إنباء الغمر بأبناء العمر
سنة ثلاث وتسعين
وسبعمائة
في صفر حضر كمشبغا من حلب فأمر السلطان بتلقيه.
وفي المحرم احتال الناصري وايتمش فأظهرا التنافس وألبس الناصري مماليكه
وأظهر الخروج عن طاعة السلطان وأمر مناديه فنادى: من كان من جهة منطاش
فليحضر، فحضر إليه ألف ومائتا نفس فقبض عليهم وسجنهم.
وفيها توجه منطاش في جمادى الآخرة من مرعش إلى العمق، ثم سار منها إلى
سرمين ثم إلى حماة ثم إلى حمص ثم إلى بعلبك، فبلغ ذلك الناصري فخرج
إليه من طريق الزبداني فخالفه منطاش إلى دمشق، فنزل القصر الأبلق، وذلك
في رجب، وسار أحمد شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان، ولاقى
منطاش بالخيول، فرجع الناصري فاقتتلا قتالاً كثيراً، وكاتب الناصري
السلطان يستحثه على الوصول لدمشق، فاتفق خروج السلطان في العساكر في
أواخر شعبان إلى أن بلغ دمشق في رمضان، فلما قرب من دمشق هرب منطاش،
فدخل في العشر الأخير من رمضان، ثم توجه إلى حلب فدخلها في العشر
الأخير من شوال، وكان الناصري في أول السنة أظهر الخروج عن طاعة
السلطان ونادى: من كان من جهة منطاش فليحضر إلي أستخدمه، فحضر إليه
أكثر من ألف نفس فحبسهم، فلما بلغ السلطان ذلك شكره، وكان طروق منطاش
البلاد الشامية في جمادى الآخرة، فأول ما طرق سرمين، فبلغ ذلك نائب
حماة فخاف منه فهرب فدخل حماة بغير قتال، ثم كثر جمعه فتوجه إلى
(1/411)
حمص، فهرب صاحبها إلى دمشق، فملكها أيضاً
ثم توجه إلى دمشق، فلما وصل إلى بعلبك هرب نائبها أيضاً، فدخلها بغير
قتال ولم يشوش على أحد من أهل هذه البلاد، ثم توجه إلى دمشق فخرج إليه
الناصري بعساكر دمشق من جهة الزبداني، وكان منطاش قد توجه إلى جهة
طرابلس فخالف شكر أحمد التركماني، وكان من جهة منطاش الطريق التي توجه
منها الناصري في العسكر، فدخل دمشق فالتفت عليه جماعة من البيدمرية
فأخذ منها خيولاً كثيرة وتوجهوا بها إلى منطاش، فقوي بهم ورجع إلى دمشق
من طريق أخرى ونزل القصر الأبلق، وبلغ ذلك الناصري فرجع وحاصره بدمشق
ودام القتال بينهما وقتل من الطائفتين جماعة ونهبت دور كثيرة وخربت،
فلما طال الحصار ترك منطاش دمشق وتوجه إلى بعلبك، فوصل نعير فيمن معه
من العرب والتركمان فقاتل الناصري وكاتب السلطان واستحثه على المجيء
إلى الشام، فخرج في العساكر واستخلف في غيبته كمشبغا في الاصطبل وسودون
النائب بالقلعة والصفوي حاجب الحجاب، واستصحب معه الخليفة والقضاة
والمباشرين وجماعة من القضاة والمباشرين المعزولين، فوصل دمشق في
الثاني والعشرين من شهر رمضان، فدخل في طاعته جميع المخالفين من العرب
والتركمان ولم يشهر في وجهه سيف، وكان يلبغا الناصري التقاه فترجل له
السلطان وأركبه من مراكيبه الخاصة وصلى الجمعة ثاني يوم قدومه، ونادى
في البلد بالأمان وأن الماضي لا يعاد، فكثر الدعاء له، وولي القاضي
شهاب الدين الباغوني قضاء الشام والخطابة وعزل الزهري وكان بدر الدين
ابن أبي البقاء أخذ الخطابة عن سري الدين، فلما دخل الناصري مصر وغلب
على المملكة نزل عنها ابن أبي البقاء لابن القرشي فأضافها إلى القضاء،
فلما عزل منطاش ابن القرشي عن القضاء وولاه الزهري استمر حتى دخل برقوق
دمشق فعزله، وولى الباغوني
(1/412)
وأرسل إليه نعير بالطاعة والاعتذار عما جرى
منه والتزم له بإحضار منطاش بعد أن طلب لنفسه الأمان ولأصحابه فأجيب
سؤاله، ووصل إليه رسول سولى بن دلغادر يتنصل من الذي جرى منه وأرسل
هدية جليلة، منها مائتا اكديش واستناب في قلعة دمشق سودون باق فظلم
الناس بالمصادرة وسفك الدماء فلم يفلح وقتل بعد ذلك، وبرز السلطان إلى
برزة في سابع شوال، وسار في تاسعه طالباً للبلاد الحلبية، وقرر فخر
الدين ابن مكانس وزيراً بالشام فوصل إلى حلب في الثاني والعشرين منه
فقرر بدر الدين ابن فضل الله في كتابه السر عوضاً عن علاء الدين الكركي
بحكم ضعفه وكان استصحب ابن فضل الله معه بطالاً، وأمر الكركي بالعود
إلى دمشق فأقام بها متمرضاً من أول غيبة السلطان في سفرته إلى حلب،
فلما عاد وجده على حاله من الضعف فتوجه صحبته إلى مصر فاستمر بها
ضعيفاً إلى أن مات، ووصل إلى السلطان كتاب من صاحب ماردين يتضمن أنه
اجتمع عنده ثلاثة عشر أميراً من الأشرفية وجملة من المماليك فجهز إليه
اينال اليوسفي فتسلمهم وأحضرهم صحبته بعد أيام قلائل وكان كبيرهم قشتمر
الأشرفي فشكر السلطان ذلك لصاحب ماردين، ووصل أيضاً كتاب من سالم
الدوكاري التركماني يخبر السلطان الظاهر أن منطاش في قبضته فجهز
السلطان دمرداش نائب حلب في جريدة من إحدى الجهات وجهز يلبغا الناصري
نائب دمشق في جريدة أخرى من جهة أخرى، فوصل دمرداش إلى سالم وأقام عنده
أربعة أيام
يماطله في تسليم منطاش، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل
جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار ثم قدم يلبغا الناصري
بعد الهزيمة، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على
دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن
الناصري هو الذي كاتب منطاش أولاً حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل
عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتاباً من عند سالم التركماني أن
الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه
بأنه ما دام موجوداً فنحن موجودون، فلما وقف السلطان على ذلك خلا
بالناصري فعاتبه على ذلك عتاباً كثيراً، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر
بذبحه، فذبح بحضرته، وذلك في ذي القعدة، ثم تتبع جماعة من أصحابه
بالقتل والحبس، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق
بطا الدويدار، وفي نيابة حلب جلبان عوضاً عن قرا دمرداش، واستصحب قرا
دمرداش إلى القاهرة، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس، وفي نيابة حماة
دمرداش المحمدي، واستقر أبو يزيد دويداراً عوضاً عن بطا، ثم رجع
السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة، فقتل بها جماعة من
الأمراء، منهم أحمد بن بيدمر، وكان شاباً حسن الشكل فحزن عليه جميع من
بدمشق، ومحمد بن أمير علي المارداني، وكمشبغا المنجكي، وقرابغا الأشرفي
وغيرهم، وخرج منها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجهاً إلى القاهرة. طله في
تسليم منطاش، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من
أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار
(1/413)
ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة، فتفاوض
هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح
الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي
كاتب منطاش أولاً حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر
وآخره وأحضر إليه كتاباً من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه
يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه بأنه ما دام موجوداً
فنحن موجودون، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك
عتاباً كثيراً، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه، فذبح بحضرته، وذلك
في ذي القعدة، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس، منهم أحمد بن
المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار، وفي نيابة حلب
جلبان عوضاً عن قرا دمرداش، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة، وفي نيابة
طرابلس فخر الدين إياس، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي، واستقر أبو
يزيد دويداراً عوضاً عن بطا، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث
عشر ذي الحجة، فقتل بها جماعة من الأمراء، منهم أحمد بن بيدمر، وكان
شاباً حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق، ومحمد بن أمير علي
المارداني، وكمشبغا المنجكي، وقرابغا الأشرفي وغيرهم، وخرج منها في
ثالث عشرين ذي الحجة متوجهاً إلى القاهرة.
ذكر بقية الحوادث
الكائنة في هذه السنة
في المحرم أمسك أبو الفرج موفق الدين الوزير وصهره سعد الدين ابن
البقري فصودرا.
وفي ثامن صفر أمر الظاهر بهدم سلالم البوابة التي لمدرسة السلطان حسن
والبسطة التي قدام الباب إلى العتبة، وقفل الباب وسد من داخله وأمر
بفتح شباك مقابل باب الإصطبل
(1/414)
وجعل باباً إلى المدرسة فصار الناس
يستطرقون منه، وكان أحد قاعات المدرسين، وسدت الطرق إلى الأسطحة
والمؤاذن وأبطل الأذان على المنارتين، وجعل على الباب الذي فتح، كل ذلك
لما حدث من منطاش ومن بعده من اتخاذهم المدرسة المذكورة عدة لمن يحاصر
القلعة، ودام ذلك دهراً طويلاً إلى أن أمر الأشرف قبل الثلاثين
وثمانمائة بفتح الباب الكبير وإعادة السلم والبسطة فأعيد جميع ذلك.
وفيه ضرب حسين بن باكيش بالمقارع، واستمر في الحبس إلى أن وسط في
شعبان، واستقر يلبغا المجنون كاشف الوجه القبلي، وضرب القاضي شمس الدين
بن الحبال قاضي طرابلس تأديباً بسبب فتيا أفتى بها لمنطاش في حق
السلطان.
وفي ثالث عشر ربيع الأول توجه يلبغا السالمي على البريد لتقليد نعير
إمرة العرب، فسمع في هذه السفرة على أبي هريرة ابن الذهبي الأربعين
التي أخرجها له أبوه، وحدث بها بعد ذلك.
وفي رابع جمادى الأولى وصل ايتمش من دمشق إلى القاهرة، فتلقاه نائب
السلطنة وأكرمه السلطان ومن دونه، ووصل صحبته جمع كثير من الأمراء
المسجونين بدمشق الذين كانوا قد خرجوا عن الطاعة وقاتلوه ومنعوه من
دخول دمشق وأساؤا في حقه، منهم آلابغا الدوادار وجنتمر أخوطاز، وأمير
ملك بن أخت جنتمر، ودمرداش اليوسفي وتمام سنة وثلاثين أميراً فسجنوا،
ثم أطلق منهم جبريل الخوارزمي بشفاعة نعير، ووصل صحبته أيضاً
(1/415)
شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي قاضي دمشق،
وفتح الدين ابن الشهيد كاتب السر بها، وتاج الدين مشكور ناظر الجيش
بها، الثلاثة في الترسيم والجميع في القيود، فصودر ناظر الجيش على مال
وأطلق وسجن القاضي وكاتب السر، وكان ابن القرشي أفحش في أمر الظاهر
جداً حتى كان يقف على الأسوار ويصيح: إن قتال برقوق أوجب من صلاة
الجمعة! ثم قدم جبريل الخوارزمي فاراً من منطاش فأكرمه السلطان، ثم قبض
عليه وعلى كثير من الأمراء وقتل أكثرهم توسطاً وخنقاً.
وفيه استقر قطلوبغا الصفوي حاجب الحجاب.
وفيه شرع في عمارة الوكالة الظاهرية بجوار وكالة قوصون.
وفي جمادى الآخرة استقر كمال الدين ابن العديم قاضي العسكر بحلب عوضاً
عن جمال الدين بن الحافظ بحكم استقراره في قضاء حلب عوضاً عن محب الدين
ابن الشحنة، والبرهان الشاذلي المالكي في قضاء دمشق عوضاً عن البرهان
القفصي.
وفيه قبض على جماعة من الأمراء الذين كان هواهم مع منطاش فسلموا للوالي
فسمرهم، ثم أمر بتوسيطهم فوسطوا منهم: اسندمر اليونسي وآقبغا الظريف،
وصربغا وإسماعيل التركماني وكزل القرمى في آخرين.
وفي نصف جمادى الآخرة ادعى رجل عجمي على القاضي شهاب الدين ابن القرشي
قاضي دمشق بين يدي السلطان بأن له في جهته مالاً فأحضره السلطان من
البرج فأنكر الدعوى
(1/416)
فلم يحتج خصمه إلى إقامة بنية بل أمر
السلطان بضربه فضرب بحضرته بالمقارع نحو الخمسين شيباً وسلم للوالي
وكان قد بالغ في الإساءة على الظاهر لما حاصر دمشق فحقد عليه فأمر
الوالي بضربه عنده فكرر عليه الضرب مرات، وبالغ في إهانته وآل أمره إلى
أن ضرب بالمقارع مرة نحو المائتي شيب - ثم حبس فمات بعد قليل، قيل إنه
خنق وادعى جمال الدين الهذباني على أمير ملك بن جنتمر قريب بيدمر بمال
فأمر السلطان بضربه، فضرب بين يديه بالمقارع وتسلمه الوالي - فمات في
يده.
وفي هذا الشهر استقر قاسم ابن كمشبغا أمير طبلخاناة وهو ابن سبع سنين
أو نحوها.
وفيه تتبع الوالي المماليك الأشرفية ممن كان مع بركة ثم منطاش فأفناهم
قتلاً وخنقاً، فمن قتل صرى تمر نائب الغيبة لمنطاش وتكا الأشرفي
ودمرداش اليوسفي ودمرداش القشتمري وعلي الجركتمري وجنتمر أخو طاز الذي
كان نائب الشام في أيام منطاش وتقطاي الطواشي الطشتمري الرومي أحد
الشجعان، ضربت رقابهم بالصحراء ظاهر القاهرة.
وفي شعبان أيضاً قتل فتح الدين ابن الشهيد كاتب السر أحد الفضلاء، رحمه
الله وقتل حسين ابن الكوراني بخزانة شمائل في هذا الشهر أيضاً، وممن
قتل أيضاً أحمد ومحمد ابنا بيدمر وأحمد ابن محمد بن المهمندار وأرغون
شاه وآقبغا المارداني وآقبغا الدباج وآلابغا العثماني.
(1/417)
وفي نصف رجب ادعى عند الركراكي قاضي
المالكية بحضرة بتخاص الحاجب بالصالحية على الطنبغا الحلبي والطنبغا
دويدار جنتمر بأمور تقتضي الكفر، فحكم القاضي بإراقة دمهما، فضربت
أعناقهما بين القصرين.
وفي نصف شعبان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء الحنفية عوضاً عن
شيخنا مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الكناني، فكانت مدة مباشرته دون
السنة.
وفي ثالث شعبان استقر شمس الدين ابن الجزري في قضاء الشافعية بدمشق
وكتب توقيعه بالقاهرة، وخرج مع العسكر عوضاً عن مسعود، ثم فتر أمره فإن
السلطان لما دخل دمشق سعى مسعود وأعيد.
وفي رمضان استقر بهاء الدين ابن البرحي في الحسبة عوضاً عن نجم الدين
الطنبذي.
وفيه أمر كمشبغا نائب الغيبة أن لا يخرج النساء إلى الترب بالقرافة
وغيرها، وشدد في ذلك، ومنع المتفرجين في الشخاتير، وهدد على ذلك
بالتغريق والتوسيط، فحصل لأهل الخير بذلك فرح، ولأهل الشر بذلك ترح، ثم
منع النساء من لبس القمصان الواسعة الأكمام، وشدد في ذلك إلى أن رتب
ناساً يقطعون أكمام من يوجد أكمامها واسعة، وساس الناس سياسة حسنة حتى
لم يتمكن أحد في مدة مباشرته الحكم في هذه الغيبة أن يتظاهر بفسق ولا
فجور من هيبته.
(1/418)
وفي شوال نازل ابن عثمان قيسارية فملكها.
وفيها سافرت إلى قوص وغيره من بلاد الصعيد ولم أستفد منها شيئاً من
المسموعات الحديثية بل لقيت جماعة من أهل العلم، منهم ناصر الدين قاضي
هو وابن السراج قاضي قوص وجماعة من أهل الأدب، سمعنا من نظمهم.
وفيها مات فير حسن الذي كان تأمر على التركمان بعد قتل قرا محمد،
وأقاموا بعده ابنه حسين بك.
وفيها كمل تعمير المدرسة الفخرية.
وفيها مات عمر بن يحيى الأرتقي من أولاد الملوك بماردين بحصن كيفا،
وكان قد لجأ إلى العادل بحصن كيفا وأقام عنده مغاضباً لابن عمه، فمات
في هذه السنة.
وفي ثامن عشر المحرم بعد موت صدر الدين بن رزين استقر العراقي في تدريس
الظاهرية العتيقة، والقاياتي في الحكم بايوان الصالحية.
وفي تاسع صفر قدم كمشبغا من حلب فتلقاه النائب فهاداه السلطان فمن دونه
بشيء كثير جداً، وحضر صحبته حسن الكجكني.
وفي تاسع عشر صفر استقر يلبغا المحنون كاشف الوجه القبلي.
(1/419)
وفي آخر صفر أحضر شهاب الدين أحمد بن محمد
بن الحبال قاضي الحنابلة بطرابلس، وضرب بين يدي السلطان الظاهر بسبب
قيامه مع منطاش وفتواه لأهل طرابلس بقتال الظاهر، وأمر بسجنه ثم شفع
فيه فأطلق، وقد ولى هذا قضاء الشام في دولة الملك الظاهر ططر بعناية
علم الدين ابن الكويز كاتب السر إذ ذاك بصحبته إياه من طرابلس.
وفيها قدم رسول سولى بن دلغادر بهدية ومفاتيح سيس وكتاب اعتذار عن
أخذها، ويسأل عمن يسلمها له.
وفي شوال أعيد ابن فضل الله إلى كتابة السر واستقر ناصر الدين محمد
الفاقوسي في توقيع الدست عوضاً عن ناصر الدين محمد بن علي بك الطوسي.
وفيها أرسل السلطان الشيخ شمس الدين الصوفي ناظر المارستان يستكشف
أخبار منطاش، فوصل إلى حلب ورجع في ربيع الأول فأخبر أن منطاش توجه إلى
صنبوا شارداً من العساكر.
وفيها في جمادى الآخرة ادعى شخص مسخرة عند السلطان على أمير يلك بن أخت
جنتمر أخو طاز بأنه غرمه ستمائة ألف درهم وأغرى به منطاش حتى ضربه
بالمقارع فأمر به الظاهر فجرد وضرب بالمقارع نحو المائتي شيب وسلمه
لوالي القاهرة فأرسل إلى الخزانة ودس عليه من خنقه، فمات في ليلته ليلة
خامس عشرية.
وفي جمادى الآخرة منها ظهر كوكب كبير بذؤابة طول رمحين أو ثلاثة رماح،
قليل النور، فصار يظهر من أول الليل إلى أن يغيب نصف الليل، وكان قد
ظهر مثله في سنة
(1/420)
ثمان وسبعين في أواخر دولة شعبان، فتفاءل
بعض الناس بذلك على الظاهر فلم يؤثر فيه.
وأوفى النيل عاشر مسرى وانتهت زيادته إلى أصبع من عشرين.
وفي هذه السنة كثر تتبع السلطان لعرب الزهور، وكانوا قد أفسدوا في
الشرقية وبالغوا في ذلك، وأحضر ابن فضالة شيخ عرب الزهور فضرب بحضرته
بالمقارع، وأحضر خالد بن بغداد، فضرب بين يديه بالعصي، فشفع فيه بكلمش
أمير آخور فرده، ثم عاد فغضب منه وضربه بالنمجاة ضربتين وأمر بإمساكه
فأمسك، ثم شفع فيه الأمراء آخر النهار فأطلقه واستمر على إمرته.
وفي شعبان قبض على محمد بن آقبغا آص شاد الدواوين وسلم لابن الطبلاوي
لعصارة فبالغ في عقوبته، واستمر في شد الدواوين ناصر الدين محمد بن
رجب، وسار صحبة العسكر فأعيد إلى القاهرة وعلى يده مثال إلى محمود
الاستادار، فإذا المثال يتضمن أن يقبض عليه ويلزمه بوزن مائة وستين ألف
درهم، فقبض عليه فحمل سبعين ألفاً.
وفي رمضان وسط أحمد بن علي البشلاقي والي قطية.
وفي سادس عشرين شوال استقر الشريف شهاب الدين أحمد بن محمد بن حسين بن
حيدر ابن بنت عطاء في حسبة مصر.
(1/421)
وفيها غلب أبو يزيد بن عثمان على قيسارية.
وفيها أمر الظاهر أن يعزل جميع ولاة الأعمال بالريف وأن لا يولى عليها
أحد ممن كان قد تولى، فاختار سودون النائب ثلاثة أنفس فولاهم بغير
رشوة، فاستقر شاهين الكلفتي في الغربية، وطرقجي في البهنسا، وقجماس في
المنوفية، واستقر يلبغا المجنون نائب الوجه القبلي، وأسنبغا السيفي
والي الفيوم وكشف البهنسا، وتقطائي الشهابي والي الأشمونين، ودمرداش
السيفي نائب الوجه البحري.
ذكر من مات
في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الأعيان
أحمد بن آل ملك بن عبد الله الجوكندار، تأمر في أيام الناصر الكبير، ثم
تقدم في سلطنة حسن، ثم تنقل في الولايات بغزة وغيرها، ثم رمى الإمرة في
سنة تسع وسبعين ولبس بالفقيري وصار يمشي في الطرقات، وحج كثيراً وجاور
إلى أن توفي في جمادى الآخرة.
