فلقيه أصحابه فقتلوه. وفِي هذه السنة.
حج بالناس قثم بن العباس بأمر علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو
عامله على مكة، وكان على اليمن عبيد الله بن العباس، وعلى البصرة
عَبْد اللَّهِ بن العباس. وأما خراسان فكان عليها خليد بن قرة [1]
اليربوعي. وقيل: ابن أبزي.
وأما مصر فكانت بيد معاوية بن أبي سفيان، وعماله عليها من جهته كما
ذكرنا فِي استملاكها [2] .
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
304- أسماء بنت عميس [3] :
أسلمت بمكة قديما، وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي
طالب، فولدت له هناك عَبْد اللَّهِ، ومحمدا، وعونا، ثم قتل عنها
جعفر فتزوجها أبو بكر فولدت له مُحَمَّد بن أبي بَكْر، ثم توفي
عنها وأوصى أن تغسله، ثم تزوجت بعده بعلي بن أبي طالب، فولدت له
يَحْيَى وعونا.
305- سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم، أبو سعد [4] :
شهد بدرا وأحدا، وثبت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يومئذ وبايعه على الموت، وجعل ينضح عنه بالنبل، وشهد
الخندف والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وشهد يوم صفين مع علي.
وتوفي بالكوفة فِي هذه السنة، فصلى علي عليه وكبر عليه خمسا، وقيل:
ستا، وقَالَ: إنه بدري.
__________
[1] في الأصل: «خالد بن قرة» .
[2] «وعماله عليها من جهته كما ذكرنا فِي استملاكها» : ساقطة من ت.
[3] طبقات ابن سعد 8/ 205.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 39.
(5/154)
306- صهيب بن سنان بن مالك، أبو يَحْيَى
[1] :
وأصله من النمر بن قاسط، وكان أبوه أو عمه عاملا لكسرى على الأبلة،
وكانت منازلهم بأرض الموصل، فأغارت الروم عليهم فسبت صهيبا وهو
غلام صغير، فنشأ بالروم، فابتاعته كلب منهم، ثم قدمت به مكة،
فاشتراه عبد الله/ بن جدعان منهم، 63/ أفأعتقه، فأقام معه بمكة إلى
أن هلك عَبْد اللَّهِ بن جدعان. وبعث النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أراد الله به من الكرامة، ومن به عليه من
الإسلام.
وأما أهل صهيب وولده فيقولون: بل هرب من الروم حين بلغ، فقدم مكة
فحالف عَبْد اللَّهِ بن جدعان فأقام معه إلى أن هلك.
وكان صهيب رجلا أحمر شديد الحمرة، ليس بالطويل ولا بالقصير، بل هو
إلى القصر أقرب، وكان كثير شعر الرأس، وكان يخضب بالحناء، ولما
أسلم عذب فصبر، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ عمر رضي الله عنه لأهل الشورى ليصلي بكم صهيب، فصلى بهم
المكتوبات، وقدموه فصلى على عمر رَضِيَ الله عنه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الباقي، قال: أخبرنا الجوهري،
قال: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن
سعد، قال: أخبرنا محمد بْن عُمَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال:
قال عمار بن ياسر [2] :
لقيت صهيبا بْنَ سِنَانٍ عَلَى بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ وَرَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا
تُرِيدُ؟
فَقَالَ: مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ أَدْخُلُ عَلَى
مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعُ كَلامَهُ، قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ،
قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلَامَ
فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ حَتَّى
أَمْسَيْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا وَنَحْنُ مُسْتَخْفُونَ. فَكَانَ
إِسْلامُ عَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ بَعْدَ بِضْعٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 161.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 162.
(5/155)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ:
وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَفَّانُ، وَمُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،
قَالَ [1] : أَقْبَلَ صُهَيْبٌ نَحْوَ الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا،
وَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ
وَانْتَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعَاشِرَ [2]
قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلا،
وَايْمُ اللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ
سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا
بَقِيَ فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَافْعَلُوا مَا شِئْتُمْ، وَإِنْ
شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سبيلي،. ففعل،
فلما 63/ ب قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ
الْبَيْعُ» / قَالَ: وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَمن النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله
وَالله رَؤُفٌ بِالْعِبادِ 2: 207 [3] . توفي صهيب فِي هذه السنة،
وهو ابن سبعين سنة، ودفن بالبقيع فِي المدينة.
307- صفوان بن بيضا- أخو سهيل [4] :
شهد المشاهد مع رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوفي
فِي رمضان هذه السنة، وليس له عقب.
308- مُحَمَّد بن أبي بكر:
وقد ذكرنا صفة قتله، وإن معاوية بن حديج أحرقه بالنار، وكان قتله
فِي صفر من هذه السنة.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 162.
[2] في ت، وابن سعد: «يا معشر» .
[3] سورة: البقرة، الآية: 207.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303.
(5/156)
ثم دخلت سنة تسع
وثلاثين
فمن الحوادث فيها تفريق معاوية جنوده فِي أطراف علي رضي الله عنه
[1] .
ومن ذلك [2] : أنه وجه النعمان بن بشير فِي ألفِي رجل إلى عين
التمر، وكان بها مالك بن كعب مسلحة لعلي فِي ألف رجل، فأذن لهم علي
فأتوا الكوفة، وأتاه النعمان ولم يبق معه إلا مائة رجل، فكتب مالك
إلى علي يخبره بأمر النعمان ومن معه، فخطب علي بالناس وأمرهم
بالخروج، فتثاقلوا، فقَالَ: يا أهل الكوفة، كلما سمعتم بجيش من
جيوش الشام أظلكم، انجحر كل امرئ منكم فِي بيته انجحار الضب فِي
جحره، والضبع فِي وجارها، المغرور والله من غررتموه، ولمن فاز بكم
فاز بالسهم الأخيب: لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقة عند
النجاء، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، ماذا
منيت به منكم. وواقع مالك النعمان بن بشير فِي تلك العصابة
القليلة، فوجه إليه مخنف ابنه عبد الرحمن فِي خمسين رجلا، فانتهوا
إلى مالك وأصحابه، وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا، فلما رآهم أهل
الشام ظنوا أن لهم مددا وانهزموا، وتبعهم مالك، فقتل منهم ثلاثة
نفر، [ومضوا على وجوههم] [3] .
ومن ذلك [4] : أنه وجه معاوية فِي هذه السنة سفيان بن عوف في ستة
آلاف رجل،
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 133.
[2] تاريخ الطبري 5/ 133، 134.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 5/ 134.
(5/157)
وأمره أن يأتي هيت ويمضي حتى يأتي الأنبار
والمدائن فيوقع بأهلها. فسار حتى أتى 64/ أهيت فلم يجد بها أحدا،
[ثم أتى الأنبار] [1] / وبها مسلحة لعليّ تكون خمسمائة رجل، وقد
تفرقوا فلم يبق منهم إلا مائة رجل، فقاتلهم، فصبر لهم أصحاب علي مع
قلتهم ثم حملت عليهم الخيل والرجالة فقتلوا صاحب المسلحة، وهو أشرس
بن حسان البلوي فِي ثلاثين رجلا، وحملوا ما كان فِي الأنبار من
الأموال ورجعوا إلى معاوية وبلغ الخبر علي، فخرج حتى أتى النخيلة،
فقَالَ له الناس: نحن نكفيك، قَالَ: ما تكفونني [ولا أنفسكم] [2] ،
وسرح سعيد بن قيس [3] فِي أثر القوم، فخرج [فِي طلبهم] [4] حتى جاز
هيت، فلم يلحقهم [فرجع] [5] .
