المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[جلوس القادر باللَّه للحاج الخراسانية]
أن القادر باللَّه جلس للحاج الخراسانية وأعلمهم أنه قد جعل الأمير أبا الفضل ابنه ولى عهده، ولقبه الغالب باللَّه، وقرئت عليهم الكتب المنشأة بذلك، وحضر الأشراف/ والقضاة [2] ، والشهود، والفقهاء، وكان لهذا الولد يومئذ ثماني سنين وأربعة أشهر وأيام، وكتب إلى البلاد أن يخطب له بعده.
وكان السبب في هذه العجلة أن عبد الله بن عثمان الواثقي من ولد الواثق كان من الشهود، وكانت إليه الخطابة [3] ، فحدث بينه وبين القاضي أبي علي التنوخي وحشة، فقيل له: لو استصلحته؟ فقال: أنا مفكر كيف أطفئ شمع هذا الملك وآخذ ملكه. ثم اتفق أنه خرج إلى خراسان واستغوى بعض السلاطين، واتفق هو ورجل آخر كبير القدر على أن افتعلا كتابا عن الخليفة بتقليد الواثقي العهد بعده، فخطب له بعد القادر وكتب إلى القادر فغاظه ذلك [4] ، ورتب أبا الفضل في ولاية العهد، وأثبت فسق الواثقي، ثم قدم بغداد مستخفيا، ثم انحدر إلى البصرة، ثم مضى إلى فارس وبلاد الترك، ونفذت كتب القادر تتبعه فهرب إلى خوارزم، ثم قصد بعض السلاطين فرقاه إلى قلعة، فلم يزل بها حتى مات.
__________
[1] بياض في ت 9.
[2] «القضاة» : ساقطة من ص، ل، والمطبوعة.
[3] في ص، ل، والمطبوعة: «وكانت إليه الخطابة» .
[4] «ذلك» : ساقطة من ص، ل، والمطبوعة.

(15/26)


وفى يوم الجمعة الخامس من جمادى الآخرة توفي القاضي أبو الحسن عبد العزيز ابن أحمد الخرزي، واقر ابنه أبو القاسم على عمله، وقرئ عهده بذلك في يوم الاثنين لليلة بقيت منه، ثم صرف بعد مديدة قريبة.
وفى يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة ولد الأمير أبو جعفر عبد الله بن القادر [باللَّه] [1] وهو القائم.
في هذه السنة: حج بالناس [2] أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2970- جعفر [3] بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، أبو الفضل، المعروف بابن حنزابة [4] الوزير:
ولد في ذي الحجة سنة ثمان/ وثلاثمائة، ونزل مصر وتقلد الوزارة لأميرها كافور، وكان أبوه وزير المقتدر، وحدث عن محمد بن هارون الحضرمي وطبقته من البغداديين. وكان يذكر أنه سمع من البغوي مجلسا، ولم يكن عنده، فكان يقول: من جاءني به أغنيته، وكان يملي الحديث بمصر فخرج إليه [الدار الدارقطني] [5] وأقام عنده مدة فصنف له المسند، وحصل له من جهته مال كثير، وروى عنه الدار الدارقطني في كتاب المدبج [6] وغيره أحاديث.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: حدثني
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل، والمطبوعة: «وفيها حج بالناس» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص: «ابن خيرانة» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 234، 235، وابن خلكان 1/ 110، والنجوم الزاهرة 4/ 203، وحسن المحاضرة 1/ 199، والأعلام 2/ 126، والبداية والنهاية 11/ 329، والكامل 8/ 19) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «كتاب المديج» . والمدبج نوع من أنواع الحديث.

(15/27)


محمد بن أحمد اللخمي بالأنبار، قال: أنشدني أبو القاسم عمر بن عيسى المسعودي بمصر، قال: أنشدنا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات ابن حنزابة لنفسه:
من أخمل النفس أحياها وروحها ... ولم يبت طاويا منها على ضجر
إن الرياح إذا هبت عواصفها [1] ... فليس ترمى سوى العالي من الشجر
[2] توفي جعفر [3] في ربيع الأول من هذه السنة.
2971- الحسين [4] بن أحمد بن الحجاج، أبو عبد الله الشاعر
[5] :
كان من أولاد العمال والكتاب، وكانت إليه حسبه بغداد في أيام عز الدولة، فاستخلف عليها ستة أنفس كلهم لا خير فيه، ثم تشاغل بالشعر وتفرد بالسخف الذي يدل على خساسة النفس، فحصل الأموال به، وصار ممن يتقى لسانه، وحمل إليه صاحب مصر عن مديح مدحه [به] [6] ألف دينار مغربية، وقد أفرد أبو الحسن الرضي من شعره ما خلا عن السخف، وهو شعر حسن.
أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد الصائغ، أنبأنا أبو على محمد بن وشاح، قال:
أنشدنا أبو عبد الله بن الحجاج لنفسه: /
قالوا غدا العيد فاستبشر به فرحا ... فقلت ما لي وما للعيد والفرح
قد كان داء الهوى لم تمس نازلة ... بعقوتي وغراب البين لم يصح
__________
[1] في تاريخ بغداد، ص، ل، «اشتدت عواصفها»
[2] في الأصل: «سوى الأعالي من الشجر» . والتصحيح من ص، ل، وتاريخ بغداد.
[3] في الأصل: «توفي أبو جعفر» .
[4] بياض في الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 14، ووفيات الأعيان 1/ 55، ومعاهد التنصيص 3/ 188، والإمتاع والمؤانسة 1/ 137، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 130، والبداية والنهاية 11/ 329، ومطالع البدور 1/ 39، والكامل لابن الأثير 8/ 19، ويتيمة الدهر 2/ 211- 270، والأعلام 2/ 231، وشذرات الذهب 3/ 136) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/28)


أيام لم يخترم قربى المنون ولم ... يغد الصباب [1] على شملي ولم يرح
فاليوم بعدك قلبي غير منفسح ... لما يسر وصدري غير منشرح
وطائر نام في خضراء مؤنقة ... على شفا جدول بالعشب متشح
بالعمر من واسط والليل ما هبطت ... فيه النجوم وضوء الصبح لم يلح
بكى وناح ولولا أنه شجن ... بشجو قلبي المعنى فيك لم ينح [2]
بيني وبينك وعد ليس يخلفه ... بعد المزار وعهد غير مطرح
فما ذكرتك والأقداح دائرة ... إلا مزجت بدمعي باكيا قدحي
ولا سمعت لصوت فيه ذكر نوى ... إلا عصيت عليه كل مقترح
[3] توفي ابن الحجاج بالنيل في جمادى الآخرة من هذه السنة، ورثاه الرضى بقوله:
نعوه على ضن قلبي به ... فلله ماذا نعى الناعيان
رضيع صفاء له شعبة ... من القلب مثل رضيع اللبان
بكيتك للشرد السائرات ... تعبق ألفاظها [4] بالمعاني
وما كنت أحسب أن المنون ... تفل مضارب ذاك اللسان
ليبك الزمان طويلا عليك ... فقد كنت خفة روح الزمان
[5] ورآه أبو الفضل ابن الخازن [6] في المنام بعد موته، فقال: ما صنع الله بك؟
فقال:
أفسد حسن مذهبي ... في الشعر سوء المذهب
وحملي الجد على ... ظهر حصان اللعب
لم يرض مولاي علي ... بسبب أصحاب النبي
__________
[1] في ص، ل: «يغد الشباب» .
[2] في الأصل: «لم يلح» .
[3] هذا البيت ساقط من ص.
[4] في ص: «تعتق ألفاظها» .
[5] هذا البيت ساقط من ت.
[6] في الأصل: «ابن الحرث» .

(15/29)


وقال لي ويلك يا ... أحمق لم لم تتب
من بغض قوم من رجا ... ولاءهم لم يخب
رمت الرضى جهلا بما ... أصلاك نار اللهب
[1]
2972- عبد العزيز [2] بن أحمد، أبو الحسن الخرزي [3] القاضي:
كان يقضى بالمخرم وحريم دار الخلافة وباب الأزج والنهروانات وطريق خراسان، وكان على مذهب داود الأصفهاني، وتقدم إليه وكيلان في خصومة فاحتكما فبكى [4] أحدهما، فقال القاضي: أرني الوكالة فأراه إياها فتأملها، ثم قال: ما رأيت فيها أنه جعل إليك أن تبكي عنه، فنهض الوكيل وضحك الحاضرون.
توفي الخرزي في هذه السنة.
2973- عيسى بن [5] الوزير على بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو [6] القاسم:
ولد في رمضان سنة اثنتين وثلاثمائة، وزر أبوه المعلوم فضله، ونظر هو للطائع وكتب له، وروى عن البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، وابن دريد وغيرهم. وروى عنه الأزهري، والخلال، والصيمري، وغيرهم.
وكان ثبت السماع صحيح الكتاب، وأملى الحديث، وكان عارفا بالمنطق فرموه بشيء من مذهب الفلاسفة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: أنشدني أبو يعلى ابن الفراء، قال:
أنشدني عيسى بن الوزير على بن عيسى لنفسه: /
رب ميت قد صار بالعلم حيا ... ومبقى قد [7] حاز جهلا وغيا
__________
[1] في ص، ل: «نار الغضب» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 466، والبداية والنهاية 11/ 330)
[4] في ص، ل: «في حكومة فاختصما فبكى» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 330، والإمتاع والمؤانسة 1/ 36، والكامل 8/ 18، 19) .
[7] في الأصل: «ميتا قد حاز» .