أحمد بن زيد اليمني الفقيه أحد المصلحين في بلاد المخلاف، سخط عليه
الإمام صلاح الدين بن علي في قصة جرت له فأمر بقتله فبلغه ذلك فحمل
المصحف مستجيراً به على رأسه فلم يغن عنه ذلك، وقتل في تلك الحالة
فأصيب الإمام بعد قليل، فقيل كان ذلك بسببه.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي، ولي الدين، ولد قاضي
القضاة، قرر في بعض وظائف أبيه بعد موته، منها درس الحديث بالشخيونية،
ومات شابا في جمادى الآخرة.
أحمد بن عبد الله الدمنهوري شهاب الدين ابن الجندي أحد الفضلاء
المشهورين بالخير، تقدم ما جرى له مع برقوق في الحوادث وكان معظماً عند
أهل بلده وغيرهم.
(1/422)
أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد بن عمرو بن
بدر بن مسلم القرشي الدمشقي القاضي شهاب الدين ابن الشيخ زين الدين،
كان فاضلاً، تشاغل بالوعظ على طريقة أبيه، وكان العوام يعجبون به جداً
ويعتقدونه، ثم ولي قضاء الشام في أيام الناصري لأنه كان ممن يعتقده،
فلما حاصر الظاهر دمشق قام القرشي في صده عنها، وحرض عليه العامة، ثم
قبض عليه منطاش وسجنه، فلما ظفر الظاهر قبض عليه على يد أيتمش وأحضره
إلى القاهرة فبالغ في إهانته، ثم أقام شخصاً ادعى عليه بحضرته أنه أخذ
له مالاً وفعل به أفعالاً قبيحة، فجرده الظاهر وضربه بالمقارع وسلمه
لوالي القاهرة فوالى ضربه مراراً وعصره، ثم دس عليه من خنقه، فيقال إنه
لما حضر عنده بادر فقال: " تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين
" فلم يرق له وأمر بحبسه فحبس إلى أن قتل خنقاً في محبسه في ليلة تاسع
شهر رجب.
قرأت بخط البرهان المحدث: اجتمعت به مراراً وكان أفضل أولاد أبيه، وكان
كثير الفوائد والمجون.
أحمد بن قطلو العلاي الحلبي، سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئاً
من عشرة الحداد وحدث، ومات في شعبان وقد جاوز السبعين.
أحمد بن محمد الأنصاري المصري شهاب الدين شيخ الخانقاه السعيدية كان
يجلس في الشهود ويكتسب فأثرى وكثر ماله ولم يتزوج وتقرب إلى القاضي
برهان الدين، فعمل درساً بجامع الأزهر، وقف عليه ريعاً يغل مالاً
كثيراً، وطلب منه أن يدرس فيه ففوضه لبرهان الدين الأنباسي، ثم بذل
مالاً لأهل سعيد السعداء، حتى عمل شيخها وعمر أوقافها وأنشأ بها مأذنة
وبالغ في ضبط أحوالها فأبغضوه وقاموا عليه حتى صرفوه وكان موسراً
والتزم أن لا يأخذ لها معلوماً، ثم عزل بابن أخي الجار، ومات في ذي
القعدة.
(1/423)
جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثيري
- بكسر المثلثة وسكون التحتانية بعدها راء - الشيخ العلامة جلال الدين
التباني، وقيل اسمه رسولا قدم القاهرة قديماً، وذلك في أواخر دولة
الناصر وأقام بمسجد بالتبانة، فغلبت عليه النسبة إليها، وكان يذكر أنه
سمع صحيح البخاري على علاء الدين التركماني، وتلمذ للشيخين جمال الدين
ابن هشام وبهاء الدين ابن عقيل، فبرع في العربية وصنف فيها وتفقه على
القوام الأتقاني والقوام الكاشي وانتصب للإفادة مدة، وشرح المنار، ونظم
في الفقه منظومة، وشرحها في أربع مجلدات، وعلق على البزودي، واختصر شرح
البخاري لمغلطاي، وعلق على المشارق والتلخيص، وصنف في منع تعدد الجمعة،
وفي أن الإيمان يزيد وينقص، ودرس بالصرغتمشية والالجهية وغير ذلك، وعرض
عليه القضاء مراراً فامتنع، وأصر على الامتناع، ومات في ثالث عشر شهر
رجب، وهو والد صاحبنا العلامة شرف الدين يعقوب.
جنتمر ويقال جردمر أخوطاز، تنقلت به الأحوال في الخدم إلى أن استقر
أتابكاً بدمشق، وحبس في صفد مدة، ثم أطلقه الناصري وناب عنه بدمشق في
غيبته، ثم أمسكه منطاش بعد إمساك بزلار، ثم كان ممن قام على برقوق لما
حاصر دمشق، ثم تغير عليه منطاش وسجنه، فلما استقام الأمر للظاهر طلبه
إلى مصر فقتل مع عشرة، وكان شكلاً حسناً شجاعاً حسن الرأي والتدبير
محمود السيرة رحمه الله.
صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الإمام، ولي الإمامة بصعدة
وحارب صاحب اليمن مراراً، وكاد أن يغلب على المملكة كلها، فإنه ملك لحج
وأبين، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل
عنها، ثم هادنه الأشراف وصار يهاديه
(1/424)
وكان فاضلاً عالماً عادلاً، سقط من بغلته
بسبب نفورها من طائر طار فتعلل، حتى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة.
عامر بن عبد الله المسلمي المصري الشيخ، أحد من كان يعتقده المصريون،
مات في صفر.
عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج الدمشقية، روت عن
القاسم بن مظفر والحجار وغيرهما وحدثت، ماتت في شوال، وهي بنت عم بدر
الدين ابن قواليج.
عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي الشروطي، حفيد
القاضي شمس الدين محمد بن بهرام، ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واشتغل
وتفقه ووقع في الحكم وتعانى الشروط وصنف فيه، ولي قضاء عين تاب، وكان
حسن الخط، قدوة في فنه.
عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النابلسي ثم الدمشقي شرف الدين قاضي
الحنابلة بدمشق كان فاضلاً، مات شاباً في ذي القعدة أو ذي الحجة، وكان
مولده بنابلس سنة سبع وخمسين، وكان قد صحب الركراكي فسعى له في القضاء،
وانفصل به ابن المنجا بعد أن كان هو في خدمته فلم تطل مدته في القضاء،
ثم مات بعد أشهر في ذي القعدة، وبلغ أباه موته فانزعج لذلك واختلط عقله
وما زال مختلطاً حتى مات في سنة.
علي بن طيبغا الحلبي علاء الدين الموقت، اشتغل في الهيئة والحساب
والجبر والمقابلة والأصلين، ومهر في ذلك واشتهر حتى صار موقت البلد من
غير منازع في ذلك، وكان يسكن جامع الطنبغا،
(1/425)
قرأ عليه جماعة من شيوخ حلب كأبي البركات
وشمس الدين النابلسي وشرف الدين الدادنجي وعز الدين الحاضري، وذكر
القاضي علاء الدين في تاريخه: أن جمال الدين ابن الحافظ قال له يوماً:
يا كافر! فقال له ابن طنبغا: بما عرفت الله؟ فسكت، فقال علاء الدين:
فمن هو الكافر الذي يعرف الله أو لا يعرفه؟ قال: وكان يعرف بفساد
العقيدة، وينسب إلى ترك الصلاة وشرب الخمر، ولم يكن عليه وضاءة الدين
والعلم، وكان أكثر الأمراء يعتمد عليه في أحكام النجوم.
علي بن عبد الله الروبي - بالباء الموحدة نسبة إلى موضع بالفيوم - كان
مجذوباً وتظهر منه أشياء خوارق للعادة، وللناس فيه اعتقاد زائد، مات في
في ذي الحجة.
علي بن عبد الله الحراني علاء الدين قاضي المحلة، مشهور، مات في
المحرم.
عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف صدر الدين ابن رزين، سمع الدبوسي
والقطب الحلبي وغيرهما، وأجاز له الحجاز وابن الزراد وطائفة، وحدث وناب
في الحكم بصلابة ومهابة، ودرس بأماكن، مات في المحرم، وكان بيده تدريس
الحديث بالظاهرية البيرسية وبالفاضلية، فاستقر فيهما شيخنا العراقي
بعده.
فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية تعرف ببنت الأعمى، أجاز لها الدشتى
والقاضي والمطعم ونحوهم، وحدثت بمصر مدة، ماتت في آخر السنة.
فاطمة بنت محمد بن عبد الرحيم الأميوطي أخت الشيخ جمال الدين، سمعت من
وزيرة والحجار.
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن أبي الكرم النابلسي الأصل، ثم
الدمشقي، فتح الدين ابن الشهيد أبو بكر، أحد أفراد الدهر ذكاء وعلماً
ورياسة ونظماً، تفقه ومهر في التفسير والفقه، وبرع في الأدب والفضائل
وإقراء الكشاف وغيره، ونظم السيرة النبوية
(1/426)
نظماً مليحاً إلى الغاية وحدث بها، لما قدم
القاهرة سنة إحدى وتسعين قرأها عليه شيخنا الغماري وهو أسن منه وأثنى
هو وجميع فضلاء القاهرة على فضله، وأثنى عليه ينظمها قبل ذلك الحافظ
شمس الدين ابن المحب ومدحه بقصيدتين فأجابه عنهما، وكانت له دروس حافلة
عظيمة، وكان رئيساً عالي الرتبة رفيع المنزلة، له آثار حميدة وسجايا
جميلة ومحاضرة حسنة، ولي كتابة السر بدمشق مراراً ومشيخة الشيوخ بها،
ودرس وتقدم إلى أن قتل ظلماً في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة،
وذلك أنه لما خرج منطاش ويلبغا الناصري وملكا الأمر ونفى برقوق إلى
الكرك ثم خلص منها وحاصر دمشق قام ابن الشهيد وجمع لمحاربته، فلما آل
الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه فحمل إلى القاهرة مقيداً،
فأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت
عنقه بالقرب من القلعة، وذلك قبل رمضان بيوم، وكان بينه وبين بيدمر شر
كبير، فإذا ولي بيدمر النيابة سعى في أذاه بكل طريق وصودر غير مرة
واختفى وعزل مراراً، ثم يعود، وكان أعظم ذنوبه عند الظاهر أن منطاش لما
سجن الشهاب القرشي أعطاه الخطابة، فكان يحرض في خطبته على الظاهر.
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد النابلسي الأصل ثم الدمشقي شمس
الدين ابن الشهيد أخو الذي كان قبله، كان مقيماً بالقاهرة، فمات قبل
قتل أخيه فتح الدين ودفن أخوه عنده.
محمد بن إبراهيم النابلسي ثم الدمشقي، نجم الدين ابن الشهيد أخو اللذين
قبله، تنقل في البلاد وولي كتابة السر بسيس عشرين سنة، ثم قدم القاهرة
فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد
بعد الشتات الطويل.
(1/427)
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي تقي
الدين ابن الظاهري، سمع من الحجار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه، مات
في صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم تقي الدين المصري ابن إمام جامع
ابن الرفعة، ولد سنة سبع عشرة، وسمع على الحجار والواني والدبوسي
وغيرهم، وكان عارفاً بالفقه، درس بالشريفية ودرس للمحدثين بقبة بيبرس،
وحدث وأفاد، مات في ذي القعدة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني، فتح الدين أبو الفتح المصري
إمام جامع طولون، ولد سنة أربع وسبعمائة، وتلا بالسبع على التقي الصائغ
وسمع عليه الشاطبية، فكان خاتمة أصحابه بالسماع وأقرأ الناس بأخرة
فتكاثروا عليه، مات في المحرم.
محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي محمد القرطبي أبو
الوليد ابن الحاج ثم الغرناطي نزيل دمشق، أم بالجامع، وكان فاضلاً، مات
في ذي الحجة.
محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر بدر الدين الدمشقي كاتب السر، وليها
مرتين قدر عشر سنين، وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة وهو الذي قام معه
في تدريس الشامية البرانية، ونشأ على طريقة مثلى وباشر بعفة ونزاهة.
محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرني الأنصاري أبو الحسن، سمع من
والده كثيراً وأجاز له أبو جعفر بن الزين وقاضي فاس أبو بكر محمد بن
محمد بن عيسى بن منتصر وتفرد بذلك، وكان آخر المسندين ببلاد افريقية،
وكان زاهداً مقبلاً على القراءات والخير، مات بتونس في ذي القعدة عن
تسعين سنة وأشهر.
محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناني، حدث بالصحيح عن الحجار بمصر
وغيرها، وكان من فقهاء المدارس بدمشق، وأذن له ابن النقيب، مات في أحد
الجمادين ببيسان راجعاً من القاهرة.
(1/428)
محمد بن الحسن الأسدي شمس الدين، كان إمام
خانقاه سعيد السعداء، مات راجعاً من الحج.
محمد بن عبد الله بن أبي العلج زين الدين المصري، كان ممن يعتقد بمصر،
مات في جمادى الأولى.
محمد بن عبد الله المحلى القاضي الشيخ موفق الدين العابد، كان كثير
القدر معتقداً عند أهل بلده.
محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي شمس الدين ابن
اليونانية، ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الحجار وتفقه، وسمع الكثير
وتميز ولخص تفسير ابن كثير في أربع مجلدات وانتفع به، ومات في شوال.
محمد بن أمير علي المارديني، مات بدمشق في ذي الحجة.
محمد بن علي الطوسي المصري ناصر الدين موقع الدست، ولد بعد العشرين
وسمع من ابن عبد الهادي وغيره، واشتغل حتى مهر، وكان يستحضر كثيراً من
التاريخ والأدبيات، وكان في أول أمره من صوفية الخانقاه بسرياقوس، ثم
تنقلت به الأحوال إلى أن ولي شهادة الخاص ثم التوقيع، وكان حسن
المذاكرة، جميل المحاضرة، وصار من وجوه الموقعين ويشار إليه بالفضل دون
كثير منهم، مات في شوال وقد قارب السبعين بحلب لما توجه السلطان الظاهر
إليها بعد عوده إلى السلطنة.
محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عوض الصالحي ناصر الدين البيطار
حضر على ابن مشرف وسمع على القاضي وابن عبد الدائم وأجاز له الدمياطي
والموازيني والشرف الفزاري وآخرون، مات في شعبان عن تسع وثمانين سنة.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر بن عبد الله بن سوار عز
الدين
(1/429)
الزبيري الملبحي، سمع من الحسن بن عمر
الكردي، وتفرد عنه بالسماع، وسمع الصحيح على الحجار وحدث به، مات في
جمادى الآخرة.
محمد بن محمد بن النجيب عبد الخالق الحنبلي قاضي بعلبك، أمين الدين سبط
فخر الدين ابن أبي الحسين اليونيني، كان فاضلاً وهو أول من ناب في
الحكم عن الحنابلة ببعلبك، قتل في فتنة منطاش في رمضان وله تسع وأربعون
سنة.
محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي، تقدم في سنة
787.
محمد بن يوسف الزيلعي يكنى أبا عبد الله، حدث بالبخارى عن عبد الرحيم
بن شاهد الجيش وكان أحد من يعتقد.
محمد بن يوسف أبو عبد الله الركراكي المالكي شمس الدين، كان عالماً
بالأصول والمعقول، وينسب لسوء الاعتقاد وقد امتحن بسبب ذلك ونفي إلى
الشام، ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه السنة، فمات
بحمص في رابع شوال.
ورثاه عيسى بن حجاج العالية بقوله:
لهفي على قاضي القضاة محمد ... إلف العلوم الفارس الركراكي
قد كان رأساً في القضا فلأجل ذا ... أسفت عليه عصابة الأتراك
ولما سمع شيخنا سراج الدين بموته قال: لله در عقارب حمص، وكانت هذه تعد
(1/430)
في نوادر شيخنا إلى أن وجد في ربيع الأبرار
أن أرض حمص لا يعيش بها العقارب وإن دخلت فيها عقرب غريبة ماتت من
ساعتها.
موسى بن عمر بن منصور بن رجل بن نجدة شرف الدين اللوبياني الشامي، ولد
بعد سنة عشرين وسمع من الحجار وكان فقيهاً نبيهاً، مات في ربيع الأول،
وكان ابن النقيب هو الذي أذن له، وكان يدرس ويفتي ويرتزق من الشهادة،
ومات في ربيع الأول.
منصور بن عبد الله الحاجب بغزة.
يلبغا بن عبد الله الناصري أحد كبار الأمراء وقد حكم في المملكة أياماً
قلائل، ثم ثار عليه منطاش كما تقدم في الحوادث وكان سبباً لبقاء مهجة
برقوق ثم جازاه أن ولاه نيابة دمشق ثم حلب، ثم قبض عليه وقتله كما
تقدم.
(1/431)
سنة أربع وتسعين
وسبعمائة
في أولها وصل بهادر مقدم المماليك بحريم السلطان فتجهز نائب الغيبة في
حادي عشر المحرم لملتقى السلطان إلى بلبيس ودخل السلطان القاهرة يوم
الجمعة سابع عشر المحرم وكان يوماً مشهوداً، واستقر شهاب الدين
النحريري في قضاء المالكية عوضاً عن الركراكي وكان كمشبغا أذن لشهاب
الدين الدفري أن يتكلم في الأمور إلى أن يحضر السلطان.
وفي صفر قبض على دمرداش نائب حلب وحبس بالبرج وعلى قزدمر الحسني.
وفيه استقر ركن الدين عمر بن قايماز في الوزارة عوضاً عن ابن الحسام.
وفي نصف صفر استقر الشريف مرتضى بن إبراهيم بن حمزة الحسني في نظر
القدس والخليل.
وفيه هجم على بطا النائب بدمشق خمسة أنفس منهم آقبغا دوادار فقتلوه
وأخرجوا من في الحبس من المناطشية وهم نحو مائة نفر وملكوا القلعة
فحاصرهم الحاجب في عسكر دمشق وضيق عليهم إلى أن غلبوا فأحرقوا عليهم
الباب وأمسكوا الثائرين فلم يبقوا منهم إلا من هرب،
(1/432)
ولما بلغ السلطان ذلك قرر في نيابة دمشق
سودون الطرنطاي فخرج إليها في ثامن ربيع الأول ودخلها في العشر الأخير
منه فلم يلبث أن مات في رمضان وكانت ولايته سبعة أشهر واستقر مكانه
كمشبغا الأشرفي، ومات من مماليكه وجماعته نحو مائة نفس بالطاعون.
وفي سادس ربيع الأول ولي جمال الدين القيصري قاضي الحنفية مشيخة
الشيخونية بعد وفاة العز الرازي.
وفي نصف ربيع الأول أمر السلطان القضاة بتخفيف النواب وكان القاضي عماد
الدين الكركي قد استكثر منهم جداً حتى استناب من لم تجر له عادة
بالنيابة مثل جمال الدين ابن العرياني وولي الدين ابن العراقي وعز
الدين عبد العزيز البلقيني ونحوهم، فعزل من نوابه أكثر من عشرين نفساً،
وأبقى تقي الدين الزبيري وتقي الدين الأسنائي وفخر الدين القاياتي
خاصة، فهؤلاء الثلاثة في إيوان الصالحية بالنوبة وأذن لبهاء الدين أبي
الفتح البلقيني بالجلوس في القبة وآخر معه بالنوبة واستقر القاضي
المالكي بخمسة من النواب أيضاً وهم ابن الجلال وجمال الدين الأقفهسي
وشهاب الدين الدفري وخلف الطوخي وقد ولى الأولان القضاء استقلالاً بعد
ذلك، وناب عنه بمصر جمال الدين العبسي.
وفي هذا اليوم أمر السلطان أن ينقل محب الدين ابن الشحنة قاضي حلب من
عند محمود فتسلمه والي القاهرة، وكذلك تسلم علاء الدين البيري موقع
الناصري وكان قبض
(1/433)
عليهما بالشام فقتل البيري واعتقل ابن
الشحنة ثم أفرج عنه في أواخر هذا الشهر بعناية محمود الاستادار.
وفيها خلع السلطان على يوسف بن علي بن غانم أحد أمراء العرب لما رجع من
الحج وتوجه إلى بلاده في ربيع الأول.
وفيها عزل ناصر الدين ابن الخطيب عن قضاء حلب واستقر شرف الدين
الأنصاري.
وفي آخر ربيع الآخر عزل ابن البرخي عن الحسبة وأعيد نجم الدين الطنبدي.
وفي هذا الشهر قتل ايدكار الحاجب وقراكسك وأرسلان اللفاف وسنجق وغيرهم
من الأمراء.
وفي المحرم مات ناصر الدين ابن الحسام بعد مرض طويل.
وفي ثاني عشرين صفر استقر محمد بن محمود في نيابة الإسكندرية.
وفيه جهز حسن الكجكنبي بهدية إلى صاحب الروم.
وفيه أعيد نظر جامع طولون إلى القاضي الشافعي، وكان الحاجب قد تحدث فيه
نحو سنة.
(1/434)
وفيه أمر السلطان الدويدار وكاتب السر أن
يتكلما في الأوقاف الحكمية لما بلغه من تخريب الأوقاف فأمر نصر الله بن
شطية كاتب المرتجع باسترجاع الحساب من مباشري الأوقاف وألزمهم بعمل
حساب المودع مدة عشر سنين.
وفي تاسع عشر جمادى الآخرة استقر كمشبغا أتابكاً بموت أينال اليوسفي
واستقر ايتمش رأس نوبة.
وفي رجب ثار جماعة من المماليك على محمود الأستادار وطالبوه بالكسوة
والنفقة ورجموه من الطباق وضربوا بعض مماليكه بالدبابيس وأرادوا قتله
فمنعه منهم أيتمش.
وفيها عزل ابن قايماز عن الوزارة واستقر عوضه تاج الدين ابن أبي شاكر،
واستقر ابن قايماز في الأستادارية كسراً لشوكة المماليك ثم أنفق محمود
على المماليك وكساهم فأعيد إلى وظيفته في نصف شعبان، وكان ذلك أول وهن
دخل عليه.
