المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسين محمد ابن قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن
معروف، قلد ما كان إلى أبي بكر بن صير من الأعمال، وقرئ عهده على ذلك
بحضرة أبيه في داره الشطانية بمشهد من الأشراف، والقضاة، والفقهاء،
والوجوه.
[قبض على الطائع في داره]
وفي يوم السبت تاسع عشر رمضان: قبض على
الطائع في داره، وكان السبب أن أبا الحسن بن المعلم، وكان من
خواص بهاء الدولة، ركب إلى الطائع ووصى وقت دخوله أن لا يمنع أحدا من
الحجاب، ثم سار بهاء الدولة في الجيش، فدخل وقد جلس الطائع في صدر
الرواق من دار السلام، متقلدا سيفا، فلما قرب منه بهاء الدولة، قبل
الأرض وطرح له كرسي، فجلس عليه، [وتقدم] أصحاب بهاء الدولة فجذبوا
الطائع بحمائل سيفه من سريره وتكاثر الديلم فلف في كساء وحمل إلى بعض
الزبازب، وأصعد به إلى الخزانة في دار المملكة، [واختلط الناس] وقدر
أكثر الجيش [1] ومن ليس عنده علم بهذا الأمر أن القبض على بهاء الدولة،
وتشاغلوا بالنهب وأخذ ثياب من حضر من الأشراف والشهود، وقبض على أبي
الحسن علي بن عبد العزيز ابن حاجب النعمان في آخرين، إلى أن قرر عليهم
مال فاستوفي منهم، واحتيط على الحجر والخزائن والخدم والحواشي، وخرست
الأخت زوجة الطائع، وانصرف بهاء الدولة إلى داره، وأظهر أمر القادر
باللَّه، ونودي بذلك في الأسواق [2] ، وكتب إلى الطائع كتاب بخلع نفسه
__________
[1] في الأصل، ل: «الجند» .
[2] في الأصل: «الأشراف» .
(14/348)
وتسليمه الأمر إلى القادر باللَّه، وشهد
عليه الأشراف والقضاة، وذلك في يوم الأحد ثاني يوم القبض، وأنفذ إلى
القادر وأذن الطائع والكتاب عليه بخلعه نفسه، وتسليمه الأمر إلى
[القادر باللَّه] ، وحث على المبادرة، وشغب الديلم والأتراك يطالبون
برسم البيعة، وخرجوا إلى قبر النذور، وترددت الرسل بينهم وبين بهاء
الدولة، ومنعوا من الخطبة باسم القادر [في] يوم الجمعة لخمس بقين من
الشهر، فقيل: اللَّهمّ أصلح عبدك وخليفتك القادر باللَّه، ولم يسم، ثم
أرضى الوجوه والأكابر، ووقع السكون، وأخذت البيعة على الجماعة، واتفقت
الكلمة على الرضا والطاعة، وأقيمت الخطبة في يوم الجمعة الثالث من
رمضان باسم القادر، وحول من دار الخلافة جميع ما كان فيها من المال
والثياب، والأواني، والمصاغ، والفروش، والآلات، والعدد، والسلاح،
والخدم، والجواري، والدواب، والرصاص، والرخام، والخشب الساج [1]
والتماثيل، وطاف بهاء الدولة دار الخلافة مجلسا مجلسا، واستقراها موضعا
موضعا، وانتخب للخاصة والعامة، فدخلوها وشعثوا ابنيتها، وقلعوا من
أبوابها وشبابيكها، ثم منعوا بعد ذلك، وقام مهذب الدولة أبو الحسن علي
بن نصر الذي كان القادر هرب إليه بالبطائح بتجهيزه، وحمل إليه من
المال، والفروش، والآلات أكثر شيء وأحسنه، وأعطاه طيارًا كان بناه
لنفسه، وشيعه، فلما وصل إلى واسط اجتمع الجند وطالبوه [برسم] البيعة،
ومنعوه من الصعود، إلا بعد إطلاق مالها، وجرت معهم خطوب انتهت إلى أن
وعدوا بإجرائهم مجرى البغداديين فما يتقرر عليه أمورهم، فرفضوا وسار
وكان مقامه بالبطيحة منذ حصل فيها إلى أن خرج عنها سنتين واحد عشر شهرا
وقيل: سنتين وأربعة أشهر وأحد عشر يومًا إلى اليوم الذي خَرَجَ منها.
أخبرنا محمد بن أبي منصور، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، أخبرنا أبو
الحسن محمد بن هلال بن المحسن قال: أخبرني أبي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
الحسين مُحَمَّد بْن الْحَسَن بن محفوظ قال: حدثني الوزير أبو العباس
عيسى بن ماسرجس قال:
حدثني أبو القاسم هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة قال: لما ورد
القادر باللَّه البطيحة وأقام عندنا كنت أغشاه يومين في كل أسبوع
كالنوبة في خدمته، فإذا حضرت
__________
[1] في الأصل: «السلاح» .
(14/349)
تناهى في الإناء لي والإخفاء بي، والرفع من
مجلسي، والزيادة في بسطي، وأجتهد في تقبيل يده فيمنعنيها ولا يمكنني
منها، فاتفق أن دخلت إليه يوما على رسمي فوجدته متأهبا تأهبا لم أعرف
سببه، ولا جرت له به عادة، ولم أر منه ما عودنيه من الإكرام والرفع من
مجلسي والإقبال عليَّ والبسط، وجلست دون موضعي، فما أنكر ذلك مني، ورمت
تقبيل يده، فمدها إليَّ، وشاهدت من أمره وفعله ما اشتد وجومي له،
واختلفت في الظنون فيه، وقلت له عند رؤيتي ما رأيته، وإنكاري ما
أنكرته، أيؤذن لي في الكلام؟
قال: قل. قلت: أرى اليوم من الانقباض عني ما قد أوحشني، وخفت أن يكون
لزلة كانت مني، فإن يكن ذلك فمن حكم التفضيل إشعاري به لأطلب بالعذر
مخرجا منه، وأستعين بالأخلاق الشريفة في العفو عنه، فأجابني بوقار:
اسمع أخبرك، رأيت البارحة في منامي كأن نهركم هذا- وأومأ إلى نهر
الصليق- قد اتسع حتى صار في عرض دجلة دفعات، وكأنني متعجب من ذلك، وسرت
على ضفتيه، متأملا لأمره ومستظرفا لعظمه، فرأيت دستاهيج قنطرة فقلت:
ترى من قد حدث نفسه بعمل قنطرة في هذا الموضع، وعلى هذا البحر الكبير
وصعدته، وكان وثيقا محكما، ومددت عيني فإذا بإزائه مثله، فزال عني الشك
في أنهما دستاهيج قنطرة، وأقبلت أصعد وأصوب في التعجب، وبينا أنا واقف
عليه رأيت شخصا قد قابلني من ذلك الجانب [الآخر وناداني] وَقَالَ: يا
أحمد تريد أن تعبر؟ قلت: نعم فمد يده حتى وصلت إليَّ وأخذني وعبرني،
فهالني أمره [وفعله] وقلت له: وقد تعاظمني فعله من أنت؟ قال: علي بن
أبي طالب، وهذا الأمر صائر إليك ويطول عمرك فيه، فأحسن في ولدي،
وشيعتي، فما انتهي الخليفة إلى هذا المكان حتى سمعنا صياح الفلاحين
وضجيج ناس، فسألنا عن ذلك فقيل ورد أبو علي الحسن بن محمد بن نصر ومعه
جماعة، وإذا هم الواردون للإصعاد به، وقد تقررت الخلافة له، وأنفذ معهم
قطعة من أذن الطائع للَّه، فعاودت تقبيل يده ورجله، وخاطبته بإمرة أمير
المؤمنين، وبايعته وكان من إصعاده وإصعادي معه ما كان قال هلال:
وجدت كتابا كتبه القادر باللَّه من الصليق إلى بهاء الدولة نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله أحمد الإمام القادر باللَّه أمير
المؤمنين إلى بهاء الدولة وضياء الملة أبي نصر بن عضد الدولة وتاج
الملة مولي أمير المؤمنين، سلام
(14/350)
اللَّه عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك
الله الذي لا اله إلا هو، ويسأله أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله
صلى الله عليه وسلم تسليمًا أما بعد: أطال الله بقاءك وأدام عزك
وتأييدك، وأحسن إمتاع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك، فإن كتابك
الوارد في صحبة الحسن بن محمد بن نصر رعاه الله عرض على أمير المؤمنين
تاليا لما تقدمه، وشافعا ما سبقه ومتضمنا مثل ما حواه الكتاب قبله من
إجماع المسلمين قبلك الخاص، والعام، بمشهد منك على خلع العاصي المتلقب
بالطائع عن الإمامة، ونزعه عن منصب الخلافة لبوائقه المستمرة، وسوء
نيته المدخولة، وإشهاده على نفسه بنكوله وعجزه، وإبرائه الكافة من
بيعته وخروجهم من عهده وذمته، ومبادرة الكبير والصغير إلى المبايعة
لأمير المؤمنين، وإصفاقهم واتفاقهم عليها بانشراح في صدورهم، وانفساح
من آمالهم، واستتباب ذلك بتلطفك من حسن الارتياد للمسلمين، وانتظامه
بغضبك للَّه ولأمير المؤمنين، حتى ناديت بشعاره في الأفاق، وأقمت
الدعوة للَّه في الأقطار، ورفعت من شأن الحق ما كان العاصي خفضه، وقمت
من عماد الدين ما كان المخلوع رفضه ووقف أمير المؤمنين على ذلك كله،
وأحاط علمه بجميعه ووجدك، أدام الله تأييدك، قد انفردت بهذه المأثرة،
واستحققت بها من الله تعالى جليل الأثرة، ومن أمير المؤمنين سني
المنزلة، وعلى المرتبة، وكانت هذه المنزلة عليك موقوفة، كما كانت
الظنون فيها إليك مصروفة، حتى فزت بها بما يبقي لك في الدنيا ذكره
وفخره، وفي الآخرة ثوابه وأجره، فأحسن الله عن هذه الأفعال مكافأتك،
وأجزل عاجلا وآجلا مجازاتك، وشملك من توفيقه وتسديده ومعونته وتأييده،
بما يديم نصر أمير المؤمنين بك وظفره على يدك، وجعلك ابدا مخصوصا بفضل
السابقة في ولائه، متوحدا بتقدم القدم في أصفائه، فقد أصبحت وأمسيت سيف
أمير المؤمنين لأعدائه، والحاظي دون غيرك بجميل رأيك، والمستبد بحماية
حوزته، ورعاية رعيته، والسفارة بينه وبين ودائع الله عنده، وقد برزت
راية أمير المؤمنين عن الصليق متوجهة نحو سريره الذي حرسته، ومستقر عزه
الذي شيدته، ودار مملكته التي أنت عمادها، ورحى دولته التي أنت قطبها
معتقدا لك ما يعتقد في المخلص طاعة ومشايعة، والمهذب نية وطوية من صنوف
الاختصاص الذي لا يضرب معك فيه بسهم دان ولا قاص، وتوفي على كل سالف،
ويفوت
(14/351)
كل أنف، ويعجز كل مناو، ويفحم كل مسام
ومساو، ولا يبقي أحد إلا علم أنه منزاح عنك، غير متواز لك فأحببت لمحلك
وقصر خطأه عن مجازاتك، ووقع دون موقعك، وتزحزح لك عن موضعك، وقد وجد
أمير المؤمنين الحسن بن محمد بن نصر كلأه الله مصدقا بفعله وصفك محققا
ثناءك، مستوجبا لما أهلته ورشحته للقيام به من المسير فِي خدمته،
والحقوق فيما يبديه له، وعلم أمير المؤمنين انك لم تتلقه، إلا بأوثق
خواصك في نفسك، وأوفرهم عندك فاحمد في ذلك اعتمادك، وإضافة إلى سوالف
أمثاله منك، فاعلم ذلك أدام الله تأييدك، وأجر على عادتك الحسناء
وطريقتك المثلى في النيابة تبقي، وواصل حضرة أمير المؤمنين بالإنهاء،
والمطالعة إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب ليلة
الأحد لثلاث ليال بقين من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
[1] .
__________
[1] في ت: «تم الجزء التاسع عشر» .
(14/352)
باب ذكر خلافة القادر باللَّه
واسمه: أحمد بن إسحاق بن المقتدر، ويكنى: أبا العباس، واسم أمه تمني
مولاة عبد الواحد بن المقتدر، وكانت من أهل الدين.
ولد في يوم الثلاثاء التاسع من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وثلاثمائة،
وتقلد الخلافة بعد أن قبض الطائع للَّه وخلع، وكان القادر حسن الطريقة،
كثير المعروف، مائلا إلى الخير والتدين، ولما رحل القادر عن البطيحة،
فوصل إلى جبل في عشار رمضان، وانحدر بهاء الدولة، ووجوه الأولياء
وأماثل الناس لاستقباله، فدخل دار الخلافة ليلة الأحد ثاني عشر رمضان
سنة إحدى وثمانين، وجلس من الغد جلوسا عاما، وهنئ وأنشد بين يديه
المديح، ومما أنشد بَيْنَ يَدَيِهِ فِي ذلك اليوم قصيدة الرضى التي
أولها:
شرف الخلافة يا بني العباسِ ... اليوم جدَّدهُ أبو العباس
ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة ... من ذلك الجبل العظيم الراسي
وحمل إلى القادر بعض الفروش، والآلات المأخوذة من الطائع، واستكتب له
[أبو] الفضل محمد بن أحمد الديلميّ، وجعل الأستاذ الدار عبد الواحد بن
الحسين الشيرازي، وفي يوم الخميس لتسع بقين من شوال جمع الأشراف
والقضاة والشهود في مجلس القادر، حتى سمعوا يمينه لبهاء الدولة
بالوفاء، وخلوص النية ولفظه بتقليده ما
(14/353)
وراء بابه مما تقام فيه الدعوة، وذلك بعد
أن حلف له بهاء الدولة على صدقه والطاعة والقيام بشروط البيعة.
ذكر طرف من سيرة القادر [باللَّه]
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
الخطيب قال: رأيت القادر دفعات، وكان ابيض حسن الجسم، كث اللحية
طويلها، يخضب، وكان من أهل الستر، والديانة، وإدامة التهجد بالليل،
وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه، وعرف بها عند كل أحد مع حسن
المذهب وصحة الاعتقاد وكان صنف كتابا فيه [الأصول ذكر فيه] فضائل
الصحابة على ترتيب [مذهب] أصحاب الحديث، واورد في كتابه فضائل عمر بن
عبد العزيز، وأفكار المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يقرأ
[في] كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر الناس سماعه.
ذكر محمد بن عبد الملك الهمداني أن القادر باللَّه كان يلبس زي العوام
ويقصد الأماكن المعروفة بالبركة، كقبر معروف وتربة ابن بشار.
وقال الحسين بن هارون القاضي كان بالكرخ يتيم لم يثبت رشده وله دكان
كثير النعمة، وأمرني ابن حاجب النعمان أن أفك الحجر عنه ليبتاع صاحب له
الدكان منه، فلم أفعل، فأنفده يستدعيني فقلت لغلامه! تقدمني حتى أعبر،
ففعل فجئت إلى قبر معروف فدعوت الله أن يكفيني أمره وجئت إلى قبر ابن
بشار، ففعلت ذلك، فرأني شيخ فقال أيها القاضي، على من تدعو فقلت على
ابن حاجب النعمان، أمرني بكذا وكذا فأمسك الشيخ [عني] وعبرت إلى ابن
حاجب النعمان، فجعل يخاطبني خطابا غليظا في فك الحجر عن الصبي، ولا
يقبل مني عذرًا وإذا قد أتاه خادم بتوقيع، ففتحه وقرأه وتغير لونه ثم
عدل من الغلظة إلى الاعتذار، وقال: كتبت إلى الخليفة قصة؟ فقلت: لا.
