النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 715]
السنة السادسة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر،
وهى سنة خمس عشرة وسبعمائة.
(9/229)
فيها توفّى الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد
بن الحسين بن عبد الرحمن الأرمنتىّ «1» المعروف بابن الأسعد فى يوم
الجمعة رابع عشرين شهر رمضان. وكان فقيها شافعيا وتولّى القضاء وحسنت
سيرته.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة جلال الدين إسماعيل بن أحمد بن
إسماعيل ابن برتق «2» بن برغش بن هارون أبو طاهر «3» القوصىّ الفقيه
الحنفىّ، كان فقيها إماما بارعا، تصدّر بجامع أحمد بن طولون، وأقرأ
الفقه والقراءات والعربية سنين، وانتفع به الناس وصنّف وحدّث ونظم
ونثر. ومن شعره وهو فى غاية الحسن:
أقول له ودمعى ليس يرقا ... ولى من عبرتى إحدى الوسائل
حرمت الطّيف منك بفيض دمعى ... فطرفى فيك محروم وسائل
وله أيضا:
أقول ومدمعى قد حال بينى ... وبين أحبّتى يوم العتاب
رددتم سائل الأجفان نهرا ... تعثّر وهو يجرى فى الثّياب
(9/230)
وتوفى قاضى القضاة تقىّ الدين أبو الفضل
سليمان «1» بن حمزة بن أحمد بن عمر بن قدامة المقدسىّ الحنبلىّ بقاسيون
فى عشر «2» ذى القعدة ودفن بتربة جدّه شيخ الإسلام أبى عمر. وكان إماما
عالما عاملا جمع بين العلم والعبادة، وسمع الحديث بنفسه وحدّث
بمسموعاته.
وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة السيد ركن الدين حسن بن محمد بن شرف شاه
الحسينىّ الأسترآباديّ، كان إماما مصنفا عالما بالمعقول، اشتغل على
النّصير الطّوسىّ وحصّل منه علوما كثيرة، وصار معيدا فى درس أصحابه،
وقدم الموصل وولى تدريس المدرسة النّورية «3» ، وبها صنّف غالب
مصنّفاته، مثل: شرح «4» مختصر ابن الحاجب.
وشرح مقدّمة ابن الحاجب فى النحو وهى التى تسمّى بالكافية، وعمل عليها
ثلاثة شروح: كبير «5» ومتوسط «6» وصغير «7» . وشرح الحاوى فى الفقه.
وشرح التصريف لابن الحاجب أيضا، وهو الذي يسمّى بالشافية، وشرح المطالع
فى المنطق، وشرح كتاب قواعد العقائد؛ وعدّة تصانيف أخر، ذكرناها فى غير
هذا الكتاب. وكانت وفاته بالموصل فى صفر.
(9/231)
وتوفّى الشيخ أصيل الدين الحسن ابن الإمام
العلّامة نصير الدين محمد بن محمد ابن الحسن «1» الطّوسى البغدادىّ.
كان عالى الهمّة كبير القدر فى دولة قازان، وقدم إلى الشام ورجع معه
إلى بلاده. ولما تولّى خربندا الملك ووزر تاج الدين على شاه قرّب أصيل
الدين هذا إلى خربندا؛ حتى ولّاه نيابة السلطنة ببغداد. ثم عزل وصودر.
وكان كريما رئيسا عارفا بعلم النجوم، لكنه لم يبلغ فيه رتبة أبيه نصير
الدين الطّوسىّ، على أنه كان له نظر فى الأدبيات والأشعار، وصنّف كتبا
كثيرة.
وكان فيه خير وشرّ وعدل وجور. ومات ببغداد.
وتوفّى الشيخ الصالح القدوة أبو الحسن علىّ ابن الشيخ الكبير علىّ
الحريرىّ شيخ الفقراء الحريريّة. كان للناس فيه اعتقاد وله حرمة عند
أرباب الدولة، وكان فيه تواضع وكرم، وكانت وفاته ببصرى من عمل دمشق فى
السابع والعشرين من جمادى الأولى، وله اثنتان وسبعون سنة.
وتوفّى الأمير بدر الدين موسى ابن الأمير سيف الدين أبى بكر محمد
الأزكشىّ، كان من أكابر الأمراء وشجعانهم. مات بدمشق فى ثامن شعبان
ودفن عند القبيبات «2» ، وكان شهما شجاعا. ظهر فى نوبة غزو مرج الصّفّر
مع التّتار عن شجاعة عظيمة.
وتوفّى الأمير حسام الدين قرالاچين بن عبد الله المنصورىّ الأستادار فى
الثامن «3» والعشرين من شعبان، وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على الأمير
آقوش الأشرفىّ نائب الكرك لمّا أفرج عنه، والإقطاع إمرة مائة وعشرين
فارسا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع. مبلغ الزيادة سبع
عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. والوفاء تاسع عشرين مسرى. والله أعلم.
(9/232)
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 716]
السنة السابعة من ولاية الملك الناصر الثالثة على مصر، وهى سنة ست عشرة
وسبعمائة.
فيها حجّ بالناس من مصر الأمير بهادر الإبراهيمىّ، وأمير الرّكب
الشامىّ أرغون السّلاح دار. وحجّ فى هذه السنة من أعيان أمراء مصر
الأمير أرغون الناصرىّ نائب السلطنة بديار مصر، وعزّ الدين أيدمر
الخطيرىّ، وعز الدين أيدمر أمير جاندار. وسيف الدين أركتمر السّلاح
دار. وناصر الدين محمد بن طرنطاى.
وفيها توفّى الشيخ الكاتب المجوّد نجم الدين موسى بن علىّ بن محمد
الحلبىّ ثم الدّمشقىّ المعروف بابن بصيص (بضمّ الباء ثانية الحروف) شيخ
الكتّاب بدمشق فى زمانه. وابتدع صنائع بديعة، وكتب فى آخر عمره ختمة
بالذهب عوضا عن الحبر. وكان مولده سنة إحدى وخمسين «1» وستمائة، ومات
ليلة الثلاثاء عاشر ذى القعدة. وله شعر على طريق الصوفيّة، من ذلك:
وحقّك لو خيّرت فيما أريده ... من الخير فى الدنيا أو الحظّ فى الأخرى
لما اخترت إلّا حسن نظم يروقنى ... معانيه أبدى فيه أوصافك الكبرى
وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة صدر الدين أبو عبد الله محمد بن زين
الدين عمر بن مكّى بن عبد الصمد العثمانى الشهير بابن المرحّل وبابن
الوكيل، المصرىّ الأصل الشافعىّ الفقيه الأديب، كان فريد عصره ووحيد
دهره، كان أعجوبة فى الذّكاء والحفظ.
