إنباء الغمر بأبناء العمر
سنة ثمان وثمانين
وسبعمائة
فيها مات أحمد بن عجلان أمير مكة، واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش
بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة
ومحمد بن عجلان ففر منه عنان بن مغامس إلى القاهرة فشكى إلى السلطان من
صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في إمرتها فأجيب سؤاله، وكان ما سيأتي
ذكره من قتل محمد بن أحمد بن عجلان.
وفيها تأخر وصول المبشرين بالحجاج إلى سادس المحرم، ثم حضر القاصد
وأخبر أن صاحب ينبع عاقهم خوفاً عليهم من العرب ولم يتعرض لهم بسوء.
وفيها تزوج السلطان بنت منكلي بغا وأمها أخت الملك الأشرف.
وفيها وصل رسل صاحب ماردين فأخبروا أن تمرلنك قصد تبريز فنازلها، وواقع
صاحبها أحمد بن أويس إلى أن كسره فانهزم إلى بغداد ودخل تمرلنك تبريز
فأباد أهلها وخربها وجهز أحمد بن أويس إلى صاحب مصر امرأة تخبره بأمر
تمرلنك وتحذره منه وتعلمه أنه توجه إلى قرا باغ ليشتي بها ثم يعود في
الصيف إلى بغداد ثم إلى الشام، فوصلت المرأة إلى دمشق فجهزها بيدمر
صخبة قريبة جبريل.
وفيها تجهز قديد الحاجب وبكتمر العلائي إلى طقتمش خان في الرسلية من
صاحب مصر.
(1/312)
وفي ربيع الأول أفرج عن يلبغا الناصري من
الإسكندرية وأذن له بالإقامة في دمياط.
وفيها قتل خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني، فتك به إبراهيم بن يغمر
التركماني بمواطأة السلطان وكان قتله خارج مرعش، توجه إليه إبراهيم في
جماعة، فلما قرب منه أرسل إليه يعلمه أنه يريد الاجتماع به لإعلامه
بأمر له فيه منفعة، فاغتر بذلك ولاقاه فرآه وحده فأمن ونزل عنده فتحدثا
طويلاً فخرج جماعة إبراهيم فقتلوه، وركب إبراهيم ومن معه هاربين
فاستبطأ أصحاب خليل صاحبهم فوجدوه قتيلاً، فتتبعوا القوم فلم يلحقوهم
وذهب دمه هدراً، وكان في ربيع الأول.
وفيها استقر أمر السلطان بتعمير الأغربة وتجهيزها لقتال الفرنج.
وفيها قيل للسلطان أن جماعة أرادوا الثورة عليه، فقيض على تمربغا
الحاجب ومعه عشرة مماليك وأمر بتسميرهم وتوسيطهم لكون تمربغا اطلع على
أمرهم ولم يعلم السلطان بذلك ثم تتبع السلطان المماليك الأشرفية فشردهم
قتلاً ونفياً إلى أن شفع الشيخ خلف في الباقين فقطعت إمرتهم وتركوا
بطالين.
وفيها انتهت عمارة السلطان لمدرسته الجديدة بين القصرين في ثالث شهر
رجب، وكان الشروع فيها في رجب سنة ست وثمانين، وكان القائم في عمارتها
جركس الخليلي وهو يومئذ أمير آخور ومشير الدولة، وقال الشعراء في ذلك
كثيراً فمن أحسن ما قيل:
الظاهر الملك السلطان همته ... كادت لرفعتها تسمو على زحل.
وبعض خدامه طوعاً لخدمته ... يدعو الجبال فتأتيه على عجل.
وأخذه ابن العطار فحسنه فقال:
يكفي الخليلي إن جاءت لخدمته ... شم الجبال لها تأتي على عجل.
(1/313)
قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة ... فاقت على
إرم مع سرعة العمل.
ومن رأى الأعمدة التي بها عرف الإشارة، نزل إليها في الثاني عشر من شهر
رجب، وقرر أمورها ومد بها سماطاً عظيماً وتملك فيها المدرسون، واستقر
علاء الدين السيرامي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية بها وبالغ السلطان
في تعظيمه حتى فرش سجادته بيده وحضر جميع الأعيان وأخذ الشيخ في قوله
تعالى: " قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء "، ونقل السلطان
أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها ثم
أقيمت بها خطبة في عاشر شهر رمضان، وفوض الخطابة إلى جمال الدين
المحتسب وكان قد أمر ابنه صدر الدين أحمد بالصلاة بها في رمضان وهو ابن
اثنتي عشرة سنة، وعمل له مهماً حافلاً.
واستقر بها الشبخ أوحد الدين الرومي السنوي مدرس الشافعية بعناية
الشريف الأخلاطي والشيخ شمس الدين بن مكين نائب الحكم بمصر مدرس
المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده
العجمي مدرس الحديث، والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس
القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره،
ثم بعد مدة قرر فيها شيخنا البلقيني مدرس التفسير وشيخ الميعاد.
(1/314)
وفيها ثار المنتصر وأبو زاين أبناء أبي حمو
على أخيهما أبي تاشفين بسبب أبيهما فحصرهما أبو تاشفين بجبل قطري وبعث
ولده أبا زيان لقتل أبي حمو بمعتقله بمدينة وهران فلما أحس أبو حمو
بذلك نظر من شق في الجدار وصاح بأهل البلد فأتوه من كل جهة فتدلى بحبل
وصله بعمامته وسقط إلى الأرض سالماً فبلغ الذين حضروا لقتله فهربوا
واجتمع عليه أهل البلد وسار إلى تلمسان فكان ما سنذكره في التي تليها.
وفيها مات الخليفة عمر بن إبراهيم بن الواثق بن محمد بن الحاكم، واستقر
في الخلافة أخوه المعتصم زكريا في شوال.
وفي ربيع الأول منها رخص اللحم جداً حتى بلغ الضأني السميط كل قنطار
بخمسين درهماً.
وفي جمادى الآخرة زلزلت الأرض زلزلة لطيفة.
وفي ربيع الآخر قبض على بهادر المنجكي الاستادار الكبير.
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية فمات في كل يوم مائة نفس.
وفيها تولى كريم الدين بن مكانس نظر الدولة بعد الوزارة، وعلم الدين سن
إبرة نظر الأسواق بعد الوزارة أيضاً وتعجب الناس منهما.
وفيها حضر أمير زاد بن ملك الكرج إلى السلطان فادعى أنه رأى النبي صلى
الله عليه وسلم في المنام فقال له: أسلم على يد خادم الحرمين، فأصبح
فسأل عن خادم الحرمين فقيل له: إنه صاحب مصر، فهاجر إليه فأخبره بذلك،
فتلقاه بالإكرام وأمر بالإسلام،
(1/315)
فأسلم بمحضر من القضاة الأربعة في دار
العدل، فأعطاه إمرة عشرة وأسكنه القاهرة، وكان ذلك في جمادى الأولى.
وفيها عزل شهاب الدين أحمد بن ظهيرة عن قضاء مكة، ونقل إلى قضائها محب
الدين بن أبي الفضل النويري، وقرر في قضاء المدينة عوضاً عنه الشيخ زين
الدين العراقي، واستقر الشيخ سراج الدين بن الملقن مدرساً بالكاملية
عوضاً عن العراقي.
وفيها توجه نواب الشام إلى قتال التركمان فانكسر العسكر وفتك فيهم
التركمان وقتلوا سودون العلائي نائب حماة وغيره، وكان أصل ذلك أن
السلطان أمر نواب الشام بالتوجه إلى قتال سولى بن دلغادر ومن معه من
التركمان، فوصلوا إلى طنون وهي بين مرعش وابلستين فالتقى بهم سولى،
فقتل سودون نائب حماة في المعركة وكذا سودون نائب بهسنا، وكان ذلك في
أول جمادى الآخرة فبلغ السلطان فشق عليه ولم يزل يعمل الحيلة حتى دس
على سولى من قتله كما قتل أخاه كما سيأتي بيانه.
وفي جمادى الآخرة وصلت رسل الفرنج بهدايا جليلة.
وفي أواخر السنة وصلت رسل الحبشة بهدايا جليلة أيضاً.
وفي أواخر رمضان عز الفستق عزة شديدة إلى أن بيع الرطل منه بمثقال ذهب
ونصف، ثم وصل منه شيء كثير إلى أن بيع بعد العيد بربع مثقال الرطل.
(1/316)
وفي شعبان أسلم نصراني صبان يقال له
ميخائيل من أهل مصر فقرر ناظر المتجر السلطاني وحصل للناس منه ضرر
كبير، وسيأتي ما آل إليه أمره في سنة تسع وثمانين.
وفيها أمسك شهاب الدين أحمد بن الرهان ومن معه من الشام، وأحضروا إلى
القاهرة وكانوا أرادوا القيام على السلطان فطاف أحمد البلاد داعياً إلى
ذلك ثم استقر بدمشق، فدعا الناس إلى القيام فأطاعه خلق كثير إلى أن فطن
بهم ابن الحمصي والي قلعة دمشق، فنم عليهم عند السلطان، وكان يبغض
بيدمر نائب الشام فوجد من ذلك سبيلاً إلى الافتراء عليه، فكاتب السلطان
بالاطلاع على أمرهم وأن بيدمر معهم، فأمره السلطان بالقبض عليهم وعلى
بيدمر، فقبض عليهم وجهزهم إلى القاهرة، فعاقب السلطان الشيخ أحمد ومن
معه من الفقهاء فضربوا بين يده بالإصطبل بالمقارع وحبسهم في حبس
الجرائم بعد أن قررهم على من كان متفقاً معهم في ذلك.
وفيها وصل إبراهيم بن قراجا بن دلغادر إلى القاهرة طائعاً، وكان صاحب
خرت برت هي قلعة حصينة بقرب ملطية، وكان له أولاد عدة فعصى عليه بعضهم،
ففر منهم فأعطاه السلطان إمرة طلبخاناة، وسكن ظاهر القاهرة، ثم وصلت
رأس خليل بن دلغادر من عند نائب حلب، فقبض على إبراهيم وعلى عمه عثمان.
وفيها في صفر سرق الجملون الذي في سوط القاهرة، وأخذ من حوانيت
البزازين مال كثير إلى الغاية، فقام حسن بن الكوراني في تتبع الحرامية
إلى أن ظفر بعشرين منهم فسمرهم وطاف بهم.
(1/317)
وفيها أمر السلطان بإحضار الشيخ شهاب الدين
بن الجندي الدمنهوري، فاحضر فضرب بين يديه لأنه كان بدمنهور يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر فشكى منه مقطع دمنهور إلى السلطان فأمر
بإحضاره فضرب، ثم شفع فيه بعض الأمراء وعرف السلطان قدره وأنه طلب
للقضاء فامتنع فخجل السلطان وأرسل إليه فخالله وخلع عليه وأذن له في
الرجوع إلى بلده على عادته.
وفيها حج بالناس آقبغا المارداني وحج فيها جركس الخليلي أميراً على
الركب الأول، فلما وصل إلى مكة وأراد صاحبها محمد بن أحمد بن عجلان أن
يقبل رجل الجمل الذي عليه المحمل السلطاني على العدة، بدر إليه شخص
فداوى فقتله وزعم أن السلطان أذن له في ذلك، وفطن كبيش لذلك فجمع
عساكره وخرج من مكة بهم خوفاً على نفسه وخوفاً على الحاج من النهب وقرر
جركس الخليلي عنان بن مغامس في الإمرة وحج الناس آمنين، ثم التقى كبيش
ببطا الخاصكي رأس المبشرين فقال له: اعلم السلطان أنني طائع وإنني منعت
العرب من نهب الحاج وأنني لا أرجع عن طلب ثأري من غريمي عنان، وفرق
الخليلي بمكة صدقات كثيرة جداً.
وفيها اشتد أذى الوزير للتجار حتى رمى عليهم من القمح مائة ألف أردب
وأزيد كل أردب بدينار وكانت خسارتهم فيها جملة مستكثرة.
وفيها سعى شهاب الدين بن الأنصاري في مشيخة سعيد السعداء والتزم بتكفية
الخانقاه وعمارة أوقافها وبذل لهم ثلاثين ألف درهم من ماله لذلك من غير
رجوع عليهم بها فأجيب
(1/318)
سؤاله.
وفيها طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور وثبت ثباتاً عظيماً وأنكأ في
عسكر اللنك وهجم على المكان الذي فيه تمرلنك ففر منه واختفى بين
النساء، فوصل شاه منصور في حملته فتلقاه النساء فقلن له: ليس علينا
قدرة ونحن في طاعتك، فكف عنهن ورجع فقاتل، فخذله بعض أمرائه ففت في
عضده ولم يقاتل حتى ارتث في المعركة وانهزم بقية من معه، فقامت في
قيامة اللنك على فقده لأنه لم يجده في القتلى، ثم ظفر به بعض الجند
فعرفه فحز رأسه وأحضره إلى اللنك، فلما تحققه فرح في الباطن وأظهر
الأسف عليه في الظاهر وأمر بقتل قاتله، واستولى على شيراز وأكرم زين
العابدين وقرر له رواتب، ولما بلغ السلطان أحمد صاحب كرمان الخبر راسل
اللنك بالطاعة وأرسل مع رسله هدية جليلة وكذلك صنع شاه يحيى صاحب يزد،
فقبل الهدية وتوجه بعسكره إلى أصبهان فنازلها وحاصرها، فلما لم يكن لهم
به طاقة صالحوه على كال له صورة فتوزعوه بينهم، فأرسل اللنك أعوانه
فعاثوا وأفسدوا ومدوا أيديهم إلى الأموال والحرم، فشكوا ذلك إلى ملكهم،
فواعدهم أنه يضرب الطبل عند العشاء، فإذا سمعوه قتل كل منهم من عنده من
الأعوان، فلما فعلوا ذلك وكانوا نحواً من ستة آلاف عظم ذلك على اللنك،
ورجعوا إلى المدينة فتحصنوا فحضرهم حتى اشتد الحصار، فأشار عليهم بعض
عسكره أن يجمعوا أطفالهم ويقفوا بهم على طريق اللنك، فاجتاز بهم فسأل
عنهم فقال له المشير عليهم: هؤلاء أطفال لا قدرة عليهم ولا عقاب بجناية
آبائهم وهم يسترحمونك، فمال بعنان فرسه عليهم وتبعه العسكر فصاروا طعمة
لسنابك الخيل، ثم هجم البلد واستخلص الأموال وخرب البلد ورجع إلى
سمرقند وحين وصوله أمر حفيده محمد سلطان بن جهانكير إلى أقصى ما يبلغ
مملكته وهو من وراء سيحون آخذاً مشرقاً إلى نحو شهر في ممالك المغل
والخطا، فمهدوا تلك الأراضي وبنوا فيها عدة قلاع وبنوا مدينة على طرف
سيحون من ذلك الجانب سماها اللنك شاه
(1/319)
رخيه، وخطب له أحد أمرائه الله داد بعض
الملكات وأحضرها إليه صحبته فأولدها شاه رخ الملك المشهور في عصرنا
هذا.