ومن ذلك [6] : أنه وجه معاوية فِي هذه السنة عَبْد الله بن مسعدة
الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء، وأمره أن يصدق [7] من مر
به من أهل البوادي، وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله، ثم يأتي
المدينة ومكة والحجاز يفعل ذلك. واجتمع إليه خلق كثير [8] من قومه،
فلما بلغ ذلك عليا رضي الله عنه وجه المسيب بن نجبة الفزاري فِي
ألفِي رجل [9] ، فسار حتى لحق ابن مسعدة بتيماء، فاقتتلوا حتى زالت
الشمس قتالا شديدا، فدخل ابن مسعدة وعامة من معه إلى الحصن وهرب
الباقون نحو الشام، وانتهبت الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن
مسعدة، وحصره [ومن كان معه] [10] المسيب ثلاثة أيام، ثم ألقى الحطب
على الباب وألهب فيه النار، فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيب
فقالوا: يا مسيب، قومك، فرق لهم، فأمر بالنار فأطفئت،
__________
[1] ما بين المعقوفتين، ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] في الأصل: «قيس بن سعيد بن قيس» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[6] تاريخ الطبري 5/ 134، 135.
[7] المصدق: هو الّذي يجمع الصدقات.
[8] في الطبري: «بشر كثير» .
[9] في ابن الأثير والنويري: «ألف رجل» ، وهي ساقطة من الطبري.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/158)
وخرج ابن مسعدة ليلا بأصحابه فلحقوا
بالشام.
ومن ذلك [1] : أنه وجه معاوية فِي هذه السنة الضحاك بن قيس وأمره
بالمرور بأسفل واقصة، وأن يغير على كل من مر به ممن فِي طاعة علي
رضي الله عنه من الأعراب، ووجه معه ثلاثة آلاف رجل، فسار وأغار على
مسالح علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأتى على عمرو بن عميس بن مسعود
[2] ، وكان فِي خيل علي وهو يريد الحج، فأغار على [من كان] [3]
معه، وحبسه عن المسير، فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدي الكندي
فِي أربعة آلاف، فلحق الضحاك بتدمر، فقتل منهم تسعة عشر رجلا، /
وقتل 64/ ب من أصحابه رجلان، وحال بينهم الليل، فهرب الضحاك
وأصحابه، ورجع حجر ومن معه.
وفِي هذه السنة وجه ابن عباس زيادا عن أمر علي رضي الله عنه إلى
فارس [4]
وذلك أنه لما قتل ابن الحضرمي اختلف الناس على علي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وطمع أهل فارس وأهل كرمان، فغلب أهل كل ناحية على ما يليهم
وأخرجوا عمالهم، فاستشار علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رجل يوليه
فارس حين امتنعوا من [أداء] [5] الخراج، فقَالَ له جارية بن قدامة:
ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرأي، عالم بالسياسة، كاف
لما ولي؟ قَالَ: من هو؟ قَالَ: زياد، قَالَ: هو لها، فولاه فارس
وكرمان، ووجهه فِي أربعة آلاف، فدوخ تلك البلاد حتى استقاموا وأدوا
الخراج. فقَالَ أهل فارس: ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان
من سيرة هذا العربي فِي اللين والمداراة والعلم بما يأتي. وذلك أنه
لما قدم فارس بعث إلى رؤسائها فوعد من نصره ومناهم، وخوف قوما
وتوعدهم، وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، فهربت طائفة
وأقامت طائفة، وقتل بعضهم بعضا، وصفت له فارس، فلم يلق
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 135.
[2] في الأصل: «عمرو بن عميرة بن مسعود» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 5/ 137.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/159)
فيها حربا، وفعل مثل ذلك بكرمان، ثم رجع
إلى فارس، فسار فِي كورها ومناهم فسكن الناس إلى ذلك، واستقامت له
البلاد، وأتى اصطخر فنزلها وحصن قلعتها، وحمل إليها الأموال فكانت
تسمى قلعة زياد، ثم تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري، فهي اليوم
تسمى قلعة منصور.
وفِي هذه السنة سار معاوية إلى دجلة ونظر إليها ثم رجع.
واختلف العلماء فيمن حج بالناس فِي هذه السنة، فقيل: عبيد الله بن
عباس، وقيل: عَبْد اللَّهِ بن عباس [1] .
قَالَ الواقدي [2] : بعث علي رضي الله عنه على الموسم سنة تسع
وثلاثين عَبْد اللَّهِ بن عباس، وبعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي
ليقيم الحج للناس، فلما 65/ أاجتمعا بمكة تنازعا ولم يسلم أحد
منهما إلى صاحبه، فاصطلحا/ على شيبة بن عثمان ابن أبي طَلْحَة.
وكان عمال علي رضي الله عنه فِي الأمصار فِي هذه السنة الذين ذكرنا
أنهم كانوا عماله فِي سنة ثمان وثلاثين، غير أن ابن عباس كان شخص
فِي هذه السنة عن عمله بالبصرة، واستخلف زياد بن سمية على الخراج،
وأبا الأسود الدؤلي على القضاء فِي البصرة.
ذكر من توفي في هذه السنة الأكابر
309- سعد القرظ، مولى عمار بن ياسر [3] :
كان يؤذن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبو بكر رضي الله عنه بقباء، فلما ولي عمر
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 136.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 136.
[3] التاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 1917، والتاريخ الصغير 1/ 44، 67،
والجرح والتعديل 4/ 384.
(5/160)
رضي الله عنه أنزله المدينة وكان يؤذن في
مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوارث أولاده
الأذان بعده، وكان يحمل العنزة بين يدي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
فِي العيد.
310- عقبة بن عمرو بن ثعلبة، أبو مسعود البدري [1] :
قد ذكر جماعة من العلماء أنه شهد بدرا، والصحيح أنه لم يشهدها،
وإنما نزل ماء بدر فقيل البدري.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْخَطِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ
يَقُولُ:
قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ
شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَ: مَا شَهِدَ بَدْرًا وَشَهِدَ
الْعَقَبَةَ.
أنبأنا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلي بن مُحَمَّد السمسار، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بن عثمان الصفار، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد
الباقي بن نافع:
أن أبا مسعود البدري توفي سنة تسع وثلاثين.
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 9.
(5/161)
ثم دخلت سنة أربعين
فمن الحوادث فيها توجيه معاوية بسر بن أبي أرطأة فِي ثلاثة آلاف من
المقاتلة إلى الحجاز [1]
فساروا من الشام إلى المدينة وعامل علي رضي الله عنه على المدينة
يومئذ أبو 65/ ب أيوب الأنصاري، ففر منهم أبو أيوب فأتى عليا
بالكوفة، / ودخل بسر المدينة، فصعد منبرها، ولم يقاتله بها أحد،
ودعاهم إلى البيعة فبايعوه. وأرسل إلى بني سلمة فقَالَ:
والله ما لكم عندي من أمان حتى تأتوني بجابر بن عَبْد اللَّهِ،
فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ،
فقَالَ لها: إني خشيت أن أقبل وهذه بيعة ضلالة، قالت: أرى أن تبايع
فإني قد أمرت ابني عمرو بن أبي سلمة أن يبايع، فأتاه جابر فبايعه.