ومولده فى شوّال سنة خمس وستين وستمائة بدمياط وكان بارعا مدرسا
مفتنّا، درّس بدمشق والقاهرة وأفتى، وعمره اثنتان وعشرون سنة، وكان
يشتغل فى الفقه
(9/233)
والتفسير والأصلين والنحو، واشتغل فى آخر
عمره فى الطبّ، وسمع الحديث الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، وصنّف
«الأشباه «1» والنظائر» قبل أن يسبقه إليها أحد، وكان حسن الشكل حلو
المجالسة وعنده كرم مفرط، وله الشّعر الرائق الفائق فى كلّ فنّ من ضروب
الشّعر. وكانت وفاته فى رابع عشرين ذى الحجّة ودفن بالقرافة فى تربة
«2» الفخر ناظر الجيش. وهو أحد من قام على الملك الناصر وانضمّ على
المظفّر بيبرس الجاشنكير. وقد تقدّم ذكر «3» ذلك كلّه فى أوائل ترجمة
الملك الناصر. ومن شعره:
أقصى مناى أن أمرّ على الحمى ... ويلوح نور رياضه فيفوح
حتّى أرى سحب الحمى كيف البكا ... وأعلّم الورقاء كيف تنوح
وله [دو بيت «4» ] :
كم قال: معاطفى حكتها الأسل ... والبيض سرقن ما حوته المقل
الآن أوامرى عليهم حكمت ... البيض تحدّ والقنا تعتقل
وله:
عيّرتنى بالسّقم طرفك مشبهى ... وكذاك خصرك مثل جسمى ناحلا «5»
وأراك تشمت إذ أتيتك سائلا ... لا بدّ أن يأتى عذارك سائلا
قلت: وله ديوان موشّحات وأحسنهم موشحته التى عارض بها السّراج المجّار
التى أوّلها:
ما أخجل قدّه غصون البان، بين الورق ... إلّا سلب المها «6» مع
الغزلان، سود الحدق
(9/234)
وقد ذكرناها «1» بتمامها فى ترجمته فى
تاريخنا «المنهل الصافى» وقطعة جيّدة من شعره.
وتوفّى الشيخ الأديب البارع المفتنّ أعجوبة زمانه علاء الدين علىّ بن
المظفّر بن إبراهيم [بن عمر «2» ] الكندى الوداعىّ المعروف بكاتب ابن
وداعة الشاعر المشهور، أحد من اقتدى به الشيخ جمال الدين ابن نباتة فى
ملح أشعاره. مولده سنة أربعين وستمائة، ومات ببستانه فى سابع عشر شهر
رجب بدمشق ودفن بالمزّة «3» ، وكان فاضلا أديبا شاعرا عالى الهمة فى
تحصيل العلوم. سمع الحديث وكتب الخطّ المنسوب ونظم ونثر وتولى عدّة
ولايات، وكتب بديوان الإنشاء بدمشق وتولّى مشيخة دار الحديث [النّفيسية
«4» ] وجمع التذكرة «5» الكنديّة تزيد على خمسين مجلّدا. وله ديوان شعر
فى ثلاثة مجلّدات. ومن شعره:
قال لى العاذل المفنّد فيها ... يوم زارت فسلّمت مختاله
قم بنا ندّع النبوّة فى العش ... ق فقد سلّمت علينا الغزاله
(9/235)
وله أيضا:
أثخنت عينها الجراح ولا إث ... م عليها لأنّها نعساء
زاد فى عشقها جنونى فقالوا ... ما بهذا فقلت بى سوداء
وله وهو أحسن ما قيل فى نوع التوجيه «1» :
من زار «2» بابك لم تبرح جوارحه «3» ... تروى أحاديث ما أوليت من منن
فالعين «4» عن قرّة والكفّ عن صلة ... والقلب عن جابر والسمع عن حسن
وله أيضا:
قيل إن شئت أن تكون غنيّا ... فتزوّج وكن من المحصنينا
قلت ما يقطع الإله بحرّ ... لم يضع بين أظهر المسلمينا
وقد ذكرنا من مقطّعاته عدّة كثيرة فى «المنهل الصافى» ، ولولا خشية
الملل لذكرناها هنا.
وتوفّى «5» الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله المنصورىّ المعروف
بالأفرم الصغير نائب الشام ببلاد مراغة «6» عند ملك التّتار. وقد تقدّم
خروجه «7» مع الأمير قراسنقر المنصورىّ من البلاد الشاميّة إلى غازان
ملك التتار فى أوائل دولة الملك الناصر الثالثة فلا حاجة فى ذكرها هنا
ثانيا. وكان ملك التتار أقطعه مراغة وقيل همذان «8»
(9/236)
فأقام بها سنتين «1» ، ومات بالفالج فى
ثالث عشر المحرّم. وكان أميرا جليلا عارفا مدبّرا عالى الهمّة شجاعا
مقداما. تقدّم من ذكره نبذة كبيرة فى ترجمة المظفّر بيبرس الجاشنكير.
وكانت ولايته على دمشق إحدى عشرة سنة متوالية إلى أن عزله الملك الناصر
لمّا خرج من الكرك.
وتوفّى الأمير سيف الدين كستاى «2» بن عبد الله نائب طرابلس بها.
وتولّى نيابة طرابلس من بعده الأمير قرطاى نائب حمص. وولى حمص بعد
قرطاى المذكور أرقطاى الجمدار.
وتوفّى الأمير سيف الدين طقتمر الدمشقىّ بالقاهرة بمرض السلّ. وكان من
خواصّ الملك الناصر وأحد من أنشأه من مماليكه.
وتوفّى الطواشى ظهير الدين مختار المنصورىّ المعروف بالبلبيسىّ
الخازندار فى عاشر شعبان بدمشق. وكان شهما شجاعا ديّنا، فرّق جميع
أمواله قبل موته على عتقائه ووقف أملاكه على تربته.