فعلمت أن الشيخ كان القادر باللَّه، وأنه عبر إلى داره فوقع إليه بما
أوجب اعتذاره قال: وكان القادر يوصل الرسوم في كل سنة إلى أربابها من
غير أن يكتب أحد منهم قصة، فإن كان أحد منهم قد مات، أعيد ما يخصه إلى
ورثته، وبعث يوما إلى ابن القزويني الزاهد ليسأله أن ينفذ إليه من
طعامه الذي يأكله. قال ابن الهمذاني: فأنفذ ابن القزويني طبقا
(14/354)
من الخلاف، فيه غضائر لطاف، فيها باذنجان
مقلو وخل وباقلاء ودبس وعلى ذلك رغيفان من خبز البيت، وشدد ذلك في مئزر
قطن فتناول الخليفة من كل لون منه وفرق الباقي، وبعث إلى ابن القزويني
مائتي دينار فلما كان بعد أيام، أنفذ الخليفة إليه بالفراش يلتمس من
ابن القزويني إنفاذ شيء من إفطاره، فأنفذ طبقا جديدا وفيه زبادى جياد
وفيها فراريج وقطعة فالوذج وخبز سميذ ودجاجة مشوية، وقد غطى ذلك بفوطة
جديدة فلما وصل ذلك إلى الخليفة، تعجب وقال: قد كلفنا الرجل ما لم تجر
به عادته فانفذ إليه، لم يكن بك حاجة إلى الكلفة، فقال: ما تكلفت،
وإنما اعتمدت ما أمرني الله به إذا وسع [الله] عليَّ وسعت على نفسي،
وإذا ضيق ضيقت، وقد كان من إنعام أمير المؤمنين ما عدت به على نفسي
وجيراني، فتعجب القادر باللَّه من دينه وعقله ولم يزل يواصله بالعطاء،
وكان القادر يقسم الطعام الذي يهيأ لإفطاره ثلاثة أقسام، فقسم يتركه
بين يديه، وقسم يحمل إلى جامع الرصافة، وقسم إلى جامع المدينة، فيفرق
على المجاورين، فاتفق أن الفراش حمل إلى جامع المدينة جونة فيها طعام،
ففرقه على المنقطعين [1] فأخذوا إلا شابا فإنه رد ذلك فلما صلوا صلاة
المغرب صلى الفراش معهم، فرأي ذلك الشاب، قد خرج من الجامع فتبعه فوقف
على باب فاستطعم فأطعموه كسيرات، فأخذها وعاد إلى الجامع فتعلق به
الفراش، وقال: ويحك ألا تستحي، ينفذ إليك خليفة الله في أرضه بطعام
حلال فترده وتخرج فتستطعم من الأبواب، فقال: والله ما رددته، إلا لأنك
عرضته عليَّ قبل الإفطار وكنت غير محتاج إليه حينئذ، فلما جاء وقت
الإفطار استطعمت عند الحاجة فعاد الفراش، فأخبر القادر فبكى، وقال له:
راع مثل هذا واغتنم أجره وأقم إلى وقت الإفطار وادفع إليه ما يفطر
عليه.
حدثنا إبراهيم بن دينار الفقيه: قال: حدثني أبو سعيد عبد الوهاب بن
حمزة بإسناد له، عن أبي الحسن الأبهري قال: بعثني بهاء الدولة من
الأهواز في رسالة إلى القادر باللَّه فلما أذن لي في الدخول عليه سمعته
ينشد هذه الأبيات:
سبق القضاء بكل ما هو كائن ... والله يا هذا لرزقك ضامن
__________
[1] في الأصل: «المجاورين» .
(14/355)
تغني بما تكفى وتترك ما به ... تعيا كأنك
للحوادث آمن
أوما ترى الدنيا ومصرع أهلها ... فاعمل ليوم فراقها يا خائن
واعلم بانك لا أبا لك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن
يا عامر الدنيا أتعمر منزلا ... لم يبق فيه مع المنية ساكن
الموت شيء أنت تعلم أنه ... حق وأنت بذكره متهاون
إن المنية لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوما ولا تستأذن
فقلت: الحمد للَّه الذي وفق أمير المؤمنين لانشاد [مثل] هذه الأبيات
وتدبر معانيها والعمل بمضمونها، فقال: يا أبا الحسن بل للَّه المنة
علينا إذ ألهمنا بذكره ووفقنا لشكره ألم تسمع إلى قول الحسن البصري،
وقد ذكر عنده بعض أهل المعاصي فقال:
هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم، وفي ذي القعدة لقب القادر
باللَّه بهاء الدولة بغياث الأمة، وخطب له بذلك على المنابر مضافا إلى
ألقابه.
ونقل بهاء الدولة أخته زوجة الطائع للَّه إلى دار بمشرعة الصخر وأقام
لها إقامات كافية، وأقطعها إقطاعات، فلم تزل كذلك حتى ماتت.
وفي يوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير جرت فتنة بين أهل الكرخ
وباب البصرة، واستظهر أهل باب البصرة وخرقوا أعلام السلطان، فقتل يومئذ
جماعة اتهموا بفعل ذلك، وصلبوا على القنطرة فقامت الهيبة وارتدعوا.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسن بن يحيى العلوي،
وكذلك سنة اثنتين وثلاث، وكان أمير مكة أبو الفتوح الحسن بن جعفر
العلوي، فاتفق أن أبا القاسم بن المغربي حضر عند حسان ابن المفرج بن
الجراح الطائي، فحمله على مباينة العزيز صاحب مصر وقال: لا مغمز في نسب
أبي الفتوح والصواب أن تنصبه إماما فوافقه، ومضى المغربي إلى مكة فأطمع
أبا الفتوح في الملك وسهل عليه الأمر، فأصغى إلى قوله، وبايعه شيوخ
الحسنيين، وحسن له أبو القاسم المغربي أن أخذ قبلة البيت وما فيه من
فضة وضربه دراهم، فاتفق انه مات بجدة رجل يعرف بالمطوعي، وعنده أموال
للهند والصين،
(14/356)
وخلف مالا عظيما فأوصى لأبي الفتوح بمائة
ألف دينار ليصون بها تركته والودائع التي عنده، فحمله المغربي على
الاستيلاء على التركة، فخطب لنفسه بمكة، وتسمى بالراشد باللَّه وصار
لاحقا بآل الجراح، فلما قرب من الرملة تلقاه العرب وقبلوا الأرض بين
يديه وسلموا عليه بأمير المؤمنين، ولقيهم راكبا على فرس، متقلدا سيفا
زعم أنه ذو الفقار وفي يده قضيب ذكر أنه قضيب رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحوله جماعة من بني عمه وبين يديه ألف عبد أسود،
فنزل الرملة ونادى بإيصاء العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبلغ
العزيز هذا فانزعج، وكتب إلى حسان ملطفات وبذل له بذولا كثيرة، وآل
المفرج واستمال آل الجراح كلهم، وحمل إلى أولاد المفرج أموالا جزيلة
حتى فلهما عن ذلك الجمع، وكتب إلى ابن عم أبي الفتوح فولاه الحرمين
وأنفذ له ولشيوخ بني حسن مالا، وكان حسان قد أنفذ والدته إلى مصر
بتذكرة تتضمن أعراضا له، وسأل في جملتها أن يهدي له جارية من إماء
القصر فأجابه الحاكم إلى ما سأل، وبعث إليه خمسين ألف دينار، وأهدى له
جارية جهزها بمال عظيم، فعادت والدته بالرغائب له ولأبيه [فسر بذلك
وأظهر طاعة العزيز ولبس خلعة وعرف أبو الفتوح الحال فأيس معها من نفسه
وركب] [1] إلى المفرج مستجيرا به وقال إنما فارقت نعمتي وأبديت للعزيز
صفحتي سكونًا إلى ذمامك وأنا الآن خائف من غدر حسان، فأبلغني مأمني
وسيرني إلى وطني فرده إلى مكة وكاتب العزيز [صاحب مصر] واعتذر إليه،
فعذره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2882- أحمد بن محمد بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الجراح، أبو بكر
الخزاز
[2] :
روى عن جماعة منهم ابن دريد وابن الأنباري، وكان ثقة صدوقا، فاضلا،
أديبا، كثير الكتب، ظاهر الثروة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن
ثابت الخطيب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 81، 82) .
(14/357)
حدثنا التنوخي قال: كان أبو بكر الجراح
يقول: كتبي بعشرة آلاف درهم وجاريتي بعشرة آلاف درهم، وسلاحي بعشرة
آلاف درهم، ودوابي بعشرة آلاف، درهم، قال التنوخي: وكان أحد الفرسان
يلبس أداته ويركب فرسه ويخرج إلى الميدان، ويطارد الفرسان فيه، توفي في
جمادى الآخرة من هذه السنة.
2883- أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر المقرئ:
توفي في شوال هذه السنة، أنبأنا زاهر بْن طاهر، أَخْبَرَنَا أحمد بْن
الحسين البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بْن عبد الله الحافظ قال:
توفي أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ يوم الأربعاء سابع عشرين
شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ستة وثمانين سنة، وتوفي في
ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلسفة قال: فحدثني عمر بن أحمد
الزاهد قال سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأي أبا بكر أحمد بن الحسين
بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها قال: فقلت له:
أيها الأستاذ ما فعل الله بك، فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن
العامري بإزائي وقال هذا فداؤك من النار.
2884- الحسين بن عمر بن عمران بن حبيش، أبو عبد الله الضراب، ويعرف:
بابن الضرير:
ولد سنة تسع وتسعين ومائتين، فروى عن الباغندي، وروى عنه الأزهري،
والتنوخي، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وكان ثقة.
2885- عبيد الله بن أحمد بن معروف، أبو محمد
[1] :
ولد سنة ست وثلاثمائة، وولي قضاء [القضاة] ببغداد، وحدث عن ابن صاعد
وغيره، روى عنه الخلال، والأزهري، وأبو جعفر بن المسلمة، وكان من
العلماء الثقات، العقلاء، الفطناء الألباء، وكان وسيم المنظر مليح
الملبس. مهيبا عفيفا عن الأموال.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 365) .
(14/358)
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا الخطيب قال:
سمعت أبا القاسم التنوخي يقول:
كان الصاحب أبو القاسم بن عباد يقول: كنت أشتهي [أن] أدخل بغداد وأشاهد
جراءة محمد بن عمر العلوي، وتنسك أبي أحمد الموسوي، وظرف أبي محمد بن
معروف.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا العتيقي قال: كان لأبي
محمد بن معروف في كل سنة مجلسان يجلس فيهما للحديث، أول يوم المحرم،
وأول يوم من رجب، ولم يكن له سماع كثير، وكان مجردا في مذهب الاعتزال
وكان عفيفا نزها في القضاء لم ير مثله في عفته ونزاهته.
توفي في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه في داره أبو أحمد
الموسوي وكبر عليه خمسا ثم حمل إلى جامع المنصور، وصلى عليه ابنه وكبر
عليه أربعا، ثم حمل إلى داره على شاطئ دجلة فدفن فيها.
2886- عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن سعد
بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو الفضل
الزهري
[1] :
ولد سنة تسعين ومائتين وسمع جعفر بن محمد الفريابي، وأبا القاسم وخلقا
كثيرا، روى عنه البرقاني، والخلال، والأزهري، وكان ثقة من الصالحين،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي [أخبرنا] العتيقي قال: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: حضرت مجلس
جعفر بن محمد الفريابي وفيه عشرة آلاف رجل فلم يبق غيري وجعل يبكي.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن
ثابت، أخبرنا التنوخي قَالَ: سأل أبي أبا الحسن الدارقطني وأنا اسمع عن
أبي الفضل الزهري فقال: هو ثقة صدوق [صاحب كتاب] وليس بينه وبين عبد
الرحمن بن عوف إلا من قد روى عنه الحديث.
[ثم قال الخطيب] حدثنا الصوري قال: حدثني بعض الشيوخ أنه حضر مجلس
القاضي أبي محمد بن معروف يوما، فدخل أبو الفضل الزهري، وكان أبو
الحسين بن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 368) .
(14/359)
المظفر حاضرا فقام عن مكانه وأجلس أبا
الفضل فيه، ولم يكن ابن معروف يعرف أبا الفضل، فاقبل عليه ابن المظفر
فقال: أيها القاضي هذا الشيخ من ولد عبد الرحمن بن عوف، وهو محدث
وآباؤه كلهم محدثون إلى عبد الرحمن بن عوف، ثم قال ابن المظفر: حدثنا
عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد الزهري والد هذا الشيخ، وحدثنا
فلان عن أبيه محمد بن عبيد الله، وحدثنا فلان عن جده عبيد الله، بن سعد
ولم يزل يروي لكل واحد من آباء أبي الفضل حديثا حتى انتهي إلى عبد
الرحمن بن عوف.
توفي أبو الفضل في ربيع الأخر من هذه السنة.
2887- يحيى بن مُحَمَّد بن الروزبهان، أبو زكريا يعرف بالدنبائي
[1] .
جد عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ لأمه من أهل
واسط.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن
ثابت قال: حدثنا عنه ابن بنته أبو القاسم الأزهري قال: سمعته يقول: ما
رفعت ذيلي على حرام قط.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 237) .
(14/360)
ثم دخلت سنة اثنتين
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسن علي بن محمد الكوكبي المعلم كان قد استولى على أمور
السلطان كلها، ومنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء وتعليق
المسوح، ووقع من قبله أيضا بإسقاط جميع من قبل من الشهود بعد وفاة أبي
محمد بن معروف، وأن لا يقبل في الشهادة إلا من كان ارتضاه. وكان [السبب
في هذا أنه لما توفي ابن معروف كثر قبول الشهود بالبذل والشفاعات حتى
بلغت] عدة الشهود ثلاثمائة وثلاثة أنفس، فقيل لأبي الحسن متى تكلمت في
هذا حصل لك منهم جملة، فوقع بذلك ثم عاد ووقع بقبولهم في نصف صفر.
وفي هذا الشهر شرع أبو الحسن في حفر الأنهار المخترقة لأسواق الكرخ وما
يتصل به، وجبي من أرباب العقار مالا جزيلا.
[شغب الديلم والأتراك]
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من جمادى الآخرة
شغب الديلم والأتراك وخرجوا بالخيم إلى باب الشماسية، وراسلوا
بهاء الدولة بالشكوى من أبي الحسن بن المعلم وتعديد ما يعاملهم به
وطالبوه بتسليمه إليهم وكان أبو الحسن قد استولى [على الأمور] والمقرب
من قربه والمبعد من أبعده، فثقل على كبار الجند أمره وقصر هو في مراعاة
أمورهم وانضاف إلى ذلك ما يعامل به الديلم فضجوا وخرجوا فأجابهم
السلطان بالتلطف ووعدهم بإزالة ما شكوه، وأن يقتصر بأبي الحسن ابن
المعلم على خدمته في خاصه ويتولي هو النظر في أمورهم والقيام بتدبيرهم.
فأعادوا الرسالة بأنهم لا يقنعون
(14/361)
بهذا القول ولا يرضون إلا بتسليمه. فأعاد
الجواب بأنه يبعده عن مملكته إلى حيث يكون فيه مبقيا على مهجته راعيا
لحقوق خدمته وقال ما يحسن في أن أسلمه للقتل، وقد طالت صحبته [لي] وإذا
كفيتكم أمره فقد بلغتم مرادكم. فكانت الرسالة الثالثة التوعد بالانحدار
[والمسير] إلى شيراز. وقال بكران لبهاء الدولة، وهو كان المتوسط ما
بينه وبين العسكر: أيها الملك إن الأمر على خلاف ما تقدره فاختر بين
بقاء أبي الحسن أو بقاء دولتك، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه، وأخذ ما
كان في داره من مال وثياب وجوار وغلمان وأقام الجند على أنهم لا يرجعون
من مخيمهم إلا بتسليمه. فركب إليهم يوم الخميس لسبع بقين من الشهر
ليسألهم الدخول والاقتصار على ما فعله به من القبض والاعتقال فلم يقم
منهم أحد إليه ولا خدمه، وعاد وقد أقاموا على المطالبة به وترك الرجوع
إلا [بعد] تسليمه فسلم إلى أبي حرب شيرزيل وهو خال بهاء الدولة
فَسُقِيَ السم دفعتين فلم يعمل فيه فخنق بحبل الستارة ودفن بالمخرم.
وفي ليلة الا حد الثالث من رجب سلم المخلوع إلى القادر باللَّه فأنزله
حجرة من حجر خاصته ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه، وأحسن ضيافته
ومراعاة أموره، وكان يطالب [من] زيادة الخدمة بمثل ما كان يطالب به
أيام الخلافة فتزاح علله في جميع ما يطلبه، وأنه حمل إليه في بعض
الأيام طيب من العطارين فقال: من هذا يتطيب أبو العباس؟ قالوا نعم،
فقال: قولوا له في الموضع الفلاني من الدار كندوج فيه طيب مما كنت
أستعمله، فانفذ لي بعضه، وقدم إليه يوما عدسية فقال ما هذا؟ قالوا عدس
وسلق فقال: أو قد أكل أبو العباس من هذا؟ قالوا نعم فقال قولوا له لما
أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت أيام هذا الأمير؟ وما كانت العدسية تعوذك
لو لم تتقلد الخلافة، فعند ذلك أمر القادر باللَّه أن تفرد له جارية من
طباخاته تحضر له ما يلتمسه كل يوم، وقدم إليه في بعض الأيام تين في
مراكز فرفسه برجله فقال ما تعودنا أن يقدم بين أيدينا مسلوج، وقدمت بين
يديه في بعض الليالي شمعة قد احترق بعضها فأنكرها ودفعها إلى الفراش
فحمل غيرها وكان على هذا الحال إلى أن توفي.
وكان بهاء الدولة قد قبض على وزيره أبي نصر سابور، ثم أطلقه فالتجأ إلى
البطيحة، وأقام عند مهذب الدولة علي بن نصر خوفا من ابن المعلم إلى أن
قبض بهاء
(14/362)
الدولة على أبي القاسم علي بن أحمد
الأبرقوهي الوزير، ثم استدعى أبا نصر سابور من البطيحة في سنة اثنتين
وثمانين، وجمع بينه في الوزارة وبين أَبِي منصور بن صالحان، فخلع
عليهما في يوم الأحد تاسع شعبان، وكانا يتناوبان في الوزارة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال تجددت الفتنة في الكرخ فركب أبو الفتح
محمد بن الحسن الحاجب وقتل وصلب فسكن البلد وقامت الهيبة.
وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من شوال ولد الأمير أبو الفضل محمد بن
القادر باللَّه وأمه أم ولد اسمها علم، وهو الذي جعل ولي العهد ولقب
الغالب باللَّه.
وفي هذا الوقت غلب الأسعار وبيع الرطل من الخبز بأربعين درهم والحوزة
بدرهم.
وفي ذي القعدة ورد صاحب الأصيفر الأعرابي وبذل الخدمة في تسيير الحجاج
إلى مكة وحراستهم صادرين وواردين، وأعيد إقامة الخطبة للخليفة القادر
من حد اليمامة والبحرين إلى الكوفة فقبل ذلك منه وحمل إلى خلعة ولواء.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2888- إبراهيم بن عبد السلام بن محمد بن شاكر أبو إسحاق الوشاء.
حدث عن أبي كريب وغيره، روى عنه إسماعيل الخطبي، وأبو بكر الشافعي،
والطبراني، وانتقل إلى مصر فحدث بها ومات هناك في هذه السنة.
2889- عبد الله بن عثمان بن محمد بن علي بن بنان أبو محمد الصفار.
سمع إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي والمحاملي وابن مخلد، روى عنه
الأزهري والعتيقي والتنوخي وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة
[1] .
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ت.
(14/363)
2890- عمر بن أحمد بن هارون، أبو حفص
المعروف بابن الآجري.
سمع أبا عمر القاضي وأبا بكر النيسابوري روى عنه الأزهري والخلال، وكان
دينا ثقة أمينا صالحا، وتوفي في هذه السنة.
2891- محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن يحيى [بن معاذ] أبو عمر
الخزار المعروف بابن حيويه.
ولد في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين، وسمع الباغندي والبغوي وابن
صاعد وخلقا كثيرا وانتقى عليه الدارقطني، وكان ثقة دينا كثير السماع،
كثير الكتابة للحديث، كتب الكتب الكبار بيده «كالطبقات» والمغازي، وغير
ذلك، وكان ذا يقظة ومروءة، روى عنه البرقاني، والخلال، والتنوخي،
والجوهري. وغيرهم.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2892- محمد بن عبد الرحيم، أبو بكر المازني الكاتب.
حدث عن البغوي، وغيره، وكان ثقة مأمونا، توفي في ربيع الآخر من هذه
السنة.
(14/364)
ثم دخلت سنة ثلاث
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن القادر باللَّه تقدم بعمارة مسجد الحربية وكسوته وإجرائه مجرى
الجوامع في الصلاة.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن
علي الخطيب قال: ذكر لي هلال بن المحسن أن أبا بكر محمد بن الحسن بن
عبد العزيز الهاشمي كان بنى مسجدا بالحربية في أيام المطيع للَّه ليكون
جامعا يخطب فيها، فمنع المطيع من ذلك ومكث المسجد على تلك الحالة حتى
استخلف القادر باللَّه فاستفتى الفقهاء في أمره فأجمعوا على جواز
الصلاة فيه، فرسم أن يعمر ويكسى وينصب فيه منبر ورتب إماما يصلي فيه
الجمعة وذلك في شهر ربيع الآخر في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
قال أبو بكر الخطيب: فأدركت صلاة الجمعة وهي تقام ببغداد في مسجد
المدينة والرصافة، ومسجد دار الخلافة. ومسجد براثا ومسجد قطيعة أم جعفر
ومسجد الحربية، ولم يزل على هذا إلى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ثم
تعطلت في مسجد براثا فلم يصل فيه.
وفي يوم الأربعاء لأربع بقين من جمادى الأولي وقع الفراغ من الجسر الذي
عمله
(14/365)
بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار
مؤنس، واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطارد.
[شغب الديلم لأجل فساد النقد]
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من جمادى الآخرة شغب الديلم شغبا شديدا لأجل
فساد النقد وغلاء السعر وتأخر العطاء ومنعوا من الصلاة بجامع الرصافة،
فلما كان بكرة السبت قصدوا دار أبي نصر سابور بباب خراسان، وهجموا
فنهبوا وأفلت من بين أيديهم هاربا على السطوح، وثارت بذلك فتنة دخل
فيها العامة ورجع الديلم فراسلوا بهاء الدولة بالتماس أبي نصر سابور
وأبي الفرج محمد بن علي الخازن وكان ناظرا في خزانة المال ودار الضرب،
وتردد القول معهم إلى أن وعدوا بالإطلاق وتغيير النقد.
[عقد للخليفة القادر باللَّه على سكينة بنت بهاء الدولة]
وفي يوم الخميس الثاني من ذي الحجة: عقد للخليفة القادر باللَّه على
سكينة بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان الأملاك
بحضرته، والولي الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي، وتوفيت قبل
النقلة.
وفي هذا الشهر بلغ الكر الحنطة ستة آلاف درهم وستمائة درهم غياثية،
والكارة الدقيق مائتين وستين درهما.
وفي هذه السنة ابتاع أبو نصر سابور بن أردشير دارًا في الكرخ بين
السورين وعمرها وبيضها وسمَّاها: دار العلم، ووقفها على أهله، ونقل
أليها كتبا كثيرة ابتاعها وجمعها وعمل لها فهرستا ورد النظر في أمورها
ومراعاتها [والاحتياط عليها] إلى الشريفين أبي الحسين محمد بن الحسين
بن أبي شيبة، وأبي عبد الله بن محمد بن أحمد الحسني، والقاضي أبي عبد
الله الحسين بن هارون الضبي، وكلف الشيخ أبا بكر محمد بن موسى
الخوارزمي فضل عناية بها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2893- أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان بن حرب بن مهران، أبو بكر
البزاز
[1] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 18) .
(14/366)
ولد في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين
ومائتين، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن ساعد وابن دريد وخلقا كثيرا.
وروى عنه الدارقطني، والبرقاني، والأزهري، والخلال وغيرهم، وكان ثقة
ثبتا صحيح السماع كثير الحديث والكتب.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي قال: سمعت أبا القاسم التنوخي يقول: سئل ابن شاذان أسمعت من
محمد بن محمد الباغندي شيئا؟ فقال:
لا أعلم أني سمعت منه شيئا ثم وجد سماعه من الباغندي، فسألوا أن يحدث
به فلم يفعل توفي في شوال هذه السنة.
2894- جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أبو محمد الطاهري، ينسب إلى طاهر
بن الحسين.
حدث عن البغوي وابن صاعد، روى عنه العشاري، وكان ثقة ينزل شارع دار
الرقيق توفي في شوال هذه السنة.
2895- طاهر بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
البغدادي
[1] .
نزل نيسابور وحدث بها، روى عنه جماعة منهم: أبو عبد الله الحاكم، وكان
من أظرف من رأينا من العراقيين، وأحسنهم كتابة، وأكثرهم فائدة، وتوفي
فِي ربيع الأول من هذه السنة.
2896- علي بن القاسم بن الفضل بن شاذان أبو الحسين القاضي
ثقة، توفي [بالري] في رمضان هذه السنة.
2897- محمد بن إبراهيم بن سلمة أبو الحسين الكهيلي.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 358) .
(14/367)
حدث عن مطين، وكان سماعه صحيحا، ومضى على
سداد، وأمر جميل، توفي بالكوفة فِي هذه السنة.
2898- مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن يحيى أبو بكر الدقاق المعروف
بالصابوني.
كان ثقة مأمونا، توفي في شوال هذه السنة.
(14/368)
ثم دخلت سنة أربع
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن القاضي أبا محمد عبد الله بن محمد بن الأكفأني قبل شهادة أبي القاسم
علي بن المحسن التنوخي في المحرم، وشهادة أبي بكر بن الأخضر في رجب.
وفي صفر قبل القاضي أبو عبد الله الضبي، شهادة أبي العلاء محمد بن علي
بن يعقوب الواسطي، وفيه قوي [أمر] العيارين، واتصل القتال بين أهل
الكرخ وباب البصرة، وظهر العيار المعروف بعزيز من باب البصرة واستفحل
أمره، والتحق به كثير من الذعار، وطرح النار في المحال، وطلب أصحاب
الشرط ثم صالح أهل الكرخ، وقصد سوق التمارين، وطلب بضرائب الأمتعة وجبي
ارتفاع الأسواق الباقية، وكاشف السلطان وأحد أصحابه ونادى فيهم، وكان
ينزل إلى السفن فيطالب بالضرائب وأصحاب السلطان يرونه من الجانب الآخر
فأمر السلطان بطلب العيارين فهربوا من بين يديه.
[صرف الرضي والمرتضى عن النقابة]
وفي ذي القعدة عزل أبو أحمد الموسوي، وصرف
الرضي والمرتضى عن النقابة وكانا ينوبان عن أبيهما أبي أحمد.
وفي يوم الأربعاء رابع ذي الحجة ورد الخبر برجوع الحاج من الطريق، وكان
السبب أنهم لما حصلوا بين زبالة والثعلبية اعترضهم الأصيفر الأعرابي
ومنعهم الجواز وذكر أن الدنانير التي أعطيها عام أول كانت دراهم مطلية،
وأنه لا يفرج لهم عن الطريق إلا بعد أن يعطوه رسمه لسنتين، وتردد الأمر
إلى أن ضاق الوقت فعادوا، وكان الذي سار
(14/369)
بهم أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي،
فعادوا ولم يحج في هذه السنة أيضا أهل الشام، واليمن، وإنما حج أهل مصر
والمغرب خاصة.
وفي يوم السبت سابع ذي الحجة قبل أبو عبد الله شهادة أبي عبد الله بن
المهتدي الخطيب.
وفي يوم الاثنين تاسع ذي الحجة قلد الشريف [أبو الحسن محمد بن علي بن
أبي تمام الزينبي نقابة العباسيين وقرأ عهده أبو الفضل يوسف بن سليمان]
بحضرة القادر باللَّه، وحضره القضاة، والشهود، والأشراف [والأكابر] .
وفي هذه السنة عقد لمهذب الدولة علي بن نصر علي بنت بهاء الدولة بن عضد
الدولة، وعقد الأمير أبو منصور بن بهاء الدولة علي بنت مهذب الدولة علي
بن نصر كل عقد منهما على صداق مبلغه مائة ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2899- الطيب بن يمن بن عبد الله، أبو القاسم مولي المعتضد باللَّه.
ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، وسمع البغوي، روى عنه الصيمري، والجوهري،
والتنوخي، والعتيقي، وقال: هو ثقة صحيح الأصول. توفي في رجب هذه السنة.
2900- عبيد الله بن محمد بن علي بن عبد الرحمن أبو محمد الكاتب
المعروف: بابن الجرادي، مروزي الأصل.
حدث عن البغوي، وابن دريد، وابن الأنباري، روى عنه التنوخي، والعشاري
وكان فاضلا صاحب كتب كثيرة، وتوفي في هذه السنة وقيل في السنة التي
قبلها.
2901- عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستي الزاهد.
ورث عن آبائه أموالا كثيرة فأنفقها في الخير، وكان كثير التعبد، بقي
سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إلى غيره ولا يتكىء على وسادة وحج من
نيسابور حافيا، راجلا، دخل الشام، والرملة، وأقام ببيت المقدس أشهرا،
ثم خرج إلى مصر، وبلاد المغرب،
(14/370)
ثم حج من المغرب وانصرف إلى بست فتصدق
ببقية أملاكه، فلما مرض جعل يلتوي فقيل له ما هذا الوجع؟ فقال: أي وجع
بين يدي أمور هائلة ولا أدري كيف أنجو، وتوفي في محرم هذه السنة وَهُوَ
ابْن خمس وثمانين سنة، فلما مات رأي رجل في المنام رجلا من الموتى فقال
له: من بالباب؟ فقال: ليس على الباب أجل من عبيد الله الزاهد ورأت
امرأة من الزاهدات أمها في المنام قد تزينت ولبست أحسن الثياب فقالت
لها ما السبب في هذا فقالت: لنا عيد إن عبيد الله الزاهد تقدم علينا.
2902- علي بن الحسين بن محمويه بن زيد أبو الحسن الصوفي.
سمع وحدث ولقي الزهاد الأكابر، وصحب أبا الخير الأقطع ثم لازم مسجد جده
أبي علي بن زيد بنيسابور على التجريد إلى أن توفي في ذي الحجة من هذه
السنة.
2903- علي بن القاضي أبي تمام الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان
بن محمد بن القاسم الزينبي.
[كان] نقيب العباسيين، وصاحب الصلاة، وهو أول من جمع بين الصلاة
والنقابة في سنة ثمانين وثلاثمائة، واستخلف له ابنه أبو الحسن الملقب
بنظام الحضرتين بعد ذلك على الصلاة وخلع عليه. توفي في هذه السنة.
2904- علي بْن عيسى [بْن علي] بن عبد الله أبو الحسن النحوي المعروف
بالرماني.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين وحدث عن أبي دريد، وكانت له يد في النحو،
واللغة والكلام، والمنطق، وله تفسير كبير، وشهد عند أبي محمد ابن
معروف، روى عنه التنوخي، والجوهري، وتوفي في هذه السنة، ودفن
بالشونيزية عند قبر أبي علي الفارسي، وتوفي عن ثمان وثمانين سنة.
2905- محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن الفرات أبو الحسن
[1] .
سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسن المصري، وخلقا كثيرا، وكتب [الكتب
الكثيرة وكان ثقة مأمونا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 122) .
(14/371)
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب
قَالَ كان أبو الحسن بن الفرات ثقة كتب الكتب الكثيرة] وجمع ما لم
يجمعه أحد في وقته. قال: وبلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري
وحده ألف جزء وأنه كتب مائة تفسير ومائة تاريخ ولم يخرج عنه إلا الشيء
اليسير، حدثنا عنه إبراهيم بن عمر البرمكي وحدثني الأزهري قال: خلف ابن
الفرات ثمانية عشر صندوقا مملوءة كتبا أكثرها بخطه سوى ما سرق من كتبه
وكتابه هو الحجة في صحة النقل وجودة الضبط، وكان مولده في سنة بضع عشرة
وثلاثمائة، ومكث يكتب الحديث من قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة إلى أن مات،
وكانت له جارية تعارضه بما يكتبه ومات في شوال سنة أربع وثمانين
وثلاثمائة.
2906- محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله أبو عبيد الله الكاتب
المعروف بالمرزباني.
حدث عن البغوي وابن دريد وابن الأنباري ونفطويه وغيرهم، روى عنه
الصيمري والتنوخي والجوهري، وغيرهم، وكان صاحب أخبار ورواية للآداب،
وصنف كتبا كثيرة مستحسنة في فنون، وكان أشياخه يحضرون عنده في داره
[فيسمعهم ويسمع منهم] ، وكان عنده خمسون ما بين لحاف ودواج، معدة لأهل
العلم الذين يبيتون عنده، وكان عضد الدولة يجتاز على داره فيقف ببابه
حتى يخرج [إليه] فيسلم عليه وكان أبو علي الفارسي يقول: هو من محاسن
الدنيا، وقد اختلفت فيه مشايخ المحدثين.
قال الأزهري: ما كان ثقة. وقال العتيقي كان ثقة.
قال المصنف رحمه الله كانت آفته ثلاثا، الميل إلى التشيع [وإلى]
الاعتزال، وتخليط المسموع [بالإجازة] وإلا فليس بداخل في الكذابين.
وتوفي في شوال هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه أبو بكر
الخوارزمي ودفن بالجانب الشرقي.
2907- محمد بن عثمان بن عبيد الله بن الخطاب أبو الطيب الصيدلاني.
حدث عن البغوي وغيره، وكان ثقة مأمونا، توفي في ذي الحجة من هذه السنة
.
(14/372)
2908- منصور بن ملاعب
حدث عن البغوي وغيره، وكان ثقة مأمونا، توفي في محرم هذه السنة.
2909- المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو علي التنوخي القاضي
[1] .
ولد بالبصرة، وسمع بها من جماعة ونزل بغداد فأقام بها، وحدث، وكان
سماعه صحيحا، وكان أديبا شاعرا إخباريا.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثنا ابن المحسن بن علي قال: قال
أبي مولدي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة قَالَ وكان مولده في ليلة
الأحد لأربع بقين من ربيع الأول، وأول سماعه الحديث في سنة ثلاث
وثلاثين وثلاثمائة، وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن
عبيد الله بالقصر وبسورا في سنة تسع وأربعين ثم ولاه المطيع للَّه
القضاء بعسكر مكرم وأيذج ورامهرمز وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في نواح
مختلفة، وتوفي ببغداد ليلة الاثنين لخمس بقين من المحرم سنة أربع
وثمانين وثلاثمائة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 155) .
(14/373)
ثم دخلت سنة خمس
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه عاد أبو القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي من البطيحة إلى حضرة بهاء
الدولة للوزارة، واستقر ذلك بوساطة مهذب الدولة علي بن نصر، بعد أن
اشترط بهاء الدولة أن يمشي الأمر على يده، وإلا أعاده محروسا إلى
البطيحة ثم أن أمره وقف وعاد إلى البطيحة، لأن جميع الحاشية تطابقت على
فساد أمره فكاد بهاء الدولة [أن] يقبض عليه، فذكر الشريف أبو أحمد
العهد المستقر بينه مع مهذب الدولة، وأن الغدر به مكاشفة، ولمهذب
الدولة بالقبح ففسح في عوده مع الشريف أبي أحمد إلى البطيحة.