وفي شعبان قدم عنان بن مغامس أمير مكة وشريكه علي بن عجلان فقعد علي
لصغر سنه تحت عنان فرفعه السلطان على عنان، ثم خلع عليه في رمضان
وأفرده بالإمرة واعتقل عناناً بالقاهرة.
وفي رمضان شكا تاج الدين النصراني معلم أولاد كريم الدين بن مكانس
الكتابة أنه مختف في بيته فأرسل معه بكلمش أمير آخور جماعة من الوجاقية
فدق تاج الباب فخرج إليه ابن مكانس فقال له: ما هذا؟ قال: تاج، ففتح
مطمئناً به لكثرة دخوله عليه فهجم عليه الأوجاقية فحولوه إلى بكلمش
فعرضه على السلطان فأمر الوالي أن يتسلمه فخاف تاج أن يتخلص ابن مكانس
فأسلم على يد بكلمش ولبس بالجندية وخدم عنده شاداً في بعض بلاده.
(1/435)
وفي ذي القعدة قبض جماعة من المماليك
بسرياقوس على شاب من العامة قهراً فارتكبوا فيه الفاحشة فأمعنوا في ذلك
إلى أن مات فرفع الأمر إلى السلطان فأمر بالقبض عليهم وسلمهم لوالي
القاهرة.
وفي هذه السنة عصى طغيتمر نائب سيس فبلغ ذلك الظاهر فتحيل عليه فدس
لأهل الكرك أن يقفوا له يوم المحاكمة ويشكوا من نائبهم ويسألوه أن يولي
عليهم طغيتمر ففعلوا ذلك، وخفيت هذه المكيدة على بكلمش، وكان طغيتمر من
جهته فكاتبه بما جرى فاطمأن وحضر إلى القاهرة فقبض عليه السلطان.
وفي شعبان مات سودون الطرنطاي نائب دمشق وقرر بعده كمشبغا الخاصكي
الأشرفي وكان سودون محباً في الخير، عديم الهزل، كارهاً في الخمر جداً
والمظالم، ولكنه كان متعاظماً جداً، ولم يبلغ ثلاثين سنة، وكان مهاباً،
ويقال إنه قال لما ولي النيابة: كيف أعمل في الأحكام بين الناس وأنا لا
أدري شيئاً من الأمور الشرعية وكان يتنزه عن الرشوة، وحصل له قبل موته
برسام فكانت تصدر منه أفعال لا تشبه أفعال العقلاء، وعزله الملك الظاهر
قبل موته بعشرة أيام.
وفي نصف رمضان أمر تغرى بردى تقدمة ألف.
وفيه قرر بدر الدين الطوخي في وزارة دمشق عوضاً عن ابن مكانس بحكم
انفصاله ورجوعه إلى القاهرة.
وفي شعبان كان الحريق العظيم بدمشق. فاحترقت المأذنة الشرقية وسقطت
واحترقت
(1/436)
الصاغة والدهيشة وتلف من الأموال ما لا
يحصى، وعمل في ذلك صاحبنا الأديب تقي الدين ابن حجة الحموي مقامة في
نحو عشر أوراق من رائق النثر وفائق النظم وهي أعجوبة في فنها.
وفيها كان الغلاء المفرط بدمشق.
وأوفى النيل ثالث مسرى وانتهى إلى عشرين اصبعا من عشرين ذراعاً.
وفي شعبان وقع الوباء في البقر حتى كاد إقليم مصر أن يفنى منها.
وفيها استقر بدر الدين الأقفهسي شاهد الجاي ناظر الدولة.
وفيها شكا أهل خانقاه سرياقوس من شيخهم فأمر السلطان بإحضاره فسأله عما
أنهى عنه، فأومأ بيده فلمح بعض الناس فيها أحرفاً مقطعة فأعلم السلطان
بذلك فسأله فاضطرب، فقيل للسلطان إنه ساحر، فعزله عن المشيخة وسلمه
لشاد الدواوين وولاها الشريف فخر الدين، وقيل إن الظاهر كان أودع عنده
خمسة آلاف دينار قبل أن يقع قصة الناصري، فلما
(1/437)
عاد طالبه فأجاب بأنه تصدق بها وأصر على
ذلك فأسرّها الظاهر في نفسه إلى هذه الغاية.
وفي العشرين من شوال استقر جمال الدين في نظر الجيش مضافاً إلى القضاء
ومشيخة الشيخونية وعظم شأنه وكثر تردد الناس إليه، ويقال إنه بذل في
ذلك مالاً كثيراً.
وفيها كائنة سعيد المغربي وكان مقيماً بقبة جامع طولون، وللناس فيه
اعتقاد زائد، وكان السلطان يزوره ويعظمه ويقبل شفاعته، فكثر تردد
الأكابر عليه ثم إنه سافر إلى العراق، فلما عاد دخل للسلام على
السلطان، وذلك في العشرين من جمادى الآخرة، فلما انصرف ذكر بعض
البازدارية أنه رآه عند نعير أمير العرب، فغضب السلطان وتخيل أنه
جاسوس، فأرسل إليه من قبض عليه وكان آخر العهد به.
وفي آخر شوال استقر تاني بك أمير آخور ونقل بكلمش إلى مرتبة أخرى
فاستقر أمير سلاح.
وفي سلخ شوال أمر أصحاب العاهات والقطعان أن يخرجوا من القاهرة ثم أذن
للقطعان بالعود.
وفي آخر ذي الحجة عزل الشهاب النحريري عن قضاء المالكية، واستقر ناصر
الدين ابن التنسي نقلاً من قضاء الإسكندرية.
(1/438)
وفي أواخر ذي القعدة قتل جماعة من الأمراء
المعتقلين، منهم طغيتمر وقرادمرداش.
وفي ثامن عشرين ذي القعدة استقر تقي الدين الكفري في قضاء الشام عوضاً
عن نجم الدين ابن الكشك.
وفي خامس عشرين ذي الحجة وصل المبشر من الحجاز.
وفي آخر ذي الحجة عزل القاضي عماد الدين الكركي من قضاء الشافعية وأمر
بلزوم بيته بسبب أن المكيين رافعوا فيه فشغر فضاء الشافعية إلى أن
انسلخت السنة.
وفيها أرسل السلطان نائب الكرك أمير حسن الكجكني إلى ابن عثمان صاحب
الروم بهدايا جليلة.
وفيها ضربت بالإسكندرية فلوس ناقصة الوزن عن العادة طمعاً في الربح،
فآل الأمر فيها إلى أن كانت أعظم الأسباب في فساد الأسعار ونقص
الأموال.
وفي أواخر هذه السنة قبض علي بن عجلان على سبعين نفساً من الأشراف،
فقامت حرمته لذلك.
وفيها وقع الحرب بين قرا يوسف بن قرا محمد أمير التركمان وبين حسين بك
فقتل
(1/439)
قرا يوسف أحد أمراء التركمان غدراً واستولى
على امرأته، وكانت من أجمل النساء، فخلا بها في ليلته، وقال: مات عنك
شيخ وتزوجك شاب.
وفيها نازل قرا يوسف ماردين، فخادعه صاحبها والتمس الصلح على مال يحمله
إليه، ثم راسله بما أراد وراسل أمراءه حتى أفسدهم وأغار عليهم عسكر
ماردين بغتة، فتخلى عنه عامة أصحابه فانهزم، واتفق رأي التركمان على
تأمير حسين بك، ومات في تلك الأيام بعد عمه قرا يوسف.
وفيها رجع تمر إلى بلاد العراق في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز،
وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز فتهيأ منصور شاه لحربه، فبلغ
تمرلنك اختلاف من بسمرقند فرجع إليها، فلم يأمن منصور من ذلك بل استمر
على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك فأمن، فبغته تمرلنك فجمع أمواله وتوجه
إلى هرمز، ثم انثنى عزمه وعزم على لقاء تمرلنك، فالتقى بعسكره وصبروا
صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل شاه منصور في المعركة، ثم
استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين.
ذكر من مات
في سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار
الصالحي ناصر الدين الدمشقي ابن السلار، سمع من عبد الله بن أحمد بن
تمام وابن الزراد وست الفقهاء بنت الواسطي والنجدي وهو آخر من روى عن
الدمياطي بالإجازة وكان له نظم ونباهة، مات في شعبان وله تسعون سنة
سواء، لأن مولده كان
(1/440)
سنة أربع، وكان كتب الكثير بخطه، وله فوائد
ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة، وكان موت والده في المحرم سنة ست
عشرة وسبعمائة.
أحمد بن أيوب بن إبراهيم المصري القرافي شهاب الدين ابن المنفر، سمع
الواني والدبوسي والختني وحدث، مات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن علي الدنيسري شهاب الدين ابن العطار القاهري، ولد سنة
ست وأربعين وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي ثم تولع
بالأدب ونظم فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح الأكابر بالقصائد،
ونظم بديعية، ولم يكن ماهراً في العربية فيوجد في شعره اللحن، وقد
تهاجى هو وعيسى بن حجاج وله " نزهة الناظر في المثل السائر " وكان حاد
البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكة سماها " فتوح مكة " وديوان
في مدائح ابن جماعة سماه " قطع المناظر بالبرهان الحاضر " و " الدر
الثمين في التضمين " وهو القائل:
أتى بعد الصبا شيبي وظهري ... رمى بعد اعتدال باعوجاج
كفى إن كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج
مات في ربيع الآخر.
أحمد بن محمد الدفري شهاب الدين المالكي، ناب في الحكم، ومات في آخر
السنة.
اينال اليوسفي، مات في هذه السنة وهو أكبر الأمراء مطلقاً، ومشى
السلطان في جنازته، وكان شكلاً حسناً شجاعاً مهيباً، مشهوراً
بالفروسية، كثير المودة لأصحابه، لكنه لا يطاق عند الغضب بل تظهر له
أخلاق شرسة، وكان قد قارب السبعين.
(1/441)
بطا الدويدار صار نائب الشام، ومات بها في
المحرم، واستقر بعده سودون الطرنطاي، ومات في سنته في شعبان.
أبو بكر بن محمد الدمشقي الملقب بالقرع النحوي، أخذ عن ابن عبد المعطي
وغيره وبرع في العربية، وكان شافعي المذهب.
أبو بكر بن يوسف النشائي المصري خادم الشيخ عبد الله بن خليل، لازمه
فأكثر عنه، وقد سمع من العرضي وغيره، واعتنى بالحديث وكان معيداً
بالبيرسية ولم ينجب.
تلكتمر التركي، تنقل في الولايات بالقاهرة وغيرها، مات في بيته بطالاً.
طلحة بن عبد الله المغربي ثم المصري، كان مجذوباً وكان للناس فيه
اعتقاد يجاوز الوصف، وكان ربما بطش ببعض من يزوره، أقام مدة بالجامع
الجديد، ثم بمسجد بالقرب منه، ثم بدار ابن التمار النصراني، مات في
رابع عشرين شوال ودفن بالصحراء جنب المكان الذي صار خانقاه للملك
الظاهر.
عبد الله بن أبي بكر بن محمد الدماميني، ثم الإسكندراني شهاب الدين،
سمع الموطأ من الجلال بن عبد السلام وتفرد به، وسمع من محمد بن سليمان
المراكشي الرابع وثلاثة أجزاء بعده من الثقفيات وتفرد به أيضاً، ومات
في ربيع الآخر وكان فاضلاً أديباً.
عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس،
صاحب الأتباع، كان للناس فيه اعتقاد كثير، مات بالقدس، وزاويته هناك
معروفة، وهو والد صاحبنا عبد الهادي، وكان نشأ ببغداد وتفقه بمذهب
الشافعي إلى أن أعاد بالنظامية، فاتفق
(1/442)
قدوم الشيخ علاء الدين على العشقي البسطامي
- وعشق من عمل بامان - فلازمه وانتفع به وصار من مريديه، فسلكه وهذبه
وتوجه معه لزيارة القدس، فطاب للشيخ المقام به فأقام وكثر أتباعه
واستمر الشيخ عبد الله يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات والخلوات إلى
أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه فقام أتم قيام ورزقه
الله القبول وكثر أتباعه وكان كثير التواضع، مهيباً، مات في 22 المحرم.
عبد الله ويدعى محمد بن أبي زبا، قيم المدرسة المنصورية، سمع الحديث
وحدث، ومات في شعبان.
عبد الله بن ظهيره بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي. والد قاضي مكة
وأخو قاضيها، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي وعيسى
بن الملوك وغيرهما، وكان ديناً خيراً، له نظم وعبادة، مات في شهر ربيع
الآخر سنة أربع وتسعين، حدث عنه ولده.
عبد الله بن محمد الفيشي المالكي جمال الدين، ناب في الحكم ولم يكن
مرضياً، مات في ربيع الأول.
عبد الخالق بن علي بن الحسن بن الفرات المالكي، موقع الحكم، برع في
الفقه وشرح مختصر الشيخ خليل، وحمل عن الشيخ جمال الدين ابن هشام، وكتب
الخط المنسوب، ودرس، ووقع على القضاة، رأيته مراراً، وكان سمع من أبي
الفتح الميدومي وحدث، وهو والد صاحبنا شهاب الدين أحمد، مات في جمادى
الآخرة.
عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس فخر الدين الكاتب، ولي
نظر الدولة مراراً، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيراً، ثم
استدعى إلى القاهرة ليستقر
(1/443)
وزيراً بها، فاغتيل بالسم في الطريق، فدخل
القاهرة ميتاً، وكان ماهراً في الكتابة، عارفاً بصناعة الحساب، أعجوبة
في الذكاء، له الشعر الفائق والنظم الرائق، ما طرق سمعي أحسن من قوله
في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة وهي الرسالة الطويلة جاء
فيها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد، وأطاعه حروف النصر، فكلما تلا لسان
البحر نون، تلا لسان العزم صاد.
وهو القائل:
علّقتها معشوقة خالها ... قد عمها بالحسن بل خصصا
يا وصلها الغالي ويا جسمها ... لله ما أغلى وما أرخصا
مات في خامس عشر ذي الحجة، سمعت من لفظه شيئاً من الشعر، وكانت بيننا
مودة.
عبد الرحيم بن محمد الطباطبي الشريف الحسني، كان مؤذن الملك الظاهر.
علي بن عبد الله بن يوسف بن حسن البيري علاء الدين الموقع، خدم الناصري
بحلب وقدم معه القاهرة فولى توقيع الدست واستمر إلى أن أمر الظاهر
بقتله في هذه السنة، فقتل، وكان الناصري يعتمد عليه والكتب ترد على
الملك الظاهر بخطه في تلك الفتنة، فحقد عليه، ولما عاد إلى الملك لم
يهجه بل استمر في التوقيع، وأمره بمساعدة علاء الدين الكركي لقلة معرفة
الكركي بصناعة الديوان فباشر إلى أن سافر الملك الظاهر إلى حلب، وقتل
الناصري وأمر بالقبض على البيري فقيد وحمل إلى القاهرة فقتل خنقاً في
رابع عشر ربيع الأول وأوصى أن يكتب على قبره:
بقارعة الطريق جعلت قبري ... لأحظى بالترحم من صديق
فيا مولى الموالي أنت أولى ... برحمة من يموت على الطريق
وكان بينه وبين أمين الدين الحمصي مكاتبات ومراسلات، ولم يكن نظمه
ونثره بالفائق، بل كان مكثراً مقتدراً، حتى كان يكتب في شيء أنشأ غيره
وينشيء في غيره،
(1/444)
وهو أخو علم الدين سليمان، وقد عاش بعده
أكثر من ثلاثين سنة، وكانا سمعا جميعاً على الأعميين ابن جابر وأبي
جعفر الغرناطي، وهو القائل:
بشاهين عيني صاد قلبي متيم ... ومن لامني في لامه فهو واقع
وكيف خلاصي فيه من جارح الحشى ... وطائر قلبي نحو شاهين واقع
علي بن البهاء عبد الرحمن ابن العز محمد بن التقي سليمان بن حمزة
المقدسي، حضر على جد أبيه، وسمع من ابن سعد والحجار وكان نبيهاً في
العلم، رئيساً، مات في شعبان عن ثمانين سنة. قال ابن حجي: وكانت عنده
وجاهة وكرم وقد بقي صدر آل بيته، وكان شيخ دار الحديث المقدسية
وناظرها، معروفاً بالصيانة.
علي بن عصفور أحد كبار التجار، مات فيها في شوال.
علي بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم الكركي علاء الدين كاتب السر، خدم
الظاهر وهو في سجن الكرك، وقام معه بنفسه وماله ورجاله لما خرج، فشكر
له ذلك فولاه كتابة السر، واستمر فيها إلى أن خرج مع السلطان في سفرته
إلى الشام فضعف بدمشق، فأذن له السلطان في الرجوع إلى مصر، وقرر ابن
فضل الله في كتابة السر، فلما عاد السلطان سلم عليه وهو ضعيف فوعده أن
يعيده إلى وظيفته، فازداد بعد ذلك ضعفاً، ثم عوفي ثم انتكس ثم مات في
ربيع الأول، وكان شكلاً، حسناً، جميل الخلق.
علي بن مجاهد المجدلي علاء الدين، اشتغل ببلده، ثم قدم القدس فلازم
التقي القلقشندي ثم قدم دمشق فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين فأخذ عن
الضياء القرمي، وعاد إلى دمشق وتصدر بالجامع وشغل الناس، واختص بالقاضي
سري الدين وأضاف إليه قضاء
(1/445)
المجدل ثم وقع بينهما فأخذت وظائفه ثم غرم
مالاً حتى استعادها وولي مشيخة النجيبية بأخرة وسكنها، وكان جيداً
متوسطاً في الفقه، مات في شهر رمضان.
قرا دمرداش نائب حلب في أيام الظاهر برقوق، مات في ذي الحجة مقتولاً.
قطلوبغا الصفوي أحد كبار الأمراء، مات في ربيع الأول.
قطلوبغا الخزندار، مات في صفر.
محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي شمس الدين ابن مهاجر، ولد سنة ثمان
وعشرين وسبعمائة، وكان حنفياً فاضلاً، ورأس فيهم حتى كان يقصد للفتوى،
ثم ولي كتابة السر بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين فدخل القاهرة،
وتحول فصار شافعياً وولي قضاء حماة ثم حلب، ثم عزل بابن أبي الرضا،
وكان ذا فضيلة في النظم والنثر، أثنى عليه فتح الدين ابن الشهيد، وكان
فاضلاً خيراً مهيباً، حسن الخط، مات في ربيع الأول.
محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين المنهاجي، ولد بعد
الأربعين، ثم رأيت بخطه سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من مغلطاي
وتخرج به في الحديث، وقرأ على الشيخ جمال الدين الأسنوي وتخرج به في
الفقه، ورحل إلى دمشق فتفقه بها، وسمع من عماد الدين ابن كثير، ورحل
إلى حلب فأخذ عن الأذرعي وغيره، وأقبل على التصنيف فكتب بخطه ما لا
يحصى لنفسه ولغيره، ومن تصانيفه: تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات
وخادم الرافعي في عشرين مجلدة، وتنقيحه للبخاري في مجلدة، وشرع في شرح
كبير لخصه من شرح ابن الملقن، وزاد فيه كثيراً، ورأيت منه المجلد الأول
بخطه، وشرح جمع الجوامع في مجلدين وشرح المنهاج في عشرة، ومختصره في
مجلدين، والبحر في أصول الفقه في ثلاث مجلدات، وغير ذلك،
(1/446)
ورأيت بخطه شرح الأربعين النووية، وأحكام
المساجد وفتاوى جمعه وحواشي الروضة للبلقيني، و " نظم الجمان في محاسن
أبناء الزمان " ومجلد من شرح البخاري له مسودة، ومن تذكرته أربع مجلدات
والمعتبر في تخريج ابن الحاجب، والمختصر والكلام على علوم الحديث، وله
استدراك عائشة على الصحابة، والفوائد المنثورة في الأحاديث المشهورة،
والديباج على المنهاج، والفوائد على الحروف وعلى الأبواب، ومختصر
الخادم وسماه تحرير الخادم وقيل لب الخادم، وله على العمدة كذا ورأيت
أنا بخطه من تصنيفه البرهان في علوم القرآن من أعجب الكتب وأبدعها
مجلدة، ذكر فيه نيفاً وأربعين علماً من علوم القرآن وتخرج به جماعة،
وكان مقبلاً على شأنه، منجمعاً عن الناس، وكان بيده مشيخة الخانقاه
الكريمية وكان يقول الشعر الوسط، مات في ثالث رجب.
محمد بن عبد الله بن الخباز صلاح الدين رئيس القراء بالجوق، وكان
مقدماً على أبناء جنسه لتقدم سنه، معظماً في الدول، كف في آخر عمره
ويقال إنه جاوز المائة.
محمد بن عبد الله الركراكي المغربي أبو عبد الله نزيل المقس، كان
مشهوراً بالخير، معتقداً في العامة، قارب المائة.
محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي ابن
الشيرازي شمس الدين الملقب بالقاضي، ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة
وسمع من جدته ست الفخر بنت عبد الرحمن بن أبي نصر مشيخة كريمة بسماعها
منها، وتفرد بذلك، وكان يذكر أنه سمع البخاري من ابن الشحنة بحضور ابن
تيمية، وكان من الرؤساء المعتبرين، وله مال جزيل وثروة ووقف متسع وأنفق
غالب ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته، ومات في جمادى الآخرة في عشر
المائة.
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي شمس
الدين ابن الرشيد، سمع القاضي والمطعم وابن سعد وغيرهم وحدث، مات في
شوال عن أربع وثمانين سنة.
محمد بن عمر بن إسماعيل السبكي شمس الدين، اعتنى قليلاً بالحديث، وباشر
الحسبة بدمشق، ومات في ليلة عرفة.
محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي، نزيل الحرمين، كان خيراً، سمع
من الزيادي وابن أميلة وغيرهما، ولازم قراءة الحديث بمكة، مات في شوال.