وهدم بسر دورا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، ثم مضى إلى اليمن
وعليها عبيد الله بن العباس عامل علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ففر
إلى الكوفة حتى أتى عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، واستخلف مكانه
عَبْد اللَّهِ بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه
وقتل جماعة من شيعة علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وبلغ خبره إلى علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فوجه حارثة بن قدامة فِي
ألفين، ووهب بن مسعود فِي ألفين، فسار حارثة حتى أتى نجران، فأخذ
ناسا من شيعة عثمان فقتلهم وهرب بسر وأصحابه فاتبعهم حتى بلغ مكة،
ثم سار إلى المدينة وأبو هريرة يصلي بالناس، فهرب منه.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 139.
(5/162)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن
نَاصِرٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ [عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ
بْنُ] [1] محمد النصيبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن
سَعِيد بْن سويد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن
الأَنْبَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَش، عَنْ عَمْرو بْن مُرَّةَ،
عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
الأَرْقَمِ- أَوِ ابْنِ الأَقْمَرِ [2]- قَالَ: خَطَبَ بِنَا
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ: نُبِّئْتُ
أَنَّ بُسْرًا قَدْ طَلَعَ الْيَمَنَ، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَحْسِبُ
أَنْ سَيَظْهَرُ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ وَمَا يَظْهَرُونَ
عَلَيْكُمْ إِلا بِعِصْيَانِكُمْ لإِمَامِكُمْ وَطَاعَتِهِمْ،
وَخِيَانَتِكُمْ وَأَمَانَتِهِمْ، وَإِفْسَادِكُمْ فِي أَرْضِكُمْ
وَإِصْلاحِهِمْ، قَدْ بَعَثْتُ فُلانًا فَخَانَ وَغَدَرَ،
وَبَعَثْتُ فُلانًا فَخَانَ وَغَدَرَ، وَحَمَلَ الْمَالَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ حتى لو ائتمنت أحدكم/ 66/ أعلى قدح لأخذ علاقته،
اللَّهمّ قَدْ سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي، وَكَرَهِتْهُمْ
وَكَرِهُونِي، اللَّهمّ فَأَرِحْنِي مِنْهُمْ وَأَرِحْهُمْ مِنِّي،
فَمَا صَلَّى الْجُمُعَةَ الأُخْرَى حَتَّى قُتِلَ.
وفِي هذه السنة جرت بين علي رضي الله عنه ومعاوية مهادنة [3]
بعد مكاتبات كثيرة على وضع الحرب بينهما، ويكون لعلي العراق،
ولمعاوية الشام، ولا يدخل أحدهما على صاحبه فِي حملة بجيش ولا
غارة.
قَالَ ابن إسحاق [4] : لما لم يعط أحد الفريقين صاحبه الطاعة، كتب
معاوية إلى علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أما إذا شئت فلك العراق ولي
الشام، وكف هذا السيف عن هذه الأمة ولا ترق دماء المسلمين. ففعل
ذلك علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وتراضوا على ذلك.
وفِي هذه السنة خرج عَبْد اللَّهِ بن العباس من البصرة ولحق بمكة
[5]
وذلك أنه جرى بينه وبين أبي الأسود كلام، فكتب أبو الأسود إلى علي
رَضِيَ اللَّهُ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] «أو ابن الأقمر» : ساقط من ت.
[3] تاريخ الطبري 5/ 140.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 140.
[5] تاريخ الطبري 5/ 141.
(5/163)
عَنْهُ: إن ابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير
علمك، فلم يسعني كتمانك ذلك، فكتب إلى ابن عباس فِي ذلك، فكتب ابن
عباس: إن الذي بلغك باطل، فكتب إليه:
فأعلمني ما أخذت؟ ومن أين أخذت؟ وفيم وضعت؟. فكتب ابن عباس: ابعث
إلى عملك من أحببت، فإني ظاعن [عنه] [1] . ورحل بمال.
قَالَ أبو عبيدة [2] : كانت أرزاقا قد اجتمعت.
وقَالَ أبو عبيدة فِي رواية أخرى [3] : إن ابن عباس لم يبرح من
البصرة حتى قتل علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فشخص إلى الحسن فشهد
الصلح بينه وبين معاوية، ثم رجع إلى البصرة وثقله بها فحمله وحمل
مالا من بيت المال قليلا، وقَالَ: هي أرزاقي.
وقد أنكر المدائني هذا وقَالَ: إن عليا قتل وابن عباس بمكة، وإن
الذي شهد الصلح بين الحسن ومعاوية عبيد الله بن العباس.
وفِي هذه السنة قتل علي رضي الله عنه [4] .
وكان عامله فِي هذه السنة على مكة والطائف قثم بن العباس، وعلى
المدينة أبو 66/ ب أيوب الأنصاري، وقيل سهل/ بن حنيف حتى كان من
أمر بسر بن أرطأة ما تقدم ذكره.
وكان عامله على البصرة عَبْد الله بن العباس على خلاف قد سبق ذكره.
فلما قتل علي رضي الله عنه بويع للحسن بن علي عليهما سلام الله.
ذكر خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما
وكان يكنى أبا مُحَمَّد، وكان يشبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولد فِي رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وَآَذَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أذنه، وعق
عنه بكبش وسماه حسنا، وكان علي رضي الله عنه قد سماه حربا. وقَالَ
فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
ابني هذا سيد» وحج خمس عشرة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 142.
[3] في الأصل: «وفي رواية أبي عبيدة» . والرواية في الطبري 5/ 143.
[4] تاريخ الطبري 5/ 143.
(5/164)
حجة ماشيا وخرج للَّه من ماله مرتين، وقاسم
الله ماله ثلاث مرات. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد، قال:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا علي بن الْقَاسِمِ الشَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ [1] ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ،
قَالَ [2] : رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَحْمِلُ الْحَسَنَ بْنَ
عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهٌ
بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهَا بِعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ
يَتَبَسَّمُ. أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، [أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ،
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الرَّاشِدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الْعَطَّارُ،
حَدَّثَنَا عبد الله بن ميسرة، وأبو مريم الأنصاري] [3] ، عَنْ
عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ [4] :
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلا
الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يَقُولُ:
«اللَّهمّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» . أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ
الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران، قال:
حدثنا عثمان بن أحمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ
الْبَرَاءِ قَالَ:
أَرْخَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سِتْرَهُ
عَلَى مِائَتَيْ حُرَّةٍ.
ذكر مبايعة الحسن رضي الله عنه [5]
أول من بايعه قيس بن سعد، قَالَ له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله
وسنة/ 67/ أ
__________
[1] في الأصل: «عن أبي حسين» .
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 139.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت:، وتاريخ بغداد. وفي الأصل: «بإسناده
عن عدي» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 139.
[5] تاريخ الطبري 5/ 158.
(5/165)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتال
المخالفين، فقَالَ له الحسن: على كتاب الله وسنة رسول الله [1] ،
فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط [2] ، فبايعه وسكت. قَالَ الزهري [3]
: كان تحت يد قيس بن سعد فِي زمان علي أربعون ألفا، فلما قتل
واستخلف الحسن، كان الحسن لا يريد القتال وإنما أراد أن يأخذ لنفسه
ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة، وعلم أن قيسا لا يوافقه
على رأيه، فنزعه وأمر عبيد الله بن عباس، فلما علم عبيد الله بالذي
يريد الحسن كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال
التي أصاب، فشرط له معاوية ذلك.
