المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أنه في ليلة عاشوراء أغلق أهل الكرخ أسواقهم وعلقوا المسوح على دكاكينهم رجوعا إلى عادتهم الأولى في ذلك وسكونا إلى بعد الأتراك، وكان السلطان قد انحدر عنهم، فحدثت الفتنة ووقع القتال بينهم وبين أهل القلائين، وروسل المرتضى في إنفاذ من يحظ التعاليق، فحظ والفتنة قائمة بين العوام واستمرت بعد ذلك، وقتل من الفريقين، وخرجت عدة دكاكين ورتب بين الدقاقين والقلائين من يمنع القتال.
وفي ليلة السبت مستهل صفر: كبس جماعة من العيارين يزيدون على خمسين رجلا على مصلحي بنهر الدجاج فقتلوه وقتلوا قوما كانوا معه وأخرجوا الدار [2] ، ولم يتجاسر أحد من الجيران أن ينذر بهم خوفا منهم.
[كثرة العملات والكبسات]
وفي هذا الشهر: كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي متقدم العيارين، ووصل إلى عدة مخازن ومنازل، وأخذ منها شيئا كثيرا، واستمر ذلك فلقى الناس منه أمرا عظيما.
[عصف ريح شديدة]
وفي يوم الأحد النصف من صفر: عصفت ريح شديدة، وسمع في أثنائها دوي أفزع، وتلاه برد كهيئة التين في حجمه، وتحدد رأسه.
وفي يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر: ورد الكتاب بدخول الملك جلال
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ص، ل: «معه وأحرقوا الدار» .

(15/204)


الدولة والأصفهلارية والغلمان الأهواز [1] ، فضربت البوقات للبشارة بذلك، وخلع على الركابية وطيف بهم/ في الأسواق، وذلك أنه لما امتنع عليهم قتال من بواسط عمدوا إلى قصد الأهواز [2] ، وأطعموا العسكر في المنهب، فلما مضوا إليها تخاذل من [كان] بها [3] من الأتراك، وهرب الديلم فدخلوا فنهبوا ما يتجاوز حد الحصر، واستمر النهب ستة عشر يوما حتى أنه أخذ من دار ميمون [البائع] [4] وخان أنباره ما قدره سبع مائة ألف دينار، وزاد المأخوذ من البلد على خمسة آلاف ألف دينار، والفي جارية وحرائر، وأتلف وأحرق ما لا يمكن ضبطه.
وفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من جمادي الأولى: سقطت قنطرة الزياتين على نهر عيسى.
[جلوس الخليفة للعامة والخاصة إثر شكاة عرضت له]
وفي يوم الأحد الثامن عشر [من] [5] هذا الشهر: جلس الخليفة القادر باللَّه وأذن للخاصة والعامة فدخلوا عليه وشاهدوه [6] ، وذلك عقب شكاة عرضت له، ووقع الإرجاف معها به، وأظهر في هذا اليوم تقليد الأمير أبي جعفر عبد الله ولده ولاية عهده، وكانت الأقوال قبل هذا قد كثرت في معنى الأمير أبي جعفر وتوليته العهد، وتوقف الخليفة عن ذلك، ثم ابتدئت الحال بأن ذكر على المنابر [بالحضرة] [7] في ذي الحجة من السنة الماضية في عرض الدعاء للخلفية، وقيل: اللَّهمّ أمتعه بذخيرة الدين المرجو لولاية عهده في المسلمين إشارة إليه من غير إفصاح باسمه ولا نص عليه، فلما جلس في هذا اليوم تقدم الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد وقوم من الأتراك، وقال أبو الغنائم في أثناء ضجة، وازدحام:
خدم مولانا أمير المؤمنين الغلمان داعون له بإطالة البقاء وإدامة الدولة وشاكرون لما
__________
[1] في الأصل: «الإسفسهلارية» . و «الغلمان» ساقطة من ص، ل.
[2] في ص، ل: «بواسط عملوا على قصد الأهواز» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «والعامة فوصلوا إليه وشاهدوه» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/205)


بلغهم من نظره لهم وللمسلمين باختيار الأمير أبي جعفر/ لولاية العهد، فقال الخليفة:
من هذا المتكلم ولم يفهم قوله، فقيل الناظر في أمور الأتراك، فقال للأمير أبي جعفر:
اسمع ما يقوله: فأعاد الصاحب القول، فقال الخليفة: إذا كان الله قد أذن في ذلك فقد إذنا فيه، فقال [الأمير] [1] أبو جعفر: مولانا يقول: إذا كان الله قد أذن في ذلك فنرجو الخيرة فيه فقال [الخليفة] [2] وزحف من مخاده حتى أشرف على الناس من أعلى سريره بصوت عال: وقد أذنا فيه، فقال نظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي: قد سمع قول مولانا أمير المؤمنين وحفظ والله يقرن ذلك بالخيرة والسعادة، ومدت الستارة في وجهه، وجلس الأمير أبو جعفر على السرير الذي كان قائما عليه بين يديه وخدمه الحاضرون بالدعاء والتهنئة، وتقدم أبو الحسن ابن حاجب النعمان فقبل يده وهناه ودعا له، فقال له: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ 33: 25 اتهاما له فساد رأي الخليفة فيه، فبكى وأكب على تقبيل قدمه وتعفير خده ولحيته بين يديه، قال قولا كثيرا في التبري والاستغفار والاستعطاف، فلما كان يوم الجمعة لسبع بقين من الشهر ذكر في الخطبة على منابر الحضرة بالقائم بأمر الله ولي عهد المسلمين، وأثبت ذلك على سكة العين والورق.
ثم ورد في يوم السبت لست بقين من الشهر كتاب الملك جلال الدولة إلى الخليفة يسأله فيه هذا الذي فعل [3] ، فجمع الناس يوم الثلاثاء في بيت الموكب، وقرئ عليهم، وكان فيه:
«سلام على أمير المؤمنين، أما بعد أطال الله بقاء سيدنا ومولانا/ الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين، فإن كتابي صادر إلى الحضرة [4] القاهرة القادرية المحفوفة بالبركات النبويّة، وما أستأمن فيه من أمور الرعايا وحفظ نظام العسكر مستمر بمبذول الإمكان والاجتهاد، فما أزال أعمل فكرا في مصالح المسلمين، وأدأب سعيا في حراسة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «هذا الّذي فعل تجمع» .
[4] في الأصل: «كتابي تبادر إلى الحضرة» .

(15/206)


شملهم [1] وعلم سيدنا ومولانا [2] الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين] [3] محيط بأن الله تعالى جعل لكل شيء أمدا، وسوى في نقل الخلق فلم يخل من حتمه نبيا ولا صفيا، وقد سار سيدنا ومولانا الإمام [4] القادر باللَّه أمير المؤمنين بأحسن السير حاميا للخواص والعوام من الغير والأشبه تسمية النظر في حاضر يومه لغده، وإعداد ما سيظهر به من عدده حتى لا يسأله الله يوم المعاد عن حق أهمل، وقد تعين وجوده، وأن أولى ما أعتمده النظر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن في ذمتها، والنص على ما يعهد الله بسياستها حتى لا تكون مهملة في وقت وإن الحنبة العزيزة الجعفرية مستحقة لولاية العهد بعد الأمد الفسيح الذي نسأل الله أن يطيله، وأرغب إلى الموقف القادري أن يشد أزر الخلافة بإمضاء العقد المتين لها وصلة اسمها بالاسم العزيز في إقامة الدعوة، وإنشاء الكتب إلى البلاد بما رأى في ذلك ليكون سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بعد الأمد الفسيح قد سلم الأمة إلى راع، فإن رأت الحضرة الشريفة النبوية الإنعام بالإجابة إلى المرام أنعمت بذلك، وأصدرت هذه الخدمة يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة» .
وأتبع هذا بكتاب عن الخليفة يذكر ما قلده الأمير أبا جعفر من ولاية عهده، فقال فيه: وان أمير المؤمنين لما تأمل ما وهبه الله تعالى/ من سلالته أبي جعفر عبد الله وجده شهابا لا يخبوء وخبر من مغيبات أحواله ما لم يزل يستوضحه فولاه عهده.
وفي يوم الاثنين لليلة خلت من رجب قلد أبو محمد بن النسوي النظر في المعونة، ولقب الناصح، واستحجب وخلع عليه، واستدعى جماعة من العيارين، فأقامهم أعوانا وأصحاب مصالح.
وفي رمضان: ورد الخبر من الموصل بتاريخ يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان: أن فضلون الكردي غزا الخزم فقتل منهم وسبى وغنم من أموالهم غنما كثيرا،
__________
[1] في الأصل: «في مصالح شملهم» .
[2] «سيدنا» : ساقطة من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «الإمام» : ساقطة من ص.

(15/207)


وعاد إلى بلده يقرر أنه [قد] [1] كسر شوكتهم، وأمن غائلتهم فاتبعوه وكبسوه واستنقذوا الغنائم والسبي من يده، قتلوا من الأكراد والمطوعة أكثر من عشرة آلاف، واستباحوا أموالهم.
وكان ملك الروم قد قصد حلب في ثلاثمائة ألف وكان معه أموال على سبعين جمازة، فأشرف على عسكره مائة فارس من العرب وألف راجل فظن [الروم] [2] أنها كبسة، فلبس ملكهم خفا أسود حتى يخفي أمره، وأفلت وأخذوا من خاصته أربعمائة بغل محملة ثيابا ومالا، وقتلوا مقتله كثيرة من رجاله.
ولليلة بقيت من رمضان كان أول تشرين الأول وينقضي أيلول عن حر شديد زاد على حر تموز وحزيران زيادة كثيرة، وعصفت في اليوم السابع منه ريح سموم تلاها رعد ومطر جود.
وكان في هذه السنة: موتان ببغداد وجرف عظيم في السواد.
وفي سادس شوال: جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة وبعض الهاشميين، فاجتمع الهاشميون إلى جامع المدينة ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، / فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها، وضجوا بالاستغفار من الأتراك وسبهم، فركب جماعة من الأتراك، فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن على القصب رفعوا بأزائهم قناة عليها صليب، وترامى الفريقان بالنشاب والآجر وقتل من [الآجر] [3] قوم ثم أصلحت الحال.
وفي ليالي هذه الأيام: كثرت العملات والكبسات بالجانب، الشرقي من البرجمي ورجاله، وقصدوا درب علية ودرب الربع، ففتحوا فيها عدة خانيبارات ومخازن، وأخذوا منها شيئا كثيرا، وكبسوا عدة دور واستولوا على ما فيها.
وتجدد القتال بين القلائين والدقاقين، استمرت الفتنة ودخل من كان غائبا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/208)


العيارين وكثر الاستقفاء، وفتح الدكاكين، وعمل العملات ليلا.
ولم يعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة، وفي هذا الوقت تجدد دخول الأكراد المتلصصة ليلا إلى البلد، وأخذهم دواب الأتراك من إصطبلاتهم، وفعل ذلك في عدة إصطبلات بالجانبين حتى دعاهم الخوف إلى نقل دوابهم إلى دورهم وشدها فيها ليلا، ونقل السلطان ماله من كراع إلى دار المملكة، وعملت هناك المعالف، وأغلق جلال الدولة بابه وصرف حواشيه لارتفاع الإقامة عنه، وانصرف الحاصل إلى الأتراك.
وتأخر الحاج من خراسان في هذه السنة، ولم يخرج من العراق إلا قوم ركبوا من الكوفة على [1] جمال البادية، وتخفروا من قبيلة إلى قبيلة، وبلغت أجرة الراكب إلى فيد أربعة دنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3166- إبراهيم [3] بن الفضل بن حيان [4] الحلواني.
قاضي سرمن رأى نزل بغداد، وحدث بها روى عنه المعافي بن زكريا توفي في هذه السنة.
3167- الحسن [5] بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل، أبو الفوارس البزاز
[6] .
وهو أخو أبي الفتح بن أبي الفوارس، ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، سمع أبا بكر الشافعي، وابن الصواف وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة الخيزران.
__________
[1] «من الكوفة» : ساقط من ص.
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 140) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 278) .

(15/209)


3168- الحسين [1] بن محمد، أبو عبد الله الخالع الشاعر
[2] :
توفي في هذه السنة عن سن عالية.
3169- على [3] بن عبد العزيز بن إبراهيم بن بيان، أبو الحسن المعروف بابن حاجب [4] النعمان:
كان كاتب القادر باللَّه. ولد سنة أربعين وثلاثمائة، وذكر أنه سمع من أبي بكر النجاد، والشافعي، وابن مقسم، وكان أبوه يخدم أبا عمر المهلبي في أيام وزارته، وكتب هو للطائع للَّه، ثم كتب بعده للقادر في شوال سنة ست وثمانين، فكتب للخليفتين أربعين سنة، وكان له لسان وبلاغة.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن ببركة زلزل، ثم نقل تابوته إلى مقابر قريش، ودفن بها في سنة خمس وعشرين.
3170- عنبر [5] أبو المسك، خادم بهاء الدولة
[6] :
كان قد بلغ مبلغا لم يبلغه أمثاله، ورأى أصحاب الأطراف يقبلون يده ويترجلون عند لقائه، وينفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم الملوك انحدر إلى بغداد طمعا في تملكها معونة للملك أبي كاليجار فتوفي.
3171- محمد [7] بن جعفر بن علان، أبو جعفر الوراق الشروطي ويعرف بالطوابيقي
[8] :
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب، قال: كان شيخا مستورا من أهل
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 105، البداية والنهاية 12/ 29، وفيه: «الخليع» ) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 31) .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 184) .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 59) .

(15/210)


القرآن/ ضابطا لحروف قراءة كانت تقرأ عليه، وحدث عن أحمد بن يوسف بن خلاد، وأبي علي الطوماري، وأبي جعفر بن المتيم وغيرهم، كتبت عنه، وكان صدوقا، ومات في ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، ودفن في مقابر باب الدير.
3172- محمود بن سبكتكين [1] ، يكنى أبا القاسم ويكنى أبوه [2] أبا منصور.
[كان أبو منصور] [3] صاحب جيش السامانية، واستولى عليها بعد وفاة منصور بن نوح، وتوفي سبكتكين في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ببلخ، فنازع إسماعيل بن سبكتكين أخاه محمودا فكسره محمود وملك خراسان [وزالت على يده] [4] دولة سامان، وكان آل سامان قد ملكوا سمرقند وفرغانة وتلك النواحي أكثر من مائة سنة، وقصدهم محمود وقبض عليهم ومالك ديارهم وأقام الخطبة للقادر باللَّه، وراسل محمود بهاء الدولة أبا نصر بن بويه بأبي عمر البسطامي، ونفد إليه هدايا وخمسة أفيلة وسأله خطاب الخليفة في توليته، فبعث بهاء الدولة بأبي عمر البسطامي إلى فخر الملك أبي غالب، وأمره أن يقصد دار الخلافة ويسأله في هذا المعنى، فأجاب القادر باللَّه إلى ذلك في شعبان سنة أربع وأربعمائة وحصل له من الفتوح في بلاد الهند والكفر ما لم يحصل لغيره وكان الخليفة قد بعث إليه الخلع ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة ثم أضيف إلى ذلك نظام الدين ناصر الحق وملك محمود سجستان وتملك مملكة واسعة وبلغ إلى قلعة لملك الهند تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة فأحاط بها فجاءة رسول على نعش يحمل قوائمه أربعة غلمان ويحفه مطرح ومخدة، فقال له: أن مفارقة ديننا/ لا سبيل إليه ولكن نصالحك، فصالحهم على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف ومائة بقرة، فبعث محمود إلى ملكهم قباء وعمامة وسيفا ومنطقة وفرسا ومركبا وخفا وخاتما عليه أسمه، وأمره أن يقطع أصبعه وهي عادة للتوثقة عندهم، وكان عند محمود من أصابع من هادنه الكثير فلبس ملكهم الخلعة واخرج حديدة قطع إصبعه الصغرى من غير أن يتغير وجهه، وأحضر دواء فطرحه عليها وشدها.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 29) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/211)


وفتح محمود قلعة سومنات وهدم البيت الذي يحجونه وفيه أصنام من الذهب والفضة مرصعة بالجواهر وقيمة ذلك تزيد على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحملون إلى الصنم ماء من نهر بينه وبينه مائتا فرسخ. ورتبوا ألفا من البراهمة يواظبون على خدمته ويحلقون رءوس زواره ولحاهم وأجروا على ثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة كانوا يغنون للزوار فحاربهم محمود وقتل خمسين ألفا وغنم الأموال، وقبض على أبي طالب رستم بن فخر الدولة أبي الحسن وكتب إلى القادر باللَّه بأنه وجد لأبي طالب زيادة على خمسين امرأة حرة على ما سبق ذكره وخطب لمحمود في الأطراف وعقد على جيحون جسرا ولم يقدر على ذلك أحد قبله وأنفق في سفرته ألفى ألف دينار ولم يحظ بطائل فأتهم وزيره وقال أغرمتني هذا المال فأخذ منه خمسة آلاف ألف دينار واعتقله، وكان قد عبر في غزوة إلى ما وراء النهر فضمن له أهل سمرقند ألف غلام حتى كف عنهم وكان معه أربعمائة فيل تقاتل، وحمل إليه وهو بغزنة شخصان من النسناس الذين يكونون في بادية نحو الترك، / وهم على صور الناس في جميع أعضائهم إلا أن ابدانهم ملبسة بالشعر لا يكاد يبين منه [1] ، ولهم كلام كصفير الوحش، فقدم لهذين المحمولين خبز وثريد ولحم، فلم يأكلا، وحملا إلى موضع الفيلة فما خافا وأكلا من الحشيش الذي يأكلونه. كما يأكل الحمار وتغوطا كما تفعل البهائم وأتراك بلادهم يأكلونهم ويذكرون أنهم أطيب اللحوم لحما، ومرض محمود وكانت علته سوء المزاج وانطلاق البطن وهو على غزواته ونهضاته لا يثنى، فلما اشتد به الأمر أمر بالجواهر التي اقتناها من ملوك خراسان وما وراء النهر وعظماء الترك والهند، فصفت في صحن فسيح في قصره وكان قد جمع سبعين رطلا من الجوهر، فلما نظر إليها بكى بكاء متحسر على ما يخلفه، ثم أمر بردها إلى مكانها من القلعة بغزنة، وتوفي يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ملك منها ثلاث وثلاثين سنة، ومات وهو مستند في دسته لم يضع جنبه إلى الأرض، وكان ظاهر أمره التدين والتسنن، وولى ابنه مسعود مكانه.
__________
[1] في الأصل: «لا تكاد تبين منه» .

