المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى عشرة وأربعمائة
[فقد الحاكم صاحب مصر]
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال فقد الحاكم صاحب مصر وكان يواصل الركوب ليلا نهارا ويتصدى له الناس فيقف عليهم ويسمع منهم، وكان المصريون موتورين منه، فكانوا يدسون إليه الرقاع [المختومة بالدعاء والسب له ولأسلافه، والوقوع [2]] فيه وفى حرمه حتى انتهى فعلهم في ذلك إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخف وأزوار ونصبوها في بعض الطريق، وتركوا في يدها رقعة مختومة تتضمن كل لعن وشتيمة، فلما اجتاز بها لم شك أنها امرأة، وأن الرقعة رقعة ظلامة، فتقدم فأخذها من/ يدها ففتحها فرأى في أولها ما استعظمه، فقال: انظروا هذه المرأة من هي؟ فقيل: إنها تمثال معمول من قراطيس، فقرأ الرقعة كلها وعاد إلى القاهرة [3] ، ودخل إلى قصره، وتقدم باستدعاء القواد والعرفاء، فلما حضروا أمرهم بالمصير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها وقتل من ظفروا به [من أهلها] [4] ، فتوجهوا لذلك، وعرف المصريون ذلك فقاتلوا عن نفوسهم قتالا بلغوا فيه غاية وسعهم، ولحق النهب والنار الأطراف والسواحل التي لم يكن في أهلها قوة على امتناع ولا قوة على دفاع، واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام والحاكم يركب [كل يوم] [5] ويشاهد النار، ويسمع الصياح ويسأل عن ذلك، فيقال
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ودخل القاهرة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/139)


له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، والنار تعمل في الموضع الفلاني والموضع الفلاني، فيظهر التوجع، ويقول: من أمرهم بهذا لعنهم الله، فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وعجوا بالبكاء، وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء، فرحمهم المشارقة والأتراك، فانحازوا إليهم وقاتلوا معهم، وأرسلوا إلى الحاكم يقولون:
نحن عبيدك ومماليكك، وهذا البلد بلدك، وفيه حرمنا وأولادنا وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة، فإن كان هناك باطن لا نعرفه أشعرتنا به وانتظرت علينا إلى أن نخرج أموالنا وعيالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفا لرأيك أطلعتنا في معاملتهم بما تعامل به المفسدين، فأجابهم: بأني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في نصرتهم والإيقاع بمن يتعرض بهم.
وراسل العبيد سرا بأن كونوا/ على أمركم، وحمل إليهم سلاحا قواهم به، فاقتتلوا، وأعادوا الرسالة إليه: أنا قد عرفنا غرضك إنه إهلاك هذا البلد وما يجوز أن نسلم أنفسنا، وأشاروا إلى بعض العبيد [1] في قصد القاهرة، فلما رآهم مستظهرين ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكن الآخرين فقبلوا ذلك وشكروه، وسكنت الفتنة، وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها ونهب نصفها، وتتبع المصريون من أخذ من زوجاتهم وبناتهم، وابتاعوا من العبيد بعد أن فضحوهن حتى قتل منهن نفوسهن خوفا من عار الفواحش المرتكبة منهم، ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون له: يا واحدنا يا أحدنا يا محيي يا مميت، وكان قد أسلم جماعة من اليهود فكانوا يقولون أنا نريد أن نعاود شرعنا الأول فيفسح لهم في الارتداد، وأوحش أخته بمراسلات قبيحة، وقال لها: قد وقع إلي أنك تدخل الرجال إليك، فراسلت [2] قائدا يقال له ابن دواس كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله، فقالت: إني أريد [أن] ألقاك إما أن تتنكر لي وتأتيني [3] وأما أن أجيء إليك،
__________
[1] في ص، ل: «إلى بعض الوعيد» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «وتأتيني» ساقطة من ص.

(15/140)


فجاءت إليه فقبل الأرض بين يديها وخلوا، فقالت له: لقد جئتك في أمر أحرس نفسي ونفسك، فقال: أنا خادمك فقالت له: أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك، وإنه متى تمكن منك لم يبق عليك، وأنا كذلك، ونحن معه على خطر عظيم، وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به وهتكه الناموس الذي [قد] [1] أقامه آباؤنا وزيادة جنونه وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا/ وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء.
قال: صدقت، فما الرأي؟ قالت: تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السر، وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل. فقال لها: السمع والطاعة.
فتحالفا على قتله، وأنهما يقيمان ولده مقامه وتكون أنت صاحب جيشه ومديره، وأنا فلا غرض لي إلا سلامة المهجة فأقطعته ما يحصل مائة ألف، وقالت: اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما في مهمك. فاحضرها عبدين موصوفين بالأمانة والشهامة فاستحلفتهما على كتمان ما تخرج به إليهما، فحلفا فوهبت لهما ألف دينار ووقعت لهما بإقطاع وقالت: أريد منكما أن تصعدا [2] غدا إلى الجبل فتكمنا [3] فيه، فإن نوبة الحاكم أن يصعد غدا وليس معه إلا الركابي وصبي، وينفرد بنفسه، فإذا قرب منكما خرجتما فقتلتما الصبي، وسلمت إليهما سكينين من عمل المغاربة، وقررت ذلك معهما، وكان الحاكم ينظر في النجوم فنظر في مولده وقد حكم عليه بقطع في هذا الوقت، وقيل فيه: إنه متى تجاوزه عاش نيفا وثمانين سنة، فلما كانت تلك الليلة أحضر والدته، وقال [لها] [4] : علي في هذه الليلة قطع عظيم، وكأني بك قد تهتكت وملكت مع أختي فإنني ما يخاف عليك أضر منها فتسلمي هذا المفتاح فهو لهذه الخزانة [5] ، ولي فيها صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار فحوليها إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أن تقعدا» .
[3] في ص: «فتكتما فيه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «هذا المفتاح فهو في هذه الخزانة» .

(15/141)


قصرك لتكون ذخيرة لك، فقبلت الأرض وبكت، وقالت له: إذا كنت تتصور هذا فارحمني ودع ركوبك في هذه الليلة، فقال: أفعل وكان من رسمه أن يطوف كل ليلة حول القصر من أول الليل إلى الصباح في ألف رجل، فقعد تلك الليلة إلى أن مضى صدر/ من الليل [1] ، ثم ضجر وأحب الركوب فترفقت به والدته وقالت: اطلب النوم يا مولانا، فنام ثم انتبه [وقد] [2] بقي من الليل ثلثه، قال: إن لم أركب وأتفرج خرجت روحي.
فركب وصعد إلى الجبل وليس معه إلا الصبي، فخرج العبدان فطرحاه إلى الأرض وقطعا يديه وشقا جوفه ولفاه في كساء وحملاه إلى ابن دواس بعد أن قتلا الصبي، فحمله ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلسها وكتمت أمره وأحضرت الوزير وعرفته الحال واستكتمته واستحلفته على الطاعة، ورسمت له مكاتبة ولي العهد عن الحاكم، وكان بدمشق بالمبادرة، وأنفذت إلى أحد القواد يقيم في الطريق، فإذا وصل ولي العهد قبض عليه وعدل به إلى تنيس، وكتبت إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل ما [قد] [3] اجتمع عنده، وكان ألف ألف دينار وألفي ألف درهم.
وفقد الناس الحاكم فماجوا في اليوم الثالث وقصدوا الجبل، فلم يقفوا على أثر، فعادوا إلى أخته فسألوها عنه، فقالت: قد كان راسلني قبل ركوبه وأعلمني أنه يغيب سبعة أيام. فانصرفوا على طمأنينة ورتبت ركابيه يمضون ويعودن كأنهم يقصدون موضعا ويقولون لكل من يسألهم فارقناه في الموضع الفلاني وهو عائد يوم كذا، ولم تزل الأخت تدعو في هذه الأيام وجوه القواد وتستحلفهم وتعطيهم، وألبست أبا الحسن علي ابن الحاكم أفخر الملابس، واستدعت ابن دواس وقالت له: المعول في القيام بهذه الدولة [4] عليك، وتدبيرها موكول إليك، وهذا الصبي ولدك فينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية وسعك، فقبل الأرض ووعد بالإخلاص في الطاعة، وأخرجت الصبي وقد
__________
[1] «إلى أن مضى صدر من الليل» : العبارة ساقطة من ص.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «المعول في قيام هذه الدولة عليك» .

(15/142)


لقبته الظاهر لإعزاز دين الله، وألبسته تاج المعز جد أبيه، وأقيمت المآتم على الحاكم ثلاثة أيام، ورتبت الأمور ترتيبا/ مهذبا، وخلعت على ابن دواس خلعا كثيرة وشرفته تشريفا عظيما، فخرج فجلس معظما، فلما تعالى النهار خرج نسيم صاحب الستر والسيف ومعه مائة رجل كانوا مختصين بركاب السلطان يحملون سيوفا بين يديه، وكانوا يتولون قتل من يؤمر بقتله، فسلموا إلى ابن دواس يكونون بحكمه، وتقدمت الأخت إلى نسيم أن يضبط أبواب القصر بالخدم ففعل، وقالت له: اخرج وقف بين يدي ابن دواس، وقل يا عبيد مولانا، الظاهر يقول لكم: هذا قاتل مولانا الحاكم وأعملهم بالسيف ومرهم بقتله، ففعل ثم قتلت جماعة ممن اطلع على سرها فعظمت هيبتها، وكان عمر الحاكم سبعا وثلاثين سنة ومدة ولايته خمسا وعشرين سنة.
وفى هذه السنة [1] ، ولي أبو تمام بن أبي خازم القضاء بواسط من قبل قاضي القضاة أبي الحسن ابن أبي الشوارب.
وفيها [2] : انحدر سلطان الدولة إلى واسط، وخلع على أبي محمد بن سهلان الوزير، وأمره أن يضرب الطبل في أوقات الصلاة، ثم قبض عليه وكحل بعد ذلك.
ووقع حرب بين السلاطين عند واسط فاشتدت مجاعتهم، فقطعوا عشرين ألف رأس من النخل فأكلوا جمارها، ودقوا الأجذاع واستفوها و [أكلوا] [3] البغال والكلاب، وبيع الكر الحنطة بألف دينار قاشانية، وبطل الحج في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة [4] من الأكابر
3093- أحمد [5] بن موسى بن عبد الله بن إسحاق أبو بكر الزاهد المعروف بالروشنائي
[6] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 149) .

(15/143)


من أهل مصراثا وهى قرية تحت كلواذي. سمع أبا بكر بن مالك القطيعي، وأبا محمد بن ماسي وغيرهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، قال:
أحمد بن موسى الروشنائي نعم العبد كان فيه فضل وديانة وصلاح/ وعبادة، كتبت عنه في قريته وكان له بيت إلى جنب مسجده فيدخله ويغلقه على نفسه ويشتغل بالعبادة ولا يخرج منه إلا لصلاة الجماعة، وكان شيخنا أبو الحسين بن بشران يزوره في الأحيان ويقيم عنده العدد من الأيام متبركا برؤيته ومستروحا إلى مشاهدته.
توفي بمصراثا في رجب هذه السنة خرج الناس من بغداد حتى حضروا الصلاة عليه، وكان الجمع كثيرا جدا، ودفن في قريته.
3094- الحسين [1] بن الحسين بن على بن المنذر، [أبو القاسم] [2] القاضي.
ولد سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وسمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، والخلدي وغيرهم. وكان صدوقا ضابطا صحيح النقل، كثير الكتاب، حسن الفهم، وخلف القاضي أبا عبد الله الحسين بن هارون [الضبي] [3] على القضاء ببغداد، ثم خرج إلى ميافارقين، فتولى القضاء هناك سنين كثيرة ثم عاد إلى بغداد، وأقام يحدث بها إلى حين وفاته.
وتوفي في شعبان هذه السنة [4] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 2/ 113)
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] كتب في نسخة أياصوفيا: «نجز الجزء الثالث من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي الواعظ بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين وسلم، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، والحمد للَّه رب العالمين.
ويتلوه في الّذي يليه: «ثم دخلت سنة اثنتي عشر وأربعمائة، فمن الحوادث فيها أنه كان حاج العراق قد تأخر عن الحج» .

(15/144)


ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه كان حاج العراق تأخر عن الحج سنة عشر وسنة إحدى عشرة، فلما جاءت سنة اثنتي عشرة قصد جماعة من الناس يمين الدولة أبا القاسم محمود [بن سبكتين] [2] وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض، وفي كل سنة تفتتح من بلاد الكفر قطعة والثواب في فتح طريق الحج [3] أعظم، والتشاغل به أوجب، وقد كان بدر بن حسنويه، وما في أصحابك إلا من هو أكبر شأنا منه، يسير الحاج بماله وتدبيره عشرين سنة، فانظر للَّه تعالى، واجعل لهذا الأمر حظا من اهتمامك، فتقدم إلى أبي محمد الناصحي قاضي القضاة في مملكته بالتأهب/ للحج، ونادى في سائر أعمال خراسان بالتأهب للمسير، وأطلق للعرب في البادية ثلاثين ألف دينار، وسلمها إلى الناصحي سوى ما أطلقه من الصدقات، فحج بهم الناصح أبو الحسن الأقساسي، فلما بلغوا فيد حاصرهم العرب، فبذل لهم الناصحي خمسة آلاف دينار، فلما لم يقنعوا وصمموا على أخذ الحاج، وكان متقدمهم رجل يقال له جماز بن عدي [4] بضم العين من بني نبهان وكان جبارا فركب فرسه وعليه درعه وبيده رمحه وجال جولة يرهب بها، وكان في جماعة
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ل: «في فتح طريق مكة» .
[4] في ص: «يقال له: جمار بن عدي» .