ذكر خروج الحسن لحرب معاوية [4]
قَالَ إسماعيل بن راشد: لما بايع الناس الحسن خرج بالناس حتى نزل
المدائن، وبعث قيس بن سعد بن عبادة على مقدمته فِي اثني عشر ألفا،
فأقبل معاوية فِي أهل الشام حتى نزل مسكن، فبينا الحسن فِي المدائن
إذ نادى منادي العسكر: ألا إن قيس بن سعد قد قتل، فانفروا، فنفروا
[ونهبوا] سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا كان تحته، وخرج الحسن حتى
نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان عم المختار بن أبي عبيد-
واسمه سعد بن مسعود- عاملا على المدائن، فقَالَ له المختار وهو
غلام شاب:
هل لك فِي الغنى والشرف؟ قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: توثق الحسن
وتستأمن به إلى معاوية، فقَالَ له سعد: عليك لعنة الله. فلما رأى
الحسن تفرق الناس عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح. ثم قام الحسن فِي
أهل العراق فقَالَ: يا أهل العراق إن شحي بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم
أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي. قَالَ هلال بن خباب: لما قتل
علي رضي الله عنه توجه الحسن والحسين رضي 67/ ب الله عنهما إلى
المدائن، فلحقهما الناس بساباط، فحمل على/ الحسن رجل فطعنه في
__________
[1] في الطبري: «سنة نبيه» .
[2] في ابن الأثير: «فإنّهما يأتيان على كل شرط» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 158.
[4] تاريخ الطبري 5/ 159.
(5/166)
خاصرته، فسبقهم حتى دخل قصر المدائن، فأولم
فيه نحوا من أربعين ليلة، ثم وجه إلى معاوية فصالحه.
وحج بالناس فِي هذه السنة المغيرة بن شعبة، وأظهر أن معاوية أمره
بذلك.
وفِي هذه السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء [1]
قَالَ سعيد بن عبد العزيز: كان علي رضي الله عنه يدعى بالعراق أمير
المؤمنين، وكان معاوية يدعى بالشام الأمير، فلما قتل علي رضي الله
عنه دعي معاوية بأمير المؤمنين.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
311- إبراهيم القبطي، مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يكنى أبا رافع [2] :
شهد فتح مصر واختط بها، وروى عنه من أهلها علي بن رباح، وصار أبو
رافع بعد ذلك إلى علي بن أبي طالب، فولاه بيت مال الكوفة.
وتوفي بالكوفة فِي هذه السنة، رضي الله عنه.
312- الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة،
أبو مُحَمَّد [3] :
قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وفد
كندة، ثم رجع إلى اليمن، فلما قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتد فأخذ وحمل إلى أبي بكر الصديق رضي الله
عنه مقيدا، فأسلم ومن عليه وزوجه أخته.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 161.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 5.
[3] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 13.
(5/167)
وروى عن رسول الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ، وشهد مع سعد قتال الفرس بالعراق، وكان على راية كندة
بصفين مع علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وحضر قتال الخوارج بالنهروان،
وورد المدائن ثم عاد إلى الكوفة فأقام بها حتى مات فِي الوقت الذي
صالح فيه الحسن معاوية، وتوفي ابن ثلاث وستين سنة.
313- بشير بن عبد المنذر، أو لبابة [1] :
رده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الروحاء حين
خرج إلى بدر، واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره، فكان كمن
شهدها، وشهد أحدا، واستخلفه على المدينة 68/ أحين خرج إلى غزاة
السويق، / وكانت معه راية بني عمرو بن عوف فِي غزاة الفتح، وشهد مع
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميع المشاهد، ولما
استشاروه ببني قريظة أشار إليهم أنه الذبح، ثم ندم فارتبط إلى
أسطوانة حتى تاب الله عليه.
314- تميم بن أوس بن خارجة بن سويد الداري، ويكنى أبا رقية [2] :
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة الداريين عند
منصرفه من تبوك، فأقاموا حتى توفي رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري،
قَالَ: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف،
قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَطَّافُ
بْنُ خَالِدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ تَمِيمٌ
الدَّارِيُّ:
كُنْتُ بِالشَّامِ حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ حَاجَتِي،
فَأَدْرَكَنِي اللَّيْلُ، فَقُلْتُ: أَنَا في جوار عَظِيمِ هَذَا
الْوَادِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمَّا أَخَذْتُ مَضْجَعِي إِذْ
مُنَادٍ يُنَادِي لا أَرَاهُ: عُذْ باللَّه فَإِنَّ الْجِنَّ لا
تُجِيرُ أَحَدًا عَلَى اللَّهِ، فَقُلْتُ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ:
قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ الأَمِينُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ
بِالْحُجُونِ وَأَسْلَمْنَا وَاتَّبَعْنَاهُ وَوُهِنَ كَيْدُ
الْجِنِّ وَرُمِيَتْ بِالشُّهُبِ، وَانْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدٍ
فَأَسْلِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَهَبْتُ إِلَى دير أيوب فسألت
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 29.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 129.
(5/168)
رَاهِبًا بِهِ وَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ،
فَقَالَ: قَدْ صَدَقُوكَ، نَجِدُهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ
وَهُوَ خَيْرُ الأَنْبِيَاءِ فَلا تُسْبَقْ إِلَيْهِ، قَالَ:
فَتَكَلَّفْتُ الشُّخُوصَ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمْتُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الحداء، عَنْ أَبِي
قِلابَةَ، قَالَ:
كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَخْتُمُ الْقُرْآنَ فِي سَبْعِ
لَيَالٍ.
قَالَ علماء السير: استأذن تميم عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ يقص على الناس، فأذن له، فلما قتل عثمان رضي
الله عنه تحول إلى الشام.
315- الحارث بن خزمة بن/ عدي بن أبي بن غنم، أبو بشير [1] :
68/ ب شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوفي في هذه السنة، وهو ابن سبع وستين سنة.
316- خارجة بن حذافة بن غانم [2] :
شهد الفتح بمصر، واختط بها، وكان أمير المدد الذين أمد بهم عمر بن
الخطاب. وكان على شرطة مصر فِي إمرة عمرو بن العاص لمعاوية، قتله
خارجي بمصر فِي هذه السنة وهو يظن أنه عمرو بن العاص.
317- خوات بن جبير، أبو عَبْد اللَّهِ، وقيل أبو صالح الأنصاري
المديني [3] :
وهو صاحب ذات النحيين فِي الجاهلية التي ضرب بها المثل، فقيل:
«أشغل من ذات النحيين» .
أسلم خوات وخرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إلى
بدر] [4] ، فأصابه بالروحاء حجر، فكسر، فرده النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وضرب له بأجره وبسهمه فكان كمن
شهدها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 21.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 138.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 44.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
(5/169)
وذكر البخاري فِي تاريخه [1] : عن ابن
عيينة أنه شهد بدرا.