(15/212)


ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين واربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[نقيب قوم من اللصوص على دار المملكة]
أنه في ليلة الخميس ثالث محرم نقب قوم من اللصوص على دار المملكة، فأفضوا إلى حجرة من حجر الحرم، وأخذوا منها شيئا من الثياب، ونذر بهم فهربوا، ورتب بعد ذلك حرس يطوفون حول الدار في كل ليلة.
وفي صفر: عملت عملة في أصحاب الأكسية فأخذت أمتعة كثيرة وثار أهل الكرخ بالعيارين وطلبوهم فهربوا/ وأقام التجار على إغلاق دكاكينهم والمبيت في أسواقهم، وراسلوا حاجب الحجاب وسألوه أن يندب إلى المعونة من يعاونونهم على إصلاح البلد، فأعيد أبو محمد النسوي إلى العمل، فوجدوا أحد العيارين فقتلوه ونهبت الدار التي استتر فيها، ثم قوى العيارون وهرب ابن النسوي، وعادت الفتن.
وفي يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول: صرف أبو الفضل محمد بن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان عن كتابة القادر باللَّه، وكانت مدة نظره سبعة أشهر وعشرين يوما، وسبب ذلك أنه لما توفي والده أبو الحسن وأقيم مقامه لم يكن له دربة بالعمل.
[تجدد الفتنة بين السنة والروافض]
وفي يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الأول: تجددت الفتنة بين السنة والروافض واشتدت، وكان سبب ذلك الخزلجي الصوفي الملقب بالمذكور أظهر العزم على
__________
[1] بياض في ت.

(15/213)


الغزو، واستأذن السلطان، فكتب له منشور من دار الخلافة وأعطى منحوقا، واجتمع إليه لفيف كثير، وقصد في هذا اليوم جامع المدينة للصلاة فيه وقراءة المنشور، فاجتاز بباب الشعير وخرج منه إلى طاق الحراني وعلى رأسه المنحوق وبين يديه الرجال بالسلاح، فصاح من بين يديه العوام بذكر أبي بكر وعمر، وقالوا: هذا يوم مغازي، فنافرهم أهل الكرخ ورموهم، وثارت الفتنة، ومنعت الصلاة، ونقبت دار المرتضى فخرج منها مرتاعا منزعجا، فجاءه جيرانه من الأتراك فدافعوا عنه وعن حرمه، وأحرقت إحدى سميريتيه، ونهبت دور اليهود وخانتاراتهم، وطلبوا لأنه قيل عنهم إنهم أعانوا أهل الكرخ، فلما كان من الغد اجتمع عامة أهل السنة من الجانبين، وانضاف إليهم كثير من الأتراك/ وقصدوا الكرخ، فأحرقوا وهدموا الأسواق، وأشرف أهل الكرخ على خطة عظيمة وكتب الخليفة إلى الملك والأصفهلارية [1] ينكر ذلك عليهم إنكارا شديدا، وينسب إليهم تخريق علامته التي كانت مع الغزاة، وأمر بإقامة الحد في الجناة، فركب وزير الملك فوقعت في صدره آجرة وسقطت عمامته، وقتل من أهل الكرخ جماعة، وانتهب الغلمان ما قدروا عليه، ثم رتب الوزير قوما منعوا القتال، واحترق وخرب من هذه الفتنة سوق العروس، وسوق الأنماط، وسوق الصفارين، وسوق الدقاقين، ومواضع أخرى.
وفي ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الآخر [2] : كبس قوم من الدعار المسجد الجامع ببراثا وأخذوا ما فيه من حصر وسجادات، وقلعوا شباكه الحديد، وزاد الاختلاط في هذه الأيام وعاد القتال بين العوام، وكثرت العملات، واجتاز سكران بالكرخ فضرب [بالسيف] [3] رأس صبي فقلته، ولم يجر في هذه الأشياء إنكار من السلطان لسقوط هيبته.
[قتل العامة الكلالكي]
وفي جمادي الآخرة: قتل العامة الكلالكي، وكان ينظر قديما في المعونة، وأحرقوه ثم زاد الاختلاط ببسط العوم كثيرا، وأثاروا الفتنة ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه، واقتتل أهل نهر طابق، وأهل القلائين، وأهل الكرخ، وأهل باب البصرة،
__________
[1] في الأصل: «الاسفسهلارية» .
[2] «لثمان بقين من ربيع الآخر» ساقط من ص.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/214)


وفي الجانب الشرقي أهل سوق السلاح، وأهل سوق الثلاثاء، وأهل باب الطاق والأساكفة، وأهل سوق يَحْيَى والرهادرة، وأهل الفرضة، وأهل درب سليمان حتى قطع الجسر ليفرق بين الفريقين، ودخل العيارون/ البلد، وكبسوا أبا محمد النسوي في داره بدرب الزبرج [1] ، وكثر الاستقفاء نهارا والكبس ليلا.
[لحقت القادر باللَّه شكاة]
وفي هذه الأيام: [2] لحقت القادر باللَّه شكاة أرجف به فوقع الانزعاج وانتقل من كان ملتجئا إلى داره ومقيما بها، ونقل ما كان فيها من الأموال، وتكلم الغلمان في مطالبة الأمير ولي العهد بمال البيعة، ثم استقل الخليفة مما وجده، ثم وجد الغلمان وأظهروا كراهية الملك جلال الدولة، وشكوا اطراحه تدبيرهم، وأشاعوا بأنهم يقطعون خطبته في الجمعة المقبلة إلى أن يستقر رأيهم على من يختارونه، فعرف الملك ذلك فأقلقه، وفرق مالا في بعضهم، ووعدهم، وندل أن يحلف لهم فحلف ثم عادوا [3] الاجتماع والخوض في قطع خطبته، وقالوا: قد وقفت أمورنا وانقطعت موادنا ويأسنا من أن يجري لنا على يد هذا الملك خير، وهو إن أرضى بعضنا فماذا يصنع الباقون، وأنفذوا إلى دار الخلافة جماعة من طوائفهم يقولون قد عرف أمير المؤمنين صورتنا مع هذا الملك وما هو عليه من اطراحنا ونريد أن تأمر بقطع خطبته، فخرج الجواب بأننا على ما تعرفون من المراعاة لكم، وهذا الرجل مولاكم وشيخ بني بويه اليوم، وله في عنقنا عهود، وإذا أنكرتم منه أمرا رددناه عنه وتوسطنا الأمر، فأما غير هذا فلا يجوز الإذن فيه، فإن قبلتم هذا وإلا فما خل فيها ولا نأمركم بها، فانصرفوا غير راضين، وصليت الجمعة من غد ووقعت الخطبة على رسمها إلا في جامع الرصافة، فإن قوما من الأتراك حضروا عند المنبر ومنعوا أبا بكر بن تمام الخطيب/ من ذكر الملك، وضرب أحدهم يد الخطيب، وخاف الناس الفتنة فتفرقوا من غير صلاة، ثم عاودوا الشكوى حتى شارفت الحال المكاشفة، ثم توطنوا فسكتوا [4] .
__________
[1] في الأصل: «بدرب النيرح» .
[2] بياض في ت.
[3] في ص: «فحلف ثم عاودوا» .
[4] في الأصل: «ثم لوطنوا» . وفي ص: «ثم توطنوا فسكنوا» .

(15/215)


وكان المهرجان في رمضان فلم يجلس السلطان فيه ولا ضرب له دبدبة على ما جرى به الرسم، وقد كان الطبالون انصرفوا قبل ذلك بأيام وقطعوا ضرب الطبل في أوقات الصلوات وذلك لانقطاع الإقامة عنهم وعن الحواشي، ثم وقع عيد الفطر فجرت الحال على مثل هذه [السبيل] [1] ، ولم يركب إلى الجامع والمصليان صاحب المعونة، ولا ضرب بوق، ولا نشر علم، ولا أظهرت [2] زينة، وزاد الاختلاط ووقعت الفتنة بين العوام، وأحرقت سوق الخراطين، ومدبغة الجلود، وقبلها سوق القلائين، وكثر الاستقفاء والكبسات، ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكسية وأصحاب الخلقان أشفى منها أهل الكرخ على خطر عظيم، والفريقان متفقان على مذهب التشيع.
وثارت في هذا الوقت فتنة بين الغلمان، فمالت العوام إلى بعضهم فأوقعوا بهم وأخذوا سلاحهم، ثم نودي في الكرخ بإخافة العيارين وبإحلالهم يومين، فلما كان الليل [3] اجتمعوا وكانوا نحوا من خمسين ووقفوا على دجلة بإزاء دار المملكة وعليهم السلاح وبين أيديهم المشاعل، وصاحوا بعد الدعاء للملك بأنا يا مولانا عبيدك العيارون، وما نريد ابن النسوي واليا علينا فإن عدل عنه وإلا أحرقنا وأفسدنا، وانصرفوا فخرج قوم منهم إلى/ السواد، ثم طلبوا فهربوا، ثم عادوا إلى الكبسات والعملات.
وفي أول ذي الحجة: جرت فتنة وقتال شديد على القنطرتين العتيقة والجديدة، واعترض أهل باب البصرة قوما من القميين لزيارة المشهدين بالكوفة والحائر، وقتلوا منهم ثلاثة نفر، وجرحوا آخرين، وامتنعت زيارة المشهد بمقابر قريش يومئذ.
وفي ذي الحجة توفي القادر باللَّه، وولي القائم باللَّه.
باب ذكر خلافة القائم بأمر الله
اسمه عبد الله بن القادر باللَّه، ويكنى أبا جعفر [4] . أخبرنا أبو منصور
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ل: «ونظر علم وأظهرت» .
[3] في ص، ل: «فلما كان اليوم اجتمعوا» .
[4] بياض في ت.

(15/216)


[عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد] [1] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد [بْن علي] [2] بْن ثابت [الخطيب] [3] قَالَ: سمعت [أبا القاسم] [4] على بن المحسن التنوخي يذكر أن مولد [الإمام] [5] القائم [بأمر الله] [6] يوم الجمعة الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وأمه أم ولد تسمى قطر الندى، أرمنية أدركت خلافته.
بويع للخلافة القائم بأمر الله بعد موت أبيه القادر باللَّه يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين [7] وأربعمائة، وكان القادر باللَّه جعله ولي عهده من بعده، ولقبه القائم بأمر الله وخطب له بذلك في حياته.
قال المصنف رحمه الله: وذكر أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب أن القائم [بأمر الله] [8] ولد يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة، وأنه بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة، وأن أمه أم ولد اسمها بدر الدجى، وأنه كان سنة يوم ولي إحدى وثلاثين سنة.
ذكر البيعة
[9] لما توفي القادر حضر الأشراف والقضاة والفقهاء والأماثل، وحفظت أبواب البلد مخافة الفتنة، وخرج القائم بأمر الله وقت العصر من وراء ستر فصلى بالحاضرين المغرب، وصلى بعدها على القادر فكبر أربعا، ثم جلس في دار الشجرة على كرسي وعليه قميص ورداء، فبايعه الناس، فكان يقال للرجل تبايع أمير المؤمنين القائم بأمر الله على الرضا بإمامته، والالتزام بشرائط طاعته، فيقول: نعم ويأخذ يده فيقبلها، وأول من بايعه المرتضى، وقال له:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «إحدى وعشرين» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] في ت بياض. وفي ص: «ذكر بيعته» .

(15/217)


فأما مضى جبل وانقضى ... فمنك لنا جبل قد رسا
وأنا فجعنا ببدر التمام ... فقد بعثت منه شمس الضحى
لنا حزن في محل السرور ... وكم ضحك في خلال الرجا [1]
فيا صار ما أغمدته يد ... لنا بعدك الصارم المنتضى
ولما حضرناك عقد البياع ... عرفنا بهداك طرق الهدى
فقابلتنا بوقار المشيب ... كمالا وسنك سن الفتى
وحضر الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى، بن المقتدر من الغد وبايعه وكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له، وهم الأتراك بالشغب لأجل رسم البيعة، فتكلم تركي بما لا يصلح في حق الخليفة القائم فقتله هاشمي فثار الأتراك، وقالوا: إن كان هذا بأمر الخليفة خرجنا عن البلد، وإن لم يكن فيسلم إلينا القاتل، فخرج توقيع الخليفة أنه لم يجر ذلك بإرادتنا [2] ، وإنما فعله رعاع في مقابلة قول تجاوز به عدوه، ونحن نطلب القاتل ونقيم فيه حد الله تعالى، ولم يركب السلطان إلى البيعة غضبا للأتراك، ثم لجوا في طلب مال البيعة، فقيل لهم: إن القادر لم يخلف مالا فأدى الملك بهاء الدولة من عنده إلى الجند، ثم تقرر الأمر على/ ما قيمته ثلاثة آلاف ألف دينار، فعرض الخليفة عند ذلك خانا بالقطيعة وبستانا وشيئا من أنقاض الدار على البيع، ووزر له أبو طالب محمد بن أيوب، وأبو الفتح بن دارست، وأبو القاسم بن المسلمة، وأبو نصر بن جهير، وكان قاضيه ابن ماكولا، وأبو عبد الله الدامغاني.
ذكر طرف من سيرة القائم بأمر الله
[3] كانت للقائم عناية بالأدب ولم يكن يرتضي أكثر ما ينشأ في الديوان حتى يصلح فيه أشياء، وروى الرئيس أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام، عن أبي الفضل محمد بن علي بن عامر الوكيل [4] ، قال: دخلت يوما إلى المخزن فلم يبق أحد إلا
__________
[1] في ص: «في خلال البكا» .
[2] في الأصل، ل: «لم يجر ذلك بإيثارنا» .
[3] في الأصل: «ذكر طرف من سيرته» . والعنوان مكانه بياض في ت.
[4] في الأصل: «محمد بن علي بن عباس» .

(15/218)


وأعطاني قصة وامتلأت أكمامي بالرقاع [فلما رأيتها كثيرة] [1] قلت: لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي [حتى] [2] أعرض [3] [عليه هذه الرقاع لأعرض] [4] عني، وألقيتها في بركة ماء والقائم ينظر إليّ وأنا لا أعلم، فلما وقفت بين يديه أمر الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادروا إليها وبسطوها في الشمس فكلما جفت قصة حملت إليه، فلما تأملها وقع عليها جميعها بأغراض أصحابها، ثم قال: يا عامي- وكان إذا ضجر يخاطبني بهذا- ما حملك على هذا الفعل، وهل كان عليك في إيصالها درك؟ فقلت:
بل وقع لي أن الضجر يقع منها، فقال: ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئا بل نحن وكلاء، فلا تعد إلى ما هذا سبيله، ومتى ورد عليك وارد فإياك أن تتقاصى عن أنصال قصته.
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة: كان الغدير، وقام العيارون بالإشعال في ليلته، ونحر جمل في صبيحته بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك، واشتد تبسط هذه الطائفة، وخلعوا جلباب المراقبة وتبسطوا وضربوا وقتلوا، وفعل أهل السنة/ في محالهم ما كانوا يفعلونه من تعليق الثياب والسلاح، وإظهار الزينة، ونصب الأعلام، وإشعال النيران ليلا [5] في الأسواق في يوم الاثنين المقبل زعما منهم أنه في هذا اليوم اجتمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر في الغار.
ثم أن العيارين أسعروا الناس [6] ليلا كبسا لمنازلهم وأخذا لأموالهم، ثم ظهروا وعدلوا بالكبسات عن الكرخ إلى باقي المحال.
وورد الخبر بأن قوما من الدعار كبسوا أبا الطيب ابن كمارويه القاضي بواسط في داره، وأخذوا ما وجدوه وضربوه ضربات كانت فيها وفاته.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة ما بين الحضرة وواسط والبطيحة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «لأعرض» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] «ليلا» : ساقطة من ل.
[6] في ص: «أن العيارين أسعروا الناس» .