وحج بالناس هذه السنة أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عبيد الله العلوي، وكذلك في سنة ست وسبع وثمان، وبعث في السنة بدر
بن حسنويه تسعة آلاف دينار، لتدفع [إلى] الأصيفر عوضا عما كان يأخذه من
الحاج، وجعل ذلك رسما له من ماله وبعث ذلك له إلى سنة ثلاث وأربعمائة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2910- إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصي ويعرف بالجليّ
[1] .
ولد بالمصيصة، وسكن بغداد، وحدث بها وكان حافظا، ضريرا، فروى عنه من
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 171) .
(14/374)
أهلها أبو بكر البرقاني، والأزهري،
وغيرهما، وكان ثقة صدوقا، وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
2911- إسماعيل بن عباد، أبو القاسم ويلقب كافي الكفاة الصاحب
[1] .
وزر لمؤيد الدولة وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين، فأزاله عن
الوزارة، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن
التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد
النصيبي قال: كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض
العشايا سرور، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلسا عظيما بآلات الذهب
والفضة، وفاخر الزجاج والصيني، والآلات الحسنة والطيب، والفاكهة
الكثيرة، وأحضر المطرب وشرب بقية يومه، وعامة ليلته ثم عمل شعرا انشده
ندماءه وغنى به في الحال وهو.
دعوت المنا ودعوت الطلا ... فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لأيام شرخ الشباب ... إلي فهذا أوان الفرح
إذا بلغ المرء آماله ... فليس له بعدها مقترح
قال: وكان هذا بعد تدبيره على الصاحب أبي القاسم بن عباد، حتى ابعده عن
كتبه صاحبة الأمير مؤيد الدولة وسيره عن حضرته بالري إلى أصفهان،
وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كما كان لركن الدولة، فلما كان
غنى الشعر [استطابه] وشرب عليه إلى أن سكر، ثم قال لغلمانه غطوا المجلس
ولا تسقطوا شيئا منه لاصطبح في هَذِهِ الليلة وقال: لندمائه باكروني
ولا تتأخروا، فقد اشتهيت الصبوح، وقام إلى بيت منامه، وانصرف الندماء
فدعاه مؤيد الدولة في السحر، [فلم يشك أنه لمهم] فقبض عليه، وأنفذ إلى
داره من أخذ جميع ما فيها، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن
عباد إلى وزارة مؤيد الدولة، ثم وزر لأخيه فخر الدولة فبقي في الوزارة
ثماني عشرة سنة وشهورا وفتح خمسين قلعة، سلمها إلى فخر الدولة لم يجتمع
مثلها إلى أبيه وكان
__________
[1] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 1/ 75. ومعجم الأدباء 2/ 273- 343.
وابن خلدون 4/ 466) .
(14/375)
الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم
يقاربه في ذلك الوزير وله التصانيف الحسان، والنثر البالغ، وجمع كتبا
عظيمة حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل، وكان يخالط العلماء،
والأدباء ويقول لهم، نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث
وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا
الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [إسماعيل بن عباد] على
الإملاء وكان حينئذ في الوزارة، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم
فقال، قد علمتم قدمي في العلم فأقروا له بذلك، فقال، وأنا متلبس بهذا
الأمر وجميع ما انفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ومع هذا
فلا أخلو من تبعات اشهدوا عَلِيّ وأشهد الله وأشهدكم أني تائب الى الله
تعالى من كل ذنب أذنبته، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة، ولبث
أسبوعا على ذلك ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته، ثم خرج فقعد للإملاء
وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه،
فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد
خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله
لومة لائم، ويبغض من يميل إلى الفلسفة وأهدى إليه العميري القاضي
[بقزوين] كتبا وكتب معها.
العميري عبد كافي الكافة ... وان اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات من حسنها مترعات
فوقع تحتها.
قد قبلنا من الجميع كتابا ... ورددنا لوقتنا الباقيات
لست استغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات
فاستدعى يوما شرابا فجيء بقدح، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا
تشربه فإنه مسموم فقال: وما الشاهد على صحة قولك؟ قال: أن تجربه على من
اعطاك إياه قال لا استحل ذلك، قال فجربه على دجاجة قال: إن التمثيل
بالحيوان لا يجوز، فرد القدح وأمر بصب ما فيه وقال للغلام: لا تدخل
داري وأمر بإفراد جراية عليه، ومرض بالأهواز عن سجع عرض له فكان إذا
قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون،
فكانوا يتمنون دوام علته فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره، فكان
(14/376)
هذا يخرج بدواج، وهذا بمركب وهذا بتور
الشمع، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار فلما مرض الموت كان
أمراء الديلم ووجوه الحواشي معًا ودون بابه ويقبلون الأرض، وينصرفون
وجاءه فخر الدولة دفعات، فلما يئس من نفسه قال، لفخر الدولة: قد خدمتك
الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن
الذكر بها، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب
الجميل فيه إليك واستمرت الإحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما
يثني به عليك، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور
عليه وقدح في دولتك وذكرك ما يسع إيقاعك فأظهر له قبول رأيه، توفي في
مساء الجمعة لست بقين من صفر هذه السنة، وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة
الديلمية وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة وزر لهم فيها جماعة فيهم
معان حسنة ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب.
2912- الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن
حامد أبو محمد الأديب
[1] .
سمع علي بن محمد بن سعيد الموصلي وكان تاجرا ممولا نزل عليه المتنبي
حين قدم بغداد وكان القيم بأموره، فقال له: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك؟
روى عنه الصوري وكان صدوقا.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني الجوهري
والتنوخي قالا:
أنشدنا أبو محمد الحسن بن حامد لنفسه.
سريت المعالي غير منتظر بها ... كسادا ولا سوقا تقام لها أخرى
وما أنا من أهل المكاس وكلما ... توفرت الأثمان كنت لها أشرى
2913- داود بن سليمان بن داود بن محمد أبو الحسن البزاز.
سمع الحسين بن إِسْمَاعِيل المحاملي، روى عنه التنوخي والعشاري
والعتيقي
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 303) .
(14/377)
وقال كان جارنا في قطيعة الربيع وكان شيخا
نبيلا ثقة، توفي في محرم هذه السنة.
2914- عمر [بن أحمد] بن عثمان بن محمد بن أيوب بن ازداذ أبو حفص الواعظ
المعروف بابن شاهين
[1] .
ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين، وسمع شعيب بن محمد الذارع وأبا
خبيب البرقي ومحمد بن محمد الباغندي وأبا بكر بن أبي داود، وخلقا كثيرا
وكان ثقة أمينا يسكن الجانب الشرقي.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن
ثابت، أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم ابن محمد المحاملي قال: ذكر لنا ابن
شاهين قال: أول ما كتبت الحديث بيدي سنة ثمان وثلاثمائة، وكان لي إحدى
عشرة سنة، وكذا كتب ثلاثة من شيوخي في هذه السن فتبركت بهم: أبو القاسم
البغوي، وأبو محمد بن صاعد، وأبو بكر بن أبي داود وقال المصنف: وكذلك
أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة، وسمعت قبل ذلك.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد
بن علي بن محمد الهاشمي قال: قال لنا أبو حفص بن شاهين صنفت ثلاثمائة
مصنف وثلاثين مصنفا أحدها «التفسير الكبير» ألف جزء «والمسند» ألف
وخمسمائة جزء «والتاريخ» مائة وخمسين جزءا [والزهد، مائة جزء] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أَبُو بَكْر الخطيب، حدثنا القاضي أبو بكر محمد
بن عمر بن إسماعيل الداودي قال: سمعت أبا حفص بن شاهين يقول يوما: حسبت
ما اشتريت من الحبر إلى هذا الوقت فكان سبعمائة درهم. قال الداودي:
وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم. قال و [قد] مكث ابن شاهين بعد ذلك
يكتب زمانا، توفي ابن شاهين الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة،
ودفن بمقبرة باب حرب.
2915- علي بن محمد بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن
دينار بن عبد الله أبو الحسن الحافظ الدارقطنيّ
[2] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 265) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 34) .
(14/378)
ولد سنة ست وثلاثمائة، وقيل سنة خمس، وسمع
البغوي وابن أبي داود وابن صاعد، وخلقا كثيرا وكان فريد عصره، وإمام
وقته، انتهي إليه علم الأثر والمعرفة بأسماء الرجال، وعلل الحديث، وسلم
ذلك له، انفرد بالحفظ أيضا. من تأثير حفظه أنه أملى علل المسند من حفظه
على البرقاني.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الخطيب قال: كان أبو منصور إبراهيم بن الحسن بن حمكان الصيرفي، وسمع
كثيرا وأراد أن يصنف مسندا معللا، وكان الدارقطني يحضر عنده في كل
أسبوع يوما يتعلم على الأحاديث في أصوله وينقلها أبو بكر البرقاني
ويملي عليه الدارقطني علل الحديث، حتى خرَّج من ذلك شيئا كثيرًا وتوفي
أبو منصور قبل استتمامه فنقل البرقاني كلام الدارقطني فهو كتاب «العلل»
الذي يرويه الناس عن الدارقطني.
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
بن ثابت قال حدثني الأزهري قال:
قال رأيت محمد بن أبي الفوارس وقد سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم
فيه فأجابه ثم قال: يا أبا الفتح ليس بين المشرق والمغرب من يعرف هذا
غيري.
أخبرنا أبو منصور القزاز، ثنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: حَدَّثَنِي
الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار
فجعل ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح
سماعك وأنت تنسخ فقال الدارقطني فهمي للإملاء خلاف فهمك ثم قال تحفظ كم
أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ قال: لا، فقال الدارقطني، أملى ثمانية
عشر حديثا فعددت الأحاديث فوجدت كما قال، ثم قال أبو الحسن: الحديث
الأول منها كذا عن فلان عن فلان ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن
فلان ومتنه كذا، ولم يزل يذكر إسناده الأحاديث ومتونه على ترتيبها في
الإملاء، حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه قال المصنف رحمه الله: وقد
كان الحاكم أبو عبد الله يقول: ما رأي الدارقطني مثل نفسه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا [أبو بكر] بن ثابت، أخبرنا الصوري قال: سمعت
رجاء بن محمد بن عيسى المعدل يقول سألت الدارقطني فقلت: رأي الشيخ مثل
نفسه فقال لي:
قال الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ 53: 32 قلت: لم أرد هذا
وإنما أردت أن أعلمه لأقول رأيت
(14/379)
شيخا لم ير مثل نفسه فقال: إن كان في فن
واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا. قال
المنصف رحمه الله: كان الدارقطني قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة،
بالقراءات، والنحو، والفقه والشعر مع الأمانة والعدالة، وصحة العقيدة.
سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: سمعت ثابت بن بندار يقول: سمعت أبا الحسن
العتيقي يقول: قال الدارقطني: كنت أنا والكتاني نسمع الحديث فكانوا
يقولون يخرج الكتاني محدث البلد ويخرج الدارقطني مقرئ البلد فخرجت أنا
محدثا والكتاني مقرئًا.
أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال: توفي الدارقطني
آخر نهار يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ودفن
في مقبرة معروف يوم الأربعاء، وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة
ست وثلاثمائة وله تسع وسبعون سنة ويومان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا أبو نصر علي بن هبة الله بن
ماكولا قال رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في
الآخرة وما آل اليه امره فقيل ذاك يدعى في الجنة الإمام.
2916- عباد بن العباس بن عباد [أبو الحسن الطالقاني والد الصاحب
إِسْمَاعِيل بن عباد.]
سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره وكان صدوقا، وصنف كتابا في أحكام
القرآن، وروى عنه ابنه أبو القاسم الوزير، وأبو بكر بن مردويه، وطالقان
التي ينسب إليها ولاية بين قزوين وأبهر وهي عدة قرى يقع عليها هذا
الاسم، وثم بلدة من بلاد خراسان، خرج منها جماعة كثيرة من المحدثين
يقال لها طالقان، توفي عباد في هذه السنة.
2917- عقيل بن محمد، أبو الحسن الأحنف العُكْبري.
كان أديبا شاعرا مليح القول، روى عنه أبو علي ابن شهاب ديوان شعره.
(14/380)
أنبأنا ابن ناصر، أنبأنا الحسن بن أحمد
قال: أنشدني علي بن عبد الواحد للأحنف العُكْبري:
أَقْضَى عَلَيَّ من الأَجَلْ ... عَذْلُ الْعَذُولِ إذا عَذَلْ
وأشد من عذل العذول ... صدودُ إِلْفٍ قد وَصَلْ
وأشد من هذا وذا ... طلب النوال من السفل
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنشدني الرئيس أبو الثناء علي بن أبي
منصور الكاتب قال: أنشدني بعض من أثق به وذكر أنها للأحنف العُكْبري
ولم أسمع في معناها مثلها وهي:
من أراد الملك والراحة ... من هم طويل
فليكن فردا من الناس ... ويرضى بالقليل
ويرى أن قليلا ... نافعا غير قليل
ويرى بالحزم أن الحزم ... في ترك الفضول
ويداوي مرض الوحدة ... بالصبر الجميل
لا يماري أحدا ما ... عاش في قال وقيل
يلزم الصمت فان الصمت ... تهذيب العقول
يذر الكبر لأهليه ... ويرضى بالخمول
أي عيش لامرئ يصبح ... في حال ذليل
بين قصد وعدو ... ومداراة جهول
واعتلال من صديق ... وتحن عن ملول
واحتراس من ظنون ... السوء أو عذل عذول
ومماشاة بغيض ... ومقاساة ثقيل
أف من معرفة الناس ... على كل سبيل
وتمام الأمر لا تعرف ... سمحا من بخيل
فإذا أكمل هذا ... كان في ملك جليل
(14/381)
2918- محمد بن عبد الله بن سكرة أبو الحسن
الهاشمي [1] من ولد علي بن المهتدي [كان] شاعرا مطبوع القول.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب قال: أنشدني علي بن المحسن
قال: أنشدني أبو الحسن بن سكرة وكان قَدْ دخل حمامًا وخرج وقد سرق
مداسه فعاد إلى داره حافيا وهو يَقُولُ:
إليك أذم حمام ابن موسى ... وإن فاق المني طيبا وحرا
تكاثرت اللصوص عليَّ حتى ... ليحفى من يطيف به ويعرا
ولم أفقد به ثوبا ولكن ... دخلت محمدا وخرجت بشرا
ومن أشعاره في القاضي أبي السائب:
إن شئت أن تبصر أعجوبة ... من جور أحكام أبي السائب
فاعمد من الليل إلى صرة ... وقرر الأمر مع الحاجب
حتى ترى مروان يقضي له ... على علي بن أبي طالب
توفي ابن سكرة في ربيع الأول من هذه السنة.
2919- مُحَمَّد بن عبيد، أبو عمر الأصبهاني.
حدث عن شيوخ أصبهان، وكان ثقة، مأمونا، وتوفي في ربيع الآخر من هذه
السنة.
2920- يوسف بن عمر بن مسرور، أبو الفتح القواس
[2] .
ولد سنة ثلاثمائة، سمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد، وغيرهم، روى
عنه الخلال والعشاري والتنوخي، وغيرهم وكان ثقة صالحا زاهدا صدوقا،
وكان يقال له أنه من الأبدال وأنه مجاب الدعوة قال الدارقطني: كنا
نتبرك بيوسف القواس وهو صبي، توفي يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الآخر
من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
2921- يوسف بن أبي سعيد السيرافي يكنى أبا محمد.
كان نحويا وتمم شرح أبيه لكتاب سيبويه، وكان يرجع إلى علم ودين، وتوفي
في ربيع الآخر من هذه السنة وله خمس وخمسون سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 465، 466) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 325) .
(14/382)
ثم دخلت سنة ست
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[ادعاء أهل البصرة أنهم كشفوا عن قبر عتيق
ميت طرى بثيابه وسيفه]
أن أهل البصرة في شهر المحرم ادعوا انهم كشفوا عن قبر عتيق، فوجدوا فيه
ميتا طريا بثيابه وسيفه، وأنه الزبير بن العوام فأخرجوه وكفنوه ودفنوه
بالمربد بين الدربين وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناء وجعل الموضع
مسجدا ونقلت إليه القناديل والآلات والحصر والسمادات وأقيم فيه قوام
وحفظه/ ووقف عليه وقوفا.
وفي يوم الأحد ثاني شوال خلع القادر باللَّه على أبي الحسن ابن حاجب
النعمان وأظهر أمره في كتابه له.
وفي هذه السنة قلد أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عبد الله بن جعفر بن المهتدي باللَّه الصلاة في جامع المنصور وأبو بكر
التمام بن محمد بن هارون بن المطلب الصلاة في جامع الرصافة.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو عبد الله بن عبيد الله العلوي، وحمل أبو
النجم بدر بن حسنويه وكان أمير الجبل خمسة آلاف دينار من وجوه القوافل
من الخراسانية لتدفع إلى الأصيفر عوضا عما كان يجبي له من الحاج في كل
سنة وجعل ذلك رسما زاد فيه من بعد حتى بلغ تسعة آلاف دينار ومائتي
دينار وواصل حمل ذلك إلى حين وفاته.