(15/145)


السمرقنديين غلام يعرف بابن عفان يوصف بجودة الرمي، فرماه بنبلة، فوصلت إلى قلبه فسقط ميتا وأفلت الحاج وساروا [فحجوا] [1] وعادوا سالمين.
وفي هذه السنة [2] : قلد القاضي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد السمناني الحسبة والمواريث، وقرأ الوزير ابن حاجب النعمان عهده، وركب بالسواد، وخلع على أبي علي الحسن بن الحسين الرخجي خلع الوزارة، ولقب مؤيد الملك، وقبض قرواش بن المقلد على أبي القاسم المغربي الوزير وأطلقه، وعلى أبي القاسم سليمان بن فهد فقتل سليمان نفسه.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3095- أحمد [4] بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن حفص أبو سعد الماليني الصوفي
[5] :
ومالين قرية من قرى هراة، أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه، رحل إلى البلاد الكثيرة، وسمع من أشياخ كثيري العدد، وكتبه من الكتب الطوال والمصنفات الكبار، ثم رحل إلى مصر فتوفي [6] بها في شوال هذه السنة، وكان ثقة مصنفا [7] صدوقا صالحا.
3096- الحسين [8] بن الحسين بن محمد بن الحسين بن رامين، أبو محمد القاضي الإستراباذي
[9] :
نزل بغداد، وحدّث عن أبي بكر الإسماعيلي وغيره، وكان صدوقا فقيها فاضلا صالحا. توفي في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 371، والكامل 8/ 136، والبداية والنهاية 12/ 11) .
[6] في ص، ل: «وكان متقنا» .
[7] في ص، ل: «رحل إلى مصر فمات» .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 300، والبداية والنهاية 12/ 11) .

(15/146)


3097- الحسن [1] / بن منصور، أبو غالب الوزير الملقب ذا السعادتين
[2] :
ولد بسيراف سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وتقلبت به الأمور حتى صحب فخر الملك ولقبه سلطان الدولة وزير الوزراء نجاح الملوك وخلع عليه وجعله ناظرا في بغداد، فلما قطعت خطبة سلطان الدولة وخطب لمشرف الدولة ألزم أبا غالب بالانحدار مع الديلم إلى خوزستان، فانحدر معهم، فلما وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة [3] ، وهجموا علي أبي غالب فقتلوه، فكانت وزارته ثمانية عشر شهرا وثلاثة أيام، وعمره ستون سنة وخمسة أشهر، وصودر ابنه على ثمانين ألف دينار، فلما بلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب سكن قلبه واطمأن، وقال المطرز [يرثى أبا غالب] [4] :
أبا غالب من للمعالي إذا دعت ... ومن عنك يسعى سعيها ويثيب
ومن للمذاكي يصطلين بغارة ... بها السيف عار والسنان خضيب
فتى يستجير الملك أن صرخت به ... الحوادث أو حنت عليه خطوب
ومن يكشف الغماء عنه بعزمه ... لها في قلوب النائبات وجيب
3098- الحسين [5] بن عمرو، أبو عبد الله الغزال
[6] :
سمع ابن السماك، والنجاد، والخلدي، والنقاش:
قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان شيخا ثقة [7] صالحا كثير البكاء عند الذكر، ومنزله في شارع دار الرقيق. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة/ باب حرب.
3099- محمد بن عمر، أبو القاسم القزاز الحربي:
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 11) .
[3] «ألزم أبا غالب.. بشعار الدولة» . العبارة ساقطة من ص.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 82، 83، والبداية والنهاية 12/ 12) .
[7] «ثقة» : ساقطة من ص، ل.

(15/147)


سمع النجاد. يروى عنه الخطيب، وقال: كان ثقة يقرئ القرآن ويصوم الدهر.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3100- محمد بن عمر، أبو بكر [1] العنبري الشاعر
[2] :
كان ظريفا أديبا طلق النفس حسن الشعر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي [بن ثابت] [3] قال:
أنشدني أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ العزيز العكبري، قال: أنشدني أبو بكر العنبري لنفسه:
إني نظرت إلى الزمان ... وأهله نظرا كفاني
فعرفته وعرفتهم ... وعرفت عزي من هواني
فلذاك اطرح الصديق ... فلا أراه ولا يراني
وزهدت فيما في يديه ... ودونه نيل الأماني
فتعجبوا لمقالة ... وهب الأقاصي للأداني
وأنسل من بين الزحا ... م فما له في الخلق ثاني
وكان العنبري يتصوف، ثم بان له عيوب [4] الصوفية، فذمهم بقصائد قد كتبتها في تلبيس إبليس. توفي العنبري يوم الخميس ثاني عشر جمادي الأولى من هذه السنة.
3101- مُحَمَّد [5] بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد، أبو الحسن البزاز المعروف بابن رزقويه
[6] :
كان يذكر أن له نسبا في همدان، سمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأبا الحسن المصري [7] وخلقا كثيرا.
__________
[1] «أبو بكر» ساقطة من ص، ل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 12) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فبان له عيوب الصوفية» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 341، والكامل 8/ 136، والبداية والنهاية 12/ 12) .
[7] في ص: «أبا الحسن المقرئ» . وفي الأصل: «أبا الحسين البصري» .

(15/148)


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعته يقول:
ولدت يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وأول من سمعت منه الصفار، وأول ما كتبت سنة سبع وثلاثين.
قال ابن ثابت: كان ابن/ رزقوية، يذكر [1] أنه درس الفقه وعلق على مذهب الشافعي، وكان ثقة صدوقا كثير السماع والكتاب، حسن الاعتقاد، جميل المذهب مديما لتلاوة القرآن، شديدا على أهل البدع، ومكث يملي في جامع المدينة من بعد سنة ثمانين وثلاثمائة إلى قبل وفاته بمديدة، وهو أول شيخ كتبت عنه وأول ما سمعت منه في سنة ثلاث وأربعمائة كتبت عنه [2] إملاء مجلسا واحدا، ثم انقطعت عنه إلى أول سنة ست، وعدت فوجدته قد كف بصره، فلازمته إلى آخر عمره.
وسمعته يقول: والله ما أحب الحياة في الدنيا لكسب ولا تجارة ولكن أحبها لذكر الله تعالى ولقراءتي عليكم الحديث. [هذا قول أبي بكر الخطيب] [3] .
وسمعت البرقاني يسأل عنه، فقال: ثقة، وسمعت الأزهري يذكر أن بعض الوزراء دخل بغداد ففرق مالا كثيرا على أهل العلم، وكان ابن رزقويه [4] في من وجه إليه من ذلك المال فقبلوا كلهم سواه فانه رده تورعا وظلف نفس.
وكانت وفاته غداة يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ودفن في يومه بعد صلاة الظهر في مقبرة باب الدير بالقرب من معروف الكرخي.
3102- محمد [5] بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل، أبو الفتح بن أبي الفوارس
[6] :
كان جده سهل يكنى أبا الفوارس، ولد أبو الفتح في سحر يوم الأحد لثمان بقين
__________
[1] في الأصل: «ابن رزقونة يذكر» .
[2] «وأول ما سمعت ... وأربعمائة كتبت عنه» . العبارة ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وكان ابن رزقونة» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 352، والكامل 8/ 136) .

(15/149)


من شوال سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وسمع من أبي بكر النقاش، والشافعي، وأبي علي بن الصواف، وخلق كثير. وسافر في طلب الحديث إلى البلاد، وكتب الكثير وجمع، وكان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة، مشهورا بالصلاح، وكتب الناس عنه بانتخابه على الشيوخ، وحدث عنه البرقاني، وهبة الله الطبري، وكان يسكن بالجانب الشرقي ويملي في جامع الرصافة [1] .
وتوفي يوم الأربعاء/ سادس عشر ذي القعدة من هذه السنة، ودفن إلى جنب أحمد بن حنبل، غير أن بينهما قبور الميمين الثلاثة. كذا قال القزاز عن الخطيب
[2] .
3103- محمد [3] بن إبراهيم بن حوران بن بكران، أبو بكر الحداد
[4] :
سمع أبا بكر الشافعي، وروى عن أبي جعفر بن بريه كتاب المبتدأ لوهب، وكان صدوقا.
3104- محمد [5] بن الحسن بن محمد، أبو العلاء الوراق
[6] :
ولد سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، وسمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأحمد بن كامل القاضي، وغيرهما. وكان ثقة، وكان ينزل في الجانب الشرقي ناحية سوق يحيى، وتوفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في الخيزرانية.
3105- محمد [7] بن الحسين بن محمد بن موسى، أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري
[8] :
روى عن أبي العباس الأصم وغيره. وروى عنه مشايخ البغداديين الأزهري،
__________
[1] في الأصل: «ويملي بالجامع الغربي بالرصافة» .
[2] في الأصل: «عن ابن الخطيب» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 416) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 216) .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 248، والكامل 8/ 136، والبداية والنهاية 12/ 12) .

(15/150)


والعشاري وغيرهما، وكانت له عناية بأخبار الصوفية، فصنف لهم تفسيرا وسننا وتاريخا وجمع شيوخا وتراجم وأبوابا، وله بنيسابور دويرة معروفة يسكنها الصوفية، وفيها قبره وتوفي يوم الأحد ثالث شعبان [من] [1] هذه السنة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي بن ثابت، قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: كان أبو عبد الرحمن غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئا يسيرا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع، حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواها، وكان يضع للصوفية الأحاديث.
3106- أبو عبد الله [2] بن الدجاجيّ:
القارئ المجود، قد ذكرا بعض حاله في الحج سنة أربع وتسعين [وثلاثمائة] [3] توفي في هذه السنة.
3107- أبو علي الحسن بن علي الدقاق النيسابوري
[4] :
كان يعظ ويتكلم على الأحوال والمعرفة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد، حدثنا أبو سعد/ عبد الرحمن بن مأمون بن علي المتولي النيسابوري، أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بْن هوازن القشيري، قَالَ: سمعت الأستاذ أبا علي الحسن بْن علي الدقاق، يقول في قوله: «من تواضع لغني لأجل دنياه ذهب ثلثا [5] دينه» قال: لأنه تواضع له بلسانه وخدمه بأركانه، فلو تواضع له بقلبه ذهب دينه كله، وقال: عليك بطريق السلامة، وإياك والتطلع لطرق البلاء، ثم أنشد:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 412) .
[5] انظر الحديث في: (الدرر المنتثرة 157، والأسرار المرفوعة 339، وكشف الخفا 2/ 334، وتذكرة الموضوعات 175) .

(15/151)


ذريني تجئني منيتي [1] مطمئنة ... ولم أتجشم هول تلك الموارد
رأيت عليات [2] الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود
وقال: وعند القوم أن سرور الطلب أتم من فرح الوجود لأن فرح الوجود يخطر الزوال، وحال الطلب برجاء الوصال.
وقال في قوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ 2: 152 [3] اذكروني اليوم وأنتم أحياء اذكركم وأنتم تحت التراب، إن الأحباب إذا أقفرت ديار أحبابهم قالوا: سقيا لساكنها ورعيا لقطانها، كذلك الحق سبحانه إذا أتت عليك الأعوام وأنت رميم [4] ، يقول: سقيا لعبادي.
وقال: البلاء الأكبر أن تريد ولا تراد، وتدنو وترد إلى البعاد.
وقال: «حفت: جنة بالمكاره» : [5] إذا كان المخلوق لا وصول إليه إلا بتحمل المشاق، فما ظنك بمن لم يزل وقد قال في الكعبة: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ 16: 7 [6] ، ثم أنشد:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والاقدام قتال
قال يعقوب: يقول: (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) 12: 84 ويوسف: (يقول أنت وليي) [7] وأنشد:
جننا بليلى وهي جنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
__________
[1] في ت: «تجئني ميتتي» .
[2] في ل: «رأيت غليات» .
[3] سورة: الآية:
[4] في ص، ل: «علينا الأعوام ونحن في التراب رحيم» .
[5] انظر الحديث في: (صحيح مسلم، الجنة حديث 1، وسنن أبي داود السنة 22، وسنن الترمذي الجنة 21، ومسند أحمد بن حنبل 2/ 260، 333، 354، 380، 3/ 153، 245، 284) .
[6] سورة: النحل، الآية: 7.
[7] سورة: يوسف، الآية: 84.

(15/152)


ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة فتح المارستان المؤيدي الذي بناه مؤيد الملك أبو علي الحسن الرخجي وزير مشرف الدولة بواسط، وحملت إليه الأدوية والأشربة، ورتب له الخزان والأطباء والوكلاء، ووقفت عليه الوقوف وجعلت على المعاملات السلطانية مشاهرة.
[عمد بعض الحاج المصريين إلى الحجر الأسود فضربه بدبوس]
وفي هذه السنة: في زمن الحج عمد بعض الحاج المصريين إلى الحجر الأسود فضربه بدبوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعا منه، وعاجله الناس فقتلوه وثار المكيون بالمصريين ونهبوهم وقتلوا قوما منهم، وركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر فأطفأ الفتنة، ودفع عن المصريين.
قال هلال بن المحسن: وقيل: أن الفاعل ما فعله إلا وهو من الجهلة الذين كان الحاكم استغواهم وأفسد أديانهم. وقيل: كان ذلك في سنة أربع عشرة، قال:
وقرأت في كتاب كتب بمصر في هذا المعني: كان من جملة من دعاه الخوف إلى الانتزاح رجل من أهل البصرة أهوج أثول سار مع الحجيج إلى مكة فرقا من السيف وتستر بالحج، فلما وصل أعلن الكفر وأظهر ما كان يخفيه من الكفر فقصد الحجر الأسود، فضربه بدبوس في يده أطارت شظايا منه، ووصلت بعد ذلك، ثم إن هذا الكافر عوجل بالقتل.
__________
[1] بياض في ت.

(15/153)


أخبرنا شيخنا محمد بن ناصر الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بن ميمون النرسي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بن عبد الرحمن العلويّ، قال: في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود/ لما صليت الجمعة يوم النفر الأول، ولم يكن رجع الناس بعد من منى، قام رجل ممن ورد من ناحية مصر بإحدى يديه سيف مسلول، وبالأخرى دبوس بعد ما قضى الإمام الصلاة، فقصد ذلك الرجل ليستلمه [1] على الرسم، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متوالية بالدبوس، وقال: إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي يمنعني عما أفعله، فإنّي أهدم هذا البيت وارفعه فاتقاه أكثر الحاضرين وتراجعوا عنه، وكاد يفلت، وكان رجلا تام القامة، أحمر اللون، أشقر الشعر، سمين الجسم، وكان على باب المسجد عشرة من الفرسان على أن ينصروه، فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكة أو من غيرها فوجأه بخنجر، واحتوشه الناس فقتلوه وقطعوه وأحرقوه بالنار، وقتل من اتهم بمصاحبته ومعونته على ذلك المنكر جماعة، وأحرقوا بالنار وثارت الفتنة، وكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين نفسا غير ما اختفى منهم، وألحوا في ذلك اليوم على المغاربة والمصريين بالنهب والسلب وعلي غيرهم في طريق منى إلى البلد.
وفي يوم النفر الثاني اضطرب الناس وماجوا، وقالوا أنه قد أخذ في أصحاب الخبيث لعنه الله أربعة أنفس اعترفوا بأنهم مائة بايعوا على ذلك، وضربت أعناق هؤلاء الأربعة وتقشر بعض وجه الحجر في وسطه من تلك الضربات وتخشن، وزعم بعض الحاج أنه سقط من الحجر ثلاث قطع واحدة فوق أخرى، فكأنه يثقب ثلاث ثقب ما يدخل الأنملة في كل ثقبة، وتساقطت منه شظايا مثل الأظفار، وطارت منه شقوق يمينا وشمالا، وخرج مكسره أحمر [2] يضرب إلى الصفرة محببا مثل الخشخاش، فأقام الحجر علي ذلك يومين، ثم أن بني شيبة جمعوا ما وجدوه مما سقط منه، وعجنوه بالمسك واللك [3] ، وحشوا تلك المواضع/ وطلوها بطلاء من ذلك، فهو بين لمن تأمله، وهو على حاله اليوم.
__________
[1] في ص: «ذلك الحجر ليستلمه» .
[2] في الأصل: «وخرج مكسره أسمر» .
[3] «واللك» : ساقطة من ص.