ذكر من مات
في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاون الصالحي كان أكبر
أخواته وقد عين للسلطنة مراراً فلم يتفق له ذلك، ومات في رابع عشر
جمادى الآخرة.
أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري نزيل حلب شهاب الدين، سمع
من حسن سبط زيادة وتفرد به، سمع منه شمس الدين الزراتيتي المقري وغيره
من الرحالة، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون وأكثر عنه المحدث برهان
الدين.
أحمد بن عجلان بن أبي رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن
إدريس ابن مطاعن شهاب الدين أبو العباس الحسني أمير مكة وما معها، وكان
عظيم الرئاسة والحشمة، اقتنى من العقار والعبيد شيئاً كثيراً، وكان
يكنى أبا سليمان، ولاه أبوه عجلان إمرة مكة وهو حي في شوال سنة اثنتين
وستين، وكان قبل ذلك ينظر في الأمور نيابة عن أبيه أيام مشاركة أبيه
وعمه ثقبة، ثم اعتقله السلطان هو وأخوه كبيش وابوهما بالقاهرة، لأن
الضياء الحموي كان ولي خطابة الحرم فخرج في شعار الخطبة، فصده أحمد بن
عجلان عن ذلك، ومات ثقبة في أوائل شوال سنة اثنتين وستين، ولم يزل أحمد
يتقدم في الأمر إلى أن غلب على أبيه، ثم يزل إلى أن أفرده بالسلطنة سنة
أربع وسبعين، فاستمر إلى أن اشترك معه ولده محمد سنة ثمانين، وجرت له
بمكة خطوب وحروب، وكان يحب العدل والإنصاف، مات في شعبان، واستقر ابنه
محمد، ثم قتل في أول ذي الحجة.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب تاج
(1/320)
الدين الحميري المعري ثم البعلي ثم
الدمشقي، أحضر على ابن الموازيني وست الأهل، سمع من ابن مشرف وابن
النشو والقاسم والمطعم والرضي الطبري وغيرهم، وله إجازة من سنقر الزيني
وبيبرس العديمي والشرف الفزاري وإسحاق النحاس والعماد النابلسي وغيرهم،
وكان يذاكر بفوائد، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة، ورأيت بخطه تذكرة
في نحو الستين مجلدة وعبارته عامية وخطه رديء جداً، مات في المحرم.
أحمد بن محمد بن عبد المعطي، المكي المالكي، شهاب الدين أبو العباس،
أخذ عن أبي حيان وغيره، ومهر في العربية وشارك في الفقه، وتخرج به أهل
مكة، مات في المحرم وقد جاوز السبعين.
أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم بن حنا، الشيخ بدر الدين
بن شرف الدين ابن فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين المصري المعروف بابن
الصاحب، تفقه ومهر في العلم ونظم ونثر وفاق أهل عصره في ذلك وفاق أيضاً
في معرفة لعب الشطرنج، وكان جماعاً للمال، لطيف الذات، كثير النوادر،
ألف تواليف في الأدب وغيره، وكتب الخط الحسن، وكان يحسن الظن بتصانيف
ابن العربي ويتعصب له، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني
وكان يكثر الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ويصرح
بالاتحاد وهو القائل:
أميل لشطرنج أهل النهى ... وأسلوه من ناقل الباطل.
وكم رمت تهذيب لعابها ... وتأبى الطباع على الناقل.
مات في تاسع عشرين جمادى الآخرة وله إحدى وسبعون سنة، رأيته واجتمعت به
وسمعت من فوائده ونوادره.
(1/321)
أحمد بن محمد الزركشي شهاب الدين أمين
الحكم بالقاهرة ومصر، مات في ربيع الأول فجأة، وضاع للأيتام عنده أموال
عظيمة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنها تزيد على ثلاثمائة ألف
درهم تكون نحواً من خمسة عشر ألف دينار فبيع موجوده فكان دون النصف،
قلت: والذي تحرر لي أن المحاصة وقعت على ربع وسدس عن كل درهم، وبلغ
السلطان ذلك فأسرها في نفسه على القاضي الشافعي حتى عزله في السنة التي
بعدها.
إسماعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل، كان أعجوبة دهره في
كتبه قلم الغبار مع أنه لا يطمس واواً ولا ميماً، ويكتب آية الكرسي على
أرزه وكذلك سورة الإخلاص، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لايحصى.
حسن بن علي بن عمر بن أبي بكر بن مسلم الكتاني بدر الدين الصالحي
المؤذن بالجامع المظفري، ولد سنة 713، وسمع من الحجار وغيره وحدث
بالإجازة عن الدشتي وإبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي وجماعة، مات في
المحرم عن بضع وسبعين سنة.
خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني أمير الأبلستين بعد والده، قتل بيد
إبراهيم بن يغمر التركماني بالقرب من مرعش، قال القاضي علاء الدين: كان
عارفاً، ذا رأى صائب وله أفعال جميلة وملاطفة حسن وسياسة، وكانت له مدة
متحيراً في البلاد لغضب سلطان مصر عليه، وكان قتله بمكيدة احتالها عليه
إبراهيم، وجاوز خليل من العمر ستين سنة.
(1/322)
داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني
الحمزي صاحب صنعاء من جبال اليمن، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على
صنعاء وانتزعها منه، ففر داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن
مات في ذي القعدة، وهو آخر من وليها من أهل بيته، ودامت مملكتهم لها
قريباً من خمسمائة سنة.
سريجا بفتح المهملة وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم مفتوحة
بغير مد بن محمد بن سريجا بن أحمد الملطي ثم المارديني، زين الدين ابن
بدر الدين، كان من أعيان علماء تلك البلاد في زمانه في الفقه والقراءات
والأدب وغير ذلك، وله تصانيف، منها شرح الأربعين النووية سماه نثر
فرائد المربعين النبوية في نشر فوائد الأربعين النووية وجنة الجازع
وجنة الجارع صنعه عند موت ولد له سنة إحدى وثمانين وسد باب الضلال وصد
ناب الصلال في ترجمة الغزالي ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن
الشاطبية، أولها:
يقول سريجا قانتاً متبتلا ... بدأت بنظمي حامداً ومبسمل.
ومن شعره:
خذ بالحديث وكن به متمسكا ... فلطالما ظمئت به الأكباد.
شد الرحال له الرجال إذا سعوا ... لأخطار ما صرت له الآساد.
مات بماردين في المحرم ول ثمان وستون سنة، اخذ عنه ولده عقيل الذي مات
سنة أربع عشرة، وبدر الدين بن سلام الذي أخذ عنه سنة سبع وثلاثين
وثمانمائة وآخرون.
(1/323)
ششك بنت محمد بن الشيخ علي التركماني، سمعت
من عبد الله بن علي الصنهاجي وحدثت.
سودون العلائي نائب حماة، مات قتلا بيد التركمان.
صدقة بن الركن عمر بن محمد بن محمد المصري شرف الدين العادلي، سمع من
أبي الفتح الميدومي وطبقته، ورافق الشيخ زين الدين العراقي مدة في
السمع، ثم ترك لبس الجندية ولبس بالفقيري، وصحب الفقراء القادرية إلى
أن صار من كبارهم، مات بالفيوم في جمادى الآخرة، ورأيته مراراً وسمعت
كلامه.
عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي، سمع من محمد بن
علي بن ساعد وغيره، مات في شعبان عن بضع وثمانين سنة.
عبد الحميد شيخ زاوية المنيبع، مات في شهر رمضان وقد جاوز الثمانين.
عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن الجمال محمد بن علوان بن زين الدين بن
الأستاذ الحلبي الضرير حضر على سنقر الزيني كتاب الصمت لابن أبي الدنيا
وتفرد به.
عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السبكي نزيل دمشق قطب
الدين ابن أخت التقي السبكي، حضر على ابن الصواف مسموعه من النسائي،
وتفرد به، ومن أبي الحسن بن هارون من مشيخة جعفر الهمداني تخرج الزكي
البرزالي، وحدث وكان كثير التسري، يقال أنه وطئ أزيد من ألف جارية،
(1/324)
مات في خامس جمادى الأولى، روى عنه شيخنا
العراقي وابن سند وابن حجي وغيرهم.
عبد المعطي بن عبد الله فتح الدين، كان يؤدب بكتاب المارستان، وكان أحد
من قرأ على أبي حيان، وهو والد صلاح الدين محمد، الذي ولي حسبة مصر
ونظر المواريث وغير ذلك في حياة والده، مات في رمضان وقد أسن.
عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني
القروي، محيي الدين، سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب منها المحدث
الفاصل والدعاء للمحاملي، ومن محمد بن عبد المجيد بن الصواف التوكل،
وسمع بمكة من الرضي الطبري مسلسلات ابن شاذان، وقرا على عبد لانصير ابن
الشعراء القراءات بكتاب الإعلان عن المكي الأبي وحدث، ومات في ذي
القعدة وله ست وثمانون سنة، وقد خرج له الذهبي جزءاً من حديثه.
علي بن أحمد بن علي الحلبي علاء الدين، صاهر أبا أمامة بن النقاش على
ابنته، ودرس بجامع أصلم وطلب الحديث وكتب بخطه، مات كهلاً.
علي بن عبد القادر المراغي الصوفي شرف الدين، اشتغل في بلاده ومهر في
الفقه والأصول والطب والنجوم، وفاق في العلوم العقلية وشغل في الكشاف
وغيره، وقام عليه جماعة من أهل السميساطية، وكان صوفياً بها، فشهدوا
عليه بالاعتزال فاستتيب بعد أن عزر، ثم قرر بخانقاه خاتون إلى أن مات،
وكان يدري النجوم وأحكامها، وينسب إلى الرفض، وكان من تلامذة السيد
المجد، قرأ عليه تقي الدين ابن مفلح ونجم ابن حجي وغيرهما، ومات في شهر
ربيع الآخر.
عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد المستعصم بن الواثق بن المستمسك ابن
الحاكم
(1/325)
العباسي، ولي الخلافة بعد خلع المتوكل،
ومات في هذه السنة واستقر بعده أخوه زكرياء.
عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة، اخت قاضي القضاة
برهان الدين، سمعت علي الواني وغيره وحدثت.
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل، الشيخ شمس الدين
القرمي، نزيل بيت المقدس، ولد بدمشق سنة عشرين، ثم تجرد وخرج منها سنة
إحدى وأربعين، وطاف البلاد ودخل الحجاز واليمن، ثم أقام بالقدس وبنيت
له زاوية، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوماً لا يخرج إلا للجمعة وصار
أحد أفراد الزمان عبادة وزهداً وورعاً، وقصد بالزيارة من الملوك
يستزورونه وله خلوات ومجاهدات، وسمع بدمشق من الحجار وغيره، وكان يتورع
عن التحديث ثم انبسط وحدث، وكان عجباً في كثرة العبادة وملازمة التلاوة
حتى بلغ في اليوم ست ختمات، وقيل بلغ ثمان، وسأله الشيخ عبد الله
البسطامي فقال له: إن الناس يذكرون عنك القول في سرعة التلاوة، فما
القدر الذي تذكر أنك قرأته في اليوم الواحد؟ فقال: اضبط أني قرأت من
الصبح إلى العصر خمس ختمات، ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق مع سعة
العلم ومحبة الانفراد وقهر النفس، انتفع به جماعة، ومات في تاسع شهر
رمضان.
محمد بن طلحة بن يوسف بن هبة الله الحلبي، سمع من الكمال بن النحاس
وغيره، ومات في شوال وقد جاوز الثماني.
(1/326)
محمد بن تنبك السوي كان من رؤساء الحلبيين،
وانشأ جامعاً بحارة القناصة، ومات بها في مدينة الرها في هذه السنة أو
نحوها.
محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآسجي بمدة وفتح
المهملة بعدها جيم الأديب شمس الدين، نزيل مكة جاور بمكة عدة سنين
وباشر بالحرم، واختص بالناس حتى، ومات في شعبان، وكان شاعراً مكثراُ،
أكثر عنه صاخبنا نجم الدين المرجاني.
محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز الحنبلي،
القاضي شمس الدين بن التقي المرداوي، ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة فيما
قيل، سمع الكثير من أبي بكر بن الرضي والشهاب الصرخدي والشرف بن الحافظ
وعائشة ابنة المسلم وجماعة، تفقه وناب في القضاء من سنة ستين وهلم
جراً، ثم استقل به سنة ست وسبعين إلى ان مات، وكان محموداً في ولايته
إلا أنه في حال نيابته عن عمه كان كثير التصميم بخلافه لما استق، وكان
يكتب على الفتاوي كتابة جيدة، وكان كيساً متواضعاً قاضياً لحوائج من
يقصده، وكان خبيراً بالأحكام، ذاكراً للوقائع، صبوراً على الخصوم،
عارفاً بالإثباتات وغيرها، لا يلحق في ذلك، وكان يركب الحمارة على
طريقة عمه، وقد خرج له ابن المحب الصامت أحاديث متبائنة
(1/327)
وصلت إلى خمسة عشر حديثاً، وحدث بمشيخة ابن
عبد الدائم عن حفيده محمد بن أبي بكر عن جده سماعاً، مات في رمضان عن
أربع وأربعين سنة.
محمد بن عطيفة الحسني أمير المدينة.
محمد بن عمر بن محمد بن محمود بن أبي الفخر الزرندي ثم الصالحي، سمع من
الحجار وغيره، مات بدمشق عن سبعين سنة.
محمد بن عيسى بن أحمد الزيلعي نزيل اللحية من سواحل اليمن، ويعرف
بصاحبها، كان يذكر بالكرامات ومكانه يزار الآن.
محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي شمس الدين، ولد في ذي
القعدة سنة 731، وسمع من ابن الرضي والجزري وبنت الكمال وغيرهم، وأحضر
على أسماء بنت صصرى وعائشة بنت مسلم وغيرهما، وعني بالحديث وكتب
الأجزاء والطباق وعمل المواعيد، وأخذ عن إبراهيم بن قيم الجوزية، وكتب
بخطه الحسن شيئاً كثيراً، وكان شديد التعصب لابن تيمية، مات في جمادى
الأولى، وله سبع وخمسون سنة.
محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي، قرأت بخط القاضي برهان الدين
بن جماعة: مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن جزب الله
بدمشق، في خامس عشرين شعبان سنة ثمان وثمانين، له نظم وسط وفضائل قلت:
منها كتاب سماه عرف الطيب في وصف الخطيب صنفه للبرهان ومن عنوان نظمه
قصيدة أولها:
لبريق الأبريق والنقا ... طار مني القلب إذ تألقا.
محمد بن يوسف بن إلياس الحنفي الشيخ شمس الدين القونوي، نزيل المزة،
ولد سنة خمس عشرة أو في بعدها، وقدم دمشق شاباً وأخذ عن التبريزي
وغيره، وتنزه عن مباشرة الوظائف حتى المدارس، وكان الشيخ تقي الدين
السبكي يبالغ في تعظيمه، وكان له
(1/328)
حظ من عبادة وعلم وزهد، وكان شديد البأس
على الحكام، شديد الإنكار للمنكر، أماراً بالمعروف، يحب الانفراد
والانجماع، قليل المهابة للأمراء والسلاطين والحكام، يغلظ لهم كثيراً،
وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بأخرة، والتزم أن لا ينظر في غيره،
وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل
الحديث قال ابن حجي: كانت له وجاهة عظيمة وكان ينهى أولاده وأتباعه عن
الدخول في الوظائف. وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب، نصها: غلى فلان
المكاس أو الظالم أو نحو ذلك، وهم لا يخالفون له أمراً ولايردون له
شفاعة، وكان كثير من الناس يتوقعون الاجتماع بع لغلظه في خطابه، وكان
مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتى اقل مرة: أنا أعلم من النووي
وهو أزهد مني، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحب من يتعانى ذلك،
ويتردد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط، وقد باشر القتال في نوبة
بيروت، وبنى برجاً على الساحل، وصنف كتاباً سماه الدرر فيه فقه كثير،
نظم فيه فقه الأربعة على أسلوب غريب، مات في الطاعون في جمادى الآخرة
وقد جاوز السبعين واختصر شرح مسلم للنووي وتعقب عليه مواضع، وشرح مجمع
البحرين في عشر مجلدات، وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة وأقام بالقدس
مدة، ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة، ثم انقطع بزاويته بالمزة
رحمه الله.
محمد بن يوسف بن محمد بن عمر شرف الدين بن جمال الدين بن الشيخ شمس
الدين بن قاضي شهبة، اشتغل على جده ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات وقال
الشعر وكتب الخط الحسن، قال ابن حجي: كان جميل الشكل، حسن الخلق، وافر
العقل، كثير
(1/329)
التودد، ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه،
ومات في عشر الأربعين في ربيع الآخر، ووجد عليه أبوه وجداً كثيراً، حتى
مات بعده عن قرب.
محمد الأصبهاني إمام الدين كان عالماً عابداً مشهوراً بالفضل
والكرامات، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللنك ويخبر أنه ما دام حياً
لا يصيب أهل أصبهان أذى، فاتفق وفاته في ليالي طروق اللنك لهم في هذه
السنة.
موسى بن الفافا شرف الدين استادار أيتمش، كان يتعصب للظاهرية ويميل إلى
مذهبهم، مات في شوال.
هيازع بن هبة الحسني قريب أمير المدينة، وهو أخو جماز الذي تأمر بعد
ذلك.
يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن
جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي، ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة،
وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدشتي والقاضي سليمان وعيسى المطعم
وغيرهم، وحدث بالكثير، وكان يزن في القبان ثم كبر وعجز، وكان باخرة
يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك، مات في ذي الحجة عن ثمانين سنة، وكان له
ثبت يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء، وآخر من حدث عنه الحافظ
برهان الدين محدث حلب.
شمس الدين الغزولي المصري الميقاتي، انتهت إليه الرياسة في هذا العلم
في بلده، وكان اطروشاً، مات في رجب.
شمس الدين بن الجندي الخطائي المصري انتهت إليه الرياسة في حل التقاويم
ومعرفة الميقات، وكان لكل منهما أعني الغزولي وابن الجندي عصبة، فاتفق
أن ماتا في سنة واحدة، مات الغزولي في رجب ومات ابن الجندي في شعبان.
(1/330)
سنة تسع وثمانين
وسبعمائة
وفيها في تاسع عشر المحرم ولي الجوباني نيابة الشام عوضاً عن اشقتمر.
وفيها أخذ السلطان بلعب الرمح وألزم الأمراء والمماليك بذلك فاستمر.
وفيها ابتدأ أيضاً في رمضان بالحكم بين الناس يومي الأحد والأربعاء،
ونودي: من كانت له ظلامة فليحضر إلى الباب، وحصل للناس بسبب ذلك حصر
خصوصاً الرؤساء وتشويش كبير وصار من شاء من الأراذل أن يهين الأكابر
فعل.
وفيها كثرت الشكاوي من بدر الدين بن أبي البقاء، فعين السلطان ناصر
الدين محمد بن عبد الدائم الشاذلي ابن بنت الميلق الواعظ، وطلبه في
رابع شعبان وفوض له قضاء الشافعية فاستخار الله بعد صلاة ركعتين وقبل،
وكان يعرفه من خطبته بمدرسة حسن، ووصفه له سودون النائب وغيره، فتم
أمره، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن سبب عزل ابن أبي البقاء
ما تقدم من قصة أمين الحكم وانضاف إلى ذلك أن بعض مدركي البلاد
السلطانية مات في أول هذه السنة، وكان يذكر بالمال الجزيل فجهز القاضي
أمين الحكم ليحتاط علة موجوده فذكر ذلك للسلطان فأنكر عليه وأحضر أمين
الحكم وضربه وعزل القاضي، وطلب من يوليه عوضه فغرم القاضي في هذه
الحركة خمسة آلاف دينار، ثم ما أفاد بل طلب ابن بنت المليق، وولاه
فباشره بعزة وعظمه.
(1/331)
وفيها جمع كبيش العربان ونهب جدة وأخذ منها
للتجار ثلاثة مواكب وتقابل هو وعنان أمير مكة فقتل كبيش في المعركة بعد
أن كاد يتم له النصر وذلك بأذاخر بالقرب من مكة.
وفيها سار علي بن عجلان من مكة إلى القاهرة، فقدمها في رمضان فأشرك
السلطان علي بن عجلان في إمرة مكة مع عنان فتوجه عنان إلى وادي نخلة
ومنع الجلب عن مكة فوقع فيها الغلاء، فوافى قرقماش أمير الركب إلى مكة
بتقليد علي بن عجلان، وأمره أن يتجهز إلى عنان، فخرج وأرسل معه طبول
المحمل فدقوا بين الأودية فظن عنان أن العساكر دهمته فهرب فدخلت
القافلة فباعوا ما معهم برخص حتى انحطت الويبة من القمح إلى عشرة بعد
ثلاثين.
وفيها استولى على إمرة المدينة علي بن عطية ثم قتل وذلك أنه طرق
المدينة فنهبها وقتل فيها أناساً فأفرج السلطان عن ثابت بن نعير وقلده
إمرة المدينة وأمره بالمسير.
وفي رابع ربيع الأول قبض على كريم الدين بن مكانس وضرب بالمقارع وصودر
على مائة ألف، ثم عزل عن نظر الدولة في ثاني رمضان.
وفيها خامر منطاش نائب ملطية وهو لقب واسمه تمربغا الأفضلي وجماعة من
المماليك الأشرفية الذين نفاهم برقوق، ووافقهم القاضي برهان الدين أحمد
صاحب سيواس وقرا محمد التركماني كبير التركمان ويلبغا المنجكي وجمعوا
جمعاً كبيراً وبلغ ذلك السلطان فجرد العساكر إليهم فسار اينال الأتابك
بدمشق، وقزدمر وسودون
(1/332)
باق والطنبغا المعلم ومقدمهم يلبغا الناصري
نائب حلب فنازلوا ملطية، فهرب منطاش فتوجهوا إلى سيواس ونازلوها
فاستنجد برهان الدين صاحبها الأرمن وغيرهم، فوقعت بينهم وبين عساكر
الشام وقعة وقتل فيها من الفريقين جماعة، ثم كان النصر على يد يلبغا
الناصري وانهزم برهان الدين ثم أرسل يطلب الأمان ويبذل الطاعة للظاهر
فأمنه وصار من جهته وكانت عدة الذي مع الناصر نحو الألف والذين تجمعوا
لقتاله عشرين ألفاً.
وفيها قبض على جبريل قريب بيدمر وعلى محمد بن بيدمر وتسلمهما والي
القاهرة فصادرهما على مال كثير.
وفيها قتل بدر بن سلام أمير العربان بالبحيرة، قتله بعض العرب غيلة
وكان قد قهر السلطان وأعجز العسكر من التجاريد إليه وهو يفر من مكان
إلى مكان وفسدت أحوال البحرية.
وفيها في أواخر شعبان استقر في الوازارة علم الدين إبراهيم القبطي بن
كاتب سيدي وكان مستوفي المرتجع فوصى ابن كاتب أرلان بأن يستوزره بعده
فقبل الظاهر ذلك.
وفي تاسع رمضان نزل جلال الدين البلقيني عن توقيع الدست لزوج ابنته
بهاء الدين البرجي، ونزل بدر الدين بن البلقيني أخيه جلال الدين عن
إفتاء دار العدل واستمر بيد بدر الدين قضاء العسكر.
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة ظهر كوكب عظيم من جهة الشمال
ثم امتد
(1/333)
وتشعب منه ثلاث شعب إحداهما ذنب طويل نحو
الرمح ونورها شديد وذلك بعد العشاء بنحو ساعة.
وفي هذه السنة انتهت زيادة النيل إلى أربعة عشر إصبعاً من تسعة عشر
ذراعاً وثبتت إلى خامس بابه.
وفي أوائلها ملك ألو حمو تلمسان فحاصره ولده أبو تاشفين إلى أن قبض
عليه وسجنه بالقصر فسأله أبو حمو أن يخرجه إلى الديار المصرية ليحج
فأسعفه وحمله في مركب فخدع أبو حمو صاحبها حتى أنزله وبعث إلى محمد بن
أبي محمد مهدي القائد ببجاية يستنصره، فأنزله عنده وكتب إلى السلطان
بتونس، فأمره بمساعدته واستنفر العرب فنفروا معه، فقتل أبو زيان بن أبي
تاشفين في الحرب وانقض جمع أبي تاشفين فخرج من تلمسان ودخلها أبو حمو
في رجب سنة تسعين.
وفيها كائنة ميخائيل الأسلمي، وكان نصرانياً وأسام في شعبان سنة ثمان
وثمانين بحضرة السلطان وعناية محمود فأركب بغلة وعمل تاجر الخاص كما
تقدم ثم قرر في نظر الإسكندرية في المحرم من هذه السنة، فلما كان ثالث
عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق وشهد
عليه بذلك خمسون إلا واحداً.
(1/334)
وفيها ضربت الدراهم الظاهرية، وجعل اسم
السلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس فوقع عن قريب، ووقع نظيره
لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية.
وفيها كان الغلاء بدمشق وقلة الماء بالقدس حتى بلغت الجرة نصف درهم.
وفيها وقعت بين ابن يغمر نائب الأبلستين وبين ابن دلغادر حرب.
وفي سادس عشر جمادى الآخرة وهو تاسع ابيب توقف النيل ثم نقص ثم رد
النقص وزاد في رابع عشريه.
وفي هذه السنة نازل عسكر تمرلنك صحبة ولده آمد ففر منه قرا محمد في
مائة فارس إلى ملطية، فاضطرب أول الأمر بالقاهرة، وجمع الظاهر الفقهاء
والأمراء وتحدث في إعادة ما وقف من الأراضي الخراجية فطال النتازع وآل
الأمر إلى أنه يؤخذ لتجهيز العسكر متحصل سنة، وأمر الظاهر بتجهيز أربعة
من الأمراء وهم قرادمرداش ويونس والطنبغا المعلم وسودون باق وغيرهم،
فتوجهوا وخرجوا في أول رجب فوصلوا إلى حلب فوجدوا تمرلنك
(1/335)
قد رجع إلى بلاده لأمر حدث بها، وأرسل نائب
الشام رجلاً اتهم بأنه جاسوس فضرب فأقر على ثلاثة بدمشق فضرب وحبس وكتب
إلى دمشق بإحضار رفقته، ولما وصل الأمراء إلى حلب في شعبان كاتبوا بأن
اللنك رجع فصادف وصول الخبر بمخامرة منطاش فأمروا أن يتوجهوا إلى
محاربته فتوجهوا، وكان ما سنذكره في السنة الآتية.
وفيها عاد اللنك إلى عراق العجم فاستقبله ملوكها وأذعنوا له بالطاعة
مثل إسكندر الجلالي وأر سعيد وإبراهيم العمي وأبو إسحاق السيرجاني
وسلطان أحمد بن أخي شجاع وابن عمه شاه يحيى، وكان جملة من اجتمع عنده
من ملوك العجم سبعة عشر ملكاً، فبلغه أنهم تواعدوا على الفتك به،
فسبقهم وأمر بالقبض عليهم، وقد اجتمعوا في خيمة وقرر في ممالكهم أولاده
وأحفاده وتتبع ذراري المقتولين فلم يبق منهم أحداً، ثم توجه نحو عراق
العرب، فبلغ ذلك أحمد بن أويس فجهز له عسكراً كثيفاً مع أمير يقال له:
اسنباي، فتلاقيا على مدينة سلطانية فانهزم جند بغداد فلم يتبعهم اللنك
وعطف على همذان وما يليها، فقبض على متوليها واستناب فيها ثم كر راجعاً
إلى بغداد فبلغ أحمد بن أويس ذلك فعرف أنه لا طاقة له بلقائه، وكان
أحمد بن أويس استولى على مملكة نبريز عوضاً عن أخيه حسين بعد قتله فلم
يلبث إلا قليلاً حتى فاجأه عسكر اللنك، فلما بلغ ذلك رحل عنها وترك
أهلها حيارى، فهجم عليهم العسكر عنوة فانتهبوها وفعلوا فيها ما لا يمكن
شرحه، وأقاموا بها شهر رجب كله في استخلاص
(1/336)
الأموال وتخريب الدور وتعذيب ذوي الأموال
بالعصر والإحراق والضرب وأنواع العذاب، وانتهكوا الحرمات وسبوا الحريم
والذراري، وكان قبل ذلك استولى على تبريز وفعل بها الأفاعيل، وكان أحمد
ابن أويس قد أرسل ذخائره وحريمه وأولاده إلى قلعة يقال لها النجاء في
غاية الحصانة وقرر فيها أميراً يقال له النون مع ثلاثمائة نفس من أهل
النجدة، فنازله اللنك فلم يقدر عليها وقتل في الحصار أميران كبيران من
عسكره، ثم ترحل عنها لما بلغه ما طرق بلاده من جهة طقتمش خان وأنه قد
تعرض لأطراف بلاده فكر راجعاً أيضاً، ولما بلغه ذلك قرا محمداً
التركماني انتهز الفرصة ووصل إلى تبريز فملكها، وقرر فيها ولده مصر خجا
ورجع إلى بلاده.