(14/383)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
2922- أحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه أبو حامد بن أبي
إسحاق المزكي النيسابوري
[1] .
سمع أبا العباس الأصم وطبقته، وورد بغداد وكتب عن إسماعيل بن محمد
الصفار وخرج إلى مكة فسمع أبا سعيد ابن الأعرابي ورجع إلى نيسابور ولم
يزل معروفا بالعبادة من زمن الصبي إلى أن توفي، روى عنه محمد بن المظفر
الحافظ والأزهري والقاضي أبو العلاء وغيرهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن الحافظ قال: أخبرني محمد بن علي المقرئ عن الحاكم أبي عبد الله
النيسابوري قال: توفي أبو حامد أحمد بن إبراهيم المزكي ليلة الاثنين
الثالث عشر من شعبان سنة ست وثمانين، وكان مولده سنة ثلاث وعشرين، وصام
الدهر تسعا وعشرين سنة، وعندي أن الملك لم يكتب عليه خطيئة، وحدثني أبو
عبد الله بن أبي إسحاق أنه رأي [أخاه] أبا حامد في المنام في نعمة
وراحة وصفها، فسأله عن حاله فقال لقد أنعم علَيّ فإن أردت اللحوق بي
فالزم ما كنت عليه.
2923- عبد الله بن أحمد بن مالك أبو محمد البيع.
سمع أبا بكر بن أبي داود وغيره، روى عنه العتيقي والعشاري، وكان ثقة،
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
2924- علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن شاذان بن إبراهيم، أبو إسحاق
الحميري، ويعرف: بالسكري وبالصيرفي، وبالكيال، وبالحربي.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع أحمد بن عبد الجبار الصوفي الطبري،
والأزهري والعتيقي، والتنوخي، وأول سماعه في سنة ثلاث وثلاثمائة، وسمع
الباغذي، والبغوي، وخلقا كثيرا وروى عنه أبو الطيب وقال الأزهري: هو
صدوق ولكن بعض أهل الحديث قرأ عليه ما لم يكن سماعه وأما هو في نفسه
فثقة، وقد طعن فيه البرقاني، ذهب بصره في آخر [عمره] وتوفي في شوال هذه
السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 20) .
(14/384)
2925- محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي
[1] .
حدث عن علي بن أحمد المصيصي وأبي بكر المفيد وغيرهما روى عنه عبد
العزيز بن علي الأزجي وغيره، وكان من الزهاد المتعبدين. قال العتيقي:
كان رجلا صالحا مجتهدا صنف كتابا سماه «قوت القلوب» وذكر فيه أحاديث لا
أصل لها، وكان يعظ الناس في الجامع ببغداد.
أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قال: دخل عبد الصمد على
أبي طالب المكي وعاتبه على إباحته السماع فأنشد [أبو طالب] :
فيا ليل كم فيك من متعة ... ويا صبح ليتك لم تقترب
فخرج عبد الصمد مغضبا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ لي أبو طاهر محمد بن علي
العلاف، كان أبو طالب المكي من أهل الجبل، ونشأ بمكة، ودخل البصرة بعد
وفاة أبي الحسن بن سالم، فانتمى إلى مقالته، وقدم بغداد، فاجتمع الناس
عليه من مجلس الوعظ فخلط في كلامه وحفظ عنه أنه قال ليس على المخلوقين
أضر من الخالق فبدعه الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك.
سمعت شيخنا أبا القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي يقول سمعت شيخنا أبا
علي محمد ابن أحمد بن المسلمة يقول: [سمعت شيخنا أبا القاسم بن بشران
يقول] [2] دخلت على شيخنا أبي طالب المكي: وقت وفاته فقلت له، أوصني،
فقال: إذا علمت أنه قد ختم لي بخير فإذا أخرجت جنازتي فانثر عليَّ سكرا
ولوزا وقل هذا للحاذق فقلت: من أين أعلم؟ قال: خذ يدي وقت وفاتي فإذا
أنا قبضت بيدي على يدك فاعلم أنه قد ختم الله بخير [وإذا أنا لم أقبض
على يدك وسيبت يدك من يدي فاعلم أنه لم يختم لي بخير] .
قال شيخنا أبو القاسم: فقعدت عنده، فلما كان عند وفاته قبض على يدي
قبضا شديدًا فلما أخرجت جنازته نثرت عليه سكرا ولوزا وقلت هذا للحاذق،
كما أمرني. توفي أبو طالب في جمادى الآخرة من هذه السنة. وقبره ظاهر
قريب من جامع الرصافة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 89) .
[2] ما بين المعقوفتين ليس في: ص.
(14/385)
2926- نزار بن معد أبو تميم ويكنى أبا
منصور ويلقب بالعزيز وهو صاحب مصر.
ولد بالقيروان وولي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وأياما، وكان قد ولي
عيسى بن نسطورس النصراني واستناب بالشام يهوديا يعرف بميشا فاستولى أهل
هاتين الملتين على المسلمين، فكتبت امرأة إلى العزيز بالذي أعز اليهود
بميشا والنصارى بعيسى بن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري
فقبض على اليهودي والنصراني، وأخذ من عيسى ثلاثمائة ألف دينار، توفي في
رمضان هذه السنة وعمره اثنتان وأربعون سنة.
2927- بنت عضد الدولة.
التي كانت زوجة الطائع للَّه، توفيت يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم
وحملت تركتها إلى بهاء الدولة وكان فيها جوهر كثير.
(14/386)
ثم دخلت سنة سبع
وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن فخر الدولة أبو الحسن علي بن ركن الدولة توفي بالري فرتب ولده رستم
في الأمر بعده، وهو يومئذ ابن أربع سنين، وأخذت له البيعة على الجند،
وحطت الأموال في الزبل للتفرقة على الجند.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2928- جعفر بن محمد بن الفضل بن عبد الله أبو القاسم الدقاق، ويعرف:
بابن المارستاني:
ولد ببغداد سنة ثمان وثلاثمائة ثم سافر، ثم قدم بغداد من مصر، وحدث عن
أبي بكر بن مجاهد، روى عنه الخلال وابن المذهب، لكن الدارقطني والصوري
يكذبانه، وتوفي في هذه السنة.
2929- الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكري الراوية العلامة
صاحب الفضل الغزير والتصنيف الحسن الكثير في الأدب واللغة والأمثال
وكان يميل إلى المعتزلة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا أبو زكريا يحيى بن
علي التبريزي قال:
حكى لنا أبو عبد الله الحسن بن محمد بن الحسن الحلواني قال: حدثني أبو
الحسن علي بن المظفر بن بدر البندنيجي، قال: كنت اقرأ بالبصرة على
الشيوخ فلما دخلت
(14/387)
سنة تسع وسبعين بلغني حياة [أبي أحمد]
العسكري فقصدته، فقرأت عليه فوصل فخر الدولة والصاحب ابن عباد، فبينا
نحن جلوس نقرأ عليه، وصل إليه ركابي ومعه رقعة ففضها وقرأها وكتب على
ظهرها، جوابها فقلت له: أيها الشيخ ما هذه الرقعة؟ فقال رقعة الصاحب
كتب إليَّ:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتُمُ ... ضعفنا فما نقوى على الوخدان
أتيناكُمُ مِنْ بُعْدِ أَرْضٍ نَزُورَكُمْ ... فكم منزل بكر لنا وعوان
نناشدكم هل من قرى لنزيلكم ... بطول جوار لا بملء جفان
قلت فما كتبت في جوابه؟ قال كتبت:
أروم نهوضا ثم يثنى عزيمتي ... قعود وأعضائي من الرجفان
فضمنت بنت ابن الرشيد كأنما ... تعمد تشبيهي به وعناني
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العنز والنزوان
ثم نهض وقال: لا بد من الحمل على النفس فان الصاحب لا يقنعه هذا. فركب
بغلة فلم يتمكن من الوصول إلى الصاحب لاستيلاء الخيم، فصعد تلعةً فرفع
صوته بقول أبي تمام.
ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة ... دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة ... وليس لي عملُ زاك فادخلها
قال: فناداه الصاحب أدخلها أبا أحمد فلك السابقة الأولي فتبادر أصحابه
إليه فحملوه حتى جلس بين يديه فسأله عن مسألة، فقال أبو أحمد! الخبير
صادفت. فقال الصاحب: يا أبا أحمد تغرب في كل شيء حتى في المثل، فقال:
تفاءلته عن السقوط بحضرة مولانا، وإنما كلام العرب على الخبير سقطت.
توفي أبو أحمد يوم التروية من هذه السنة.
2930- الْحُسَيْن بن أحمد بن محمد، أبو عبد الله الريحاني الْبَصْرِيّ:
سكن بغداد، وحدَّث عَنْ البَغَوَيّ، وابن صاعد. والمحاملي. روى عَنْهُ
الخلال،
(14/388)
والعتيقي، وَقَالَ: كَانَ لَهُ أصول صحاح
جياد، فخرج لَهُ أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل عشرة أجزاء، وكان ثقة،
وتُوُفيّ في هذه السنة.
2931- الحسين بن محمد بن سليمان أبو عبد الله الكاتب
[1] :
ولد سنة اثنتين وثلاثمائة. حدث عن البغوي وابن صاعد وأبي بكر
النيسابورىّ وابن الأنباري، روى عنه الأزهري والصيمري والعتيقي، وكان
صدوقا ثقة، يسكن مدينة المنصور. توفي فِي هذه السنة.
2932- عَبْد اللَّهِ بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [بن عبيد الله بن
زياد] بن مهران أبو القاسم الشاهد المعروف بابن الثلاج حلواني الأصل
[2] :
حدث عن البغوي [وابن] أبي داود وابن صاعد. روى عنه الصيمري والتنوخي،
والأزهري، والعتيقي، [وغيرهم] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التنوخي قال:
قال لنا ابن الثلاج، ما باع أحد من سلفينا ثلجا قط وإنما كانوا بحلوان
وكان جدي مترفا، فكان يجمع له في كل سنة ثلج كثير لنفسه، فاجتاز الموفق
أو غيره من الخلفاء، فطلب ثلجا فلم يوجد إلا عند جدي وأهدى إليه منه
فوقع منه موقعا لطيفا وطلبه منه أياما كثيرة طول مقامه وكان يحمله إليه
فقال، اطلبوا عبد الله الثلاج واطلبوا ثلجا من عند عبد الله الثلاج،
فعرف بالثلاج وغلب عليه، قال المصنف، وقد ضعفه المحدثون منهم الدارقطني
ونسبوه إلى أنه يركب الأسانيد ويضع الحديث على الرجال.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني الأزهري قال: كان أبو
القاسم ابن الثلاج مخلطًا في الحديث يدعي ما لم يسمع ويضع الحديث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني أحمد بن محمد العتيقي
قال:
ذكر أبو عبد الله بن بكير أن أبا سعد الإدريسي لما قدم بغداد قال
لأصحاب الحديث: إن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 101) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 135) .
(14/389)
كان ها هنا شيخ له جموع وفوائد، فأفيدوني
عنه، فدلوه على أبي القاسم ابن الثلاج، فلما اجتمع معه أخرج إليه جمعة
لحديث قبض العلم وأنا فيه، حدثني أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي
فقال الإدريسي: أين سمعت من هذا الشيخ؟ فقال: هذا شيخ قدم علينا حاجا
فسمعنا منه، فقال أيها الشيخ: أنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد
الإدريسي، وهذا حديثي وو الله ما رأيتك ولا اجتمعت معك قبل هذا الوقت
فخجل ابن الثلاج وقال العتيقي: ثم اجتمعت مع أبي سعد الإدريسي، فحدثني
بهذه القصة، كما حدثني بها ابن بكير عنه، توفي ابن الثلاج في ربيع
الأول من هذه السنة فجأة.
2933- عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان أبو عبد الله العُكْبري
المعروف بابن بطة
[1] :
ولد يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلاثمائة، وسمع أبا
القاسم البغوي ويحيى بن صاعد وأبا بكر النيسابوري، وخلقا كثيرا، وسافر
البلاد البعيدة في طلب العلم، روى عنه أبو الفتح بن أبي الفوارس،
والأزجي، والبرمكي وغيرهم واثنى عليه العلماء الأكابر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي قال:
لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير
منها في سوق ولا رئي مفطرا إلا في يومي الأضحى والفطر وكان أمارا
بالمعروف ولم يبلغه خبرا منكرا إلا غيره أو كما قال.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي [أخبرنا] العتيقي قال: كان ابن بطة
شيخا صالحا مستجاب الدعوة، أخبرنا عبد الرحمن [أخبرنا أحمد] بن علي
قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي عن [أبي
محمد] الحسن بن علي الجوهري قال: سمعت أخي أبا عبد الله الحسين بن علي
يقول: رأيت النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول
الله: قد اختلفت علينا المذاهب فبمن نقتدي، فقال [لي] عليك بأبي عبد
الله بن
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 371- 375) .
(14/390)
بطة، فلما أصبحت لبست ثيابي واصعدت إلى
عكبرا فدخلت إليه، فلما رأني تبسم وقال لي: صدق رسول الله صدق رسول
الله صدق رسول الله يقولها ثلاثا.
قال المصنف: وقد تعصب له الخطيب بعد أن نقل عن مشايخه [الأكابر] مدحه
فغمزه بأشياء منها أنه قال كتب إلى أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة
يذكر أنه سمع نصر الأندلسي يقول: خرجنا إلى عكبرا فكتبت عن ابن بطة
كتاب السنن لرجاء بن مرجى عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء، فأخبرت
الدارقطني فقال: هذا محال دخل رجاء بغداد سنة أربعين ودخل حفص سنة
خمسين ومائتين فكيف سمع منه.
قال الخطيب: وحدثني عبد الواحد الأسدي أنه لما أنكر الدارقطني هذا تتبع
ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن
فتح بن شخرف عن رجاء، وجواب هذا أن أبا ذر كان من الأشاعرة المبغضين
وهو أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري ولا يقبل جرحه لحنبلي يعتقد كفره
وأما عبد الواحد الأسدي فهو ابن برهان وكان معتزليًا قال الخطيب: كان
ابن برهان يذكر أنه سمع من ابن بطة ولم يرو شيئا وإنما كانت له معرفة
بالنحو واللغة، وقال ابن عقيل، كما ابن برهان يختار مذهب مرجئة
المعتزلة وينفي الخلود في حق الكفار، ويقول دوام العقاب في حق من لا
يجوز عليه التشفي لا وجه له مع ما قد وصف به نفسه من الرحمة وهذا إنما
يوجد في الشاهد لما يعتري الغضبان من طلب الانتقام وهذا يستحيل في حقه،
قال ابن عقيل: وهذا كلام نرده على قائله ما قد ذكره وذلك أنه أخذ صفات
الباري تعالى من صفات الشاهد، وذكر أن المثير للغضب ما يدخل على قلب
الغضبان من غليان الدم طلبا للانتقام وأوجب بذلك منع دوام العقاب حيث
لا يوجد في حقه سبحانه التشفي والشاهد يرد عليه ما ذكره لأن المانع من
التشفي غلبة الرحمة والرأفة وكلاهما رفعه طبع وليس الباري بهذا الوصف
ولا رحمته وغضبه من أوصاف المخلوقين بشيء وهذا الذي ذكره من عدم التشفي
وفورة الغضب كما يمنع دخوله عليه من الدوام يمنع من دخوله ووصفه ينبغي
بهذه الطريقة أن يمنع أصل الوعيد ويحيله في حقه سبحانه كسائر
المستحيلات عليه ولا يختلف نفس وجودها ودوامها فلا أفسد اعتقادا ممن
أخذ صفات الله من صفاتنا وقاس أفعاله على أفعالنا قال المصنف: فمن كان
اعتقاده يخالف أجماع المسلمين فهو خارج عن
(14/391)
الإسلام، فكيف يقبل قوله، وقال محمد بن عبد
الملك الهمذاني: كان ابن برهان يميل إلى المرد الملاح ويقبلهم وروى
الخطيب عن أبي القاسم التنوخي قال أراد أبي أن يخرجني من عكبرا لأسمع
من ابن بطة كتاب المعجم للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له لا
تفعل فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي وجواب هذا من ثلاثة أوجه
أحدها أن التنوخي كان معتزليا يميل إلى الرفض فكيف يقبل قوله في سني
والثاني أن هذه الشهادة على نفي فمن أين له أنه لم يسمع وإذا قال ابن
بطة سمعت فالإثبات مقدم والثالث من أين له أنه إن كان لم يسمع أنه
يرويه فمن الجائز أنه لو مضى إليه قال له ليس بسماعي وإنما أرويه إجازة
فما أبله هذا الطاعن بهذا إنما وجه الطعن أن يقول قد رواه وليس بسماعه
قال الخطيب وحدثني أبو الفضل ابن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم
البغوي في نسخة كانت لغيره قد حك سماع وكتب سماعه عليها قال: انظر إلى
طعن المحدثين أتراه إذا حصلت للإنسان نسخة فحك اسم صاحبها وكتب سماع
نفسه وهي سماعه أيوجب هذا طعنًا ومن أين له أنه لم يعارض بهذا أصل
سماعه ولقد قرأت بخط أبي القاسم ابن الفراء أخي القاضي أبي يعلى قال
قابلت أصل ابن بطة بالمعجم، فرأيت سماعه في كل جزء إلا أني لم أر الجزء
الثالث أصلا.