(15/219)


وليس له من ذلك إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأطراف منها في أيدي المقطعين من الأتراك والوزارة خالية من ناظر فيها.
وتأخرت الأمطار في هذه السنة، وقلت الزراعة في السواد لقلة المياه، وتجدد لاحتباس القطر يبس في الأبدان، فأصاب أكثر الناس نزلات في رءوسهم وصدورهم معها حمى وسعال، فكثر طباخو ماء الشعير حتى طبخه أصحاب الأرز باللبن، وبيع كل ثلاثين رمانة حلوة بدينار سابوري ومنا شراب بعشرة قراريط، وأصاب أهل الري وهمذان وحلوان وواسط ونواحي فارس وكرمان وأرجان نحو ذلك، وكان السبب تأخر المطر.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق لانقطاع الطرق، وزيادة الاضطراب.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3173- أحمد [2] القادر باللَّه [أمير المؤمنين [3] ابن إسحاق بن المقتدر
[4] :
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: توفي القادر باللَّه في ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ودفن [ليلة] [5] الثلاثاء بين المغرب والعشاء في دار الخلافة، بعد أن صلى عليه ابنه القائم بأمر الله ظاهرا، وعامة الناس وراءه، وكبر عليه أربعا فلم يزل مذ توفي في الدار [6] ، حتى نقل تابوته وحمل في الطيار ليلا إلى الرصافة، فدفن بها في ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وكان مبلغ عمر القادر باللَّه ستا وثمانين سنة وعشرة أشهر وإحدى [7] وعشرين يوما، وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، ولم يبلغ هذا القدر أحد في الخلافة غيره.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 37) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «فلم يزل مدفونا في الدار» .
[7] «وإحدى» : ساقطة من ل.

(15/220)


وقال غيره: جلسوا في عزائه سبعة أيام لمعنيين أحدهما تعظيم المصيبة، والثاني لاجتماع العامة وإقامة الهيبة خوفا من فتنة الغلمان.
3174- الحسن [1] بن علي بن جعفر، أبو علي بن ماكولا
[2] .
وزر لجلال الدولة أبي ظاهر، وقتله غلام له بالأهواز في ذي الحجة من هذه السنة، وكان عمره ستا وخمسين سنة.
3175- طلحة [3] بن علي بن الصقر، أبو القاسم الكتاني
[4] :
سمع النجاد [5] ، وأبا بكر الشافعي، وكان ثقة صالحا يسكن درب الدجاج، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
3176- عبد الوهاب [6] بن علي بن نصر أبو محمد المالكي
[7] :
كان فقيها/ على مذهب مالك، وولي قضاء بادرايا وباكسايا، وخرج من بغداد لإضافته، فحصل له مال كثير من المغاربة، ومات بها في شعبان وقال شعرا يتشوق فيه إلى بغداد:
سلام على بغداد في كل موقف ... وحق لها مني سلام مضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
فكانت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: روى عبد الوهاب عن ابن شاهين، وكتبت عنه، وكان ثقة ولم نلق من المالكيين أحدا أفقه منه.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 32) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 352) .
[5] في الأصل: «سمع البزاز» .
[6] بياض في ت.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 32) .

(15/221)


ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
[خروج الناس للاستسقاء]
أن المطر لما تأخر في الشتوة وخرج الناس للاستسقاء لست خلون من المحرم بأمر من دار الخليفة/ فذهبوا إلى الجوامع واستمر تأخر المطر، وكثر الموتان بنواحي النيل.
وفي يوم الثلاثاء: كان عاشوراء، وعلقت المسوح في الأسواق، وأقيم النوح في المشاهد، وتولى ذلك العيارون.
وفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم: قرئ في الموكب عهد خرج من حضرة القائم بأمر الله بإقرار قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن علي على ما يتولاه من قضاء القضاة، وكان في الكتاب وأن أمير المؤمنين أعمل فكره وأدام سبره في اختيار من يسند إليه الأحكام ويجعله حجة بينه وبين الله تعالى في هذا المقام، وكان الحسين بن علي قاضي القضاة منتهى رأيه وقمر اختياره لما هو عليه من عفافه واستقامة طريقته، وأمره في الكتاب بتقوى الله والعدل في الحكم وترك المحاباة، وأورد فيه أخبارا كثيرة في العدل وحكايات.
[ثورة أهل الكرخ بالعيارين]
وفي يوم الجمعة لخمس خلون من صفر: ثار أهل الكرخ بالعيارين [وطلبوهم] [2]
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/222)


فهربوا، فكبسوا دورهم، ونهبوا سلاحهم، وراسلوا السلطان ليعاونهم، وكان سبب هذا الفعل [1] أن العيارين دخلوا ليلا على أحد البزازين، فأخذوا ماله، فتعصب له أهل سوقه، فرد العيارون بعض ما أخذوا.
ثم كبسوا في ليلة الأحد دار ابن الفلو الواعظ بدار القطن من نهر طابق [فأخذوا ماله] [2] وما كان للناس عنده، ومروا على عادتهم في الكبسات، واختلط بهم في [العملات] [3] مولد والأتراك/ وحواشيهم، ثم إن الغلمان صمموا على عزل جلال الدولة أبي طاهر، وإظهار أبي كاليجار، وقال بعضهم لبعض: هذا الملك مشغول عنا، وقد طمع فينا حتى العوام وبلغ منا الفقر فتحالفوا على خلعه، واجتهدوا في إصلاحهم، فلم ينفع وقالوا له: لا بد أن تخرج عنا وتنحدر إلى واسط.
وفي يوم الاثنين لثمان بقين من صفر: قرئ في الموكب بدار الخلافة كتاب ورد من القاضي أبي إسحاق محمد بن عبد المؤمن بإسكاف، وتوقيع أقرن به، وأمر الناس فيه بالخروج إلى الاستسقاء، وكان في ذلك الكتاب أنه ذكر عن رجل أنه حكى أن امرأة عربية ولدت ولدا لم يظهر منه سوى رأس بفم وأسنان وحلق كالخيارة منتفخة [4] ، وبقية البدن كالحية والمصران، بلا يد ولا رجل، فحين سقط إلى الأرض تكلم [5] ، وقال الناس تحت غضب منذ أربع سنين، ويجب عليهم الإنابة، وأن يخرجوا إلى الاستسقاء والأطفال والبهائم، فخرج التوقيع يذكر فيه أن امتناع القطر لأجل ما أقام عليه المذنبون من المعاصي، فتقدم إلى الناس بالخروج في يوم الجمعة والسبت والأحد بعد أن يصوموا هذه الأيام الثلاثة، ويخلصوا الدعاء والابتهال، فلم يخرج في يومي السبت والأحد إلا عدد قليل لم يتجاوز عددهم يوم السبت [6] في جامع المدينة نيفا وأربعين، وببراثا عشرة نفر، وخرج يوم الأحد إلى جامع المدينة سبعة عشر، وببراثا خمسة نفر،
__________
[1] في الأصل: «وكان السبب في هذا الفعل» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ل: «كالخبازة منتفخة» .
[5] في الأصل: «والمصران فحين سقط إلى الأرض وهو بلا بدن ولا رجل تكلم» .
[6] في الأصل: «لم يتجاوز في يوم السبت» .

(15/223)


وكانت/ الجوامع الباقية علي نحو هذا، فلم يسق الناس ولا أغيثوا.
[ركب جماعة من القواد فقطعوا خطبة جلال الدولة]
وفي يوم الجمعة الثالث من ربيع الأول: ركب جماعة من القواد فقطعوا خطبة جلال الدولة، وبلغه ذلك فأزعجه وبعث خواص [1] جواريه إلى دار الخلافة، وغيرها وخير الباقيات [2] بين أن يعتقن أو يأخذن لنفوسهن، ومنهن من أعتق ومنهن من مضى إلى من كن له من قبل، ثم اجتمع الغلمان وراسلوا الملك، فقالوا: قد علمت ما وافقتنا عليه من الانحدار إلى واسط، والوجه أن تستخير الله في ذلك، فقال: إنما قررتم من يخرج معي من يسلم إلى البصرة، فإما أن أخرج علي غير قاعدة فما أفعل، وامتلأ جانبا دجلة وشطها بالناس والسميريات، وترددت الرسل إلى الملك بالمطالبة بالخروج، فقال: أبعثوا معي مائة غلام يحرسونني في طريقي، فقالوا: لا يمكن مائة، ولكن عشرون، فقال: أريد شفيقا يحملني ونفقة تنهضني [3] ، فقرروا بينهم إطلاق ستين دينارا لنفقة من يصحبه من الغلمان، والتزم بعض القواد منها ثلاثة دنانير ونصفا.
فلما كان الليل من ليلة الاثنين سادس ربيع الأول خرج في نفر من غلمانه، فمضى إلى عكبرا على وجه المخاطرة، فتبادر الغلمان إلى دار المملكة، فنهبوا ما فيها وكتب الإصفهلارية عن نفوسهم، وعن فرق من الغلمان وطوائفهم كتبا إلى الملك أبي كاليجار بما فعلوه في خدمته، وهنئوه باجتماع الكلمة علي طاعته، واستدعوا منه إنفاذ من يدبر الأمور ويحفظ نظام الجمهور، / وأخرجوا بها ركابية، فقال: هؤلاء الأتراك يكتبون ما لا يعقدون الوفاء به ويعدون ولا يصدقون، فإن كانوا محقين في طاعتهم فليظهروا شعارنا، وليخرجوا من عندهم ولا أقل من أن يخرجوا إلينا منهم خمسمائة غلام ليكون توجهنا معهم، فأما بالاغترار بأقوال لا يعرف ما وراءها فلا والوجه أن يعلل القوم بالمدافعة وتوقعوا ما تحدثه الأيام، فإنهم في كل يوم يضعفون وتدعوهم الضرورة إلينا، فنأخذ الأمر عفوا، ونربح المال الذي ننفقه، والغرر الذي نركبه، وكان من وزراء أبي كاليجار أبو منصور بن فنة، وكان فاضلا ومن آثاره دار كتب وقفها على طلاب العلم
__________
[1] في ص، ل: «فأزعجه وانفذ خواص» .
[2] في الأصل: «وغيرها وخير البواقي» .
[3] في ص: «ونفقة تنهضني» .

(15/224)


جمع فيها تسعة عشر ألف مجلد ما فيها إلا أصل منسوب، وفيها أربعة آلاف ورقة بخط بني مقلة، ثم اختلت المملكة، وقطع عن جلال الدولة المادة حتى أخرج من ثيابه وآلاته الحقيرة وباعها في الأسواق، وخلت داره من حاجب وفراش وبواب، وصار أكثر الأبواب مغلقا، وقطع ضرب الطبل له في أكثر الأيام لانقطاع الطبالين، وظهر العيارون، وكثر الاستقفاء والكبسات، ومد الأتراك أيديهم إلى الغصوب، وتشاور القواد في أن يخطب للملك أبي كاليجار، فقال بعضهم: لا نخطب لأحد حتى تستقر أمورنا معه، وخرج الملك إلى عكبرا، وقصد حلة كمال الدولة أبي سنان فاستقبله وقبل الأرض بين يديه، وقال له: خزانتي وأموالي وبلادي لك، وأنا أتوسط بينك وبين جندك، وزوجه ابنته ثم مضى إليه جماعة/ من الجند واعتذروا مما فعلوا، وأعيدت خطبة جلال الدولة في السابع عشر من ربيع الأول، فأقيمت في جامع المدينة، وجامع الرصافة، ولم تقم في جامع الخليفة، ثم أقيمت فيه في الجمعة الثالثة.
وفي يوم السبت الثامن عشر منه: خرج أبو منصور بن طاس الحاجب، وأبو القاسم علي بن أبي علي، وخادمان إلى حضرة الملك بكتاب من الخليفة يتضمن الاستيحاش لبعده، ويهنئه بالسلامة وإسفار الأمور عن الاستقامة، ثم بعث الخليفة القاضي أبا الحسن الماوردي، ومبشرا الخادم إلى الملك أبي كاليجار إلى الأهواز بكتاب، قال الماوردي: قدمنا عليه فتلقينا وأنزلنا دارا عامرة وحملت إلينا إنزال كثيرة [1] ، ثم استدعينا إلى حضرته وقد فرشت دار الإمارة بالفروش الجميلة، ووقف الخواص والأصحاب على مراتبهم من جانبي سريره، وأقيم الجند في المجلس والصحن صفين، فما يتجاوز قدم قدما وفي آخر الصفين ستمائة غلام دارية البزة الحسنة والأقبية الملونة، فخدمنا وسلمنا وأوصلنا الكتاب وتردد من القول بين استخبار وأخبار الأخبار وابتداء وجواب ما يتردد مثله. وانصرفنا.
وأقيمت الخطبة في يوم الجمعة السابعة ليوم اللقاء، ثم جرى الخوض فيما طلبوه من اللقب [2] واقترحوا أن يكون اللقب السلطان المعظم مالك الأمم، فقلت: هذا لا
__________
[1] في ص: «وحملت إلينا الأتراك» .
[2] «ثم جرى الخوض فيما طلبوه من اللقب» : العبارة ساقطة من ص.

(15/225)


يمكن لأن السلطان المعظم الخليفة، وكذلك مالك الأمم، فعدلوا إلى ملك الدولة فقلت: هذا ربما جاز، وأشرت أن يخدم الخليفة بالطاف/ فقالوا: يكون ذلك بعد التلقيب، فقلت: الأولى بأن يقدم، ففعلوا وحملوا معي ألفى دينار سابورية، وثلاثين ألف درهم نقرة، وعشرة أثواب خزا سوسيا، ومائة ثوب ديباجيا مرتفعة، ومائة أخرى دونها، وعشرين منا عودا. وعشرة أمناء كافورا، وألف مثقال عنبر، وألف مثقال مسكا، وثلاث مائة صحن صيني، ووقع بأقطاع وكيل الخدمة خمسة آلاف دينار مغربية من معاملات البصرة، وأن يسلم إليه ثلاثة آلاف قوصرة كل سنة، ويجاز بغير مئونة ولا ضريبة، وأفرد عميد الرؤساء أبو طالب ابن طالب بن أيوب بخمسمائة دينار وعشرة آلاف درهم، وعشرة أثواب ديباجا وعدنا إلى بغداد، فرسم لي الخروج إلى جلال الدولة وإعلامه الحال، فخرجت وتلطفت في إجراء حديث اللقب، وما سأله الملك فثقل عليه ذلك ثقلا اقتضاء وقوف الأمر فيه.
وفي ربيع الآخر وكان في أذار: جمد الماء جمودا ثخينا حتى في حافات دجلة، وهبت ريح رمت رملا أحمر، وقام الثلج ما جمع ودق واستمر تأخر الأمطار، وأجدبت الأرض وتلفت وهلك المواشي وتلف جمهور الثمار.
وقوى أمر العيارين، وكبس رئيسهم البرجمي خانا، فأخذ جميع ما فيه، فقوتل فقتل جماعة، وكان يأخذ كل مصعد ومنحدر، وكبس دارا بسوق يحيى، وأخذ ما فيها وأحرقها هذا والعسكر ببغداد.
وفي هذا الشهر [1] : اجتمع الجند ومنعوا من الخطبة للخليفة لأجل رسول البيعة، فلم تصل الجمعة، فتلطف الأمر حتى أقيمت الخطبة في الجمعة الثانية [علي العادة] [2] .
[حلف الملك للخليفة يمينا حضرها المرتضى وقاضي القضاة]
وفي هذا الشهر [3] : حلف الملك للخليفة يمينا حضرها المرتضى وقاضي القضاة ابن ماكولا وغيرهما، وركب الوزير/ أبو القاسم من غد إلى دار الخلافة، فحضر عنده
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.