وفي تاسع رجب أمر المحتسب بطلب ذوي الأموال واستخراج زكواتها منها وأن
يتولى قاضي الحنفية الطرابلسي تحليفهم، فعمل ذلك في يوم واحد، فلما ورد
الخبر برجوع تمر لنك رد على الناس ما اخذ منهم وبطلت مطالبتهم بالزكاة
وبالخراج أيضاً.
وفي العشرين من رمضان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء العسكر عوضاً
عن شمس الدين القرمي بعد وفاته، وسعى تجم الدين بن عرب في الحسبة فبذل
فيها خمسين ألف درهم قيمتها يومئذ أكثر من ألفي مثقال ذهباً.
(1/337)
وفي نصف شوال أفرج الظاهر عن يلبغا اناصري
من دمياط وأعطاه شيئاً كثيراً وقرره في نيابة حلب، وسافر في تاسع ذي
القعدة، وقرر سودون المظفري نائب حلب أتابك العساكر بها.
وفي هذه السنة في ذي الحجة صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية وقرر
عوضه نجم الدين بن الكشك.
وفي رابع ذي الحجة استقر أمير حاج مغلطاي في نيابة الإسكندرية.
ذكر من مات
في سنة تسع وثمانين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الله شمس الدين الوزير القبطي المعروف بكاتب أرنان أصله
من نصارى القبط فأسلم وخدم الأمراء إلى أن اتصل بالظاهر قبل سلطنته في
ديوانه ثم قلده الوزارة فباشر أحسن مباشرة، فتنقلت به الأحوال إلى أن
خدم في ديوان برقوق وهو أتابك العساكر فأراد ابن مكانس أن يبعده عنه
فيعينه لوزارة الشام، فاستعفى ثم ولاه برقوق الوزارة فنهض فيها نهوضاً
تاماً حتى قيل إنه دخل الدولة وليس فيها درهم ولا قدح غلة، وخرج عنها
وفيها من النقد ألف ألف درهم ومن الغلة ثلاثمائة ألف أردب وستون ألف
أردب ومن الغنم ستة وثلاثون ألف رأس وغير ذلك حتى أنه كتب في مرض موته
أوراقاً بحواصله وكان جملة قيمتها خمسمائة ألف دينار، فأرسل بالوراق
إلى السلطان ويقال بل عاده السلطان في الليل سراً فناولها له، وكان منذ
ولي الوزارة لم يغير ملبوسه ولا شيئاً من حاله وعنده جواري في البيت
فيغلق بابه
(1/338)
إذا ركب، ويحمل مفتاحه معه ولا يمكن أحداً
من الركوب معه سوى غلامه على بغلة ووراءه عبد معه الدواة، ويقال إنه
كان في الباطن على النصرانية والله أعلم بغيبه، مات في شعبان.
أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن أبي يحيى شهاب الدين الغزاوي، ناب أبوه في
الحكم ونشأ له ولده هذا فتعلق بالمباشرات في الديوان عند الأمراء وخطب
بالصالحية وخدم في الإصطبل السلطاني شاهداً، وكان لطيف المعاشرة حسن
التودد مات في آخر صفر.
أحمد بن أبي القاسم بن شعيب الأخميمي أبو القاسم المصري، أحد فقهاء
القاهرة.
إسماعيل بن مازن الهواري أحد أكابر العرب، مات في هذه السنة وخلف
أموالاً كثيرةً جداً، فيقال إن القاضي أمر أمين الحكم أن يتكلم فيها
فجر ذلك عزل القاضي وضرب أمين الحكم.
أبو بكر بن أحمد بن أحمد بن طرخان الأسدي، مات في شعبان.
بيدمر بن عبد الله الخوارزمي نائب الشام مراراً، يقال كان اسمه في
الأصل زكريا بن عبد الله ابن أيوب.
(1/339)
خليل بن فرج بن سعيد الإسرائلي المقدسي ثم
الدمشقي القلعي، أسلم ببيت المقدس، وله تسع عشرة سنة، وعني بالعلم
ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي، وانتفع به وقرأ القرآن، ولقب محب
الدين، وكان مولده في آخر سنة 712، وتفقه على مذهب الشافعي فمهر وصار
أكثر الناس موظبة على الطاعة من قيام الليل وإدامة التلاوة والمطالعة،
وولي مشيخة القصاعين ثم تركها لولده وجاور في آخر عمره بمكة، فقدم دمشق
ممرضاً فمات حادي عشر صفر.
سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الشيخ صدر الدين الياسوفي
الدمشقي، سمع الكثير، وعني بالحديث واشتغل بالفنون، وحدث وأفاد وخرج مع
الخط الحسن والدين المتين والفهم القوي والمشاركة الكثيرة، أوذي في
فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظاهر فسجن، فمات في السجن بعد أيام
بالقلعة، مع أنه صنف في منع الخروج على الأمراء تصنيفاً حسناً، وقفت
عليه بدمشق، وهو القائل:
ليس الطريق سوى طريق محمد ... فهي الصراط المستقيم لمن سلك.
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك.
وكان مولده تقريباً سنة تسع وثلاثين، وحفظ محفوظات وكان مشهوراً
بالذكاء سريع الحفظ ودأب في الاشتغال ولازم العماد الحسباني وغيره،
وفضل في مدة يسيرة، وتنزل في المدارس ثم تركها، وقرأ في الأصول على
الإخميمي، وترافق هو وبدر الدين بن خطيب الحديثة، فتركا الوظائف جملة
وتزهداً وصاراً يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، وأوذيا بسبب ذلك
مراراً، ثم حبب إلى الصدر الحديث فصحب ابن رافع وجد في الطلب، وأخذ عن
أصحاب ابن
(1/340)
البخاري كثيراً، وخرج لجماعة من الشيوخ،
ورحل إلى مصر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسمع بها من جماعة وخرج لناظر
الجيش جزءاً وصادف ولاية ابن وهبة قضاء طرابلس عند موت ابن السبكي فولي
وظائفه، بعناية ناظر الجيش وهي تدريس الأكرمية ومشيخة الأسدية وغيرهما،
ودرس وأفتى واستمر على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين
وينوه بهم مع صحة الفهم وجودة الذهن.
قال ابن حجي: وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد ويصرح بتخطئة
الكبار، واتفق وصول أحمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه فمال إليه، فلما
كان كائنة بيدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظاهري ومن ينسب
إليه، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فسئلا فذكرا أنهما من
طلبة الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهراً إلى أن
مات في ثالث عشر شوال.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي أبو زيد المعروف بالحفيد
بن رشد المالكي، كان بارعاً في مذهبه، وروى عن أبي البركات البلقيني
والعفيف المطري والشيخ خليل، وتقدم في الفقه على مذهبه، وولي قضاء حلب
ثم غزة ثم سكن بيت المقدس، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخ حلب:
كان فاضلاً يستحضر لكن كلامه أكثر من علمه، حتى كان يزعم أن ابن الحاجب
لا يعرف مذهب مالك، وأما من تأخر
(1/341)
من أهل العمل فإنه كان لا يرفع بهم رأساً
إلا ابن عبد السلام وابن دقيق العيد، وكان كثير الصخب في بحثه، ووقع
بينه وبين شهاب الدين بن أبي الرضا قاضي حلب الشافعي منافرة، فكان كل
منهما يقع في حق الآخر وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرضا لكثرة وقوع
الحفيد في الأعراض، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد ثم حج وعاد إلى
القاهرة، ومات عن ثلاث وسبعين سنة معزولاً عن القضاء ولم يكن محموداً.
عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي تاج الدين بن الجرار، برع في الفقه
وشارك في غيره.
علي بن الحسين بن علي بن أبي بكر عز الدين الموصلي، نزيل دمشق كان
معتنياً بالآداب، قدم دمشق قديماً، وراسل الصلاح الصفدي ونظم على طريقة
ابن نباتة، وعني بالفنون، وكان ماهراً في النظم قاصراً في النثر، نظم
البديعية واخترع التورية في كل بيت باسم ذلك النوع وشرح هذه البديعية
شرحاً حسناً وكان يشهد تحت الساعات، وله ديوان شعر وشعره سائ، ورثاه
علاء الدين بن أيبك بقوله:
يقولون عز الدين وافي لقبره ... فهل هو فيه طيب أو معذب.
فقلت لهم قد كان منه نباتة ... وكل مكان ينبت العز طيب.
علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي أبو الحسن
النساج، ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع الكثير من التقي سليمان من ذلك
الطبقات لمسلم، ومن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وابن سعد وغيرهما،
وحدث، وكان يقال له أبو الهول وهو بها أشهر من اسمه، عاش نحواً من
تسعين سنة، ومات
(1/342)
في ربيع الأول وكان سمحاً بالتحديث ثم لحقه
في أواخر عمره طرف صمم فكان لا يسمع إلا بمشقة، وقد حدث بالكثير، سمع
منه اليشكري وسبط بن العجمي وابن حجي وآخرون.
علي بن عنان البزار الرئيس، تقدم عند الأشرف ورأس بين التجار وجمع
مالاً كثيراً، فلما وقعت كائنة الأشرف خاف على نفسه ودفن ماله وأظهر
التقلل والفقر، ثم مرض ففاجاه الخرس قبل أن يدل أولاده على موضع ماله
ومات على ذلك، فحفروا غالب الأماكن فلم يظفروا بشيء.
علي بن محمد البعلي، مات في جمادى الآخرة.
عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة، أخت قاضي القضاة
برهان الدين بن جماعة، سمعت من الواني وغيره وحدثت.
كبيش بن عجلان، قتل في الوقعة التي تقدم ذكرها في الحوادث.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي، شمس الدين أبو المجد الحسني،
نقيب الأشراف بحلب، ذكره طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ أبيه، وأثنى عليه
بالفضل الوافر وحسن المجالسة وطيب المحاضرة، ومات في الطاعون الكائن
بحلب سنة تسع وثمانين وسبعمائة، واتفق أنه قبض روحه وهو يقرأ سورة يس
وهو أخو شيخنا بالإجازة عزالدين ابن أبي جعفر أحمد النقيب.
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله
النصيبي شمس الدين، أحد الأعيان الحلبيين، أثنى عليه القاضي علاء الدين
في الذيل، قال: كان حسن الخط، كثير التلاوة، كتب في الإنشاء في حلب،
ومات في هذه السنة بالوباء الكائن بها.
محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي أبو بكر بن
المحب المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت، الحافظ شمس الدين، ولد سنة
713، وأحضر
(1/343)
على التقي سليمان، وأسمع الكثير ممن بعده
وطلب بنفسه فأكثر، وكتب الأجزاء والطباق وكان إليه المنتهى في معرفة
العالي والنازل وقد جمع مجاميع ورتب أحاديث المسند على الحروف ونسخ
تهذيب الكمال وكتب عليه حواشي مفيدة وبيض من مصنفات ابن تيمية كثيراً،
وكان معتنياً به محباً فيمن يحبه، وكان له حظ من قيام الليل والتعبد،
دقيق الخط جداً مع كبره، وصنف في الضعفاء كتاباً سماه التذكرة عدم في
الفتنة اللنكية، وحدث بالكثير وتخرج به الدماشقة، وكان كثير الانجماع
والسكون، فقيل له الصامت لذلك، كثير التقشف جداً بحيث يلبس الثوب أو
العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها وربما مشى إلى البيت بقبقاب
عتيق وإذا بعد عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافياً، وكان يمشي إلى
الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامة، ولم يتزوج قط،
وكانت إقامته بالضيائية، فلما مات باع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وهو
كثير الإسراف على نفسه فبذر الثمن في ذلك بسرعة، مات الشيخ في خامس ذي
القعدة.
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل فتح الدين ابن الشيخ بهاء
الدين، مات في صفر، وكان موقعاً في الإنشاء وكان لطيف الخلق.
محمد بن عبد الله القرشي شمس الدين قاضي العسكر، كان وجيهاً عند الملك
الظاهر، مقبول الشفاعة، وكان يرتشي الكثير على قضاء الأشغال ويخدم
السلطان بذلك، مات وله نيف وأربعون سنة، وكان عرياً عن العلم، وهو الذي
قرب الشيخ علاء الدين السيرامي للظاهر وكذلك غيره من العجم.
محمد بن علي بن محمد بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري، سمع الصحيح من
وزيره والحجار وحدث به، وولي نيابة الحسبة وأضر قبل موته، ومات في
شعبان.
محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم
(1/344)
بن عبد المنعم بن أبي حامد بن أبي العشائر
الحلبي الحافظ ناصر الدين، سمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وكان خطيب
بلده، فقدم القاهرة بسبب وظائف توزع فيها ففاجأته الوفاة في ربيع
الآخر، ويقال إنه مات مسموماً وكان بارعاً في الفقه والحديث والأدب،
حسن الخط جيد الضبط جمع مجاميع مفيدة وحدث وناظر وألف لم يكمل الخمسين
فأنه ولد سنة 742، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وفي العربية عن العناتي
وكتب بخطه وقرأ بنفسه وأسمع ولده ولي الدين الكثير وشرع في تاريخ لحلب
ذيل على تاريخ ابن العديم ثم جمعه مسودة ذكر ذلك ابن حجي، فظفر بها
بعده القاضي علاء الدين فبيضها ونقل عنه كثيراً وأضاف ما تجدد وكمل في
أربعة أسفار مرتبة على الحروف يذكر فيها من مات من أهل حلب أو دخلها أو
دخل شيئاً من معاملاتها على قاعدة أصله فأفاد وأجاد، قال ابن حجي: وكان
رأس ببلده وصار يذكر لقضائها وله ثروة وملك كثير ومشاركة جيدة في الفقه
والعربية وخط حسن جداً متقن، وكان حسن المذاكرة، ومات غريباً بالقاهرة.
محمد بن قطب البكري المصري، عني بالفقه ونفع الناس، مات في شوال.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراني الهندي محب الدين
الحنفي قدم مكة قديماً، وسمع من العز بن جماعة وهو عالم بارع، وكان
يعتمر في كل يوم ويقرأ كل يوم ختمة، ويكتب العلم ولكنه كان شديد
العصبية، يقع في الشافعي ويرى ذلك عبادة، نقلت ذلك من خط الشيخ تقي
الدين المقريزي، ومات وقد قارب المائة.
محمد بن محمد بن النسفي أمين الدين الحلوي، كان مشهوراً بالصلاح
(1/345)
وتربية المريدين، عظمه السلطان ورتب له
الرواتب، وولاه نظر المارستان الكبير، وكان حسن السمت مهيباً متنساً،
مات في شعبان.
محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن الصالح
إسماعيل بن العادل بن أيوب، صلاح الدين الدمشقي، كان أحد الأمراء
بدمشق، ومولده سنة عشر تقريباً، أجاز له الدشتي والقاضي وغيرهما وحدث،
مات في رمضان.
محمد بن الوحيد شمس الدين الدمشقي، قدم القاهرة للسعي في بعض الوظائف
بها، وولي نظر المواريث والأوقاف وشهادة الجيش، ومات في ربيع الأول.
محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي التاجر. أجاز له التقي سليمان وغيره
وحدث.
منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغا بن منشا موسى بن أبي بكر التكروري
ملك التكرور، وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين، وكان عادلاً عاقلاً، مات
في هذه السنة.
موسى بن علي بن عبد الصمد المراكشي، نزيل مكة كان خيراً صالحاً مشاركاً
في الفقه، وكان للناس فيه اعتقاد زائد بحيث زائد بحيث أنه لما حمل عنان
أمير مكة جنازته، وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين بن موسى.
يوسف بن موسى الجناني، له كرامات، مات في ذي القعدة.
يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي
جمال الدين بن الشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة، ولد في رمضان سنة عشرين
وسبعمائة، واشتغل على والده وغيره ومهر، وكان والده برجحه على أقرانه،
وولي قضاء الزبداني ثم الكرك ثم نزل له أبوه عن وظائفه فباشرها في
حياته ثم ولي تدريس العصرونية، وأفتى وشغل الناس بالجامع، وكان ساكناً
منجمعاً ديناً خيراً حسن الشكل، مات في شوال.
(1/346)
سنة تسعين وسبعمائة
فيها أصاب الحاج في رجوعهم في ليلة التاسع من المحرم عند ثغرة حامد سيل
عظيم، فمات عدد كثير عرف منهم مائة وسبعة وثلاثون نفساً وأما من لم
يعرف فكثير جداً، وتلف من الأمتعة شيء كثير جداً.
وفيها في صفر أمر السلطان بعرض الحلقة وكتب إلى جميع البلاد بذلك
فقاسوا من ذلك شدة. ثم استعان الأمراء ليلة المولد النبوي بالشيخ سراج
الدين البلقيني والشيخ برهان الدين بن زقاعة وكان السلطان يعتقده فشفعا
فيهم أعانهما الأمراء فأمر بترك العرض.
وفيها كانت الوقعة بين العسكر المجهز من القاهرة مع عساكر دمشق وحلب
وفيهم الطنبغا المعلم وقزدمر وسودون باق وآخرون، فنازلوا سيواس فاستعان
عليهم صاحبها بالتتار المقيمين ببلاد الروم، فافترقوا فرقتين فرقة
تقابل التتار، وفرقة تقابل التركمان، إلى أن كسروا الطائفتين وحاصورا
سيواس وطال عليهم الأمر إلى أن جرح كثير من خيولهم وقلت الأقوات لديهم
فأمدهم السلطان بالمال الكثير والجند والخيول والأمتعة وجهز لهم ذلك
صحبة ملكتمر الدويدار، وأذن لهم في ترك حصار سيواس والرجوع إلى ملطية،
فلما أرادوا الرجوع كبسهم التتار من خلفهم، فأنجدهم يلبغا الناصري نائب
حلب ومعه نحو ألف نفس فكسرهم وهم نحو عشرة آلاف، وقيل بل أكثر،
(1/347)
وكان السبب في ذلك أن الناصري لما وصل إلى
سيواس راسله القاضي برهان الدين صاحبها يطلب الأمان واقترح أن الناصري
يرحل بالعسكر إلى الجانب الآخر ليخرج إليه ويسلمه منطاش فخشي الناصري
من المكيدة فاحترز ورحل فنزل قريباً فاستمر أكثر العسكر راجعاً إلى
حلب، فلما تحقق برهان الدين ذلك ركب في عسكره ومعه منطاش ومن انضوى
إليه فحملوا على الناصر فثبت لهم وحمل عليهم بمن معه فانهزموا وطلبوا
المدينة واستمر في حصارها إلى أن أذن له في الرجوع إلى حلب فقتل من
التتار خلق وأسر منهم نحو الألف وغنموا كثيراً من خيولهم ورجعوا إلى
حلب وقتل إبراهيم بن شهري نائب دوركي على سيواس، ثم توجع العسكر إلى
حلب ثم إلى القاهرة فدخلوها في ثالث شعبان، وكان توجههم من حلب في ربيع
الآخر، وكبيرهم يونس الدوادار وكان خروج المدد لهم مع ملكتمر في جمادى
الآخرة.
وفيها أراد الطنبغا الجوباني نائب الشام المخامرة، فطن به بعض الأمراء
فكاتب السلطان بأنه ضرب طرنطاي حاجب الحجاب، واستكثر من استخدام
المماليك ونحو ذلك، فأذن له بالقبض عليه، فأحسن الطنبغا بذلك فركب
جريدة إلى القاهرة مظهراً للطاعة متنصلاً مما نقل عنه، فتلقاه فارس
الجوكندار إلى سرياقوس، فسار به إلى الإسكندرية فسجنه بها في شوال،
واستقر طرنطاي نائب دمشق، وحمل إليه التقليد مع سودون الطرنطاي الذي
ولي نيابة الشام بعد ذلك، وأمر طرنطاي بقبض الأمراء البطالين ببلاد
الشام، وبالقبض على كثير ممن يظن به المخامرة، فقبض على عدد كثير وقبض
على الطنبغا المعلم أمير سلاح وقزدمر رأس
(1/348)
نوبة وسجنا بالإسكندرية أيضاً، وقبض على
كمشبغا الحموي نائب طرابلس في شوال بأمر السلطان أيضاً، واستقر اسندمر
حاجبها نائباً بها.
وفي المحرم سمر علي بن نجم أمير العرب في عشرين نفساً من أكابر قومه
لقتلهم محمداً وعمراً ابني شاد واليهم.
وفيه قدمت رسل أبي يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية منه إلى الظاهر فقلبت
هديته وردت أجوبته.
وفيه كان الغلاء ببلاد الشام حتى بيعت الغرارة بإثني عشر ديناراً
واكثر، وعز الماء في القدس جداً.
وفيها استقر جمال الدين محمود شاد الدواوين استادارا كبيراً بعد موت
بهادر المنجكي وأضيف إليه أمر الوزير وناظر الخاص أن لا يخالفاه فيما
يراه مصلحة وكان تقريره في اللاستادارية في ثالث جمادى الآخرة. وفي
وظيفة المشورة في الخامس منه، واستقر ناصر الدين بن الحسام الصقري شاد
الدواوين عوضاً عن محمود المذكور.
وفيها بعد أن رجع تمرلنك إلى الدشت وبلغ ذلك قرا محمداً الرتكماني،
فنازل وغلب عليها
(1/349)
وخطب فيها باسم السلطان وكتب السكة باسمه،
وأرسل الدراهم إليه بذلك ففرح السلطان بذلك وكتب له أجوبته بالشكر.
وفي رجب وقع الخلف بين برهان الدين أحمد صاحب سيواس ومنطاش، فأراد
البرهان القبض عليه ففر منه.
وفيها كانت الوقعة بين عنان بن مغامس وعلي بن عجلان، فانكسر عنان وتوجه
إلى القاهرة فوصل في شوال.
وفي شهر ربيع الأول هبت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي
المارة في الطرقات، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن
يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من
(1/350)
لا يحصى عددهم بحيث أنه وجد في صبيحته مائة
وخمسين جرة من جرار الخمر فارغات إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد
من الزناء واللواط والتجاهر بذلك فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد
ذلك فيما يقال، ومات في سلخ شعبان.
وفي صفر ابتدأ الظاهر بشرب التمر والبسر واستمر ذلك كل يوم أربعاء.
وفيها استولى الفرنج على جزيرة جربة انتزعوها من المسلمين.
وفيها عمل إبراهيم بن الجمال المغني المشهور وأخوه خليل المشبب السماع
على العادة في المولد لبعض المصريين بمكان بالقرب من رحبة الخروب فسقط
البيت الذي هم فيه فمات المغني والمشبب وجماعة تحت الردم وتهشم من عاش
منهم حتى أن بعض معارفنا استمر أحدب إلى أن مات، وكان إلى ولدي ابن
الجمال المنتهي في صناعتهما.
وفي ربيع الأول استقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضاً عن أمين
الدين عبد الله بن ريشة.
وفيها استقر سري الدين بن المسلاتي، وهو سبط الشيخ تقي الدين السبكي في
قضاء الشافعية عوضاً عن برهان الدين بن جماعة، وحمل إليه التقليد إلى
دمشق في أواخر شعبان وأعيد تقي الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضاً عن
نجم الدين بن الكشك.
(1/351)
وفي تاسع عشر رمضان غضب السلطان على سعد
الدين بن البقري ناظر الديوان المفرد، وصادره على خمسة آلاف دينار،
وقبض على سعد الدين بن قارورة مستوفي الدولة وصودر على ألف دينار أو
أكثر، وقبض على الوزير علم الدين كاتب سيدي في شهر رمضان وقرر عليه
عشرة آلاف دينار، فمات بعد ذلك في أواخر ذي الحجة، وقرر في الوزارة
عوضه كريم الدين بن الغنام.
وفي عاشر شوال استقر شمس الدين ابن أخي الجار في مشيخة سعيد السعداء
عوضاً عن شهاب الدين الأنصاري.
وفي رجب قدم بعض التجار بجماعة من أقارب السلطان الجراكسة، فخرج عليهم
طائفة من الفرنج الجنوبية فأسروهم فبلغ الظاهر الخبر، فأمر بالقبض على
من بالإسكندرية من الجنوبية وختم على حواصلهم في أواخر شعبان، فبلغهم
الخبر فأطلقوا من بأيديهم منهم فقدم الإسكندرية خواجا على أخو الخواجا
عثمان بجميع من أسره الفرنج من أقارب السلطان ففك الختم عن حواصل
الفرنج، وذلك في أواخر ذي الحجة.
وفيها في ربيع الأول رتب نجم الدين الطنبذي المحتسب من فقراء الفقهاء
من يعلم أصحاب الدكاكين من العامة الفاتحة وفرائض الصلاة ونهى قراء
المواعيد والوعاظ عن التهتك وأمرهم أن يبدلوه بالصلاة والسلام على
النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها غضب السلطان على بهادر مقدم المماليك بسبب أنه وجد سكراناً في
بيت على البحر فضربه وأمر بنفيه إلى صفد، وقرر عوضه في التقدمة صندل
الأسود الملقب شنكل.
(1/352)
وفيها بلغ السلطان أن كريم الدين بن مكانس
وأبو البركات بن الرويهب صهره نصبا خيمة على شاطئ النيل وأحضرا من يغني
وعملا مقاماً حافلاً فأمر بالقبض عليهما وضربهما بالمقارع ومصادرتهما،
فأخذ خط ابن مكانس بمائة ألف وابن الرويهب بخمسين ألفاً.
وفيها في رجب ضرب محب الدين السمياطي أمين الحكم بين يدي السلطان نحو
مائتي عصاة، لأنه رفع عليه أن تحت يده لإسماعيل بن مازن أمير العرب
بالصعيد وديعة ذهب، وأنه لم يطلع السلطان عليها فحصل بسبب ذلك للقاضي
بدر الدين بن أبي البقاء إهانة، وعزل عن قرب.
وفيها نازل الفرنج طرابلس الشام فواقعوهم المسلمون فكسروهم وأخذوا منهم
ثلاثة مراكب.
وفيها حج جركس الخليلي وعمل في الحجاز خيراً كثيراً.
وفي أواخرها خامر يلبغا الناصري بائب حلب.
وفيها كان الرخص الزائد حتى بيع الأردب القمح بثمانية دراهم.
وفي ربيع الأول تزايد الموت بالأمراض الحادة والطاعون حتى بيعت البطيخة
من
(1/353)
الصيفي بخمسين درهماً قيمتها يومئذ دينارين
وكان أكثر الموت في المماليك السلطانية حتى زاد كل يوم على عشرين نفساً
منهم، فندب القاضي برهان الدين بن الميلق جماعة لقراءة البخاري بالجامع
الأزهر ودعوا الله عقب ختمه برفع الوباء، ثم اجتمعوا يوم الجمعة
بالجامع الحاكمي ففعلوا مثل ذلك، ثم اجتمعوا أكثر من عددهم الأول
فاستغاثوا بالجامع الأزهر، وكان وقتاً عظيماً فارتفع الوباء في ثاني
جمادى الآخرة بعد أن بلغ في كل يوم ثلاثمائة نفس.
وفيه استقر ايدكار حاجباً كبيراً بعد أن شغرت الوظيفة أربع سنين منذ
مات قطلوبغا الكوكائي.
وفي ثالث عشر مسري أوفي النيل بمصر وذلك في أول يوم من شعبان.
وفي ذي الحجة استقر محمد بن عيسى أمير عرب العائد في كشف الشرقية عوضاً
عن قطلوبغا التركماني.
وفيها وقع الخلف بين قرا محمد التركماني وبين حسن بن حسن بك وثارت
الفتنة بينهما.
وفي ذي الحجة استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر في قضاء الشافعية
بحلب عوضاً عن مسعود، واستقر محب الدين بن الشحنة في قضاء الحنفية بها.
(1/354)
ذكر من مات
في سنة تسعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
الكناني الحموي الأصل ثم المقدسي قاضي الديار المصرية ثم الديار
الشامية، برهان الدين بن جماعة الشافعي أبو إسحاق، كان مولده سنة خمس
وعشرين، وسمع الكثير بالقاهرة ودمشق، وأخذ عن جده وطبقته وحضر عند
الذهبي ولازمه وأثنى الذهبي على فضلئله وناب في الحكم ثم ولي خطابة
القدس ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فوليه مرتين بصرامة وشهامة وقوة
نفس وكثرة بذل وعزل نفسه مراراً، ثم يسأل ويعاد حتى هم السلطان في بعض
المرات أن ينزل إليه بنفسه ليترضاه، وكان حسن الإلقاء لدرسه، محباً في
الحديث وأهله، كثير الإنصاف والاعتراف، قوياً في أمر الله، ثم ولي قضاء
الشام من سنة خمس وثمانين عقب ولي الدين بن أبي البقاء إلى أن مات،
وكان قوالاً بالحق معظماً لحرمات الشرع، مهاباً، محباً في السنة
وأهلها، لم يأت بعده له نظير ولا قريب من طريقته، مات في شعبان، وخلف
من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله، لأنه كان مغرماً بها فكان يشتري
النسخة من الكتب التي إليها المنتهى في الحسن، ثم يقع له ذلك الكتاب
بخط مصنفه فيشتريه، ولا يترك الأولى إلى أن اقتنى بخطوط المصنفين ما لا
يعبر عنه كثرة، ثم صار أكثرها لجمال الدين محمود الاستادار، فوقفها
لمدرسته بالموازنيين وانتفع بها الطلبة إلى هذا الوقت، وكان محباً
للآداب، مصيغاً للأمداح، كثير البذل للشعراء، مدحه البدر البشتكي بغرر
القصائد، فأخبرني شمس الدين الفيومي الكتبي قال سمعت البرهان يقول: ما
قارب أحد من أهل العصر ابن نباتة إلا هذا الرجل، ومع ذلك فكان ينظم
نظماً عجيباً، فقرأت بخط من أثق به أنه من خطه ذم مصر لما وقع بها
الغلاء سنة ست وسبعين:
وماذا بمصر من المؤلمات ... فذو اللب لا يرتضى يكسن.