وقد شهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
فأما قصة ذات النحيين:
فَأَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله
الْحَبَّالِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الإِشْبِيلِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْحُصَيْبُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو عَلِيٍّ
مُحَسِّنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْكِرَامِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ
السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيُّ الْبَصْرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
وَاقِدٍ، قَالَ: قَالَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُنْتُ صَاحِبَ
ذَاتِ النِّحْيَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- وَالنِّحْيُ الزِّقُّ
الصَّغِيرُ- وَإِنِّي أتيت سوق عكاظ فإذا أنا بِجَارِيَةٍ مَعَهَا
نِحْيَانِ مِنْ سَمْنٍ كَأَنَّهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ، فَقُلْتُ
لَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ:
أَنَا سلمى بنت يعار الْخَثْعَمِيَّةِ، فَقُلْتُ: لَعَلَّ سَمْنَكَ
هَذَا مَشُوبًا؟ فَقَالَتْ: سبحان الله، 69/ أأو تشيب الْحُرَّةُ؟
فَقُلْتُ لَهَا: انْزِلِي إِلَى/ بَطْنِ الْوَادِي لأَذُوقَ
سَمْنَكِ، فَنَزَلَتْ فَأَخَذْتُ إِحْدَى النِّحْيَيْنِ
فَذُقْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا بِمَشُوبٍ، ثُمَّ
دَفَعْتُهُ إِلَيْهَا فِي يَدِهَا مَفْتُوحًا، ثُمَّ أَخَذْتُ
الآخَرَ فَذُقْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيْهَا فِي يَدِهَا
الْيُسْرَى، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهَا فَقَضَيْتُ مِنْهَا
حَاجَتِي، وَكَرِهَتْ أَنْ تُرْسِلَهُ، وَكَانَ قُوتَ أَهْلِهَا،
فَذَهَبَتْ مَثَلا: «أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ» ثُمَّ
أَسْلَمْتُ وَهَاجَرْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ
إِذَا أَنَا بِبَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ كَانَتْ
لي خلا فحجبني إسلامي عنها، ودعتني نفسي إليها، فَلَمْ أَزَلْ
أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا حَتَّى تَلَقَّانِي جِدَارُ بَنِي جَذْرَةَ،
فَسَالَتِ الدِّمَاءُ وَهُشِّمَ وَجْهِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ،
فَقَالَ: «مَهِيمٌ» فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «فَلا تَعُدْ، إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ
لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا» .
ثُمَّ مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعْدَ لَيَالٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَ نِسْوَانٍ مِنْ
نِسْوَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تُنَاشِدْنَنِي وَتُضَاحِكْنَنِي
وَتُمَازِحْنَنِي، قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ رَآنِي، قَالَ:
فَمَضَى ولم يقل
__________
[1] التاريخ الكبير 3/ ترجمة 736.
(5/170)
شَيْئًا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ
غَدَوْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «يَا خَوَّاتُ أَمَا
آنَ لِذَلِكَ الْبَعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ شُرُودِهِ» قَالَ:
قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَرَدَ مُنْذُ
أَسْلَمْتُ، قَالَ: «صَدَقْتَ وَلَكِنْ لا تَعُدْ إِلَى ذَلِكَ
الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ» . [قَالَ مؤلف
الكتاب رحمه الله] [1] : قد فسر هذا الحديث أبو عبيدة الهروي
وقَالَ:
عرض لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصته
مع ذات النحيين. قَالَ: وأراد بقوله: «شروده» أنه لما فعل ذلك شرد
فِي الأرض خوفا، وليس هذا بشيء، فإنه ما كان ليعيره بشيء كان فِي
الجاهلية، وإنما لامه على مجالسته النسوان بعد الإسلام. وقد روى
ذلك لنا فِي حديث أبين من هذا.
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْنِ النَّقُّورِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، قَالَ: / حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ 69/ ب
يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الْبَصْرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ
يُحَدِّثُ أَنَّ خَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: [2] نَزَلْتُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
الظَّهْرَانِ [3] ، فَخَرَجْتُ مِنْ خِبَائِي، فَإِذَا [أَنَا] [4]
بِنِسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنِ فَأَعْجَبْنَنِي فَرَجَعْتُ،
فَاسْتَخْرَجْتُ حُلَّةً لِي مِنْ عَيْبَتِي فَلَبِسْتُهَا، ثُمَّ
جَلَسْتُ إِلَيْهِنَّ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُبَّتِهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ
اللَّهِ مَا يُجْلِسُكَ إِلَيْهِنَّ» ؟ قَالَ: فَهِبْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ جَمَلٌ لِي شَرُودٌ أَبْتَغِي لَهُ قَيْدًا قَالَ: فَمَضَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعْتُهُ،
فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَدَخَلَ الأَرَاكَ [5] فَقَضَى
حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: «أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ، مَا فَعَلَ شِرَادُ جَمَلِكَ؟» قَالَ: فَتَعَجَّلْتُ
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاجْتَنَبْتُ الْمَسْجِدَ وَمُجَالَسَةَ رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلما طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ تَحَيَّنْتُ
سَاعَةَ خَلْوَةٍ لِلْمَسْجِدِ فَجَعَلْتُ أُصَلِّي، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ
حُجَرِهِ فَجَاءَ فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] الخبر في المعجم الكبير للطبراني 4146، وتهذيب الكمال 8/ 348.
[3] في تهذيب الكمال: «من الظهران» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من المعجم الكبير،
والتهذيب.
[5] الأراك: شجر معروف.
(5/171)
وَطَوَّلْتُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ
وَيَدَعَنِي، فَقَالَ: «طَوِّلْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا
شِئْتَ، فَلَسْتُ بِنَازِحٍ حَتَّى تَنْصَرِفَ» فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لأَعْتَذِرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأُبَرِئَنَّ صَدْرَهُ. قَالَ:
فَانْصَرَفْتُ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَقَالَ: «أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ الْجَمَلِ؟»
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا
شَرَدَ ذَلِكَ الْجَمَلُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ
اللَّهُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ أَمْسَكَ عَنِّي فَلَمْ
يَعُدْ. توفي خوات بن جبير بالمدينة فِي هَذِهِ السنة وَهُوَ ابْن
أربع وسبعين سنة، وكان ربعة من الرجال.
318- علي بن أبي طالب رضي الله عنه [1] :
كان السبب فِي قتله [2] أن عَبْد الرَّحْمَنِ بن ملجم، والبرك بن
عَبْد اللَّهِ، وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس
وعابوا عمل ولاتهم، ثم ذكروا أمر النهر 70/ أفترحموا عليهم،
وقالوا: والله ما نصنع بالبقاء/ بعدهم شيئا، كانوا لا يخافون فِي
الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فالتمسنا
قتلهم فأرحنا منهم البلاد، وأخذنا بثأر إخواننا. فقَالَ ابن ملجم:
أما أنا فأكفيكم علي بن أبي طالب، وكان من أهل مصر. وقَالَ البرك
بن عَبْد اللَّهِ: أنا أكفيكم معاوية، وقَالَ عمرو: أنا أكفيكم
عمرو بن العاص. فتعاهدوا وتواثقوا لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى
يقتله أو يموت دونه، فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة من
رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه. وأقبل كل منهم إلى المصر
الذي هو فيه يطلبه.
فأما ابن ملجم وكان عداده فِي كنده، فخرج فلقي أصحابه بالكوفة،
وكاتمهم أمره كراهية أن يظهروا شيئا من أمره، ثم أنه رأى ذات يوم
أصحابا له من تيم الرباب- وكان علي رضي الله عنه قتل منهم يوم
النهر عدة فذكروا قتلاهم، ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب
يقال لها: «قطام» . وقد قتل علي أباها وأخاها يوم النهر- وكانت
فائقة الجمال- فلما رآها التبست بعقله ونسي حاجته التي جاء لها،
فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفِي لي، قالَ: وما تشائين، قالت:
ثلاثة آلاف، وعبد، وقينة، وقتل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 11، وتاريخ بغداد 1/ 133.