وتوفّيت السيّدة المعمّرة أمّ محمد «3» ستّ الوزراء المعروفة بالوزيرة
ابنة الشيخ عمر ابن أسعد بن المنجّا التّنوخيّة فى ثامن «4» عشر شعبان
بدمشق، ومولدها سنة أربع وعشرين وستمائة، روت صحيح البخارىّ عن [أبى
عبد الله «5» ] بن الزّبيدىّ وصارت رحلة زمانها، ورحل إليها من
الأقطار.
(9/237)
وتوفّى ملك «1» التتار خربندا (بفتح الخاء
المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وسكون النون) بن أرغون بن أبغا
بن هولاكو بن تولو بن چنكزخان السلطان غياث الدين، ومن الناس من يسمّيه
خدابندا (بضم الخاء المعجمة والدال «2» المهملة) والأصح ما قلناه.
وخدابندا: معناه عبد الله بالفارسىّ «3» ، غير أن أباه لم يسمّه إلّا
خربندا، وهو اسم مهمل «4» معناه «5» : عبد الحمار. وسبب تسميته بذلك
أنّ أباه كان مهما ولد له ولد يموت صغيرا، فقال له بعض الأتراك: إذا
جاءك ولد سمّه اسما قبيحا يعيش، فلما ولد له هذا سمّاه خربندا فى
الظاهر واسمه الأصلى أبحيتو «6» ؛ فلما كبر خربندا وملك البلاد كره هذا
الاسم واستقبحه فجعله خدابندا ومشى ذلك بمماليكه وهدّد من قال غيره ولم
يفده ذلك إلا من حواشيه خاصّة. ولما ملك خربندا أسلم وتسمّى بمحمد،
واقتدى بالكتاب والسّنة وصار يحب أهل الدين والصلاح، وضرب على الدرهم
والدينار اسم الصحابة الأربعة الخلفاء، حتى اجتمع بالسيد تاج الدين
الآوى «7» الرافضىّ، وكان خبيث المذهب، فما زال بخربندا، حتى جعله
رافضيّا وكتب إلى سائر ممالكه يأمرهم بالسبّ والرّفض، ووقع له بسبب ذلك
أمور. قال النّويرىّ:
كان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء ألّا يذكر أبو
بكر وعمر رضى الله عنهما وعزم على تجريد ثلاثة آلاف فارس إلى المدينة
النبوية لينقل
(9/238)
أبا بكر وعمر رضى الله عنهما من مدفنهما،
فعجّل الله بهلاكه إلى جهنّم وبئس المصير هو ومن يعتقد معتقده كائنا من
كان. وكان موته فى السابع والعشرين من شهر رمضان بمدينته التى أنشأها
وسمّاها السلطانيّة «1» فى أرض قنغرلان «2» بالقرب من قزوين، وتسلطن
بعده ولده بو سعيد فى الثالث عشر من شهر ربيع الأوّل من سنة سبع عشرة
وسبعمائة، لأنه كان فى مدينة أخرى وأحضر منها وتسلطن.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع. مبلغ
الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. والله تعالى أعلم.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 717]
السنة الثامنة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر،
وهى سنة سبع عشرة وسبعمائة.
فيها توفّى قاضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبى
الربيع سليمان بن سويد «3» الزّواوىّ المالكى قاضى دمشق بها، فى التاسع
من جمادى الأولى.
وكان فقيها عالما عالى الهمّة محدّثا بارعا مشكور السّيرة فى أحكامه.
(9/239)
وتوفّى القاضى الرئيس شرف الدين أبو محمد
عبد الوهاب بن جمال الدين فضل الله ابن المجلّى القرشىّ العدوى
العمرىّ، كاتب السر الشريف بدمشق فى ثالث رمضان ودفن بسفح قاسيون.
ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وكان إماما فى كتابة الإنشاء عارفا
بتدبير الممالك مليح الخطّ غزير العقل وخدم عدة سلاطين، وكان كاملا فى
فنّه لم يكن فى عصره من يدانيه ولا يقاربه. ومن شعره ما كتبه للشهاب
محمود فى صدر كتاب:
كتبت والقلب «1» يدنينى إلى أمل ... من اللّقاء ويقصينى عن الدار
والوجد «2» يضرم فيما بين ذاك وذا ... من الجوانح «3» أجزاء من النار
وتوفّى الأديب الفاضل شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن أبى المحاسن يعقوب
«4» ابن إبراهيم بن أبى نصر الطّيبى الأسدىّ بطرابلس فى سادس «5»
رمضان. ومولده فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان كاتب الدّرج بطرابلس
وكان فاضلا ناظما ناثرا.
ومن شعره:
ما مسّنى الضّيم إلّا من أحبّائى ... فليتنى كنت قد صاحبت أعدائى
ظننتهم لى دواء الهمّ فانقلبوا ... داء يزيد بهم همّى وأدوائى
من كان يشكو من الأعداء جفوتهم ... فإنّنى أنا شاك من أودّائى
(9/240)
وتوفّى الأمير أرسلان الناصرىّ الدّوادار
فى الثالث والعشرين من شهر رمضان، وكان هو وعلاء الدين ابن عبد الظاهر
صديقين فمرضا فى وقت واحد بعلّة واحدة وماتا فى شهر واحد. وخلّف أرسلان
جملة كثيرة من المال استكثرها الملك الناصر على مثله. وكان من جملة
أمراء الطبلخاناه واستقرّ عوضه دوادارا الأمير ألجاى الدوادار
الناصرىّ. وفى أرسلان هذا عمل علاء الدين ابن عبد الظاهر كتابه المسمّى
«بمراتع الغزلان «1» » .
وتوفّى الأمير سيف الدين قلّى السّلاح دار بالقاهرة. وكان من أعيان
أمراء الديار المصرية، وأنعم السلطان بإقطاعه ومنزلته [فى المجلس «2» ]
على الأمير چنكلى ابن البابا.
وتوفّى الأمير سيف «3» الدين ألدكز بن عبد الله السّلاح دار صهر الأمير
علم الدين سنجر الشّجاعىّ ومات فى الحبس.
وتوفّى الأمير سيف الدين ألكتمر بن عبد الله صهر الأمير بكتمر
الجوكندار أيضا فى الحبس حتف أنفه.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة
ثمانى عشرة ذراعا سواء. وكان نيلا عظيما غرقت منه عدّة أماكن. والله
أعلم.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 718]
السنة التاسعة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر،
وهى سنة ثمانى عشرة وسبعمائة.