فترك وجور وطاعون وفرط غلا ... وهم وغم والسراج يدخن.
(1/355)
يا رب لطفاً منك في أمرنا ... فالقلب يدعو
واللسان يؤمن.
إبراهيم بن محمد بن شهري التركماني صاحب دوركي، قتل في هذه السنة في
وقعة سيواس.
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي
جمال الدين الأميوطي ثم المكي، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وتفقه على
الزنكلوني والتاج التبريزي والكمال النشاي، ولازم الشيخ جمال الدين
الأسنوي، وصحب شهاب الدين بن الميلق وأخذ عنه في الأصول وفي التصوف،
وسمع صحيح البخاري من الحجار، وصحيح مسلم من الواني، وحدث عنهما وعن
الدبوسي ونحوه بالكثير، وسمع بدمشق من الذهبي والمزي وجماعة، واشتغل في
الفقهه والعربية والأصول، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، ثم جاور بمكة
مدة طويلة من سنة سبعين، وتصدى بها للتدريس والتحديث، وكان حسن الخط
فصيح اللسان، وكان شرع في الجمع بين الشرح الكبير والروضة والمهمات
فبيض من ذلك نصف الكتاب في تسع مجلدات، وله شرح بانت سعاد، ومات بمكة
في ثالث شهر رجب وله خمس وسبعون سنة، ذكر لي بعض من أثق به أنني سمعت
عليه ولم أتحقق إلى الآن ذلك.
أحمد بن اليمني شهاب الدين الحنفي، عني بالنحو والفقه والقراءات
والفرائض، وأقام ببلاده، مات بزبيد.
أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين ابن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة، وهو
والد صاحب طبقات الشافعية، ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل على
أبيه حتى أذن له ومهر في الفرائض وصنف ودرس
(1/356)
وأعاد وجلس مكان أبيه بالجامع يشغل الناس،
وكان كثير الإحسان للطلبة ولا يخلو بستانه يوم السبت والثلاثاء من
جماعة منهم فيطعمهم ولم يكن من يشابهه في ذلك إلا النجم ابن الجابي،
مات في ذي القعدة.
أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني شهاب الدين المعروف بابن
الحجازي، ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد
الدائم وغيره، وأجاز له ابن المهتار وست الوزراء وغيرهما، وهو جد أبيه
لأمه، وطلب بنفسه بعد الثلاثين، فسمع من جماعة، وأجاز له جماعة، وكان
فاضلاً مشاركاً، أقرأ الناس القراءات، مات في رجب.
أحمد بن مطيع الأنصاري، كان يقرأ المواعيد بالجامع الأزهر ويصحب ناصر
الدين بن الميلق، مات في تاسع جمادى الأولى.
إسماعيل بن علي بن المشرف عماد الدين، أحد الرؤساء بالقاهرة، وكان من
أتباع جركس الخليلي.
إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنبابي، كان أبوه صاحب الزاوية بأنبابة على
طريقة السطوحية فنشأ ولده على طريقة حسنة واشتغل بالعلم ثم انقطع
بزاويته، ثم صار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا ويحصل من المفاسد
والقبائح ما لا يعبر عنه، مات في شعبان.
إشقتمر ولي نيابة حلب سبع مرات، ونيابة الشام ثلاث مرات، وهو صاحب
المدرسة بحلب داخل باب النيرب، وكان موصوفاً بالمعرفة.
(1/357)
أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري المقانعي
الحنبلي، شجاع الدين نزيل بغداد، روى جماع المسانيد ومسند الشافعي
ورموز الكنوز للرسغي في التفسير والتوابين لابن قدامة وحدث، مات عن
ثمانين سنة، سمع منه نصر الله بن أحمد التستري وولده محب الدين.
بهادر بن عبد الله الرومي المنجكي الأستادار، أحد الأمراء الكبار
بالقاهرة، وكان ظالماً جائراً كثير الحرمة مسموع الكلمة مع كثرة صدقاته
للفقراء خصوصاً الغرباء.
جلبان الحاجب الأمير سيف الدين، كان متديناً عارفاً.
سبرج بن عبد الله الكمشبغاوي، أحد الأمراء الأربعين بالقاهرة، كان نائب
القلعة، وكمشبغا الذي نسب إليه، كان خزندار صرغتمش وسبرج بضم السين
والراء المهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره جيم.
سليمان بن فيروز بن عبد الله القرافي علم الدين، كان أعجوبة دهره في
شجا الصوت عند الإنشاد، وكان صديق أبي، ولا ينشد غالباً إلا من شعره،
وكان أبي ينظم له في وقائع الأحوال وحصل عنده ديوان من نظمه، أخبرني
ولده أبو الخير: أنه عاش ثلاثاً وستين سنة.
عبد الله بن فضل الله بن عبد الله أمين الدين بن ريشة ناظر الدولة، مات
في جمادى الأولى.
عبد الله بن محمد بن حسن بن مسافر الحراني ثم الدمشقي، محتسب دمشق
ومباشر الأوقاف بها، جمال الدين، مات في ذي القعدة.
عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل، ثم المكي
المعروف بالنشاوري، ولد سنة خمس وسبعمائة، وقيل قبل ذلك، وسمع من الرضي
الطبري، وأجاز له أخوه الصفي، وحدث بالكثير،
(1/358)
سمعت عليه صحيح البخاري بمكة، وتفرد عن
الرضي بسماع الثقفيات وغيرها، وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره وحدث،
ثم رجع إلى مكة وتغير قليلاً، مات بها في ذي الحجة.
عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن بن يحيى الدواليبي البغدادي
الحنبلي، ولد سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وروى عن جده عفيف الدين عبد
المحسن بن محمد وغيره، وكان واعظاً يكنى أبا المحاسن.
عبد الواحد بن عبد الله المغربي المعروف بابن اللوز، كان فاضلاً ماهراً
في الطب والهيئة وغير ذلك، مات في شوال.
عبد الوهاب بن عبد الله القبطي المعروف بكاتب سيدي، ولي الوزارة بعد
كاتب أرلان، ثم عزل بعد قليل وكان مستضعفاً.
العلاء بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي بمهملة مكسورة بعدها تحتانية
ساكنة علاء الدين، كان من كبار العلماء في المعقولات، قدم من البلاد
الشرقية بعد أن درس في تلك البلاد، ثم قدم فأقام في ماردين مدة، ثم
فارقها لزيارة القدس فلزمه أهل حلب للإفادة، وبلغ خبره الملك الظاهر
فاستدعى به وقرره شيخاً ومدرساً بمدرسة التي أنشأها بين القصرين، وأفاد
الناس في علوم عديدة، وكان إليه المنتهى في معرفة علم المعاني والبيان،
وكان متودداً إلى الناس محسناً إلى الطلبة قائماً في مصالحهم لا يطوي
بشره عن أحد مع الدين المتين والعبادة الدائمة، مات في ثالث جمادى
الأولى، وكانت جنازته حافلة، وقد جاوز السبعين.
علي بن عبد الله المؤذن رئيس المؤذنين علاء الدين يعرف بابن الشاطر،
مات في ربيع الأول.
(1/359)
علي بن محمد بن عبد الرحمن المصري، نزيل
حلب المعروف بابن العبي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ثم
ياء النسب نشأ بالقاهرة وحصل وظائف وتعانى الأدب وقال الشعر الحسن ولقي
الصلاح الصفدي بدمشق وغيره، وسمع بحلب من ابن المرحل وغيره، وولي بها
توقيع الدست، وكان جاور قبل ذلك بالمدينة الشريفة، قال البرهان المحدث:
كان عارفاً بعيوب الشعر ونظم نظماً حسناً، قلت وأنشد له:
حلاوية ألفاظها سكرية ... قلتى وقوت نار قلبي بالعجب.
ومسير دمعي في خدودي مشبك ... ومن أجل ست الحسن قد زاد السكب.
مات في غرة المحرم.
عمر بن عبد الله الأسناوي سراج الدين، لقبه قنور، وفيه يقول بدر الدين
بن الناصح بلقية أولها:
قنور عمر فأر السنداس كله أنجاس.
عمر بن منهال الدمشقي، كاتب السر بدمشق، وليها قليلاً، وكان حسن
المحاضرة، وكان موقع القبلية مدة وحصل أموالاً، وكان وهاباً نهاباً
وتسحب لما عجز عن الوفاء بما وعد له على كتابة السر فولي غيره واستمر
غائباً مدة، ثم ظهر واستمر خاملاً إلى أن مات في رمضان.
محمد بن إبراهيم بن يعقوب شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي كان يقرئ
بالسبع ويشارك في الفضائل، وقيل له شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على
المطاهر فيعلم العامة الوضوء، وكان يعاب بالنظر في كلام ابن عربي، ومات
في سابع عشرين شعبان، وبخط ابن حجي: مات في جمادى الآخرة وقد جاوز
السبعين، قال ابن حجي: قدم من صفد
(1/360)
وسمع علي السدجي أحد أصحاب الفخر وتفقه
بوالدي وغيره وأذن له ابن خطيب يبرود بالإفتاء، وكان التاج السبكي يثني
عليه، وسلك مع ذلك طريق التصوف، وكانت بيده إمامة الطواويس وله فيها
وقت للذكر وله راتب على الجامع، ثم دخل القاهرة واجتمع بالسلطان ورتب
له راتباً على المارستان المنصوري، وذكر أنه طالع النهاية مرة، وكان
حسن الفهم جيد المناظرة، قال: وكان يعتقد ابن العربي، وأقام بالقاهرة
تسع سنين.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي شمس الدين الأسمري خطيب المزة، سمع
الكثير على التقي سليمان ووزيره وابن مكتوم وغيرهم، وتفرد بأشياء
وأكثروا عنه، مات في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة، وكان آخر من حدث عن
ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي، وولي بأخرة قضاء الزبداني.
محمد بن أحمد بن علي بن القاصح بدر الدين، نشأ في طلب الكتابة فكتب
الخط المنسوب وشارك في الفضائل والآداب، ونظم الشعر وخدم ابن فضل الله
وكان لطيف الذات حسن الشكل رأيته وسمعت من نظمه ونوادره، مات في جمادى
وله نحو الثلاثين سنة.
محمد بن إسماعيل الأربلي بدر الدين بن الكحال عني بالفقه والأصول، وكان
جيد الفهم، فقيراً ذا عيال وهو مع ذلك راض قانع، جاوز الأربعين.
محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي، أبو اليمن عز الدين بن
الكويك، أصله من تكريت ثم سكن سلفه الإسكندرية وكانوا تجاراً، وسمع هذا
بالإسكندرية من العتبي ووجيهة بنت الصعيدي وبدر الدين بن جماعة وعلي بن
قريش وأبي حيان وغيرهم وكان رئيساً، مسموع الكلمة عند القضاة، مات في
جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة، فإنه ولد في شعبان سنة خمس عشرة
وسبعمائة.
محمد بن علي بن زبا المصري، سمع من السديد بن الأربلي وغيره وحدث، مات
في ربيع الآخر، سمع منه أصحابنا.
(1/361)
محمد بن فرج المعروف بالجمال بن تقلجلد كان
من غلمان أحمد بن عجلان، كثير التردد إلى الرسلية، وكان ممن قام في
الفتن والحروب التي بين عنان وبني عجلان حتى قتل كبيش ولما تسلطن علي
بن عجلان استنابه فقام بتدبير أمر مكة مدة، ومات في حادي عشر المحرم.
محمد بن قطلوبغا الفخري المعروف بليليك.
محمد بن محمد بن عبد الله المالكي، فتح الدين بن شاش، كان أبوه ينوب في
الحكم، وكان متشدداً في الوثائق، فنشأ ولده مشتغلاً ولده بصناعته
الإنشاء واتصل في الخدم إلى أن اتصل بيونس الدوادار، فوقع عنده وتولى
توقيع الإنشاء الدست ونيابة كتابة السر وعين كتابة السر بعد موت أوحد
الدين وركب ليلبس وأحضر تشريفه فاستأذن يونس الدويدار السلطان على ذلك،
فأمر بصرفه واستدعى في الوقت القاضي ابن فضل الله، ومات في شعبان.
محمد بن محمد الرحبي بنج الدين، أحد أعيان التجار بدمشق.
محمد بن علي بن رستم الخراساني ثم الدمشقي، نجم الدين، قرأ على ابن
اللبان وتصدر للإقراء بالجامع الأموي مدة، ومات في ربيع الآخر.
منشامغا بن ماري حاطه التكروري ملك التكرور، ملكها سنة تسع وثمانين
وقيل سنة تسعين هذه السنة.
مطهر بن عبد الله الهروي الزيدي الصنعاني الشاعر، مدح ملوكها وغيرهم.
نافع بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الفيشي، معين الدين الشاهد
المالكي، كان مشهوراً بالاحتراز في الشهادات، فكان يقصد لذلك، مات في
ثالث عشر شعبان.
يلبغا المحمدي أمير جندار، عمر طويلاً، وأقام في هذه الوظيفة عشرين
سنة.
يوسف بن أحمد بن إبراهيم، جمال الدين، سمع الجزري وابن أبي اليسر
والذهبي وغيرهم، مات في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة.
تقي الدين بن الفحام نقيب الحكم، مات في المحرم فجأة.
(1/362)
شرف الدين النويري، شاهد ديوان يونس ونائب
الحسبة بالقاهرة.
أم الخير بنت القاضي موفق الدين عبد الله الحنبلي، آخر من مات من
أولاده.
أم عمر ألتى بنت ازدمر، حضرت على الحجار، وسمعت من البندنيجي بعناية عم
أبيها صلاح الدين العلائي، ماتت في ذي الحجة عن سبع وسبعين سنة.