[2] تاريخ الطبري 5/ 143.
(5/172)
علي، فقَالَ: والله ما جاء بي إلى هذا
المصر إلا قتل علي، فلك ما سألت، قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك
ويساعدك على أمرك، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له:
«وردان» فكلمته، فأجابها، فأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له:
شبيب بن بجرة [1] ، فقَالَ له: هل لك فِي شرف الدنيا والآخرة؟
فقَالَ: وما ذاك؟ قَالَ:
قتل علي، قَالَ: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا فريا إذا، كيف تقدر على
علي؟ قَالَ: أكمن له فِي المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا
عليه فقتلناه، فإن نجونا بأنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند
الله خير من الدنيا وما فيها، قَالَ: ويحك لو كان غير علي أهون
علي، قد عرفت بلاءه فِي الإسلام، / وسابقته مع النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أجدني أنشرح صدرا 70/ ب لقتله.
قَالَ: أتعلم أنه قتل أهل النهر العباد المصلين [2] ، قَالَ: بلى،
قَالَ: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه، فجاءوا قطام وهي فِي
المسجد الأعظم معتكفة، فقالوا: قد اجتمع رأينا على قتل علي، قالت:
فإذا أردتم ذلك فأتوني، فعادوا ليلة الجمعة التي قتل فِي صبيحتها
علي، فقَالَ: هذه الليلة التي واعدت فيها أن يقتل كل واحد منا
صاحبه، فأخذوا أسيافهم ووقفوا مقابل السدة التي يخرج منها علي رضي
الله عنه، فلما خرج ضربه شبيب بالسيف، فوقع سيفه فِي الطاق، وضربه
ابن ملجم بالسيف. وهرب وردان حتى دخل منزله، فدخل عليه رجل،
فقَالَ: ما هذا السيف، فأخبره فقتله، وخرج شبيب نحو أبواب كنده فِي
الغلس، وصاح الناس فلحقه رجل من حضرموت- يقال له عويم- وفِي يد
شبيب السيف، فأخذه، فلما رأى الناس قد أقبلوا وسيف شبيب فِي يده
خشي على نفسه فتركه ونجا بنفسه، ونجا شبيب فِي غمار الناس، فشدوا
على ابن ملجم، فأخذوه. وتأخر علي ودفع فِي ظهر جعدة بن هبيرة بن
أبي وهب، فصلى بالناس الغداة، ثم قَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
علي بالرجل، فأدخل عليه فقَالَ: أي عدو الله، ألم أحسن إليك؟
قَالَ: بلى، قَالَ: فما حملك على هذا؟ قَالَ: شحذت سيفِي هذا
أربعين صباحا، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقَالَ: لا أراك إلا
مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله.
__________
[1] في الأصل: «نحره» هكذا بدون نقط.
[2] في الطبري: «العباد المصلين» .
(5/173)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن
ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسن بن مُحَمَّد النصيبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إسماعيل بن سويد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن الأنباري، قَالَ:
حَدَّثَني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبيد، عن
الهيثم، قَالَ: حَدَّثَنِي رجل من بجيلة، عن مشيخة قومه [1] : 71/
أان عَبْد الرَّحْمَنِ بن ملجم رأى امرأة من تيم الرباب/ يقال لها:
«قطام» ، كانت من أجمل النساء، ترى رأي الخوارج، قد قتل قومها على
هذا الرأي يوم النهروان، فلما أبصرها عشقها فخطبها، فقالت: لا
أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب، فتزوجها على
ذلك، فلما بنى بها قالت: يا هذا قد فرعت فافرع، فخرج ملتبسا سلاحه،
وخرجت فضربت له قبة فِي المسجد، وخرج علي رضي الله عنه يقول:
الصلاة الصلاة، فاتبعه عَبْد الرَّحْمَنِ فضربه بالسيف على قرن
رأسه، فقَالَ الشاعر فِي ذلك:
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام بينا غير معجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وقتل علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا ... ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم [2]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرنا
أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الصَّنْعَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا نَاصِحٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَلِّمِيُّ، عَنْ
سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ [3] :
«مَنْ أَشْقَى الأَوَّلِينَ؟» قَالَ: عَاقِرُ النَّاقَةِ، قَالَ:
«فَمَنْ أَشْقَى الآخِرِينَ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، قال: «قاتلك» .
__________
[1] الخبر في البداية والنهاية 7/ 359.
[2] في البداية: «ولو فتك: لا دون فتك ابن ملجم» . وقال ابن كثير:
وقد عزا ابن جرير هذه الأبيات إلى ابن أبي مياس المرادي.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 135.
(5/174)
قَالَ مُحَمَّد بن الحنفية [1] : والله إني
لأصلي فِي تلك الليلة التي ضرب فيها علي فِي رجال كثيرة ما هم إلا
قياما وركوعا وسجودا، وما يسأمون من أول الليل إلى آخره، إذ خرج
علي لصلاة الغداة، فجعل ينادي: أيها الناس، الصلاة الصلاة، إذ نظرت
إلى بريق السيف، وسمعت: الحكم للَّه لا لك يا علي ولا لأصحابك،
فرأيت سيفا وسمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل، وشد الناس عليه من
كل جانب، فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل إلى عليّ رضي الله عنه،
فدخلت فيمن دخل، فسمعت عليا يقول: النفس بالنفس، إن/ هلكت فاقتلوه
كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي. 71/ ب وكان ابن ملجم مكتوفا
بين يدي علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فنادته أم كلثوم بنت علي وهي
تبكي: أي والله، ويلك قتلت أمير المؤمنين، قَالَ: ما قتلت إلا
أباك، قالت: إني لأرجو ألا يكون عليه بأس، قَالَ: فما لك تبكين،
والله لقد سممته شهرا، ولو كانت هذه الضربة بجميع أهل الأرض [2] ما
بقي منهم أحد.
قالوا: يا أمير المؤمنين: إن فقدناك أنبايع الحسن؟ فقَالَ: ما
آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر. ثم دعا حسنا وحسينا، فقَالَ: أوصيكم
بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا، ولا تبكيا على شيء زوى عنكما، ثم لم
ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض. وذلك فِي رمضان، وغسله الحسن
والحسين عليهما السلام، وعبد الله بن جعفر، وكفن فِي ثلاثة أثواب
وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات.
أَخْبَرَنَا الْحُصَيْنُ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني
أبي، قال: [حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ:] [3]
حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي
يَحْيَى، قَالَ [4] : لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ عَلِيًّا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
افْعَلُوا بِهِ كَمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ بِرَجُلٍ أَرَادَ قتله، فقال:
اقتلوه، ثم حرقوه.
__________
[1] الخبر في الطبري 5/ 146، وفي الأصل: «محمد بن حنيف» .
[2] في الأصل: «أهل المصر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 93.
(5/175)
وذكر أبو الحسن المدائني أن ابن ملجم لما
ضرب علي بن أبي طالب، قَالَ ابن ملجم: وَمن النَّاسِ مَنْ يَشْرِي
نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله 2: 207 [1] . وآخر ما تكلم به
علي رضي الله عنه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
وَمن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 99: 7- 8 [2] .
فصل
واختلف العلماء [3] فِي وقت قتل أمير المؤمنين علي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ. فقَالَ أبو معشر والواقدي: قتل يوم الجمعة لسبع عشرة خلت
من رمضان.