(15/226)


وحضر المرتضى وقاضي القضاة، فحلف الملك فكان فيها: «أقسم عبد الله أبو جعفر القائم بأمر الله أمير المؤمنين، فقال: والله الذي لا اله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك عالم السر والعلانية، وحق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وحق القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم لأقيمن لركن الدولة [1] جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة أبي نصر على إخلاص النية والصفاء ولألتزمن له شروط الموافقة والوفاء من غير إخلال بما يصلح حاله، ويحفظ عليه مكانه ولأكونن له على أفضل ما يؤثره من حراسته في نفسه، وما يليه ولوزير الوزراء أبي القاسم وسائر حاشيته وإقراره على رتبته وله علي بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذه على ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين، والله شهيد على ذلك وهذه اليمين يميني، والنية فيها نية جلال الدولة أبي طاهر» . وذلك في ربيع الآخر سنة [2] ثلاث وعشرين وأربعمائة.
وفي عشية يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادي الأولى: عند تصويب الشمس للغروب انقض كوكب كبير الجرم كثير الضوء، وعاد في هذا الوقت أمر العيارين فاشتد وتجدد القتال بين العوام، ثم ولى ابن النسوي، فردعهم ردعا تاما.
وفي نصف رجب: عصفت ريح شديدة ثلاثة أيام متصلة ليلا ونهارا واحتجبت منها السماء والشمس، ورمت ترابا أحمر ورملا.
وفي هذا الشهر [3] : زادت الأسعار، ووردت الأخبار بتلف الغلات في الموصل وأنه لم ترجع/ البذور في كثير من النواحي، وكذلك الأهواز وواسط، ووردت الأخبار عن الأحساء وتلك البلاد أن الأقوات عدمت، فاضطر أهل بادية كانوا فيها إلى أكل مواشيهم ثم أولادهم، وكان الواحد يعارض بولده ولد غيره [4] كيلا تدركه رقة في ذبحه وأكله، وفارق أهل البوادي منازلهم.
وفي ليلة الاثنين ثاني شوال: انقض كوكب أضاءت منه الأرض وارتاع له الناس، وكان في شكل ولم يزل يتقلب حتى اضمحل.
__________
[1] في ل: «لأقيمن الركن الدين» .
[2] في الأصل: «في ربيع الأول» .
[3] بياض في ت.
[4] في ص: «الواحد يقارض بولده ولد غيره» .

(15/227)


وفي يوم الأربعاء حادي عشر شوال: نزل الملك أبو طاهر من داره على سكر وانحدر في سميرية بمنكور إلى دار الخلافة، ومعه ثلاثة نفر من حواشيه، وصعد إلى بستان الدار، ورمى بعض معيناته القصب ودخله، ثم جلس تحت شجرة واستدعى نبيذا فشربه، وأمر الزامر أن يزمر فزمر، وعرف الخليفة ذلك فشق عليه وأزعجه وغلقت أبواب الدار على وجه الاستظهار، ثم خرج إليه القاضي أبو علي ابن أبي موسى، وأبو منصور بن بكران الحاجب، فخدماه ووقفا بين يديه وقالا له: قد سر مولانا السلطان قرب مولاه وانبساطه، وأما النبيذ والزمر فإنهما مما لا يجوز في هذا الموضع، فلم يقبل ولا امتنع، وقال لأبي منصور بن بكران: قل لمولانا أمير المؤمنين أنا عبدك، وقد حصل وزيري أبو سعد في دارك ووقف أمري بذلك، وأريد أن يتقدم بتسليمه إلي، فأراد أبو منصور أن يجيبه فزبره، وقال له: ليس الخطاب معك ولا الجواب عليك، وإنما أنت رسول، فامض وأعد ما قيل لك: فمضى وعاد بجواب يقال فيه: ما نعلم أن الوزير في دارنا ولا ها هنا امتناع عليك/ مما يؤدي إلى صلاح أمرك، فرده. وقال: أريد جوابا محصلا بفعل أو منع، فعاد وقال: الأمر يجري على ما تؤثره، فقال للمختص أبي غانم:
أشهد عليهم بأنهم يسلمون وزيري، فقال له: الأمر لك، وجعلوا يدارونه حتى نزل إلى زبزبه، وأصعد إلى داره، واجتمع من العامة على دجلة خلق كثير يهزءون بالقول ويخرجون إلى الحرق ومعهم سيوف وسكاكين مستورة، فلما كان من الغد استدعى الخليفة المختص أبا غانم، والقائد أبا الوفاء وقال لهما: قد عرفتما ما جرى أمس وإنه أمر زاد علي الحد وتناهى في القبح وقابلناه بالاحتمال والحلم وكان الأولى بجلال الدولة أن يتنزه عن فعله وينزهنا عن مثله ويتخلق بأخلاق آبائه في مراعاة الخدمة والتزام الحشمة، ويكفي ما نحن محملوه من مجاري الأفعال المحظورة ومتحملوه فيها من سوء السمعة والأحدوثة، فإن جرائر ذلك متعلقة بنا وأوزاره متعدية إلينا، إذ كانت هذه الأمور معصوبة بنا، وإنما فوضناها إلى جلال الدولة إحسانا للظن به، واعتقادا للجميل فيه، وليس من حقوق ذلك وما نفضي عليه من الأسباب المذكورة، ونتجرعه فيها من المرارة الشديدة، أن يرتكب معنا هذه المراكب المستنكرة ويجترئ علينا هذه الجرآت المستمرة، ونعامل حالا بعد حال، ووقتا بعد وقت بما يفارق فيه المراقبة والمجاملة،

(15/228)


وكيف كانت الصورة تكون لو جرى من ذلك الجمع نادرة غلط، وهل كان الفائت يستدرك، والآن فإما رجع معنا إلى الأولى وسلك الطريق المثلى، وإلا فارقنا هذا البلد ودبرنا أمورنا بما يجب.
فقبلا الأرض وأقاما بعض العذر ومضيا إلى الملك/ فأوردا عليه ما سمعاه، واعتذارهما عنه، فركب يوم الجمعة في زبزبه، وأشعر الخليفة بحضوره للاعتذار، فنزل إليه عميد الرؤساء أبو طالب بن أيوب [وخدم] [1] وقال له: تذكر حضوري للخدمة وتجديد الاعتذار من تلك الخرمة التي لم تكن بإرادة، ووقف حتى رجع بجواب يدل على قبول العذر وشكر ما استونف من الفعل، ثم يمم إلى الميدان بالحلبة، ولعب فيه بالصولجان وعاد في زبزبه.
وفي ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة: نقل تابوت القادر باللَّه من دار الخلافة إلى التربة بالرصافة، واختير هذا الوقت لأجل حضور حاج خراسان في البلد، واجتمع الأكابر وعليهم ثياب التعزية، وحمل التابوت إلى الطيار، ثم حمل من مشرعة باب الطاق على أعناق الرجال إلى التربة والجماعة مشاة بين يديه.
وصح عند الناس عدم المياه في طريق مكة والعلوفة فتأخروا وحضر الناس يوم الموكب لخمس بقين من هذا الشهر فأظهر أن أبا الحسن على بن ميكائيل الوارد من خراسان قد بذل إطلاق ألفي دينار تنفق على طريق مكة فرد الخبر على الخليفة ذلك وأطلقه من خزانته، وخلع علي ابن الأقساسي لتقلده النيابة عن المرتضى في الحج.
وورد الكتاب من البصرة بما جرى على حاج البصرة من أخذ العرب لهم على ثلاثة أيام من البصرة، وأنهم نهبوا وسلبوا وجاعوا، فبعث إليهم الوزير أبو الفرج ابن فسانجس جمالا وزادا وتمرا لحملهم ومعاونتهم.
[حج الناس [2] من الأمصار إلا من بغداد وخراسان]
وحج الناس من الأمصار إلا من بغداد وخراسان، وورد مع المصرية كسوة للكعبة ومال/ للصدقة وصلات لأمير مكة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.

(15/229)


ووردت الأخبار بما كان من الوباء والموت في بلاد الهند وغزنة وكثير من أعمال خراسان وجرجان والري وإصبهان ونواحي الجبل والموصل، وأن ذلك زاد على مجاري العادة، وخرج من إصبهان في مدة قريبة أربعون ألف جنازة، وكان ببغداد من ذلك طرف قوى، ومات من الصبيان والرجال والنساء بالجدري ما زاد علي حد الاحصاء، حتى لم تخل دار من مصاب، واستمر هذا الجدري في حزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الأول والثاني، وكان في الصيف أكثر منه في الخريف، وجاء كتاب من الموصل أنه مات بالجدري أربعة آلاف صبي.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة مشتملة علي ما بين الحضرة وواسط والبطيحة وليس له من جميع ذلك إلا إقامة الخطبة والوزارة خالية عن ناظر فيها، ورأى رجل من إصبهان في النوم أن شخصا صعد منارة مسجد إصبهان، وكان أهل إصبهان إذ ذلك في خفض من العيش والراحة والأمن، وقال بصوت جهوري رفيع [1] إلى أن اسمع أهل إصبهان: «سكت نطق سكت نطق سكت نطق» ثلاث مرات فانتبه الرجل فزعا وحكى هذا المنام، فما عرف تأويله، فقال رجل: احذروا يا أهل إصبهان فاني قرأت في شعر أبي العتاهية:
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق
فما مر على هذا الحديث الا أيام قلائل حتى جاء مسعود بن محمود بن سبكتكين، فنهب البلد، وقتل عالما لا يحصى حتى قتل جماعة في الجوامع نسأل الله العافية.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3177- إسماعيل [3] بن إبراهيم بن علي بن عروة، أبو القاسم البندار
[4] :
__________
[1] في الأصل: «بصوت جوهري رفيع» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 313) .

(15/230)


ولد في رجب سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وحدث عن أبي سهل بن زياد [1] ، وأبي بكر الشافعي، وكان صدوقا وتوفي في محرم هذه السنة.
3178- روح [2] بن محمد بن أحمد، أبو زرعة [3] الرازي:
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: جد روح أبو بكر ابن السني الدينَوَريّ الحافظ واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بديح مولى عبد الله [4] بن جعفر بن أبي طالب. سمع أبو زرعة جماعة وقدم علينا حاجا فكتبنا عنه، ولقيته بالكرخ فكتبت عنه هناك، وكان صدوقا فهما أديبا، يتفقه علي مذهب الشافعي، وولى قضاء إصبهان، وبلغني أنه مات بالكرخ في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
3179- علي [5] بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم، أبو الحسن البصري المعروف بالنعيمي نسبة إلى جده
[6] :
حدث عن جماعة، وكان حافظا فاضلا شاعرا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت محمد بن علي الصوري يقول: لم أر ببغداد أحدا أكمل من النعيمي، كان جمع معرفة الحديث والكلام والأدب، ودرس شيئا من فقه الشافعيّ، قال: وكان أبو بكر البرقاني يقول: هو كامل في كل شيء لولا بأو فيه.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدنا الحسين بن عاصم، أنشدنا أبو الحسن [البصري المعروف] [7] بالنعيمي/ لنفسه:
__________
[1] في الأصل: «إسماعيل بن إبراهيم بن زياد» .
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 410) .
[4] في ل: «مولى عبيد الله» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 331، والكامل 8/ 205) .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/231)


إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
أبيا لنائل ذي ثروة ... تراه بما في يديه أبيا
فإن إراقه ماء الحياة ... دون إراقة ماء المحيا
توفي النعيمي في ذي القعدة من هذه السنة.
3180- مُحَمَّد [1] بن أحمد بن السرى بن أبي عون، أبو الحسن النهرواني
[2] :
سمع أبا بكر بن مالك الإسكافي وغيره.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، قَالَ: قدم علينا هذا الرجل بغداد في حياة أبي الحسين ابن بشران وكتبنا عنه، وكان صدوقا.
3181- محمد [3] بن الطيب بن سعيد بن موسى، أبو بكر الصباغ
[4] :
حدث عن أحمد بن سليمان النجاد، وأبي بكر الشافعي، وكان صدوقا.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي بن الحسن يقول: تزوج محمد بن [الطيب] [5] الصباغ زيادة على تسعمائة امرأة.
قال الخطيب: وسمعت محمد بن الطيب يقول: ولدت في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
ومات يوم الجمعة تاسع ربيع آخر سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 307) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 383، والبداية والنهاية 12/ 35) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/232)


ثم دخلت سنة أربع وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها [1] :
أن الخليفة هنئ بدخول الحمام من جدري ظهر به، وكتم الأمر فيه إلى أن برأ، وذلك في المحرم.
[كبس البرجمي العيار درب أبي الربيع]
وفي يوم الاثنين لست/ بقين من صفر كبس البرجمي العيار درب أبي الربيع ووصل إلى مخازن فيها مال عظيم، وتفاوض الناس أن جماعة من الإصبهلارية [2] خرجوا إليه وآكلوه وشاربوه، فظهر من خوف الخلق منه ما أوجب نقل الأموال إلى دار الخليفة، وواصل الناس المبيت في الدروب والأسواق للتحفظ، وزيد في حرس دار الخلافة، وطيف وراء السور وقتل صاحب [3] الشرطة بباب الأزج غيلة، واتصلت العملات، وكبست دار تاجر فأخذ منها ما قيمته عشرة آلاف دينار، وزادت المخافة من هذا العيار حتي صار أهل الرصافة وباب الطاق، ودار الروم [4] لا يتجاسرون علي ذكره إلا أن يقولوا القائد أبو علي لئلا يصل إليه منهم غير ذلك، وشاع عنه أنه لا يتعرض لامرأة ولا يمكن من أخذ شيء معها أو عليها.
[خروج جماعة من القواد والاصبهلارية في طلب البرجمي]
وفي ربيع الأول: خرج جماعة من القواد والاصبهلارية [5] في طلب هذا البرجمي
__________
[1] بياض في ت.
[2] في الأصل: «جماعة من الاسفسهلارية» .
[3] في ص، ل: «وراء السوق، وقتل صاحب» .
[4] في الأصل: «وباب الروم» .
[5] في الأصل: «الإسفسهلارية» .

(15/233)


عند زيادة أمره وتعاظم خطبه واتصال فساده، فنزلوا الأجمة التي يأوي إليها وهي أجمة ذات قصب وماء كثير تمتد خمسة فراسخ، وفي وسطها تل قد جعله معقلا ومنزلا، فترتب كل واحد من الإصبهلارية [1] علي باب من أبوابها، فخرج إليهم البرجمي في ركاء وعلى رأسه غلامه، وقال لهم: من العجب خروجكم إلي وأنا كل ليلة عندكم، فإن شئتم أن ترجعوا وأدخل إليكم فعلت، وأن شئتم أن تدخلوا إلي فافعلوا، فذكر أن قوما منهم راسلوه وقووا نفسه، وأروه أنهم يردون العسكر عنه.
وفي جمادي الأولى: كثرت العملات والكبسات، ووقع القتال في القلائين وعلى القنطرتين، وعاد الاختلاط، وطرحت النار فأحترق شيء عظيم وأسواق ومساجد وغيرها، ووقع النهب في درب عون، وأخذت أبوابه ودرب القراطيس إلى نهر الدجاج.
وفي هذه الأيام: تغيرت قلوب الجند، فقدم الوزير أبو القاسم فظنوا أن وروده للتعرض بأموالهم ونعمهم، واستوحشوا وأنكروا ورود الوزير من غير إجماع منهم ولا استقرار قاعدة معهم في أمره، وأظهر المطالبة بما أخذه الملك من مال بادرويا، فجاءت منهم جماعة إلى باب دار السلطان وصاحوا وجلبوا وأخذوا دواب من كان هناك، وانزعج الوزير ومن معه من الأكابر وبادروا الدخول إلى صحن الدار مبادرة ازدحموا فيها، وانقضى ذلك اليوم واجتمعوا من غد في مسجد القهرمانة وتكلموا في إهمال السلطان لأمورهم واخذ أموالهم، وعقدوا آراءهم على مراسلة الملك بتسليمه أقواما من أصحابه وخروجه من بغداد إلى واسط أو البصرة وإقامة أحد أولاده الأصاغر عندهم، ثم انفصلت طائفة منهم فاجتازوا على دار المملكة، فإذا باب البستان مفتوح فدخلوا بدوابهم، فعرف الملك فخرج من دور الحرم إليهم، فرأوه فتراجعوا قليلا فأطاف بهم غلمان الدار والحواشي، فأمرهم بالانصراف فتبعه أحد خواصه فضربه بآجرة فرجع ومشى وحده/ إلى القوم، وقال لهم: تعالوا حتى أسمع كلامكم وأنظر ما تريدون، فأحاطوا به وأخذوه وأخرجوه إلى دجلة وهم لا يدرون ما يفعلون، لأن الذي جرى منهم لم يكن علي أصل ولا اتفاق، وإنما كان تخليطا، وأنزلوه سميرية فلما حصل فيها قال بعضهم
__________
[1] في الأصل: «الاسفسهلارية» . وفي ل: «الإصفهسلارية» .