(15/154)


ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3108- عمر [2] بن محمد بن عمر، أبو علي العلوي
[3] :
سكن بغداد وحدث بها، وقد ذكرنا حال أبيه وتوسعه في الدنيا، وكان لعمر هذا مال كثير فقبض عليه قرواش بن المقلد وأخذ منه مائة ألف دينار، وتوفي في هذه السنة، واستولى السلطان على أكثر أمواله وضياعه.
3109- دجى بن عبد الله، أبو الحسن الخادم الأسود الخصي مولى الطائع للَّه [4] .
كان قريبا منه، وخصيصا به يسفر بينه وبين الملوك، سمع أبا الفضل بن المأمون وغيره، وكان سماعه صحيحا وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3110- علي [5] بن هلال، أبو الحسن [المعروف بابن] [6] البواب صاحب الخط [7] الحسن:
صحب ابن سمعون، وكان يقص بجامع المدينة، وبلغنا أن أبا الحسن البتي دخل دار فخر الملك أبي غالب، فوجد ابن البواب جالسا في عتبة باب ينتظر خروج فخر الملك، فقال جلوس الأستاذ في العتب رعاية للنسب، فجرد ابن البواب وقال: لو أن إلي من أمر الدنيا شيئا ما مكنت مثلك في الدخول، فقال البتي: ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله.
توفي الأستاذ أبو الحسن يوم السبت ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب ورثي بأبيات منها:
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] جاءت هذه الترجمة في ت بعد الترجمة التالية.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 271، والكامل 8/ 138) .
[4] في الأصل، ت: «الخادم الأسود الحمصي» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 392) .
[5] بياض في ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 14) .

(15/155)


فللقلوب التي أبهجتها حزن ... وللعيون التي أقررتها سهر
وما لعيش وقد ودعته أرج ... ولا لليل وقد فارقته سحر
[1]
3111- علي [2] بن عيسى بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أبان، أبو الحسن الفارسي المعروف بالسكري الشاعر
[3] :
أصله من نفر وهو بلد على النرس من بلاد الفرس، ولد ببغداد في صفر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، / وكان يحفظ القرآن والقراءات، وكان متفننا في الآداب، وصحب القاضي أبا بكر بن الطيب، وأكثر شعره في مدح الصحابة والرد على الرافضة والنقض على شعرائهم.
توفي في يوم الثلاثاء سلخ شعبان، في هذه السنة، وقيل: يوم الاثنين لثلاث بقين من شعبان، ودفن في مقبرة باب الدير في الموضع المعروف بتل صافي مقابل قبر معروف، وأمر أن يكتب في لوح وينقش [4] على قبره أبيات قالها، وهي:
نفس يا نفس كم تمادين في الغي ... وتأتين بالفعال المعيب
راقبي الله واحذري موضع العرض ... وخافي يوم الحساب العصيب
لا يغرنك السلامة في العيش ... فإن السليم رهن الخطوب
كل حي فللمنون ولا يدفع ... بأس المنون كيد الأريب
واعلمي أن للمنية وقتا ... سوف يأتي عجلان غير هيوب
فأعدي لذلك اليوم زادا ... وجوابا للَّه غير كذوب
إن حب الصديق في موقف الحشر ... أمان للخائف المطلوب
3112- محمد [5] بن أحمد بن محمد بن المنصور، أبو جعفر البيع، ويعرف بالعتيقي
[6] :
__________
[1] في الأصل: «وقد فارقته سهر» .
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «علي بن عيسى بن سليمان بن أبان» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 8/ 138، والبداية والنهاية 12/ 15) .
[4] في الأصل: «في لوح وينصب» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 15) .

(15/156)


أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: ذكر لي ابنه أبو الحسن أنه ولد برويان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وحمل إلى طرسوس وهو ابن سبع سنين، فنشأ بها وسمع الحديث من شيخ كان بها يعرف بالخواتيمي، ولم يزل بها حتى غلبت الروم على البلد، فانتقل إلى دمشق، ثم ورد بغداد فسكنها حتى مات بها في يوم الخميس [1] الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة قال أبو الحسن: وحدثني بشيء يسير وسمعت منه.
3113- محمد [2] بن أحمد بن يوسف بن وصيف، أبو بكر الصياد
[3] .
ولد في محرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وسمع/ أبا بكر الشافعي، والقطيعي وغيرهما. وكان ثقة صدوقا خيرا انتخب عليه ابن أبي الفوارس، وتوفي يوم الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول من هذه السنة.
3114- مُحَمَّد [4] بن محمد بن النعمان، أبو عبد الله المعروف بابن المعلم
[5] :
شيخ الإمامية وعالمها، صنف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلم مجلس نظر بداره بدرب رياح [6] يحضره كافة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف، لميلهم إلى مذهبه.
توفي في رمضان هذه السنة، ورثاه المرتضى فقال.
من لفضل أخرجت منه خبيئا ... ومعان فضضت عنها ختاما
من ينير العقول من بعد ما كنا ... همودا ويفتح الأفهاما
من يعير الصديق رأيا إذا ما ... سله في الخطوب كان حساما
[ودفن في مقبرة] [7] ،
__________
[1] في تاريخ بغداد: «مات بها يوم الجمعة» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 378) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 231) .
[6] «بدرب رياح» . ساقطة من ص.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وبعدها في ص، ت بياض.

(15/157)


ثم دخلت سنة أربع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه لما سار مشرف الدولة مصعدا إلى بغداد روسل الخليفة القادر في البروز لتلقيه فتلقاه من الزلاقة ولم يكن تلقي أحدا من الملوك قبله، وخرج في يوم الاثنتين لليلتين بقيتا من المحرم، فركب في الطيار وعليه السواد والبردة، ومن جانبه الأيمن الأمير أبو جعفر، ومن جانبه الأيسر الأمير أبو القاسم، وبين يديه أبو الحسن علي بن عبد العزيز، وحوالي القبة المرتضى أبو القاسم الموسوي، وأبو الحسن الزينبي، وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب، وفي الزبازب المسودة من العباسيين والقضاة والقراء والفقهاء، فنزل مشرف الدولة في زبزبة ومعه خواصه، وصعدوا إلى الطيار وقد طرح أنجره، فوقف/ فقبل الأرض دفعة ثانية، وسأله الخليفة عن خبره وعرفه استيحاشه لبعده وأنسه الآن بقربه، والعسكر واقف بأسره في شاطئ دجلة، والعامة في الجانبين، والسماريات، وقام مشرف الدولة فنزل في زبزبة واصعد الطيار.
[غدر خليفة بن هراج الكلابي بالقافلة الواردة معه]
وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من شعبان: غدر خليفة بن هراج الكلابي بالقافلة الواردة معه، وفي خفارته من مصر، وعدل بها إلى حلته، فأناخ جمالها، وأخذ أحمالها وصرف أربابها على أسوأ حال، وكانت تشتمل على نيف وأربعين حملا بزا وثلاثين ألف دينار مغربية، وعرف الخبر قرواش فركب في رمضان من الأنبار، وتوجه نحوه فهزم قرواش وتمزقت العرب بالمال.
__________
[1] بياض في ت.

(15/158)


وفي هذه السنة [1] : ورد كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين إلى القادر باللَّه يذكر له غزوة في بلاد الهند، وأنه أوغل في بلادهم حتى جاء إلى قلعة عد فيها ستمائة صنم، وقال: أتيت قلعة ليس لها في الدنيا نظير، وما الظعن بقلعة تسع خمسمائة ألف إنسان، وخمسمائة فيل، وعشرين ألف دابة، ويقوم لهذا العدد بما يكفيه من علوفة وطعام، وأعان الله حتى طلبوا الأمان فآمنت ملكهم، وأقررته على ولايته بخراج قرر عليه، وأنفذ هدايا كثيرة وفيلة، ومن الطرف الغريبة طائر على هيئة القمري ومن خاصته أنه إذا حضر على الخوان وكان في شيء مما قدم سم دمعت عينه، وجرى منها ماء تحجر، وحك، فطلى بما يحك منه الجراحات ذوات الأفواه الواسعة، فيحلمها فتقبلت هديته وانقلب العبد بنعمة من الله وفضله.
وفيها: وزر أبو القاسم المغربي لمؤيد الملك بعد الرخجي [2] ، فقال رجل لكون الوزير كان مشغولا بالنحو:
ويل وعول وويه ... لدوله ابن بويه
سياسة الملك ليست ... ما جاء عن سيبويه
[وفي هذه السنة] [3] : حج بالناس أبو الحسن [4] محمد بن الحسن الأقساسي العلوي، وعاد على طريق الشام/ لاضطراب الجادة.
ذكر من توفي في هذه السنة [5] من الأكابر
3115- الحسين [6] بن فضل بن سهلان، أبو محمد الرامهرمزي
[7] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] كذا في الأصول، وهو لقب الرخجي. أما لقب أبي القاسم «مشرف الدولة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ومكانة في ت بياض.
[4] في الأصل: «حج بالناس أبو المحسن» .
[5] بياض في ت.
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 16) .

(15/159)


وزر لسلطان الدولة، وبني سور الحائر من مشهد الحسين عليه السلام في سنة ثلاث وأربعمائة، وقتل في شعبان هذه السنة عن ثلاث وخمسين سنة.
3116- الحسين [1] بن محمد، أبو عبد الله الكشفلي الطبري
[2] :
تفقه على أبي القاسم الداركي، وكان فهما فاضلا ودرس بعد أبي حامد في مسجده، وهو مسجد عبد الله بن المبارك بقطيعة الربيع، وكان يقرأ عليه فقيه من أهل بلخ، فتأخرت نفقته فأضر به ذلك، فشكا حاله إلى الكشفلي، فأخذه ودخل على رجل من التجار بالقطيعة يقال له ابن برويه [3] وسأله ابن يقرضه شيئا حتى تأتي نفقته من بلده، فأمر بتقديم الطعام، فلما أكلوا تقدم إلى جارية فأحضرت زنفيلجة [4] فوزن منها عشرين دينارا [5] ، ودفعها إليه وخرج الكشفلي وهو يشكره، ورأى الفقيه قد تغير فسأله عن حاله، فأخبره أنه قد هوى الجارية التي حملت الزنفيلجة، فعاد الكشفلي إلى ابن برويه، فقال له: قد وقعنا في قصة أخرى، قال: ما هي؟ فأخبره بحال الفقيه مع الجارية فسلمها إليه وقال: ربما كان في قلبها منه مثل ما في قلبه لها، ووصل الفقيه من أبيه ستمائة دينار.
توفي الكشفلي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقابر باب حرب.
3117- الحسين [6] بن الحسن بن محمد بن القاسم، أبو عبد الله المخزومي الغضائري
[7] :
سمع الصولي، وابن السماك، والنجاد، والخلدي وكان ثقة، توفي في محرم هذه السنة ودفن بقرب قبر أحمد بن حنبل.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 105، والكامل 8/ 142، والبداية والنهاية 12/ 16) .
[3] في ص: «ابن بروتة» ، وفي ل بدون نقط.
[4] الزنفيلجة: وعاء يتشبه الكف.
[5] في ل، والأصل: «فقرن منها خمسين دينارا» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 34) .

(15/160)


3118- علي [1] بن عبد الله بن جهضم، أبو الحسن الصوفي صاحب بهجة الأسرار
[2] :
وكان شيخ الصوفية توفي بمكة، وقد ذكروا أنه كان/ كذابا، ويقال انه وضع صلاة الرغائب.
أخبرنا شيخنا [3] ابن ناصر، عن أبي الفضل بن خيرون، قال: قد تكلموا فيه.
3119- القاسم [4] بن جعفر بن عبد الواحد أبو عمر الهاشمي البصري
[5] :
قدم بغداد في سنة إحدى وسبعين وقبلت شهادته ثم قدمها مع أبي محمد بن معروف في سنة سبع وسبعين [وكانت ولادته سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، سمع عبد الغافر بن سلامة، وأبا علي اللؤلؤي في خلق، وكان ثقة أمينا، وولى القضاء بالبصرة [6] .
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3120- محمد بن أحمد بن الحسين بن يحيى، أبو الفرج القاضي الشافعي يعرف بابن سميكة
[7] :
حدث عن أبي بكر النجاد، وأبي علي بن الصواف، وحبيب بن الحسن القزاز، وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا ابن ثابت الخطيب، قال: كتبنا عنه بانتقاء محمد بن أبي الفوارس، وكان ثقة، وتوفي يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء لست خلون من [شهر] [8] ربيع الأول سنة أربع عشرة وأربعمائة، ودفن في مقبرة باب حرب.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 16) .
[3] في ص، ل: «وأنبأنا شيخنا» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 451، البداية والنهاية 12/ 17) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ل في أول الترجمة.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 289، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/161)


3121- محمد [1] بن أحمد، أبو جعفر النسفي
[2] :
كان عالما بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وصنف تعليقه مشهورة، وكان فقيرا متزهدا، فبات ليلة مكروبا من الإضافة، فوقع له فرع من فروع مذهبه، فأعجب به فقام قائما يرقص في داره، ويقول: أين الملوك [وأبناء الملوك] [3] ، فسألته زوجته عن حاله، فأخبرها فتعجبت. توفي في شعبان هذه السنة.
3122- هلال [4] بن محمد بن جعفر بن سعدان، أبو الفتح الحفار:
ولد سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، سمع إسماعيل الصفار، [5] وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، وابن الصواف، وكان صدوقا ينزل بالجانب الشرقي قريبا من الخطابين توفي في شهر صفر هذه السنة رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين بمنه وكرمه [6] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 142، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 75، والكامل 8/ 142، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[6] «رحمه الله ... يمنه وكرمة» : ساقطة من ل، ص.