(15/30)


فاقتنوا العلم كي تنالوا خلودا ... لا تعدوا الحياة في الجهل شيئا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِي محمد الجوهري، قال: انقطعت عن زيارة أبي القاسم عيسى بن على، ثم قصدته، فلما نظر إلي قال:
رأيت جفاء الدهر لي فجفوتني ... كأنك غضبان على مع الدهر
قال: وخرج إلينا يوما، فقال: الله بيننا وبين على بن الجهم، فقلت: من هو على بن الجهم؟ قال الشاعر: قلت ورآه سيدنا؟ قال: لا ولكن له بيت آذانا به، وأنشدنا [هذا] [1] :
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمل
توفي [عيسى] [2] في هذه السنة، ودفن في داره.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/31)


ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها: [1]
[ثورة العوام بالنصارى]
أن العوام ثاروا في يوم الاثنين سابع ربيع الآخر بالنصارى، فنهبوا البيعة بقطيعة الدقيق وأحرقوها، فسقطت على جماعة من المسلمين رجالا وصبيانا ونساء فهلكوا.
وفى شعبان قبض على الموفق أبي على الحسن بن محمد بن إسماعيل وحمل إلى القلعة.
[عظمة الفتنة ببغداد وغلاء الأسعار]
وفى رمضان عظمت الفتنة ببغداد، وكثرت العملات، وانتشر الدعار.
[طلوع كوكب الدؤابة]
وفى ليلة الأربعاء لثمان بقين من رمضان طلع كوكب الذؤابة.
وفى ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة انقض كوكب كضوء القمر ليلة التمام، ومضى الضياء وبقى جرمه يتموج نحو ذراعين في ذراع/ برأي العين، وتشقق بعد ساعة.
وفى يوم الثلاثاء الحادي عشر منه تكامل دخول الخراسانية بغداد وعبروا بأسرهم إلى الجانب الغربي، ثم توقفوا عن [2] التوجه نحو البلاد لفساد الطريق [3] وانتشار العرب، وعادوا إلى بلادهم، وبطل الحج من المشرق في هذه السنة.
وفى يوم الاثنين التاسع من ذي الحجة، ولد الأمير أبو الحسن وأبو علي
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «ثم توقفوا على التوجه» .
[3] في ل: «نحو البلاد من فساده» .

(15/32)


الحسين [1] ابنا بهاء الدولة توأمين، فعاش أبو الحسين بضع سنين ومات، وبقى أبو على، وملك الإمرة بالحضرة، فلقب مشرف الدولة.
وزاد أمر العيارين والفساد ببغداد، وكان فيهم من هو عباسي وعلوي، فواصلوا العملات، وأخذوا الأموال، وقتلوا، واشرف الناس معهم على خطه صعبة فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا على بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبر أمورها، فدخلها يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة، فزينت له بغداد خوفا منه، فكان يقرن بين العباسي والعلويّ ويغرقهما نهارا، وغرق جماعة من حواشي الأتراك، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب، ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الشيعة عن البلد فقامت هيبته في النفوس [2] [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2974- إسماعيل [4] بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن سويد [5] ، أبو القاسم [6] المعدل:
من أهل الجانب الشرقي، حدث عن ابن دريد، وابن الأنباري، والكوكبي وغيرهم، قال حمزة بن محمد بن طاهر: كان ثقة وقال الخطيب: كان يلحق سماعه.
وقال ابن أبي الفوارس: كان فيه تساهل في الحديث والدين. توفي في محرم هذه السنة، ودفن بالخيزرانية.
2975- عثمان [7] بن جنى أبو الفتح الموصلي النحويّ اللغوي:
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن علي وأبو الحسين» .
[2] «في النفوس» : ساقطة من ص، ل.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «إسماعيل بن محمد» .
[5] في الأصل: «ابن محمد بن سعيد» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 308، 309)
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 4311، وإرشاد الأريب 5/ 15- 32، وابن خلكان 1/ 313،

(15/33)


أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن ثابت قال: عثمان بن جنى له كتب مصنفة في علم النحو أبدع فيها، وأحسن منها التلقين [1] واللمع، والتعاقب في العربية، وشرح القوافي، والمذكر والمؤنث، وسر الصناعة. والخصائص، وغير ذلك، وكان يقول الشعر ويجيد نظمه، وأبوه جنى كان عبدا روميا مملوكا لسليمان بن فهد بن أحمد [2] الأزدي الموصلي.
وأنشدني يحيى بن على التبريزي [3] لعثمان بن جني:
فإن أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى ... قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا ... أرم الدهر في الخطب
أولاك [4] دعا النبي لهم ... كفى شرفا دعاء نبي
سكن ابن جنى بغداد ودرس بها العلم إلى أن مات، وكانت وفاته ببغداد على ما ذكر أحمد بن على التوزي في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
2976- على [5] بن عبد العزيز، أبو الحسن الجرجاني القاضي [6] بالري:
سمع الحديث الكثير، وترقى في العلوم فأقر له الناس بالتفرد، وله أشعار حسان.
__________
[ () ] وآداب اللغة 2/ 302، وشذرات الذهب 3/ 140، ومفتاح السعادة 1/ 114، ونزهة الألباء 406، ويتيمة الدهر 1/ 77، والأعلام 4/ 204، والبداية والنهاية 11/ 331) .
[1] في الأصل: «التعليقة» . وفي ص، ل: «النقلين» ، التصحيح من تاريخ بغداد (11/ 311) .
[2] في الأصل: «لسليمان بن محمد بن أحمد الأزدي» .
[3] في الأصل: «يحيى بن علي الزبري» .
[4] في الأصل: «ألاك» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 1/ 324، وطبقات الشافعية 2/ 308- 310، إرشاد الأريب 5/ 249، ويتيمة الدهر 3/ 238، والبداية والنهاية 11/ 331، وشذرات الذهب 3/ 56، والأعلام 4/ 300) .

(15/34)


أَخْبَرَنَا [1] أَبُو بَكْرٍ محمد بن عبد الباقي، البزاز، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن على بن حمويه، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، قال:
أنشدني [2] القاضي أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخذ ما
أشقى به غرسا واجنيه ذلة ... إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان [3] ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدني أبو يوسف القزويني، قال: أنشدني والدي، قال أنشدنا القاضي [4] أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
إذا شئت أن تستقرض المال منفقا ... على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإقراض من كنز صبرها [5] ... عليك وإنظارا إلى زمن اليسر
فإن فعلت كنت الغني وإن أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر
أنبأنا إسماعيل [6] بن أحمد، أنبأنا سعد بن على الزنجاني كتابة من مكة، قال:
أنشدني عبد الله بن محمد بن أحمد الواعظ، قال أنشدني قاضي القضاة أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه: /
__________
[1] في ص، ل: «أنبأنا» .
[2] في ص، ل: «أنشدنا» .
[3] في ص، ل: «ولكن أذلوه فهان» .
[4] في ص، ل: «أنشدني القاضي» .
[5] في ص، ل: «الإقراض من كيس صبرها» .
[6] في ص، ل: «أخبرنا إسماعيل» .

(15/35)


ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب [1] جليسا
ليس شيء أعز عندي من العلم ... فلم ابتغى سواه أنيسا [2]
إنما الذل في مخالطة الناس ... فدعهم وعش عزيزا رئيسا
توفي على بن عبد العزيز الجرجاني [3] في هذه السنة بالري، وحمل تابوته إلى جرجان، فدفن بها.
2977- محمد [4] بن محمد بن جعفر، [أبو بكر] [5] الدقاق الشافعي
[6] .
وكان ينوب في القضاء عن أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكانت فيه دعابة، فحكى أنه دخل الحمام بغير مئزر، فبلغ ذلك الضبي [7] فظن أنه فعله لفقره، فبعث إليه ميازر كثيرة، فرئي بعد ذلك في الحمام بغير مئزر، فسأله الضبي عن سبب فعله، فقال: يا سيدي يأخذني به [8] ضيق النفس.
توفي الدقاق في هذه السنة.
__________
[1] في ص، ل: «صرت للنفس والكتاب» .
[2] في الأصل: «سواه جليسا» .
[3] «الجرجاني» : ساقطة من ص، ل.
[4] بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] الاسم كله ساقط من ص.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 229، والكامل 8/ 21) .
[7] «وكانت فيه دعابة ... فبلغ ذلك الضبي» . العبارة ساقطة من ص.
[8] في الأصل: «نصابي» .

(15/36)


ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة
[منع عميد الجيوش أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء]
فمن الحوادث فيها: [1] أن عميد الجيوش منع أهل الكرخ وباب الطاق في عاشوراء من النوح في المشاهد، وتعليق المسوح في الأسواق فامتنعوا، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير بن العوام.
وقبض بهاء الدولة على وزيره أبي غالب محمد بن خلف يوم الخميس لخمس بقين من المحرم، وقرر عليه مائة ألف دينار قاسانية.
وفى هذا الشهر [2] قبض مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر على سابور بن أردشير لأمر اتهمه به، فأقام في الاعتقال إلى أن ملك/ البطيحة أبو العباس [بن] [3] واصل فأطلقه.
وفى أوائل صفر غلت الأسعار، عدمت الحنطة، وبلغ الكر من الحنطة مائة وعشرين دينارا.
وفي هذه السنة مضى [4] عميد الجيوش إلى النجمي، ومضى إلى سورا واستدعى
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «وفيها برز» .