(15/234)


لبعض: هذا غلط وربما عبر إلى الجانب الغربي واعتصم بالكرخ واستجاش العوام، والصواب أن نحمله إلى مجمع الغلمان ليدبروا أمره بما يرون، فتسرعوا إلى رد السميرية وعلقوا بمجدافها واضطربت فدخلها الماء حتى ابتلت ثيابه وتكابوا عليه فرجموه وأخرجوه ومشوا به خطوات كثيرة، فأعطاه الأتراك فرسه فحملوه إلى الجمع بعد أن كلموه بكل قبيح وأقاموه راكبا في الشمس زمانا وأنزلوه فوقف علي عتبة الباب طويلا ثم دخل المسجد، فوكلوا به ثم تفرقوا إلى منازلهم وجاءت صلاة الظهر وهو مشتغل بالصلاة والدعاء ثم تآمروا على نقله إلى الدار المهلبية، فخرج القائد أبو الوفاء ومعه عشرون غلاما دارية وحواشي الدار والعامة ومن تاب من العيارين وهجم عليهم فدفعهم عنه، واستخرجوه من أيديهم فأعاده إلى داره، وكان ذلك في رمضان، فنقل الملك ولده وحرمه وما بقى من ثيابه وآلاته ودوابه وفرش داره إلى الجانب الغربي بعد أن نهب الغلمان ما نهبوا من ذلك، ثم عبر في آخر الليل إلى الكرخ، فتلقاه أهلها بالدعاء، فنزل في دار المرتضى بدرب جميل، وعبر الوزير أبو القاسم بعبوره فنزل في دار تجاوره، ثم اجتمع الغلمان وعزموا علي عقد/ الجسر والعبور للمطالبة لأهل الكرخ بإخراج الملك عنهم ثم تشاوروا فاختلفوا، فقال الخائفون من عقبي ما جنوا على الملك: هذا الملك قد أقل مراعاتنا والمبالاة بنا وأخذ أموالنا وتركنا جياعا، وما ينفع فيه عذل ولا يصلحه قبيح ولا جميل، وقد كان منا إليه ما قد علمتم أولا وأخيرا ما لا يصفو لنا معه نية منه. وقال آخرون: فما [ترون وما] [1] الّذي نفعل. وهل هاهنا من نجعله عوضا عنه وما بقى من بني بويه إلا هو وأبو كاليجار ابن أخيه قد سلم الأمر إليه ومضى إلى فارس وتنحل الأمر إلى أن كتبوا إلى الملك رقعة يقولون فيها: «نحن عبيدك ومماليكك ملكناك أمورنا ابتداء وقد ضيقت علينا مرة بعد مرة وتعدنا وتعتذر إلينا، ولا نجد أثر ذلك، ولك ممالك كثيرة فيجوز أن تطرح كلك عنها مدة وتوفر علينا هذه الصبابة من المادة. وهذا أمر قد اجتمعت عليه كلمتنا، ومن الصواب أن لا تخالفنا فيه وتحوج هذا العسكر إلى تجاوز ما قد وقفوا عنده» .
وأنفذوا الرقعة إلى المرتضى ليعرضها ويتنجز جوابها، فعرضها عليه، فأجاب:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/235)


«بأنا معترفون لكم بما ذكرتم وما يحصل لنا نصرفه إليكم، وأما خروجنا فالأحوال التي نقاسيها تدعو إليها ولو لم تسألوه وهذه [1] أيام صوم وحر، وإذا انقضت انحدرنا علي ما هو أجمل بنا وبكم» فلما وصل الجواب نفروا وقالوا: إنما غرضه المدافعة لينتقض ما عقدنا من غرضنا، ولا نتركه إلا اليوم أو غدا، فقال بعضهم: هذا لا يحسن ولكن/ كاتبوه ليقتصر على مدة قريبة، فكاتبوه فأجاب: إذا قدرتم مدة قريبة يمكن إنجاز أموري في مثلها، وندبتم من يكون في صحبتي، وعينتم على اليوم الذي تختارونه لم أتأخر عنه، فوصل الجواب وجمعهم أقل من كل يوم فوجموا، وقال بعضهم لبعض: إذا خرج فعلى ما نعول بعده، فكتبوا إليه قد شكرنا إنعام مولانا ونحن نسأل قبل الخروج أن يحلف لنا على صلاح النية، وأن لا يريد بنا سوءا أو يرتب عندنا أحد الأمراء الأصاغر برسم النيابة عنه ثم ينحدر.
وأنفذ الملك في أثناء هذه المراجعات إلى الأصاغر يستميلهم ويعدهم، وجاءه بعضهم ليلا فخاطبهم بما استصلحهم به فوعدوه فل هذه العزيمة، وراسل كلا من الأكابر وأراه سكونه إليه وتعويله عليه، والتمس حاجب الحجاب منه تجديد اليمين على سلامة الاعتقاد فيه، وأن لا يستوزر أبا القاسم، ففعل فاجتمعوا في مسجد القهرمانة وقال بعضهم لبعض: جلال الدولة ملكنا ونحن جنده، وباكروا دار المرتضى ودخلوا إلى الملك وقبلوا الأرض بين يديه واستصفحوا عما جرت الهفوة فيه، وسألوه العود إلى داره، فركب معهم إلى دار المرتضى التي [بناها] [2] علي شاطئ دجلة، وسكنت الثائرة، ورضوا بالوزير أبي القاسم، وأقام جلال الدولة مكانه حتى تكرر سؤالهم فعبر إلى داره.
وفي هذه الأيام [3] : تبسط العامة وانتشر العيارون وقتلوا وترددوا في الكرخ حاملين السلاح. وتبعهم أصاغر المماليك، ومضت الأيام علي كبس المنازل ليلا والاستقفاء نهارا فعظمت المحنة/ وتعدوا إلى الجانب الشرقي ففسد، ووقع بين عوامه من أهل باب الطاق وسوق يحيى قتال اتصل وهلك فيه جماعة، فاجتمع الوزير وحاجب
__________
[1] في الأصل: «ولو لم تطلبوه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] بياض في ت.

(15/236)


الحجاب على تدبير الأمور، وقلد أبا محمد ابن النسوي البلد، وضم إليه جماعة فطلب العيارين وشردهم، ثم قتل رفيق لابن النسوي فخاف واستتر وخرج عن البلد. فعاد الأمر كما كان وكبس البرجمي دارا في ظهر دار المرتضى في ليلة الثلاثاء لعشر بقين من شوال، واخذ منها شيئا كثيرا، وصاح أهل الدار والجيران فلم يجدوا مغيثا.
فلما كان يوم الجمعة: ثار العوام في جامع الرصافة ومنعوا من الخطبة، ورجموا القاضي أبا الحسين بن العريف الخطيب وقالوا: أن خطبت للبرجمي وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك. ثم أقيم علي المعونة أبو الغنائم بن علي فركب وطاف وقتل فوقعت الرهبة، ثم عاد واتفق أن بعض القواد أخذ أربعة من أصحاب البرجمى فاعتقلهم، فأخذ البرجمي أربعة من أصحاب ذلك القائد، وجاء بهم وأقبل إلى دار القائد [1] ، فطرق عليه الباب فخرج فوقف خلف الباب، فقال له: قد أخذت أربعة من أصحابك عوضا عمن أخذته من أصحابي فأما أن تطلق من عندك لأطلق من عندي، وإما أن أضرب رقابهم، وأحرق دارك وانصرف وشأنك ومن عندك، فسلم القوم إليه، ومما يشاكل هذا الوهن أن أحد وجوه الأتراك بسوق يحيى أراد أن يختن ولدا له فأهدى إلى البرجمي حملانا وفاكهة وشرابا، وقال: هذا نصيبك من طهر فلان ولدي. واستذم منه على داره.
/ وتأخر ورود الحاج الخراسانية في هذه السنة، وتأخر المصريون خوفا من البادية، وخرج أهل البصرة فخفروا فغدروا بهم ونهبوهم وارتهنوهم.
ذكر من توفي في هذه السنة [2] من الأكابر
3182- أحمد [3] بن الحسين [4] بن أحمد، أبو الحسن الواعظ المعروف بابن [5] السماك:
__________
[1] في الأصل: «إلى باب القائد» .
[2] بياض في ت.
[3] بياض في ت.
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 110، البداية والنهاية 12/ 35) .

(15/237)


ولد سنة ثلاثين وثلاثمائة، وحدث عن جعفر الخلدي وغيره، وكان يعظ بجامع المنصور، وجامع المهدي، ويتكلم على طريقة التصوف.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين، قال: حكى لي أبو محمد التميمي، أن أبا الحسين بن السماك الواعظ دخل عليهم يوما وهم يتكلمون في أبابيل، فقال: في أي شيء أنتم؟ فقالوا: نحن في ألف أبابيل، هل هي ألف وصل أو ألف قطع، فقال: لا ألف وصل ولا ألف قطع، وإنما ألف سخط، ألا ترى إنه بلبل عليهم عيشهم. فضحك القوم من ذلك.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: قال لي أبو الفتح محمد بن أحمد المصري: لم أكتب ببغداد عمن أطلق عليه الكذب غير أربعة منهم أبو الحسين بن السماك.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.

(15/238)


ثم دخلت سنة خمس وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث [1] فيها:
[عود العيارين إلى الانتشار]
عود العيارين إلى الانتشار ومواصلة الكبسات/ بالليل والنهار ومضى البرجمي إلى العامل على الماصر الأعلى بقطيعة الدقيق، فقرر معه أن يعطيه في كل شهر عشرة دنانير من الارتفاع ويطلقوا له سميريتين كبيرتين بغير اعتراض، وأخذ عهده على مراعاة الموضع، وواصل البرجمي محال الجانب الشرقي حتى خرب كثير منه، ودخل خان القوارير بباب الطاق فأخذ منه شيئا عظيما، وعبر إلى الجانب الغربي وطلب درب الزعفراني. فمنع أصحابه عن نفوسهم، وتحارس الناس واجتمعوا طول الليل في الدروب وعلى السطوح، ثم جد الخليفة والسلطان في طلب العيارين.
وورد كتاب من الموصل ذكر فيه أن ريحا سوداء هبت بنصيبين فقلعت من بساتينها أكثر من مائتي أصل توتا وعنابا وجوزا ودحت بها على الأرض خطوات، وأنه كان في بعض البساتين قصر مبني بآجر وحجارة وكلس فرمته من أصله، ومطر البلد بعد ذلك مطرا وقع معه برد كبار في أشكال الاكف والزنود والأصابع، وورد الخبر بأن البحر في تلك السواحل جزر نحو ثلاثة فراسخ، وخرج الناس إلى ما ظهر من الأرض يبتغون السمك والصدف، فجاء الماء وأخذ قوما منهم.
وكان بالرملة زلازل خرج الناس منها بأولادهم وحرمهم وعبيدهم إلى ظهر البلد،
__________
[1] بياض في ت.

(15/239)


فأقاموا ثمانية أيام وهدمت تلك الزلزلة ثلث البلد تقديرا، وقطعت المسجد الجامع تقطيعا، وأهلكت من الناس قوما، وتعدت إلى نابلس فسقط نصف بنيانها، وتلف ثلاثمائة نفس من سكانها وقلبت قرية بإزائها فخاست بأهلها وبقرها وغنمهم وخسف بقرى أخر، وسقط بعض حائط بيت المقدس، ووقع من محراب داود عليه السلام قطعة كبيرة، ومن مسجد إبراهيم/ عليه السلام قطعة إلا أن الحجرة سلمت، وسقطت منارة المسجد الجامع بعسقلان، ورأس منارة غزة.
واتفق في هذا الوقت كثرة الموتان ببغداد لا سيما في النساء [1] وكان معظمه بالخوانيق، وكان مثل ذلك بالموصل.
واتصل الخبر بما كان بنواحي فارس [وشيراز] [2] من الموت، حتى كانت الدور تسد على أصحابها وأن الفأر متن في الدور.
ثم عاد العيارون فظهروا، ثم بذلوا حفظ البلد ولزوم الاستقامة فأفرقوا على ذلك وفسح لهم في جباية ما كان أصحاب المسالح يجبونه من الأسواق وأعطوا ما كان لصاحب المعونة من ارتفاع المواخير والقيان [3] ، وكانوا يخاطبون بالقواد.
وفي هذا الأوان خاطب الدينَوَريّ الزاهد الملك في إزالة ضرائب الملح، وأعلمه ما يتطرق على الناس من الأذى بذلك، فأمر بذلك وكتب به منشور وقرئ في الجوامع، وكتب علي أبوابها بلعن من يتعرض لإعادة هذه الجباية، وكانت جارية في الخاص وارتفاعها نحو ألفي دينار في كل سنة.
ثم عاد أمر العيارين فانتشروا واتصلت الفتن بأهل الكرخ مع أهل باب البصرة والقلائين، وأهل باب الطاق مع أهل سوق يحيى، وأهل نهر طابق مع أهل الأرحاء وباب الدير، ثم انضاف إلى ذلك قتال جرى بين الطائفتين من الأتراك وكثر قتل النفوس ولم يقدر أحد على جناية أو يؤخذ بقود، وانتشرت العرب ببادرويا وقطربُّل، فنهبوا النواحي
__________
[1] في الأصل: «لا سيما بالشتاء» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «المواخير والعنان» .

(15/240)


وساقوا المواشي وقطعوا الطريق وبلغوا إلى أطراف بغداد حتى وصلوا إلى جامع المدينة، وسلبوا النساء/ ثيابهن في المقابر.
ثم عاد الجند إلى التشغيب وقالوا: قد كان قررت لنا أمور ما نرى لها أثرا ثم أدخلوا أيديهم في الأموال وخاص السلطان وقدروا ارتفاع ذلك، فكان أربعة وخمسين ألف دينار سابورية، وفتحوا، الجوالي وطالبوا أهل الذمة بها وخاضوا في أمر دار الضرب وإقامة صاغة فيها، وفسروا متاعا ورد من الموصل، واستوفوا ضرائبه.
وفي أول رمضان عمل ابنا الإصبهاني العياران اللذان كانا تابا وحصلا في دار المملكة وخدما في جملة فراشيها ومن في جملتها من العيارين مجانيق مذهبة للخروج إلى زيارة قبر مصعب بن الزبير مقابلة لما عمله عيارو الكرخ في النصف من شعبان من مثلها للخروج إلى زيارة المشهد بالحائر، ورفعوها وطافوا بالأسواق بها وبين أيديهم البوقات، ووقفوا بإزاء دار المملكة ومعهم لفيف كثير، ودعوا للسلطان وأحدث ذلك وقوع القتال بين هذه الطائفة وبين أهل الكرخ على باب درب الديزج وفي القلائين والصفارين وعند القنطرتين، وعظمت الفتنة واعترض كل فريق على من يجتاز من أهل محال الفريق الآخر، وقتلت النفوس وأخذت الأموال ومنع أبناء الأصفهاني من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ورواضعه حتى تأذى الناس بذلك ولحقتهم المشقة، وبيعت الراوية بدرهمين وثلاثة ثم توسط الأمر بين الفئتين فاصطلحتا.
[غرق البرجمي اللص بفم الدجيل]
وفي ليلة الأحد سادس عشر رمضان: غرق البرجمي اللص بفم الدجيل، أخذه معتمد الدولة فغرقه بعد أن بذل مالا كثيرا علي أن يترك فلم يقبل منه، ثم دخل أخو البرجمي إلى بغداد فأخذ أختا له من سوق يحيى/ وخرج فتبع وقتل.
[روسل المرتضى بإحضار العيارين]
وفي يوم السبت ثالث عشر شوال: روسل المرتضى بإحضار العيارين إلى داره وأن يقول لهم: من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته [1] ، ومن أراد خدمة السلطان استخدم مع صاحب البلد [2] ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمنا على نفسه ثلاثة أيام.
__________
[1] «من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته» : العبارة ساقطة من ص.
[2] في الأصل، ل: «استخدم مع صاحب المعونة» .

(15/241)


فعرض ذلك عليهم فقالوا: نخرج فخرجوا وتجدد الاستقفاء والفساد وقلد أبو محمد ابن النسوي المعونة لسكون أهل الكرخ إليه ثم خاف فاستعفى وأظهر التوبة ورد أبو الغنائم بن أبي علي، وقد حصلت له هيبة شديدة.
وفي ليلة الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة انقض شهاب كبير هال منظره، فلما جاءت ليلة الجمعة وقت العتمة انقض شهاب كأعظم ما يكون من البرق حتى ملأ ضوءه الأرض وغلب ضوؤه المشاعل، وروع من رآه، وتطاول مكثه من وقت انقضاضه إلى وقت انغضاضه زيادة على ما جرت به عادة أمثاله، وقال من لا يعلم: أن السماء انفرجت لعظم ما شهدوا منه.
وفي ذي الحجة وقع الموت، فذكر أنه مات في بغداد سبعون ألفا.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3183- أحمد [2] بن محمد بن أحمد بن غالب، أبو بكر الخوارزمي المعروف بالبرقاني
[3] :
ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ورحل إلى البلاد وسمع بها الكثير وكتب الكثير، وانتقل من دار إلى دار، فنقل كتبه في ثلاثة وستين سفطا وصندوقين، وكان إماما ثقة ورعا متقنا متثبتا فهما حافظا للقرآن عارفا بالفقه والنحو، وصنف في الحديث تصانيف، وكان الأزهري يقول: إذا مات البرقاني ذهب هذا الشأن، وقيل له: هل رأيت أنفس منه؟
قال: لا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: سمعت أبا محمد الخلال ذكر البرقاني فقال: كان نسيج وحده. قال ابن ثابت: وحدثني محمد بن يحيى الكرماني الفقيه قال: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 36) .