وقَالَ المدائني: يوم الجمعة لإحدى عشرة. قَالَ: وقد قيل فِي ربيع
الآخر.
فصل
واختلف فِي سن علي رضي الله عَنْه:
فأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد، [قال: أخبرنا أحمد
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بن محمد المعدل [4] ، قال: أخبرنا ابْن صفوان،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن محمد] [5] بن أبي الدنيا،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد
بن عمر 72/ أالواقدي، قال: حدثنا أبو بكر عَبْد اللَّه/ بْن أَبِي
سبرة، عَنْ إِسْحَاق بن عَبْد اللَّهِ بن أبي فروة، قَالَ: سألت
أبا جعفر مُحَمَّد بن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كم كان سن علي
رضي الله عنه يوم قتل؟ قَالَ: ثلاثا وستين سنة، قلت: أين دفن؟
قَالَ: بالكوفة ليلا وقد غبي عني دفنه.
وفِي رواية عن جعفر بن مُحَمَّد، قَالَ: كان سن علي رضي الله عنه
ثمانيا وخمسين سنة.
__________
[1] سورة: البقرة، الآية: 207.
[2] سورة: الزلزلة، الآية: 7، 8.
[3] تاريخ الطبري 5/ 151، 152.
[4] في أ: «على بن أحمد المعدل» .
[5] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «بإسناده إلى ابن أبي
لدينا» .
(5/176)
وذكر مُحَمَّد بن سعد [1] : أنه لما مات
علي رضي الله عنه أخرج ابن ملجم من الحبس، فقالوا: نشفِي نفوسنا
منه، فقطع عَبْد اللَّهِ بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم،
فكحل عينيه بمسمار محمي فلم يجزع، وأخرج لسانه ليقطع، فجزع وقَالَ:
أكره أن أكون فِي الدنيا فواقا لا أذكر الله، فقطعوا لسانه ثم
أحرقوه.
فصل [2]
واختلفوا فِي موضع دفنه عليه السلام.
فأَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز، قَالَ: أخبرنا أبو بكر أَحْمَد بن
علي الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا حمزة بن مُحَمَّد بن طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الوليد
بن بكر، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن أَحْمَد بن [زكريا، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مسلم صالح بْن أَحْمَد] [3] بن عبد الله العجْلي،
قَالَ:
حَدَّثَنِي أبي، قَالَ:
علي بن أبي طالب قتل بالكوفة، [قتله عَبْد الرَّحْمَنِ بن ملجم
المرادي، وقتل عَبْد الرَّحْمَنِ الحسن بن علي] [4] ، ودفن بها،
ولا يعلم أين موضع قبره [5] .
وفِي رواية [6] : أنه دفن مما يلي قبلة المسجد.
وقيل: عند قصر الإمارة.
وقَالَ أبو نعيم الفضل بن دكن [7] : حوله ابنه الحسن إلى المدينة،
فدفن بالبقيع عند قبر فاطمة عليها السلام.
وفِي رواية [8] : أنهم خرجوا به يريدون المدينة، فضل البعير الّذي
هو عليه،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 26.
[2] هذا الفصل جاء في نهاية الترجمة في الأصل أي ص. 72/ ب من
المخطوط.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[5] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 136.
[6] تاريخ بغداد 1/ 138.
[7] تاريخ بغداد 1/ 138.
[8] الرواية في تاريخ بغداد 1/ 138.
(5/177)
فأخذته طيِّئ يظنونه مالا. فلما رأوه دفنوا
الصندوق بما فيه.
كان هذه الروايات رواها أبو بكر الخطيب.
وقَالَ [1] : حكى لنا أبو نعيم الحافظ، قَالَ: سمعت أبا بكر الطلحي
يذكر أن مطينا كان ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة قبر علي
بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان يقول: لو علمت الرافضة قبر من هذا
لرجمته بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة.
والله أعلم أي الأقوال أصح.
أما البرك بن عَبْد اللَّهِ [2] : فإنه مضى تلك الليلة، فقعد
لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه فوقع السيف فِي
أليته، فأخذ، فقَالَ له: إن عندي خبرا أسرك به، فإن أخبرتك فنافعي
ذلك عندك [3] ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: إن أخا لي قتل عليا فِي هذه
الليلة، قَالَ: فلعله لم يقدر على ذلك، قَالَ: بلى، إن عليا يخرج
ليس معه أحد يحرسه، فأمر به معاوية فقتل.
وبعث معاوية إلى الطبيب [4] ، فلما نظر إليه قَالَ: اختر إحدى
خصلتين: إما أن أحمي حديدة وأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة
تقطع عنك الولد وتبرأ، فإن ضربتك مسمومة، فقَالَ معاوية: أما النار
فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فإن فِي يزيد وعبد الله ما
تقر به عيني، فسقاه تلك الشربة فبرأ ولم يولد له بعدها. وأمر
معاوية عند ذلك بالمقصورة، وحرس الليل، وقيام الشرطة على رأسه إذا
سجد.
وأما عمرو بن بكر [5] : فجلس لعمرو تلك الليلة فلم يخرج، وكان
اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن حذافة صاحب [6] شرطته، فخرج ليصلي، فشد
عليه وهو يرى أنه 72/ ب عمرو، / فضربه، فأخذه الناس وانطلقوا به
إلى عمرو، فقال: من هذا؟ فقالوا: عمرو،
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 38.
[2] تاريخ الطبري 5/ 149. وهي في الأصل تتبع الصفحة 72/ أمن
المخطوط.
[3] في الأصول: «أفكاكي ذلك عندك» . وما أوردناه من تاريخ الطبري.
[4] سماه الطبري في تاريخه: «الساعدي» .
[5] في الأصل: «عمرو بن بكير» هكذا بدون نقط.
[6] في الأصل، وأ: «خارجة بن أبي حينه» ، والتصحيح من الطبري.
(5/178)
قالَ: فمن قتلت؟ قالوا: خارجة، قَالَ: أما
والله يا فاسق ما أردت غيرك، فقَالَ عمرو:
أردتني وأراد الله خارجة. فقتله عمرو.
319- لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب، أبو عقيل الشاعر [1]
:
كان يقال لأبيه ربيعة المقترين، لجوده وسخائه، قدم فِي وفد فأسلموا
ورجعوا إلى بلادهم وذلك بعد وفاة أخيه أربد وعامر بن الطفيل، ثم
هاجر وحسن إسلامه، ونزل الكوفة فِي أيام عمر، وكان من الشعراء
المجودين فِي الجاهلية وفِي الإسلام. وقَالَ له المغيرة: أنشدني ما
قلت من الشعر فِي الجاهلية والإسلام، فقَالَ: قد أبدلني/ الله 73/
أبذلك سورة البقرة وآل عِمْرانَ.