وأخبرنا إِسْمَاعِيل بن أحمد السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد
بْن البسري، عن أبي عبد الله بْن بطة قال: كان لأبي ببغداد شركاء وفيهم
رجل يعرف بأبي بكر فقال لأبي ابعث إلى بغداد ابنك ليسمع الحديث فقال
ابني صغير، فقال أنا أحمله معي فحملني إلى بغداد فجئت إلى ابن منيع وهو
يقرأ عليه الحديث، فقال لي بعضهم:
سل الشيخ يخرج إليك معجمة فسألت ابنه أو ابن بنته فقال: إنه يريد دراهم
فأعطيناه ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو
أقل أو أكثر وذلك في سنة خمس عشرة أو ست عشرة وأذكره وقد قال: حدثنا
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني في سنة أربع وعشرين مائتين فقال المستملي:
خذوا هذا قبل أن يولد كل مولود على وجه الأرض. وسمعت المستملي وهو أبو
عبد الله بن مهران يقول له: من ذكرت يا ثلث الإسلام.
قال المصنف: فإذا كان ابن بطة يقول سمعت المعجم وقد ثبت صدقه وروى
(14/392)
سماعه فكيف يدفع هذا بنفي فيقال ما سمع
فالقادح بهذا لا يخلو إما أن يكون قليل الدين أو قليل الفهم فيكون ما
رأى سماعه في نسخة أو ما رآه حاضرًا مع طبقته فينفي عنه السماع قال
الخطيب وحدثني عبد الواحد بن برهان قال قال لي محمد بن أبي الفوارس
رَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ] : «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ» قَالَ الْخَطِيبُ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ
وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِ بَطَّةَ.
[قال المصنف] : وجواب هذا من وجهين أحدهما أن هذا لا يصح عن ابن برهان
قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم
بن برهان وكان الخط بيد الشيخ أبي الكرم النحوي بما حكاه عني أحمد بن
ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد أبي عبد الله بن بطة لا أصل له
وهو شيخي وعنه أخذت العلم في البداية والثاني أنه لو صح فقد ذكرنا
القدح في ابن برهان فيقال حينئذ للخطيب لم قبلت قول من يعتقد مذهب
المعتزلة وأن الكفار لا يخلدون فيخرج بذلك إلى الكفر بخرقه الإجماع
فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم، وحكيت عن العلماء أنه الصالح
المجاب الدعوة أفلا تستحيي من الله أن تجعل الحمل عليه في حديث ذكره
عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان نعوذ باللَّه من الهوى،
توفي عبد الله بن بطة بعكبرا في محرم هذه السنة.
2934- علي بن عبد العزيز بن مردك أبو الحسن البرذعي
[1] :
حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وكان أحد الباعة الكبار ببغداد،
فترك الدنيا ولزم المسجد، واشتغل بالعبادة وأريد على الشهادة فامتنع،
وتوفي في محرم هذه السنة.
2935- علي بن محمد بن أحمد بن شوكر أبو الحسن المعدل
[2] :
سمع البغوي، وابن صاعد، روى عنه الخلال والتنوخي، وكان ثقة كتب الناس
عنه بانتخاب الدارقطني. توفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 30) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 93) .
(14/393)
2936- علي أبو الحسن، الملقب فخر الدولة بن
أبي علي الملقب ركن الدولة بن بويه
[1] :
أقطعه أبوه بلدانا وكان في ملك، فلما توفي أخوه مؤيد الدولة كتب إليه
الصاحب ابن عباد يأمره بالإسراع، فأسرع وملك مكان أخيه واستوزر الصاحب
وكان شجاعا ولقبه الطائع بفلك الأمة، وتوفي في شعبان هذه السنة وكانت
إمارته ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما، وكان عمره ستا
وأربعين سنة وخمسة أيام وكان حين اشتد مرضه قد أصعد به إلى قلعة فبقي
فيها أياما يعلل ثم مات وكانت الخزائن مغلقة مختومة وقد جعلت مفاتيحها
في كيس من حديد وسمره وحصلت عند ولده رستم فلم يوجد له في ليلة وفاته
ما يكفن فيه وتعذر النزول إلى البلد لشدة شغب وقع بين الجند فابتيع من
قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب ولف فيه وكان قد أراح لتشاغل الناس
باختلاف الجند فلم يمكنهم لذلك القرب منه ولا مباشرة دفنه فشد بالحبال
وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع وكان يقول في حياته قد جمعت من
الأموال لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة إذا لم يكن لهم
مادة إلا من الحاصل وكان قد ترك الفي ألف دينار وثمانمائة ألف وخمسة
وسبعين ألفًا ومائتين وأربعة وثمانين دينارا، وكان في خزانته من
الجواهر واليواقيت واللؤلؤ والبلخش أربع عشرة ألف وخمسمائة وعشرين قطعة
قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار ومن أواني الذهب ما وزنه ألف ألف دينار
ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل
وخزانة السلاح ألفا حمل وخزانة الفرش ألف وخمسمائة حمل.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 320) .
(14/394)
خاتمة الناسخ
تم الجزء الرابع عشر بحمد الله وعونه وحسن التوفيق.
يتلوه في الجزء الخامس عشر: ترجمة ابن سمعون الواعظ.
وكان الفراغ منه في العشر الأخير من ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة.
أحسن الله نقضها بخير في عافية بمنه وكرمه، وغفر لكاتبه، ولمن نظر فيه
ولجميع المسلمين.
والحمد للَّه رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه، وحسبنا
الله ونعم الوكيل.
(14/395)
[المجلد الخامس
عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه
[تتمة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة]
[تتمة ذكر من توفي في هذه السنة]
2937-/ [مُحَمَّد] بْن أَحْمَد بن إسماعيل بن عنبس [1] بن إسماعيل أبو
الحسين [2] الواعظ، المعروف بابن سمعون
[3] :
ولد سنة ثلاثمائة، وروى عن عبد الله بن أبي داود السجستاني، ومحمد بن
مخلد الدوري [4] ، وخلق كثير. وأملى الحديث، وكان يعظ الناس، ويقال له:
الناطق بالحكمة، وله كلام حسن وتدقيق في باب المعاملات، وكانت له فراسة
وكرامات.
فحكى أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائما فلا يمنعه، فقيل
له في ذلك، فقال: كان في دارى صبية خرج في رجلها الشوكة، فَرَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقال لي:
قل لابن سمعون يضع رجله عليها، فإنها تبرأ. فلما كان من الغد بكرت إليه
فرأيته [5] قد لبس ثيابه، فسلمت عليه، فقال: بسم الله. فقلت: لعل له
حاجة أمضى معه وأعرض عليه في الطريق حاجتي في حديث الصبية [6] ، فجاء
إلى داري
__________
[1] في ص: إسماعيل بن عيسى، وما أوردناه من باقي النسخ وهو موافق لما
في تاريخ بغداد.
[2] في ص: «إسماعيل أبو الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 274: 277، وصفة الصفوة 2/ 266،
والشريشي 1/ 322، وطبقات الحنابلة 2/ 155- 162، وفيات الأعيان 1/ 492،
وتبين كذب المفتري 200- 162، البداية والنهاية 11/ 323، والكامل 7/
493) .
[4] في ت: «محمد بن مخلد المروزي، وما أوردناه من باقي النسخ، وتاريخ
بغداد (1/ 274) .
[5] في ت: «لما كان من الغد أتيته فرأيته» .
[6] في المطبوعة، ت، ل، ص: «وأعرض عليه في الطريق حديث الصبية» .
(15/3)
فقال: بسم الله، فدخلت وأخرجت الصبية إليه
وقد طرحت عليها شيئا [1] ، فترك رجله عليها [2] ، وأنصرف وقامت الجارية
معافاة [3] فأنا أقبل رجله أبدا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [4] ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو
الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْن الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ
[مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ] الْعَلافِ [5] ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبَا
الْحُسَيْنِ بْنَ سَمْعُونٍ يَوْمًا فِي مَجْلِسِ الْوَعْظِ وَهُوَ
جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَتَكَلَّمُ، وكان أبو الفتح القواس جالسا
الى جانب الْكُرْسِيِّ فَغَشِيَهُ النُّعَاسُ وَنَامَ، فَأَمْسَكَ
أَبُو الْحُسَيْنِ عَنِ الْكَلامِ سَاعَةً حَتَّى اسْتَيْقَظَ أَبُو
الْفَتْحِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ:
رَأَيْتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نَوْمِكَ؟
[6] قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ [7] لِذَلِكَ أَمْسَكْتُ
عَنِ الْكَلامِ خَوْفًا أَنْ تَنْزَعِجَ وَتَنْقَطِعَ مَا كُنْتَ
فِيهِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ قَالَ: حَكَى لِي أَبُو
عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ [8] ، قَالَ: حَكَى دَجِيٌّ
مَوْلَى الطَّائِعِ للَّه، قَالَ: أَمَرَنِي الطَّائِعُ أَنْ أُوَجِّهَ
إِلَى ابْنِ سَمْعُونٍ فَأُحْضِرَهُ/ دَارَ الْخِلافَةِ، وَرَأَيْتُ
الطَّائِعَ عَلَى صِفَةٍ مِنَ الْغَضَبِ، وَكَانَ ذَا حِدَّةٍ،
فَبَعَثْتُ إِلَى ابْنِ سَمْعُونٍ وَأَنَا مَشْغُولُ الْقَلْبِ
لأَجْلِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ أَعْلَمْتُ الطَّائِعَ حُضُورَهُ فَجَلَسَ
مَجْلِسَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فَدَخَلَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ
بِالْخِلافَةِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي وَعْظِهِ، فَأَوَّلُ مَا ابَتَدَأَ
بِهِ أَنْ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذكر خَبَرًا وَأَحَادِيثَ
بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَذكر عَنْهُ خَبَرًا
وَلَمْ يَزَلْ يَجْرِي فِي مَيْدَانِ الْوَعْظِ [9] حتى بكى الطائع
للَّه وسمع [10] .
__________
[1] «وقد طرحت عليها شيئا» : ساقطة من ت.
[2] في ت: «فوضع رجله عليها» .
[3] في ت: «وقامت معافاة» .
[4] في ت: «أخبرنا أبو منصور» بإسقاط القزاز.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «في منامك» . وما أوردناه في باقي النسخ، وتاريخ بغداد
(1/ 276) .
[7] «رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فقال أبو
الحسين» . العبارة ساقطة من ص.
[8] «قال: وحدثني رئيس الرؤساء ... الهاشمي» . العبارة ساقطة من ت.
[9] في ص، ت: «في ديوان الوعظ» .
[10] في ص، ب: «حتى بكى الطائع وسمع» .
(15/4)
شَهِيقَهُ، وَابْتَلَّ مِنْدِيلٌ بَيْنَ
يَدَيْهِ بِدُمُوعِهِ وَأَمْسَكَ ابْنُ سَمْعُونٍ حِينَئِذٍ وَدَفَعَ
إِلَى الطَّائِعِ دَرَجًا فِيهِ طِيبٌ وَغَيْرُهُ، فَدَفَعْتُهُ
إِلَيْهِ وَانْصَرَفَ وَعُدْتُ إِلَى حَضْرَةِ الطَّائِعِ، فَقُلْتُ:
يَا مَوْلايَ رَأَيْتُكَ عَلَى صِفَةٍ شَدِيدَةٍ مِنَ الْغَضَبِ عَلَى
ابْنِ سَمْعُونٍ ثُمَّ انْتَقَلْتَ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ عِنْدَ
حُضُورِهِ، فَمَا السَّبَبُ؟ فَقَالَ: رُفِعَ إِلَيَّ عَنْهُ أَنَّهُ
يَتَنَقَّصُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ
أَتَيَقَّنَ عِنْدَ حُضُورِهِ [1] لأُقَابِلَهُ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّ
مِنْهُ، فَلَمَّا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيَّ افْتَتَحَ كَلامَهُ بِذكر
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَأَعَادَ
وَأَبْدَأَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي
الرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَرَكَ الابتداء به، فعلمت لما وَقْفٌ
لِمَا تَزُولُ بِهِ عَنْهُ الظَّنَّةُ وَتَبْرَأُ سَاحَتُهُ عِنْدِي،
وَلَعَلَّهُ كُوشِفَ بِذَلِكَ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا لابْنِ سَمْعُونٍ قِصَّةً مَعَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ
قَدْ سَبَقَتْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعْمَرِ الأَنْصَارِيُّ، [أَخْبَرَنَا] [2]
مَحْفُوظُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ
بْنُ غَالِبٍ [3] الْحَرْبِيُّ سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ أَحْمَدَ بْنَ
الْمُنَازِلِ الْبَزَّازَ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: رَأَيْتُ فِي
الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
جَامِعِ الْخَلِيفَةِ وَإِلَى جَانِبِه رَجُلٌ [4] مُتَكَهِّلٌ،
فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، وَهُوَ يَقُولُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مِنْ
أُمَّتِيَ الأَحْبَارُ، أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ الرُّهْبَانُ،
أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ؟ فَدَخَلَ أَبُو
الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونٍ/ الْوَاعِظُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أُمَّتِكَ مِثْلُ هَذَا؟
فَسَكَتَ وَانْتَبَهْتُ.
وحكى ابن الهمذاني أن ابن سمعون ذكر على كرسيه في ليلة النصف من شعبان
الحلواء [5] ، وكانت مزنة جارية أبي سعيد الصائغ حاضرة، وهو تاجر مشهور
بكثرة المال ومنزله بدرب رياح، فلما أمسى أتاه غلام ومعه خمسمائة
خشكنانكة، فكسر واحدة فوجد فيها دينارا فكسر الجميع وأخرج الدنانير
وحملها بنفسه إلى أبي سعيد الصائغ،
__________
[1] في الأصل، ل: «أن أتيقن ذلك عنه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «قال لنا أبو الحسن علي بن غالب» .
[4] في ت، ل، ص: «وإلى جنبه رجل» .
[5] في ت، ل، ص، والمطبوعة: «ليلة النصف من شعبان» .
(15/5)
وقال: قد جئتك في سبب وأريد أن يكون جوابك
قبول قولي، وأن لا تنكر على أهل الدار، وأخبره بالدنانير، فقال له أبو
سعيد: أعيذك باللَّه أن يحضر مجلسك من فيه ريبة، والله ما تركت المرأة
الدنانير إلا بحضرتي وتساعدنا جميعا على هذا الفعل [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد العتيقي،
قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة توفي فيها أبو الحسين ابن سمعون يوم
النصف من ذي القعدة وكان ثقة مأمونا.
قال ابن ثابت وذكر لي غير العتيقي أنه توفي يوم الخميس الرابع عشر [2]
من ذي القعدة، ودفن بداره بشارع العتابيين، فلم يزل [3] هناك مدفونا
حتى نقل يوم الخميس الحادي عشر من رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة، فدفن
بباب حرب.
قال المصنف: صلي على ابن سمعون في جامع المنصور، ثم دفن في داره سنين،
ثم أخرج إلى مقبرة أحمد وأكفانه لم تبل.
2938- محمد [4] بن أحمد بن محمد، أبو عمر الأنماطي المروزي [5] :
قدم بغداد حاجا في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وحدث بها عن أبي
العباس الأصم، [وقد] [6] أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب حدثنا العتيقي
عنه.
2939- محمد [7] بن أحمد بن محمد بن الحسن، أبو الفتح الخواص: [8]
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: قال أبو بكر أحمد بن سليمان بن علي
__________
[1] في ص، ت: «على هذا العمل» .
[2] في ص: «الخميس الحادي عشر» ، وهو خطأ.
[3] في الأصل «شارع القبانين» وفي تاريخ بغداد (1/ 277) «الغتابيين
بالغين، وفي إحدى نسخه «العتابيين» كما نبه محقق تاريخ بغداد. وما
أوردناه من باقي النسخ.
[4] في ت مكان محمد بياض.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 348، 349) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 349) .
(15/6)
المقرئ كان هذا الخواص شيخا فاضلا حضر عند
أبي إسحاق الطبري فسمعت منه.
2940- محمد [1] بن أحمد بن محمد] [2] بن جعفر، أبو الحسن الآدمي:
[3] أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: قال [لي] [4] أبو طاهر حمزة بن
محمد: لم يكن الآدمي هذا صدوقا/ في الحديث، كان يسمع لنفسه في كتب لم
يسمعها [5] ، فسألت البرقاني عنه، فقال: ما علمت منه إلا خيرا، كان
قديما غير أنه كان يطلق لسانه في الناس، ويتكلم في ابن المظفر والدار
الدّارقطنيّ.
2941- موسى بن عيسى [6] بن عبد الله، أبو القاسم [7] السراج:
ولد سنة خمس وتسعين ومائتين. سمع الباغندي وابن أبي داود، وروى عنه
الأزهري والعتيقي، وكان ثقة مأمونا، توفي في محرم هذه السنة.