(15/37)


سند الدولة أبا الحسن على بن مزيد، وقرر عليه أربعين ألف دينار في كل سنة عن بلاده، وأقره عليها.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
2978- إبراهيم [2] بن [أحمد] [3] بن محمد بن أحمد، أبو إسحاق الطبري
[4] .
قرأ القرآن، وسمع الكثير من الحديث، وكان فقيها على مذهب مالك من المعدلين، وكان شيخ الشهود ومقدمهم [5] وكان كريما مفضلا على أهل العلم، خرج له الدار الدّارقطنيّ خمسمائة جزء، وعليه قرأ الرضى القرآن، فقال له يوما: أيها الشريف أين مقامك؟ فقال: في دار أبي بباب محول [6] ، فقال [له] [7] مثلك لا يقيم بدار أبيه، ونحله الدار التي بالبركة في الكرخ، فامتنع الرضى، وقال: لم أقبل من غير أبي [قط] [8] شيئا، فقال له: حقي عليك أعظم لأني حفظتك كتاب الله فقبلها.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني علي بن أبي علي المعدل، قال: قصد أبو الحسين بن سمعون أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري ليهنئه بقدومه من البصرة، فجلس في الموضع الذي جرت عادة أبي إسحاق بالجلوس فيه لصلاة الجمعة من جامع المدينة، ولم يكن وافى، فلما جاء والتقيا قام إليه وسلم عليه، وقال له بعد أن جلسا:
الصبر إلا عنك محمود ... والعيش إلا بك منكود
ويوم تأتى سالما غانما ... يوم على الإخوان مسعود/
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 19، 20، والبداية والنهاية 11/ 332) .
[5] في الأصل: «شيخ الشهود ومستدعيهم» .
[6] في ص، ل: «بباب المحول» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/38)


مذ غبت غاب الخير من عندنا ... وإن تعد فالخير مردود
توفي الطبري في هذه السنة] . [1]
2979- إدريس [2] بن على بن إسحاق بن يعقوب بن زنجويه، أبو القاسم المؤدب
[3] .
كان يسكن الحربية، وحدث عن أبي حامد محمد بن هارون الحضرمي [4] ، وإبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وقرأ على ابن شنبوذ، روى عنه الأزهري، والطناجيري- وكان ثقة مأمونا، توفي في رمضان هذه السنة.
2980- الحسن بن القاسم [5] بن محمد بن يحيى، أبو علي المخزومي المؤدب
[6] .
ولد سنة إحدى وثلاثمائة، وحدث عن ابن أبي داود [7] ، وابن مجاهد. روى عنه الخلال، والأزهري. وكان ثقة.
وتوفي [في رمضان] [8] هذه السنة، وبعضهم يقول في سنة اثنتين وتسعين، ودفن في مقبرة باب حرب.
2981- عبد الكريم [9] الطائع للَّه أمير المؤمنين، ابن المطيع [10] [للَّه] :
قد ذكرنا كيف قبض عليه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة، وكيف خلع واعتقل وحمل إلى دار المملكة، ونفذ إلى القادر الكتاب عليه بخلعه نفسه، ثم سلم بعد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «بن يعقوب بن زغوية» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 15، 16) .
[4] في الأصل: «محمد بن معروف الحضري» .
[5] بياض في ت.
[6] في النسخة ت: «المؤذن» .
[7] في ص، ل: «عن أبي داود» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 332، والكامل، 8/ 24، وشذرات الذهب 3/ 143) .

(15/39)


ذلك إلى القادر، فأقام عنده إلى أن توفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة، وقد بلغ ستا وسبعين سنة، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وأياما، وصلى عليه القادر وكبر خمسا، وحمل إلى الرصافة، فدفن فيها، وشيعه الأكابر والخدم، ورثاه الرضى فقال:
أي طود لك من أي جبال ... لقحت أرض به بعد حيال
ما رأى حي نزار قبلها ... جبلا سار على أيدي الرجال
وإذا رامي المقادير رمى ... قد روع المرء أعوان النصال
أيها القبر الذي أمسى به ... عاطل الأرض جميعا وهو حالي
لم يواروا بك [1] ميتا إنما ... أفرغوا فيك ذنوبا [2] من نوال
عز من أمسى مفدى ظهره ... أخذ الأهبة يوما للزيال
لا أرى الدمع كفاء للجوى [3] ... ليس إن الدمع من بعدك غالي
وبرغمي أن كسوناك الثرى ... وفرشناك زرابي الرمال
وهجرناك على ضن الهوى [4] ... رب هجران على غير تقالي
لا تقل تلك قبور إنما ... هي أصداف على غر لآلئ
2982- عثمان [5] بن محمد بن أحمد بن العباس [6] أبو عمرو القارئ المخرمي
[7] :
سمع إسماعيل الصفار، والبرذعي، والخلدي، وسمع الكثير من الأصم، وروى حديثا عن ابن شاهين فدلسه، فقال: حدثنا عمر بن أحمد النقاش، فقال له ابن شاهين:
أنا نقاش؟ فقال: الست تنقش الكتاب بالخط؟ روى عنه العتيقي، وقال: شيخ ثقة من أهل القرآن، وكان حسن الصوت بالقرآن مع كبر سنه، وتوفى بالدينور في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «لم يواروا منك» .
[2] في الأصل: «أفرغوا منك ذنوبا» .
[3] في الأصل: «أمسى معدا» .
[4] في ص، ل: «كفاء لجوي» .
[5] في الأصل: «على من الهوى» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 312) .

(15/40)


2983- كوهي [1] بن الحسن بن يوسف بن يعقوب، أبو محمد الفارسي
[2] :
روى عنه الأزجي، والصيمري، وكان ثقة وتوفي في شوال هذه السنة.
2984- محمد [3] بن ثابت بن عبد الله، أبو الحسن الصيرفي
[4] :
سمع أبا عمرو بن السماك، وغيره، وروى عنه عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ، وتوفى في يوم السبت سابع رمضان هذه السنة.
2985- محمد [5] بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا، أبو طاهر المخلص
[6] :
ولد سنة خمس وثلاثمائة وسمع البغوي، وابن صاعد، وخلقا كثيرا وأول سماعه في ذي القعدة سنة اثنتي عشرة. روى عنه البرقاني، والأزهري، والخلال، والتنوخي، وغيرهم وكان ثقة من الصالحين، وتوفي في رمضان هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة.
2986- محمد [7] بن عبد الله [8] ، أبو الحسن السلامي الشاعر
[9] :
وله شعر مليح منه قوله في الدرع: /
يا رب سابغة حبتني نعمة ... كافأتها بالسوء غير مفند
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 493) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 111) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 322، واللباب 3/ 111، والرسالة المستطرفة 67، الأعلام 6/ 190، البداية والنهاية 11/ 333، والكامل 8/ 28) .
[7] بياض في ت.
[8] في تاريخ بغداد: «محمد بن عبيد الله» .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 335، ووفيات الأعيان 1/ 524، والبداية والنهاية 11/ 333، ومرآة الجنان 2/ 446، والإمتاع والمؤانسة 1/ 134، ويتيمة الدهر 2/ 157- 188- والوافي بالوفيات 3/ 317، والكامل 8/ 27) .

(15/41)


أضحت تصون عن المنايا مهجتي ... وظللت أبذلها لكل مهند
ومدح عضد الدولة بقصيدة يقول فيها:
وكنت وعزمي والظلام وصارمي ... ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر
وبشرت أمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر
2987- ميمونة بنت ساقولة [1] الواعظة
[2] :
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو على محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت ميمونة بنت ساقولة الواعظة تقول: هذا قميصي اليوم [له] [3] سبع وأربعون سنة، ألبسه وما تخرق، غزلته لي أمي وصبغته بماء السنابك، الثوب إذا لم يعص الله فيه لم يتخرق سريعا.
وسمعتها تقول: آذانا جار لنا فصليت ركعتين وقرأت من فاتحة كل سورة آية حتى ختمت القرآن، وقلت: اللَّهمّ أكفنا أمره، ثم نمت ففتحت عيني فرأيت النجوم مصطفة فقرأت: فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 [4] . فلما كان سحر قام ذلك الإنسان لينزل فزلقت قدمه فوقع فمات.
وأخبرني ابنها عبد الصمد، قال: كان في دارنا حائط له جوف [5] فقلت لها:
استدعى البناء، فقالت: هات رقعة والدواة فناولتها، فكتبت فيها شيئا وقالت: دعه في نقب منه. ففعلت فبقى الحائط نحوا من عشرين سنة، فلما ماتت ذكرت ذلك القرطاس، فقمت فأخذته/ لأقرأه فوقع الحائط، وإذا فيه مكتوب: إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا 35: 41 [6] بسم الله يا ممسك السموات والأرض أمسكه.
توفيت ميمونة في هذه السنة.
__________
[1] مكان «ميمونة» بياض في ت. وفيها: «بنت نشا قولة» ، وكذا في البداية والنهاية.
[2] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 11/ 333) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] سورة: البقرة، الآية: 137.
[5] في ص: «حائط له جرف» .
[6] سورة: فاطر، الآية: «41» .

(15/42)


ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها: [1]
[تقليد الشريف أبي أحمد قضاء القضاة]
أن الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى قلده بهاء الدولة قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين، وكان التقليد له بشيراز، وكتب له منها عهد على جميع ذلك، ولقب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، فلم ينظر في قضاء القضاة لامتناع القادر باللَّه من الإذن له، وترددت في هذا أقوال انتهت إلى الوقوف.
وفى هذه السنة حج بالناس أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي، وكان في جملة الحاج أبو الحسين بن الرفاء، وأبو عبد الله بن الزجاجي وكانا من أحسن الناس قراءة فاعترض [2] الحاج الأصيفر المنتفقي، وحاصرهم بالباطنة، وعول على نهبهم، فقالوا: من يمضى إليه ويقرر معه شيئا نعطيه؟ فندبوا أبا الحسين [بن] [3] الرفاء، وأبا عبد الله الزجاجي [4] فدخلا إليه وقرءا بين يديه، فقال [لهما] [5] : كيف عيشكما ببغداد؟
فقالا: نعم العيش، يصلنا من أهلنا الخلع والصلات والهدايا، فقال: هل وهبوا لكما ألف ألف دينار في صرة؟ فقالا: لا ولا ألف دينار في موضع، فقال [لهما] [6] : قد وهبت
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «قراءة وحج بالناس فاعترض» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] كذا في جميع الأصول، وفي ترجمته في وفيات سنة 412 «ابن الدجاجيّ» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/43)