(15/242)


أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، قال: قال لي محمد بن علي الصوري:
دخلت على البرقاني قبل وفاته بأربعة أيام أعوده، فقال لي: هذا اليوم السادس والعشرون من جمادي الآخرة، وقد سألت الله تعالى أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب، فقد روي أن للَّه فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم. قال الصوري: وكان هذا القول يوم السبت، فتوفي صبيحة يوم الأربعاء مستهل رجب.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: مات البرقاني يوم الأربعاء أول يوم من رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ودفن في مقبرة الجامع مما يلي باب سكة الخرقي.
3184- أحمد [1] بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد، أبو العباس الأبيوردي
[2] :
أحد فقهاء الشافعيين من أصحاب أبي حامد الأسفراييني، سكن بغداد وولي القضاء بها على الجانب الشرقي ومدينة المنصور في أيام ابن الأكفاني، ثم عزل، وكان يدرس في قطيعة الربيع وله حلقه الفتوى في جامع المنصور، وقد سمع الحديث ورواه، وكان حسن الاعتقاد جميل الطريقة فصيح اللسان، يقول الشعر، وكان صبورا على الفقر كاتما له.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن ثابت، قال: ذكر لي عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ عمن حدثه أن القاضي أبا العباس الأبيوردي كان يصوم الدهر، وأن غالب إفطاره كان على الخبز/ والملح، وكان فقيرا يظهر المروءة، ومكث شتوة كاملة لا يملك جبة يلبسها، وكان يقول لأصحابه: بي علة تمنعني من لبس المحشو، فكانوا يظنونه يعني المرض، وإنما كان يعني بذلك الفقر ولا يظهره تصونا.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة. ودفن في مقبرة باب حرب.
3185- الحسن [3] بن عبيد الله بن يحيى، أبو علي البندنيجي الفقيه القاضي
[4] :
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 214، والبداية والنهاية 12/ 37) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 343، الكامل 8/ 214، والبداية والنهاية 12/ 37) .

(15/243)


سكن بغداد، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الأسفراييني، ولم يكن في أصحابه مثله، وكان له حلقة في جامع المنصور للفتوى، وكان صالحا دينا ورعا. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3186- عبد الوهاب [1] بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد، أبو الفرج التميمي
[2] ، ولد سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وسمع من أبيه وغيره، وكان له في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى على مذهب أحمد بن حنبل.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بْنِ سُفْيَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أُكَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحَنَّانِ الْمَنَّانِ، فَقَالَ: الْحَنَّانُ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالْمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ.
قَالَ: الْخَطِيبُ بَيْنَ أَبِي الْفَرَجِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ تِسْعَةُ آبَاءٍ آخِرُهُمْ أُكَيْنَةُ.
توفي عبد الوهاب في ربيع الأول من هذه السنة ودفن عند قبر أحمد. رضي الله عنه.
3187- محمد [3] بن الحسن بن علي بن ثابت/ بن أحمد أبو بكر المعروف [4] بالنعماني:
ولد في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وسمع من أحمد بن سندي، وغيره، وكان سماعه صحيحا. توفي ليلة الخميس رابع جمادي الأولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير [وكان صدوقا ثقة] [5] .
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 32، والكامل 8/ 214، والبداية والنهاية 12/ 37) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 217) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/244)


ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث [1] فيها:
[ورود العرب المتلصصة إلى أطراف البلاد]
أنه تجدد في المحرم ورود العرب المتلصصة إلى أطراف البلاد [2] في الجانب الغربي وحدث منهم انهم إذا أسروا من أسروه أخذوا ما معه وطالبوه يفدي نفسه.
ثم ظهر قوم من العيارين ففتكوا وقتلوا، فنهض أبو الغنائم بن علي فقتل منهم نفس فعاودوا الخروج وقتلوا رجلين، وقاتلوا أبا الغنائم وتتابعت العملات والاستقفاء [3] وأخذ ما يحضر من جمال السقاءين وبغالهم، ونهض أبو الغنائم ففتك وأخذ وقتل ثم عاد الفساد، وحصل العيارون في دور الأتراك والحواشي يخرجون منها ليلا ويقيمون [فيها] [4] نهارا، وسقطت الهيبة بإهمال ما أهمل من الأمر، وكتب العيارون رقاعا يقولون فيها: أن صرف أبو الغنائم عنا حفظنا البلد وان لم يصرف فما نترك الفساد.
واتفق أن غلاما كبس قراحا للخليفة ونهب من ثمرته فامتعض الخليفة من ذلك وكوتب الملك والوزير بالقبض على هذا الغلام وتأديبه، فوقع التواني عن ذلك لضعف الهيبة، فزاد غيظ الخليفة فأمر القضاة بالامتناع عن الحكم، والفقهاء بترك الفتاوي، والخطباء بأن لا يحضروا أملاكا ولا يعقدوا عقدا، وعمل على إغلاق باب الجامع
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ل، ص: «المتلصصة أطراف البلد» .
[3] في ت: «العملات والاستعفا» كذا بدون نقط.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/245)


ومنع/ الصلاة فحمل الغلام ووكل به، ثم أطلق وعادت الفتن، وكثر القتل ومنع أهل سوق يحيى حمل الماء من دجلة إلى أهل باب الطاق والرصافة، وخذل الأتراك والسلطان في هذه الأمور حتى لو حاولوا دفع فساد زاد، وملك العيارون البلد.
وفي مستهل صفر: زاد ماء المد في دجلة البصرة حتى علا على الضياع نحو ذراعين، وسقط بالبصرة في هذا اليوم وليلته أكثر من ألفي دار.
وفي شعبان: وصل كتاب من الأمير مسعود بن محمود بن سبكتكين بفتح فتحه بالهند ذكر فيه أنه قتل من القوم خمسين ألفا، وسبى سبعين ألفا، وغنم منهم ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم، فرجع وقد أفسد الغزو بلاده فأوقع بهم وفتح جرجان وطبرستان.
[ووثب] [1] أبو الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي على عمه فقتله وأقام بإمارة بني خفاجة.
ثم اشتد أمر العيارين وكاشفوا بالإفطار في رمضان، وشرب الخمر وارتكاب الفجور.
وفي شوال: وقع حريق في وسط العطارين أحترق فيه عدة دور ودكاكين ومخازن، ونهب العيارون من أموال الناس وما كانوا يحصلونه من منازلهم [2] وخانباراتهم ما يزيد على عشرة آلاف دينار، وكانت النهابة تنقل النار من موضع إلى موضع، فتجعل ذلك طريقا إلى النهب، وعاد القتال بين أهل المحال، وكثرت العملات وأعيا الخرق على الراقع، وقال الملك: أنا أركب بنفسي في هذا الأمر.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان ولا العراق.
كر من توفي في هذه السنة [3] من الأكابر
3188- أحمد بن كليب الأديب الشاعر
[4] :
أخبرنا عبد الله بن المبارك الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «كانوا يحصلونه في منازلهم» .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 217، والبداية والنهاية 12/ 38) .

(15/246)


الحميدي، قال: حدثني أبو محمد علي بن [أحمد] [1] الفقيه الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديب، قال: كنت اختلف في النحو إلى أبي عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة أيام الحداثة، وكان معنا أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي قضاة الأندلس، قال محمد بن الحسن: وكان من أجمل من رأته العيون [2] ، وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب، وكان من أهل الأدب والشعر، فاشتد كلفه بأسلم وفارق صبره، وصرف فيه القول مستترا بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة، وتنوشدت في المحافل فلعهدي بعرس في بعض الشوارع والنكوري الزامر في وسط المحافل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم:
وأسلمني في هواه ... أسلم هذا الرشا
غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا
وشي بيننا حاسد ... يسأل عما وشى [3]
فلو شاء أن يرتشي ... على الوصل روحي رشا
ومغن محسن يسايره، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه، وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائرا أو مقبلا نهاره كله، فانقطع أسلم من الجلوس على باب داره نهارا، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحا وجلس على باب داره فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم/ وأخذ بإحدى يديه دجاجا وبالأخرى قفصا فيه بيض، كأنه قدم من بعض الضياع، ونحن جلوس مع أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يده، وقال: يا مولاي من يقبض هذا، فقال له أسلم: من أنت، فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية. وقد كان يعرف أسماء ضياعة والعاملين فأمر أسلم غلمانه بقبض ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم. ثم جعل يسأله عن أحوال الضيعة. فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وكان من أجمل الناس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/247)


جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي وإلى هاهنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علي جميع ما لي فيه راحة فقد صرت في سجنك، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي ولا جلست بعدها على بابي ليلا ولا نهارا، ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا.
قال محمد: واتصل بنا ذلك فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك، فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرض، قال محمد بن الحسن: فاخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال:
عدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: لم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له: فما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره، قال: فرحمته وتقطعت نفسي له فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه فاذن لي وتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة، فقال: وما هي؟
قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب/ من ذمام الطلب عندي. فقال: نعم ولكن قد تعلم أنه برح بي وشهر اسمي وآذاني، فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها والرجل يموت فتفضل بعيادته، فقال لي: والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا. فقلت له: لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء وإنما هي عيادة مريض.
قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت له: فقم الآن. قال: لست والله أفعل ولكن غدا.
فقلت له: ولا خلف؟ قال: نعم، فانصرفت إلى أحمد بن كليب فاخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك فارتاحت نفسه، فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد.
فوجم، وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة علي، وما أدري كيف أطيق ذلك؟.
قال: فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك [لي] [1] قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلا، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويل وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل، وقال لي: يا سيدي الساعة والله أموت وما استطيع أن انقل قدمي ولا استطيع أن أعرض هذا على نفسي. فقلت: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة، قال: ورجع هاربا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزق الرداء
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/248)


وبقيت قطعة منه في يدي لمدة وإمساكي له ومضى ولم أدركه، فرجعت ودخلت على أحمد بن كليب قال: وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآني من أول الزقاق مبشرا، قال:
فلما رآني تغير وجهه وقال: أين أبو الحسن؟. فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع، فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت، قال: / فثاب إليه ذهنه فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني واحفظ مني ثم أنشأ يقول:
أسلم يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل
قال: فقلت له: اتق الله ما هذه الخطة العظيمة، فقال: قد كان، قال فخرجت عنه فو الله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه [1] وقد فارق الدنيا.
قال الحميدي: قال لنا أبو محمد: وهذه قصة مشهورة عندنا، ومحمد بن الحسن ثقة، [ومحمد بن خطاب ثقة] [2] وأسلم هذا من بني خالد، وكانت فيهم وزارة وحجابة وأبوه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد، قال أبو محمد: ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب فعرفها، وقال: لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد المطر لا يكاد أحد يمشي في طريق وهو جالس على قبر أحمد بن كليب المذكور زائرا له قد تحين غفلة الناس في مثل ذلك اليوم، قال الحميدي: وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن النحوي لأحمد بن كليب وقد أهدى إلى أسلم كتاب الفصيح لثعلب:
هذا كتاب الفصيح ... بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا ... كما وهبتك روحي
__________
[1] في الأصل: «سمعت العياط عليه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/249)


3189- الحسن [1] بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران، أبو علي البزاز
[2] :
ولد في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وسمع عثمان بن أحمد الدقاق، والنجاد، والخلدي، وخلقا كثيرا/ وكان ثقة صدوقا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: حدثني محمد بن يحيى الكرماني، قال: كنا يوما بحضرة أبي علي بن شاذان فدخل علينا شاب لا يعرفه منا أحد فسلم، وقال: أيكم أبو علي بن شاذان؟ فاشرنا إليه، فقال له: أيها الشيخ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال لي: سل عن أبي علي بن شاذان؟ فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم انصرف الشاب، فبكى أبو علي، وقال: ما أعرف لي عملا استحق به هذا اللَّهمّ إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي وتكرير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره، قال: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
3190- الحسن [3] بن عثمان بن أحمد بن الحسن [4] بن سورة أبو عمر الواعظ المعروف بابن الفلو:
[5] .
ولد في ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، وسمع الحديث من جماعة، وكان يعظ وله بلاغة وفيه كرم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي، وأخبرنا ابن ناصر أخبرنا ابن خيرون، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدل، قال: أنشدنا أبو عمر ابن الفلو لنفسه:
دخلت على السلطان في دار عزه ... بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 39) .
[3] بياض في ت.
[4] في ص، ت: «أحمد بن الحسين» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 362، والبداية والنهاية 12/ 39) .

(15/250)


وقلت انظروا ما بين فقري وملككم ... بمقدار ما بين الولاية والعزل
توفي ليلة الأحد الرابع عشر من صفر في هذه السنة، وصلى عليه بجامع المدينة، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جنب/ أبي الحسين بن السماك.
3191- الحسين [1] بن أحمد بن عثمان بن شيطا، أبو القاسم [2] البزاز:
سمع أبا بكر الشافعي، قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة.
3192- الحسين [3] بن عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو عبد الله [4] العلاف:
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] [5] الخطيب، قَالَ: قال لنا الحسين [بن عمر] [6] :
ولدت في يوم الخميس الثالث من شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، قال: وسمع أبا بكر الشافعي، ويحيى بن وصيف، وأحمد بن جعفر بن سلم، كتبنا عنه وكان ثقة، يسكن الجانب الشرقي في درب السقاءين قريبا من سوق السلاح، وتوفي في رجب هذه السنة.
3193- حمزة [7] بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم أبو القاسم الجرجاني
[8] :
روى الحديث الكثير توفي فِي هذه السنة.
3194- عَبْد اللَّهِ [9] بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان، أبو محمد الصيرفي وهو أخو أبي [10] علي:
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 15) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 83) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 3/ 1089) .
[9] بياض في ت.
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 398) .

(15/251)


سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره، وكان صدوقا توفي في شعبان هذه السنة، ودفن بمقبرة باب الدير.
3195- عمر [1] بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو الفضل بن أبي سعد [2] الزاهد:
من أهل هراة، ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، قدم بغداد فحدث بها عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد الغطريفي، قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة، وتوفي بهراة في هذه السنة.
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 273) .

(15/252)


ثم دخلت سنة سبع وعشرين واربعمائة
[كبس العيارين دار بلوربك التركي]
فمن الحوادث [1] فيها:
أن العيارين كبسوا في المحرم دار بلوربك التركي بباب خراسان وأخذوا ما فيها.
ورد أبو محمد النسوي إلى باب البصرة لكشف العملة فأخذ هاشميا فقتله، فثار أهل الموضع ورفعوا المصاحف على القصب، ومضوا إلى دار الخلافة، وجرى خطب طويل.
وكانت قنطرة الشوك قد سقطت على نهر عيسى فبقيت مدة، فأمر الملك بعمارتها فتكامل عمارتها في المحرم، وكان أبو الحسين بن القدوري يشارف الإنفاق عليها.
وفي صفر: تقدم الخليفة بترك التعامل بالدنانير المغربية وأمر الشهود أن لا يشهدوا في كتاب ابتياع ولا إجازة ولا مداينة يذكر فيها هذا الصنف، فعدل الناس إلى القادرية والنيسابورية والقاشانية.
[دخول العيارون البلد في مائة رجل من الأكراد]
وفي ليلة الثلاثاء ثاني ربيع الآخر: دخل العيارون البلد في مائة رجل من الأكراد والأعراب والسواد فأحرقوا دار ابن النسوي، وفتحوا خانا، وأخذوا ما فيه، وخرجوا إلى الطريق والكارات على رءوسهم [2] .
[نقل أبو القاسم بن ماكولا وتسليمه إلى المرتضى]
وفي ربيع الآخر نقل أبو القاسم بن ماكولا الوزير بعد أن قبض عليه وسلم إلى المرتضى
__________
[1] بياض في ت.
[2] في ل، ص: «وخرجوا والكارات على رءوسهم» .