(1/363)
سنة إحدى وتسعين
وسبعمائة
في المحرم حضرت رسل على باي بن قرمان صاحب قونية وغيرها من بلاد الروم
ومعهم هدية فقبلت وأكرموا.
وفي عاشوراء مطرت السماء على الحجاج مطراً عظيماً واشتد البرد جداً في
حال رجوعهم.
وفي تاسع عشر من المحرم حضر رسل صاحب جنوة ومعهم خواجا على أخو عثمان
الذي كان الفرنج نهبوا مركبه وأسروا منه أخت قجماس بنت عم السلطان،
فأعادوا المركب بما فيه وقدموا هدية فقبلت منهم.
وفيها انكسر منطاش من التركمان وبقي في نفر يسير، وذلك أن ناصر الدين
بن خليل بن دلغادر ونائب سيس جمعا التركمان الذين في طاعة السلطان
وأوقعا بمنطاش فانهزم فاتفق مع الناصري بحلب، وكان الناصري قد وقع
الخلف بينه وبين سودون المظفري أحد الأمراء الكبار بحلب، وكان قبله
نائباً بحلب فتكاتبا إلى السلطان وحط كل منهما على الآخر، فأرسل
السلطان إلى الناصري هدية جليلة وكتاباً فأمره فيه بالحضور فقبل الهدية
وماطل في الحضور وتعلل بالخوف من منطاش والتركمان، فأرسل السلطان إلى
تلكتمر المحمدي أن يصلح بين يلبغا الناصري وسودون المظفري بحضرة
الأمراء والقضاة، وكتب السلطان إلى سودون في الباطن أن يقبض على يلبغا
ويفتك به وكان مملوك الناصري بالقاهرة قد أخر الظاهر أجوبته ليسبقه
تلكتمر ففر حتى دخل حلب قبل تلكتمر وأعلم الناصري بصورة الحال فاحترز،
ويقال إن تلكتمر كان صهر حسن رأس نوبة يلبغا الناصري، فاطلع يلبغا على
القصة من هذه الجهة،
(1/364)
فلما وصل تلكتمر إلى حلب تلقاه الناصري
وقبل الكتب التي معه وامتثل ما فيها وجمع القضاة والأمراء بدار العدل
ليقرأ عليهم مرسوم السلطان، فلما حضر سودون المظفري لذلك لمس قازان
أمير آخور الناصري قماش سودون فأحس أنه لابس الحرب فأنكر عليه وقال: من
يطلب الصلح يدخل في آلة الحرب، فشتمه سودون فسل قازان سيفه وضرب به
سودون في المجلس فقتله ولم يكن الناصري حاضراً بل وقع ذلك قبل أن يخرج
من مكانه إلى القاعة التي اجتمعوا فيها وهي القاعة الحمراء فتناوش
مماليكه ومماليك الناصري وقامت الفتنة فقتل من مماليك سودون أربعة
وأمسك الناصري الحاجب الكبير بحلب وركب بمن معه إلى القلعة فحصنوا عليه
قليلاً، ثم سلها له نائبها وانهال الناس عليه بالدخول معه والمخامرة
على السلطان ورجع تلكتمر من حلب فأخبر السلطان بما اتفق، فأرسل إلى
إينال اليوسفي وهو يومئذ أتابك دمشق أن يتوجه إلى نيابة حلب وأن يمسك
الناصري، وتجهز السلطان بالعساكر لقصد حلب واهتم لذلك ولما بلغ من
بطرابلس من الأمراء الذين نفاهم السلطان تحالفوا ووثبوا على باب اسندمر
نائب طرابلس فامسكوه وقتلوا جماعة من الأمراء وأرسلوا إلى الناصري
يعلمونه باتفاقهم على طاعته، فكان ممن قام في ذلك من المشهورين كمشبغا
الخاصكي الأشرفي وبزلار العمري ودمرداش اليوسفي وآقبغا قبجق وممن قتل
خليل بن سنجر وولده ثم دخل كمشبغا المنجكي نائب بعلبك في طاعة الناصري
ثم خرج ثلاثة عشر أميراً من دمشق على حمية طالبين حلب فأوقع بهم النائب
فانهزموا بعد أن خرج منهم عدة واستمروا ذاهبين إلى حلب، ثم اتفق من
بحماة من المماليك على قتل النائب بها فبلغه ذلك فهرب، فقام بيرم العزي
الحاجب فاستولى هو ومن معه على القلعة فتوجه منطاش وكان قد حضر عند
الناصري إلى حلب فسار إلى حماة فتسلمها وأرسلوا إلى الناصري بالطاعة،
ثم توجه سنقر نائب سيس إلى طاعة الناصري فعارضه خليل بن دلغادر
التركماني وقبض عليه وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم دخل سوط بن دلغادر
أمير التركمان ونعير أمير العرب في طاعة الناصري فأقام سناجق خليفته
ودعا إلى نصر الخليفة،
(1/365)
ولما تواردت هذه الأخبار إلى السلطان حبس
الخليفة في البرج فضيق عليه، ثم أفرج عنه في اليوم الثاني في ربيع
الأول واعتذر إليه ووعده بمواعيد جميلة لما بلغه أن الناصري ينقم عليه
حبس الخليفة ثم أرسل إليه دراهم وثياباً وضيق على ذرية الناصري بالحوش
وأنفق النفقات الكثيرة حتى حمل إلى كل واحد من الأمراء الكبار مائة ألف
درهم فضة قيمتها يومئذ أكثر من أربعة آلاف دينار وأحواله مع ذلك مضطربة
وتغيرت النيات عليه وشرع في إبطال الرمايات والمظالم، ونادى في هذا
الشهر بإبطال السلف على البرسيم والشعير وكان الناس يقاسون من ذلك شدة
عظيمة، وأمر بإبطال مكس القصب والقلقاس وقياس ذلك، ثم أعيد بعد قليل
وعزل موفق الدين ناظر الخاص عن نظر الجيش، وولاه جمال الدين المحتسب في
ربيع الآخر واستقر شرف الدين الأشقر في قضاء العسكر عوضاً عن جمال
الدين، فلم تطل مدته بل مات في ربيع الآخر كما سيأتي، فاستقر ابن خلدون
عوضه في مشيخته البيبرسية، واستقر سراج الدين محتسب مصر في قضاء العسكر
عوضاً عنه أيضاً واستقر في الحسبة همام الدين، واستقر شمس الدين
البلالي في مشيخة سعيد السعداء عوضاً عن ابن أخي الجار، ثم توجه
الجاليش السلطاني صحبة ايتمش وجركس الخليلي وينس الدوادار وغيرهم
فوصلوا إلى غزة فأمسكوا نائبها آقبغا الصفوي وحبسوه بالكرك، واستقر حسن
بن باكيش في نيابة غزة، ثم توجهوا إلى دمشق فتلقاهم نائبها، فأرسلوا
جماعة من العلماء غلى الناصري في الصلح فتوجهوا إليه، فأكرمهم وسار من
حلب إلى دمشق بمن معه من العساكر، فالتقاهم في تاسع عشر ربيع الآخر على
خان لاجين، فانكسر الناصري مرتين، فخامر أحمد بن يلبغا وايدكار الحاجب
وجماعة معهما وقاتلوا رفقتهم إلى أن كسروهم، وقتل جاركس الخليلي في
المعركة، وفر يونس فقتل بعد ذلك بالخربة، قتله عنقاء بن شطي من آل فضل،
ووقع في العسكر المصري النهب الشديد والقتل الذريع، وملك الناصري دمشق
وحبس أيتمش بالقلعة واحتاط على موجوده وراسل حسن بن باكيش الناصري
بالطاعة، وغمى
(1/366)
الناصري الأخبار على السلطان وواطأه مامور
نائب الكرك وحسن بن باكيش على ذلك، ومر أينال اليوسفي وأينال أمير آخور
وغيرهما بحسن بن باكيش هاربين إلى مصر فأمسكهم وحبسهم بالكرك، وكان
أينال اليوسفي قد هرب هو وأينال أمير آخور وصحبتهم نحوثمانين من
المماليك فوصلوا إلى غزة، فأكرمهم نائبها ثم كبس عليهم لما رقدوا
فأمسكهم جميعاً، ثم راسل الناصري بذلك، ولما بلغ السلطان ذلك أمر
الخليفة والقضاة وسودون النائب والحاجب الكبير بالركوب ومعهم موقع حكم
يقرأ ورقة فيها أن السلطان رفع المظالم وعرض الصلح على الباغي فامتنع
فاحترسوا على أنفسكم واعملوا في كل حارة درباً، ونادى في كل يوم بإبطال
مكس من المكوس المشهورة ثم لا يصح شيء من ذلك، وأمر بتحصين القلعة
واستعد للحصار وحصل مؤنة شهرين وأجرى الماء إلى الصهريج الذي بناه
بالقلعة، وخرج الناصري من دمشق بعد أن قرر في نيابتها جنتمر وهو أخو
طاز في سادس جمادى الأولى، فلما شاع ذلك راسل السلطان أمراء العرب من
الوجه البحري ومن الوجه القبلي فتباطؤا عنه، ثم حضر بعضهم وشرع في حفر
خندق تحت باب القلعة عند باب القراقة، وسدت خوخة أيدغمش وعملت الدروب
بالقاهرة فاستكثروا منها وأرسل إلى الأمير محمد بن علي أمير عرب العائد
يأمره بتحويل الإقامات التي كان جهزها لأجل العسكر ويخبره أنه وهبها
له، وكان مراده أن يلبغا الناصري تضيق عليه الأقوات والعليق فانعكس
الأمر ولم يتمكن المذكور من تحويل ذلك، ووصلت العساكر فلم يسعه إلا
تمكينهم من ذلك، وكان في الحواصل أربعة عشر ألف إردب شعير وثمانية آلاف
حمل تبن ونحو مائتي حمل حطب
(1/367)
وخطب في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى باسم
الخليفة المتوكل قبل السلطان، وتحالف الخليفة والسلطان على الموالاة
والمناصحة، ثم قدم على البشلاقي والي قطية منهزماً من عسكر الناصري في
أواخر جمادى الأولى فسد ابن الكوراني باب المحروق وباب الجديد فلما قرب
الناصري من الديار المصرية تسلل إليه الأمراء أولاً فأولاً فسار إليه
ابن سلار اللفاف رأس نوبة بركة ومحمد بن سندمر وقريبه جبريل وإبراهيم
بن قطلقتمر، ثم تسلل إليه محمد بن أيتمش ونزل الناصري بعساكره ظاهر
القاهرة في الثالث من جمادى الآخرة فخرج إليه سودون باق وقرقماش
الخزندار وجمهور الأمراء حتى لم يبق عند السلطان إلا ابن عمه قجماش
وسودون النائب وتمربغا المنجكي وسودون الطرنطاي وأبو بكر بن سنقر وصواب
السعدي مقدم المماليك في نفر يسير واختفى حسين بن الكوراني والي
القاهرة فعاث أهل الفساد بسبب ذلك وكسروا السجون وخزانة شمائل، وأرسل
السلطان إلى الناصري يطلب منه الأمان لنفسه، وذلك في يوم السبت ثالث
جمادى الآخرة فجاءه أبو بكر ابن أخت بهادر، فأمره أن يختفي قدر جمعة
لينكسر عنه حدة الأعداء ففعل ذلك واختفى ليلة الاثنين خامس جمادى
الآخرة، ووقع النهب في الحواصل التي بالقلعة وبالقاهرة وضواحيها
قليلاً، وكان أهل مصر أقل نبهاً من أهل القاهرة ودخل منطاش يوم الاثنين
إلى القلعة فأخذ الخليفة وتوجه إلى يلبغا الناصري بقبة النصر فطلعوا
جميعاً إلى القلعة وعرضوا المملكة على الناصري فامتنع، فاتفق الرأي على
إعادة حاجي ابن الملك الأشرف إلى السلطنة، وقيل إنهم رموا قرعة فخرج
اسمه فغيروا لقبه الأول ولقب المنصور، واستقر يلبغا الناصري مدبر
المملكة وسكن الاصطبل والطنبغا الجوباني رأس نوبة كبير ودمرداش الأحمدي
أمير سلاح وأحمد بن يلبغا أمير مجلس وتمرباي الحسني حاجب كبير
وآقبغا الجوهري استادار وقرقماش خزندار وظهر حسين بن الكوراني وأعيد
إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع
النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط
القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم
نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة
وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة
فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم
اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك
فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص
خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير
عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى
القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله
إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به
على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا
واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف
بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا
الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به
الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر
جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما
كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق
نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب
صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها،
وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري، وأعيدت المكوس كلها كما كانت،
ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق،
ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء
للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق
كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً. االجوهري
استادار وقرقماش خزندار
(1/368)
وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية
القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب
بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة،
ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب
من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري
والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته،
ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على
الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه
فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت
أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر
قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة
الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه
في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى
الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه
حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان
بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته
أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك،
ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع
الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه،
واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس،
وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم
الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين
الدين صاحب ديوان الناصري،
(1/369)
وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان
الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على
جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك
الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من
المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً.
وفي حادي عشرين جمادى الآخرة عرض الجوباني المماليك الظاهرية فأفرد
لخدمة السلطان مائة، نزلهم بالطباق وفرق البقية على الأمراء.
وفي وسط جمادى الآخرة ثار آقبغا الصغير بدمشق في أربعمائة فأوقع بهم
جنتمر فهزمهم على آقبغا فسجنه.
وفي سادس عشرين جمادى الآخرة أعيد شرف الدين علي بن قاضي العسكر إلى
نقابة الأشراف عوضاً عن الطباطبي.
وفي سلخ جمادى الآخرة كسرت جرار الخمر بالرميلة حملت من بيوت أسارى
الأرمن التي بالكوم قرب الجامع الطولوني.
وفي رجب جردت العساكر لردع عرب الشرقية الزهيرية لكثرة فسادهم.