(15/162)


ثم دخلت سنة خمس عشرة وأربعمائة
[جمع الوزير المغربي الأتراك والمولدين لمشرف الدولة]
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الوزير المغربي جمع الأتراك والمولدين ليحلفوا لمشرف الدولة، وكلف مشرف الدولة المرتضى ونظام الحضرتين أبا الحسن الزينبي وقاضي القضاة، وأبا الحسن بن أبي الشوارب، وجماعة من الشهود الحضور، فأحلفت طائفة من القوم فظن الخليفة أن التحالف لنية مدخولة في حقه، فبعث من دار الخليفة من منع الباقين بأن يحلفوا، وأنكر على المرتضى والزينبي وقاضي القضاة حضورهم بلا إذن، واستدعوا إلى دار الخلافة، وسرح الطيار، وأظهر عزم الخليفة على الركوب وتأدى ذلك إلى مشرف الدولة، وانزعج منه، ولم يعرف السبب فيه فبحث عن ذلك إذا به أنه اتصل بالخليفة أن هذا التحالف عليه، فترددت الرسائل باستحالة ذلك، وانتهى الأمر إلى أن حلف مشرف الدولة على الطاعة والمخالصة للخليفة، وكان وقوع اليمين في يوم الخميس الحادي عشر من صفر وتولى أخذها [2] واستيفاءها القاضي أبو جعفر السمناني، ثم حلف الخليفة لمشرف الدولة.
[عقد لمشرف الدولة على بنت علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه]
وفي رجب: وقع العقد لمشرف الدولة على بنت علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه، وكان الصداق خمسين ألف دينار.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «واستولى» .

(15/163)


وفي هذه السنة [1] : تأخر الحاج الخراسنة للإشفاق من فساد طريق مكة.
وفيها حج بالناس [2] : أبو الحسن الأقساسي، وحج معه حسنك صاحب محمود بن سبكتكين، فنفذ إليهما صاحب مصر خلعا وصلة فسارا إلى العراق ولم يدخل، حسنك بغداد خوفا أن ينكر عليه من دار الخلافة، / فكوتب محمود بن سبكتكين بما فعله حسنك فنفذ برسوله ومعه الخلع المصرية، فأحرقت على باب النوبي، وعاد الحاج على طريق الشام، وورد كثير منهم في السفن من طريق الفرات، وجاء قوم على الظهر إلى أوانا، وذاك لأنهم عللوا العرب في ممرهم بأنا سنرضيكم، فخافوا أن يصيروا في أيديهم بحكمهم، فعرجوا إلى تلك الطريق لطلب السلامة.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3123- أحمد [4] بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل، أبو الفرج المعدل المعروف بابن [5] المسلمة:
ولد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وسمع أباه، وأحمد بن كامل، والنجاد، والخطبي، ودعلج بن أحمد، وغيرهم. وكان ثقة يسكن في الجانب الشرقي [6] بدرب سليم، ويملي في كل سنة مجلسا واحدا في أول المحرم، وكان عاقلا فاضلا كثير المعروف، وداره مألفا لأهل العلم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: حدثني رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن [7] بن أحمد بن محمد، قال: كان جدي يختلف في درس الفقه
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 67، والبداية والنهاية 12/ 17) .
[6] «في الجانب الشرقي» : ساقطة من ص.
[7] في ص: «علي بن الحسين» .

(15/164)


إلى أبي بكر الرازي، وكان يصوم الدهر، وكان يقرأ كل يوم سبع القرآن بالنهار ويعيده بعينه في ليلته في ورده.
قال رئيس الرؤساء: ورأيت أبا الحسين القدوري الفقيه بعد موته في المنام فقلت له: كيف حالك؟ فتغير وجهه ودق حتى صار كهيئة الوجه المرئي في السيف دقة وطولا وأشار إلى صعوبة الأمر، فقلت: كيف حال الشيخ أبي الفرج؟ يعني جده فعاد وجهه إلى ما [1] كان [عليه] [2] وقال لي: ومن مثل الشيخ أبي الفرج ذلك؟ ثم رفع يده إلى السماء، فقلت في نفسي: يريد بهذا قول [الله] [3] تعالى: وَهُمْ في الْغُرُفاتِ آمِنُونَ 34: 37 [4] .
توفي أبو الفرج ابن المسلمة [5] في ذي القعدة من هذه السنة.
3124- أَحْمَد [6] بن محمد بن أحمد بن القاسم، أبو الحسن [7] المحاملي:
كان أبوه أحد الشهود ببغداد، وتفقه على أبي حامد، وبرع وصنف المصنفات المشهورة، وكان أبو حامد يقول: هو أحفظ للفقه مني. وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو شاب.
3125- سلطان الدولة [8] ابن بهاء الدولة
[9] .
توفي بشيراز عن اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر.
3126- عبيد الله [10] بن عمر بن علي بن الأشرس، أبو القاسم الفقيه المقرئ المعروف بابن البقال
[11] :
__________
[1] في الأصل: «فعاد وجهه إلى ما كان» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] سورة: سبإ، الآية: 37.
[5] في الأصل: «أبو الفرج ابن سلمة» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 372، والبداية والنهاية 12/ 18) .
[8] بياض في ت.
[9] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 415) .
[10] بياض في ت.
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 382، البداية والنهاية 12/ 18) .

(15/165)


سمع النجاد، وأبا علي ابن الصواف، قال الخطيب: سمعنا منه بانتقاء ابن أبي الفوارس، وكان ثقة. وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3127- عبيد الله [1] بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم الخفاف المعروف بابن النقيب
[2] :
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: رأى الشبلي، وسمع من أبي طالب ابن البهلول. وكان سماعه صحيحا، وكان شديدا في السنة قال: وبلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة، وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم. قال: وسمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم وكان ينزل في جواره ناحية الرصافة، قال: مكث كذا وكذا سنة ذهب عني حفظ عددها كثرة يصلي الفجر على وضوء العشاء، ويحيى الليل بالتهجد. قال الخطيب: وسألته عن مولده، فقال: ولدت سنة خمس وثلاثمائة.
ومات أبو بكر بن مجاهد في سنة أربع وعشرين ولي تسع عشرة سنة، وأذكر من الخلفاء: المقتدر، والقاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع، والقادر، والغالب. خطب له بولاية العهد.
توفي ابن النقيب في سلخ شعبان هذه السنة.
3128- عمر [3] بن عبد الله بن عمر بن تعويذ، أبو حفص الدلال
[4] :
توفي في هذه السنة.
قال المصنف: سمعت أبا الفضل الأرموي، يقول: سمعت أبا الحسين بن المهتدي/ يقول: سمعت عمر بن عبد الله بن تعويذ، يقول: سمعت الشبلي يقول:
وقد كان شيء يسمى السرور ... قديما سمعنا به ما فعل
__________
[1] بياض في ت، وفي ص: «عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 382) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 271، البداية والنهاية 12/ 18) .

(15/166)


خليلي إن دام هم النفوس ... قليلا على ما نراه قتل
مؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
3129- علي [1] بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران، أبو الحسين المعدل
[2] :
سمع علي بن محمد المصري، وإسماعيل بن محمد الصفار، والحسين بن صفوان وغيرهم. وكان صدوقا ثقة ثبتا حسن الأخلاق تام المروءة.
توفي في شعبان هذه السنة. وقيل: في رجب عن سبع وثمانين سنة، ودفن بباب حرب.
3130- علي [3] بن عبد الصمد أبو الحسن الشيرازي ويعرف بابن [4] أبي علي:
تولى حجبة القادر باللَّه في شوال سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، فلم يزل على ولايته إلى سنة ثمان وأربعمائة، وكثرت الفتن، فجاء إلى دار الخليفة وأظهر التوبة من العمل، وأشهد على نفسه بذلك في الموكب فولى بعده أبو مقاتل، فأراد دخول الكرخ، فمنعه أهلها فأحرق الدكاكين والجعافرة، فصارت تلولا، فعاد علي بن أبي علي إلى الولاية في سنة تسع وأربعمائة، وقتل الموسومين بالفتن من الشيعة والسنة، ونفى ابن المعلم فقيه الإمامية وجماعة من الوعاظ وأهل السنة، ونسبهم إلى معاونة أهل الفتن، فقامت الهيبة وسكن البلد، فلما ولي أبو القاسم المغربي الوزارة، صادر علي بن أبي علي على خمسة آلاف دينار مغربية، وألف عليه العيارين فقتلوه على باب درب الديزج ليلة النصف من رجب هذه السنة، وتولى المعونة بعده أبو علي الحسن بن أحمد غلام ابن الهدهد.
3131- محمد [5] بن المظفر بن علي بن حرب، أبو بكر الدينَوَريّ [6] الصالح:
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 98) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 415) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 265) .

(15/167)


3132- محمد [1] بن الحسن، أبو الحسن الأقساسي [2] العلوي:
وهو من ولد محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على حج بالناس سنين كثيرة نيابة عن المرتضى الموسوي، وله شعر مليح، ومنه قوله في غلام اسمه بدر:
يا بدر وجهك بدر ... وغنج عينيك سحر
وماء خديك ورد ... وماء ثغرك خمر
أمرت عنك بصبر ... وليس لي عنك صبر
تأمرني بالتسلي ... ما لي مع الشوق أمر
توفي في هذه السنة، ورثاه المرتضى بأبيات منها قوله:
وقد خطف الموت كل الرجال ... ومثلك من بيننا ما خطف
وما كنت إلا أبي الجنان ... على الضيم محتميا بالأنف
خليا من العار صفر الإزار ... مدى الدهر من دنس أو نطف
3133- محمد [3] بن أحمد [4] بن عمر بن علي، أبو الحسن ويعرف بابن [5] الصابوني:
ولد سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وسمع أبا بكر الشافعي وغيره. وكان صدوقا.
وتوفي يوم الخميس السادس عشر من رجب، ودفن في مقبرة باب الشام.
3134- محمد [6] بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الفرج بن أبي طاهر، أبو عبد الله الدقاق ويعرف بابن البياض
[7] :
ولد في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وسمع أحمد بن سلمان، وجعفر الخلدي [8] ، وأبا بكر الشافعيّ، وغيرهم.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 18) .
[3] بياض في ت.
[4] في ت: «محمد بن علي بن أحمد» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 318) .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 353) .
[8] في الأصل: «جعفر بن سليمان، وأحمد الخلدي» .

(15/168)


أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: كان الدقاق شيخا فاضلا دينا صالحا ثقة من أهل القرآن، / ومات في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان سنة خمس عشرة وأربعمائة.
3135- محمد [1] بن الحسين بن محمد بن الفضل، أبو الحسين الأزرق [2] القطان:
سمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، وأبا بكر النجاد، وجعفر الخلدي في آخرين، وكان ثقة، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 249) .

(15/169)


ثم دخلت سنة ست عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[انبساط العيارين انبساطا أسرفوا فيه]
أن العيارين انبسطوا انبساطا أسرفوا فيه، وخرقوا هيبة السلطان، وواصلوا العملات وأراقوا الدماء [2] .
[وفاة الملك مشرف الدولة]
وفي ربيع الآخر: توفي الملك مشرف الدولة، ونهبت الخزائن، واستقر الأمر على تولية جلال الدولة أبي طاهر فخطب له على المنابر وهو بالبصرة، فخلع على شرف الملك ابن ماكولا وزيره ولقبه علم الدين سعد الدولة أمين الملة شرف الملك، وهو أول من لقب بالألقاب الكثيرة، ثم تأخر إصعاده لما عليه الأمور من الانتشار، وأعلم بأن الملك يحتاج إلى المال وليس عنده فأظهر الجند الخوض في أمر الملك أبي كاليجار، ثم تظاهروا بعقد الأمر له، وانحدر الأصفهلارية إلى دار الخلافة، وراسلوا الخليفة وعددوا ما عاملهم به جلال الدولة [3] من إغفال أمرهم، وإهمال تدبيرهم، وإنهم قد عدلوا إلى أبي كاليجار ثم تظاهروا بعقد الأمر له إذ كان ولى عهد أبيه [4] سلطان الدولة الذي استخلفه بهاء الدولة عليهم، فتوقف الجواب، ثم عادوا فقيل لهم: نحن مؤثرون لما تؤثرونه، وخرج الأمر بإقامة الخطبة للملك أبي كاليجار [5] ، وأقيمت له في يوم
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص: «وإراقة الدماء» .
[3] في الأصل: «جلال الملك» .
[4] في ل، ص: أبي كاليجار إذا كان ولي عهد أبيه» .
[5] في الأصل: «بإقامة الخطبة لأبي كاليجار» .

(15/170)


الجمعة سادس عشر شوال، فكوتب جلال الدولة بذلك، فأصعد من واسط.
وكان صاحب مصر قد أنفذ إلى يمين الدولة محمود بن سبكتكين خلعة مع أبي العباس أحمد بن محمد الرشيدي الملقب زين القضاة/ إلى الخليفة، فجلس القادر باللَّه في يوم الخميس لتسع يقين من جمادي الآخرة لأبي العباس الرشيدي بعد أن جمع القضاة والشهود والفقهاء والأماثل وأحضر أبو العباس ما كان حمله صاحب مصر، وأدى رسالة يمين الدولة بأنه الخادم المخلص الذي يرى الطاعة فرضا ويبرأ من كل ما يخالف الدولة العباسية [1] ، فلما كان فيما بعد هذا اليوم أخرجت الثياب إلى باب النوبي، وحفرت حفرة وطرح فيها الحطب، ووضعت الثياب فوقه وضربت بالنار وأبو الحسن علي بن عبد العزيز والحجاب حاضرون، والعوام ينظرون [2] وسبك المركب، فخرج وزن فضة أربعة آلاف وخمسمائة واثنتين وستين درهما، فتصدق به على ضعفاء بني هاشم [3] .
[زيادة أمر العيارين]
وفي هذه السنة: زاد أمر العيارين وكبسوا دور الناس نهارا وفي الليل بالمشاعل والموكبيات، وكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره ويستخرجونها منه بالضرب كما يفعل المصادرون، ولا يجد المستغيث مغيثا، وقتلوا ظاهرا وانبسطوا على الأتراك، وخرج أصحاب الشرط من البلد، وقتل كثير من المتصلين بهم، وعملت الأبواب، وأوثقت على الدروب، ولم يغن ذلك شيئا، وأحرقت دار الشريف المرتضى على الصراة، وقلع هو باقيها، وانتقل إلى درب جميل وكان الأتراك قد أحرقوا طاق الحراني لفتنة جرت بينهم وبين العيارين والعامة، وكان هذا الاختلاط من شهر رجب سنة خمس عشرة إلى آخر سنة ست عشرة.
[غلاء الأسعار]
وغلت الأسعار، وفي هذه السنة بيع الكر بثمانين دينارا، فخرج خلق من أوطانهم.
[تأخر ورود الحاج الخراسانية]
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج الخراسانية، فلم يحج أحد من خراسان ولا من العراق.
__________
[1] في ل: «ما يخالف الدعوة العباسية» .
[2] في الأصل: «والعامة ينظرون» .
[3] في الأصل: «على فقراء بني هاشم» .