محمد بن محمد بن إسماعيل ابن أمين الدولة الحلبي الحنفي شمس الدين
المرغياني، ذكره طاهر بن حبيب وقال: سكن القاهرة، وكان من الفضلاء على
مذهب الحنفية، ناب في الحكم وولي مشيخة خانقاه طقزدمر بالقرافة، مات في
شوال.
(1/447)
محمد بن محمد بن عبد المجير بدر الدين ابن
الصائغ الدمياطي، سمع من الميدومي ومن بعده، واعتنى بالحديث، وحصل
كتباً كثيرة وتنبه قليلاً ولم ينجب، مات في ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري جمال الدين ابن
النحاس، ولد سنة تسع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشيرازي
وابن عساكر والحجار وغيرهم وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن
النحاس، واعتنى به أخوه فأسمعه الكثير، وخرج له ابن الشرايحي مشيخة
فمات قبل أن يحدث بها، وكانت عنده معرفة وعلى ذهنه فوائد ويذاكر
بتاريخ، مات في شوال عن خمس وسبعين سنة.
محمد بن نصر الله بن بصاقة الدمشقي بدر الدين، سمع على أسماء بنت صصري
ومهر في العربية وأحسن الخط، ولازم العنابي وابن هشام، مات في رمضان.
محمد بن لاجين الصقري ناصر الدين المعروف بابن الحسام، كان دويدار ابن
البقري، ثم خدم استاداراً عند سودون باق، ثم عمل شد الدواوين إلى أن
ولي الوزارة فباشرها بهيبة وصولة ويقظة، واستخدم عنده أستاذه الأول ابن
البقري في استيفاء الدولة، ورتب معه ثلاثة ممن ولي الوزارة، وشرك بينهم
في الوظيفة المذكورة، وكان ذكياً عارفاً مفرط الكرم، مات في صفر، وهو
والد صاحبنا إبراهيم الذي ولي الحسبة بعد ثلاثين سنة من هذا الوقت،
ومات بعد أن رجع مع السلطان من حلب.
محمود بن محمد بن إبراهيم بن سنبكي بن أيوب ابن قراجا الحلبي الحنفي،
جمال الدين ابن الحافظ قاضي حلب، مات بها.
(1/448)
موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني شرف الدين
أخو القاضي شهاب الدين، قدم دمشق وتنزل بالبادرائية وقرأ بالسبع على
ابن اللبان، وسمع من ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه وكتب بعض الأجزاء
وكان أسن من أخيه فأسمع أخاه معه قليلاً، ولما ولي أخوه استنابه وقرر
له بعض جهات، مات عن قرب في رمضان.
ناصر بن أبي الفتح الحنبلي تقي الدين أخو القاضي ناصر الدين، ولي نقابة
الحكم عند القاضي موفق الدين، وانقطع بأخرة إلى أن مات في ربيع الآخر.
يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعيب الرحبي محيي الدين التاجر، ولد
سنة خمس عشرة وسبعمائة، وسمع الصحيح من الحجار والمزي وحدث به، وكان
معتنياً بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وقد أكثر عن الجزري وغيره وطلب
بنفسه، ولازم ابن كثير وأخذ عنه فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب
ابن تيمية، وكان تاجراً، فلما كبر دفع ماله لولده محمد وأقبل على
الإسماع وكان يقصد لسماع الصحيح، وله به نسخة قد أتقنها، وكان البرهان
بن جماعة قد صاهر إليه، فكان له بذلك جاه كبير وأصيب في رجليه
بالمفاصل، وحج مراراً، ومات في ربيع الأول.
(1/449)
سنة خمس وتسعين
وسبعمائة
في ثامن المحرم استقر صدر الدين المناوي في قضاء الشافعية عوضاً عن
القاضي عماد الدين الكركي، وكان عزل في سادس عشرين ذي الحجة.
وفي التاسع منه أعيد موفق الدين إلى الوزراة وصرف تاج الدين ابن أبي
شاكر.
وفيها استقر قلمطاي دويداراً عوضاً عن أبي يزيد بحكم انتقاله إلى نيابة
دمشق ومات أبو يزيد فيها.
وفيها هجم جنتمر أمير الركب الشامي على بعض أهل المدينة من الجند
الأشراف بسبب صقر يصطاد به فدافعوه عنه فوقع الشر وقتل منهم اثنان فركب
ثابت بن نعير فسكن الفتنة.
وفيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها كما سيأتي،
واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع لما يحكى عنه
كل قلب، فكان مسيره إلى السلطانية فنازل السلطانية فقتل صاحبها، ثم قصد
تبريز فدخلها عنوة ونهبها كعادته، وأرسل إلى جميع البلاد نواباً من
قبله، ثم طلب بغداد، وذلك في أواخر شوال فنازلها في ذي القعدة، فلم
يلبث صاحبها أحمد أن أخذ حريمه وخزائنه وهرب، فبلغ ذلك تمر فأرسل ابنه
مرزا في طلبه فأدركه، فلما كاد أن يقبض عليه رمى بنفسه في الماء، فسبح
إلى الجهة الأخرى فسلم هو ومن
(1/450)
معه، واحتيط بأهله وخزائنه، وهجم تمر على
بغداد فملكها قهراً، ثم شن الغارات على بلاد بغداد وما حولها وما
داناها، ثم تمادوا إلى البصرة والكركر والحلة وغيرها، وأوسعوا القتل
والفتك والسبي والأسر والنهب والتعذيب، وفر من نجا من أهل بغداد، فوصل
الشيخ غياث الدين العاقولي إلى حصن كيفا هارباً فأكرمه صاحبها، ثم سار
عسكر تمر إلى إربل فحاصروها فأطاعه صاحبها، ثم صاروا إلى تكريت، فعصت
عليهم فنازلها فصبر لهم أهلها فراسلوا تمرلنك بذلك فأمدهم بأمير شاه
ملك وأردفه بخواجا مسعود صاحب خراسان وأقام هو ببغداد إلى آخر السنة،
وكان دخول اللنك بغداد في شوال، ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر،
وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر
سنة ست وتسعين.
وفيها مات كمشبغا الأشرفي نائب الشام فاستقر عوضه تاني بك الحسني.
وفي أول هذه السنة عصى نعير على السلطان لكونه أجار منطاش لما استجار
به فاجتمع عليهما من العرب والتركمان عسكر كثير فقصدوا سلمية، فخرج
إليهم محمد بن قارا التركماني فقتل منهم جماعة، وجرح منطاش وسقط وهو لا
يعرف، لأنه كان حلق شواربه فأردفه ابن نعير خلفه وانهزموا، ثم طرق
منطاش ونعير حماة فنهبوها، فبلغ ذلك نائب حلب وكان قد استقر آقبغا
الصغير فكبس على بيوت العرب وسبى نساءهم وساق أموالهم وأكمن لهم في
بيوتهم الكمناء، فلما بلغهم سبي نسائهم رجعوا على وجوههم إلى بيوتهم
فخرج عليهم الكمناء فقتلوهم وأسروا خلقاً كثيراً وانهزم الباقون،
(1/451)
فلما رأى أولاد نعير ذلك جنحوا إلى طاعة
السلطان وملوا من الحرب وكرهوا منطاشاً لما فيه من الهوج فراسلوا
السلطان في طلب الأمان والتزموا له بمسك منطاش فأكرم رسلهم، فلما بلغ
ذلك أباهم أذعن للطاعة وراسل نائب حلب ليسلم له منطاش، فلما تحقق منطاش
ذلك ضرب نفسه ليقتلها فلم تمت، وتسلمه قصاد نائب حلب، ثم تسلمه نائب
القلعة، ثم أرسل السلطان فأمر بقتله وحمل رأسه فحملت بعد أن طيف بها
جميع البلاد الشامية التي يقع المرور عليها، فلما وصلت إلى القاهرة طاف
بها الوالي ابن الطبلاوي على قناة ثم علقها على باب زويلة ثلاثة أيام،
ثم دفنت وأرسل السلطان إلى نعير بالخلع وبتحليفه على الطاعة.
وفي شعبان وصل عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا ابن أخي نعير مغاضباً
لعمه، فأكرمه السلطان، ثم قدم أبو بكر وعمر ولدا نعير مفارقين لأبيهما
فأكرما بدمشق.
وفي شوال أمطرت السماء مطراً غزيراً حتى خاض الناس في المياه، وذلك في
أول يوم من توت والشمس في برج السنبلة.
وفيها حضر رسل صاحب دهلك ومعه فيل وزرافة وغير ذلك هدية.
وفي شعبان وصل رسل تمرلنك إلى الظاهر يظهر له الوداد والكتب على لسان
طقتمش خان سلطان الدشت.
وفيها هرب أحمد بن أويس من بغداد، وذلك لأنه كان شديد العسف بالرعية
والأمراء، فلما قصده تمرلنك كان إذا أرسل أحداً من الأمراء بكشف خبره
يعيد إليه جوابا غير شاف،
(1/452)
فعميت عليه الأخبار إلى أن دهمه فلم يكن له
به طاقة فخرج من أحد أبواب البلد، وفتح أهل البلد الباب الآخر لتمرلنك،
فأرسل في طلب أحمد ففات الطلب ودخل الشام، وكان تمرلنك قد غلب قبل ذلك
على تبريز وكاتب أحمد أن يذعن له بالطاعة ويخطب باسمه، فأجاب لذلك
لعلمه بأن لا طاقة له بمحاربته، فكاتب أهل بغداد تمرلنك في الوصول
إليهم فوصل، وكان أحمد أرسل الشيخ نور الدين الخراساني إلى تمر فأكرمه،
وقال أنا أتركها لأجلك ورحل، فكتب الشيخ نور الدين الخراساني إلى أحمد
يبشره بذلك، وسار تمر من ناحية أخرى فلم يشعر أحمد وهو مطمئن إلا وتمر
قد نزل بغداد في الجانب الغربي فأمر أحمد بقطع الجسر ورحل وهرب أحمد
لكن لم يعامل تمرلنك البغداديين بما قصدوه، فإنه سطا عليهم واستصفى
أموالهم وهتك عسكره حريمهم، وخلا عنها كثير من أهلها وأرسل عسكراً في
أثر ابن أويس فأدركه بالحلة فنهبوا ما معه وسبوا حريمه وهرب هو ووضع
السيف في أهل الحلة ليلاً ونهبوها وأضرم فيها النار، ولما وصل أحمد في
هربه إلى الرحبة أكرمه نعير وأنزله في بيوته ثم تحول إلى حلب فنزل
الميدان وأكرمه نائبها وطالع السلطان بخبره، فأذن له في دخوله القاهرة.
وفي ذي القعدة رجع حسن الكجكني من بلاد الروم من عند أبي يزيد بن عثمان
بعد أن أصلح بينه وبين ابن قرمان بأمر السلطان ووصل صحبته بهدايا ابن
عثمان مع رسله فأكرمهم السلطان وأرسل صحبتهم بسؤالهم محمد بن محمد
الصغير الطبيب وجهز صحبته كثيراً من العقاقير وغيرها، ثم جهز اللنك
ولده بعسكر حافل إلى صالح ابن جيلان صاحب البصرة والبحرين فقاتلوه
فهزمهم وأسر ولد تمرلنك
(1/453)
وخرج في إحضاره عز الدين ازدمر وجهز
السلطان إليه ثلاثمائة ألف درهم فضة برسم النفقة فبعث إليه عسكراً آخر
فظفر بهم.
وفيها كانت وقعة عظيمة للفرنج بنستروه، طرقوها في رمضان في أربعة غربان
فنهبوها وقتلوا النساء والأطفال وأقاموا بها ثلاثة أيام.
وفيها كانت وقعة عظيمة بالمدينة بين جماز بن شيحة الذي كان أمير
المدينة النبوية وبين ثابت بن نعير المستقر فيها، وقتل بينهم خلق كثير.
وفيها في شوال كانت محنة القاضي ناصر الدين ابن الميلق، فقرأت بخط قاضي
القضاة تقي الدين الزبيري وأجازنيه قال: لما كان ابن الميلق قاضياً طلب
أمين الحكم وقت الصرّ إلى الحجاز وكان من بالقاهرة من أهل الحجاز شكوه
للقاضي وقالوا إنه يقول إنه ما يصرّ إلا بحكم النصف، فأنكر عليه القاضي
وقال تعمل هذا في أيامي وألزمه بتكملة الصرّ ولم يكن عنده ما يكمل به
الصرّ لتأخر حضور مال الوقف من الشام، وكان منطاش ختم على مودعي الحكم
بالقاهرة والحسينينة وصار يحط على القاضي لامتناعه من إقراضه مال
المودع فحضر بدر الدين القلقشندي أمين الحكم وأخوه جمال الدين موقع
الحكم وذكرا للقاضي أنه حضر من وقف البرج والغازية قدر أربعين ألفاً من
جهة علم دار وهي في جهة شخص هو زوج ابنة تمنتمر ناظر المارستان وأنهم
لم يجتمعوا به والمبلغ حاضر معه لا غيبة له وسألوه أن يقترضوا الأربعين
من مودع مصر وكان لم يختم ليكمل بذلك الصر ويعيدوها إذا قبضوها من
القاصد فأذن لهم فكتبوا قصة سألوا فيها أن تنقل أربعين ألفاً
(1/454)
من مودع مصر إلى مودع القاهرة فكتب لهم
بالنقل على الوجه الشرعي فقبضوه وصرّره وطالبوا القاصد فمطلهم وخرج
منطاش والعسكر وذاك متجوه عليهم بتمنتمر إلى أن انفصل ابن الميلق ولما
استقر عماد الدين الكركي أوفوا من المبلغ عشرة آلاف، فلما أن ولى
المنادي ذكروا له ذلك فأمر أمين الحكم بمصر وهو شهاب الدين البيدقي أن
يرفع الأمر إلى السلطان فقدم قصة قرئت فأمر بإحضار ابن الميلق فحضر
فأوقفه ثم عقد له مجلس وهو واقف فألزموه بغرامتها فخرج فباع من وظائفه
وأملاكه واقترض إلى أن وفاها " وعند الله تجتمع الخصوم " انتهى ما
نقلته، وبلغني أنه في أول حضوره المجلس على تلك الصورة أنه خرّ مغشياً
عليه فما أفاق حتى رشوا عليه الماء، ومع ذلك لم يرحمه أحد ممن حضر ولم
ينصفه أحد من هذه المظلمة ولعل ذلك يكون كفارة له وتوجع لابن الميلق
بسبب ذلك جماعة كانوا يكرهون المناوي لبأو كان فيه فبسطوا ألسنتهم فيه
وذموه بكل وجه فلم ينزعج لهم وصار ينتقم منهم واحداً بعد واحد ولله
الأمر.
وفي ذي الحجة شكا بعض التجار لنائب الكرك نوف القشتمري أن جماعة من
العشير أخذوا لهم مالاً من الغنم وغيرها فركب وتحدث معهم وسألهم أن
يعيدوا ما أخذوا فأخذوا البعض فطلب البقية فذكروا أنهم لم يأخذوا إلا
ذلك، فجمع مشايخهم ليحلفهم فاجتمعوا فقبض عليهم فغضب الباقون فوقعوا
فيه فقتلوه وكان في ناس قلائل.
(1/455)
وفي ربيع الآخر حصل سيل عظيم بحلب فساق
جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد فيها ثعبان عظيم يسع فمه ابن آدم
إذا ابتلعه وكان طوله نحو سبعة أذرع أو أكثر.
وفيه وقع الفناء بالإسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف.
وفيها استقر الشيخ سيف الدين السيرامي في تدريس الفقه والمشيخة
بالشيخونة عوضاً عن جمال الدين محمود لاشتغاله بوظيفة نظر الجيش، وأذن
له السلطان أن يستنيب عنه من يحضر وقت العصر في الظاهرية ويحضر هو
بالشيخونية ويدرس بالمكانين ولم يتفق ذلك لغيره.
وفيها استقر أبو يزيد الدويدار في نظر جامع ابن طولون انتزعه من القاضي
المناوي، فلما مات استعاده المناوي ولبس لأجله خلعة.
وفيها كان الطاعون الشديد بحلب فقرأت في تاريخها للقاضي علاء الدين:
بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر، ثم تناقص في أواخر السنة،
قال: ومات فيه جمع من الأعيان ولكن كان غالبه في الصغار.
وفي هذه السنة أكملت مدرسة أينال اليوسفي خارج باب زويلة، ونقل إليها
فدفن بها.
وفي تاسع عشرين ذي الحجة نودي بأمر السلطان في الناس بمصر والقاهرة أن
يتجهزوا إلى القتال لتمرلنك وطرده عن بلاد الإسلام فإنه قتل العباد
وأخرب البلاد وهتك الحريم وقتل
(1/456)
الأطفال وخرب الديار، وركب سودون النائب
وجماعة معه ومعهم ورقة يقرأ فيها من ذكر مساويه وسيرته القبيحة الأمور
الفظيعة فاشتد خوف الناس وعظم ضجيجهم وبكاؤهم وكان يوماً مهولاً.
وفي هذه السنة اجتمع بالقدس أربعة أنفس من الرهبان ودعوا الفقهاء
لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام
والقائم به وأنه ساحر كذاب فثار الناس عليهم وقتلوهم وأحرقوهم.
وأوفى النيل سادس عشر مسرى.
وفي ذي القعدة قبض على تاج الدين ابن أبي شاكر الوزير وسلم لوالي
القاهرة، فضربه بالمقارع وأخرجه على حمار وفي عنقه الحديد فترامى على
الناس وطرح نفسه على الأبواب يستعطي ما يستعين به في مصادرته ثم أفرج
عنه واستقر ناظر الإصطبل.
ذكر من مات
في سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن بدر البعلي الشرايحي
كان يقال له ابن سمول، سمع من القطب اليونيني وغيره وحدث وهو والد
صاحبنا الحافظ جمال الدين ابن الشرايحي.
أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي من فضلاء الحنفية، وكان يشارك في فنون
ويفتي ويناظر، وكان يلازم أبا البقاء السبكي مدة ويقرأ عليه في الكشاف
وهو المشار إليه في كتابة السجلات، مات في رجب.
(1/457)
أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب بن رقم
البقاعي شهاب الدين المعروف بالزهري الدمشقي الفقيه الشافعي، ولد سنة
اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النور الأردبيلي والفخر المصري وابن
قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي والبهاء الإخميمي ولازم الاشتغال إلى أن
مهر في الفقه وغيره، وسمع الحديث من ابن أبي التائب والبرزالي والمزي
وغيرهم، ودرس كثيراً، وأفتى وتخرج به النبهاء وناب في الحكم عن
البلقيني وغيره، ودرس بالشامية وبالقليجية والعادلية، وولي إفتاء دار
العدل، واستقل بالقضاء في ولاية منطاش وأوذى بسبب ذلك، وكانت مدة
ولايته شهراً ونصفاً، وعد الناس ذلك من زلات العقلاء فإنه كان وافر
العقل فلما صرف انقطع، قال ابن حجي: كان مشهوراً بحل " المختصر " في
الأصول و " التمييز " في الفقه، وله نظم، وكان له حظ من عبادة مع حفظ
لسانه وترك الوقيعة في الناس، وكان مهيباً مقتصداً في معاشه كثير
التلاوة وكان قد انتهت إليه رياسة الشافعية في زمانه بدمشق، مات في
المحرم عن إحدى وسبعين سنة.
أحمد بن صالح البغدادي الحنبلي شهاب الدين خطيب جامع القصر ببغداد كان
من الفضلاء، قتل لما دخل تمرلنك بغداد.
أحمد بن عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهر بن محمد بن ثابت الماكسيني
الخابوري الأصل ثم الدمشقي، ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع من القاسم بن
عساكر والحجار والبندنيجي وابن تيمية وغيرهم وحدث، مات في ربيع الأول
وله خمس وثمانون سنة، وكان جيداً منزلاً بمدارس الشافعية وعنده معرفة
بأحوال الناس.
أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي الفقيه المالكي شهاب
الدين،
(1/458)
أخذ عن الأصبهاني وغيره، وشرح ابن الحاجب
في الفقه وكان حسن الخط والعبارة ماهراً في الأصول، فاضلاً، إلا أنه
كان يرتشي على الإذن في الإفتاء، ويأذن لمن ليس بأهل فعيب بذلك، وكان
أخذ عن أبي حيان والأصبهاني ودرس بالقمحية بمصر، وكان حسن الخط، جيد
العبارة، وشاع عنه أنه قال وهو في النزع: قولوا لابن الشريشي يلبس
ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات شرف الدين ابن الشريشي عقب ذلك.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي شهاب الدين ابن الضياء
الشافعي، ابن عم القاضي صدر الدين ناب عنه في الحكم، وولي مشيخة
الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عشائر ولي الدين أبو حامد بن الحافظ
ناصر الدين أبي المعالي خطيب حلب وابن خطيبها، ولد سنة..... وأسمعه
أبوه الكثير بحلب وغيرها ورحل به إلى القاهرة واشتغل ومهر ونظم الشعر
وخطب بعد أبيه مدة، ومات في ذي الحجة بها بالطاعون شاباً.
أحمد بن محمد بن مخلوف نقيب الحكم بالقاهرة للشافعية مات فيها.
الخضر بن يوسف بن سحلول الحلبي، كان فاضلاً، له نظم. قال القاضي علاء
الدين الحلبي في تاريخه: كان عنده ظرف وأدب، وباشر التوقيع بحلب، وكان
بعد من الأعيان وهو أخو الرئيس شمس الدين عبد الرحمن الماضي في سنة 782
ومات بالمدينة في ذي الحجة.
سليمان بن أحمد بن أحمد بن مبارك بن إبراهيم الصالحي الملقن، سمع من
أبي بكر بن الرضا، ومات في ذي القعدة عن نحو من خمس وستين سنة.
(1/459)
سليمان بن داود بن سليمان المزي - بالزاي -
المعروف بالعاشق حضر على ابن الشيرازي وغيره، وحدث، وكان كثير الحج،
مات في مستهل صفر.
عبد الله بن أحمد بن أحمد الحسني الحلبي، ناب عن والده في نقابة
الأشراف بحلب، ومات في كفاية في شوال.