(9/241)
فيها توفّى قاضى القضاه زين الدين أبو
الحسن علىّ ابن الشيخ رضىّ الدين أبى القاسم مخلوف ابن تاج الدين ناهض
المالكى النّويرىّ فى يوم الأربعاء ثامن «1» عشر جمادى الآخرة بمصر،
ودفن بسفح المقطّم. ومولده فى سنة عشرين «2» وستمائة. وكان فقيها ديّنا
خيّرا حسن الأخلاق. وولى القضاء بديار مصر فى سنة خمس وثمانين وستمائة،
فكانت مدّة ولايته ثلاثا وثلاثين سنة تقريبا، وعرضت عليه الوزارة فى
الدولة المنصورية لاچين فأباها خوفا من علم الدين [سنجر] الشّجاعىّ،
وتولّى بعده القضاء نائبه تقىّ الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى [بن
بدران «3» بن رحمة الإخنائى المالكىّ] .
وتوفّى الشيخ الإمام الزاهد بقيّة السّلف. أبو بكر ابن الشيخ المسند
المعمّر زين الدين أبى العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن
محمد بن إبراهيم بن أحمد ابن أبى بكر المقدسىّ الحنبلىّ. سمع الكثير
وحدّث. وكان شيخا كثير التّلاوة والصلاة على النّبىّ صلّى الله عليه
وسلّم، وحدّث فى حياة والده. ومولده سنة ست وعشرين وستمائة؛ وقيل سنة
خمس وعشرين. ومات ليلة الجمعة التاسع والعشرين من رمضان.
وتوفّى الأمير علاء الدين أقطوان الساقى الظاهرى فى عاشر شهر رمضان
بدمشق، وقد جاوز الثمانين سنة. وكان رجلا صالحا مواظب الجماعات، ويقوم
اللّيل.
وتوفّى الامير عز الدين طقطاى الناصرىّ، كان نائب الكرك فتمرّض فعزل عن
الكرك، وتوجّه إلى دمشق ليتداوى بها فمات فى رابع عشر شعبان.
(9/242)
وتوفّى الأمير سيف الدين منكبرس «1» نائب
عجلون. كان من قدماء المماليك المنصوريّة، وكان معظّما فى الدول وله
حرمة وافرة.
وتوفى الشيخ كمال الدين [أبو العبّاس «2» ] أحمد ابن [الشيخ جمال الدين
«3» ] أبى بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سجمان «4» البكرىّ
الوائلىّ الشّريشىّ «5» الفقيه الشافعى، مات بطريق الحجاز، وكان فقيها
عالما فاضلا.
وتوفّى الشيخ جمال الدين أبو بكر إبراهيم [بن حيدرة «6» بن علىّ بن
عقيل] الفقيه الشافعى المعروف بابن القمّاح فى سابع عشر ذى الحجّة.
وكان معدودا من فضلاء الشافعيّة.
وتوفى الشيخ المقرئ مجد الدين أبو بكر ابن الشيخ شمس الدين محمد بن
قاسم التّونسىّ المقرئ النحوىّ المالكىّ فى ذى القعدة بدمشق. وكان من
فضلاء المالكية.
وتوفى الأمير سيف الدين وقيل شمس الدين سنقر بن عبد الله الكمالى
الحاجب فى حبس الملك الناصر بقلعة الجبل فى شهر ربيع الآخر. وكان أوّلا
معتقلا بالكرك فأحضر هو والأمير كراى إلى القاهرة فحبسا بقلعة الجبل
إلى أن مات بها. وكان من عظماء الدولة ومن أكابر الأمراء، وتولّى
الحجوبيّة بالديار المصرية فى عدّة دول.
(9/243)
وكان أحد الأعيان بالديار المصريّة إلى أن
قبض عليه الملك الناصر وحبسه فى سلطنته الثالثة.
وتوفّى الأمير سيف الدين بهادر الشّمسىّ بقلعة دمشق، وكان أحد من قبض
عليه الملك الناصر وحبسه. وكان مشهورا بالشجاعة والإقدام.
وتوفّى الأمير سيف الدين منكوتمر الطّبّاخى، والأمير سيف الدين أركتمر
كلاهما بالجبّ من قلعة الجبل.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان ونصف. مبلغ الزيادة ست
عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا. وكان الوفاء بعد النّوروز بأيّام.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 719]
السنة العاشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر،
وهى سنة تسع عشرة وسبعمائة.
فيها توفّى الشيخ الصالح المعتقد أبو الفتح نصر بن سليمان «1» بن عمر
المنبجىّ «2» لحنفىّ بزاويته «3» بالقاهرة فى جمادى الآخرة، ودفن بجوار
الزاوية. ومولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وكان عالما زاهدا متقشفا،
سمع الحديث وبرع فى الفقه
(9/244)
والتصوّف، وأقبل عليه ملوك عصره. ذكر ابن
«1» أخيه الشيخ قطب الدين قال:
سألنى الشيخ يوما هل قرب وقت العصر؟ فقلت: لا، وبقى يسألنى عن ذلك ساعة
فساعة وهو مسرور مستبشر بوقت العصر، فلما دخل وقت العصر مات.
رحمه الله.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو عبد الله الحسين بن سليمان
بن فزارة الكفرى (بفتح الكاف «2» ) البصروىّ الحنفى فى ثالث عشر جمادى
الأولى ودفن بقاسيون، وكان فقيها محدّثا ناب «3» فى الحكم، وحمدت
سيرته، وسمع الكثير وبرع فى الفقه وغيره.
وتوفّى الأمير سيف الدين كراى المنصورىّ معتقلا بقلعة الجبل، وكان من
أكابر مماليك المنصور قلاوون، وولى نيابة القدس، ثمّ ولّاه الملك
الناصر محمد فى سلطنته هذه الثالثة نيابة الشام بعد قراسنقر، ثم قبض
عليه وحبسه بالكرك مدّة، ثمّ نقله إلى القاهرة وحبسه بقلعة الجبل إلى
أن مات فى هذا التاريخ.