2942- نوح [8] بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل، أبو القاسم
[9] الساماني:
كان ملك خراسان وغزنة وما وراء النهر ولى وله ثلاثة عشر سنة، [فبقى
واليا إحدى وعشرين سنة] [10] وتسعة أشهر، وتوفى في رجب هذه السنة، فولى
بعده ابنه أبو الحارث منصور، فبقى سنة وتسعة أشهر، ثم قبض عليه خواصه
وأجلسوا أخاه عبد الملك، فقصدهم محمود بن سبكتكين، فكسرهم وهربوا منه
إلى بخارى، ثم أتاهم أيلك مظهرا لنصرتهم، فقبض عليهم وعلى جميع
السامانية في سنة تسع وثمانين، وأنقرض ملكهم، وكان ملكهم مائة سنة
وسنتين وشهورا.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 349، 350) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «في كتب كما يسمعها» .
[6] «موسى» : مكانها بياض في ت. وفي ص: «محمد بن موسى بن عيسى» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 64، 65) .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 324) .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(15/7)
ثم دخلت سنة ثمان
وثمانين وثلاثمائة
[قبض القادر باللَّه على أبي الحسن علي بن عبد العزيز]
فمن الحوادث فيها: [1] أن القادر باللَّه قبض على أبي الحسن علي بن عبد
العزيز في يوم السبت لليلة بقيت من رمضان، وقلد كتابته أبا العلاء سعيد
بن الحسن بن تريك فأقام على خدمته نيفا وسبعين يوما، ثم صرفه وأعاد أبا
الحسن.
وفى يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة وافى برد شديد، وجمد الماء منه جمودا
ثخينا لم يعهد مثله، حتى جمدت جوب الحمامات، وبول الدواب والخيل
والنبيذ.
[جلس القادر باللَّه للرسولين الواردين من أبي طالب رستم بن فخر
الدولة]
وفى هذه السنة [2] : جلس القادر باللَّه للرسولين الواردين من أبي طالب
رستم بن فخر الدولة، وأبي النجم بدر بن حسنويه [3] وكنى أبا طالب ولقبه
مجد الدولة وكهف الأمة، وكنى أبا النجم ولقبه نصر الدولة، وعهد لأبى
طالب على الري وأعمالها، وعقد له/ لواء، وحمل إليه الخلع السلطانية
الكاملة، وعهد لبدر على أعماله، وتصرف بالجبل، وعقد له لواء وحمل إليه
الخلع [4] الجميلة، وذلك بسؤال بهاء الدولة كتابه.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «وأبي النجم بن حسنوية» .
[4] العبارة: «السلطانية ... وحمل إليه الخلع» : ساقطة من ص.
(15/8)
فأما مجد الدولة [1] فإنه لبس الخلع وتلقب،
وأما بدر الدولة فقد كان سأل أن يلقب بناصر الدولة، فلما عدل به عنه
توقف عن اللقب، ثم أجيب فيما بعد سؤاله، فلقب بناصر [الدين] [2]
والدولة.
وفي هذه السنة: [3] هرب عبد الله بن جعفر المعروف بابن الوثاب من
الاعتقال، وكان منتسبا إلى الطائع، فلما قبض على الطائع وخلع هرب هذا
وتنقل في البلاد، وصار إلى البطيحة، وأقام عند مهذب الدولة، ثم خرج
وتنقل فنفذ القادر من أحضره مقبوضا عليه وحبس ثم هرب، فمضى إلى كيلان
وادعى أنه هو الطائع للَّه، وذكر لهم علامات عرفها بحكم أنسه بدار
الخلافة، فقبلوه وعظموه وزوجه محمد بن العباس أحد أمرائهم ابنته وشد
منه، وأقام له الدعوة في بلده، وأطاعه أهل نواح أخر [4] ، وأدوا إليه
العشر الذي يؤدونه إلى من يتولى أمر دينهم، ثم ورد قوم منهم إلى بغداد،
فانكشف لهم حاله فانصرف عَنْهُمْ.
ذكر من توفي في هذه السنة [5] من الأكابر
2943- الحسين [6] بن أحمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ بكير، أبو عبد الله الصيرفي [7] :
ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وسمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن
السماك، والنجاد، والخلدي، وأبا بكر الشافعي. روى عنه ابن شاهين،
والأزهري، والتنوخي، وكان حافظا، وروى حديثا فكتبه عنه الدار
الدّارقطنيّ وابن شاهين.
__________
[1] في ص: «فأما نصر الدولة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ل: «وفيها» . وفي ت مكانها بياض.
[4] في الأصل: «نواحي آخر» .
[5] بياض في ت.
[6] «الحسين» : بياض في ت.
[7] في ت: «أبو عبد الله الصوفي» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 13، العبر 3/ 38، وشذرات الذهب 3/
128، وتذكرة الحفاظ 2/ 208، والأعلام 2/ 231، والبداية والنهاية 11/
324) .
(15/9)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: قال لي
الأزهري: كنت أحضر عند أبي عبد الله بن بكير وبين يديه أجزاء كتاب [1]
قد خرج فيها أحاديث فانظر في بعضها فيقول: أيما/ أحب إليك، تذكر لي متن
ما تريد من هذه الأحاديث حتى أخبرك بإسناده، أو تذكر لي إسناده حتى
أخبرك بمتنه؟ فكنت أذكر له المتون فيخبرني بالأسانيد من حفظه كما في
كتابه، وفعلت هذا مرارا كثيرة.
قال: وكان ثقة فحسدوه فتكلموا فيه.
قال الخطيب: وممن تكلم فيه ابن أبي الفوارس، فقال: كان يتساهل في
الحديث ويلحق في أصول المشايخ ما ليس فيها، ويصل المقاطيع، ويزيد
الأسماء في الأسانيد.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2944- عبد العزيز [2] بن يوسف، الجكار، أبو القاسم [3] :
كان كاتب الإنشاء لعضد الدولة ثم وزر لابنه بهاء الدولة خمسة أشهر،
وكان يقول الشعر، وتوفى في شوال هذه السنة.
2945- صمصام الدولة [4] ، ابن عضد الدولة:
خرج عليه أبو نصر بن بختيار فأراد الصعود إلى القلعة، فلم يفتح له
حافظها، فراسل الأكراد وتوثق فيهم وسار معهم بخزائنه وذخائره، فلما
بعدوا به عطفوا فنهبوا جميع ما صحبه وهرب، فوافاه أصحاب ابن بختيار
فقتلوه، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة، وكانت مدة عمره خمسا وثلاثين
سنة وسبعة أشهر، وترك رأسه في طست بين يدي ابن بختيار، فقال: هذه سنة
سنها أبوك.
__________
[1] في ل: «أجزاء كبار» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: «الكامل لابن الأثير 9/ 31، 50، ويتيمة الدهر 2/
86- 97، والبداية والنهاية 11/ 325) .
[4] بياض في ت، وساقطة من ص، وفي ت جاءت قبل الترجمة السابقة.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 325، والكامل 7/ 497، 498) .
(15/10)
2946- عبيد الله [1] بن عمرو بن محمد بن
المنتاب، أبو القاسم الهمذاني:
[2] ولد سنة إحدى وثلاثمائة [3] وسمع ابن صاعد وابن السماك، روى عنه
التنوخي والعتيقي، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
2947- مُحَمَّد [4] بن أحمد بن إبراهيم، أبو الفرج المقرئ المعروف
بغلام الشنبوذي [5] :
ولد في سنة ثلاثمائة، وروى عن أبي الحسن بن شنبوذ وغيره كتبا في
القراءات، وتكلم الناس في رواياته وأساء الدار الدارقطني [6] القول
فيه، والثناء عليه.
أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت [7] ، قال: سمعت أبا الفضل
عبيد الله بن أحمد بن على الصيرفي، يذكر أبا الفرج/ الشنبوذي، فعظم
أمره ووصف علمه بالقراءات وحفظه للتفسير، وقال: سمعته يقول: احفظ خمسين
ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن، توفي [أبو الفرج الشنبوذي] [8] في صفر
هذه السنة، وقيل: في سنة سبع وثمانين.
2948- محمد [9] بن أحمد بن محمي، أبو بكر الجوهري [10] .
ولد سنة إحدى وثلاثمائة، وسمع البغوي.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 375، 376، والكامل 8/ 10، وفيه:
«أحمد بن محمد بن عيسى أبو محمد السرخسي الفقيه الشافعيّ 8/ 10) .
[3] في الأصل: «سنة ثلاث وثلاثمائة» وما أوردناه من باقي النسخ، وتاريخ
بغداد (10/ 376) .
[4] بياض في ت.
[5] في الأصل: «المعروف بغلام ابن شنبوذ» . وما أوردناه من باقي النسخ.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 271، 272، والبداية والنهاية 11/ 325)
[6] في الأصل: «وأطال الدار الدّارقطنيّ» . وما أوردناه من باقي النسخ
وتاريخ بغداد.
[7] في ص، ل، والمطبوعة: «أخبرنا الخطيب» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 363) .
(15/11)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سألت
الأزهري عنه، فقال: ثقة، وكذلك قال العتيقي: ثقة مأمون.
توفي في شعبان هذه السنة [1] .
2949- محمد [2] بن الحسن بن أحمد بن قشيش، أبو بكر السمسار
[3] :
سمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأبا عمرو بن السماك [4] ، وأبا بكر
النجاد، والخلدي وكان صدوقا من أهل القرآن، ويذهب في الفقه مذهب أحمد
بن حنبل.
وتوفى أول محرم هذه السنة.
2950- محمد [5] بن الحسن بن جعفر بن محمد البحيري
[6] :
قدم بغداد، وحدث بها، روى عنه القاضي أبو العلاء الواسطي.
2951- محمد [7] بن الحسن بن عبدان [8] بن الحسن بن مهران، أبو بكر
[9] :
سمع البغوي، وابن صاعد، والمحاملي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عنه عبيد اللَّه بْن أَحْمَد
بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ، وسألته عنه فقلت: أكان ثقة؟ فقال: فوق الثقة
[توفي في هذه السنة] [10] .
__________
[1] «شعبان» : ساقطة من ص.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 213) .
[4] في الأصل: «أبا عمر بن الصفال» . وفي ل، ص: «السقال» . وما أوردناه
يوافق ما في تاريخ بغداد.
[5] بياض في ت.
[6] في ص: «ابن محمد البحتري» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 213) .
[7] بياض في ت.
[8] في الأصل: «ابن عمدان» .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 214) .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(15/12)
2952- محمد [1] بن الحسن [ابن محمد] [2] بن
أحمد بن محمويه
[3] :
حدث ببغداد عن البغوي، وابن مجاهد وأبي بكر وأبي داود. روى عنه القاضي
أبو عبد الله الصيمري.
2953- محمد [4] بن الحسن بن المظفر، أبو علي اللغوي المعروف بالحاتمي
[5] :
روى عن أبي عمر الزاهد وغيره.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عنه على بن المحسن التنوخي،
قال لي: مات يوم الأربعاء لثلاث بقين من ربيع الآخر من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «أحمد بن محمود» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 216) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 214، وبغية الوعاة 35، وإرشاد
الأريب 6/ 501، ووفيات الأعيان 1/ 510. والإمتاع والمؤانسة 1/ 135،
ويتيمة الدهر، 2/ 273، والأعلام 6/ 82) .
(15/13)
ثم دخلت سنة تسع
وثمانين وثلاثمائة
[انقضاض كوكب كبير]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه انقض في يوم الأحد لعشر بقين من ربيع الأول/ كوكب كبير ضحوة
النهار.
وفى يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى خلع على الشريف أبي الحسن محمد
بن علي بن الحسن الزينبي، ولقب نقيب النقباء، وقد كانت جرت عادة الشيعة
في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وتعليق الثياب وإظهار الزينة في يوم
الغدير، وإشعال النيران في ليلته [2] ، ونحر جمل في صبيحته، فأرادت
الطائفة الأخرى من أهل السنة أن تعمل [3] في مقابلة هذا شيئا فادعت أن
اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبي صلى الله
عليه وسلم في الغار وأبو بكر معه، فعملت فيه مثل ما عملت الشيعة في يوم
الغدير، وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوما بعده بثمانية أيام نسبته إلى
مقتل مصعب بن الزبير، وزارت قبره بمسكن كما يزار قبر الحسين عليه
السلام، وكان ابتداء ما عمل يوم الغار يوم الجمعة [4] لأربع بقين من ذي
الحجة.؟
[برد شديد مع غيم مطبق وريح]
وفى هذه السنة [5] : وافى برد شديد مع غيم
مطبق وريح معزق [6] متصلة، فهلك
__________
[1] بياض في ت..
[2] في ص، ل، والمطبوعة، ت: «وإشعال النار في ليلته» .
[3] في ص، ل، والمطبوعة، ت: «الطائفة الأخرى أن تعمل» .
[4] «يوم الجمعة» : ساقطة من ص.
[5] بياض في ت.
[6] معزق: شديدة.
(15/14)
من النخل في سواد بغداد ألوف كثيرة، وسلم
ما سلم ضعيفا، فلم يرجع إلى حاله وحمله إلا بعد سنين.
وفي هذه السنة [1] حج بالناس: أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر، وكذلك
إلى سنة ثلاث وتسعين، وحج الشريفان الرضي والمرتضى وإعتاقهم ابن الجراح
الطائي، فأعطوه تسعة آلاف دينار من أموالهم.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
2954- الحسن [3] بن على بن أحمد بن عون، أبو محمد الحريري
[4] :
سمع القاضي المحاملي، وحدث عنه العتيقي، وقال: توفي في جمادى الأولى من
سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وكان ثقة.
2955- زاهر [5] بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو محمد السرخسي المقرئ
الفقيه المحدث
[6] :
شيخ عصره بخراسان، قرأ على ابن مجاهد، وسمع البغوي [وابن صاعد وغيرهما،
وتفقه على أبي إسحاق المروزي وتعلم الأدب من أبي بكر ابن الأنباري،
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ست وتسعين سنة.
2956-/ عبيد الله [7] بن محمد بن إسحاق بن سليمان بن مخلد بن إبراهيم
بن مروان، أبو القاسم [8] البزاز:
__________
[1] في ص، ل، ت، والمطبوعة: «وفيها حج بالناس» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في ت: «أحمد بن عوف أبو محمد» وفي ص: «أبو أحمد» .
[5] بياض في ت.
[6] في ص: «عيسى أبو أحمد» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/
326) .
[7] بياض في ت، وهذه الترجمة جاءت في ت بعد الترجمة التالية.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 377، والبداية والنهاية 11/ 326)
.
(15/15)
ويعرف بابن حبابة، ولد ببغداد سنة تسع
وتسعين ومائتين، وسمع البغوي] [1] وابن أبي داود، وكان ثقة مأمونا،
وتوفي في جمادي الأولى [2] من هذه السنة وصلى عليه أبو حامد
الأسفرايني، ودفن في تربة ملاصقة لسور باب [البصرة] [3] مقابل جامع
المنصور.
2957- عبد الله بن عتاب بن محمد بن عبد الله، القاسم [4] العبدي:
سمع [الحسين بن] [5] إسماعيل المحاملي. روى عنه أبو العلاء الواسطي،
وانتقى عليه الدار الدارقطني جزءا، وَكَانَ ثقة مأمونا، توفي في هذه
السنة.
2958- عبيد الله [6] بن خليفة بن شداد، أبو أحمد البلدي
[7] :
روى عنه الأزهري، وكان صدوقا ثقة، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في تاريخ بغداد (10/ 377) : «في ربيع الآخر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 40) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص: «عبيد» ومكانها في ت بياض.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 376) .
(15/16)
ثم دخلت سنة تسعين
وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[ظهور معدن الذهب بأرض سجستان]
أنه ظهر في أرض سجستان معدن الذهب، كانوا يحفرون فيه آبارا ويخرجون من
التراب الذهب الأحمر.
[تقليد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون مدينة المنصور مضافة إلى
الكرخ والكوفة]
ومن الحوادث أنه [2] : في يوم الخميس لسبع بقين من شوال قلد القاضي أبو
عَبْد اللَّهِ الحسين بن هارون [الضبي] [3] مدينة المنصور مضافة إلى
الكرخ والكوفة، وشقي الفرات، وقلد الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأكفاني [4] الرصافة، وأعمالها عوضا عن
المدينة التي كان يليها، وقلد القضاء أبو الحسن الخزري الواسطي [5]
طريقي دجلة وخراسان مضافا إلى عمله بالحضرة، وقرئت عهودهم على ذلك وولي
أبو خازم [6] محمد بن الحسن الواسطي القضاء بواسط وأعمالها، وقرئ عهده
بالموكب بدار الخلافة وكتب الإمام القادر باللَّه لمحمد بن عبد الله بن
الحسن وقد ولاه [بلاد جيلان] [7] كتابا اختصرته وفيه:
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل، ت، والمطبوعة: «وفيها في يوم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «أبو محمد عبد الله بن الأكفاني» .
[5] في ص: «أبو الحسن الجزري» . و «الواسطي» . ساقطة من ص، ل، ت،
والمطبوعة.