عبد الله بن عبد الكريم بن الغنائم، كان جميل القامة، جميل الوجه باشر
وفرح به أبوه، ثم فجع به، وعاش بعده قريباً من ثلاثين سنة.
عبد الله بن المقسي شمس الدين كان يقال له " شمس " وهو نصراني، فلما
أسلم لقب شمس الدين وسمي عبد الله، ويقال: إنه كان حسن الإسلام، ومن
أدلة ذلك أن أمه ماتت فحضر الخلق جنازتها، فخرج إليهم فقال: إن لها أهل
دين غيركم وتجديده الجامع بباب البحر وأوصى أن يدفن بجواره، وكان يقرب
العلماء ويحب الصلحاء، مات في ثالث شعبان وقد أسن، سمعت كلامه.
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ زين
الدين، بن رجب ولد ببغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع بمصر من
الميدومي، وبالقاهرة من ابن الملوك، وبدمشق من ابن الخباز، وجمع جمّ،
ورافق شيخنا زين الدين العراقي في السماع كثيراً، ومهر في فنون الحديث
أسماء ورجالاً وعللاً وطرقاً واطلاعاً على معانيه، صنف شرح الترمذي
فأجاد فيه في نحو عشرة أسفار وشرح قطعة كبيرة من البخاري وشرح الأربعين
للنووي في مجلد، وعمل وظائف الأيام سماه " اللطائف " وعمل طبقات
الحنابلة ذيلاً على طبقات أبي يعلى، وكان صاحب عبادة وتهجد، ونقم عليه
إفتاؤه بمقالات ابن تيمية، ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره التيميون فلم
يكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكان قد ترك الإفتاء بأخرة،
(1/460)
وقال ابن حجي: أتقن الفن وصار أعرف أهل
عصره بالعلل، وتتبع الطرق وكان لا يخالط أحداً ولا يتردد إلى أحد، مات
في رمضان رحمه الله، تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق.
عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمذاني الأصل، ثم
الكوفي ثم الدمشقي الحنفي، قدم أبوه وعمه دمشق فأقام بها وأسمع أحمد
أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في
سنة خمس وتسعين وسبعمائة هذه السنة فحدث عن أبي عمرو بن المرابط بالسنن
الكبرى للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه، وقد وقفت على الأصل بخط
والده وفيه سماعه وسماع ولده بخطه وليس فيهم عبد الرحيم فلعله في نسخة
أخرى، وحدث عن محمد بن إسماعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله
والاعتماد على ثبته أيضاً، وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق
فمات بها في شوال هذه السنة وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الفصيح.
علي بن ايدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي كان يلقب حنبل، سمع
الكثير وطلب بنفسه وجمع معجم شيوخه وترجم لهم، قال ابن حجي: علقت من
معجمه تراجم وفوائد، قال: ولا يعتمد على نقله، مات في رجب.
علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم المصري علاء الدين ابن السبع - بفتح
المهملة وسكون الموحدة - حضر بعض البخاري على وزيره والحجار، وسمع من
يحيى بن فضل الله والدلاصي ومحمد بن غالي وغيرهم وكان ممن يخشى لسانه،
وحدث،
(1/461)
وكان أبوه قاضي المدينة، مات هو في رمضان
وقد اختلط عقله.
علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود - ثلاثة على نسق - علاء
الدين بن العطار الحراني، سبط الشيخ زين الباريني، ولد بعد الستين
وتفقه بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض
وتصدى لنفع الناس وتصدر بأماكن، وكانت دروسه فائقة وكان يتوقد ذكاء،
ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم
واحد، ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان
سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
علي بن محمد بن عبد الرحيم الأقفهسي الشيخ علاء الدين المصري، قدم من
بلده سنة إحدى وثلاثين وهو كبير، واشتغل وأخذ عن ابن عدلان والكمال
النسائي وغيرهما ومهر في الفقه، وشارك في غيره وكان ديناً مع فكاهة
فيه، درس بأماكن بالقاهرة وأعاد وولي مشيخة خانقاه يشبك، وناب في
الحكم، مات في شوال، انتفع به جمع كثير من الطلبة رحمه الله تعالى.
عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي نزيل الخليل يعرف بالمجرد كان مشهوراً
بالخير والعبادة، مات في ذي الحجة وله ثلاث وستون سنة.
قال ابن حجي: رأيته شيخاً طوالاً يلبس قبعاً بلا عمامة، وكان محباً في
فعل الخير، كلما جاءه فتوح يفرقه. وكان يكفي الذين يقرؤن عنده، ولا
يترك أحداً يقيم عنده بطالاً، وكان لا يضع جنبه بالأرض.
كمشبغا الخاصكي، ولي نيابة دمشق أربعة أشهر ومات بها وهو كمشبغا الحموي
الذي كان نائب حلب ثم صار أكبر الأمراء بمصر وتأخر موته فلذلك كان يقال
له الكبير ليتميز عن هذا.
(1/462)
محمد بن إبراهيم بن الشيخ أحمد شاه
الخلخالي ثم التبريزي، كان متمولاً فعمل عليه أحمد بن أويس حتى قتله في
صفر وذلك لعظم قدره وطواعية أهل ناحيته له، فكأنه خاف من ناحيته وطمع
في ماله، وله خانقاه بالشرف الأعلى بدمشق وكان لأبيه خانقاه بالخلخال.
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
الكناني الحموي ثم المقدسي نجم الدين، ناب في تدريس الصلاحية ثم استقل
بها بعد موت القاضي برهان الدين، ومات في ذي القعدة بالقاهرة، وكان
قدمها في شوال.
محمد بن أحمد بن الرضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم
الطبري، محب الدين أبو البركات المكي ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى
الحجي وطائفة وسمع أيضاً على الوادي آشي والأمين الأقشهري، وأجاز له
الحجار وآخرون، مات في ذي القعدة، واجتمعت به وصليت خلفه مراراً، وكان
أعرج لأنه سقط فكسرت رجله، وباشر العقود، وعمر بعده أخوه أبو اليمن
دهراً.
محمد بن أحمد بن علي بن عمر شمس الدين التاجر، المعروف بابن حق الدين
المصري، نزيل مكة، كان له اختصاص بأحمد بن عجلان، وولي الوكالة عن
الأمير جركس الخليلي، وكان يتولى صدقاته بنفسه، رأيته مراراً بمكة سنة
خمس وثمانين، ومات في المحرم.
محمد بن حسن بن سليمان بن حسن بن حمزة الحسيني جمال الدين الطرابلسي
المعروف بالبلدي، كان وكيل بيت المال بطرابلس، وكان ينسب إلى حشمة
ومروءة وإحسان للواردين، مات في شعبان بالطاعون.
محمد بن عمر بن منهال الأذرعي أحد أعيان الموقعين بدمشق، مات في ذي
الحجة.
محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي أمين الدين ابن
الأدمي، ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج أمه الفخر ابن
الفصيح، وسمع من ابن الخباز وابن تبع وغيرهما،
(1/463)
عني بالعربية وأخذ عن الصلاح الصفدي وغيره،
وكانت له وجاهة بدمشق وباشر بها أماكن، وهو والد صاحبنا القاضي صدر
الدين علي، مات في جمادى الأولى فجأة، قال ابن حجي: لم يكن بالمحمود
بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، وكان مع ذلك أحد أوصياء تاج الدين
السبكي، ثم صار من أخصاء البرهان ابن جماعة ودرس بالإقبالية، وحصل دنيا
واسعة وأموالاً جمة، وعرض عليه بعض الحكام نيابه فلم يقبل.
محمد بن محمد بن آقبغا آص، تقدم ذكره في الحوادث.
محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الحنبلي صلاح الدين ابن الأعمى
المصري المقدسي الأصل، مدرس الظاهرية الجديدة بين القصرين، وكان بارعاً
في مذهبه، أفاد ودرس وتعين لقضاء الحنابلة، ومات في ربيع الأول، قال
الشيخ تقي الدين المقريزي: كان أبوه وعمه عبد الجليل مشهورين بالعلم
والفقه والدين فاقتدى بهما وأربى عليهما، قال: وكان سمحاً كريماً حسن
الملتقى، جميل المحيا، وكان يتعصب لابن تيمية.
محمد بن محمد بن عبد الله الصوفي زين الدين المصري نادرة عصره في
النوادر الطيبة ولقبه زوين، وكان يكثر الكون عند ابن الغنام فغضب عليه
مرة فأمر بحبسه فكان كل من دخل عليه الحبس من أصحابه يسأله عن سبب غضب
الصاحب عليه فيشير إلى قنينة فارغة علقها وكان ابن الغنام يلقب قنينة
في صباه، فبلغه ذلك فبادر إلى إطلاقه.
محمد بن يحيى بن سليمان السكسوني جمال الدين المغربي المالكي كان
عارفاً بالمعقولات إلا أنه طائش العقل، ولي قضاء حماة وطرابلس فلم
يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين
(1/464)
بعد غلبة الظاهر فبدأ منه طيش أهين بسببه،
وذلك أنه تصدى لأذى الكبار وتعزيز بعضهم، فكوتب فيه السلطان وعرفوه
بثبوت فسقه فقدم مصر، ثم نفي إلى الرملة فمات بها في أوائل هذه السنة،
قال ابن حجي: كان كثير الدعوى، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر
وتشكى من غرمائه فقال له: أنا ما عزلتك، هم حكموا بعزلك فأخذ يعرض ببعض
الأكابر فعملوا عليه حتى أخرجوه.
محمود بن أبي بكر بن أحمد ابن أبي بكر الوائلي شرف الدين ابن كمال
الدين بن جمال الدين الشريشي، ولد سنة تسع وعشرين بحمص وأبوه قاضيها إذ
ذاك، وأخذ عن والده وابن قاضي شهبة، حتى مهر في العلوم وتصدى للتدريس
والإفتاء وكثر النفع به وقد حدث عن الحجار بالإجازة، ونشأ في عبادة
وتقشف وسكون وأدب وانجماع، ودرس بالبادرائية وبالرواحية قليلاً وكان
يكتب على الفتاوي كتابة حسنة حتى كان يقصد لذلك من الجهات البعيدة،
وانتهت إليه وإلى رفيقه الشهاب الزهري رياسة الإفتاء، وله نظم ونثر.
قال ابن حجي: لم أر أحسن من طريقته ولا أجمع لخصال الخير منه، وكان
يلعب بالشطرنج، مات في تاسع صفر عن خمس وسبعين سنة.
مقبل الرومي الشهابي شيخ الخدام بالمدينة، أصله من خدم الصالح إسماعيل
بن الناصر ثم اختص بشيخو ثم يحسن، ثم انقطع بالمدينة ثم ولي المشيخة
بها حتى مات.
منصور بن مظفر بن محمد بن المظفر اليزدي، ويقال له شاه منصور وهو ابن
أخي شاه شجاع صاحب بلاد فارس، قتل في حروب وقعت بينه وبين تمرلنك وقتل
معه أخوه شاه يحيى بن المظفر.
منطاش التركي الأشرفي، تقدم ذكره في الحوادث.
(1/465)
موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي،
كان عالماً عابداً صالحاً على طريقة السلف، نزل دمشق وعين للقضاء
فامتنع ودرس وأفاد، ثم تحول على القدس وله أسئلة مفيدة واعتراضات
واستنباطات حسنة، وكان على طريقة السلف، ومات ببلد الخليل بزاوية الشيخ
عمر المجرد في جمادى.
نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم الكناني الحنبلي ناصر
الدين قاضي الحنابلة بنابلس، سمع من عبد الله بن يوسف الحنبلي جزء ابن
ملاس بإجازته من سبط السلفي، وبدمشق من أحمد بن علي الجزري، وبمصر من
الحسن بن السديد الأريلي وإبراهيم القطبي وغيرهم، وتفقه ومهر في مذهبه،
وناب في الحكم عن صهره نحواً من عشرين سنة، ثم استقل بعد وفاة حموه
موفق الدين سبعا وعشرين سنة إلى أن مات في شعبان عن سبع وسبعين سنة،
وكان دينا عفيفاً مصوناً صارماً مهيباً، محباً في الطاعة والعبادة، حدث
ودرس وأفاد وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئاً، قرأت بخط قاضي القضاة تقي
الدين الزبيري وهو في جملة ما أجازنيه، قال: توفي القاضي ناصر الدين في
نصف شعبان، وأقام قاضي الحنابلة بعد وفاة صهره القاضي موفق الدين ما
يزيد على خمس وعشرين سنة، لم ينكب فيها يوماً ولا عزل ولا مرض بل يضحك
على الناس كلما عزل أحد أو مات، إلى أن جاءه أمر الله فلم يضعف غير هذه
الضعفة فمات فيها.
يحيى بن عبد الله بن بشارة الوزير تاج الدين أسلم هو وأخوه وأبوهما
وكان اسمه يحنا - بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون - فسمي يحيى،
وباشر نظر الخاص مدة ثم ولي الوزارة بسعي منه على والده، ثم صرف في
دولة الظاهر،
(1/466)
ولما قدم الظاهر سنة ثلاث وتسعين اختفى، ثم
قبض عليه في هذه السنة وسجن بالقلعة، فمات في جمادى الأولى، ومات أبوه
في سنة ثلاث وتسعين.
شاه يحيى بن المظفر تقدم قريباً مع أخيه منصور.
أبو بكر بن عثمان بن العجمي زين الدين الحلبي نزيل القاهرة، سمع الحديث
ببلده واشتغل بالآداب فمهر فيها وطارح الصلاح الصفدي بقصيدة شهيرة
أجابه عنها وهي في " ألحان السواجع " للصفدي، وولي التوقيع بالقاهرة،
وكان يكتب خطاً حسناً وينظم شعراً وسطاً ونثره كذلك مع دين وخير ومحبة
في العلم، مات عن سبعين سنة أو أكثر.
أبو الطيب بن علي بن أحمد الفوّي سمع الكثير بعناية أبيه من أصحاب
الفخر، وتفقه قليلاً، ثم دخل في أمر الدولة فقطع لسانه ثم بقية أعضائه،
ثم مات عن أربعين سنة.
أبو تاشفين ابن أبي حمو موسى بن يوسف التلمساني من بني عبد الواد، خرج
على أبيه وحاربه وجرت له معه خطوب وحروب إلى أن قتل أبوه في المحرم سنة
92، وأسر أخوه أبو عمر فقتله هو وملك تلمسان وصار يخطب لصاحب فاس لكونه
نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال إلى أن قام أبو زيان بن أبي حمو
فجمع جموعاً ونزل على تلمسان وحصرها فكاده أخوه وفرق جمعه ووفد على
صاحب فاس فجهز معه عسكراً في هذه السنة، فمات أبو تاشفين في شهر رمضان،
فأقام وزيره أحمد ابن العز ولده فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصبي
والوزير فخرج صاحب فاس إلى تلمسان فملكها وانقضت دولة بني عبد الواد
بتلمسان وصارت لصاحب فاس.
(1/467)
أبو يزيد الدوادار كان خامل الذكر فاتفق أن
السلطان استخفى عنده لما نازله الناصري ومنطاش، فلما عاد إلى السلطنة
عظمه ثم قربه ثم رتبه في الدويدارية بعد بطا إلى أن مات في رجب.
أمة الرحيم ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدين العلائي أسمعها من
الحجار وغيره وحدثت، ماتت في تاسع شوال، وكذلك أسماء أختها ماتت في
العشرين منه.
فاطمة بنت تقي الدين الجعبري، حضرت على أسماء بنت صصري وسمعت من ابن
الرضي وكان المزي جد أمها، وحدثت بدمشق.
(1/468)
سنة ست وتسعين
وسبعمائة
فيها وصل أحمد بن أويس إلى القاهرة في ربيع الأول فتلقاه الأمراء وخرج
له السلطان إلى الريدانية فقعد بالمسطبة المبنية له هناك، فترجل له
أحمد بن أويس من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له، ثم لما
قرب منه قام له ونزل من المسطبة يمشي إليه فالتقاه وأراد أحمد تقبيل
يده فامتنع، فطيب السلطان خاطره وأجلسه معه على مقعده، ثم خلع عليه
وأركبه صحبته إلى القلعة فأنزله في بيت طقزدمر على بركة الفيل، ونزل
جميع الأمراء في خدمته ثم أرسل له السلطان مالاً كثيراً وقماشاً
ومماليك للخدمة، يقال قيمة ذلك نحو عشرة آلاف دينار، ثم حضر الموكب
السلطاني فأذن له السلطان بالجلوس وأركبه معه إلى الجيزة للصيد، ثم
تزوج السلطان بنت أخيه خوندتندي بنت حسين بن أويس وبنى عليها قرب
السفر، ثم أمر السلطان بالتجهيز إلى الغزاة وطلب من القاضي الشافعي أن
يقرضه ما في المودع من أموال الأيتام، فامتنع فسعى بدر الدين بن أبي
البقاء في القضاء وبذل مالاً، وذلك في ربيع الآخر فعزل المناوي بعد أن
خرج السلطان إلى الريدانية، وأعيد ابن أبي
(1/469)
البقاء في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر
ربيع الآخر وخلع عليه بالريدانية ودخل القاهرة ومعه قلمطاي الدويدار
وغيره من الأمراء، وسافر مع السلطان في رابع عشريه بعد أن بذل ما
أرادوا منه فقيل: كان ستمائة ألف، وعوض السلطان أصحابها أرضاً يستغلون
خراجها إلى الآن، واقترض السلطان من ثلاثة من التجار ألف ألف درهم فضة،
وهم برهان الدين المحلى ونور الدين الخروبي وشهاب الدين ابن مسلم، وكتب
لهم بذلك مسطوراً ضمنه فيه محمود الاستادار، وكان ذلك بتدبيره، واستصحب
السلطان معه القضاة والخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، واستأذن البلقيني
بعد وصوله إلى دمشق لولده جلال الدين في الرجوع لأنه كان قاضي العسكر،
فأذن له فرجع وتوجه الشيخ صحبة الركاب إلى حلب، وخرج إلى السلطان وهو
معسكر ظاهر القاهرة شخص يقال له أحمد بن عباس الحريري، فذكر أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً في المنام وأنه قال له: رح إلى برقوق
وقل له إنك منصور بأمارة أنك تقرأ سورة الفاتحة على أصابعك العشرة عشر
مرات عند الركوب ثم تقول " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " فصدق الأمارة
وبكى وأمر للرأي بمال فلم يقبل منه إلا نذراً يسيراً، والذي يظهر لي
كذب هذا الرأي، وكأنه بلغ الأمارة من بعض خواص السلطان المطلعين على
سره، وإلا فلو كان صدقاً لكان قد انتصر، والواقع أنه لم يقع له قتال مع
أحد، وعزل موفق الدين عن الوزارة واستقر ناصر الدين ابن رجب فقرر في
نظر الدولة سعد الدين ابن البقري.
وفيها كائنة الشريف العنابي - بضم العين المهملة والنون - كان السلطان
يعتقده فاتفق مع جماعة من مماليك بركة على القيام عليه، فنم عليه موسى
بن محمد بن عيسى العائدي شيخ عرب العائد، وكان في الحبس فأرسل إلى
الوالي ورقة بخط العنابي، يقول فيها: يا موسى
(1/470)
أرسل إليّ عربك يجتمعوا ويعسكروا قرب
القاهرة فإذا جاز السلطان قطية أركب أنا ومن معي من المماليك فنملك
القاهرة وتخلص من الحبس ونتساعد على ذلك فإذا غلبنا قررنا سلطاناً نتفق
عليه، وأستقر أنا خليفة وأحمد بن قايماز أتابك العساكر، فتوجه الوالي
بالورقة إلى السلطان فأرسل يلبغا السالمي إلى الشريف العنابي ليسأله عن
ذلك فأحس الشريف فهرب ثم أمسك الوالي عبداً من عبيده فأقر بأن سيده في
بيت الصارم الحلبي بسويقة السباعين، فبادر الوالي فقبض عليه وعلى أحمد
بن قايماز فأحضرهما إلى السلطان وهو بالريدانية قد برز بالعسكر للتوجه
فاعترف العنابي بأن الورقة بخطه وأن ابن قايماز هو الذي رتبه فيما
يفعل، فأنكر ذلك ابن قايماز وتبرأ منه فأمر السلطان بالتوكيل بهما،
فسعى عمر بن قايماز أخو أحمد عند أخت السلطان حتى شفعت في أخيه على مال
جزيل بذله وأطلق، وأمر السلطان بتوسيط الشريف العنابي فوسطه الوالي،
وكذلك وسط موسى بن محمد بن عيسى بن موسى العائدي وعمه مهنا بن عيسى
وجماعة من نفره كانوا في القبضة، وذلك بعد سفر السلطان، ووصل السلطان
إلى دمشق في العشرين من جمادى الأولى فوصل له قاصد طقتمش خان ملك
القفجاق يتضمن السؤال أن يكونوا يداً واحدة على الطاغي تمرلنك، فكتب
أجوبتهم ثم وصلت إليه رسل أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم تتضمن استئذان
السلطان على الحضور إلى نصره على قصد تمرلنك لما بلغهم من سوء سيرته،
فكتب أجوبته أيضاً.