وتوفّى الأمير سيف الدين إغزلو العادلى بدمشق، وكان من أكابر أمرائها،
وكان ولى نيابة دمشق فى أواخر دولة أستاذه الملك العادل زين الدين
كتبغا فعزله الملك المنصور حسام الدين لاچين عن نيابة دمشق، ثم صار بعد
ذلك من أمراء دمشق إلى أن مات. وكانت ولايته على نيابة دمشق نحوا من
ثلاثة أشهر، وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام.
وتوفّى الأمير سيف الدين قيران الشمسىّ بدمشق ودفن بقاسيون بتربة ابن
مصعب، وكان من جملة أمراء دمشق، وكان ديّنا خيّرا عفيفا مع كرم وشجاعة.
(9/245)
وتوفّى الأمير علاء الدين طيبرس بن عبد
الله الخازندارىّ نقيب الجيوش المنصورة وأحد أمراء الطبلخاناه فى
العشرين من شهر ربيع الآخر، ودفن بقبّته التى أنشأها بمدرسته على باب
جامع الأزهر. واستقرّ عوضه فى نقابة الجيش الأمير شهاب الدين أحمد بن
آقوش العزيزى المهمندار «1» . وطيبرس هذا هو الذي كان أنشأ الجامع
والخانقاه على النيل، وعرف ذلك المكان بالطّيبرسىّ، وقد تهدّم الجامع»
والخانقاه، ونقل صوفيّتها إلى مدرسته «3» التى أنشأها على باب الجامع
الأزهر على يمنة الداخل إلى الجامع. وكان من أجلّ الأمراء وأقدمهم،
وطالت أيامه فى وظيفته، أقام فيها أربعا وعشرين سنة، لم يقبل لأحد
هديّة، وإنما كان شأنه عمارة إقطاعه والزراعة، ومن ذلك نالته السعادة
وعمّر الأملاك. وكان ديّنا خيّرا بخلاف آقبغا عبد الواحد الذي عمّر
مدرسته «4» أيضا على باب الجامع الأزهر فى مقابلة طيبرس هذا.
وتوفّى الشيخ بدر الدين أبو عبد الله محمد بن منصور بن إبراهيم بن
منصور بن رشيد الربعى الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن الجوهرىّ. ولد
بحلب فى ثالث عشر صفر سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وكان فاضلا ديّنا
أثنى عليه الحافظ البرزالىّ فى معجمه.
وكانت وفاته فى يوم السبت سابع عشر «5» جمادى الآخرة من السنة. رحمه
الله.
(9/246)
وتوفّى الأمير سيف الدين أركتمر «1» بن عبد
الله السّليمانى الجمدار فجأة. وكان من أعيان الأمراء وأماثلهم.
وتوفّى القاضى فخر الدين أبو عمرو عثمان بن علىّ [بن يحيى «2» بن هبة
الله بن إبراهيم ابن المسلم] الأنصارىّ الشافعىّ المعروف بابن بنت أبى
سعد «3» فى جمادى الآخرة من السنة.
وتوفّى بدمشق الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد ابن الملك الأمجد [مجد
«4» الدين] حسن ابن الملك الناصر داود ابن الملك المعظّم عيسى ابن
الملك العادل أبى بكر بن أيّوب أحد أمراء دمشق فى شهر رجب.
وتوفى الملك المعظّم شرف الدين عيسى ابن الملك الزاهر مجير الدين داود
ابن الملك المجاهد أسد الدين شير كوه ابن الملك القاهر ناصر الدين محمد
ابن الملك المنصور أسد الدين شير كوه الكبير ابن شادى أحد أمراء دمشق
بالقاهرة فى ثانى ذى «5» القعدة.
كان قدمها فى طلب الإمرة فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بدمشق، فأدركته
المنيّة قبل عوده إلى وطنه.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر. مبلغ الزيادة سبع عشرة
ذراعا وإحدى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 720]
السنة الحادية عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على
مصر، وهى سنة عشرين وسبعمائة.
(9/247)
فيها توفّى قاضى القضاة كمال الدين أبو حفص
عمر ابن قاضى القضاة عزّ الدين أبى البركات عبد العزيز ابن الصاحب محيى
الدين أبى عبد الله محمد ابن قاضى القضاة نجم الدين أبى الحسن أحمد ابن
قاضى القضاة جمال الدين أبى الفضل هبة «1» الله ابن قاضى القضاة مجد
«2» الدين أبى غانم محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبى جرادة
العقيلى الحلبىّ الحنفىّ الشهير بابن العديم قاضى قضاة حلب وغيرها. كان
فقيها عالما مشكور السّيرة. وكمال الدين هذا غير ابن العديم «3»
المتقدّم صاحب «تاريخ «4» حلب» وغيرها من التصانيف وقد مرّ ذكره.
وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة النحوىّ اللغوىّ شمس الدين محمد بن حسن
بن سباع ابن أبى بكر الجذامىّ المصرىّ الأصل الدّمشقىّ المولد المعروف
بابن الصائغ. مات بدمشق فى ثالث شعبان. ومولده سنة خمس وأربعين وستمائة
بدمشق. كان أديبا فاضلا فى فنّ الأدب، وله النظم والنثر ومعرفة بالعروض
والقوافى والبديع واللّغة والنحو وشرح «مقصورة ابن دريد» فى مجلدين.
واختصر «صحاح «5» الجوهرى» وجرّده من الشواهد، وصنّف قصيدة عدّتها ألفا
بيت، فيها العلوم والصنائع، وله «مقامات» وأشياء كثيرة. ومن شعره من
قصيدة أوّلها «6» :
(9/248)
لى نحو ربعك دائما يا جلّق ... شوق أكاد به
جوى أتمزّق
وهمول دمع من جوى بأضالعى ... ذا مغرق طرفى وهذا محرق
أشتاق منك منازلا لم أنسها ... إنّى وقلبى فى ربوعك موثق
ومنها:
والريح «1» يكتب فى الجداول أسطرا ... خطّ له نسج النّسيم محقّق
والطير يقرأ والنسيم مردّد ... والغصن يرقص والغدير يصفق
وتوفّى الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن يوسف بن
قاسم الكنانىّ «2» الشّارمساحىّ «3» الشاعر المطبوع صاحب النوادر
الظّريفة المضحكة. والعامّة يسمونه الشّارمساحىّ. وكان شاعرا مطبوعا،
غير أنه كان مغرى بالهجاء وثلب الأعراض، وكان يحضره الملك الناصر مجلسه
فى بعض الأحيان. ومات بالقاهرة.