(15/171)


ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3136- سابور [2] بن أردشير
[3] :
وزر لبهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة ثلاث مرات، / وكان كاتبا شديدا، وابتاع دارا بين السورين في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحمل إليها كتب العلم من كل فن، وسماها دار العلم، وكان فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد، ووقف عليها الوقوف، وبقيت سبعين سنة وأحرقت عند مجيء طغرلبك في سنة خمسين وأربعمائة، ووزر لشرف الدولة بن عضد الدولة، وكان عفيفا عن الأموال، كثير الخير سليم الباطن، وكان إذا سمع الآذان ترك ما هو فيه من الأشغال وقام إلى الصلاة، ولم يعبأ بشيء إلا أنه كان يكثر الولاية والعزل، فولى بعض العمال عكبرا فقال له: أيها الوزير كيف ترى أستأجر السمارية مصعدا ومنحدرا فتبسم وقال: امض ساكنا.
وتوفي ببغداد هذه السنة وقد جاوز السبعين [4] .
3137- عثمان [5] النيسابوري، الخركوشي [6] الواعظ:
كان يعظ الناس، وله كتاب صنفه في الوعظ من أبرد الأشياء، وفيه أحاديث كثيرة موضوعة، وكلمات مرذولة لكنه قد كان فيه خير. دخل على القادر في سنة ست وتسعين وثلاثمائة، فوقف بين يديه وقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لكل إمام دعوة مستجابة» [7] فإن رأى أمير المؤمنين أن يخصني في هذا اليوم بدعوة، فقال له: بارك الله عليك وفيك.
وكان له حشمة عظيمة ومحلته حمى يلجأ عليه وكان محمود بن سبكتكين إذا رآه
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 154، والبداية والنهاية 12/ 19) .
[4] في ص، ل: «وقد قارب السبعين» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 154، والبداية والنهاية 12/ 19) .
[7] في ص، ل: «لكل إمام دعوة مجابة» .

(15/172)


يقوم له ويستقبله إذا قصده، فدخل عليه محمود [1] يوما وقال له: قد ضاق صدري كيف قد صرت تكدى؟ فقال: كيف؟ قال: بلغني أنك تأخذ أموال الضعفاء وهذا هو الكدية، وكان محمود قد سقط على أهل نيسابور شيئا فكف عن ذلك. ووقع بنيسابور جرف فأخذ يغسل الموتى (ويواريهم) [2] فغسل عشرة آلاف.
3138- محمد [3]- بن الحسن بن صالحان أبو منصور
[4] :
/ وزر لشرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة ثم لأخيه بهاء الدولة وكان يحب الخير والعلماء ويميل إلى العدل ويفضل على الناس وإذا سمع الأذان ترك شغله ونهض لأداء الفرض وكان له مجلس نظر يحضر أهل العلم وكان يعطى العلماء والشعراء وتوفي ببغداد في رمضان هذه السنة عن ست وسبعين سنة. وكان أبو علي إسماعيل الموفق يخلف أبا منصور فأتاه بشر بن هارون النصراني فقال له: إني قد هجوت الوزير أبا منصور بأبيات فيها:
قالوا مضيت إلى الوزير ... فقلت بنظر أم الوزير
يلقى الكرام نعم وأما ... ذا فيلقى جوف بئر
فقال: لو سمعها منك لحمدت أمرك معه، فقال: ما عليك إن أنشدتها إياه، قال:
ما تؤثر، قال: مائة درهم وعشرة أقفزة حنطة [5] ، فدخل على الوزير وقال له: قد أنعمت على بما تقصر شكري عنه وقد حسدني [قوم] [6] على قربي منك، وقالوا أبياتا على لساني فيك فأخاف أن تصدق ذلك إذا سمعته، فقال: لا تخف فما الأبيات؟ فأنشده إياه فضحك وخرج فكتب له أبو علي بالدراهم والحنطة على وكيله فدافعه، فكتب إليه:
__________
[1] «محمود» : ساقطة من ل.
[2] «يواريهم» : ساقطة من ص.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 153، والبداية والنهاية 12/ 19) .
[5] في الأصل: «وعشرة أقفزة حنطة» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/173)


أيها السيد الكريم الجليل ... هل إلى نظرة إليك سبيل
فأناجيك باشتكاء وكيل ... ليس حسبي وليس نعم الوكيل
3139- مشرف الدولة [1] ، أبو علي بن بهاء الدولة:
أصابه مرض حاد فتوفي لثمان بقين من ربيع الأول عن ثلاث وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما، وكانت مدة إمارته خمس سنين وشهرا وخمسة وعشرين يوما.
__________
[1] بياض في ت.

(15/174)


ثم دخلت سنة سبع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] : /
[ورود الأصفهلارية إلى بغداد]
إن الأصفهلارية وردوا إلى بغداد، فراسلوا العيارين وكانوا قد كثروا بالانصراف عن البلد، فلم يلتفتوا إلى هذه المراسلة وخرجوا إلى مضارب الأصفهلارية [2] وصاحوا وشتموا، ووقعت حرب طول النهار وأصبح الجند على غيظ وحنق، فلبسوا السلاح وضربوا الدبادب كما يفعل في الحرب، ودخلوا الكرخ ووقعت النار فاحترق من الدقاقين إلى النحاسين وبعض باب المساكين وسائر الأبواب التي كانوا يتحصنون بها، ونهبت الكرخ في هذا اليوم وهو يوم الأحد لعشر بقين من المحرم، وأخذ الشيء الكثير من القطيعة ودرب رياح، وفيه كانت دار أبي يعلى ابن الموصلي رئيس العيارين، وأخذ من درب أبي خلف الأموال خص بها من دار ابن زيرك البيع، وقلعت الأبواب من درب عون وسائر أسواق الكرخ السالمة من الحريق، وأصبح الناس في اليوم الثالث على خطة صعبة، وكان ما انتهبه العوام من غير أهل الكرخ أكثر مما نهبه الأتراك [3] ، ومضى المرتضى مستوحشا مما جرى إلى دار الخليفة فانحدر الأصفهلارية [4] ، وسألوا التقدم إليه بالرجوع، فخلع عليه ثم تقدم إليه بالعود، ثم حفظت المحال واشيعت المصادرات، وقرر على الكرخ مائة ألف دينار.
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص: «مضارب الاصفسلارية» .
[3] في الأصل: «مما نهبه العوام الأتراك» .
[4] في ص، ل: «الاصفهسارية» .

(15/175)


وفي ربيع الآخر: شهد أبو عبد الله الحسين [1] بن علي الصيمري عند قاضي القضاة ابن أبي الشوارب [2] بعد أن استتابه عما ذكر عنه من الاعتزال.
وفي شهر رمضان: انقض كوكب عظيم الضوء كان له دوى كدوي الرعد.
وجاء في هذه السنة [3] برد لم يعهد مثله منذ يوم الثلاثاء سلخ شوال وإلى يوم الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة على الدوام، وجمد الماء طول هذه المدة ثخينا حتى في حافات دجلة والأنهار الواسعة، وأما/ السواقي ومجاري الماء فإنها كانت تجمد طولا وعرضا، وقاسى الناس من هذا شدة، وامتنع كثير منهم من التصرف والحركة، وتأخرت الزيادة [4] في دجلة والفرات، وامتنع المطر فوقفت العمارة، فلم يزرع في السواد إلا القليل.
[اعتقال جلال الدولة أبا سعد بن ماكولا وزيره]
وفي هذه السنة [5] : اعتقل جلال الدولة أبا سعد بن ماكولا وزيره [6] ، واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا [7] .
وتأخر الحاج الخراسانية في هذه السنة، وبطل الحج من خراسان والعراق.
ذكر من توفي في هذه السنة [8] من الأكابر
3140- أَحْمَدُ [9] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن مُحَمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، أبو الحسن القرشي الأموي
[10] :
__________
[1] في ص: «أبو عبد الله الحسين» .
[2] في الأصل: «ابن أبي الفواس» .
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «وتأخرت عن الزيادة» .
[5] بياض في ت.
[6] في جميع الأصول: «ماكولة زيره» . خطأ.
[7] في جميع الأصول: «أبا علي بن ماكولة» وهو خطأ.
[8] بياض في ت.
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 47، والبداية والنهاية 12/ 20) .

(15/176)


ولي قضاء البصرة قديما ثم قضاء القضاة بعد أبي محمد بن الأكفاني في ثالث من شعبان سنة خمس وأربعمائة، ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته، وكان عفيفا نزها، وقد سمع من أبي عمر الزاهد، وعبد الباقي بن قانع إلا أنه لم يحدث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال:
إن المتوكل دعا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأحمد بن المعدل، وإبراهيم التيمي من البصرة وعرض على كل [واحد] [1] منهم قضاء القضاة، فاحتج محمد بن عبد الملك بالسن العالية وغير ذلك، واحتج أحمد بن المعدل بضعف البصر وغير ذلك، وامتنع إبراهيم التيمي، فقال: لم يبق غيرك، وجزم عليه فولي فنزل حال إبراهيم التميمي عند أهل العلم، وعلت حالة الآخرين.
قال أبو العلاء: فيرى الناس أن بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده فولى منهم أربعة وعشرون قاضيا منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة، وآخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة وشرفا.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، قال: كان بيني وبين القاضي أبي الحسن ابن أبي الشوارب بالبصرة أنس كثير وامتزاج شديد حتى كان يعدني ولدا وأعده والدا، فما علمت له سرا قط أو ظهر عليه ما استحيى منه، وكان بالبصرة رجل من وجوهها واسع الحال كثير المال جدا يعرف بابن نصر بن عبدويه، فقال لي، وقد دخلت عليه عائدا [له] [2] في علة الموت في صدري سر، وأريد اطلاعك عليه، لما ولى القاضي أبو الحسن بن أبي الشوارب القضاء بالبصرة في أيام بهاء الدولة، وكان بيني وبينه من المودة ما شهرته تغنى عن ذكره مضيت إليه، وقلت له: قد علمت أن هذا الأمر الّذي تقلدتا يحتاج فيه إلى مؤن كثيرة وأمور لا يقدر عليها، وقد أحضرتك مائتي دينار وتعلم أنني ممن لا يطلب قضاء ولا شهادة ولا بيني وبين أحد خصومة احتاج إليها في الترافع إليك، وإن حدث بي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/177)


حدث اقتضى الترافع إليك فباللَّه عليك إلا حكمت عليّ [في ذلك] [1] فما يجب على يهودي لو كان في موضعي، واسألك أن تقبض مني هذه الدنانير تستعين بها على أمرك، فان قبلتها بسبب المودة التي بيننا فأنت في حل منها في الدنيا والآخرة، وإن أبيت [2] قبولها على هذا الوجه، فهي قرض لي عليك، فقال: اعلم أن الأمر كما ذكرته وو الله إني لمحتاج إليها، ولكن لا يراني الله قبلت إعانة على هذا الأمر، واسألك باللَّه إن أطلعت أحدا على هذا السر ما دمت في الدنيا، فو الله ما ذكرت لأحد قبل هذا الوقت.
قال ابن حبيب: ومات من يومه ذلك، توفي ابن أبي الشوارب في شوال هذه السنة.
3141- إبراهيم [3] بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب، أبو القاسم الدلال:
سمع محمد بن عبد الله الشافعي وغيره، وكان ثقة يسكن الجانب الشرقي. وتوفي في صفر هذه السنة.
3142- جعفر [4] بن بابي، أبو مسلم الختلي
[5] .
سمع ابن بطة، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفرائيني. وكان ثقة فاضلا دينا. وتوفي في رمضان هذه السنة.
3143-[عَبْد اللَّهِ [6] بن جعفر [7] ، أبو سعد ابن باكويه
[8] :
وزر لجلال الدولة أبي طاهر واعتقله ومات في اعتقاله في هذه السنة، وكان أديبا شاعرا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «وإن كرهت» .
[3] بياض في ت.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 139) .
[4] في الأصل: «جيعور» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 235، وفيه: «جعفر بن بابا أبو مسلم الجيلي والبداية والنهاية 12/ 21، وفيه «جعفر بن ابان أبو مسلم الختّليّ» .
[6] في ل: عبد الواحد، وفي ت مكانها بياض.
[7] في ت: «ابن أحمد بن جعفر» .
[8] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 417)

(15/178)


3144- عمر [1] بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه، أبو حازم الهذلي النيسابوري
[2] :
سمع إسماعيل بن نجيد، وأبا بكر الإسماعيلي وخلقا كثيرا، روى عنه محمد بن أبي الفوارس، والتنوخي، وأبو بكر الخطيب، وكان ثقة صادقا عارفا حافظا، سمع الناس بإفادته، وكتبوا بانتخابه، وتوفي في عيد الفطر من هذه السنة] [3] .
3145- عمر [4] بن أحمد بن عثمان، أبو حفص البزاز العكبري
[5] :
ولد سنة عشرين وثلاثمائة. سمع النقاش، وكان ثقة مقبول الشهادة عند الحكام، وتوفي في هذه السنة.
3146- علي بن أحمد بن عمر بن حفص، أبو الحسن المقرئ المعروف بابن [6] الحمامي:
ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وسمع أبا عمر وابن السماك، والنجاد، والخلدي، وخلقا كثيرا، وكان صدوقا دينا فاضلا حسن الاعتقاد، وتفرد بأسانيد القراءات وعلوها في وقته، وكان ينزل سوق السلاح من دار المملكة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: حدثني نصر بن إبراهيم الفقيه، قال: سمعت سليم بن أيوب الرازي، يقول: سمعت أبا الفتح بن أبي الفوارس يقول: لو رحل رجل من خراسان ليسمع كلمة من أبي الحسن الحمامي أو من أبي أحمد الفرضي لم تكن رحلته ضائعة عندنا.
توفي أبو الحسن الحمامي رابع عشرين [من] [7] شعبان هذه السنة عن تسع وثمانين سنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 272، والكامل 8/ 158، والبداية والنهاية 12/ 21) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 273) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 329، والبداية والنهاية 12/ 21) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/179)


3147- محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مشاذى، أبو الحسن الهمذاني
[1] :
أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: كتبت عنه عند رجوعه من الحج وذلك في سنة تسع وأربعمائة [2] ، وكان ثقة.
3148- محمد بن أحمد بن الحسن بن الحسن بن إسحاق، أبو الحسن [3] البزاز:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، قال: محمد بن أحمد أبو الحسن البزاز سمع بمكة من عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي، وأحمد بن محبوب الفقيه، كتبنا عنه بعد أن كف بصره، وكان ثقة، وتوفي في سنة سبع عشرة وأربعمائة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 274) .
[2] في الأصل: «سنة تسع وأربعين وأربعمائة» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 290) .