وقَالَ أبو عبيدة [2] : لم يقل لبيد فِي الإسلام إلا بيتا واحدا،
وهو هذا:
الحمد للَّه إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا
قَالَ عمرو بن [3] شيبة، حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن
حكيم، قَالَ: كان لبيد من أجواد العرب، وكان قد آلى ألا تهب الصبا
إلا أطعم، وكان له جفنتان يغدا بهما ويراح فِي كل يوم على أهل مسجد
قومه، فهبت الصبا يوما والوليد بن عقبة على الكوفة، فصعد الوليد
المنبر فخطب الناس، ثم قَالَ: إن أخاكم لبيد بن ربيعة نذر فِي
الجاهلية ألا تهب الصبا إلا أطعم، وهذا يوم من أيامه، وقد هبت
الصبا فأعينوه، وأنا أول من فعل، ثم نزل عن المنبر، فأرسل إليه
بمائة بكرة، وكتب إليه بأبيات قالها:
ما أرى الجزار يشحذ شفرتيه ... إذا هبت رياح أبي عقيل
أشم الأنف أصيد عامري ... طويل الباع كالسيف الصقيل
فقَالَ لابنته: أجيبيه، فلعمري لقد عشت برهة وما أنحني بجواب شاعر،
فقالت:
إذا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبتها الوليدا
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 20، والمعارف 332 وهنا عودة إلى الصفحة
72/ ب.
[2] في الأصل: «بذلك سورة البقرة» ووضع ثلاث نقط، هكذا: ... ،
وبعدها: «قال عمران وقال أبو عبيدة» .
[3] في ت: «عمر» .
(5/179)
أشم الأنف [1] أروع عبشميا ... أعان على
مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا ... عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد ... وظني بابن أروى أن تعودا
فقَالَ لبيد: لقد أحسنت لولا إنك استطعمتيه، فقالت: إن الملوك لا
تستحي من مسألتهم، فقَالَ: وأنت فِي هذا يا بنية أشعر.
73/ ب ولما بلغ لبيد/ سبعا وسبعين سنة، قَالَ:
باتت تشكى إلي النفس مجهشة ... وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تراءى ثلاثا تبلغي أملا ... وفِي البلاد وفاء للثمانينا
فلما بلغ التسعين، قال [2] :
كأني قد جاوزت تسعين بعد ما ... خلعت بها عن منكبي ردائيا
فلما بلغ مائة وعشرا قَالَ:
أليس فِي مائة قد عاشها رجل ... وفِي تكامل عشر بعدها عمر
فلما جاوزها قَالَ:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد
320- أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط [3] :
أسلمت بمكة، وبايعت قبل الهجرة، وهي أول من هاجر من النساء بعد أن
هاجر رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة، هاجرت فِي
هدنة الحديبية.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بن بيان، قال:
أخبرنا أبو منصور أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّوَّاقُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، قال:
__________
[1] في ت: «أشم الباع» .
[2] في الأصل: «السبعين» .
[3] طبقات ابن سعد 8/ 167.
(5/180)
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ وَقُدَامَةَ، قَالا: لا
نَعْلَمُ قُرَشِيَّةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ أَبَوَيْهَا مُسْلِمَةً
مُهَاجِرَةً إِلا أُمَّ كُلْثُومٍ.
قَالَتْ: كُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى بَادِيَةٍ لَنَا فِيهَا أَهْلِي
فَأُقِيمُ بِهَا الثَّلاثَ وَالأَرْبَعَ، وَهِيَ نَاحِيَةَ
التَّنْعِيمِ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فلا ينكرون ذِهَابِي
الْبَادِيَةَ، حَتَّى أَجْمَعْتُ الْمَسِيرَ، فَخَرَجْتُ يَوْمًا
مِنْ مَكَّةَ كَأَنِّي أُرِيدُ الْبَادِيَةَ، فَلَمَّا رَجَعَ مَنْ
تَبِعَنِي إِذَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ [قَالَ: أَيْنَ تُرِيدِينَ؟
قُلْتُ: وَمَا مَسْأَلَتُكَ وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْ
خُزَاعَةَ] [1] اطْمَأْنَنْتُ إِلَيْهِ لِدُخُولِ خُزَاعَةَ فِي
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَقْدِهِ- فَقُلْتُ: إِنِّي امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنِّي
أُرِيدُ اللُّحُوقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ/، وَلا عِلْمَ لِي بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: أَنَا
صَاحِبُكِ حَتَّى أُورِدَكِ الْمَدِينَةَ، ثمَّ 74/ أجاءني
بِبَعِيرٍ فَرَكِبْتُهُ فَكَانَ يَقُودُ بِي الْبَعِيرَ، وَلا
وَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي بِكَلِمَةٍ حَتَّى إِذَا أَنَاخَ
الْبَعِيرَ تَنَحَّى عَنِّي، فَإِذَا نَزَلْتُ جَاءَ إِلَى
الْبَعِيرِ فَقَيَّدَهُ بِالشَّجَرِ، وَتَنَحَّى إِلَى فَيْءِ
شَجَرَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَ الرَّوَاحُ خَدَجَ الْبَعِيرَ
فَقَرَّبَهُ وَوَلَّى عَنِّي، فَإِذَا رَكِبْتُ أَخَذَ بِرَأْسِهِ
فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَرَاءَهُ حَتَّى أَنْزِلَ، فَلَمْ يَزَلْ
كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ مِنْ
صَاحِبٍ خَيْرًا، فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَا
مُتَنَقِّبَةٌ، فَمَا عَرَفَتْنِي حَتَّى كَشَفْتُ النِّقَابَ
فَالْتَزَمَتْنِي وَقَالَتْ: هَاجَرْتِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى
رَسُولِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَرُدَّنِي كَمَا
رَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ، وَحَالُ الرِّجَالِ لَيْسَ
كَحَالِ النِّسَاءِ، وَالْقَوْمُ مُصْبِحِي قَدْ طَالَتْ غَيْبَتِي
عَنْهُمُ الْيَوْمَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ،
وَهُمْ يَتَحَيَّنُونَ قَدْرَ مَا كُنْتُ أَغِيبُ ثُمَّ
يَطْلُبُونِي فَإِنْ لَمْ يَجِدُونِي رَحَلُوا. فَدَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ،
فَأَخْبَرَتْهُ خبر أم كلثوم، فرحب بها وسهل، فقلت: إِنِّي
فَرَرْتُ إِلَيْكَ بِدِينِي فَامْنَعْنِي وَلا تَرُدَّنِي
إِلَيْهِم يَفْتِنُونِي وَيُعَذِّبُونِي وَلا صَبْرَ لِي عَلَى
الْعَذَابِ، إِنَّما أَنَا امْرَأَةٌ وَضَعْفُ النِّسَاءِ عَلَى
مَا تَعْرِفُ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ رَدَدْتَ رَجُلَيْنِ حَتَّى
امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
نَقَضَ الْعَهْدَ فِي النِّسَاءِ» وَحَكَمَ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ
رَضُوهُ كُلُّهُمْ وَكَانَ يَرُدُّ النِّسَاءَ، فَقَدِمَ
أَخَوَاهَا الْوَلِيدُ وَعُمَارَةُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالا: أَوْفِ
لَنَا بِشَرْطِنَا وَمَا عَاهَدْتَنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَدْ
نقض الله ذلك» فانصرفا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/181)
قَالَ مؤلف الكتاب: ومعنى نقض العهد فِي
النساء، نزول الامتحان فِي حقهن، وذلك أنه كان يقول للمرأة: والله
ما أخرجك إلا حب والله ورسوله والإسلام، ولا خرجت لزوج ولا مال،
فإذا قالت ذلك تركت ولم ترد.
74/ ب وكانت أم كلثوم عذراء، فتزوجها زيد بن حارثة، فلما قتل عنها،
تزوجها الزبير/ فولدت له، ثم تزوجها عَبْد الرَّحْمَنِ بن عوف
فولدت له، ثم تزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده
.
(5/182)
|