ومن شعره من آخر «4» قصيدة:
لا آخذ الله عينيه فقد نشطت ... إلى تلافى وفيها غاية الكسل
وقد مرّ من هجوه فى ابن المرحّل وابن عدلان فى أوّل «5» ترجمة الناصر
فى سلطنته الثالثة.
وكان عارفا بعلوم.
وتوفّى الشيخ إسماعيل [بن سعيد «6» ] الكردىّ قتيلا على الزّندقة فى
يوم الاثنين ثانى «7» عشرين صفر. وكان عارفا بعلوم كثيرة، حتّى إنّه
كان يحفظ من التوراة
(9/249)
والإنجيل، غير أنّه حفظت عنه عظائم فى حقّ
الأنبياء عليهم السلام، ومع ذلك كان يتجاهر بالمعاصى فاجتمع القضاة
بسببه غير مرّة، حتى أفتى بعضهم بضرب عنقه، فضربت عنقه ببين القصرين.
وتوفّى الشيخ المعمّر الفقيه زين الدين أبو القاسم محمد بن علم الدين
محمد بن الحسين ابن عتيق بن رشيق الإسكندرى المالكىّ بمصر فى المحرّم.
وكان ولى قضاء الإسكندرية مدّة طويلة. وكان له نظم.
وتوفّى قتيلا سيف الدين آقجبا مملوك الأمير ركن الدين بيبرس التّاجى
«1» بدمشق فى خامس عشرين «2» شهر ربيع الأوّل. وكان عنده فضيلة، إلّا
أنّه لم يقنع بذلك، حتى ادّعى النبوّة وشاع عنه ذلك حتّى قتل.
وتوفّى السلطان الغالب بالله أبو الوليد إسماعيل بن الفرج بن إسماعيل
بن يوسف بن نصر «3» صاحب غرناطة «4» والأندلس من بلاد المغرب فى ذى
القعدة وأقيم بعده ابنه أبو عبد الله محمد. وكان من أجلّ ملوك المغرب.
وكان مولده سنة ثمانين وستمائة. واستولى على الأندلس ثلاث عشرة سنة،
وملك البلاد فى حياة
(9/250)
أبيه الفرج، وكان أبوه متولّيا إذ ذاك
لمالقة «1» ، فلمّا أراد إسماعيل هذا «2» الخروج لامه أبوه، فقبض
إسماعيل على أبيه، وعاش أبوه فى سلطنته بعد ذلك عزيزا مبجّلا إلى أن
مات فى ربيع الأوّل سنة عشرين وسبعمائة. وقد شاخ، ثم قتل ابنه صاحب
الترجمة وقتل قاتله. رحمه الله.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة
ست عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا. وهبط النيل بسرعة فشرقت الأراضى.
والله تعالى أعلم.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 721]
السنة الثانية عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على
مصر، وهى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة.
فيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ عفيف الدين عبد الله بن عبد الحقّ بن
عبد الله ابن عبد الأحد القرشىّ المخزومىّ الدّلاصىّ «3» المصرىّ. مات
بمكة المشرّفة فى رابع «4» عشر
(9/251)
المحرّم، ومولده فى شهر رجب سنة ثلاثين
وستمائة، وكان إماما مقرئا زاهدا أقام أكثر من ستين سنة يقرئ القرآن
تجاه الكعبة.
وتوفى الشيخ شمس الدين محمد بن علىّ بن عمر المازنىّ الأديب المعروف
بالدهّان بدمشق. وكان شاعرا مجيدا يعرف الأنغام والموسيقى وصناعة
الدّهان «1» ، وكان يعمل الشعر ويلحّنه موسيقى ويغنّى به فيكون من شعره
وصناعته. ومن شعره موشّحة أوّلها:
بأبى غصن بانة حملا ... بدر دجى بالجمال قد كملا، أهيف
فريد حسن ما ماس أو سفرا
إلا أغار «2» القضيب والقمرا
يبدى لنا بابتسامه دررا
فى شهد لذّ طعمه وحلا ... كأنّ أنفاسه نسيم طلا، قرقف «3»
وتوفّى الطواشى صفىّ الدين جوهر مقدّم المماليك السلطانية. كان رجلا
صالحا ديّنا خيّرا وله حرمة وصولة عظيمة على المماليك وغيرهم. ولى
التّقدمة فى أيام المظفر بيبرس الجاشنكير، فلمّا عاد الملك الناصر إلى
ملكه عزله بصواب الرّكنى، واستمر بطّالا إلى أن مات.
وتوفى الشيخ حميد الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن محمود بن نصر
النّيسابورىّ شيخ الخانقاه الرّكنية بيبرس فى تاسع عشر جمادى الآخرة.
ومولده سنة خمس وأربعين وستمائة.
(9/252)
وتوفّى الملك المؤيّد هزبر الدّين داود ابن
الملك المظفّر يوسف بن عمر بن رسول التّركمانىّ الأصل اليمنىّ المولد
والمنشأ والوفاة صاحب ممالك اليمن، تسلطن بعد أخيه فى المحرّم سنة ست
وتسعين وستمائة فملك نيّفا وعشرين سنة، وكان قبل سلطنته تفقّه وحفظ
كفاية المتحفّظ [ونهاية «1» المتلفّظ فى اللغة] ومقدّمة «2» ابن
بابشاذ.
وبحث التنبيه «3» وطالع وفضل وسمع الحديث، وجمع الكتب النفيسة فى
سلطنته، حتى قيل إنّ خزانة كتبه اشتملت على مائة ألف مجلّد. وكان مشكور
السّيرة محبّا لأهل الخير. ولمّا أنشأ قصره بظاهر زبيد قال فيه الأديب
تاج الدين «4» عبد الباقى اليمنى أبياتا، منها:
أنسى بإيوانه كسرى فلا خبر ... من بعد ذلك عن كسرى لإيوان
وفى الملك المؤيد يقول أيضا عبد الباقى المذكور وقد ركب المؤيّد فيلا:
الله ولّاك يا داود مكرمة ... ورتبة ما أتاها قبل سلطان
ركبت فيلا وظل الفيل ذا رهج ... مستبشرا وهو بالسلطان فرحان
لك الإله أذلّ الوحش أجمعه ... هل أنت داود فيه أم سليمان
(9/253)
وكانت وفاته فى ذى الحجّة، وتولى بعده ابنه
الملك المجاهد علىّ، واضطربت ممالك اليمن بعد موته. وتولّى عدّة سلاطين
يأتى ذكر كلّ واحد منهم فى محلّه إن شاء الله تعالى.