(15/180)


ثم دخلت سنة ثمان عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث [1] فيها:
أنه في آخر نهار الخميس العاشر من ربيع الآخر [2] جاء برد كبار بنواحي قطربُّل والنعمانية والنيل، وأثر في غلات هذه النواحي، / وقتل كثيرا من الوحش والغنم، وقيل: إنه كان في البردة منه ما وزنه رطلان وأكثر.
وجاء في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من هذا الشهر في مدينة السلام برد كبير، كقدر البيض واكبر] [3] بعد مطر متصل.
وورد الكتاب من واسط بانه سقط من البرد ما كان وزن الواحدة منه أرطالا فهلكت الغلات ولم يصح منها إلا الأقل.
وفي ربيع الآخر: قصد الأصفهلارية [4] والغلمان دار الخليفة، وراسلوه بأنك أنت مالك الأمور، وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة تقديرا منا أنه ينظر في أمورنا، فأغفلنا فعدلنا إلى أبي كاليجار ظنا منه أنه يحقق ما يعدنا به، فكنا على أقبح من الحالة الأولى ولا بد لنا من تدبير أمورنا، فخرج الجواب بأنكم أبناء
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «من ربيع الأول» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «الاصفهسلارية» .

(15/181)


دولتنا، وأول ما نأمركم به أن تكون كلمتكم واحدة، وبعد فقد جرى الأمر من عقد الأمر لأبي طاهر ثم نقضه ثم ساعدناكم عليه، وفيه قبح علينا وعليكم، ثم عقدتم لأبي كاليجار عقدا لا يحسن حله من غير روية ولبنى بويه في رقابنا عهود لا يجوز العدول عنها والوجه أن تدعونا [حتى] [1] نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده، ثم كوتب أنك إن لم تتدارك الأمر خرج عن اليد، ثم آل الأمر إن عادوا وسألوا التقدم بالخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وأقيمت الخطبة له.
[كتابة الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند]
وكتب الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند وكسره الصنم المعروف بسومنات، وكان في كتابه أن أصناف الخلق افتتنوا بهذا الصنم، وربما اتفق برؤ عليل يقصده، وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويتقربون إليه بالأموال الكثيرة حتى بلغت أوقاته عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع، وامتلأت خزانته بالأموال، ورتب له ألف رجل للمواظبة على خدمته وثلاثمائة يحلقون حجيجه [2] وثلاثمائة [وخمسون] [3] يرقصون ويغنون على باب الصنم، وقد كان العبد يتمنى قلع هذا الوثن فكان يتعرف الأحوال فتوصف له المفاوز/ إليه وقلة الماء واستيلاء الرمل على الطرق، فاستخار العبد الله عز وجل [4] في الانتداب لهذا الواجب ومثل في فهمه أضعاف المسموع من المتاعب طلبا للثواب الجزيل.
[نهوض العبد في ثلاثين ألف فارس]
ونهض العبد في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس اختارهم سوى المطوعة ففرق العبد في المطوعة خمسين ألف دينار ليستعينوا على أخذ الأهبة، ثم مضى العبد في مفازة أصعب [5] مما وصف، وقضى الله سبحانه الوصول إلى بلد الصنم، وأعان حتى ملك البلد، وقلع الوثن وأوقدت عليه النار [6] حتى تقطع وقتل خمسون ألف من سكان البلد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «يخدمون حجيجة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ل: «العبد الله تعالى» .
[5] في الأصل: «مضى في مصائب أصعب» .
[6] في الأصل: «أوقد عليه النار» .

(15/182)


وفي يوم السبت ثالث رمضان: دخل جلال الدولة إلى دار المملكة بعد أن خرج الخليفة ليلقيه [1] قبل ذلك بساعة، فاجتمعا في دجلة ونزل الخليفة من داره في الطيار بين سرادقين مضروبين ومعه الأمير أبو جعفر وأبو الحسن علي بن عبد العزيز، والمرتضى أبو القاسم الموسوي، ونظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي، والمصطنع أبو نصر منصور بن رطاس [2] الحاجب، وانحدر إلى أن قرب من مضرب الملك جلال الدولة، فخرج [إليه في زبزبه] [3] وصعد فقبل الأرض دفعات، وجلس بين يديه على كرسي طرح له، وسأله عن أخباره وعرفه أنه بقرب داره، فشكر ودعا وعاد إلى الزبزب فوقف فيه فتقدم إليه الخليفة بالجلوس فجلس وتبع الطيار على سبيل الخدمة إلى أن عبر إلى درجة دار الخليفة، وصعد الملك من الزبزب وجلس في خيمة لطيفة ضربت له على شاطئ دجلة بقرب قصر عيسى، ثم مضى إلى دار المملكة وتقدم/ بأن يضرب له الطبل على بابها في أوقات الصلوات الخمس على مثل ما كان سلطان الدولة فعله عند وروده وغيره مشرف الدولة بعده ورده إلى الرسم وهو في أوقات الصلوات الثلاث وعلى ذلك جرت العادة [4] في أيام عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها، فثقل ما فعله على الخليفة لأنه مساواة له وراسل في معناه، فاحتج بما فعله سلطان الدولة، فقيل ذلك على غير أصل ومن غير إذن، ولم تجر العادة بمماثلة الخليفة في هذا الأمر، ثم تردد الرسائل ما انتهى إلى أن قطع الملك ضرب الطبل في الواحدة، فأذن الخليفة في ضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس.
[حلف جلال الدولة لجنوده على الوفاء والصفاء]
وفي هذه السنة [5] : حلف جلال الدولة لجنوده على الوفاء والصفاء، وحلف لأمير المؤمنين أيضا على المخالصة والطاعة.
وفي يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال وهو التاسع والعشرين من تشرين الثاني:
هبت ريح من الغرب باردة، ودام البرد إلى يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة، فجاوز العادة
__________
[1] في الأصل: «خرج الخليفة لتلقيه» .
[2] في الأصل: «منصور بن طاس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «جرت الحال» .
[5] بياض في ت.

(15/183)


وجمدت منه حافات دجلة، وجمد الخل والنبيذ وأبوال الدواب، ورئيت ناعورة قد وقفت لجمود الماء وقد صار الماء في أنقابها كالعمود.
وقلد أبو طاهر بن حماد واسطا والبطيحة، ولقب عميد الحضرة ذا الرتبتين.
وفي هذه السنة [1] : زاد الأمر في نقض دار معز الدولة بباب الشماسية، وكان معز الدولة قد بنى هذه الدار بناء صرف إليه عنايته، فعظم المجالس، وفخم البناء، ووصل/ بها من الإصطبلات ما يسع الوفا من الكراع، وجعل على كل إصطبل بابا من حديد وأنفق عليها اثنى عشر ألف ألف درهم قيمتها ألف ألف دينار، سوى ما كان يجلب من معادن الجص والنورة والإسفيذاج، ولم يعمل من مسناتها إلا البعض لأنه أراد أن يصل المسناة بمسناة دار الصيمري، فعاجلته المنية، فلما توفي جعلها ولده عز الدولة دار الموكب، وكان لا يحضرها إلا عند البروز للعسكر، وكانت داره التي ينزلها الدار الغربة التي كانت للمتقي للَّه، وتجددت دولة بعد دولة ودار المعز مهجورة، فلما عمر بهاء الدولة داره بسوق الثلاثاء التي كانت معروفة بمونس فسح في أخذ شيء من آجر الإصطبلات، فدب الخراب فيها، وبعث بهاء الدولة لقلع السقف الساج المذهب من بيت المائدة، وكانت قد أنفقت عليه أموال عظيمة فحمله إلى مهرويان ليحوله إلى دار المملكة بشيراز، فلم يتم ذلك وبقي موضعه، فهلك، وبذل، في ثمنه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار، فلم يقبل الرجل [2] ، ثم امتدت يد الجند إلى أخذ آجرها، ثم أقيم من ينقضها ويبيع آلاتها.
وتأخر في هذه السنة الحاج الخراسانية، ولم يحج من خراسان والعراق أحد من الناس.
ذكر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3149- أَحْمَدُ [4] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو عبد الله الشاهد
[5] :
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «فلم يقبل الوكيل» .
[3] بياض في الأصل.
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 23) .

(15/184)


خطب في جامع المنصور في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وكان يخطب خطبة واحدة كل جمعة لا يغيرها، وإذا سمعها منه الناس ضجوا بالبكاء وخشعوا/ لصوته.
توفي في هذه السنة.
3150- الحسين [1] بن علي بن الحسين، أبو القاسم المغربي الوزير
[2] :
ولد بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة وهرب منها حين قتل صاحبها أباه وعمه، وقصد مكة ثم الشام ثم بغداد فوزر لمشرف الدولة [3] بعد أبي على الرخجي، وكان كاتبا عالما يقول الشعر الحسن، ثم وزر بعد ذلك لابن مروان بديار بكر ومات عنده، قال أبو غالب بن بشران الواسطي: رويت له أن بعض الحكماء قال لبنيه: تعلموا العلم فلأن يذم الزمان لكم خير من أن يذم بكم، ففكر ساعة وكتب:
ولقد بلوت الدهر أعجم صرفه ... فأطاع لي عصيانه ولسانه [4]
ووجدت عقل المرء قيمة نفسه ... وبجده جدواه، أو حرمانه
فإذا جفاه المجد عيبت نفسه ... وإذا جفاه الجد عيب زمانه
ومن شعره المستحسن ما أنبأنا به أبو القاسم السمرقندي، قال: أنشدنا أبو محمد التميمي للوزير أبي القاسم المغربي:
وما ظبية أدماء تحنو على الطلا ... ترى الإنس وحشا وهي تأنس بالوحش
غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه ... فلم تلق شيئا من قوائمه الحمش
فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت ... سباع الفلا ينهشنه أي ما نهش
/ بأوجع منى يوم ظلت أنامل ... تودعني بالدر من شبك النقش
وأجمالهم تمشى [5] وقد خيل الهوى ... كأن مطاياهم على ناظري تمشي
وأعجب ما في الأمر إن عشت بعدهم ... على أنهم ما خلفوا في من بطش
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 23) .
[3] في الأصل: «فوزر لشرف الدولة» .
[4] في ص، ل: «عصيانه وليانه» .
[5] في ل: «وأجمالهم تحدي» .

(15/185)


وكان المغربي إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، والنحوي سأله عن الفرائض أو الشاعر سأله عن القرآن قصدا ليسكتهم، فدخل عليه شيخ معروف فسأله عن العلم، فقال: ما أدري ولكني رجل يودعني الغريب الذي لا أعرفه الأموال العظيمة، ويعود بعد سنين وهي بختومها فأخجله بذلك وآل الأمر [1] إلى أن زار رجلا من الصالحين المنقطعين إلى الله تعالى، فقال: لو صحبتنا لنستفيد منك وتستفيد منا، فقال: ردني عن هذا قول الشاعر:
إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيت بدونها
فأنا اكتفي بعيشي هذا، فقال: يا شيخ ما هذا بيت شعر هذا بيت مال، ثم قال:
اللهم أغننا كما أغنيت هذا الشيخ، واعتزل السلطان فقيل له: لو تركت المناصب في عنفوان شبابك، فقال:
كنت في سفرة البطالة والجهل ... زمانا فحان مني قدوم
تبت من كل مأثم فعسى يمحي ... بهذا الحديث ذاك القديم
بعد خمس وأربعين لقد ما ... طلت إلا أن الغريم كريم
ولما أحس بالموت كتب كتابا إلى من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين من ديار بكر والكوفة يعرفهم أن حظية له توفيت، وإن تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه ويخفره، وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته، وأن ينطوي خبره فتم له ذلك.
وتوفي في رمضان بميافارقين عن ست وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن هناك.
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا عبد المحسن بن محمد قال: حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال: حدثني الأمير منتخب الملل قال: كان ابن المغربي مختفيا بالقاهرة والسلطان يطلب دمه، وكان بمصر صبي أمرد مما انتهى الحسن إليه في
__________
[1] في الأصل: «وآل أمره» .

(15/186)


زمانه، وكان يشتهي أن يراه، فخبر أنه يسبح في الخليج، فخرج وغرر بنفسه، ونظر إليه فقال:
علمت منطق حاجيه والين عشر رأيته ... وعرفت آثار النعيم بقبلة من عارضيه
ها قد رضيت من الحياة بأسرها نظري إليه ... ولقد أراه في الخليج يشقه من جانبيه
والموج مثل السيف وهو فرنده في صفحتيه ... لا تشربوا من مائه أبدا ولا تردوا عليه
قد ذاب منه السحر من حركاته وحنيته ... مكانه في الموج قلبي بر شواقي إليه]
[1]
3151- محمد [2] بن إسحاق ابن الطل [3] ابن وائل، أبو بكر الأزدي [4] الأنباري:
سمع أحمد بن يعقوب القرنجلي.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب، قال: حدثني الصوري أنه سمع منه بالأنبار في سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ومات في تلك السنة.
3152- مُحَمَّد [5] بن الحسين بن إبراهيم بن محمد، أبو بكر الوراق ويعرف بابن الخفاف
[6] :
حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي وغيره.
أَخْبَرَنَا القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] [7] أَحْمَد بن علي الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسين [8] الخفاف، عن جماعة كثيرة لا تعرف ذكر أنه كتب عنهم في السفر، وكان غير ثقة لا شك أنه كان يركب الأحاديث ويضعها على من يرويها عنه، ويختلق أسماء وأنسابا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ل. وجاء في ت بعد نهاية ترجمة محمد بن إسحاق ابن الطل: «تقدم إلى ترجمة الوزير المغربي» وأثبت ما بين المعقوفتين.
[2] بياض في ت.
[3] في ت: «ابن المطلب» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 262) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 250، البداية والنهاية 12/ 23) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في ص، ل: «حدثنا محمد بن الحسين» .