لكما الحاج وأموالهم ذلك يزيد على ألف ألف دينار، فشكروه وانصرفوا [من عنده] [1] ووفى للحاج بذلك وحجوا ولما قرءا بعرفات على جبل الرحمة، قال أهل مكة وأهل مصر والشام: ما سمعنا عنكم يا أهل بغداد تبذيرا مثل هذا يكون عندكم مثل هذين الشخصين فتستصحبوا بهما معا، فإن هلكا فبأي شيء تتجملون، كان ينبغي أن تستصحبوا كل سنة واحدا/ ولما حجوا عول الأمير على ترك زيارة المدينة، واعتذر بقعود الأعراب في طريقه وما يلزمه من الخفارات عند تعويقه، فتقدما الحاج ووقفا عند الجبل [2] الذي عند يسار الراجع من مكة، ويرى من بعيد كأنه عنق طائر ومنه يعدل القاصد من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسير في سبخة من ورائها صفينة فقرءا مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمن حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ 9: 120 [3] فعند ذلك ضج الناس بالبكاء ولوت الجمال أعناقها نحوهما، وقصد بهم الأمير المدينة، ولما ورد أبو الحسين بن بويه، بغداد أخد هذين القارئين ومعهما أبو عبد الله بن البهلول، وكان قارئا محسنا فرتبهم لصلاة التراويح به وهم أحداث، وكانوا يتناوبون الصلاة ويأتم بهم ورغب لأجلهم في صلاة التراويح.
وكان أبو الحسين بن الرفاء تلميذ أبي الحسن [4] بن الخشاب، وكان ابن الخشاب مليح الصوت حسن التلاوة وإنه [قرأ] [5] في جامع الرصافة في بعض الليالي الأحياء أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 57: 16 [6] فتواجد صوفي، وقال: بلى قد أن، ثم جلس وبكى طويلا ثم سكت سكتة طالت [7] فحرك فإذا به ميت، وكان ابن الخشاب تلميذ أبي بكر بن الآدمي، الموصوف بطيب التلاوة.
وجرى مثل هذا لأبى عبد الله ابن البهلول، قال: فأنبأنا أحمد بن علي ابن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «ووقفا عند الميل» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 120.
[4] في ص: «تلميذ أبي الحسين» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سورة: الحديد، الآية: 16.
[7] «طالت» ساقطة من ل.

(15/44)


المحاملي، قال: سمعت أبا الحسين محمد بن علي ابن المهتدي، يقول: قرأ أبو عبد الله ابن البهلول يوما في دار القطان في الجامع بعد الصلاة يوم الجمعة أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا/ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 57: 16 [1] ، فقام رجل من أهل عكبرا فقال له: كيف قرأت يا أبا عبد الله؟ فردد عليه، فقال الرجل: بلى والله فسقط ميتا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2988- الحسن [2] بن محمد بن إسماعيل، أبو على [3] ، الإسكافي، ويلقب بالموفق
[4] .
كان متقدما عند بهاء الدولة أبي نصر، فولاه بغداد فقبض على اليهود وأخذ منهم دنانير وهرب إلى البطيحة، فأقام بها سنتين ثم خرج منها فوزر لبهاء الدولة، وكان شهما في الحروب منصورا فيها، فأخذ بلاد فارس ممن استولى عليها وارتفع أمره حتى قال قائل لبهاء الدولة: زينك الله يا مولانا في عين الموفق، فبالغ في عقوبته ثم قتله في هذه السنة وله تسع وأربعون سنة [5] .
2989- عبد السلام [6] بن على بن محمد بن عمر، أبو أحمد المؤدب
[7] :
حدث عن أبي بكر النيسابوري، وابن مجاهد روى عنه الأزهري والعتيقي، وقال: هو ثقة مأمون.
توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة معروف، وكان ينزل درب الآجر من نهر طابق.
__________
[1] سورة: الحديد، الآية: 16.
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «أبو عبد الله» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 334) .
[5] في الأصل: «وله أربع وأربعون سنة» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 57) وفيه: المعروف بالجدّاع.

(15/45)


ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه ورد في ليلة الخميس لسبع بقين من المحرم أوائل الحاج من مكة بعد أن إعتاقهم ابن الجراح الطائي في طريقهم/ ولزمهم تسعة آلاف دينار مضافة إلى رسم الأصيفر الذي يقوم به بدر بن حسنويه، وقد سبق ذكر ذلك.
وفي هذه السنة: حج [2] بالناس جعفر بن شعيب السلار، ولحقهم عطش في طريقهم، فهلك خلق كثير، ولحق قوم منهم الحج.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
2990- إسحاق [4] بن محمد بن حمدان بن محمد بن نوح، أبو إبراهيم المهلبي الخطيب، ويعرف بالجبني
[5] .
من أهل بخارى، روى عنه الأزهري، وكان أحد الفقهاء على مذهب أبي حنيفة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «وفي هذه السنة حج» .
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] في ل: «ويعرف بالخبني» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 402، والكامل 8/ 33) .

(15/46)


2991- الحسين [1] بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي عائذ [2] ، أبو القاسم الكوفي
[3] :
ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه أبو القاسم التنوخي، وقال: كان ثقة كثير الحديث جيد المعرفة، وولى القضاء بالكوفة من قبل أبي، وكان فقيها على مذهب أبي حنيفة، وكان يحفظ القرآن ويحسن قطعة من الفرائض وعلم القضاء قيما بذلك، وكان زاهدا عفيفا، توفي في صفر هذه السنة.
2992- عبد الله [4] بن محمد بن جعفر بن قيس، أبو الحسين البزاز
[5] .
سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسين بن المنادى، وأبا العباس بن عقدة. روى عنه العتيقي، وقال: توفي في شوال هذه السنة، وكان ثقة.
2993- محمد [6] بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر، أبو نصر البخاري المعروف بالملاحمي
[7] :
ولد سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة، وقدم بغداد وحدث بها عن محمود بن إسحاق، عن البخاري/ وروى عن الهيثم بن كليب وغيره، وسمع منه الدار الدارقطني، وكان من أعيان أصحاب الحديث وحفاظهم، وتوفي ببخارى يوم السبت السابع من شعبان هذه السنة.
2994- محمد [8] بن أبي إسماعيل، واسمه على بن الحسين بن الحسن بن القاسم [أبو الحسن] العلويّ
[9] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] في تاريخ بغداد: «ابن أبي عابد» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 103) .
[4] بياض في ت.
[5] في تاريخ بغداد: «أبو الحسن البزاز» انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 139) .
[6] بياض في ت.
[7] في الأصل: «المعروف بالأعمى» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 335) .
[8] بياض في ت.
[9] في الأصل: «أبو القاسم العلويّ» وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 335، والكامل 8/ 33) .

(15/47)


ولد بهمذان ونشأ ببغداد وكتب الحديث عن جعفر الخلدي وغيره، وسمع بنيسابور من الأصم وغيره ودرس ببغداد، وكتب الحديث عن جعفر الخلدي [1] . ودرس فقه الشافعي عن أبي على بن أبي هريرة، وسافر إلى الشام، وصحب الصوفية وصار كبيرا فيهم، وحج مرات على الوحدة، وتوفي ببلخ في محرم هذه السنة.
__________
[1] «ودرس ببغداد ... الخلدي» : ساقطة من ص، ل.

(15/48)


ثم دخلت سنة ست وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] : أنه طلع كوكب كبير يشبه الزهرة في كبره وإضاءته عن يسرة القبلة يتموج [2] وله شعاع على الأرض كشعاع القمر، وذلك في ليلة الجمعة مستهل شعبان، وثبت إلى النصف من ذي القعدة ثم غاب.
وفى هذه السنة [3] : ولى أبو محمد بن الأكفاني قضاء جميع بغداد، وجلس القادر لأبى المنيع قرواش بن أبي حسان ولقبه بمعتمد الدولة، وتفرد قرواش بالإمارة.
وفي هذه السنة: حج بالناس [4] محمد بن محمد بن عمر العلوي، وخطب بمكة والمدينة للحاكم صاحب مصر على الرسم في ذلك، وأمر الناس في الحرمين بالقيام عند ذكره، وفعل مثل ذلك بمصر وكان إذا ذكر قاموا وسجدوا في السوق ومواضع الاجتماع [5] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «يسرة القبلة فيخرج» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص، ل: «وفيها حج بالناس» .
[5] في الأصل: «ومواضع الاجتماع وحج بالناس» .

(15/49)


ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
2995- إسماعيل [2] بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو سعد الجرجاني المعروف بالإسماعيلي
[3] : / ورد بغداد غير مرة، كان آخر وروده والدار الدّارقطنيّ حي، وحدث عن أبيه أبي بكر الإسماعيلي، والأصم وعبد الله بن عدى [4] . روى عنه الخلال والتنوخي، وكان ثقة فاضلا فقيها على مذهب الشافعي، عارفا بالعربية، سخيا جوادا يفضل على أهل العلم، وكان له ورع، والرئاسة بجرجان إلى اليوم [5] في ولده وأهل بيته.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت أبا الطيب الطبري يقول: ورد أبو سعد الإسماعيلي بغداد وعقد له الفقهاء مجلسين تولى أحدهما أبو حامد الأسفراييني، وتولى الآخر أبو محمد البافي فبعث البافي إلى القاضي أبي الفرج [6] المعافى بن زكريا بابنه أبي الفضل يسأله حضور المجلس، فكتب على يده هذين البيتين:
إذا أكرم القاضي الجليل وليه ... وصاحبه الفاه للشكر موضعا
ولى حاجة يأتي [7] بني بذكرها ... ويسأله فيها التطول أجمعا
فأجابه أبو الفرج:
دعا الشيخ مطواعا سميعا لأمره ... يؤاتيه باعا حيث يرسم إصبعا
وها أنا غاد في غد نحو داره ... أبادر ما قد حده لي مسرعا
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 309، وتاريخ جرجان 106، البداية والنهاية 11/ 336، والكامل 8/ 37) .
[4] في الأصل: «وعبد الله بن محمد بن عدي» .
[5] «إلى اليوم» : ساقطة من ص.
[6] في الأصل: «فبعث القاضي البافي إلى أبي الفرج» .
[7] في الأصل: «إلى حاجة يأتي» .