وتوفّى مجد الدين أحمد بن معين الدين أبى بكر الهمدانىّ «1» المالكى
خطيب الفيّوم، وكان يضرب به المثل فى المكارم والسؤدد وكان فصيحا خطيبا
بليغا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وستّ أصابع.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس أصابع. وكان الوفاء ثانى أيام
النسىء.
والله أعلم.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 722]
السنة الثالثة عشرة من ولاية الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر،
وهى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.
فيها توفّى قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن الشيخ أبى البركات محمد ابن
الشيخ أبى العزّ بن صالح بن أبى العزّ بن وهيب «2» بن عطاء الأذرعىّ
الحنفىّ بدمشق فى سابع المحرّم عقيب قدومه من الحجاز. ومولده سنة ثلاث
وستين «3» وستمائة. وكان إماما فاضلا فقيها بصيرا بالأحكام، حكم بدمشق
نحو عشرين سنة، وخطب بجامع «4»
(9/254)
الأفرم مدّة، ودرّس بالظاهرية «1»
والنّجيبيّة «2» والمعظّميّة «3» ، وأفتى وانتفع به غالب طلبة دمشق.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم الزاهد الفقيه المفتى الحافظ المسند
المعمّر بقيّة السّلف رضىّ الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم ابن الطّبرىّ الكىّ الشافعىّ إمام
المقام بالحرم الشريف، أمّ به أكثر من خمسين سنة. وكان فقيها صالحا
عابدا. ومولده بمكّة فى سنة ست «4» وثلاثين وستمائة.
ومات فى شهر ربيع الأوّل.
وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه الصوفىّ علاء الدين أبو الحسن علىّ [بن
الحسن «5» ] ابن محمد الهروىّ الحنفىّ. كان فقيها فاضلا وسلك طريق
التصوّف، وطاف البلاد وأقام بحلب مدّة وتصدّى للإفتاء والتدريس سنين.
ومن إنشاده «6» رحمه الله:
(9/255)
كم حسرات فى الحشى ... من ولد قد انتشا
كنّا نشاء رشده ... فما نشا كما نشا
وتوفّى الأديب الشاعر جمال الدين أبو الفتح محمد بن يحيى بن محمد
الأموىّ المصرىّ الشاعر المشهور. وكانت لديه فضيلة، وكان رحّالا طاف
البلاد، ثم رجع إلى العراق فمات به. ومن شعره:
وافى الربيع ولى سبع ألازمها ... لزوم مرء له فى الدهر تجريب
ملك ومال ومملوك ومطربة ... مع المدام ومحبوب ومركوب
وتوفّى الأديب الشاعر أبو على الحسن «1» بن محمود بن عبد الكبير «2»
اليمانى العدنىّ.
كان فاضلا ناظما ناثرا، وله ديوان شعر مشهور باليمن وغيره. ومن شعره:
برق تألّق من تلقاء كاظمة ... ما باله خطف الأبصار فى إضم
قد خطّ منه على آفاقها خطط ... كأنهنّ ولوع البيض فى اللّمم
وتوفّى الشيخ حسن العجمى الجواليقى «3» القلندرى بدمشق، وكان أوّلا
يسكن بالقاهرة، وعمّر له بها زاوية خارج باب النصر، وهى إلى الآن تعرف
بزاوية «4» القلندرية، ثم سافر إلى دمشق فمات بها. قال الشيخ عماد
الدين إسماعيل بن كثير فى تاريخه: وكان قريبا من خواطر الملوك، لا سيما
أهل بيت الملك المنصور قلاوون. وكان كثيرا ما ينشد أبياتا أوّلها:
(9/256)
سلام على ربع به نعم البال ... وعيش مضى ما
فيه قيل ولا قال
لقد كان طيب العيش فيه مجرّدا ... من الهم والقوم اللوائم غفّال «1»
وتوفّى الأمير عزّ الدين أيدمر بن عبد الله الساقى المعروف بوجه الخشب
بدمشق. وكان من أعيان الأمراء، وفيه شجاعة وإقدام، وهو أحد من أخرجه
الملك الناصر من مصر.
وتوفّى القاضى قطب الدين محمد بن عبد الصمد [بن عبد القادر «2» ]
السّنباطىّ «3» الشافعى، خليفة الحكم ووكيل بيت المال فى ذى الحجّة.
وكان معدودا من الفقهاء وله وجاهة.
(9/257)
وتوفّيت المسندة المعمّرة أمّ محمد زينب
بنت أحمد بن عمر بن أبى بكر بن شكر فى ذى الحجّة بالقدس عن أربع وتسعين
سنة. وكانت رحلة زمانها، رحل إليها من الأقطار وصارت مسندة عصرها.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة
ست عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا. وكان الوفاء أوّل أيام النسىء.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 723]
السنة الرابعة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالتة على
مصر، وهى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة.
فيها توفّى قاضى القضاة نجم الدين أبو العبّاس أحمد ابن عماد الدين
محمد ابن أمين الدين سالم ابن الحافظ المحدّث بهاء الدين الحسن بن هبة
الله بن محفوظ بن صصرى الثّعلبى «1» الدّمشقىّ الشافعىّ فى سادس عشر
شهر «2» ربيع الأوّل بدمشق، ودفن بتربتهم بالقرب من الرّكنيّة: ومولده
سنة خمس وخمسين وستمائة. وكان إماما عالما بارعا مدرّسا مفتيا كاتبا
مجوّدا، ولى عدّة تداريس، وباشر قضاء الشام استقلالا فى سنة اثنتين
وسبعمائة مع عدّة تداريس. وكان له نظم ونثر وخطب.