(15/253)


إلى دار المملكة فمرض ويئس منه، فروسل [1] الخليفة في معنى أخيه قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا، وقيل: هو يعرف أمواله فدافع عنه الخليفة وحامى وكادت الحال من الأتراك تشرف على أحد حالين [2] : إما تسليمه، وإما خرق لا يتلافى فكتب إلى الخليفة في حقه، فحرج في الجواب أنه لم يبق من أمرنا إلا هذا الناموس في حراسة من عندنا وهو لكم لا لنا، وهذا القاضي لم يتصرف تصرفا سلطانيا يلزمه فيه تبعة، ثم زاد الأمر في ذلك ورجع [3] الخليفة، فكتب إلى حاجب الحجاب/ رقعة قيل فيها قد زاد الأمر في إطراح مراقبتنا وإسقاط حشمتنا، وصار الأولى أن نغلق بابنا وندبر أمرنا بما نحرس به جاهنا، فأمسك عن المراجعة ثم إن الجند شغبوا على جلال الدولة، وقالوا: أن البلد لا يحتملنا وإياك فاخرج من بيننا فإنه أولى لك، فقال: كيف يمكنني الخروج على هذه الصورة أمهلوني ثلاثة أيام حتى آخذ حرمي وولدي وأمضي فقالوا لا نفعل ورموه بآجرة في صدره فتلقاها بيده وأخرى في كتفه فاستجاش الملك الحواشي والعوام، وكان المرتضى والزينبي والماوردي عند الملك فاستشارهم في العبور إلى الكرخ كما فعل في المرة الأولى، فقالوا: أليس الأمر كما كان وأحداث الموضع قد ذهبوا وحول الغلمان خيمهم إلى ما حول الدار إحاطة بها، وبات الناس على اصعب خطة، فخرج الملك نصف الليل إلى زقاق غامض، فنزل إلى دجلة فقعد في سميرية فيها بعض حواشيه فغرقوها تقديرا أنه فيها، ومضى الملك مستترا إلى دار المرتضى وبعث حرمه إلى دار الخليفة ونهب الجند دار المملكة وأبوابها وساجها، ورتبوا فيها حفظة فكانت الحفظة تخربها نهارا وتنقل ما اجتمع من ذلك ليلا، وراسل الجند الخليفة في قطع خطبة جلال الدولة فقيل لهم: سننظر، ثم خرج الملك إلى أوانا، ثم إلى كرخ سامرا، ثم خرجوا إليه واعتذروا، وصلحت الحال.
[ورود ظلمة طبقت البلد]
وفي جمادي الآخرة: وردت ظلمة طبقت البلد حتى لم يشاهد الرجل صاحبه الماشي بين يديه، / وأخذت بالأنفاس حتى لو تأخر انكشافها لهلك كثير من الناس.
__________
[1] في الأصل: «الى دار المملكة بعد أن مرض فروسل» .
[2] في الأصل: «تشرف على أحد أمرين» .
[3] في ل: «من ذلك ورجع الخليفة» .

(15/254)


وفي ضحوة نهار يوم السبت لثمان بقين من رجب: انقض كوكب غلب ضوؤه على ضوء الشمس، وشوهد في آخره مثل التنين أزرق يضرب إلى السواد، وبقي نحو ساعة.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3196- الحسن [2] بن وهب بن موصلايا الكاتب [3] المجود:
توفي في هذه السنة.
3197- علي [4] أبو الحسن بن الحاكم، صاحب مصر الملقب بالظاهر لاعزاز دين [5] الله.
توفي يوم الأحد النصف من شعبان هذه السنة، وكان عمره ثلاثين سنة إلّا أشهرا، فكانت ولايته ست عشرة سنة وتسعة أشهر، وولى بعده ولده ولقب المستنصر باللَّه
[6] .
3198- محمد [7] بن إبراهيم بن أحمد، أبو بكر الأردستاني
[8] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: كان الأردستاني يسكن إصبهان، وكان رجلا صالحا يكثر السفر إلى مكة ويحج ماشيا، وحدث ببغداد عن الدار الدارقطني وغيره، وكان ثقة يفهم الحديث قال: وبلغنا أنه مات بهمذان في سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
3199- محمد [9] بن الحسين [10] بن عبيد الله بن عمر بن حمدون، أبو يعلى الصيرفي المعروف بابن السراج
[11] :
ولد في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وسمع أبا الفضل الزهري، وكان ثقة فهما يعلم القراءات [12] والنحو. وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة/ من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 427) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 427) .
[6] في الأصل: «ولقب المنتصر باللَّه» .
[7] بياض في ت.
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 417) .
[9] بياض في ت.
[10] في الأصل: «بن الحسن» .
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 251) .
[12] في ص، ل: «فهما يعلم القرآن» .

(15/255)


ثم دخلت سنة ثمان وعشرين واربعمائة
[1] فمن الحوادث فيها [2] :
[خلع الخليفة على أبي تمام محمد بن محمد الزينبي]
أن الخليفة خلع على أبي تمام محمد بن محمد بن علي الزينبي وقلده ما كان إلى أبيه أبي الحسن من نقابة العباسيين والصلاة.
[تجدد شغب من الجند على جلال الدولة]
ثم تجدد شغب من الجند على جلال الدولة، ثم آل الأمر في هذه السنة إلى أن قطعوا خطبته وخطبوا للملك كاليجار، ثم عادوا وخطبوا لهما ثم صلحت حال جلال الدولة وحلف الخليفة له وقبض على ابن ماكولا، ووزر أبو المعالي بن عبد الرحيم.
[ورود كتاب من فم الصلح]
وفي ربيع الآخر: ورد كتاب من فم الصلح ذكر فيه أن قوما من أهل الجبل [3] وردوا وحكوا أنهم مطروا مطرا كثيرا [4] في أثنائه سمك وزن بعضه رطل ورطلان.
[بعث صاحب مصر مالا لينفقه على نهر بالكوفة]
وكان صاحب مصر قد بعث مالا لينفقه على نهر بالكوفة فجاء أهل الكوفة يستأذنون الخليفة، فجمع الفقهاء لذلك في جمادي الآخرة، فقالوا: هذا مال من فيء المسلمين وصرفه في مصالحهم صواب فأذن في ذلك.
[ثورة جماعة من العيارين وكبسهم الحبس بالشرقية]
وفي ليلة السبت لتسع بقين من جمادي الآخرة: ثار جماعة من العيارين فكبسوا الحبس بالشرقية وقتلوا بضعة عشر نفسا من رجاله المعونة، ثم عادوا في ذي الحجة،
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في الأصل.
[3] في ل: «من أهل الجبيل» .
[4] في الأصل: «أنهم نظروا مطرا كثيرا» .

(15/256)


فكثروا وأخذوا بغال السقاءين وثياب القصارين وانبسطوا انبساطا زائدا عن الحد.
ذكر من توفي في هذه السنة [1] من الأكابر
3200- أحمد بن محمد [2] بن أحمد بن جعفر، أبو الحسن القدوري الفقيه [3] الحنفي:
ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، قَالَ: سمع القدوري من عبيد الله بن محمد الجوشي ولم يحدث إلا بشيء يسير كتبت عنه، وكان صدوقا، وكان ممن أنجب في الفقه لذكائه، وانتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أبي حنيفة، وارتفع جاهه وكان حسن العبارة في النظر، مديما لتلاوة القرآن، وتوفي يوم الأحد الخامس من رجب هذه السنة، ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف.
3201- الحسن [4] بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب، أبو علي العكبراوي
[5] :
ولد بعكبرا في محرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وسمع الحديث على كبر من أبي علي بن الصواف، وأبي علي الطوماري، وابن مالك القطيعي، وكان فقيها فاضلا يتفقه على مذهب أحمد، وكان يقرأ القراءات ويعرف الأدب، ويقول الشعر، قال البرقاني:
هو ثقة أمين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت أخبرنا عيسى بن أحمد الهمذاني قال: قال لي أبو علي بن شهاب يوما: أرني خطك فقد ذكر لي أنك سريع الكتابة فنظر فيه فلم يرضه، وقال لي: كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية، وكنت أشتري كاغدا بخمسة دراهم فأكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال وأبيعه بمائتي درهم وأقله/ بمائة وخمسين درهما، قال ابن ثابت: وسمعت الأزهري يقول: أخذ السلطان
__________
[1] بياض في ت.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 40) .
[4] بياض في ت.
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 329، والبداية والنهاية 12/ 40، 41) .

(15/257)


من تركة بن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفه من الكروم والعقار، وكان أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة فلم يعطوا شيئا، توفي في ليلة النصف من رجب هذه السنة.
3202- الحسين بن علي [1] بن الحسين بن إبراهيم بن بطحا، أبو عبد الله التميمي المحتسب
[2] :
سمع أبا بكر الشافعي، وكان ثقة، سكن شارع باب الرقيق، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
3203- عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست، أبو عمرو [3] العلاف:
هو أخو عبد الله [4] ، وكان الأصغر، ولد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وسمع النجاد، وكان صدوقا توفي في صفر هذه السنة.
3204- لطف الله [5] بن أحمد بن عيسى أبو الفضل [6] الهاشمي:
كان ذا لسان وولى القضاء والخطابة، وسكن بدر زنجان [7] وأضر، وكان يروى حكايات وأناشيد من حفظه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: أنشدنا لطف الله بن أحمد، قال: أنشدنا أبو الحسن عمر بن أحمد النوقاتي السجزي [8] لنفسه:
وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبر الصديق الصديق
وكم من جواد وساعي الخطى ... يقصر عنه خطاه مضيق
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 77) .
[3] هذه الترجمة ساقطة من ت.
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 314) .
[4] في الأصل: «أخو عبيد الله» .
[5] بياض في ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 19، والبداية والنهاية 12/ 41) .
[7] في ص: «وسكن درب ريحان» .
[8] في ص: «بن أحمد النوقاتي الشجري» .

(15/258)


ورحب فؤاد الفتى محنة ... عليه إذا كان في الحال ضيق
/ توفي لطف الله في هذه السنة.
3205- مُحَمَّد [1] بن أَحْمَد بن محمد بن أبي موسى [واسم أبي موسى [2] عيسى] بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب، أبو علي الهاشمي القاضي
[3] :
ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعين، وسمع محمد بن المظفر، وأبا الحسين بن سمعون، وكان ثقة، وهو أحد فقهاء أصحاب أحمد بن حنبل، وكان يدرس ويفتي وله تصانيف [4] على مذهب أحمد، قال أبو علي: ضاق بي الأمر مرة قبعت، جلا داري وإذا رجل قد دخل علي فأنشد:
ليس من شدة تصيبك إلا ... سوف تمضي وسوف تكشف كشفا
لا يضق ذرعك الرحيب فإن ... النار يعلو لهيبها ثم تطفا
قال التميمي: دخلت على أبي علي في مرضه، فقال لي: اسمع مني الاعتقاد ولا تشك في عقلي، فما رأيت الملكين بعد. وتوفي [يوم الأحد [5] الثالث] من ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3206- محمد بن الحسن بن أحمد [بن محمد] [6] بن موسى، أبو الحسين الأهوازي ويعرف بابن أبي علي الأصبهاني
[7] :
ولد في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وقدم إلى بغداد من الأهواز، وخرج له أبو الحسن النعيمي أجزاء من حديثه، وسمع منه البرقاني إلّا أنه بان كذبه.
__________
[1] بياض في ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 354) .
[4] «وله تصانيف» : ساقطة ل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 218، والبداية والنهاية 12/ 41) .

(15/259)


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، حدثنا أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي، قَالَ: سمعت أبا نصر أحمد بن علي بن عبدوس، يقول:
كنا نسمي ابن أبي علي الإصبهاني جراب الكذب.
أقام الأهوازي ببغداد سبع سنين ثم خرج إلى الأهواز، ووصل الخبر بوفاته في هذه السنة.
3207- محمد [1] بن علي، أبو الحسن الزينبي نقيب العباسيين
[2] :
توفي بداء الصرع في هذه السنة، وقلد ابنه أبو تمام ما كان إليه.
3208- مهيار [3] بن مرزويه، / أبو الحسن الكاتب الفارسي
[4] :
كان مجوسيا فأسلم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وصار رافضيا غاليا، وفي شعره لطف إلا أنه يذكر الصحابة بما لا يصلح.
قال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنك كنت مجوسيا فأسلمت فصرت تسب الصحابة.
وكان منزله بدرب رياح بالكرخ، وكانت امرأة تخدمه فكنست الغرفة فوجدت خيطا فإذا هو خيط هميان فيه مال وكان قد نزل الدار قوم من الخراسانية الحاج فأخبرته فلم يتغير، وقال لها: قد تعبت حتى خبأته فلماذا نبشته، وكان فيه ألفا دينار وسعى به إلى جلال الدولة فقبض عليه ثم أطلقه.
ومن مستحسن شعره قوله:
أستنجد الصبر فيكم وهو مغلوب ... وأسأل النوم عنكم وهو مسلوب
وأبتغي عندكم قلبا سمعت به ... وكيف يرجع شيء وهو موهوب
__________
[1] بياض في ت.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 428) .
[3] بياض في ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 13/ 276، والكامل 8/ 224، والبداية والنهاية 12/ 41) .

(15/260)


[ومنها] [1] :
ما كنت أعرف ما مقدار وصلكم ... حتى هجرتم وبعض الهجر تأديب
وله:
أجيراننا بالغور والركب متهم ... أيعلم حال كيف بات المتيم
رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم ... سواء ولكن ساهرون ونوّم
تناءيتم من ظاعنين وخلفوا ... قلوبا أبت أن تعرف الصبر عنكم
/ ولما جلا التوديع عما حذرته ... ولم يبق إلا نظرة تتغنم
بكيت على الوادي فحرمت ماءه ... وكيف يحل الماء أكثره دم
ولما رأيت شعره مستحسنا كله اقتصرت على ما ذكرت.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3209- هبة الله [2] بن الحسن، أبو الحسين المعروف بالحاجب
[3] .
كان من أهل الفضل والأدب والتدين، وله شعر مستحسن:
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [4] القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أنشدني أبو الحسين الحاجب لنفسه:
يا ليلة سلك الزمان ... بطيبها في كل مسلك
إذ ارتعى روض المسرة ... مدركا ما ليس يدرك
والبدر قد فضح الظلام ... فستره فيه مهتك
وكأنما زهر النجوم ... بلمعها شعل تحرك
والغيم أحيانا يلوح ... كأنه ثوب ممسك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] بياض في ت.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 70، والكامل 8/ 225، والبداية والنهاية 12/ 42) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/261)


وكأن تجعيد الرياح ... لدجلة ثوب مفرك
وكان نشر المسك ينفح ... في النسيم إذا تحرك
وكأنما المنثور مصفر ... الذرى ذهب مشبك
والنور يبسم في الرياض ... فإن نظرت إليه سرك
شارطت نفسي أن أقوم ... بحقها والشرط أملك
حتى تولى الليل منهزما ... وجاء الصبح يضحك
/ واه الفتى لو أنه ... في ظل طيب العيش يترك
والمرء يحسب عمره ... فإذا أتاه الشيب فذلك
توفي هبة الله فجأة في رمضان هذه السنة رحمه الله. [1]
__________
[1] من هنا ساقط من ت حتى أحداث سنة 443، وسننبه على نهاية السقط.