(15/50)


توفي الإسماعيلي بجرجان في ربيع الآخر من هذه السنة وكان في صلاة المغرب فقرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5. وفاضت نفسه [1] .
2996- على [2] بن محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو الحسن المقرئ المعروف/ بابن العلاف
[3] :
سمع على بن محمد المصري، وقرأ على أبي طاهر بن أبي هاشم، وكان أحد شهود القاضي أبي محمد [بن] [4] الأكفاني. روى عنه عبد العزيز الأزجي.
وتوفي في شوال هذه السنة.
2997- محمد [5] بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن بحير، أبو عمرو المزكي
[6] :
من أهل نيسابور يعرف بالبحيري. رحل في طلب العلم إلى العراق والحجاز، وورد بغداد، فحدث بها سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان ثقة حافظا مبرزا في المذاكرة، وتوفى بنيسابور في شعبان هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين.
2998- محمد بن أحمد بن موسى بن جعفر بن قيس، أبو الحسين البزاز
[7] :
سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسين [8] .
2999- محمد [9] بن الحسن بن الفضل بن المأمون، أبو الفضل الهاشمي
[10] :
__________
[1] «وفاضت نفسه» : ساقطة من ص، ل.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 95) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 336) .
[7] البزاز: هذه اللفظة تقال لمن يبيع البز، وهو الثياب (الأنساب 2/ 186) .
[8] هذه الترجمة موجودة في الأصل فقط، وساقطة من باقي النسخ.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 215) .

(15/51)


سمع أبا بكر بن الأنباري، والنيسابوري [1] . روى عنه البرقاني [2] وغيره، وقال العتيقي: هو ثقة. توفي يوم السبت سلخ ربيع الآخر من هذه السنة وله ست وثمانون سنة.
3000- محمد بن الحسن [3] بن عمر بن الحسن، أبو الحسين المؤدب يعرف بابن أبي حسان
[4] :
حدث عن أبي العباس [بن عقدة] وغيره [5] ، روى عنه العتيقي.
3001- محمد [6] بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، أبو عبد الله [7] الحافظ الأصبهاني
[8] :
من بيت الحديث والحفظ، سمع من أصحاب أبي مسعود، ويونس بن حبيب [9] ، وأبي العباس المحبوبي وسافر البلاد [10] ، وكتب الكثير، وصنف التاريخ والشيوخ، وتوفى بأصبهان في صفر هذه السنة.
أخبرنا عبد الله بن على المقرئ، أخبرنا عبد الله بن عطاء الهروي، قَالَ، سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، يقول: سمعت أبا العباس جعفر بن محمد بن المعتز الحافظ، يقول: ما رأيت احفظ من أبي عبد الله بن مندة، وسألته يوما، فقلت [11] : كم يكون سماع الشيخ؟ فقال: يكون خمسة آلاف منا [12] .
__________
[1] في ص: «سمع أبا بكر الانباري» .
[2] في الأصل: «البركاني» .
[3] مكان «محمد» بياض في ت. وفي الأصل: «محمد بن الحسين» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 216) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] بياض في ت.
[7] «أبو عبد الله» مكررة في الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (طبقات الحنابلة 2/ 167، وميزان الاعتدال 3/ 26، ولسان الميزان 5/ 70، وتذكرة الحفاظ 3/ 338، والأعلام 6/ 29، البداية والنهاية 11/ 336، والكامل 8/ 37) .
[9] في الأصل: «ويوسف بن حبيب» .
[10] في الأصل: «وسمع وسافر البلاد وسافر» .
[11] ساقطة من ص، ل.
[12] في الأصل: «يكون خمسة آلاف صنا» .

(15/52)


ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر]
خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر [2] . وهذا رجل أموي من ولد هشام بن عبد الملك [واسمه الوليد] [3] ، وإنما كنى بأبي ركوة لركوة [4] كانت معه في أسفاره يحملها على مذهب الصوفية، وكان قد لقي الشيوخ وكتب الحديث بمصر وانتقل إلى مكة ثم إلى اليمن ثم عاد إلى الشام، وهو في خلال أسفاره يدعو إلى القائم من ولد هشام بن عبد الملك، ويأخذ البيعة على من يجد عنده انقيادا وقبولا، ثم نزل حلة وصار معلما واجتمع عنده صبيان العرب وتظاهر بالتنسك [5] ودعا جماعة منهم فوافقوه، ثم أعلمهم إنه هو الإمام الذي يدعو إليه، وقد أمر بالظهور ووعد النصر فخاطبوه بالإمامة [6] ، ولقب نفسه الثائر بأمر الله المنتصر لدين الله من أعداء الله، وعرف هذا بعض الولاة فكتب إلى الحاكم يستأذنه في طلبه قبل أن تقوى شوكته، فأمره باطراح الفكر في أمره لئلا يجعل له سوقا، وكان يخبر عن الغائبات، فيقول أنه يكون كذا وكذا ثم لقيه ذلك الوالي في جمع فهزمهم، وحصل من أموالهم ما قويت به حاله، فدخل برقة
__________
[1] بياض في ت.
[2] «بمصر» : ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «لركوة» : ساقطة من ص.
[5] في ص، ل: «وتظاهر بالنسك» .
[6] في الأصل: «ووعد النسر فدعوه» .

(15/53)


فجمع له أهلها مائتي ألف دينار وقبض على رجل يهودي اتهمه بودائع عنده، فأخذ منه مائتي ألف دينار ونقش السكة باسمه وألقابه، وركب يوم الجمعة وخطب ولعن الحاكم، فجمع له الحاكم ستة عشر ألفا وبعث عليهم الفضل/ بن عبد الله، فنهض وأخذ معه ثلاثمائة ألف دينار لنفقاته ونفقات العسكر، وحمل إليه الحاكم خمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف قطعة ثيابا، وقال له: اجعل هذا عدة معك، فلما سار تلقاه أبو ركوة فرام مناجزته والفضل يتعلل ويراوغ، فقال أصحاب أبي ركوة: قد بذلنا نفوسنا دونك ولم يبق فينا فضل [1] لمعاودة حرب، وما دمت مقيما [2] بين ظهرانينا فنحن مطلوبون لأجلك، فخذ لنفسك وانظر أي بلد تريد لنحملك إليه، فقال: تسلمون إلي فارسين يصحبانني إلى بلاد النوبة فإن بيني وبين ملكهم [3] عهدا وذماما، فأوصلوه إلى بلاد النوبة، فبعث الفضل وراءه فسلموه فحمل إلى الحاكم، فأركبه جملا وشهره ثم قتله، وقدم الحاكم الفضل وأقطعه قطاعات كثيرة وبلغ في إكرامه إلى أن عاده دفعتين في علة عرضت له، فلما أبل وعوفي قتله.
وفى يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الأولى أظهر ورود كتاب من حضرة بهاء الدولة بتقليد أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى النقابة والحج، وتلقيبه بالرضي ذي الحسين.
وفى هذه السنة [4] : لقب الشريف أبو القاسم أخوه بالمرتضى ذي المجدين، ولقب الشريف أبو الحسين الزينبي بالرضا ذي الفخرين.
وفى رمضان هذه السنة قلد سند الدولة أبو الحسن على بن مزيد ما كان لقرواش، وخلع عليه، ولقب سند الدولة.
وفي هذه السنة [5] : ثارت على الحاج ريح سوداء بالثعلبية أظلمت الدنيا منها
__________
[1] في ص، ل: «ولم يبق أفضل» .
[2] «مقيما» : ساقطة من ص، ل.
[3] في ص، ل: «فإن بيني وبينهم عهدا» .
[4] بياض في ت.
[5] في ص، ل: «وفيها ثارت» . ومكانها بياض في ت.

(15/54)


حتى لم ير بعضهم بعضا وأصاب الناس عطش [1] شديد، وإعتاقهم ابن الجراح على مال طلبه، وضاق الوقت فعادوا إلى الكوفة ووصل أوائلهم إلى بغداد في يوم التروية، ولم يتم الحج في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3002- عَبْد الرَّحْمَنِ [3] بْن عمر بن أحمد، أبو الحسين المعدل المعروف بابن حمة/ الخلال
[4] :
سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي، روى عنه البرقاني، والأزهري. وكان ثقة، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه أبو حامد الأسفراييني ودفن بالشونيزي [5] .
3003- عبد الصمد [6] بن عمر بن محمد بن إسحاق، أبو القاسم الدينَوَريّ الواعظ الزاهد
[7] .
قرأ القرآن ودرس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وسمع الحديث من أبي بكر النجاد، وروى عنه الأزجي، والصيمري. وكان ثقة، ولزم طريقة يضرب بها المثل من المجاهدة للنفس واستعمال الجد المحض والتعفف والتقشف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي [8] ، وأنبأنا علي بن المحسن التنوخي، قال: كان
__________
[1] في ص، ل: «وأصابهم عطش» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 301) .
[5] في الأصل: «السونيزنين» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 43، والبداية والنهاية 11/ 337) .
[8] في ص، ل: «أنبأنا محمد بن عبد الباقي» .

(15/55)


عبد الصمد يدق السعد في العطارين ويذهب مذهب التدين والتصون والتعفف والتقشف، فسمع عطارا يهوديا يقول لابنه: يا بنى قد جربت هؤلاء المسلمين فما وجدت فيهم ثقة، فتركه عبد الصمد أياما ثم جاءه، فقال: أيها الرجل [1] تستأجرني لحفظ دكانك. قال: نعم، وكم تأخذ منى؟ قال: ثلاثة أرطال خبز ودانقين فضة كل يوم، قال: قد رضيت، قال: فأعطني الخبز إدرارا واجمع لي الفضة عندك فإني أريدها لكسوتي. فعمل معه سنة، فلما انقضت جاءه فحاسبه فقال: انظر إلى دكانك، قال: قد نظرت، قال: فهل وجدت خيانة أو خللا، قال: لا والله، قال: فإني لم أرد العمل معك وإنما سمعتك تقول لولدك في الوقت الفلاني إنك لم تر في المسلمين أمينا، فأردت أن انقض عليك قولك وأعلمك إنه إذا كان مثلي وأنا أحد الفقراء على هذه الصورة فغيري من المسلمين على مثلها/ وما هو أكثر منها [2] . ثم فارقه وأقام على دق السعد مدة وعرفه الناس واشتهر بفعله ودينه عندهم وانقطع إلى الوعظ، وحضور الجوامع وكثر أصحابه وشاع ذكره، وكان ينكر على من يسمع القضيب.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ [3] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، قال: حدثني على بن محمد بن الحسن المالكي، قال: جاء رجل إلى عبد الصمد [4] بمائة دينار ليدفعها إليه، فقال [5] : أنا غنى عنها، فقال: ففرقها على أصحابك هؤلاء، فقال: ضعها على الأرض. ففعل، فقال عبد الصمد للجماعة: من احتاج [منكم] [6] إلى شيء، فليأخذ على قدر حاجته. فتوزعتها الجماعة على صفات مختلفة من القلة والكثرة ولم يمسها هو بيده. ثم جاءه ابنه بعد ساعة فطلب منه شيئا، فقال له: اذهب إلى البقال فخذ منه على ربع رطل تمر.
وبلغنا عن عبد الصمد أنه اشترى يوما دجاجة [7] وفاكهة وحلوى فرآه بعض
__________
[1] «أيها الرجل» : ساقطة من ص.
[2] في الأصل: «وعلى أكثر منها» .
[3] في الأصل: «عبد الله بن محمد» .
[4] في الأصل: «جاء رجل من عبد الصمد» .
[5] في الأصل: «قال» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «اشترى يوما دجاجا» .