وفي أول هذه السنة سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها بقية
المحرم
(1/471)
كله ودخلها عنوة في آخر هذا الشهر فقتل
صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى منارتين وثلاث قباب، وخرب البلد حتى صارت
قفرة، وكان استولى على قلعة تكريت وأميرها حسن بن يغمور ونزل بالأمان
فأرسله اللنك إلى دار ثم دس عليه من هدمها، فمات تحت الهدم، ثم أثخن في
قتل الرجال وأسر النساء والأطفال، ثم نازل الموصل وصاحبها يومئذ يار
علي بن برد خجا فصالحه وصار في خدمته، ثم نزل إلى رأس عين فملكها،
ونازل الرها فأخذها بغير قتال، ووقع النهب والأسر والسبي، وذلك في آخر
صفر واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما
عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقرر ولده شرف
الدين أحمد نائباً عنه، وسار إلى أن اجتمع به بالرها فقبل هديته وأكرم
ملتقاه ورعى له لكونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له
في الرجوع إلى بلاده وأصحبه بشحنة من عنده، ثم قصده صاحب ماردين فتنكر
له لكونه تأخرت عنه رسله وتربص به حتى قرب منه فوكل به فصالحه على مال
فوعده بإرساله إذا حضر المال فلما حضر زاد عليه في التوكيل والترسيم،
ثم أخذ في نهب تلك البلاد بأسرها، واستولى على بلاد الجزيرة والموصل
وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والأسر والسبي والنهب والتعذيب ثم أقام
على نصيبين في شدة الشتاء، فلما أتى الربيع نازل ماردين في جمادى
الآخرة فحاصرها وبنى قدامها جواسق فحاصرها منها ففتحها عن قرب، وقتل من
الناس من لا يحصى عددهم، وعصت عليه القلعة فرحل عنها
(1/472)
ثم رحل إلى آمد فحاصرها إلى أن ملكها وفعل
بها نحو ذلك، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك، وسبب رجوعه عن البلاد
الشامية أنه بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرها مشى على
بلاده فانثنى رأيه فقصد تبرين وصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من
البلاد، ثم رحل راجعاً إلى تبريز فأقام بها قليلاً، ثم توجه قاصداً إلى
قتال طقتمش خان صاحب السراي والقفجاق، وكان طقتمش قد استعد لحربه
فالتقيا جميعاً ودام القتال، وكانت الهزيمة على القفجاق والسراي
فانهزموا وتبعهم الجقطاي في آثارهم إلى أن ألجؤهم إلى دخل بلادهم،
وراسل اللنك صاحب سواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعى منه طاعته فلم
يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم.
وفي شوال غلب على غالب القلاع، وتوجه في ذي القعدة إلى جهة بلاده وأمر
بسجن الطاهر في مدينة سلطانية، وفي غضون ذلك خرج من حلب أميران مقدمان
ومعهما نحو ألف فارس لحفظ الرها فوجدوا اللنكية فتحوها، فوقع بهم جمع
كبير من اللنكية، فحصل بينهم وقعة انهزم فيها اللنكية، وقتل منهم جمع
عظيم، وصادف ذلك رحيل اللنك عن الرها، ورجع أهل حلب بالأسرى ورؤس
القتلى، ووصل الخبر بذلك إلى الظاهر في ربيع الأول، ففرح به وأخذ في
التجهيز بالعسكر المصري فخرج في ربيع الآخر وصحبته في هذه السفرة الشيخ
سراج الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين ابن الناصح وأبو عبد الله
الكركي والشيخ محمد المغربي والشيخ إبراهيم بن زقاعة وغيرهم.
وفيها وصلت رسل تمرلنك إلى الظاهر يتضمن الإنكار على إيواء أحمد بن
أويس والتهديد إن لم يرسل إليه فجهز السلطان إليهم من أهلكهم قبل أن
يصلوا إليه وأحضر إليه ما معهم من الهدايا، فكان فيها ناس بزي
المماليك، فسألهم السلطان عن أحوالهم، فقالوا إنهم من
(1/473)
أهل بغداد، ومن جملتهم ابن قاضي بغداد، وإن
تمرلنك أسرهم واسترقهم، فسلمهم السلطان لجمال الدين ناظر الجيش فألبس
ابن قاضي بغداد بزي الفقهاء، وكان في كتاب تمرلنك إيعاد وإرعاد وأوله:
" قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين
عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " اعلموا " أنا جند الله "، خلقنا من
سخطه وسلطنا على من حل عليه غضبه لا نرق لشاكي ولا نرحم عبرة باكي "
وهو كتاب طويل وفيه " ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا ولا يسمع، فكيف
يسمع الله دعاؤكم وقد أكلتم الحرام وأكلتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة
من الحكام " قلت: وأكثر هذا الكتاب منتزع من كتاب هولاكو إلى الخليفة
ببغداد وإلى الناصر بن العزيز بدمشق وهو من إنشاء النصير الطوسي، وكتب
جواب اللنك كاتب السر ابن فضل الله وهو كلام ركيك ملفق غالبه غير منتظم
لكنه راج على أهل الدولة، وقريء بحضرة السلطان والأمراء فكان له عندهم
وقع عظيم وعظموه جداً وأعادوه، وكان النائب بحلب أرسل رجلاً بعث به
سالم الدوكاري فلما وصل إلى القاهرة أخبر السلطان أن المقاتلة مع اللنك
عشرون ألفاً وأن له أختاً معه تضرب بالرمل، ثم حضر شخص آخر كان من
مماليك الأشرف وخدم شكر أحمد التركماني وأنه توجه معه إلى اللنك فهرب
منه فأخبر بمثل ما أخبر به التتري المذكور.
وفي رابع عشرين ربيع الأول قبض على شخص من الططر فعرض على السلطان
فضربه فأقر على عدة جواسيس فقبض منهم على سبعة أنفس ما بين تجار وغيرهم
وتجهز السلطان إلى السفر وأنفق في المماليك في ثالث ربيع الآخر لكل
واحد ألفي درهم، فبلغه أنه تمنعوا فجلس بنفسه وأمر بالنفقة فأخذوا ولم
يتكلم أحد منهم وأعطى لكل مقدم ألف ستين ألفاً وللخليفة عشرة آلاف،
ويقال كان جملة النفقة تسعة آلاف ألف، كان ثمنها من الذهب الهرجة
ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار،
(1/474)
وكان اقترض من التجار ألف ألف، ومن موجود
جركس الخليلي ثماني مائة ألف، ومن موجود أرغون شاه نحو النصف من ذلك،
ومن موجود إينال اليوسفي نحو ذلك أو أكثر، فبرز في سابع الشهر وخرج من
القلعة في عاشره وسافر من الريدانية في ثاني عشري الشهر وترك في
الاصطبل بيبرس أمير آخور، وبالقاهرة سودون النائب ونائباه، وبالقلعة
ارسطاي ومعه ثلاثمائة مملوك، ودخل دمشق ثاني عشرين جمادى الأولى فأقام
بدمشق خمسة أشهر وعشرة أيام، واستبرأ الأخبار فتحقق رجوع اللنك فجهز
أحمد بن أويس إلى بغداد ودفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم قيمتها
عشرون ألف دينار وخمسمائة فرس وستمائة جمل وجهزه أحسن جهاز، فخرج في
مستهل شعبان وسافر في ثالث عشره وسار معه عدة من الأمراء الكبار إلى
أطراف البلاد صحبه سالم الدوكاري، ثم جهز السلطان كمشبغا وجماعة من
الأمراء إلى حلب فتوجهوا قبله ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها
في العاشر وأقام إلى عيد الأضحى، ورجع إلى الديار المصرية في الثاني
عشر منه وكان أمر بعرض أجناد الحلقة وتجهز من له خبز ثقيل بعبرة ثقيلة
إلى السفر وألزم مباشرو الخاص وغيرهم أن يؤخذ من كل واحد بغلة أو ثمنها
ثم اختار من أجناد الحلقة أربعمائة فارس انتقاهم، ثم نادى للأجناد
البطالين بالحضور لينفق فيهم ليسافروا فحضر منهم نحو الخمسمائة، فقبض
قلطاي منهم بأمر السلطان على ثلاثمائة وسبعين فسجنهم وهرب الباقون، ثم
عرضهم ابن الطبلاوي عند محمود وأفرج عن مائتين منهم، ولما دخل الشام
شكوا من الباعوني فعزله ونكّل به وخلع على علاء الدين ابن أبي البقاء
وأقام الظاهر بدمشق خمسة أشهر، وعزل المنجا الحنبلي، وولى عوضه شمس
الدين النابلسي وعزل ابن الكشك، وولى عوضه ابن الكفري ثم وصل السلطان
إلى حلب فوصل إليه ابن نعير فأخبره أن أباه غلب على بغداد بعد رحيل
تمرلنك عنها وخطب فيها باسم الملك الظاهر فجهز أحمد بن أويس بجماعته
إلى بغداد بعد أن جهزه جهازاً حسناً فأرسل عسكراً كثيراً فيهم كمشبغا
الأتابكي وأحمد بن يلبغا وبكلمش وغيرهم إلى أطراف المملكة، وأقام،
السلطان نازلاً على الفرات إلى أن وصل قاصد أحمد
(1/475)
بن أويس يخبره بأنه دخل بغداد وجلس على تخت
ملكه وخطب باسم السلطان بها، فرجع السلطان إلى حلب وحضر إليه وهو بها
سالم الدوكاري التركماني طائعاً فخلع عليه وعظمه وألبسه بزي الترك،
ووصل إليه كتاب القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس يبذل له الطاعة،
وذكر أحمد بن أويس في كتابه أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب
تمر فقاتله وأطلق الماء على عسكر ابن أويس فأعانه الله وتخلص، وفي هذه
السفرة استقر بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني العجمي في كتابة
السر بعد موت بدر الدين بن فضل الله، وكان السلطان استدعى به من
القاهرة بعد أن سافر ليقرأ له كتاباً ورد عليه من بلاد العجم بالعجمي،
وذلك بإشارة جمال الدين ناظر الجيش، فتوجه وهو في غاية الخوف ظناً منه
أنه وشى به بعض أعدائه، وما درى أنه نقل أمره إلى العز الزائد بعد الذل
المفرط واستقر في نيابة حلب بعد رحيل السلطان بإمرة تغري بردى وفي
نيابة طرابلس أرغون شاه، وفي نيابة صفد آقبغا الجمالي.
وفي هذه السنة كان بالقاهرة من الرخص ما يضرب به المثل حتى أن عنوانه
أن البطيخ العبدلاوي بيع كل قنطار بدرهم، وقس على ذلك.
ثم في آخرها توقف النيل حتى مضى نصف أبيب ثم مضى نصف مسرى الأول، ثم
فتح الله تعالى فزاد في أسبوع واحد نحو عشرة أذرع وتزايد بسبب التوقف
سعر القمح إلى أن بلغ أربعين درهماً كل أردب ثم زاد ضعفها.
وفيها أرسل أبو فارس ابن أبي العباس المريني، بعد موت أبيه إلى تلمسان
أبازيان بن
(1/476)
أبي حمو بعد أن أخرجه من محبسه بفاس وصار
أميراً على تلمسان من قبله وأرسل إلى بني عامر مالاً فغدروا بيوسف ابن
أبي حمو وأرسلوه إلى أبي فارس، فقتله وبعث برأسه إلى أخيه أبي زيان
واستمر أبو زيان في إمرة تلمسان عن أبي فارس.
وفي رجب أخذت الفرنج عدة مراكب تحمل الغلال إلى الشام.
وفي هذه السنة أشيع أن امرأة طال رمدها فرأت النبي صلى الله عليه وسلم
تسليماً فأمرها أن تأخذ من حصى أبيض في سفح المقطم أشيافاً وتكتحل به
بعد سحقه ففعلت فعوفيت، فتكاثر الناس على استعماله وشاع ذلك ثم بطل.
وأوفى النيل ثامن عشرين مسرى وانتهت الزيادة في ذى الحجة إلى الحادي
عشر من الثاني عشر فارتفعت الأسعار فأمر سودون النائب أن يتحدث ابن
الطبلاوي في الأسعار ففعل فلم يزدد الأمر إلا شدة.
ذكر من مات
في سنة ست وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن خليفة بن خلف، خطيب برزة، كان خيراً معتقداً، مات في شعبان.
إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي برهان الدين القاضي، ولد
سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي وغيره، وتفقه بدمشق على
القاضي بدر الدين الغماري المالكي، وتزوج بنته بعده وكان يحفظ الموطأ
وولي قضاء دمشق غير مرة، أولها سنة ثلاث وثمانين، فلما جاء التوقيع لم
يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة فولى غيره، ثم ولى في
ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضاً فلم يزالوا به حتى قبل،
فباشر ثلاث سنين، ثم صرف
(1/477)
ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من
الحمام وقد ناهز الثمانين وهو صحيح البنية حسن الوجه واللحية، قال ابن
حجي: كان فاضلاً في علوم وكان يخالط الشافعية أكثر من المالكية ويعاشر
الأكابر بحسن محاضرته وحلو عبارته.
أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني السلطان
أبو العباس بن أبي سالم بن أبي الحسن صاحب فاس ولقبه المستنصر بالله
أمير المسلمين ثم اعتقل بطنجة فلم يزل حتى بعث ابن الأحمر صاحب غرناطة
إلى محمد بن عثمان أمير سبتة أن يخرجه ويساعده، فركب إلى طنجة فأخرجه
وبايع له وحمل الناس على طاعته وبايعه أهل جبل الفتح وأمده ابن الأحمر
بعساكر، وكتب ابن الأحمر إلى الأمير عبد الرحمن بن أبي يغمراسن
بموافقته ومعاضدته وكان بينهما بون فتصافيا ونازلوا فاس فجرح السعيد
محمد بن عبد العزيز بن أبي الحسن سلطانها فاختل أمره وانهزم، وركب أبو
العباس وحصر البلد في سنة خمس وسبعين إلى أن دخل سنة ست وسبعين، واستقل
السلطان أبو الحسن بملك فاس والمغرب وأمر عبد الرحمن على مراكش،
واستوزر أبو العباس محمد بن عثمان بن العباس وألقى إليه المقاليد، ثم
غدر عبد الرحمن فأخذ من بلاد أبي العباس اربونة، فترددت الحرب بينهما
إلى أن قتل عبد الرحمن في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين، ثم ملك
تلمسان وهرب منها صاحبها أبو حمو ثم ثار موسى بن أبي عنان على أبي
العباس ونزل دار الملك بفاس، فرجع أبو العباس فنزل تازي فتركه أهل
عسكره وتوجهوا إلى موسى فآل الحال إلى أن غلب موسى وقيده وحمله إلى
الأندلس فأكرمه ابن الأحمر ولم ينشب موسى أن مات فأقيم المستنصر بن أبي
العباس في الملك فبلغ
(1/478)
ذلك ابن الأحمر فأخرج أبا العباس ليرسله
إلى فاس، ثم بذا له فرده إلى الاعتقال فأرسل الواثق محمد بن أبي الفضل
ابن السلطان أبي الحسن فتوجه إلى فاس فملكها في شوال سنة ثمان وثمانين
وقبض على المنتصر فبعثه إلى ابن الأحمر ثم أرسل عسكراً فأخذوا سبتة
فبلغ ابن الأحمر فغضب وطلب أبا العباس فأركبه البحر من مألقة إلى سبتة
فوصلها في صفر سنة تسع وثمانين فاضطرب من فيها، واستولى على سبتة ثم
سار إلى طنجة فملكها، ثم نازل فاس فملكها، وكان القائم في تلك الأمور
كلها الوزير مسعود فقبض عليه وعذبه ثم قطعه قطعاً ولم يزل السلطان أبو
العباس تتقلب به الأمور إلى أن مات في المحرم سنة ست وتسعين، فقام بعده
ابنه أبو فارس فلم تطل مدته، ومات سنة ثمان وتسعين فقام أخوه ومات في
يوم الفطر سنة تسع وتسعين، ثم قام أخوهما أبو سعيد عثمان.
أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن بن أحمد بن أبي عنان المريني، صاحب فاس،
كان يلقب المستنصر أمير المسلمين، هو الذي قبله.
أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي العباس الدمنهوري الأديب المعروف
بالشاطر، صاحب النظم الفائق، تقدم في سنة 788.
أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن
أبي حفص الحفصي الهنتاتي، صاحب بلاد تونس وافريقية وغير ذلك من بلاد
المغرب، والهنتاتي - بفتح الهاء وسكون النون بعدها مثناة وبعد الألف
مثناة أخرى - يكنى أبا العباس - وكان يقال له: أبو السباع، ولي المملكة
سنة اثنتين وسبعين في ربيع الأول، وكل من ذكر في عمود نسبه ولي السلطنة
إلا أباه وجد أبيه، مات في شعبان، واستقر بعده ولده أبو فارس عبد
العزيز.
أحمد بن يعقوب الغماري المالكي، كان فاضلاً في مذهبه، درس وأفتى وولي
قضاء حماة، ثم صرف فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين
سنة.
أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي تقي الدين ابن أخي الحافظ
جمال الدين، سمع الحجار والمزي وغيرهما وحدث، مات في المحرم عن خمس
وسبعين سنة.
(1/479)
راشد بن عبد الله التكروري أحد المشايخ
المجذوبين الذين يعتقدهم العامة، كان مقيماً بجامع راشدة الذي عند بركة
الحبش، رأيته هناك وعنده سكون ويصيح أحياناً، مات بالمارستان.
رسلان بن أحمد بن إسماعيل الصالحي الذهبي، سمع من محمد بن يعقوب
الجرائدي وأبي العباس الحجار وحدث بدمشق.
زكريا بن محمد بن أبي بكر الأمير أبو يحيى، لما مات أخوه السلطان أبو
العباس أحمد واستقر في السلطنة بعده ولده أبو فارس عبد العزيز كان خشي
من عمه فاستدعاه في مرض أبيه فدخل عليه فخشي عليه أخوه وأمره
بالانصراف، فعاقه أبو فارس حتى مات أبوه وبويع بالسلطنة فقتل عمه في
نصف ذي القعدة.
زينب بنت القاضي زين الدين البسطامي، والدة القاضي صدر الدين المناوي،
كانت مقيمة بجامع الحاكم، ماتت في المحرم، ومشى الناس في جنازتها من
هناك إلى المصلى الذي بالقرب من جامع المارداني لأجل ولدها.
زينب بنت أبي البركات البغدادية، كانت صالحة فبنى لها رباط بجوار
خانقاه بيبرس بنته لها الست تذكار بنت الملك الظاهر بيبرس وصار كالمودع
للنساء الأرامل وهو المعروف برواق البغدادية.
سلامة بن محمد بن سليمان بن فائد الخفاجي، أمير العرب بالبحيرة وهو
المعروف بابن التركية، كان شجاعاً بطلاً، وقد ذكر في الحوادث، مات في
ربيع الآخر.
(1/480)
عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا، مات غريقاً
بالفرات ومعه سبعة عشر نفساً من آل مهنا في وقعة بينه وبين عرب زبيد
وقتل معه خلق كثير جداً.
عبد الله العمري كاتب السمسرة والد صاحبنا شمس الدين العمري موقع
الدست.
عبد الرحمن المناوي خادم الشيخ صالح بمنية الشيرج، وكان ممن يعتقده
المصريون، مات في جمادى الأولى.
عبد الرزاق بن عبد الله بن عبد الرزاق المصري كمال الدين ابن المطوع
الشاهد، ولد سنة عشر أو بعدها، وسمع من أبي الفتح الميدومي وغيره
واعتنى بالشروط وكتب الخط الحسن ونظم ونثر وأرخ الوقائع التي شاهدها،
مات ثالث رجب سمعت من فوائده.
علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير علاء الدين بن نجم الدين بن شرف
الدين رئيس الأطباء بالديار المصرية، كان فاضلاً مفنناً انتهت إليه
المعرفة، وكان ذا حدس صائب جداً يحفظ عنه المصريون من ذلك أشياء، وكان
حسن الصورة بهي الشكل جميل الشيبة، مات بحلب في ذي الحجة، ثم نقلته
ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم، أخذ عنه شيخنا عز الدين ابن جماعة وكان
يثني على فضائله وقد اجتمعت به مراراً وسمعت فوائده، وكان له مال قدر
خمسة آلاف دينار قد أفره للقرض، فكان يقرض من يحتاج إلى ذلك برهن من
غير استفضال بل ابتغاء للثواب.
قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي: كان يصف الدواء للموسر بأربعين
ألفاً ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس، قال: وكنت عنده
فدخل عليه رجل شيخ فشكا شدة
(1/481)
ما به من السعال فقال له: لعلك تنام بلا
سراويل؟ قال: إي والله! قال: فلا تفعل، ثم بسراويلك، فمضى، قال: فصادفت
ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله، فقال لي: عملت ما قال لي فبرئت،
قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير، فقال
له: شرّط أذنيه، فتعجب وتوقف، فقال: توكل على الله وافعل، ففعل ذلك
فبرأ، قال: وله من هذا النمط أشياء عجيبة.
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي
الحسني الفاسي، ثم المكي أبو الفتح المالكي، سبط الخطيب بهاء الدين
محمد بن التقي عبد الله بن المحب الطبري، سمع على عثمان بن الصفي أحمد
بن محمد الطبري وغيره، وبالمدينة على الزين بن علي الأسواني والجمال
الطبري وخالص البهائي وغيرهم، وأجاز له جماعة من مصر والشام وحدث، وكان
مولده في ذي القعدة سنة 732 بمكة ومات بها في خامس صفر.
محمد بن أبي بكر الدمشقي بدر الدين ابن المصري، اشتغل بالعلم وأخذ عن
التاج المراكشي، وكان أكبر الشهود بمجلس القاضي المالكي.
محمد بن بيبرس شاه الخادم بالشميساطية بدمشق، كانت له وجاهة، وكان حسن
الخط، وولي مشيخة خانقاه الطواويس، ومات في جمادى الأولى.
محمد بن علي بن سالم الفرغاني، أحد شهود الحكم بدمشق، اشتغل بالقراآت
وتلا بالسبع على اللبان وأقرأ، ومات في ذي الحجة.
محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله بن مجلى العدوي المصري بدر الدين بن
علاء الدين، كاتب السر، ولي كتابة السر وهو شاب بعد والده وباشرها
وأبوه في مرض
(1/482)
موته وذلك في رمضان سنة تسع وستين، ولم
يكمل حينئذ عشرين سنة، واستمر إلى أن عزل في أول الدولة الظاهرية بأوحد
الدين، ثم أعيد بعد سنتين، ثم عزل بعلاء الدين الكركي، ثم أعيد ثم مات
في هذه السنة في شوال، فباشر الوظيفة نيفاً وعشرين سنة، وكان مهيباً
ساكناً قليل الكلام جداً قليل الاجتماع بالناس قصير البضاعة في البلاغة
جداً إلا أن خطه حسن، وكان يستر نفسه بقلة الكلام وقلة الاجتماع. وكان
يدعي أن ذلك من شأن وظيفته، وكانت له محاسن عديدة، وقام في مواطن
محمودة، ونصيحته لمن يخدمه مشهورة، وعنوان شعره ما كتبه للملك الظاهر
من دمشق لما تخلف مع منطاش:
يقبل الأرض عبد بعد خدمتكم ... قد مسه ضرر ما مثله ضرر
والشغل يقضى لأن الناس قد ندموا ... إذ عاينوا الجور من منطاش ينتشر
والله إن جاءهم من عندكم أحد ... قاموا لكم معه بالروح وانتصروا
وقرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه قرأ على الشيخ بهاء الدين بن عقيل،
وعلى الحاوي في الفقه وفي ألفية ابن مالك حتى صار يعرب في القرآن وأنا
حاضر والشيخ فخر الدين الضرير فيجيد ذلك، وكان والده قد حرص على أن
يكون عالماً فشغلته الخدمة عن التمهر في ذلك، وكان واسع الجاه لكنه لا
يملك نفسه عند الغضب وتصدر منه أمور صعبة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمرو
المقدسي الصالحي الحنبلي ناصر الدين، ولد سنة ثمان وسبعمائة وأحضر على
محمد بن علي بن عبد الله النحوي جزء ابن ملاس وسمع على عم أبيه التقي
سليمان شيئاً كثيراً وغيره وأجاز له الكمال إسحاق النحاس وأولاد ابن
العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم مات في رجب.
(1/483)
محمد بن أبي المكارم محمد بن محمد بن عبد
الرحمن الحسني الفاسي ثم المكي المالكي، سمع على الزين بن علي الأسواني
والجمال المطري، وأجاز له ابن الرضى وزينب بنت الكمال ويحيى بن المصري
وآخرون، وكان صالحاً له عناية بالعلم ومعرفة بالأدب، وله نظم كثير، وقد
حدث بمكة.
محمد بن محمد المليحي تاج الدين يعرف بصائم الدهر، ولي نظر الأحباس
والجوالي والحسبة، وخطب بمدرسة السلطان حسن، مات في صفر، وكان ساكناً
قليل الكلام جميل السيرة.
محمد بن مقبل التركي، تفقه في صباه وأحب مذهب الظاهرية فتظاهر به، وكان
يحف شاربه ويرفع يديه في كل خفض ورفع، وكتب بخطه كثيراً جداً.
محمد بن موسى بن رقطاي الناصري ناصر الدين، أحد أمراء العشراوات، كان
أبوه نائب السلطنة، وكان الولد نجيباً سريا جميل الصورة ضخماً خيراً،
يحب سماع الحديث ويحضر عنده المشايخ في داره فتجتمع الطلبة عنده ويحسن
إلى الشيخ عند ختم الكتاب وللقاريء سمعنا بمنزله على بعض شيوخنا، ومات
في ذي القعدة منها.
مراد بن اورخان بن أردن علي بن عثمان بن سلمان بن عثمان التركماني صاحب
الروم يقال إن أصلهم من عرب الحجاز وكان أول من نبه منهم سلمان فكان
يغزو ومعه نفر من المطوعة وكان شجاعاً بطلاً فاشتهر بذلك وكثر أتباعه
ثم مات، فقام ابنه عثمان مقامه، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين
ثم مات، فقام ابنه عثمان مقامه، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين
ثم قام ابنه أردن على مقامه فأربى على أبيه في الجهاد، وقرب العلماء
والصلحاء وعمر الخوانك والزوايا ثم مات، فقام ابنه أورخان مكانه
(1/484)
ثم مات، فقام ابنه مراد فركب البحر ونازل
ما وراء خليج القسطنطينة وأذلهم حتى بذلوا له الجزية ونشر العدل في
بلاده، ولم يزل مجاهداً في الكفرة حتى اتسعت مملكته، ومات في حرب وقعت
بينه وبين الكفار وعهد لابنه أبي يزيد، وكانت مدة مملكته عشرين سنة.
يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني أمين الدين الحنبلي، عم شيخنا
عبد الله ابن علاء الدين، سمع الميدومي وغيره وحدث، ورأيته ولم يتفق لي
أن أسمع منه.
يوسف بن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن إسماعيل أبو الحجاج ابن الأحمر
صاحب غرناطة وليها في سنة 2000.
أبو الفرج القبطي موفق الدين، ولي نظر الخاص وأضيف إليه نظر الجيش
فباشرهما أحسن مباشرة، ثم ولى الوزارة فلم يحمد فيها وكان يسكن مصر.
(1/485)
سنة سبع وتسعين
وسبعمائة
استهلت السنة والغلاء موجود وبلغ سعر القمح إلى سبعين، ثم انحط في ربيع
الآخر إلى ستة وستين درهماً، وفي المحرم توجه غلمان أحمد بن أويس
وحريمه إلى بغداد، وفي السابع منه دخل السلطان إلى دمشق فأقام بها عشرة
أيام بعد أن قبض على عدة من الأمراء بحلب، وهرب آل مهنا في البرية وشكا
بعض العامة من القاضي الشافعي شهاب الدين الباعوني فعزله السلطان وقرر
علاء الدين ابن أبي البقاء، ودخل الحاج في الثالث والعشرين من المحرم
وأميرهم قديد ودخل حريم السلطان في خامس صفر وفيهن عدة من بنات الأمراء
والناس بعضهم أبكار وبعضهن ثيبات ليختار السلطان منهن من يتزوج بها
وكان خروجه من دمشق في سابع عشر المحرم وزار القدس في طريقه وتصدق به
وبالخليل بمال كثير ودخل غزة في ثالث عشرين المحرم فأقام بها إلى ثالث
صفر، ودخل جمال الدين الاستادار ورخص السعر بعد دخوله قليلاً، ثم رجع
بسبب الرمايات وتزايد الظلم من المباشرين، ووقع بعض وباء،
(1/486)
ودخل السلطان القاهرة وزار والده في مدرسته
خامس عشر صفر، ثم جاء النيل الجديد وبلغ في آخر السنة إلى عشرين ذراعا
وبعض ذراع، ومع ذلك فلالأسعار في ازدياد إلى أن بلغ القمح ثمانين
درهماً كل أردب، والحمص والشعير بخمسين، والفول أربعة وخمسين، والتبن
كل حمل بعشرة، وفي استقر فارس في الحجونية عوضاً عن بتخاص لاستقراره في
نيابة الكرك، وفيه استعفى سودون النائب من النيابة لمرض تغير منه حاله
لكبره، فأعفي وأعطي خبره لبعض الأمراء ورتب له رواتب، وأقام في داره،
وفيه أمر علاء الدين الوالي طبلخاناه ورتب حاجباً، واستقر أخوه محمد
نائباً عنه في الولاية، وفيه أمر شيخ المحمودي الذي صار بعد ذلك
سلطاناً أربعين، وأمر نوروز تقدمة ألف، وعمل السلطان المولد في ليلة
الجمعة ثامن شهر ربيع الأول.
وفيها بدأ الظاهر بشرب الشراب التمربغاوي وصفته أن يعمل لكل رطل زبيب
أربعون رطل ماء ويدفن في زبل الخيل إلى أن يشتد ولم يكن الظاهر قبل ذلك
يتظاهر بشرب المسكر.
(1/487)
وفيها وقع بين الشيخ شرف الدين يعقوب ابن
الشيخ جلال الدين التباني وبين الشيخ مصطفى القرماني شيخ المدرسة
الفخارية بحث وقع من الشيخ مصطفى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام شيء
أنكره الشيخ شرف الدين، وتفصيل ذلك أن الشيخ جلال الدين لما مات رام
الشيخ شرف الدين أن يستقر مكان أبيه فغلب عليه مصطفى واستقر فيها فبقي
في نفسه، فاتفق أنه ظفر بشرح مقدمة أبي الليث جمع مصطفى المذكور فوجده
ذكر في دليل كراهة التوجه عند البول إلى الشمس والقمر: أنهما معظمان،
ولذلك قال إبراهيم الخليل لما رأى الشمس بازغة " قال هذا ربي " فقال
شرف الدين: هذا كفر وبالغ في التشنيع على مصطفى، فشكا امره إلى قديد
الحاجب فأهان الشيخ شرف الدين، فلما وصل السلطان وقف إليه الشيخ شرف
الدين وطلب منه أن يعقد لهما مجلساً، فأجابه وأحضر القضاة والعلماء
وشيخ الإسلام سراج الدين، فادعى شرف الدين على مصطفى أنه وقع في حق
الخليل عليه السلام فقال في كلام له فيما ادعاه عليه إنه قال: ولا يبول
أحد في الشمس والقمر لأنهما عبدا من دون الله، وذكر إبراهيم في قوله "
فلما رآ القمر بازغاً " ووقع اللغط فالتفت السلطان إلى القضاة
يستفتيهم، فقال له ابن التنسي القاضي المالكي: إن حكمتني فيه ضربت
عنقه، فبادر أكثر الأمراء وسألوا السلطان أن يحكم فيه القاضي الحنفي،
فأجابهم فكشف الحنفي رأسه وأرسله إلى الحبس ثم أحضره بعد ثلاثة أيام
فضربه وحبسه ثانية، ثم أفرج عنه بعد أن حكم بإسلامه؛ وكان ذلك في شهر
ربيع الأول.
وفيها وقع الوباء ببغداد فخلا منها أكثر أهلها فدخل سلطانها إلى الحلة
فأقام بها وأعقب الوباء غلاء فلذلك تحول.
(1/488)
وفيها وقع بين طقتمش خان وبين تمرلنك وقائع
كان النصر فيها لتمرلنك وجهز ولده لقمان إلى كيلان فملكها وفر طقتمش
خان إلى بلاد الروس، ثم توجه إلى القرم فملكها، ثم إلى كافا فملكها
أيضاً وخربها، ووصلت رسل الملك الظاهر إليه المجهزون إلى طقتمش خان في
آخر هذه السنة بهذه الأخبار في ذي الحجة ورئيسهم طولو فذكر أن اللنك
طرفة بعد قدومهم بيسير فخامر جماعة من أصحاب طقتمش خان فانكسر وهرب
طولو إلى يراي، ثم توجه إلى القرم، ثم إلى الكفا، ثم توجه منها إلى
شمعون، فبلغهم أن اللنك غلب على القرم ونزل على الكفا وحاصرها وفتحها
وتوصل طولو حتى دخل القاهرة.
وفي شهر ربيع الأول منها ابتدأ جمال الدين محمد الاستادار في الخمول
فإنه شكا إلى السلطان قلة المتحصل وكثرة المصروف فرافع فيه بعض
المباشرين فأمر السلطان بمصادرته على خمس مائة ألف دينار، ثم استشفع
إلى أن قررت مائة وخمسين ألف دينار بعد أن ضربه ثم خلع عليه، وفيه شكا
شخص نصراني بعض نواب الحكم وهو شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد
الدفري للسلطان فضربه بحضرته بطحاً ورسم عليه، وتألم الناس له.
وفي رابع شعبان حضر الظاهر مجلس دار العدل بعد تعطلها ثلاث سنوات ونصف.
وفي شوال غير الظاهر الحكم بين الناس من يومي الأحد والأربعاء إلى يومي
السبت والثلاثاء وخص الأحد والأربعاء بالشرب.
(1/489)
وفيها اعتنى السلطان بأمر البريد فجهز
الخيول اللائقة بذلك وفرضها على الأمراء، فعلى كل مقدم عشرة أكاديش
وعلى الطبلخاناه كل واحد اثنين وعلى العشراوات كل واحد واحداً فجهزت
على ذلك الحكم.
وفيها كانت الوقعة بين الفرنج وصاحب غرناطة، فقتل من الفرنج مقتلة
عظيمة ونصر الله المسلمين، وذلك أن الفرنج نازلت غرناطة فاستعان ابن
الأحمر بصاحب فاس المريني، فسار إليه في عساكره إلى جبل الفتح فتقهقر
الفرنج لمجيئه ووقعت الحرب.
وفيها كانت الوقعة بين نعير والتركمان، فقتل من نعير جماعة من أصحابه
ومات كثير من جماله، فرحل نعير إلى القاهرة، ودخل إلى السلطان وفي
رقبته منديل فعفا عنه السلطان وخلع عليه، ثم قدم ولده عمر إلى السلطان
فعفا عنه ثم قبض عليه وسجن بالإسكندرية.
وفيها حضر قاصد الملك الصالح صاحب ماردين يبذل الطاعة للملك الظاهر
فأرسل له تقليداً وخلعة.
وفيها ترافع شهاب الدين المالقي ترجمان الإسكندرية وزين الدين
الموازيني مدولب دار الضرب بها إلى السلطان فصادرهما على ألف ألف درهم
فضة.
(1/490)
وفيها ضرب يلبغا الزيني والي الأشمونين
بالمقارع بحضرة السلطان لكثرة ما شكاه أهل البلاد التي كان كاشفها.
وفيها في ربيع الآخر قدم سلطان شاه ولد جلال الدين حسن ابن أويس إلى
القاهرة وهو ابن أخي أحمد الذي كان قدم قبل ذلك بمدة فأكرمه الظاهر ثم
طلق بنت عمه وأمره أن يتزوجها فتزوجها، وكان أبوه صاحب تبريز وكان
قدومه بأمر عمه لأنه بلغه أنه قبض على جماعة من أقاربه وأصحابه فأقام
بالقاهرة، وقدم مسعود من محمد الكححاني من تبريز هارباً من تمر فيما
زعم، ثم ظهر بعد مدة بأنه جاسوس من قبل اللنك ولم يفطن له حينئذ.
وفيها حضر طولو الذي كان توجه رسولاً إلى طقتمش خان، وذلك أن اللنك وصل
إليهم بعد قدومه بيسير، فذكر ما تقدم وهرب طولو إلى سراي.
وفيها وقع الخلف بين ملوك الروم، وذلك أن مراد بن عثمان لما قتل في
السنة الماضية عهد لابنه أبي يزيد بالمملكة، وأمر بقتل ابنه الآخر صوجي
لأن أمه أمة نصرانية فقتل، فبلغ ذلك ملوك الروم وكانت منقسمة بيد ستة
ملوك منهم ابن قرمان وعيسى بك وغيرهما، فاجتمعوا وحاربوه وكانت النصرة
له، وأسر الجميع فأوقفهم بين يديه ولم يعاقب منهم سوى عيسى بك الملك
أبا سلوق وكان عريقاً في المملكة لديه علم، ثم أفرج عنهم جميعاً وأمرهم
أن يتوجهوا بأحمالهم وأهاليهم وأموالهم إلى أن أنزلهم بمدينة أربك ولم
يتعرض لشيء مما معهم، وولى في ممالكهم أناساً من جهته إلا ابن قرمان،
فإن أخته كانت تحته فشفعت فيه،
(1/491)
ثم لما استقرت قدمه في المملكة عمر جامع
برصا ورخمه من ظاهره وباطنه وجعل الماء في سطحه ينزل منه فيجري في عدة
أماكن، وعمر المارستان وأنشأ نحو ثلاثمائة غراب وملأها بالأسلحة
والأزودة فصارت بحيث أراد أن يركبها خرجت في يومها، ورتب بالساحل من
يعمل الأزودة دائماً بحيث لا يتعذر عليه إذا أراد الغزو شيء، واشتهر
بالجهاد في الكفار حتى بعد صيته وكاتبه الظاهر وهادنه وأرسل إليه
أميراً بعد أمير ولم يبق أحد من الملوك حتى كاتبه وهاداه، حتى كان
الظاهر يخاف من غائلته ويقول: لا أخاف من اللنك فإن كل أحد يساعدني
عليه وإنما أخاف عثمان وسمعت ابن خلدون مراراً يقول: ما يخشى على ملك
مصر إلا من ابن عثمان، ولما مات الملك الظاهر كثرت الأراجيف بأنه سيقدم
لأخذ مصر، ثم قدر أن اللنك لما دخل الشام ورجع تعرض لمملكة ابن عثمان،
فلم يزل يكايده حتى طرقه وأسره ومات في أسره قاتله الله، وسأذكر شيئاً
من أخياره وسيرته في سنة وفاته إن شاء الله تعالى.
وفيها استقر يلبغا السالمي علي سعيد السعداء فقطع منها جماعة من
الأغنياء وعمل فيها بشرط الواقف، وشدد في ذلك حتى قال فيه الشاعر:
يا أهل خانقة الصلاح أراكم ... ما بين شاك للزمان وسالم
يكفيكم ما قد أكلتم باطلاً ... أوقافها وخرجتم بالسالمي
ثم جمع السالمي القضاة والمشايخ وقرأ عليهم شرط الواقف وسألهم عن الحكم
الشرعي في ذلك، فطال بينهم النزاع فتكلم زين العابدين القمني، وكان ممن
أخرج منها بكلام كثير ثم تكلم شهاب الدين العبادي موقع الحكم، وأحد
الفضلاء الحنفية فبسط لسانه في السالمي، وافترق المجلس فأشاع العبادي
أن السالمي قال لمن شفع عنده في بعض من أخرجه: لو جاء جبريل وميكائيل
يشفعان عندي في العبادي ما قبلتهما! وأكثر من الشناعة عليه،
(1/492)
فاتفق أن السالمي لقي العبادي ماشياً عند
الركن المخلق فنزل عن فرسه وأمسك كمه وقال له: طلبتك إلى الشرع، فقال
العبادي: بل أتوجه معك إلى السلطان فجره بكمه، فقال له: كفرت! ثم دخلا
المدرسة الحجازية وحضرهما ابن الطبلاوي وغيره فكثر بينهما الكلام ففض
ابن الطبلاوي المجلس وقال للسالمي: متى طلبت الشيخ شهاب الدين أحضرته
لك، وطلع يلبغا إلى السلطان وسأله في عقد مجلس، فعقد له في ثامن رجب،
فادعى السالمي على العبادي أنه كفره، فأنكر، فأقام عليه البينة، فحكم
المالكي بتعزيره، وعزله الحنفي من نيابته، ثم اختلفوا في صورة تعزيره،
فقال علاء الدين ابن الرصاص قاضي القدس الحنفي التعزير للسلطان فانفض
المجلس، ثم أرسله إلى الحنفي فكشف رأسه قدام السلطان وأمر بإخراجه كذلك
إلى حبس الديلم ثم إلى حبس الرحبة ثم ضرب بحضرة ابن الطبلاوي تسعاً
وثلاثين ضربة تحت رجليه وهما في القلعة، ثم شفع الشيخ سراج الدين
البلقيني فيه عند السالمي فأفرج عنه.
وفي رجب استقر تاج الدين الميموني شيخ القوصونية عوضاً عن الشيخ نور
الدين الهوريني، وفي شعبان أعاد السلطان على موادع الأيتام ما كان
افترضه منهم عند توجهه إلى السفرة المقدم ذكرها، وفي حادي عشر شعبان
أعيد القاضي صدر الدين المناوي إلى القضاء وصرف بدر الدين ابن أبي
البقاء، ونزل الصدر في موكب حافل ومعه أكثر الأمراء وكان برهان الدين
المحلي كبير التجار قد تعصب له وسعى إلى أن التزم عنه بمال جزيل.
وفيه أحضر من دمياط قطعة من مخ سمكة يدخل في كل عين منها رجل ضخم.
(1/493)
وفيه توجه جماعة من الأمراء الكبار إلى
الصعيد لتمهيد العربان به فكسبوا على جماعة ما بين النويرة إلى ببا،
وأمسكوا نحو خمسمائة نفس وخمسين فرساً أو أكثر ورجعوا، فأمر السلطان
بحبس المأسورين في الخزانة؛ وذلك في رمضان.
وفيه توجه تاج الدين ابن أبي شاكر الذي ولي الوزارة إلى الشام وزيراً
وصرف بدر الدين الطوخي.
وفي رمضان استقر شرف الدين الماميني في الحسبة بالقاهرة عوضاً عن ابن
البجي، وفيه حج بعض ملوك البربر فعظمه السلطان، وكان يلازم اللثام ومعه
ترجمان مغربي، وقدم السلطان هجينيين أبيضين عجيبين.
وفي تاسع شوال أوفي النيل موافقاً لثالث مسرى واتفق أنه زاد في ثمانية
أيام قريباً من ثمانية أذرع منها في بعض الأيام اثنان وستون أصبعاً ولم
يعهد مثل ذلك منذ دهر.
وفيها وصلت طائفة من التتر إلى بلاد التركمان من جهة اللنك، فوقع بينهم
وبين قرا يوسف بن قرا محمد التركماني وقعة انتصر عليهم فيها وكانوا نحو
العشرين ألفاً.
وفيها وضع المنبر الذي جهزه السلطان برقوق وحج بالناس فيها محمد بن
الأمير أيتمش ويقال له: جمق، وأزيل المنبر الذي وضعه الظاهر بيبرس فجعل
في حاصل الحرم بعد أن أقام
(1/494)
مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة، وكان السبب
في ذلك أن الأرضة كانت قد أثرت فيه كثيراًن فنقل ذلك للسلطان فأمر بعمل
منبر جديد وجهزه في هذه السنة.
وفيها كانت الوقعة بيت تمرلنك وبين طقتمش خان فدام القتال ثلاثة أيام،
ثم انكسر طقتمش خان ودخل بلاد الروس واستولى تمرلنك على القرم وحاصر
بلد كافا ثمانية عشر يوماً ثم استباحها وخربها.
وفيها وقع بين بني حسن وقواد مكة وقعة في الوادي بمر، فقتل علي بن
عجلان أمير مكة في المعركة فأفرج السلطان عن حسن بن عجلان في ذي القعدة
وقرره في سلطنة مكة وخلع عليه وأذن له في لحاق الحاج، وأرسل صحبته
يلبغا السالمي فسافرا في السابع من ذي القعدة.