(15/262)


ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة
[ورود الكتاب من عكبرا أن أهلها اجتمعوا ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم]
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد الكتاب من عكبرا بأن قوما من أهلها اجتمعوا [في] [1] ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم في ذلك، وصعدت طائفة منهم إلى روشن في المكان وتكاثروا عليه فسقط على الباقين فمات ثلاثة وأربعون نفسا منهم ست نسوة إحداهن حبلى.
وفي يوم الجمعة التاسع من جمادي الأولى: حضر أبو الحسن ابن القزويني الزاهد الجامع والخطيب على المنبر فاختلط الناس بين آت معه وناهض لتلقيه ومتشوق إلى رؤيته، ووقع الصياح فظن قوم أنه للصلاة، فقاموا ووقفوا طويلا إلى أن عرفوا الحال، فجلسوا وقعد القزويني عند المنبر، فلما قضيت الصلاة وضع منبر من وراء الشباك دون المقصورة، فوقف عليه ابن المذهب الواعظ فحمد الله وأثنى عليه وقرأ أحاديث الرؤية: «أنكم ترون ربكم» . فناداه ابن التميمي الواعظ! اذكر في كل باب حديثا، فلم يلتفت إلى قوله، فقام التميمي فتخطى رقاب الناس وصعد على المنبر وأخذ الكتاب من يده، وقرأ أحاديث الصفات ثم التفت إلى ابن القزويني فقال: أن رأى الشيخ الزاهد أن يقول قولا تسمعه الجماعة فيروونه عنه. / فقال: بلغهم عني أن القرآن كلام الله، وأن الجدال بدعة، والمتكلمين على ضلالة فذكر نحو هذا.
[حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار]
وفي رجب حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار، وحلف له أيضا أن لا يجري من أحدهما ما يؤذي الآخر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/263)


[جمع الأشراف والقضاة والفقهاء والشهود]
وفي سلخ رجب: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوجوه إلى بيت النوبة، واستدعى جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود، وخرج توقيع الخليفة في أمر العيار وإلزام أهل الذمة إياه، وكان في التوقيع: «بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الله تعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته التي لا تطاول اختار الإسلام دينا وارتضاه وشرفه [وأعلاه] [1] وبعث به محمدا واجتباه وأذل من ناواه، فقال تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ 9: 40 [2] وقال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9: 33 [3] وأمير المؤمنين يرى أن من أقرب الوسائل إلى الله به بقاء [4] ما كان حافظا للشرع ومجددا لمعالمه وقد كان الخلفاء الراشدون [فرضوا] [5] على أهل الذمة المعاهدين حدودا معقودة على الاستشعار والإخبات والاستكانة، والتفرد عن المسلمين إعظاما للإسلام وأهله ولما تطرق على هذه السنة الإغفال واستمر فيها الإهمال اطرحت هذه الطائفة دواعي الاحتراس، وتشبهت بالمسلمين في زيهم، فرأى أمير المؤمنين الإيعاز إلى جميع أهل الذمة بتغيير اللباس الظاهر مما يعرفون به عند المشاهدة، فليعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين» فقالوا: السمع والطاعة.
[الزيادة في ألقاب جلال الدولة]
وفي رمضان: استقر أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، فأمر الخليفة بذلك فخطب له به فنفر العامة ورموا الخطباء/ بالآجر، ووقعت فتنة، وكتب إلى الفقهاء في ذلك، فكتب أبو عبد الله الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية، وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً 2: 247 [6] وقال تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ 18: 79 [7] وإذا كان في الأرض [8] طول جاز أن يكون بعضهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: التوبة، الآية: 40.
[3] سورة: التوبة، الآية: 33، وغيرها.
[4] في ص، والأصل: «إلى الله تقي» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سورة: البقرة، الآية: 427.
[7] سورة: الكهف، الآية: 79.
[8] في ص: «وإذا كان في الأصل طول» .

(15/264)


فوق بعض لتفاضلهم في القوة والإمكان وجائز أن يكون بعضهم أعظم من بعض، وليس في ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين.
وكتب أبو الطيب الطبري أن إطلاق ملك الملوك [1] جائز ويكون معناه ملك ملوك الأرض فإذا جاز أن يقال كافي الكفاة وقاضي القضاة جاز ملك الملوك فإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة، وفيه قولهم: اللَّهمّ أصلح الملك فينصرف الكلام إلى المخلوقين.
وكتب التميمي نحو ذلك، وقد حكي عن قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي أنه كتب قريبا من ذلك، وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ أن الماوردي منع من جواز ذلك، وكان مختصا بخدمة جلال الدولة، فلما امتنع عن الكتابة انقطع عن خدمته، واستدعاه جلال الدولة بكرة يوم العيد، فمضى على وجل شديد يتوقع المكروه، فلما دخل على الملك قال له: أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك مع كونك أكثر الفقهاء مالا وأوفاهم جاها وحالا [2] وما حملك على مخالفتي إلا الدين، وقد قربك ذلك مني وزاد محلك في قلبي، وقدمتك على نظائرك عندي.
قال/ المصنف: الذي ذكره الأكثرون في جواز أن يقال ملك الملوك هو القياس إذا قصد به ملوك الدنيا إلا أني لا أرى إلا ما رآه الماوردي، لأنه قد صح في الحديث ما يدل على المنع، ولكن الفقهاء المتأخرين عن النقل بمعزل.
خبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاكِ» . قال أحمد: سألت أبا عمر والشيبانيّ عَنْ أَخْنَعَ، فَقَالَ: أَوْضَعُ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ كِلاهُمَا، عن سفيان، وقال سفيان: هو [3] مثل شاهنشاه.
__________
[1] في ص: «اطلاق ملك الملوك» .
[2] في الأصل: «جاها ومالا» .
[3] انظر الحديث في: (صحيح البخاري 8/ 56، والسنن الكبرى 9/ 307، وسنن الترمذي 2837، ومسند أحمد بن حنبل 2/ 244.

(15/265)


وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلا اللَّهُ» [1] .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ [2] : حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْخَلاسِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ نَبِيُّهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى [3] » .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3210- إسحاق بْن إبراهيم بْن مخلد بْن جعفر بن مخلد بن سهل، أبو الفضل/ المعروف بابن الباقرحي
[4] :
ولد سنة خمس وستين وثلاثمائة.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وكان صدوقا.
3211- الحسين [5] بن أحمد [6] بن سفيان، أبو علي العطار
[7] :
قال الخطيب كتبت عنه، وكان صدوقا، وتوفي في هذه السنة.
3212- علي بن الحسين بن مكرم، أبو القاسم صاحب عثمان:
توفي في هذه السنة وقام ابنه مقامه.
3213- محمد بن عمر بن الأخضر الداودي
[8] :
ولد سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وكان ثقة كثير السماع يفهم الحديث، توفي في شوال هذه السنة.
__________
[1] انظر الحديث في: (صحيح مسلم، الأدب 21، ومسند أحمد بن حنبل 2/ 315) .
[2] «قال» : ساقطة من ل.
[3] انظر الحديث في: (المستدرك 4/ 275، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 283) .
[4] في الأصل: «المعروف بابن التامرجي» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 404) .
[5] في ص: «الحسن بن أحمد» .
[6] في الأصل: «ابن رمضان أبو علي العطار» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 16) .
[7] في ل: «صاحب عمان» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 16) .
[8] في الأصل: «ابن خضر» . وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 38) .

(15/266)


ثم دخلت سنة ثلاثين وأربعمائة
[سقوط ثلج بجانبي مدينة السلام]
فمن الحوادث فيها:
أنه في ليلة الثلاثاء لست بقين من ربيع الآخر سقط ثلج بجانبي مدينة السلام من وقت العتمة إلى نصف الليل، وعلا على وجه الأرض قدر شبر، فرماه الناس من سطوحهم بالرفوش [1] ، وبقي أياما في الدروب.
وفي جمادي الآخرة ملك سلجوق خراسان والجبل، وهرب مسعود بن محمود بن سبكتكين، وأخذوا الدولة واستولى طغرل بك أبو طالب محمد وأخوه داود ونيروز أولاد ميكائيل على البلاد، وتقسموا الأطراف.
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من جمادي الآخرة، وكان العشرين من أذار: وافي حر شديد كأشد ما يكون في حزيران وتموز، فلما كان يوم الثلاثاء والأربعاء بعدهما جاء برد شديد جمد منه الماء.
وفي يوم الخميس من شعبان: جلس الخليفة، وخلع على قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن [علي [2] بن] ماكولا خلع التشريف قريبا مما طرقه من المصيبة بالوزير أبي القاسم أخيه، / وقرئ توقيع جميل في أمره.
__________
[1] في الأصل: «من سطوحهم بالفوس» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/267)


وفي يوم السبت النصف من هذا الشهر: قبل قاضي القضاة [أبو عبيد [1] الله] شهادة أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي.
وفي هذه السنة: خوطب أبو منصور ابن جلال الدولة بالملك العزيز، وكان مقيما بواسط وبه انقرض ملك بني بويه.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق ومصر والشام كثير أحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3214- أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق، أبو نعيم الإصبهاني [2] الحافظ:
سمع الكثير وصنف الكثير وكان يميل إلى مذهب الأشعري ميلا كثيرا.
أنبأنا محمد بن ناصر، أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن منده، قال: سمعت أن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت كان يقول: كان أبو نعيم يخلط المسموع له بالمجاز ولا يوضح أحدهما من الآخر، قال أبو زكريا: وسمعت أبا الحسين القاضي يقول:
سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر ابن خلاد فحدث به كله.
توفي أبو نعيم في ثاني عشر محرم من هذه السنة.
3215- الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن، أبو محمد المعدل المعروف بابن المسلمة
[3] :
ولد في سنة تسع وستين وثلاثمائة، وحدث عن محمد بن المظفر. وكان صدوقا ينزل درب سليم من الجانب الشرقي توفي في صفر هذه السنة.
3216- الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن حمزة، أبو علي الخطيب البلخي
[4] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 232، والبداية والنهاية 12/ 45) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 280) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 280) .

(15/268)


ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وحدث ببغداد، وكان صدوقا توفي ببلخ في هذه السنة.
3217- الحسن بن جعفر، / أبو الفتوح العلوي أمير مكة.
[1] توفي في هذه السنة.
3218- الحسن بن الحسين، أبو علي الرخجي
[2] :
وزر لمشرف الدولة أبي علي بن بهاء الدولة سنتين ثم عزل وكان في زمان عطلته عظيم الجاه، وتوفي في هذه السنة وقد قارب الثمانين، وكان قد قيل أن واسط خالية عن مارستان وهي مصر من الأمصار الكبار، وتجاورها البطائح وأعمالها، فاختار موضعا فجعله مارستانا وانفق عليه جملة وافرة وفتح في سنة ثلاث عشرة وحملت إليه الأدوية ورتب له الخزان والأطباء ووقف عليه الوقوف وتولى إثارة أموال فخر الملك أبي غالب [3] من غير ضرب بعصا فاستخرجها بألطف شيء، وكان فخر الدولة [4] قد أودع أقواما ولحن باسمائهم وكنى عن ألقابهم فكان فيها عند الكوسج اللحياني عشرون ألف دينار وعند بسرة بقمعها ثلاثون ألف دينار فلم يعرف من هذان فدخل عليه رجل كان يتطايب لفخر الملك ويأنس به وكان يلقبه الكوسج اللحياني لكثافة الشعر في أحد عارضيه وخفته في الآخر فدخل إلى الرخجي متظلما من جار له متقربا إليه بخدمة فخر الملك فقال له يا مولانا أنه كان يطلعني فخر الملك على أسراره ويلقبني بالكوسج اللحياني فقال لأصحابه لا تفارقوه إلا بعشرين ألف دينار وتهدده بالعقوبة فحملها بختومها ثم تفكر في قوله عند بسرة بقمعها فقال هو الصابئ فأحضر هلال بن المحسن فخاطبه سرا وكان هذا أحد كتاب فخر الملك فلم ينكر فقال له قم أيها الرئيس آمنا ولا تظهر/ هذا الحديث لأحد وأنفق المال على نفسك وولدك ثم حضر ابن الصابئ على أبي سعد بن عبد الرحيم في وزارته فقال له قد عرفت ما دار بينك وبين الرخجي وأنت تعلم حاجتي
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 429) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 429) .
[3] في ص: «فخر الدولة» ، وما أوردناه من الأصل.
[4] هكذا في الأصول.

(15/269)


إلى الحبة الواحدة وتاولي على من لا معاملة بيني وبينه ولا يسبقني الرخجي إلى مكرمة وما كنت لأنكب مثلك والصواب أن تشتغل بتاريخ أخبار الناس فاشتغل ابن الصابئ من ذلك الوقت بتاريخه الذي ذيله على تاريخ سنان فاستخدمه الملوك فلم يحتج إلى إنفاق شيء من المال وخلف ولده أبا الحسن غرس النعمة وخلف له أملاكا نفيسة على نهر عيسى وانفق مقتصدا في النفقة وعمر الأملاك ولم يطلع أحد من أولاده على حاله [1] وظن أولاده أن تركته تقارب الألف دينار فوجدوا له تذكرة تشتمل على دفائن في داره فحفروها فكانت اثنى عشر ألف دينار وكان ما خلفه من القماش وغيره لا يبلغ خمسين دينارا وأنفق أولاده التركة في أسرع زمان.
3219- الحسين بن محمد بن الحسن بن علي، أبو عبد الله المؤدب
[2] :
وهو أخو أبي محمد الخلال سمع أبا حفص بن الزيات وأبا الحسن بن البواب [3] وسافر إلى خراسان فسمع صحيح البخاري من إسماعيل بن محمد بن حاجب الكشميهيني وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3220- عبيد الله بن منصور بن علي بن حبيش، أبو القاسم المقرئ المعروف بالغزال من أهل الحربية
[4] :
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أنه كان شيخا صالحا ثقة ظاهر الخشوع كثير البكاء عند الذكر واقعد في/ آخر عمره سألته عن مولده فقال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3221- عبد الملك بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن محمد بن بشر بن مهران، أبو القاسم الواعظ
[5] :
ولد في شوال سنة تسع وثلاثين وسمع النجاد ودعلج بن أحمد والآجري وغيرهم
__________
[1] في ص: «أحد أولاده على ذلك» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 108، البداية والنهاية 12/ 45) .
[3] في الأصل: «وأبا الحسين بن البواب» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 383) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 432، والبداية والنهاية 12/ 46) .

(15/270)


وكان يسكن درب الديوان من الجانب الشرقي بالقرب من جامع المهدي وكان صدوقا ثبتا وكان يشهد عند الحكام قديما ثم ترك الشهادة رغبة عنها وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه بجامع الرصافة وكان الجمع يفوت الإحصاء ودفن في مقبرة المالكية إلى جانب أبي طالب المكي وصية منه بذلك.
3222- محمد بن الحسين بن خلف بن الفراء، أبو خازم القاضي أبي يعلى
[1] :
سمع أبا الفضل الزهري وعلي بن عمر السكري وأبا عمر بن حيويه والدار الدّارقطنيّ وابن شاهين وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن علي بن ثابت قال كتبنا عن أبي خازم وكان لا بأس به رأيت له أصولا سماعه فيها ثم بلغنا عنه أنه خلط في التحديث بمصر واشترى من الوراقين صحفا فروى منها وكان يذهب إلى الاعتزال ومات بتنيس في يوم الخميس سابع عشر محرم هذه السنة.
3223- محمد بن الحسين بن علي بن حمدون، أبو الحسن اليعقوبي
[2] :
حدث عن أبي القاسم ابن الصيدلاني وولي القضاء ببعقوبا والحسبة ببغداد وكان ثقة وقتله أبو الشوك [3] أمير الأكراد في ربيع الأول من هذه السنة.
3224- مُحَمَّد بن عبيد الله أبو بكر الدينَوَريّ [4] [الزاهد.
و] [5] كان يسكن بغداد ناحية الرصافة وكان حسن العيش وكان أبو الحسن القزويني يقول عبر الدينَوَريّ قنطره/ خلف من بعده وراءه وكان السلطان جلال الدولة يأتيه فيزوره وسأله يوما في ضريبة الملح كانت كل سنة ألفي دينار فتركها السلطان توفي في ليلة الأحد لسبع بقين من شعبان هذه السنة [6] واجتمع الناس من أقطار البلد وصلي
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 252) .
[3] في ص: «وقتله ابن الشوك» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «من شعبان هذه السنة» .

(15/271)


عليه في جامع الرصافة ثم حمل إلى جامع المدينة صلي عليه ثم جامع الحربية أيضا ودفن في مقبرة باب حرب.
3225- هبة الله بن علي بن جعفر، أبو القاسم ابن ماكولا
[1] :
وزر لجلال الدولة أبي طاهر مرارا وكان حافظا للقرآن عارفا بالشعر والأخبار وخنق بهيت في جمادي الآخرة من هذه السنة.
3226- الفضل بن منصور بن الظريف أبو الرضا
[2] :
أخبرنا محمد بن ناصر عن أبي زكريا التبريزي قال أنشدني أبو العلاء المعري لابن الظريف.
يا قالة الشعر قد نصحت لكم ... ولست أدهى إلا من النصح
قد ذهب الدهر بالكرام وفي ... ذاك أمور طويلة الشرح
وتطلبون النوال من رجل ... قد طبعت نفسه على الشح
وأنتم تمدحون [3] بالحسن و ... الظرف وجوها في غاية القبح
وأنتم تمدحون بالجود [4] و ... البذل لئاما في غاية الشح
من أجل ذا تحرمون رزقكم ... لأنكم تكذبون في المدح
صونوا القوافي فما أرى أحدا ... يغتر فيه الرجاء بالنجح
/ فإن شككتم فيما أقول لكم ... فكذبوني بواحد سمح
ويروى لابن الظريف.
ومخطف الخصر مطبوع على صلف ... عشقته ودواعي البين تعشقه
فكيف أطمع منه في مواصلة ... وكل يوم لنا شمل يفرقه
وقد تسامح قلبي في مساعدتي ... على السلو ولكن من يصدقه
أهابه وهو طلق الوجه مبتسم ... فكيف يطمعني في السيف رونقه
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 46) .
[3] في ص: «وأنتم تحمدون» .
[4] في ص: «وأنتم تحمدون بالجود» . وفي الأصل: «وأنتم تمدحون بالحسن» .

(15/272)