(15/56)


أصحابه فتعجب فمشى وراءه فطرق باب أرامل وأيتام فأعطاهم ذلك ثم التفت فرآه فقال له: المتقى يزاحم أرباب الشهوات ويؤثر بها في الخلوات حتى لا يتعب بها جسمه ولا يظهر بتركها اسمه.
توفي عبد الصمد بدرب شماس من نهر القلائين بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من هذه السنة.
وقيل: توفي ليلا وكان يقول في حالة نزعه: سيدي لهذه الساعة خبأتك. صلى عليه بجامع المنصور، ودفن في مقبرة الإمام أحمد.
3004- أبو العباس [1] بن واصل:
كان يخدم الكرج، وكان يخرج له في الحسان أنه يملك، فكانوا يهزءون به ويقول [2] / له بعضهم: إذا صرت ملكا فاستخدمني، ويقول الآخر اخلع علي، والآخر يقول: عاقبني فصار ملكا وملك سيراف، ثم البصرة، وقصد الأهواز، وهزم بهاء الدولة وملك البطيحة، وأخرج عنها مهذب الدولة على بن نصر إلى بغداد بعد أن كان قد لجأ إليه في بعض الأحوال، فخرج إليه مهذب الدولة [3] بما أمكنه من أمواله، وأخذت أمواله في الطريق، واضطر إلى أن ركب بقرة ودخل ابن واصل، فأخذ أموال مهذب الدولة، ثم أن فخر الملك أبا غالب قصد [4] ابن واصل، فاستجار ابن واصل بحسان بن ثمال الخفاجي فصيره [5] إلى مشهد على عليه السلام، فتصدق هناك بصدقات كثيرة وسار من المشهد [قاصدا بدر بن حسنويه [6]] لصداقة كانت بينهما فكبسه أبو الفتح بن عناز فسلمه إلى أصحاب بهاء الدولة بعد أن حلف له على الحراسة، فحمل إليه فقتله بواسط في صفر هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت. وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 338، والكامل 8/ 40، 41) .
[2] في الأصل: «وسول» .
[3] في ص، ل: «فخرج بهاء الدولة» .
[4] في الأصل: «أبا غلاب» .
[5] في الأصل: «فسيره» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/57)


ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
[وقوع الثلج ببغداد وعلوه عن الأرض ذراعا]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الثلج وقع ببغداد في يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع [الأول] [2] فعلا على وجه الأرض ذراعا في موضع وذراعا ونصفا، وأقام أسبوعا لم يذب رماه الناس عن سطوحهم بالرفوش إلى الشوارع والدروب، وابتدأ يذوب وبقيت منه بقايا في موضع نحو عشرين يوما. وبلغ سقوطه إلى تكريت. ووردت الكتب من واسط بسقوطه فيها بين البطيحة/ وبين البصرة والكوفة وعبادان ومهروبان.
[كثرة العملات ببغداد]
وفى هذا الشهر [3] : كثرت العملات ببغداد، وكبس الذعار عدة مواضع، وقصد قوم منهم مسجد براثا ليلة الجمعة وأخذوا حصره وستوره وقناديله، فجد أصحاب الشرطة في طلبهم فظفروا ببعضهم فشهروا وعرفوا وكحلوا وقطعوا.
[الفتنة بين أهل الكرخ [4] والفقهاء]
في يوم الأحد عاشر رجب جرت فتنة بين أهل الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب [5] أن بعض الهاشميين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبد الله محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم، وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رياح وتعرض به
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «فتنة بين أصحاب الكرخ» .
[5] في الأصل: «وذلك السبب» .

(15/58)


تعرضا امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا [1] أهل الكرخ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسفرايني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليواقعوا بهم ونشأت من ذلك فتنة عظيمة، واتفق أنه احضر مصحفا ذكر أنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف، فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب وعرض المصحف عليهم، فأشار أبو حامد الإسفرايني والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بحضرتهم فلما كان في شعبان كتب إلى الخليفة بأن رجلا من أهل [جسر] [2] النهروان حضر المشهد [3] بالحائر ليلة النصف، ودعا على من أحرق المصحف وسبه، فتقدم بطلبه فأخذ فرسم قتله، فتكلم أهل الكرخ في هذا المقتول لأنه من الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلائين، وقصد أحداث الكرخ [باب] [4] دار أبي حامد فانتقل عنها وقصد دار القطن [5] ، وصاحوا: حاكم يا منصور.
فبلغ ذلك الخليفة فأحفظه وأنفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة وساعدهم الغلمان، وضعف أهل الكرخ وأحرق ما يلي بنهر الدجاج، ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة فسألوه العفو عما فعل السفهاء فعفا عنهم.
فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه، ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان وتقدم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة، فضرب قوم وحبس قوم ورجع أبو حامد إلى داره، ومنع القصاص من الجلوس، فسأل على بن مزيد في ابن المعلم، فرد ورسم للقصاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن.
وفى يوم الاثنين ثالث شعبان وافى مطر ومعه برد في الواحدة منها خمسة دراهم ونحوها.
__________
[1] في ص، ل: «فثاروا واستنفروا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «حضر المسجد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص، ل: «ونزل دار القطن» .

(15/59)


وفى ليلة الأحد سادس عشر شعبان حدثت زلزلة عظيمة بالدينور، وورد الخبر بأنها هدمت المنازل وهلك فيها خلق كثير [1] أكثر من ستة عشر ألف إنسان غير من خاست به الأرض وطمه الهدم، وخرج السالمون إلى الصحراء فأقاموا في أكواخ عملوها وذهب من الأثاث والمتاع فيما تهدم ما لا يحصى.
وورد الخبر في سادس عشر رمضان بهبوب عاصف من الريح سوداء بدقوقا قلعت المنازل والنخل والزيتون، وخرج الناس لأجلها من [2] منازلهم وقتلت جماعة، وورد الخبر من تكريت بنحو ذلك.
وورد الخبر من شيراز بعصوف ريح سوداء أحرقت الزروع، وهدمت قطعة من البلد وأن رجفة كانت بسيراف والسيف غرق فيها عدة مراكب، / وأهلكت كثيرا من الناس.
وورد الخبر من واسط وشقي الفرات أنه ورد في هذين الصقعين برد عظيم كان وزن الواحدة منه مائة وستة دراهم.
وجاء ببغداد [في يوم الاثنين] [3] لثمان بقين من رمضان وهو سلخ أيار مطر كثير جرت منه المآزيب.
[ورد الخبر بأن صاحب مصر هدم بيعة قمامة]
وفى هذه السنة [4] : ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر هدم بيعة قمامة، وهذه البيعة تجاور بيت المقدس وهى عظيمة القدر عند النصارى، وكانوا يخرجون [في] [5] كل سنة من المواضع في العماريات إلى بيت المقدس لحضور فصحهم، وربما جاء ملك الروم وكبراء بطارقته متنكرا ويحملون إليها الأموال والثياب والستور والفروش، ويصوغون لها القناديل والأواني من الذهب والفضة، واجتمع فيها مع الزمان مال عظيم، فإذا اجتمعوا يوم الفصح أظهروا زينتهم ونصبوا صلبانهم، ويعلق القوم القناديل في بيت
__________
[1] «خلق كثير» : ساقطة من ص، ل.
[2] في الأصل «من أجلها إلى منازلهم» والتصحيح من: ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/60)


المذبح، ويجعلون فيها دهن الزيتون ويجعلون بين كل قنديلين كالخيط من الحديد متصلا ويطلونه بدهن البلسان ويقرب بعض القوم النار [1] من خيط منها، بحيث لا يعلم الحاضرون [فيشعلونه] [2] ، وينتقل من القناديل فيشعل الكل ويظن من حضر أنها نار نزلت من السماء فيكثر تكبيرهم وضجيجهم، فلما وصفت هذه [الحالة] [3] للحاكم تقدم بان يكتب إلى والي الرملة وإلى أحمد بن يعقوب الداعي بأن يقصدا بيت المقدس ويستصحبا الأشراف [4] والقضاة والشهود ووجوه البلد، وينزلا بيعة قمامة ويبيحا العامة نهبها، وأخذ ما فيها ويتقدما بنقضها وتعفيه أثرها.
وبلغ الخبر النصارى فأخرجوا ما في البيعة من جوهر وثياب وذهب وفضة، فأنتهب ما بقي وهدمت.
ثم جاز الحاكم إلى موضع فيه ثلاث بيع تعظمها النصارى على أعلاها الصلبان الظاهرة، فضجت العامة إليه فنقض منها شيئا بيده، ثم أمرهم بنقضها ورجع إلى منزله، فكتب بنقض جميع البيع والكنائس وبني مساجد مكانها/ فهدمت ألوف وأمر بالنداء بمصر في أهل الذمة من أراد الدخول في الإسلام دخل، ومن أراد الانتقال إلى الروم كان آمنا إلى أن يخرج ويصل أو المقام على أن يلبس الغيار ويلزم ما شرط عليه في ذلك أقام وشرط على النصارى تعليق الصلبان ظاهرة على صدورهم، وعلى اليهود تمثال رأس عجل، والامتناع من ركوب الخيل فعملوا صلبان الذهب والفضة، فأنكر الحاكم ذلك وأمر المحتسبين أن يأخذوا النصارى بتعليق صلبان الخشب الذي يكون قدر الواحد منها أربعة أرطال، واليهود بتعليق خشبة كالمدقة وزنها ستة أرطال، وان يشدوا في أعناقهم أجراسا عند دخولهم الحمامات ليتميزوا بها عن المسلمين، ففعل ذلك، ثم أنه قبيل قتله أذن في إعادة [بناء] [5] البيع والكنائس، وأذن لمن أسلّم منهم أن يعود إلى
__________
[1] في الأصل: «العوام النار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ويستصحبوا الأشراف» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/61)