[6] في ل، ص: «وأبو حازم» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(15/17)
«بسم الله الرحمن الرحيم- من عبد الله أحمد
الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه
بن الحسن حين بلا حقائق أخباره استشف مواقع [1] آثاره، وأنهى إلى أمير
المؤمنين رسوخه في العلم وسمته بالفهم، فاستخار الله عز وجل فيما
يعتمده عليه، وسأله التسديد فيما يفوضه إليه، فقلده الصلاة، والخطابة
على المنابر والقضاء والحكم ببلاد جيلان أسودها وأبيضها، وما توفيق
أمير المؤمنين إلا باللَّه، عليه توكله وإليه في كل حال موئله، وحسب
أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل أمره بخشية الله، فإنها مزية العلماء
ومراقبته/ فانها خاصة الأدباء، وتقواه ما استطاع، فإنها سكة من أطاع
وجنة من تجاذبه الأطماع، وأن يأخذ لأمر الله أهبته ويعد له عدته، ولا
يترخص فيه فيفرط، ولا يضيع وظيفة من وظائفه فيتورط، وأن يستعمل نفسه في
المهل، ويؤذنها بقرب الأجل ولا يغرها أنه منتظر، وإن عصى فيغفر، فقد
قال الله تعالى: حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي
الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ 40: 1- 3 [2] .
وأمره بقراءة القرآن وتلاوته والمحافظة عليه ودراسته، وأمره بمداومة
الطهر فإنه أمان من الفقر ولا يقنع به في الجوارح، أو أن يكون مثله
فيما بين الجوائح. فإن النقاء هناك هو النقاء الذي يتم به البهاء،
وحينئذ تكمل الطهارة، وتزول الأدران، وأمره بمراقبة مواقيت الصلاة
للجمع، فإذا حانت سعى إليها، وإذا وجبت جمع عليها بالأذان الذي يسمع به
مؤذنوه الملأ، والإقامة الذي يقوم به فرض الله عز وجل، وأمره بالإحسان
[في الموعظة] [3] مستقصيا للمناصحة، وأمره بالنداء على المنابر، وفى
سائر المحافل والمعاقل بالشعار الأعلى والفرض الأوفى من ذكر دولة أمير
المؤمنين، وحث الأمة على طاعته أجمعين، قال الله عز وجل: أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 4: 59 [4]
.
وأن يديم التصفح لأحوال البلاد التي ولي فيها ما وليه من قواعد
الشريعة، وليقابل
__________
[1] في ص، ل، ت، والمطبوعة: «واستشعر» .
[2] سورة: غافر، الآية: 3.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت.
[4] سورة: النساء، الآية: 59.
(15/18)
نعمة الله بشكر الصنيعة، فإن وجد فيها
نافرا عن فريضة الدعوة الشريفة القادرية اجتذبه [1] إليها بالموعظة
الحسنة والدلالة الصريحة، فإن استبصر لرشده وراجع المفروض بجهده فقد
فاز وغنم، وإن تشاوس وعند استنفر عليه الأمم وقمعه بما يوجبه الحكم.
وأمره بصلوات الأعياد والخسوف والاستسقاء، وأمره أن يكون لأمر الله
متأهبا، ولنزول الموت مترقبا ولطروقه/ متوقعا، وأمره أن لا يخلي من
فوضه إليه من ظهير يستنيبه وأمره أن يتبع شرائع الإسلام، وأن يواصل
تلاوة القرآن ويستنبط منه ويهتدي به فإنه جلاء للبصائر، ومنار الحكم،
ولسان البلاغة، وأمره أن يخلى ذهنة إذا انتدب للنظر، ويقضي أمامه كل
وطر، ويأخذ لجوارحه بحظ يعينها [2] فإن القلب إذا اكتنفته المآرب يعرض
له التعب، وأمره بالجلوس للخصوم في مساجد الجوامع ليتساووا في لقائه،
وأن يقسم لحظه ولفظه بين جمهورهم.
وأمرهم بالنظر في الأمور بالعدل، وأمره بانتخاب الشهود والفحص عن
أحوالهم، وأمره بالتناهي في تفقد الأيتام، فإنهم أسراء الإسلام، وأمره
بتعهد الوقوف وإجراء أحوالها على ما يوجبه التوقيف من أربابها.
هذا عهد أمير المؤمنين إليك وحجته المنعم بها عليك، وتذكرته المستودعة
فوائد توفيقه فانصب لمحاورته واصغ لمخاطبته، وأغرس مواعظه في قلبك تجن
من ثمرها الفوز عند ربك» .
وكتب على بن عبد العزيز بن إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة تسعين
وثلاثمائة
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2959- أحمد [3] بن محمد بن أبي موسى، أبو بكر الهاشمي القاضي
[4] :
__________
[1] في ص: «اجتذبها» .
[2] في ص، ت، والمطبوعة: «بحفظ بقيتها» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 64، والبداية والنهاية 11/ 326) .
(15/19)
ولد سنة خمس عشرة وثلاثمائة. سمع من جماعة،
وكتب الناس عنه بانتخاب الدار الدارقطني، وكان مالكي المذهب ثقة
مأمونا، وتقلد قضاء المدائن وسرمن رأى ونصيبين وديار ربيعة وغيرها من
البلاد، وتولى خطابة جامع المنصور مدة.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في داره.
2960- عبيد الله [1] بن عثمان بن يحيى، أبو القاسم الدقاق المعروف بابن
جنيقا
[2] :
كذا ذكره الخطيب بالنون، وهو جد القاضي أبي يعلى ابن الفراء لأمه.
قال أبو على البرداني: قال لنا القاضي أبو يعلى الناس يقولون/ جنيقا
بالنون، وهو غلط إنما هو جليقا باللام [3] . روى عنه الأزهري والعتيقي،
وكان صحيح السماع ثبت الرواية، قال محمد بن أبي الفوارس: كان ثقة
مأمونا حسن الخلق ما رأينا مثله في معناه.
وتوفى في رجب هذه السنة [4] .
2961- الحسين [5] بن محمد بن خلف أبو عبد الله الفراء
[6] .
أحد الشهود المعدلين، وهو والد القاضي أبي يعلى حدث عن جماعة. روى عنه
ابنه أبو خازم [7] محمد بن الحسين، وكان رجلا صالحا على مذهب أبي
حنيفة، توفي في شعبان هذه السنة.
2962- عبد الله [8] بن أحمد بن على بن أبي طالب، أبو القاسم البغدادي
[9] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «المعروف بابن حنيفا» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 377، والبداية والنهاية 1/ 326) .
[3] في ص، ل: «يقولون حنيفا بالنون وهو غلط، إنما هو حليفا باللام» .
[4] «وتوفي في رجب هذه السنة» : ساقطة من ت.
[5] بياض في ت.
[6] في ل: «أبو عبد الله بن الفراء» . وانظر ترجمته في: (البداية
والنهاية 11/ 327) .
[7] في ص: «أبو حازم» .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 395، والبداية والنهاية 11/ 327)
.
(15/20)
ولد سنة سبع وثلاثمائة، ونزل مصر، وروى بها
الحديث عن جماعة، فسمع عنه عبد الغني بن سعيد، وكان ثقة، وتوفي في محرم
هذه السنة.
2963- عمر [1] بن إبراهيم بن أحمد، أبو حفص المقرئ المعروف بالكتابي
[2] :
ولد سنة ثلاثمائة، وسمع البغوي، وابن صاعد، وابن مجاهد وغيرهم. روى عنه
الأزهري، والخلال. وكان ثقة ينزل ناحية نهر الدجاج، وتوفى في رجب هذه
السنة.
2964- علي [3] بن عبد الله بن محمد بن عبيد، أبو الحسن الزجاج الشاهد
[4] :
حدث عن حبشون بن موسى الخلال، روى عنه التنوخي، وقال: سمعته يقول:
ولدت في رمضان سنة خمس وتسعين ومائتين. وكان نبيلا فاضلا من قراء
القرآن، وتوفي فِي هذه السنة.
2965- مُحَمَّد [5] بن عَبْد اللَّهِ بن الْحُسَيْن [بن عبد الله] [6]
بن هارون، أبو الحسين الدقاق المعروف بابن أخي [7] ميمي:
سمع البغوي، وروى عنه الأزهري والعشاري.
ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة أربع وثلاثمائة، ولم يزل يكتب الحديث
إلى أن مات، وكان ثقة مأمونا دينا فاضلا، وكان حسن الأخلاق، مكث أربعا
وأربعين [8] سنة لم ينم على ظهر سطح.
وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شعبان هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 269، والبداية والنهاية 11/ 327)
.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 7) .
[5] بياض في ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 469، وشذرات الذهب 3/ 143، والعبر
3/ 47، وشستربتي 2/ 86، والأعلام 6/ 226. والبداية والنهاية 11/ 327) .
[8] في ص: «مكث أربعين سنة» .
(15/21)
2966- محمد [1] بن عمر بن يحيى بن الحسين
بن أحمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب، أبو الحسن العلوي [2] الكوفي:
ولد في سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وسمع أبا العباس بن عقدة. روى عنه أبو
العلاء الواسطي، والخلال: سكن بغداد وكان المقدم على الطالبيين في وقته
مع كثرة المال والضياع، وكان يخدم عضد الدولة، وناب عن بني بويه، وكانت
داره تلي قصر [بني] [3] المأمون، وكان عضد الدولة يغيظه منه كثرة ماله
وعلو همته ونفوذ أمره، ولما دخل عضد الدولة إلى بغداد سنة سبعين قال
له: امنع العوام من لقائنا بالدعاء والصياح، ففعل فعجب من طاعة العوام
له.
ولما ورد رسول القرامطة إلى الكوفة أمر عضد الدولة وزيره المطهر بن عبد
الله أن يتقدم إلى الشريف أبي الحسن ليكاتب نوابه بالكوفة بإنزال
الرسول وإكرامه، فتقدم بذلك سرا إلى صاحبه، وكتب على طائر كوفي بما
رسم، ووصل الطائر وكتب الجواب على بغدادي وأتاه رسوله بالرقعة، وما مضى
غير ساعات فقال له الوزير: أمرك [الملك] عضد [4] الدولة بأمر فأخرته
فينبغي أن تنهض إلى دارك [5] [وتقدم] [6] بمكاتبة نوابك حتى يعود
الجواب في اليوم السادس وتعرضه [عليه] [7] ، فقال له: كتبت [8] وورد
الجواب، وعرضه عليه ودخل إلى عضد الدولة، فأخبره فانزعج لذلك، وبلغه
أنه طوق قنينة بلور للشرب بحب قيمته مائة ألف دينار، فنقم عليه لذلك،
ورأى عضد الدولة في روزنامج ألف ألف وثلاثمائة ألف باسم محمد بن عمر
مما أداه من معاملاته بفارس
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 327، والكامل 8/ 15) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أمر لك عضد الدولة» بإسقاط ما بين المعقوفتين.
[5] في الأصل: «أن تتقدم إلى دارك» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في ل، ص: «فقال: لقد كتبت» .
(15/22)
فاعتقله بها واستولى على أمواله فبقى في
الاعتقال سنين حتى أطلقه شرف الدولة أبو الفوارس ابن عضد الدولة، فأقام
معه وأشار عليه بطلب المملكة فتم له ذلك ودخل معه بغداد وتزايدت حاله
في أيامه.
ورفع أبو الحسن على بن طاهر عامل شقي الفرات إلى شرف الدولة أن ابن عمر
زرع في سنة ثمان وسبعين ثمانمائة ألف جريب، وأنه يستغل ضياعه ألفى ألف
دينار، فدخل ابن عمر على شرف الدولة، فقال: يا مولانا، والله ما خاطبت
بمولانا ملكا سواك ولا قبلت الأرض لملك غيرك لأنك أخرجتني من محبسي
وحفظت روحي ورددت على ضياعي، وقد أحببت أن أجعل النصف مما أملكه لولدك،
وجميع ما بلغك عني صحيح [1] .
فقال له شرف الدولة: لو كان ارتفاعك أضعافه كان قليلا لك، وقد وفر الله
عليك مالك، وأغنى ولدي عن مداخلتك، فكن على حالك، وهرب ابن طاهر إلى
مصر، فلم يعد حتى مات ابن عمر، وصادر بهاء الدولة أبو نصر بن عضد
الدولة الشريف أبا الحسن على ألف ألف دينار عينا، وأخذ منه شيئا آخر
واعتقله سنتين وعشرة أشهر، ولزمه يوم إطلاقه تسعون ألف دينار، ثم
استنابه ببغداد.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن،
عن أبيه، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن أحمد
الإسكافي، قال سمعت الشريف [2] أبا الحسن محمد بن عمر العلوي يقول: أنه
لما بنى داره بالكوفة وكان فيها حائط عظيم العلو، فبينا البناء قائم
على أعلاه لإصلاحه سقط إلى الأرض، فارتفع الضجيج استعظاما للحال، لأن
العادة لم تجر بسلامة من يسقط من مثل ذلك الحائط، فقام الرجل سالما لا
قلبة به، وأراد العود إلى الحائط ليتم البناء [أعلى الحائط] [3] فقال
له الشريف أبو الحسن: قد شاع سقوطك من أعلى الحائط وأهلك لا يصدقون
سلامتك ولست أحب أن يردوا إلى
__________
[1] في ص: «وجميع ما يبلغك عني صحيح» .
[2] «الشريف» : ساقطة من ص، ل، ت، والمطبوعة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص.
(15/23)
بابي صوارخ فامض إلى أهلك ليشاهدوا سلامتك
وعد إلى شغلك، فمضى مسرعا فعثر بعتبة الدار التي للباب [1] ، فسقط
ميتا.
توفي الشريف لعشر خلون من ربيع الأول من هذه السنة وعمره خمس وسبعون
سنة، ودفن في حجرة بدرب المنصور بالكرخ [وحضر جنازته الوزير أبو نصر
سابور، وأخذ من تركته خمسين ألف دينار، ونصف أملاكه، وارتفع لورثته
ألفا كر ومائتان أصنافا، وتسعة عشر ألف دينار، ثم نقل إلى الكوفة فدفن
بها [2]] ، وحضرنا جنازته.
2967- محمد بن [3] يوسف بن محمد بن الجنيد الكشي الجرجاني
[4] :
وكش قرية من قرى جرجان على [طريق] [5] الجبل معروفة على ثلاثة فراسخ من
جرجان. سمع من أبي نعيم الإستراباذي، ومكي بن عبدان، وكان يفهم ويحفظ.
وحدث ببغداد، وأملى بالبصرة، وانتقل إلى مكة فحدث بها سنين إلى أن توفي
في هذه السنة بها.
2968- المعافى [6] بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود، أبو
الفرج النهرواني القاضي، المعروف بابن طراز
[7] :
ولد سنة خمس وثلاثمائة، وكان عالما بالنحو واللغة وأصناف الآداب
والفقه، وكان يذهب مذهب محمد بن جرير الطبري، وحدث عن البغوي وابن صاعد
وخلق كثير. وكان ثقة، وناب في القضاء وهو صاحب كتاب «الجليس والأنيس» ،
وكان أبو محمد يقول: إذا حضر المعاني فقد حضرت العلوم كلها، ولو أن
رجلا أوصى بثلث ماله لأعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافى.
__________
[1] في ص، ول: «فعثر بعتبة الباب» .
[2] ما بين المعقوفتين: جاءت في الأصل وباقي النسخ قبل: «أنبأنا محمد
بن عبد الباقي البزاز» .
والتصحيح من ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 408) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 230، 231، ووفيات الأعيان/ 100،
والبداية والنهاية 11/ 328، وغاية النهاية 2/ 302، ونزهة الألباء 403،
والكامل لابن الأثير 8/ 15، وإنباه الرواة 3/ 296، وإرشاد الأريب 7/
162، وابن النديم 1/ 236، والأعلام 7/ 260) .
(15/24)
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي، قال: حدثني أحمد بن عمر بن روح
أن المعافى بن زكريا حضر في دار لبعض الرؤساء [1] ، وكان هناك جماعة من
أهل العلم والأدب، فقالوا له: في أي نوع من العلم نتذاكر؟ فقال المعافى
لذلك الرئيس: خزانتك قد جمعت أنواع العلوم، وأصناف الأدب/ فان رأيت بأن
تبعث بالغلام إليها وتأمره أن يفتح بابها ويضرب بيده إلى أي كتاب قرب
منها فيحمله، ثم نفتحه وننظر في أي نوع هو، فنتذاكره ونتجارى فيه، قال
ابن روح: وهذا يدل على أن المعافى كان له أنس بسائر العلوم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا ابن ثابت، قال: أنشدنا أبو الطيب
الطبري، قال: أنشدنا المعافى بن زكريا لنفسه:
ألا قل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
فجازاك عني بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب
توفي المعافى في ذي الحجة من هذه السنة.
2969- أمة السلام [2] بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة،
وتكنى أم الفتح
[3] :
ولدت سنة ثمان وتسعين ومائتين في رجب، وسمعت محمد بن إسماعيل البصلاني،
ومحمد بن الحسين بن حميد بن الربيع [4] . روى عنها الأزهري، والتنوخي،
وأبو يعلى ابن الفراء وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت الأزهري، والتنوخي
وذكرا أمة السلام بنت أحمد القاضي، فأثنيا عليها حسنا ووصفاها بالديانة
والعقل والفضل.
توفيت في رجب هذه السنة.
__________
[1] في ص، ل، والمطبوعة: «في دار بعض الرؤساء» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمتها في: (تاريخ بغداد 14/ 443، والأعلام 2/ 12، والبداية
والنهاية 11/ 328) .
[4] في ص: «الحسين بن أحمد بن الربيع» .
(15/25)
|