وفي أواخر ذي القعدة عاد السلطان استاداره جمال الدين في بيته
بالموارثين، فقدم له تقادم كثيرة فأخذ بعضها ورذ الباقي، وفي أواخر هذه
السنة رحلت إلى ثغر الإسكندرية فسمعت بها من تقي الدين ابن موسى آخر من
كان بها يروي حديث السلفي بالسماع المتصل، وسمعت من جماعة من أصحاب ابن
الصفي وطبقته، وأقمت بها إلى أن رحلت هذه السنة ودخل في التي يليها عدة
أشهر.
وانتهت زيادة لنيل إلى أصابع من عشرين ولم يزدد الأمر إلا شدة ولا
السعر إلا غلو فبلغ القمح ثمانين درهماً، قيمتها من الذهب أكثر من
ثلاثة مثاقيل، والفول والشعير أربعة وخمسين، والتبن عشرة الحمل، والأرز
كل قدح درهمين، والخبز درهمين كل رطل.
(1/495)
ذكر من توفى
من الأعيان سنة سبع وتسعين وسبعمائة
إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي أبو محمد نزيل القاهرة، أسلم على يد
الشيخ تقي الدين ابن تيمية وهو دون البلوغ، وصحبه إلى أن مات، وأخذ عن
أصحابه، ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من أحمد ابن كشتغدي والحسن بن
عبد الرحمن الأربلي وشمس الدين ابن السراج الكاتب وإبراهيم ابن الخيمي
وأبي الفتح الميدومي ونحوهم وكان شافعي الفروع حنبلي الأصول ديناً
خيراً متألهاً، قرأت عليه عدة أجزاء، وأجازني قبل ذلك، قلت له يوماً:
حال القراءة رضي الله عنكم وعن والديكم، فنظر إلي منكراً ثم قال: ما
كانا على الإسلام.
إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني برهان الدين نقيب
الأشراف بمشق، مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين لأنه ولد في ليلة
الثاني من ربيع الأول سنة سبع عشرة، وكان رئيساً نبيلاً، ولي الحسبة في
دمشق فحمدت سيرته، وهو والد المسند علاء الدين كاتب السر بدمشق، وقد
ولي الحسبة بها مرة، وله سماع من أبي بكر ابن بحيرا.
إبراهيم بن علي بن منصور الحنفي أخو القاضي صدر الدين كان يتعانى
الشهادة، وولي قضاء بعض البلاد الشمالية، ثم ولي الحسبة مدة، وكان لا
بأس به قال ابن حجي، قال: ومات في ربيع الأول.
إبراهيم بن محمد القلقشندي جمال الدين أخو بدر الدين أمين الحكم، وكان
جمال الدين موقع الحكم ومباشر أوقاف الحرمين وغيرها؛ مات في شعبان عن
ستين سنة.
أحمد بن الحسن بن الزين محمد بن محمد بن القطب القسطلاني ثم المكي شهاب
الدين، سمع من عيسى الحجي والنجم الطبري وغيرهما، وحدث وتكسب بكتب
الوثائق، مات في رجب بطريق مكة عن نحو من سبع وسبعين سنة.
(1/496)
أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري شهاب
الدين الضرير المقرئ، أتقن القراآت على الشيخ تقي الدين البغدادي وغيره
مات في صفر.
أحمد بن عمر بن يحي بن عمر بن يحي الكرجي شهاب الدين الدمشقي، ولد في
صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأحضر على الحجار وحدث عنه، مات في
المحرم.
أحمد بن...... البشبيشي والد صاحبنا جمال الدين عبد الله، قرأت بخطه
أنه ولد سنة عشرة وسبعمائة، قال: ومات في سابع عشر ذي الحجة سنة 797.
إسماعيل بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون زين الدين ابن الملك
الأشراف، مات في رمضان.
الطنبغا بن عبد الله الأشرفي أحد الأبطال المشهورين، مات مسموماً بحلب.
بديع بن نفيس التبريزي صدر الدين الطبيب، قدم القاهرة وخدم الظاهر
فرتبه في رياسة الطب شريكاً لعلاء الدين بن صغير، ومات في ربيع الأول.
أبو بكر بن عبد الله البجائي ثم المصري، قدم من بلاده واشتغل بالعلم،
وقرأ المدونة وحصلت له جذبة فانقطع بقرب الجامع الأزهر بالأبارين، وكان
للناس فيه اعتقاد يفوق الوصف، مات في سادس جمادى الآخرة ودفن بتربة
الظاهر بجانب الشيخ طلحة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كانت له
جنازة عظيمة كيوم العيد أو الاستسقاء أو أكثر.
أبو بكر بن عبد الله الموصلي ثم الدمشقي نزيل دمشق، اشتغل بالفقه
والحديث ونظر في كلام الصوفية، مات في القدس في شوال وقد جاوز الستين،
(1/497)
قال ابن حجي: قدم من الموصل وهو شاب فكان
يتكسب من الحياكة ويشتغل في أثناء ذلك بالعلم ويعاشر الصوفية، ولازم
الشيخ قطب الدين مدة، وأدمن النظر في الحديث فعلق بذهنه شيء كثير منه،
ثم اشتهر أمره وصار له أتباع وعلا ذكره وبعد صيته وتردد إليه الأكابر
وحج مراراً، ثم اتصل أمره بالسلطان فبالغ في تعظيمه وزاره في داره
بالقدس وصعد إليه إلى العلية وأمر له بمال فأبى أن يقبله، وكان يكاتب
السلطان بالشفاعات الحسنة فلا يرده، وكان الشهاب الزهري ممن يلازم حضور
مجلسه ويبالغ في تعظيمه، وكذلك الشيخ شمس الدين الصرخدي، ومن طريقته
أنه لا يعامل أحداً من أصحابه ولا يأكل بعضهم لبعض شيئاً ولا لغيرهم،
وكان يتكلم على الناس فيبدئ الفوائد العجيبة والنكت الغريبة، وكان يشغل
في التنبيه ومنازل السائرين، وكان والده عبد الملك يذكر عنه أنه قال:
كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلساً أو درهماً في الطريق
فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه، فأقول لقيته قرب داركم وله نثر ونظم.
أبو بكر محمد بن عيسى بن أبي المجد البعلي الأنصاري، قاضي بعلبك، مات
في المحرم.
بلاط بن عبد الله المنجكي، أحد الأمراء بالقاهرة، مات في هذه السنة من
شوال.
حمزة بن علي بن يحيى بن فضل الله العدوي عز الدين ابن كاتب السر، كان
في حياة أبيه يلبس بالجندية، ثم ناب عن أبيه في كتابة السر ثم عن أخيه،
وكان أكبر موقعي الدست، ومات بعده بدمشق يوم تاسوعاء، أنشدني عيسى بن
حجاج لنفسه لما بلغه موت حمزة بعد موت أخيه بدر الدين:
قضى البدر بن فضل الله نحبا ... ومات أخوه حمزة بعد شهر
فلا تعجب لذا الأجلين يوماً ... فحمزة مات حقاً بعد بدر
(1/498)
وكان حسن الوجه، كثير التجمل، وكان بعد موت
أخيه قد عين لكتابة السر، وقرأ على الظاهر الكتب والقصص فبغته الموت
وانقضى به بيتهم.
خليل بن محمد بن عبد الله الأقباعي الحلبي عتيق شهاب الدين ابن العجمي،
سمع من إبراهيم ابن العجمي، ومات في شوال.
رشيد بن عبد الله الهبي بضم الهاء وتشديد الموحدة وكان من أكابر
الكارم، ثم رق حاله ومات في جمادى الأولى، وكان محباً في الصالحين.
سعيد بن نصر بن علي الشريف الحنبلي، كان من قدماء الفقهاء بدمشق، أفاد
ودرس وأفتى وحدث، ومات في المحرم عن نيف وستين سنة.
عبد الله بن فرج بن كمال الدين النويري المصري جمال الدين، أحد نواب
المالكي، مات في ربيع الآخر.
عبد الرحمن بن أسعد اليافعي، ولد الشيخ عفيف الدين اشتغل بفنون من
العلم وحفظ الحاوي، وكانت تعتريه حدة وفيه صلاح وله شعر فمنه:
ألا إن مرآة الشهود إذا انجلت ... أرتك تلاشي الصد والبعد والقرب
وصانت فؤاد الصب عن ألم الأسى ... وعن ذلة الشكوى وعن منة الكتب
وله سماع من أبيه، وبالشام من ابن أميلة، وبمصر من البهاء ابن خليل،
مات غريقاً بالرحبة بين الشام والعراق، وله ست وأربعون سنة لأنه كان
لزم السياحة والتجريد.
عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشماخي الزبيدي محدث زبيد، مات
في شعبان، أخذ عنه نفيس الدين العلوي وغيره.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصوفي نور
الدين
(1/499)
بن أفضل الدين ولد سنة اثنتين وعشرين
وسبعمائة، وكان عارفاً بالفقه والتصوف، وله أتباع ومريدون، وقد حدث
بالمشارق عن عمر بن علي القزويني عن أحمد بن غزال الواسطي عن الصغاني
بالسماع وعن صالح ابن الصباغ إجازة عن الصغاني إجازة، وهو القائل:
زعم الدين تشرقوا وتغربوا ... أن الغريب وإن أعز ذليل
فأجبتهم أن الغريب إذا اتقى ... حيث استقل به الركاب جليل
مات وله خمس وسبعون سنة.
عبد الواحد بن ذي النون بن عبد الغفار بن موسى بن إبراهيم تاج الدين
الصردي، سمع من علي بن عمر الواني جزء سفيان بن عبينة وصحيح مسلم بفوت،
وولي القضاء بعض بلاد الريف، مات في جمادى الآخرة سمعت منه جزء سفيان
وقليلاً من الصحيح.
علي بن عبد الله البندقداري الشافعي، مات في رجب.
علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني نور الدين، سمع من ال زين بن
علي الأسواني الشفاء للقاضي عياض، وحدث عنه وعن الوادي آشي، وقد ولي
أبوه القضاء بالمدينة، وولي مشيخة خانقاه قوصون وكان مشكوراً، وتزوج
بنت القاضي فخر الدين القاياتي، وعاش القاياتي بعده مدة، ولم أجد لي
عنه سماعاً ما واستبعد أن يكون أجاز لي وناب في الحكم وولي أمانة
الحكم،
(1/500)
مات في رجب، واستقر عوضه في مشيخة
القوصونية تاج الدين عبد الله بن الميموني، وكان قد حفظ كتباً منها
الشفاء والمقامات والإلمام وعرضها.
علي بن عبد الرحمن الخراساني، أحد العباد، أقام ببغداد مدة، وللناس فيه
اعتقاد كبير، ثم وصل إلى القاهرة في ربيع الآخر فمات بها في هذه السنة.
علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي بن أبي سعد بن الحسن بن قتادة بن
أدريس الشريف أبو الحسن الحسني أمير مكة وابن أميرها، ولي في أول شعبان
سنة تسع وثمانين، فامتنع عنان من تسليم الأمر إليه وتقاتلوا في سلخ
شعبان، فقتل كبيش بن عجلان وجماعة، ومضى إلى مصر فاستقر شريكاً لعنان
ففر عنان إلى نخلة فتبعه علي فتقاتلوا فقتل مبارك بن عبد الكريم واستمر
عنان بوادي مر وتوجه حسن بن عجلان إلى مصر، فأخذ عسكراً من الترك ورجع
إلى أخيه، ثم وقع بينه وبين أخيه وشاركه محمد، ثم استقر عنان في نصف
الإمرة وأن يكون القواد مع عنان والأشراف مع علي بن عجلان وأن يقيم كل
منهما بمكة ماشياً ولا يدخلها إلا لضرورة فلم يتمش لهم حال ونهب ركب
اليمن وبعض المصريين، ثم آل الأمر إلى أن اجتمعا بمصر وأجلس علي فوق
عنان وأعطي الظاهر علياً مالاً وخيلاً ومن الفول والشعير شيئاً كثيراً،
فرجع إلى مكة وسار سيرة حسنة، ولكن أفسد الأشراف بجدة فساداً كبيراً،
ثم نازعه أخوه حسن، وتوجه إلى مصر ليلي أمر مكة فقبض عليه وعلى علي بن
مبارك فلم ينشب علي أن قتل، قتله كردي أبن عبد الكريم بن معيط وجماعة
من آل بيتهم وهربوا فخرجوا إليه ودفنوه بالمعلى، وذلك في شوال، واستقر
بعده أخوه حسن، وكان علي شاباً جميل الصورة كريماً عاقلاً رزين العقل
واستقر في إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان فطالت مدته كما سنذكره.
علي بن محمد الركاب الحنفي، ناب في الحكم، مات في رجب.
(1/501)
علي بن محمد القليوبي ثم المصري، أحد
المهرة في مذهب الشافعي كان بالشيخونية، مات في رجب أيضاً.
عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي سراج الدين ولد في صفر سنة 714 سمع
بدمشق من أحمد بن علي الجزري، وعلي ابن عبد المؤمن بن عبد وغيرهما،
وحدث ومات بمصر وقد جاوز الثمانين ولم يتهيأ لي السماع منه مع حرصي على
ذلك.
عيسى بن غانم المقدسي، مات بها في شوال.
محمد بن أحمد بن سلامة المصري المعروف بابن الفقيه، أحد فضلاء
المالكية، مات في ربيع الأول.
محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري، البزاز بسوق
الفاضل أبو علي بابن المطرز، سمع من ألواني والحبتي والدبوسي، وحدث
بالكثير وأجاز له اسماعيل بن مكتوم والمطعم ووزيره وأبو بكر بن عبد
الدائم وغيرهم من دمشق، قرأت عليه الكثير، ومات في جمادى الأولى.
محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد
بن سليم بن مكتوم السويدي الأصل القيسي الدمشقي بدر الدين، ولد سنة بضع
وأربعين وعني بالفقه والعربية وتصدى للتدريس والإفتاء، وحدث عن عبد
الرحيم بن أبي اليسر بالحضور، قال ابن حجي: ورأيت له سماعاً في سنة خمس
وخمسين وسبعمائة علي أحمد وعلي ابني إبراهيم ابن علي الصهيوني؛ وكان
يقرأ البخاري في رمضان بعد الظهر، وكان
(1/502)
يفتي في الآخر، ودرس بأماكن، وكان خيراً
ديناً له عبادة، وكان يستحضر الحاوي إلى آخر وقت مع الإحسان إلى الطلبة
والبر للفقراء والصلة لأقاربه والتقلل في خاصة نفسه والانجماع عن
الناس، وجرى على طريقة السلف في شراء الحوائج بنفسه وحملها، مات في
جمادى الآخرة عن خمس وخمسين سنة.
محمد بن برقوق بن أنس الأمير ناصر الدين ابن الملك الظاهر، ولد وأبوه
أمير فأعطاه أبوه أقطاع بركة بعد مسك بركة وهو ابن شهر واحد، ثم حصل له
في رجله داء الخنزير فأعيا الأطباء إلى أن مات في ذي الحجة هذه السنة،
وأسف أبوه عليه أسفاً كثيراً.
محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشاذلي ناصر الدين ابن بنت
الميلق، سمع من أحمد بن كشتغدي وأحمد بن محمد الحلبي وغيرهما من أصحاب
النجيب وغيره، واعتنى بالعلم وعانى طريق التصوف، وفاق أهل زمانه في حسن
الأداء في المواعيد وإنشاء الخطب البليغة، وقال الشعر الرائق، والتفت
عليه جماعة من الأمراء والعامة إلى أن ولي القضاء فباشره بمهابة
وصرامة، ولم يحمد مع ذلك في ولايته وأهين بعد عزله بمدة رأيته وسمعت
كلامه ولم أسمع عليه شيئاً، ومات في أواخر جمادى الأولى أو أول جمادى
الآخرة وقد جاوز الستين، قرأت بخط ابن القطان: كان شديد البخل
بالوظائف، وكان أيام هو واعظاً خيراً من أيام هو قاضياً، كذا قال،
استغفر الله.
محمد بن عبد القادر بن عثمان بن عبد الرحمن بن أحمد الجعفري النابلسي
شمس الدين، رعالم أهل نابلس، كان حنبلياً، وقد سمع الحديث من شمس الدين
بن يوسف بإجازته من السبط، وسمع من ابن الخباز وغيره، وحدث وأفتى
وانتفع به الناس، وكانت له عناية بالحديث ويقظة فيه، مات في شوال، وقد
اختلط عقب وفاة ولده شرف الدين.
(1/503)
محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي إمام
الصرغتمشية، سمع من الوادي آشي ومحمد بن غالي في آخرين، واعتنى
بالقراآت والفقه، وأخذ عن قوام الدين الأتقاني وغيره، وله إلمام
بالحديث، وناب في الحكم سمعت منه، ومات في رجب.
محمد بن عمر القليجي الحنفي شمس الدين، موقع الحكم كان مزجى البضاعة في
العلم إلا أنه داخل أهل الدولة وباشر الوظائف الجليلة مثل إفتاء دار
العدل، وكان حسن الخط عارفاً بالوثائق، ناب في الحكم، ومات في رجب.
محمد بن محمد بن أحمد بن سفري الحلبي شمس الدين، أصله من قرية من قرى
عزاز ثم قدم حلب فسكن بانقوسا، واشتغل بحلب على أبن الأقرب، وأفتى
ودرس، وكان ديناً عاقلاً، ولما وقعت الفتنة بين كمشبغا الحموي وأهل
بانقوسا، وظفر بهم كمشبغا أراد أذية شمس الدين ابن سفري هذا فمنعه منه
القاضي كمال الدين ابن العديم، وأنزله بالمدرسة الجاولية فصار مدرساً
بها إلى أن مات ونشأ له ابنه شهاب الدين صاحبنا فقام مع جكم لما تسلطن
وولاه نظر الجيش، فلما قتل جكم قبض عليه الملك الناصر وأقدمه مصر،
فأقام بها مدة ثم نفاه الملك المؤيد بعد قتل نوروز إلى القدس، فأقام
هناك إلى أن مات، وسيأتي ذكره في سنة وفاته.
محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم
البغدادي غياث الدين بن صدر الدين بن محي الدين أبي الفضل المعروف بابن
العاقولي الشافعي، مدرس المستنصرية ببغداد، ولد ببغداد في رجب سنة 732؛
واشتغل حتى انتهت إليه الرئاسة
(1/504)
في المذهب هناك مع التوسع من الدنيا، ودرس
وأفتى وبرع في الفقه والأدب والعربية، وشارك في الفنون وشرح المصابيح
وخرج لنفسه جزءأ حديثياً وأربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، وشرح أيضاً
منهاج البيضاوي والغاية القصوى له، وحدث بمكة وبيت المقدس وأنشد لنفسه
بالمدينة:
يا دار خير المرسلين ومن بها ... شغفي وسالف صبوتي وغرامي
نذر علي لئن رأيتك ثانياً ... من قبل أن أسقى كؤوس حمامي
لأعفرن على ثراك محاجري ... وأقول هذا غاية الأنعامي
قال ابن حجي: كان بارعاً في علمي المعاني والبيان وفي أربعينه أوهام
وأسقاط رجال من الأسناد ومع ذلك فكان عند أهل بلده أنه شيخ الحديث في
الدنيا، وكان فهمه جيداً ونفسه قوية ويقال أنه كان مفرط الكرم، ولما
نازل اللنك بغداد نهبت أمواله وسبيت حريمه فدخل الشام وحدث بها وكتبوا
عنه من نظمه، فلما رجع أحمد بن أويس إلى بغداد رجع معه، فمات بعد وصوله
بخمسة أشهر في صفر عن أربع وستين سنة، وكان عالماً فاضلاً ديناً حسن
الشكل والأخلاق جواداً ممدحاً، وكان دخله في كل عام نحو خمسة آلاف
دينار ينفقها في وجوه الخير؛ ذكر الأسنوي في طبقات الفقهاء وحدث الغياث
بمكة والمدينة ودمشق وحلب وأقام بها قبل الحج عدة أشهر، وكان وقع بينه
وبين أحمد ابن أويس وحشة ففارقه إلى تكريت، ثم توجه إلى حلب، وكان
إسماعيل وزير بغداد بنى له مدرسة فأراد أن يأخذ الآجر من إيوان كسرى
فشق على الغياث ذلك وقال: هذا من بقايا المعجزات النبوية، ودفع له ثمن
الآجر من ماله ومن شعره:
لا تقدح الوحدة في عارف ... صان بها في موطن نفسا
(1/505)
فالليث يستأنس في غابه ... بنفسه أصبح أو
أمسى
أنست بالوحدة في منزلي ... فصارت الوحشة لي أنا
سيان عندي بعد ترك الورى ... وذكرهم أذكر أم أنسي
محمد بن أبي محمد الأقصرائي نزيل القاهرة، درس بمدرسة أيتمش للحنفية،
ومات في جمادى الأولى، وهو والد صاحبنا بدر الدين محمود وأخيه أمين
الدين يحيى.
محمد بن أبي يعقوب القدسي شمس الدين نزيل جامع المقسي، كان ظاهر الصلاح
من طلبة العلم، واختصر الاستيعاب وسماه الإصابة، وجمع مجاميع، وكان
ينسب إلى غفلة وللناس فيه اعتقاد، مات في رمضان.
محمد بن أبي محمد السملوطي بفتح المهملة وتخفيفها وتخفيف الميم وتخفيف
اللام المضمومة كان يتعانى الصلاح وينقطع في التنظف، وكان لسودون
النائب فيه اعتقاد، ولبعضهم فيه انتقاد، ومات في شهر رمضان أيضاً.
محمد بن القيسراي أمين الدين وكيل بيت المال بدمشق، مات في ذي القعدة.
معروف بن الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي ثم الزبيدي، مات في ربيع
الآخر وفجع به أبوه.
موسى بن أبي بكر بن سلار شرف الدين، أحد الأمراء بالقاهرة، مات في ذي
الحجة.
يوسف بن عبد الله النحريري جمال الدين المالكي، أحد الشهود المعروفين،
مات في ذي الحجة.
(1/506)
|