(15/187)


عجيبة، وعندي عنه من تلك الأباطيل أشياء، وكنت عرضت بعضها علي هبة الله بن الحسن الطبري، فخرق كتابي بها وجعل يعجب مني كيف أسمع منه.
توفي الخفاف في ذي الحجة من هذه السنة.
3153- هبة الله [1] بن الحسن [2] بن منصور، أبو القاسم الرازي طبري الأصل ويعرف باللالكائي
[3] :
سمع عيسى بن علي بن عيسى الوزير، والمخلص، وخلقا كثيرا. ودرس الفقه على مذهب الشافعيّ عند أبي حامد الأسفراييني، وكان يفهم ويحفظ، وصنف كتبا وأدركته المنية قبل أن ينتشر عنه شيء، فتوفى بالدينور في رمضان هذه السنة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني علي بن الحسين بن جداء العكبري، قال: رأيت أبا القاسم الطبري في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال:
غفر لي، قلت: بماذا؟ فكأنه قال كلمة خفية بالسنة.
3154- أبو القاسم [4] بن القادر باللَّه
[5] : توفي ليلة الأحد لليلة خلت من جمادى الآخرة، وصلى عليه أخوه أبو جعفر، ومشى الناس بين يدي جنازته من رأس الجسر إلى التربة بالرصافة، وأعاد الصلاة عليه أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر، وقطع ضرب الطبل في دار الخلافة أياما لأجل المصيبة، ولحق الخليفة عليه من الحزن أمر عظيم.
3155- أبو الحسن [6] ابن طباطبا الشريف
[7] :
له شعر مليح، ومنه أن رجلا كتب إليه، فأجابه على ظهر رقعته فقال:
وقرأت الذي كتبت وما زال ... نجيي ومؤنسي وسميري
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ت: «ابن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 71، والكامل 8/ 163، والبداية والنهاية 12/ 24) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 24) .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 163، والبداية والنهاية 12/ 24) .

(15/188)


وغدا الفال بامتزاج السطور ... حاكما بامتزاجنا في الضمير
واقتران الكلام لفظا وخطا ... شاهد باقتران [1] ود الصدور
وتبركت باجتماع الكلامين ... رجاء اجتماعنا في سرور
وتفاءلت بالظهور على الواشي ... فصارت إجابتي في الظهور
توفي في ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله.
__________
[1] في ص: «شاهد بافتراق» .

(15/189)


ثم دخلت سنة تسع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الغلمان اجتمعوا يوم الأحد ثاني عشر المحرم، وتحالفوا على اتفاق الكلمة، وأخرجوا الخيم، وأخرجوا أكابر الأصفهلارية [2] معهم، فخرجوا يوم السبت ثامن عشر المحرم، ثم أنفذوا يوم الأحد جماعة إلى دار الخلافة برسالة يقولون فيها: نحن عبيد أمير المؤمنين، وهذا الملك متوفر على لذاته لا يقوم بأمورنا ونريد أن توعز إليه [3] بالعود إلى البصرة، وإنفاذ ولده ليقيم بيننا نائبا عنه في مراعاتنا، فأجيبوا ووعدوا بمراسلة جلال الدولة، وأنفذ إليه المرتضى، وأبو الحسن الزينبي، وأبو نصر المصطنع برسالة تتضمن ما قالوه، فقال: كل ما ذكروا من إغفالنا لهم صحيح، ونحن معتذرون عفا الله عما سلف، ونحن نستأنف الطريقة التي تؤدى إلى مرادهم، فلما بلغهم ذلك، قالوا:
فإذا نحن مطيعون إلا أننا نريد ما وعدنا به عاجلا قبل دخولنا إلى منازلنا، ثم تقرر القواعد بعد ذلك، وأخرج من المصاغ والفضة أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، وباكروا فنهبوا دار الوزير [أبي علي] [4] بن ماكولا وبعض دور الأصحاب والحواشي، وعظمت الفتنة وخرقت الهيبة [5] ، ومد أقوام أيديهم إلى دور العوام، ووكلوا جماعة منهم بأبواب
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «الإصفهسلارية» .
[3] في ص: «أن توعز علينا» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ل: «وعظمت الفتنة وحرجت» .

(15/190)


دار المملكة، ومنعوا من دخول الطعام والماء، فضاق الأمر على من في الدار حتى أكلوا ما في البستان، وشربوا من الآبار، فخرج الملك ودعا قوما من الموكلين بالأبواب فلم يأتوا فكتب رقعة إلى الغلمان: بأني أرجع عن كل ما أنكرتموه وأعطيكم، فقالوا أعطيتنا ملء بغداد لم تصلح لنا ولم نصلح لك، فقال: إذ كرهتموني فمكنوني من الانحدار، واستقر الأمر على انحداره وابتيع له زبزب شعث، فقال: يكون نزولي بالليل، فقالوا، لا بل الآن، والغلمان يرونه قائما فلا يسلمون عليه، ويدعوهم فلا يجيبونه، فحمل قوم من الغلمان على السرادق فظن أنهم يريدون الحرم، فخرج وفي يده طبر وقال: قد بلغ الأمر إلى الحرم، فقال بعضهم: أرجع إلى دارك فإنك ملكنا، وصاحوا: جلال الدولة يا منصور، وانتضيت السيوف وترجلوا وقبلوا الأرض وأخرج المصاغ/ حتى حلي النساء فصرفه إليهم [1] ، واخرج الثياب والفروش والآلات الكثيرة، فلم يف ببعض المقصود، ثم اجتمعوا عند الوزير وهموا بقتله، فقال: لا ذنب له وأخرجت الآلات فبيعت، وكان فيها كيس وسفرة وطست.
وقد ذكرنا ما جرى على النخل في السنة الماضية من البرد والريح، فلما جاءت هذه السنة عدم الرطب إلا ما يجلب من بعد، فبيع كل ثلاثة أرطال بدينار جلالي، واشتد البرد فجمدت حافات دجلة، ووقفت العروب بعكبرا عن الدوران لجمود ما حولها، وهلك ببغداد من النخل عشرات ألوف.
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج من خراسان، وبطل الحج من العراق والبصرة وتأخر عنه أهل مصر، ومضى قوم من خراسان إلى مكران فركبوا في البحر من هناك إلى جدة فحجوا.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3156- الحسين [3] بن الحسن [4] بن يحيى، أبو عبد الله العلويّ ويعرف بالنهرسابسي
[5] :
__________
[1] في الأصل: «فدفعه اليهم» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في ت: «ابن الحسين» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 34) .

(15/191)


كتب عنه أبو بكر الخطيب، وكان صدوقا، قال: وسألته عن مولده، فقال: ولدت بالكوفة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ومات بواسط في جمادي الآخرة من هذه السنة.
3157- حمزة [1] بن إبراهيم، أبو الخطاب
[2] :
اتصل ببهاء الدولة بعلمه النجوم، وبلغ منزلة [3] لم يبلغها أمثاله، وكان الوزراء يتبعونه، وحمل إليه فخر الملك ابن خلف لما فتح قلعة سابور مائة ألف دينار، فاستقلها وعاتبه فآل أمره إلى أن مات بكرخ سامرا غريبا مفلوجا، وذهب ماله وجاهه.
3158- محمد [4] بن محمد بن إبراهيم بن مخلد، أبو الحسن التاجر
[5] :
سمع إسماعيل بن محمد الصفار، ومحمد بن عمر الرزاز [6] ، وعمر بن الحسن الشيباني [7] ، وهو آخر من حدث عنهم، وسمع أبا عمرو ابن السماك، وأحمد بن سليمان النجاد، وجعفر الخلدي وغيرهم، ولم يكن بقي أعلى إسنادا منه وكانت له معرفة [8] بشيء من الفقه، وكان ذا حال ونعمة، وعرضت عليه الشهادة فأباها، وأشفق من المصادرة فخرج إلى مصر فأقام بها سنة [9] ، ثم عاد فالزم في التقسيط على الكرخ الذي وقع في سنة سبع عشرة ما أفقره حتى أنه توفي في ربيع الأول من هذه السنة ولم يكن عنده كفن، فبعث القادر باللَّه أكفانه من عنده.
3159- مبارك [10] الانماطي
[11] :
كان له مال عظيم وجاه كثير، فتوفي بمصر وخلف ما يزيد على ثلاثمائة ألف دينار، فترك جميع ذلك على بنت كانت له ببغداد.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .
[3] في ص، ل: «ونزل منزلة لم يبلغها» .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 231، والكامل 8/ 169، والبداية والنهاية 12/ 25) .
[6] في ت: «بن عمر الررار» .
[7] في ص: «عمر بن الحسين الشيناني» .
[8] في الأصل: «وكان له معرفة» .
[9] «سنة» : ساقطة من ص.
[10] بياض في ت.
[11] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .

(15/192)


3160- أبو الفوارس [1] بن بهاء الدولة
[2] :
توفي بكرمان، فنادى أصحابه بشعار ابن أخيه أبي كاليجار، وكان أبو الفوارس ظالما، كان إذا سكر ضرب أصحابه [3] ، وضرب وزيره في بعض الأيام مائتي مقرعة وأحلفه بالطلاق أنه لا يتأوه ولا يخبر بذلك [4] أحدا، فقيل إن حواشيه سموه ودفنوه بشيراز.
3161- محمد [5] باشاذ
[6] .
وزر لأبي كاليجار فلقبه معز الدين [7] ، فلك الدولة، سيد الأمة، وزير الوزراء، عماد الملك، ثم سلم إلى جلال الدولة أبي طاهر فاعتل ومات [8] .
3162- أبو عبد الله [9] بن التبان
[10] :
المتكلم، توفي في هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .
[3] في ص، ل: «كان إذا شرب ضرب أصحابه» .
[4] في الأصل: «ولا يقول بذلك» .
[5] بياض في ت.
[6] في الأصل، ت: «محمد بن عبد الملك باشاذ» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25، وفيه: «أبو محمد بن الساد» .
[7] في الأصل: «فلقبه بعز الدين» .
[8] في ل: «ما اعتقل ومات» .
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 25) .

(15/193)


ثم دخلت سنة عشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[انحدار ذو البراعتين إلى البصرة واليا عليها]
أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة/ واليا عليها في محرم هذه السنة.
وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر: بأن مطرا ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار، في بردة أرطال، وذكر أنه ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل، وارتفعت بعده ريح سوداء فقلعت كثيرا من أصول الزيتون العاتية العتيقة، وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها علي بعد، وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور، وقلعت الريح سقف مسجد الجامع [2] ببعض القرى، وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين، ووجدت بردة عظيمة الحجم [3] يزيد وزنها على مائة رطل، فحزرت بمائة وخمسين رطلا، وكانت كالثور النائم، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع.
وورد إلى الخليفة كتاب من الأمير يمين الدولة أبي القاسم محمود وكان فيه سلام على سيدنا ومولانا الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين، فإن كتاب العبد صدر من معسكره بظاهر الري غرة جمادى الآخر سنة عشرين، وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «سقف المسجد الجامع» .
[3] في الأصل: «بردة عظيمة الجرم» .

(15/194)


وطهرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة، وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال في ما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال، وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار، وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم/ بالدعاء إلى كفرهم فيها يختلطون بالمعتزلة المبتدعة والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة يتجاهرون بشتم الصحابة [1] ويسرون اعتقاد الكفر [2] ومذهب الإباحة، وكان زعيمهم رستم بن علي الديلمي، فعطف العبد عنانه بالعساكر فطلع بجرجان وتوقف بها إلى انصراف الشتاء، ثم دلف منها إلى دامغان [3] ، ووجه عليا لحاجب في مقدمة العسكر إلى الري، فبرز رستم بن علي من وجاره على حكم الاستسلام والاضطرار، فقبض عليه وعلى أعيان الباطنية من قواده.
وطلعت الرايات أثر المقدمة بسواد الري غدوة الاثنين السادس عشر من جمادي الأولى، وخرج الديالمة معترفين بذنوبهم شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم، فرجع إلى الفقهاء في تعرف أحوالهم، فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون في أهل الفساد مستمرون على العناد، فيجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جناياتهم [4] ، وان لم يكونوا من أهل الإلحاد فكيف واعتقادهم في مذاهبهم ولا يعدو ثلاثة أوجه تسود بها الوجوه في القيامة [5] التشيع والرفض والباطن، وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يعرفون شرائط الإسلام، ولا يميزون بين الحلال والحرام، بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة، ويعتقدون ذلك ديانة، والأمثل منهم يتقلد مذهب الاعتزال، والباطنية منهم لا يؤمنون باللَّه عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنهم يعدون جميع الملل مخاريق الحكماء، ويعتقدون مذهب الإباحة في الأموال/ والفروج والدماء [6] وحكموا بأن رستم بن علي
__________
[1] في الأصل: «يتجاهرون بشتم الصحابة» .
[2] في ص، ل: «ويرون اعتقاد الكفر» .
[3] في الأصل: «دلف إلى الدامغان» .
[4] في الأصل: «والنفي على الغارة على مراتب جناياتهم» .
[5] في الأصل: «الوجوه في القيمة» .
[6] «والدماء» : ساقطة من ص.