دينه، وقال: ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام، وهذا غلط قبيح منه وقلة علم، فإنه لا يجوز أن يمكن من اسلم من الارتداد.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر.
3005- أحمد [2] بن إبراهيم، أبو العباس الضبي: [3]
توفي في صفر هذه السنة، وكان أوصى أن يدفن في مشهد كربلاء، وبعث ابنه إلى أبي بكر الخوارزمي شيخ الحنفيين [يسأله] [4] أن يبتاع له تربة يدفن بها وأن يقوم بأمره، فبذل للشريف أبي أحمد والد الرضى خمسمائة دينار مغربية ثمن تربة، فقال:
هذا رجل لجأ إلى جوار جدي فلا آخذ لتربته ثمنا وأخرج التابوت من بغداد وشيعه بنفسه ومعه الأشراف والفقهاء، وصلوا عليه بمسجد براثا وأصحبه خمسين رجلا من رجالة بابه.
3006- الحسين [5] بن هارون، أبو عبد الله الضبي القاضي
[6] :
ولد سنة عشرين وثلاثمائة، وكان إليه القضاء بربع الكرخ، ثم صار إليه القضاء بالجانب الغربي جميعه والكوفة وشقي الفرات.
وحدث عن الحسين المحاملي وابن عقدة وكان فاضلا دينا ثقة حجة عفيفا عارفا بالقضاء والحكم، بليغا في الكتابة، وولى القضاء نيابة عن ابن معروف في سنة ست
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] هذه الترجمة والتي بعدها جاءت في الأصل في الورقة (24/ ب) . أي قبل ترجمته عبد الله بن أحمد، وأبقينا عليها هنا لعدم الإخلال بالترتيب الابجدي.
وانظر ترجمته في: (الكامل بن الأثير 9/ 72، ويتيمة الدهر 3/ 118- 124، وإرشاد الأريب 1/ 65- 74، والأعلام 1/ 86، والكامل 8/ 50) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 146، والأعلام 2/ 261) .

(15/62)


وسبعين، ثم وليه رياسة، ثم عزل الضبي عن القضاء في سنة سبع وسبعين فانحدر إلى البصرة، وتوفى بها في شوال هذه السنة.
3007- عبد الله [1] بن محمد، أبو محمد البخاري، المعروف بالبافي الخوارزمي
[2] .
كان من افقه أهل وقته على مذهب الشافعي، تفقه على أبي القاسم الداركي، ودرس مكانه، وله معرفة بالأدب وفصاحة شعر مطبوع يقوله من غير كلفة، ويعمل الخطب، ويكتب الكتب الطوال من غير روية.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثنا البرقاني، قال: قصد أبو محمد البافي صديقا له ليزوره في داره فلم يجده فاستدعى بياضا ودواة فكتب إليه.
كم حضرنا وليس يقضى التلاقي ... نسأل الله خير هذا الفراق
إن أغب لم تغب وإن لم نغب ... غبت وكان افتراقنا باتفاق
/ توفي البافي فِي محرم هَذِهِ السنة.
3008- عبيد الله [3] بْن أحمد بن على بن الحسين، أبو القاسم المقرئ المعروف بابن الصيدلاني
[4] :
ولد سنة تسع وثلاثمائة، وسمع ابن صاعد وهو أحد من حدث عنه من الثقات، روى عنه الأزهري، وكان صالحا مؤمونا ثقة، توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة أحمد بن حنبل.
3009- عبيد الله [5] بن عثمان بن على، أبو زرعة البناء الصيدلاني
[6] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «المعروف بالباقي» وفي أوصل: «المعروف باليافي» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 35، وطبقات الشافعية 2/ 233، والأعلام 4/ 120، 121، والبداية والنهاية 11/ 340) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 378، 379) .
[5] بياض في ت، وفي ص: «عبد الله» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 379) .

(15/63)


ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وسمع القاضي المحاملي، روى عنه الأزهري، والعتيقي، وكان ثقة مأمونا. وتوفى في هذه السنة.
3010- عبد الواحد [1] بن نصر بن محمد، أبو الفرج المخزومي الشاعر الملقب بالببغاء:
[2] كان أديبا فاضلا وكاتبا مترسلا وشاعرا مجيدا [لطيفا] [3] .
5 خبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ على بن ثابت، / قال: أنشدنا أبو نصر أحمد بْن عَبْد اللَّه، قال: أنشدنا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر لنفسه:
يا من تشابه منه الخلق والخلق ... فما تسافر إلا نحوه الحدث
ترديد دمعي في خديك مختلس ... وسقم جسمي من جفنيك مسترق
لم يبق لي رمق أشكو هواك به ... وإنما يتشكى من به رمق
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران، قال: أنشدنا أبو الفرج المخزومي المعروف بالببغاء لنفسه:
طمعت ثم رأيت اليأس أجمل لي ... تنزها فخصمت الشوق بالجلد
تبدلت وتبدلنا وأخسرنا ... من ابتغى خلفا يسلى فلم يجد
قال: وأنشدنا أبو غالب، عن أبي الفرج الببغاء، قال: إنها من مشهور شعره إلى عميد الجيوش، ولم نسمعها منه:
سألت زماني بمن أستغيث ... فقال استغث بعميد الجيوش
فناديت ما لي به حرمة ... فجاوب حوشيت من ذا وحوشى
رجاؤك إياه يدنيك منه ... ولو كنت بالصين أو بالعريش
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 11، وابن خلكان 1/ 298، ونزهة الجليس 2/ 239، ويتيمة الدهر 1/ 173، 204، والأعلام 4/ 177) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/64)


نبت بي دارى وفر العبيد ... وأودت ثيابي وبعت فروشى
/ وكنت ألقب بالببغاء ... قديما فقد مزق الدهر ريشي
وكان غذائي نقى الأرز ... فها أنا مقتنع بالحشيش
وكتب إليه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي من الحبس، وكان قد زاره في محبسه بهذه الأبيات [1] .
أبا الفرج أسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدهر حظا إذا نقص
مضت مدة أستام ودك غاليا ... فأرخصته والبيع غال ومرتخص
وآنستني من محبسي بزيارة ... شفت قرما من صاحب له قد خلص
ولكنما كانت كشجو لطائر ... فواقا كما يستفرص الفارص الفرص
فأحسبك استوحشت من ضيق موضعي ... وأوحشت خوفا من تذكرك القفص
كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه ... إذا عاين الأشراك تنصب للقنص
فحوشيت يا قس الطيور فصاحة ... إذا أنشد المنظوم أو درس القصص
من المنشر الأشغي ومن حزة الهدى [2] ... ومن بندق الرامي ومن قصة المقص
ومن صعدة فيها من الدهر لهذم ... لفرسانكم عند الطراش بها قعص
/ فهذى دواهي الطير وقيت شرها ... إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص
فكتب إليه [الببغاء جوابه] [3] :
أبا حامد مذ يمم المجد ما نكص [4] ... وبدر تمام مذ تكامل ما نقص
ستخلص من هذا السرار وإنما ... هلال توارى بالسرار [5] فما خلص
برأفة تاج الملة الملك الّذي ... بسؤدده في خطه المشتري خصص
__________
[1] «بهذه الأبيات» : ساقطة من ص، ل.
[2] في ص: «ومن جرة المدى» . وفي الأصل: «ومن حوة الهدى» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «المجد ما نقص» .
[5] في ص: «هلال يواري بالسرار» .

(15/65)


تقنصت بالإنصاف شكري ولم أكن ... علمت بأن الحر بالبر يقتنص
وصادفت أسنى فرصة فانتهزتها ... بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص
أتتني القوافي الباهرات بحمل البدائع ... من مستحسن الجد والرخص
فقابلت زهر الروض منها ولم يجد ... وأخرزت در البحر فيها ولم أغص
وإن كنت بالببغاء قدما ملقبا ... فكم لقب بالجور لا العدل مخترص
وبعد فما أخشى تقنص جارح ... وقلبك لي وكر [1] وصدرك لي قفص
توفي الببغاء في شعبان هذه السنة.
3011- محمد [2] بن يحيى، أبو عبد الله الجرجاني
[3] :
كان زاهدا عالما مناظرا لأبى بكر الرازي، وكان يدرس في أول قطيعة الربيع، وفلج في آخر عمره، ومات في هذه السنة، ودفن إلى جنب أبي حنيفة.
__________
[1] في ص، ل: «وقلبك لي وغر» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 433) .

(15/66)


ثم دخلت سنة تسع وتسعين وثلاثمائة
[انقضاض كوكب كبير]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه انقض في وقت المغرب من يوم الأربعاء مستهل رجب كوكب عظيم الضوء وتقطع ثلاث قطع أخذت كل قطعة جانبا.
وفى يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان عصفت ريح شديدة، وألقت رملا أحمر في الدور والطرق.
[صرف أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة، وقلد أبو الحسن]
وفي هذه السنة [2] : صرف أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة، وقلد أبو الحسن بن أبي الشوارب، وقال العصفري الشاعر:
عندي حديث ظريف ... لمثله يتغنا
من قاضيين يعزى ... هذا وهذا يهنا
فذا يقول أكرهونا ... وذا يقول استرحنا
ويكذبان ونهذي ... فمن يصدق منا
وفي هذه السنة [3] : بلغ الحاج الثعلبية، فهبت عليهم ريح سوداء أظلمت منها الدنيا حتى لم ير بعضهم بعضا، كان ذلك في شهر آب، وأصابهم عطش شديد
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «وفيها» . وفي ت: بياض.
[3] في ص، ل: «وفيها» . وفي ت بياض.