ومن شعره رحمه الله:
ومهفف بالوصل جاد تكرّما ... فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا
ما زلت ألثم ما حواه لثامه ... حتى أعدت الورد فيه بنفسجا
وتوفّى الشيخ الأديب الفاضل صلاح الدين صالح بن أحمد بن عثمان
البعلبكىّ «3» الشاعر المشهور بالقوّاس. كان رجلا خيّرا صحب الفقراء
وسافر البلاد، وكان
(9/258)
أصله من مدينة خلاط «1» ، وكان يدخل
الزوايا ويتواجد فى سماعات الفقراء، وله شعر كثير، من ذلك ما قاله فى
ناعورة حماة:
وناعورة رقّت لعظم خطيئتى ... وقد لمحت شخصى من المنزل القاضى
بكت رحمة لى ثم ناحت لشجوها ... ويكفيك أن الخشب تبكى على العاصى
وهو صاحب القصيدة ذات الأوزان «2» التى أوّلها:
داء ثوى بفؤاد شفّه سقم ... لمحنتى من دواعى الهمّ والكمد
وتوفّى الشيخ الأديب الفاضل العدل شهاب الدين محمد بن محمد بن محمود
ابن مكّى المعروف بابن دمرداش الدّمشقىّ، وبها مات ودفن بقاسيون.
ومولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وكان شاعرا مجيدا، وكان فى شبابه
جنديّا، فلمّا شاخ ترك ذلك وصار شاهدا. وشعره سلك فيه مسلك مجير الدين
«3» بن تميم، لأنّه صحبه وأقام معه بحماة مدّة عشرين سنة. ومن شعره:
أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق
فقال وفى أحشائه حرق «4» الجوى ... مقالة صبّ للديار مفارق
تذكّرت أوطانى فقلبى كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق
قلت: ومثل هذا قول القائل:
هنّئت يا عود الأراك بثغره ... إذ أنت فى الأوطان غير مفارق
إن كنت فارقت العذيب وبارقا ... هأنت ما بين العذيب وبارق
(9/259)
ومثله لابن قرناص «1» :
سألتك يا عود الأراكة أن تعد ... إلى ثغر من أهوى فقبّله مشفقا
ورد من ثنيّات العذيب منيهلا ... يسلسل ما بين الأبيرق والنّقا
وقد ذكرنا مثل هذا عدّة كثيرة فى كتابنا «حلية الصفات فى الأسماء
والصناعات» .
وتوفى الشيخ الإمام العالم العلّامة الحافظ المؤرّخ الأخبارى الأديب
كمال الدين عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الفوطىّ
«2» صاحب التصانيف المفيدة، من جملتها: تاريخ كبير جدّا، وآخر دونه
وسمّاه بمجمع الآداب فى معجم الأسماء على معجم الألقاب فى خمسين
مجلّدا. والتاريخ الكبير على الحوادث من آدم إلى خراب بغداد وغير ذلك.
وله شعر كثير ومجموع أدبيات سمّاه الدّرر الناصعة فى شعر المائة
السابعة وصنف كتاب درر «3» الاصداف فى غرر الأوصاف مرتّب على وضع
الوجود من المبدأ إلى المعاد، يكوّن عشرين مجلّدا. وكتاب «تلقيح «4»
الأفهام فى المختلف والمؤتلف «5» » مجدولا. وكان له يد طولى فى ترصيع
التراجم، وذهن سيّال وقلم سريع وخطّ بديع إلى الغاية. قيل: إنّه كتب من
ذلك الخطّ الفائق الرائق أربع كراريس فى يوم، وكتب وهو نائم على ظهره.
وكان له نظر فى فنون الحكمة كالمنطق وغيره.
(9/260)
وتوفّى الملك المجاهد سيف الدين أنص «1»
ابن السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورىّ؛ بعد ما كفّ بصره
من سهم أصابه، وكانت وفاته فى المحرّم.
وتوفّى الأمير طيدمر سيف الدين الجمدار أحد أعيان الأمراء.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وست أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 724]
السنة الخامسة عشرة من ولاية الملك الناصر محمد بن وون الثالثة على
مصر، وهى سنة أربع وعشرين وسبعمائة.
فيها توفّى الشيخ الصالح المعتقد أيوب المسعودىّ «2» بزاوية «3» الشيخ
أبى السعود بالقرافة، وقد قارب المائة سنة، وضعف فى آخر عمره، فكان
يحمل إلى حضور الجمعة، وكان يذكر أنّه رأى الشيخ أبا السعود.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم الزاهد الحافظ المحدث علاء الدين أبو الحسن
علىّ بن إبراهيم بن داود بن سليمان الدّمشقىّ الشافعىّ الشهير بابن
العطّار. كان فقيها محدّثا، وكانوا يسمونه مختصر النووى، ودرّس وأفتى
سنين وانتفع به الناس.
وتوفّى الأمير شمس الدين محمد بن عيسى بن مهنّا أمير العرب وملك آل
فضل، وكان حسن الهيئة عاقلا حازما عارفا بالأمور. مات بسلمية «4» .
(9/261)
وتوفّى الشيخ برهان الدين أبو إسحاق
إبراهيم بن ظافر فى جمادى الآخرة. وكان فقيها شافعيّا معدودا من أعيان
الشافعيّة.
وتوفّى الشيخ تقىّ الدين «1» محمد بن عبد الرحيم «2» بن [عمر «3» ]
الباجربقىّ «4» النحوىّ الشافعىّ فى شهر ربيع الآخر واتّهم بالزندقة فى
تصانيفه ووقع له بسبب ذلك أمور، وهو صاحب «الملحمة الباجربقيّة، وله
غيرها عدّة تصانيف أخر.
وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ
أمير سلاح فى جمادى الآخرة، وكان ناصر الدين هذا من جملة مقدّمى الألوف
بالديار المصريّة، وكان معظّما فى الدولة موصوفا من الشّجعان.
وتوفّى الأمير الطّواشى زين الدين عنبر الأكبر زمام «5» الدور
السلطانيّة فى جمادى الأولى وكان من أعيان الخدّام وأماثلهم.
وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح محمود الحيدرى العجمىّ خارج القاهرة، وكان
من محاسن أبناء جنسه.
وتوفّى خطيب جامع عمرو بن العاص الشيخ نور الدين أبو الحسن علىّ بن
محمد «6» ابن حسن بن علىّ القسطلانيّ فى شهر ربيع الآخر، وكان ديّنا
خيّرا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع. مبلغ الزيادة ثمانى
عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا. والله تعالى أعلم.
(9/262)
|