(15/195)


كان يظهر التستر ويتميز به عن سلفه إلا أن في حبالته زيادة على خمسين امرأة من الحرائر ولدن ثلاثة وثلاثين نفسا من الذكور والإناث، وحين رجع إليه في السؤال عن هذه الحال، وعرف أن من يستجيز مثل هذا الصنيع مجاوز كل حد في الاستحلال ذكر أن هذه العدة من النساء أزواجه، وأن أولادهن أولاده، وأن الرسم الجاري لسلفه [في ارتباط الحرائر] [1] كان مستمرا على هذه الجملة، وأنه لم يخالف عاداتهم في ارتكاب هذه الخطة، وأن ناحية من سواد الري قد خصت بقوم من المزدكية يدعون الإسلام بإعلان الشهادة، ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة والصوم والغسل وأكل الميتة، فقضى الانتصار لدين الله [تعالى] [2] بتميز هؤلاء الباطنية عنهم، فصلبوا على شارع مدينة طالما تملكوها غصبا واقتسموا أموالها نهبا، وقد كانوا بذلوا أموالا جمة يفتدون بها نفوسهم، فعرفوا أن الغرض نهب نفوسهم دون العرض وحول رستم بن علي [وابنه] [3] وجماعة من الديالمة إلى خراسان، وضم إليهم أعيان المعتزلة والغلاة من الروافض ليتخلص الناس من فتنتهم، ثم نظر فيما اختزنه [4] رستم بن علي بن الأثاث فعثر من الجواهر ما يقارب خمسمائة ألف دينار، ومن النقد على مائتين وستين ألف دينار، ومن الذهبيات والفضيات على ما بلغ قيمة ثلاثين ألف دينار، ومن أصناف [5] الثياب على خمسة آلاف وثلاثمائة ثوب، وبلغت قيمة الدسوت من النسيج والخزوانيات [6] عشرين ألف دينار، ووقف/ أعيان الديلم على مائتي ألف دينار [7] ، وحول من الكتب خمسون حملا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنّها أحرقت تحت جذوع المصلبين، إذ كانت أصول البدع، فخلت هذه البقعة من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة والروافض، وانتصرت السنة فطالع العبد بحقيقة ما يسره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل، ب: «ثم نظر فيما احتجنه» .
[5] «أصناف» : ساقطة من ص.
[6] في الأصل: «الخزاثنات» .
[7] «ووقف أعيان ... ألف دينار» : ساقطة من ص.

(15/196)


وفي وقت عتمة ليلة الثلاثاء لعشر بقين من رجب انقض كوكب عظيم أضاءت منه الأرض، وكان له دوي كدوي الرعد، وتقطع أربع قطع، وانقض في ليلة الخميس بعده كوكب آخر دونه، وانقض في ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من الشهر كوكب ثالث أكبر من الأول وأكثر إضاءة وانتشار شعاع.
وفي شعبان اضطرب البلد وكثرت العملات، وكبس العيارون عدة محال منه، وضعفت رجالة المعونة.
[غار الماء في الفرات غورا شديدا]
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من هذا الشهر غار الماء في الفرات غورا شديدا، وجزرت فوهة نهر الرفيل وانقطع الماء عنه، ووقفت الأرحاء التي عليه، وتعذرت الطحون وبلغت أجرة الكارة في طحنها ثلاث دنانير كنية قيمتها دينار، وكانت الركينة نصفا من المس، ثم صارت مسا واحدة.
[جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة]
وفي هذا اليوم: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل عمله الخليفة القادر باللَّه يتضمن الوعظ وتفضيل مذهب السنة [1] ، والطعن على المعتزلة وإيراد الأخبار الكثيرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
وفي يوم الخميس/ لعشر بقين من شهر رمضان: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء الوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرأ عليهم أبو الحسن بن حاجب النعمان كتابا طويلا عمله الخليفة القادر باللَّه، وذكر فيه أخبارا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وما روي عنه في عدة أمور من الدين وشرائعه، وخرج من ذلك إلى الطعن على من يقول بخلق القرآن وتفسيقه وحكاية ما جرى بين عبد العزيز وبشر المريسي فيه، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذت في آخر الكتاب خطوط الحاضرين وسماعهم بما سمعوه.
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة: جمع القضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل جدا يتضمن ذكر أبي بكر وعمر وفضائلهما
__________
[1] في الأصل: «وتفضيل أهل السنة» .

(15/197)


ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن على من يقول بخلق القرآن، وأعيد فيه ما جرى بين بشر المريسي وعبد العزيز المكي في ذاك، ويخرج من هذا إلى الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الناس إلى بعد العتمة حتى استوفيت قراءته، ثم أخذت خطوطهم في آخره بحضورهم وسماع ما سمعوه.
وكان يخطب في جامع براثا من يذكر في خطبته مذهبا فاحشا من مذاهب الشيعة، فقبض عليه في دار الخلافة، وتقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة إلى أبي منصور [بن تمام] [1] الخطيب ليخطب بدلا عن الخطيب الذي كان مرسوما به، فلما صعد المنبر دقه بعقب سيفه، على ما جرت به العادة، والشيعة تنكر ذلك، وخطب خطبة قصر فيها عما كان يفعله من تقدمه في ذكر علي بن أبي طالب، وختم قوله بأن قال: اللَّهمّ اغفر للمسلمين، ومن زعم أن عليا مولاه، فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا وجهه، ونزل من المنبر ووقف المشايخ [2] دونه حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه وأحفظه، وخرج أمره باستدعاء الشريفين أبي القاسم المرتضى، وأبي الحسن الزينبي، [نظام الحضرتين محمد بن علي] [3] والقاضي أبي صالح، وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية [4] في هذا المعنى بما تقام الصحبة فيه فكان فيما كتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم إذا بلغ الأمر، أطال الله بقاء صاحب الجيش، إلى الجرأة على الدين وسياسة الدولة والمملكة، ثبتها الله من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية وبغير شك أنه قد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية من مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرأ الله منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان فيه يجري إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما لو كان حيا، فسمعه لقتل قائله وقد فعل مثل ذلك في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «ووقف المسالح» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «الاستهلال» .

(15/198)


الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون للَّه، ما تكاد السموات يتفطرن منه، فإنه كان في بعض ما/ يورده هذا الخطيب قبحه الله بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشري الإلهي مكلم فتية أصحاب الكهف، إلى غير ذلك من الغلو المبتدع الذي تقشعر منه الجلود، ويتحرك منه المسلمون، وتنخلع قلوبهم، ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر، فلما ظهر [1] ذلك قبض على الخطيب وأنفذ ابن تمام ليعتمد إقامة الخطبة القويمة، فأورد الرسم الذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله: اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه [الطاهرات] [2] أمهات المؤمنين،. وذكر العباس وعليا عليهما السلام، ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد إمام أئمة الهدى، وعن يساره اللهم صل على محمد الشفيع المشفع في الورى وأقام الدعوتين الجليلتين، ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه وكسر أنفه وأدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه لولا أنه كان هناك أربعة من الأتراك أيدهم الله فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك، وهذه هجمة على دين الله وفتك في شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاعة في ذكر الربوبية، والحاجة صادقة، والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها الكفرة الفجرة، وأقدموا على ما أقدموا عليه، وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البريء/ بالسقيم، وإباحة الدماء الواجب سفحها، وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن أجسادها والشد على أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك، والعمل على ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء العسكر أدام الله عزهم في يوم الجمعة الآتية ليكون الخطيب أيده الله في صحبتهم، ويجري الأمر في الخطبة الإسلامية على تقويمها، ورغم من رغم، ولا يكون ذلك إلا بعد نكاية تظهر وتعم، فإن هؤلاء الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية، وإن لم يدفع هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام وإلا هدم وذهبت هذه البقية، وله أدام الله تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة في كفاية هذا
__________
[1] «ظهر» : ساقطة من ل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/199)


المهم، وإجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد عليه إن شاء الله بعد فقد لحق تماما الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر معرفته، وقد انهتك [1] محرمه، ويحتاج أن يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الذي جنى هذه الجناية، ويتعرف من الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا، ويتعرف ذلك من حراس الدروب بعد الإرهاب الذي يعمل في مثله ويطالع بما ينتهي إليه الاجتهاد أن شاء الله.
وكان الذي لحق الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلا في داره ليلة الاثنين بالمشاعل، وأخذوا ما كان في داره/ وأعروه وأعروا ولده وحرمه، وأشفق الوزير والأصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة بركوب الغلمان مع الخطيب، فراسلوا أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم إلى أن تسكن الثورة، وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد، فلم يحضر خطيب ولا أقيمت صلاة الجمعة في مسجد براثا، وقد كان شيوخ الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث والسفهاء للفتنة.
وفي هذا الوقت كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي ومن معه من الدعار المتغربين من الأجمة بالأحمرية، وكانوا يدخلون على الدار التي يعينون عليها من نقوب ينقبونها إليها فيصيح أهلها ويطلبون مغيثا أو معينا من الأتراك الذين يجاورونهم، فلا يخرج أحد منهم من داره، ولا يمتعض لما يجري في جواره، وزاد الأمر بخلو الجانب الشرقي من ناظر في معونة، ودخل على أبي بكر بن تمام الخطيب ومنزله ملاصق مسجد القهرمانة بازاء دار المملكة، فصاح واستغاث بالملك ودعاه باسمه، فلما كان في ليلة السبت لثلاث بقين من ذي القعدة ارتفع الصياح ليلا في جوار دار المملكة لأن هؤلاء الدعار قصدوا دارا لبعض الأتراك وحاولوا الوصول إليها فنذر بهم وسمع الملك الصوت فركب في غلمانه وحواشيه وخرج إلى باب درب حماد، فطلب القوم، / وخرج كثير من العامة يدعون له ويذكرون الأتراك بما يعجزونهم فيه، فعاد إلى داره، وتعدى الفساد من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، وكبست فيه
__________
[1] في ل: «وقد انمهك» .

(15/200)


دور، وفتحت دكاكين، وكبس جامع الرصافة ليلا، وأخذت ثياب من فيه، واستؤذن الخليفة في تحويل آلات الجامع من الستور، والقناديل، فحولت إلى التربة بالرصافة.
وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة: حضر الأشراف والقضاة والشهود في دار الخلافة، وقرئ عليهم عهد أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا بتقليده قضاء القضاة، وخلع عليه ثم قرئ عهده بعد ذلك في جامع الرصافة وجامع المدينة.
وفي يوم الجمعة الذي كان عيد النحر: خرج الناس والجند إلى ظاهر البلد بحضرة مسجد براثا، فلم يحضر خطيب ولا حضر صاحب معونة، فلما طال الانتظار قيل لأحد المؤذنين في الموضع تقدم فصل، فتقدم وكبر في أول ركعة ما لم يضبط عدده حيرة ودهشا، وسجد قوم ولم يسجد قوم، وكبر في الركعة الثانية تكبيرة أو تكبيرتين، ووقعت الصيحة فظن أنها من فتنة فانزعج الناس واختلطوا وانقطعت الصلاة، وكان سبب انقطاع الخطباء عن هذا الموضع ما سبق ذكره عن أبي منصور بن تمام الخطيب، وغيظ الخليفة في أن لم يفعل مقابلة/ ذلك لما كتب وأمر به، ثم اجتمع بعد هذا قوم من مشايخ أهل الكرخ، فصاروا مع الشريف المرتضى إلى دار الخلافة، فأحالوا على سفهاء الأحداث فيما جرى على الخطيب، وسألوا الصفح عن هذه الجناية، وأن لا يخلى عن هذا المسجد من المراعاة وإقامة الخطبة فيه، فأقيم لهم خطيب وعادت الصلاة في مسجد براثا منذ يوم الجمعة غرة المحرم بعد أن عملت للخطيب نسخة يعتمدها فيما يخطب وإعفاءهم الخطيب من دق المنبر بعقب سيفه، ومن قوله: «اللَّهمّ اغفر للمسلمين ومن اعتقد أن عليا مولاه» .
وفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة: ورد أبو يعلى الموصلي وجماعة من العيارين كانوا مقيمين بأوانا وعكبرا، فقتلوا خمسة من الرجالة وأصحاب المسالح، وظهروا من الغد في الكرخ بالسيوف المسلولة، وأظهروا أن كمال الدولة أبا سنان أنفذهم لحفظ البلد وخدمة السلطان، فثار بهم أهل الكرخ فقتلوا وصلبوا.
وفي هذه السنة [1] : جند صاحب [2] مصر جيشا لقتال صالح بن مرداس صاحب
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «جرد صاحب» .

(15/201)


حلب، وبعث الجيش مع أنوشتكين التزبري [1] ، فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن، فاستظهر التزبري وقتل صالحا وابنه، وأنفذ رأسيهما إلى مصر، وأقام نصر بن صالح بحلب.
وتأخر الحج في هذه السنة من خراسان والعراق.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3163- الحسن [3] بن أبي الهبيش، ويكنى أبا علي
[4] :
كان من الزهاد المتعبدين، ودخل عليه أبو القاسم ابن المغربي الوزير، فقبل يده، فقيل له: كيف قبلت يده؟ فقال: كيف لا أقبل يدا ما امتدت [إلي] [5] قط إلا إلى الله تعالى.
وحكى أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّدً بْن علي العلوي، قال: بت عنده ليلة فلم أتمكن من النوم لكثرة البق وهو واقف يصلي، فلا أدري أمنع البق منه أم صبر عليه، ورأيت مئزره قد انحل وسقط عن كعبيه ثم استوى وعلا إلى سرته وهو واقف يصلي، ولا أدري ارتقع المئزر أم طالت يده حتى أعادته.
وتوفي في هذه السنة [وقبره ظاهر] [6] بالكوفة، وقد عمل عليه مشهد، وقد زرته في طريق الحج.
3164- الحسين [7] بْن عَبْد الله بن أحمد بن الحسن بن أبي علاثة، أبو الفرج المقرئ
[8] .
__________
[1] في ص: «مع أبي أنوشتكين البربري» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 185، البداية والنهاية 12/ 26، وفيه «الحسن بن أبي القين» ) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (إرشاد الأريب 5/ 283، وابن خلكان 1/ 343، وإنباه الرواة 2/ 297، والأعلام 4/ 318) .

(15/202)


تفقه في حداثته، وقرأ بالقراءات، وكتب الحديث الكثير، وحدث عن الشافعيّ وغيره، ثم في كبره سخف أمره وسقطت مروءته. توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
3165- علي [1] بن عيسى بن الفرج بن صالح، أبو الحسن الربعي النحوي صاحب أبي علي الفارسيّ
[2] :
ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ودرس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي، وخرج إلى شيراز فدرس بها على أبي علي الفارسي [3] عشرين سنة، ثم عاد فأقام ببغداد إلى آخر عمره، فكان أبو علي يقول: قولوا له: لو سافرت من الشرق إلى الغرب لم تجد أنحى منك.
وكان علي بن عيسى يوما يمشي على شاطئ دجلة فرأى الرضى والمرتضى في/ سفينة ومعهما عثمان بن جني، فقال لهما: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان جالسا معهما ويمشي علي على الشط بعيدا منهما.
توفي في محرم هذه السنة [عن اثنتين وتسعين سنة ودفن بمقبرة باب الدير.
وأخبرنا ابن ناصر عن أبي الفضل بن خيرون، قال: قيل: أنه تبع جنازته ثلاثة أنفس] [4] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 184، والبداية والنهاية 12/ 27) .
[3] في ص: «بها علي أبي سعيد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/203)