(15/67)


وإعتاقهم ابن الجراح الطائي فعادوا ووصلوا بغداد يوم عرفة، وأخذ بنو رعب الهلاليون، وكانوا ستمائة رجل حاج البصرة، وأخذوا منهم زيادة على ألف ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3012- تمنى [2] أم القادر باللَّه [3] :
أخبرنا عبد الرحمن [القزاز] [4] أخبرنا الخطيب، قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد اللَّه [5] / بْن أَحْمَد بْن عثمان الصيرفي، أن أم القادر باللَّه مولاة عبد الواحد ابن المقتدر باللَّه [قال] [6] : وكانت من أهل الدين والفضل والخير، توفيت يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان، وصلى عليها القادر باللَّه في داره، ثم حملت بعد صلاة عشاء الآخرة في ليلة السبت الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع تسعين وثلاثمائة في الطيار إلى الرصافة، فدفنت هناك.
3013- الحسين [7] بن حيدرة، بن عمر بن الحسين، أبو الخطاب الداودي الشاهد
[8] :
كان ينزل الجانب الشرقي وحدث عن الحسين بن إسماعيل [9] المحاملي، وغيره. روى عنه الخلال، والأزجي [10] ، وكان ثقة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3014- عبد الله [11] بن بكر بن محمد بن الحسين، أبو أحمد الطبراني
[12] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «مي» وفي ت بياض.
[3] انظر ترجمتها في: (الكامل، أحداث سنة 399) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «حدثني عبد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 40) .
[9] في ل: «عن أبي الحسين بن إسماعيل» . وفي ص: «عن أبي الحسين المحاملي» .
[10] «الخلال» ساقطة من ص، ل.
[11] بياض في ت.
[12] في تاريخ بغداد: «عبد الله بن أبي بكر» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 423) .

(15/68)


سمع ببغداد وبمكة من جماعة، وكان مكثرا سمع منه الدار الدارقطني، وعبد الغنى وعاد إلى الشام واستوطن موضعا يعرف بالأكواخ عند بانياس في أصل جبل، فأقام هناك يتعبد إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
3015- محمد [1] بن أحمد بن علي بن الحسين، أبو مسلم [2] كاتب الوزير أبي الفضل ابن حنزابة
[3] .
نزل بمصر، وحدث بها عن البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، وابن دريد، وابن مجاهد، وابن عرفة، وغيرهم وكان آخر من بقى من أصحاب البغوي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني الصوري، قال: حدثني أبو الحسين العطار وكيل أبي مسلم الكاتب، وكان من أهل الفضل [4] العلم والمعرفة بالحديث، وكتب وجمع ولم يكن بمصر بعد عبد الغنى أفهم منه، وقال: ما رأيت في أصول أبي مسلم عن البغوي شيئا صحيحا غير جزء واحد كان سماعه فيه صحيحا، وما عدا ذلك مفسود قال الصوري: وقد اطلع منه على تخليط، ومات في آخر هذه السنة.
3016- محمد [بن على] [5] بن إسحاق ويعرف إسحاق بالمهلوس/ بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب يكنى [محمد] أبا طالب
[6] :
ولد سنة ست عشرة وثلاثمائة، وكان أحد الزهاد، وكان القادر باللَّه يعظمه لدينه وحسن طريقته، وقد روى عن الشبلي. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] «ابن الحسين» : ساقطة من ص، ل.
[3] في ص: «خيرانة» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 323، والوافي 2/ 52، والأعلام 5/ 313) .
[4] «الفضل» : ساقطة من ص، ل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 93) .

(15/69)


ثم دخلت سنة أربعمائة
[نقص الماء من دجلة نقصانا لم يعهد مثله]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الماء نقص في شهر ربيع الأول من دجلة نقصانا لم يعهد مثله، وظهرت فيها جزائر لم تكن قبل، وامتنع سير السفن فيها من أوانا والراشدية من أعالي دجلة، وأنفذ بمن كرى هذا الموضع وكان كرى دجلة مما استظرف وعجب منه لأنه لم تكر دجلة إلا في هذه السنة.
وفى جمادى الأولى بدئ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحب أن يؤثر فيه أثرا [2] ثم ما نذر لأجله أن يعمل عليه سورا حصينا مانعا لكثرة من يطرق الموضع [3] من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر ففعل وعمل السور وأحكم وعلَّا وعرض ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمم وفرغ منه وتحصن المشهد به وحسن الأثر فيه.
[الإرجاف بالخليفة القادر]
وفى رمضان أرجف بالخليفة القادر باللَّه، فجلس للناس في يوم جمعة بعد الصلاة وعليه البردة وبيده القضيب وحضر أبو حامد [4] الأسفرايني، وسأل أبو الحسن ابن حاجب النعمان الخليفة أن يقرأ آيات من القرآن ليسمعها الناس، فقرأ بصوت عال
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «يؤثر فيه مؤثرا» .
[3] في الأصل: «يسترق الموضع» .
[4] في الأصل: «وقبل أبو حامد» .

(15/70)


مسموع: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ 33: 60 لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا مَلْعُونِينَ أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا [1] فبكى الناس وانصرفوا ودعوا.
[ورود الخبر بأن الحاكم أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها]
وفى هذه السنة [2] : ورد الخبر بأن الحاكم/ أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها وأخذ مصحفا وآلات كانت فيها ولم يتعرض لهذه الدار أحد منذ وفاة جعفر، وكان الحاكم قد أنفذ في هذه السنة رجلا ومعه رسوم الحسنيين والحسينيين وزادهم فيها ورسم له أن يحضرهم ويعلمهم إشارة لفتح الدار والنظر إلى ما فيها من آثار [3] جعفر، وحمل ذلك إلى حضرته ليراه ويرده إلى مكانه، ووعدهم على ذلك الزيادة في البر فأجابوه ففتحت فوجد فيها مصحف وقعب من خشب مطوق بحديد ودرقة خيزران وحربة وسرير فجمع وحمل ومضى معه جماعة من العلويين، فلما وصلوا أطلق لهم النفقات [القريبة] [4] ورد عليهم السرير وأخذ الباقي، وقال: أنا أحق به.
فانصرفوا ذامين له، وأضاف الناس هذا إلى ما كان يفعله من الأمور التي خرق بها [العادات] [5] فدعى عليه، فأمر بعمارة دار العلم وأحضر فيها العلماء والمحدثين وعمر الجامع وبالغ في ذلك، [6] فاتصل الدعاء له فبقى كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم ومنع من كل ما نسخ فيه.
وحج بالناس في هذه السنة أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3017- الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، أبو أحمد الموسوي:
ولد سنة أربع وثلاثمائة وكان يلقب بالطاهر، وبذى المناقب، ولقب بالأوحد،
__________
[1] سورة: الأحزاب، الآية: 60.
[2] بياض في ت.
[3] في الأصل: «والنظر فيما بقي من آثار» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «وأفضل في ذلك» .

(15/71)


وخاطبه بهاء الدولة بالطاهر الأوحد، وولاه قضاء القضاة، فلم يمكنه القادر باللَّه. ولى النقابة في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ثم صرفه أبو الفضل العباس بن الحسين بن الحسن الشيرازي وزير عز الدولة سنة ستين، / وقلد أبا محمد الناصر العلويّ ثم أعيد أبو أحمد إلى النقابة لما مات عضد الدولة في صفر سنة ست وتسعين، ثم مرض فقلد مكانه أبو الحسين على بن أحمد بن إسحاق.
ثم ولى أبو الفتح محمد بن عمر وولى مع النقابة طريق الحج.
وحج بالناس مرات ثم توفي وبقى الطالبيون بغير نقيب، فأعيد أبو أحمد وأضيف إليه المظالم والحج واستخلف له ولداه المرتضى والرضى وخلع عليهما في سنة أربع وثمانين ثم عزل.
وولى أبو الحسن محمد بن الحسن الزيدي، ثم أعيد أبو أحمد، وهى الولاية الخامسة فلم يزل واليا حتى توفي، وكان قد حالفته الأمراض وأضر، فتوفى في هذه السنة عن سبع وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.
ورثاه ابنه المرتضى فقال:
سلام الله تنقله الليالي ... وتهديه الغدو إلى الرواح
على جدث تشبث من لؤى ... بينبوع العبادة والصلاح
فتى لم يرو إلا من حلال ... ولم يك زاده غير المباح
ولا دنست له أزر بوزر ... ولا علقت له راح براح
خفيف الظهر من ثقل الخطايا ... وعريان الجوانح من جناح
مسوق في الأمور إلى هداها ... ومدلول على باب النجاح
من القوم الذين لهم قلوب ... بذكر الله عامرة النواح
بأجسام من التقوى مراض ... لمبصرها وأديان صحاح
3018- الحجاج بن هرمرقنه أبو جعفر:
كان قد استتابه بهاء الدولة بالعراق وندبه لحرب الأعراب والأكراد، وكان متقدما

(15/72)


في أيام عضد الدولة وأولاده عارفا بالحرب وكانت له هيبة/ عظيمة وشجاعة معروفة وآراء صائبة، وخرج عن بغداد في رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة فوقعت بها الفتن وكثرت العملات، وتوفى بالأهواز في ربيع الأول من هذه السنة عن مائة وخمس سنين.
3019- أبو عبد الله القمي المصري التاجر:
كان ذا مال غزير، وكان بزاز الخزانة بمصر فاشتملت وصيته على ألف ألف دينار ونيف مالا صامتا ومتاعا وجواهر وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة عند توجهه من مصر إلى مكة، وحمل عند وفاته إلى المدينة ودفن بها بالبقيع في جوار الحسن بن على.
3020- أبو الحسين الرفّاء القاضي المجيد:
قد ذكرنا من أحواله في الحج في سنة أربع وتسعين توفي في هذه السنة.

(15/73)