وفي أول يوم منه ادعى على ابن سبع شيخ العرب بزفته بأشياء تنافي
الشريعة، وشهدت عليه جماعة عند قاضي القضاة ابن خير المالكي، فسعى له
جماعة إلى أن خلص ونقل إلى الشافعية فحكم بحقن دمه، ثم سعى به إلى أن
(1/370)
عقد له مجلس عند الناصري، فقال له ابن
خلدون الذي كان قاضي المالكية: يا أمير أنت صاحب الشوكة وحكمك نافذ،
فحكم بحقن دمه وغطلاقه فأطلق، وذلك في سادس هذا الشهر، وكان في الأيام
الظاهرية قد وقع له نظير ذلك فيقال إنه برطل بأربعمائة ألف درهم حتى
خلص، وكان القائم في أمره كريم الدين بن مكانس وهو يومئذ متولي أمر
ديوان الناصري، ومحب الدين ابن الإمام وهو شاهده، وغيرهم من خاصكيته
فاخرجوا ابن سبع من حبس ابن خير، وكان ممن حضر المجلس المعقود له في
الإصطبل الشيخ سراج الدين البلقيني والقضاة يومئذ ابن الميلق
والطرابلسي وابن خير ونصر الله، فجهد بهم الناصري أن يحكم أحد منهم
بقبول إسلامه وحقن دمه، فامتنع لكون ابن خير سبق بالحكم بإراقة دمه،
فلما أطلق ابن سبع بعد أن حكم الناصري بحقن دمه بحكم إسلامه ونفذه
القضاة توجه إلى بلاده، فاتفق إلى بلاده، فاتفق أنه دخل الحمام فدخل
عليه جماعة فقتلوه وذهب ذمه هدراً.
وفي هذا الشهر استقر شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي في قضاء الشافعية
بدمشق عوضاً عن سري الدين.
وفي ربيع الآخر مات الشيخ شرف الدين ابن الأشقر فاستقر في قضاء العسكر
عوضاً عنه سراج الدين القيصري، ثم انفصل منه في شهر رجب واستقر بدر
الدين محمود الكلستاني، وعزل همام الدين عن حسبة مصر، واستقر شمس الدين
بن العلاف فيها، وكان ابن العلاف يؤدب الأطفال بمصر وهو أحد من أقرأني
القرآن، ثم سافر إلى حلب واتصل بيلبغا الناصري، واستقر في إمامته ووصل
معه إلى القاهرة فولاه الحسبة، واستقر علاء الدين البيري موقع يلبغا
الناصري في توقيع الدست.
(1/371)
وفي ثامن رجب خلع على نعير أمير العرب خلعة
السفر، وكان قد قدم بعد العسكر على السلطان، وكان الظاهر برقوق قد عجز
فيه أن يحضر إلى مصر وهو يمتنع فحضر في هذه الدولة طوعاً، وشفع قبل أن
يسافر في جماعة من الأمراء فقبلت شفاعته وأطلقوا من السكندرية.
وفي ثامن رجب خلع السلطان على شخص خياط وقرره خياط السلطان، فبلغ ذلك
الناصري فأمر بإحضاره فنزع منه الخلعة وضربه ضرباً مبرحاً، فغضب
السلطان من ذلك ولم ينفعه غضبه، ثم أمر الناصري بتفرقة المماليك الذين
رتبوا في أطباق القلعة لخدمة المنصور على الأمراء، وأبطل المقدمين
والسواقين والطواشية ونحو ذلك وأراد انحلال أمر المنصور، فلما أن كان
في سادس عشر شعبان أظهر منطاش أنه ضعيف وكان خاطره قد تغير بسبب أشياء
سأل فيها فلم يجبه الناصري إليها وفهم من الناصري أنه يطلب السطلنة
لنفسه، فلما شاع ضعفه عاده الجوباني فقبض عليه، وركب إلى مدرسة حسن في
سبعة وثلاثين نفساً فنهب الخيول التي على باب السلسلة وأركبها المماليك
الذين معه فمر من عليهم آقبغا الجوهري، فأمر الزعر أن ينهبوا بيته
فهجموا إصطبله ونهبوا جميع ما فيه من خيل وقماش، وفر هو ولم يلبث منطاش
إلا وقد اجتمع إليه نحو خمسمائة نفس والتفت عليه من المماليك الأشرفية
والظاهرية وساعده العوام والزعر فنهب بيوت من خالفه، واشتد الحصار على
من بالإصطبل والقلعة ورموا عليهم من مأذنتي مدرسة حسن. ثم راسله
الناصري مع الخليفة في الصلح فامتنع وقال: هو الذي بدأ بالغدر ونكث ما
اتفقنا عليه فقويت شوكة منطاش وتابعه أكثر الأمراء فهرب الناصري وملك
منطاش الإصطبل وطلع إلى القلعة يوم الخميس تاسع عشر شعبان فاجتمع
بالسلطان فقال له: أنا مملوكك
(1/372)
ومطيع أمرك، وجلس حيث كان يجلس الناصري، ثم
أمسك الناصري من سرياقوس أو من ربهون في ذلك اليوم فأرسل إلى
الإسكندرية، وأرسل معه جماعة من الأمراء مثل الطنبغا المعلم ومأمور
الحاجب وآقبغا الجوهري وغيرهم، وأنفق منطاش على الذين قاتلوا معه
وساعدوه نحو عشرة آلاف درهم فضة جمعها من الحواصل الظاهرية، ومن
المصادرات، منها من جهة محمود وحده ألف ألف وخمسمائة ألف، ومن جهة
جاركس الخليلي ألف ألف وسبعمائة ألف، وجدت مودوعة له بخان مسرور في
حاصل مفرد، وكان أصل منطاش واسمه تمربغا وأخوه تمرباي عند تمراز
الناصري وكانا من أولاد الجند فخدما عند تمراز في دولة حسن وتربيا عنده
مع أبيهما وكان اسم تمرباي محمداً واسم منطاش أحمد، ثم خدم تمرباي عند
الأشرف وكبر في دولته، ثم من بعده إلى أن ولي نيابة حلب، ومات وتولى
منطاش نيابة ملطية، وكان الظاهر كلما هم بالقبض عليه فيخلصه منه قجماس
ابن عم السلطان لكونه لما مر عليه وهو مع التاجر الذي جلبه بالغ في
الإحسان إليه فكافأه، وكان ممن تعصب له أيضاً سودون باق لأنه كان في
خدمة تمرباي، ثم كاتب منطاش بالعصيان إلى أن كان منه ما كان، وقد تقدم
أن برقوق اشتراه من أولاد أستاذه واعتقه فكان ذلك عند منطاش لم يصادف
محلاً لأنه يعرف أصل نفسه.
وفي العشرين من شعبان قبض على ابن مكانس وعصر وصودر واختفى أخوه فخر
الدين، ثم ظهر ووعد بمال فأطلق على وظيفته، وأمر منطاش بصندل، فعذب على
ذخائر الظاهر، وعصر مراراً حتى دل عليها
(1/373)
وأخذ منطاش في تتبع المماليك الظاهرية
فأبادهم قتلاً وحبساً، وقرر في ولاية القاهرة حسين بن الكوراني بسؤال
العامة في ذلك بعد أن كان اختفى، وتولى نائبه محمد بن ليلى فعظم الضرر
بالزعر، فظهر حسين والتزم بتحصيل المماليك الظاهرية، فأعيد خامس شهر
رمضان بعد أن سأل العوام منطاش في إعادته بسبب الزعر ثم تتبع الزعر
فأبادهم، وكانت شوكتهم قد اشتدت لنصرتهم لمنطاش في قتال الناصري، وكان
قربهم وعرف فيهم عرفاء، وأنفق فيهم مالاً، ثم جهز منطاش أحمد البريدي
إلى الكرك لقتل برقوق، فلم يوافق النائب حسن الكجكني على ذلك، فاجتمع
أهل الكرك على نصر برقوق وبايعوه في تاسع شهر رمضان، فحصن الكرك وحكم
بها، فتسامع به أصحابه ومن كان يحبه فتسللوا إليه، فاجتمع له جمع كثير
نحو ألف فارس، وكاتبه نعير أمير آل فضل بالطاعة، وحضر إليه العشير من
عرب الكرك.
وفي تاسع رمضان خلع على محمود الاستادار، واستقر في وظيفته بعد أن أخذ
له من الأموال من عدة ذخائر ما يفوق الوصف ما بين كنابيش ذهب وطرز ذهب
وفرى سمور وسنجاب وفضة طوب، ومن الذهب البهرجة والفلوس شيء كثير، فلما
رأى ذلك وهو مختفي وفي كل يوم يظهر له ذخيرة ويحول إلى منطاش، ظهر
فأمسك وضرب وصودر على ألفي ألف درهم فضة، ثم أفرج عنه وأعيد إلى
وظيفته.
وفي سلخ رمضان جاء كتاب ابن باكيش نائب غزة إلى منطاش صحبة بدوي وجندي
أرسلهما إليه برقوق يدعوه إلى طاعته فسلمهما منطاش للوالي فقبلهما وعين
منطاش خمسة أمراء مقدمين وثلاثمائة مملوك للتوجه إلى الكرك لمحابة
برقوق.
(1/374)
وفي شوال عصى كمشبغا نائب حلب على منطاش،
فركب عليه إبراهيم بن قطلقتمر وشهاب الدين أحمد بن أبي الرضي قاضي حلب
مع جماعة من أهل بانقوسا، فانتصر عليهم وقتل الأمير والقاضي صبراً يعد
أن أحضره إلى جهة الشام وقتل جماعة ممن ساعدهم.
وفي ذي لبقعدة توجه برقوق من الكرك ومن أطاعه، وقام علاء الدين المقيري
الذي ولي بعد ذلك السر، وهو أخو قاضي الكرك، فخدمه ووقع عنه في تلك
الأيام، وأعانه أخوه عماد الدين قاضي الكرك بالمال، ثم ندم أخوهما ناصر
الدين واجتمع بأخيه عماد الدين وأكابر أهل الكرك وخشوا من عاقبة برقوق
وإنكار السلطان عليهم ما فعلوه فاتفقوا على أن يقبضوا على برقوق وأن
يكون ذلك عذراً لهم عند السلطنة، فأغلقوا باب الكرك بعد أن أخرج برقوق
إيناته وعسكره وتأخر هو ليكمل بقية مهماته، فلما وصل إلى الباب وجده
مغلقاً، فاستعان بعلاء الدين على إخوته حتى فتح له، وتوجه إلى جهة غزة
في أواخر شوال فالتقاهم حسين بن باكيش نائب غزة فقاتلهم فهزموه، وتوجه
برقوق إلى دمشق ليحاصرها، فبلغ ذلك جنتمر نائب الشام فجمع العساكر
فالتقى بالظاهر بشقحب فكسره، ثم رجع الظاهر عليهم بكمين فكسرهم وقتلت
بينهم مقتله عظيمة، وساق خلفهم إلى دمشق، فهرب جنتمر إلى القلعة وتحصن
بها وتوجه خلق كثير من المهزومين إلى جهة القاهرة، واستمر الحصار على
دمشق، ونزل الظاهر بقبة يلبغا وهو في غاية الوهن من قلة الشيء، فبلغ
كمشبغا نائب حلب خروجه من الكرك، فأرسل إليه مائتي مملوك فقوي بهم ثم
حضر ابن باكيش وقد جمع من العشير والترك شيئاً كثيراً، فواقعه الظاهر
فكسره واحتوى على جميع أثقاله، فقوي بذلك قوة ظاهرة وتسامع به مماليكه،
ومن كان له فيه هوى فتواتره عليه حتى كثر
(1/375)
جمعه ثم هجم برقوق ومن معه على دمشق
فدخلوها، فرمى عليهم العوام الحجارة والمماليك السهام فكسروهم، ونهب
العامة وطاقه في الميدان حتى لم يبق لهم خيمة واحدة، وباتوا في تلك
الليلة تحت السماء، وكل واحد قد أمسك عنان فرسه بيده، فأصبحوا في شدة
عظيمة ويئسوا من أنفسهم، فوصل إليهم في تلك الحالة إينال اليوسفي
وقجماس ابن عم السلطان ومعهم نحو مائتي نفس من مماليك الظاهر مستعدين
بالسلاح وصلوا إليه من صفد، وكان السبب فيه أن يلبغا السالمي وهو من
مماليك الظاهر خدم دوادارا عند قطلوبك النظامي النائب بصفد، فلما بلغه
توجه الظاهر من الكرك ووقعته بشقحب وتوجهه إلى دمشق اتفق مع من كان
هناك من مماليك الظاهر أنهم يتوجهون إلى الظاهر، فتجهزوا وأعانهم، فبلغ
ذلك النائب فخرج من ورائهم ليردهم، فعمد يلبغا إلى الحبس فأخرج منه
اينال اليوسفي وجمعاً من المسجونين فملكوا القلعة فلما رجع النائب سقط
في يده وهرب، فنهبوا حواصله وتوجهوا إلى برقوق فوجدوه نازلاً على قبة
يلبغا في الحالة المذكورة فكانوا له فرجاً عظيماً، فقوي بهم ورجعوا إلى
حصار دمشق.
وفي الثاني عشر من ذي الحجة وصل كمشبغا الحموي من حلب فنزل مرج دمشق،
فتلقاه مماليك الظاهر فحضر عند الظاهر وقدم له أشياء كثيرة، فقويت
أحوال الظاهر بعد أن كادت تتلاشى، ومن جملة من قدم معه بكلمش العلاي
وبهادر مقدم المماليك.
وفي شعبان قبض منطاش على عنان بن مغامس أمير مكة وحبسه مقيداً، ولما
بلغ نعير بن حيار أمير العرب مسك الناصري اتفق هو وسولى بن دلغادر
وخرجا عن الطاعة.
وفي عاشر رمضان قتل أهل الكرك الشهاب أحمد البريدي، وكان من أولاد أهل
الكرك، فتزوج بنت العماد أحمد بن عيسى قاضي الكرك، ثم طلقها أبوها منه،
فوصل حتى خدم عند منطاش، فجهزه بعد أن حكم بقتل برقوق، فقدم الكرك
فتوعد قاضيها وأهلها بكل سوء،
(1/376)
فاتفق أن النائب بها لم يوافق على قتل
الظاهر، وماطله بذلك أياماً، فبلغ ذلك أهل الكرك، فتعصبوا للظاهر
وهجموا على أحمد البريدي، فقتلوه واشتد الأمر على منطاش لما سمع هذه
الأخبار وتهيأ للتجهيز وخرج بجمع عظيم من القاهرة، واخرج معه القضاة
والخليفة والسلطان وفرق الحواصل وباع جميع الغلال وغيرها بأبخس ثمن
وحصل للناس من ذلك شر كبير، ثم اقترض من مال الأيتام خمسمائة ألف درهم،
ورتبت فتيا صورتها: رجل خرج على الخليفة والسلطان وشق العصا وقتل
شريفاً في الحرم الشريف واستحل الأموال والأنفس إلى غير ذلك، فكتب
عليها العلماء والقضاة بجوار قتاله ودفعه عن ذلك، وامتنع الركراكي من
الكتابة، وناظر على ذلك فغضب منه منطاش وأهله وسجنه في البرج مع مماليك
الظاهر بالقلعة.
وفي ذي الحجة استقر عبد الله العجمي في قضاء العسكر عوضاً عن سراج
الدين عمر.
وفيها اعتقل زكريا الذي كان الظاهر عمله خليفة، وكتبوا عليه إشهاداً
بأنه لا يسعى في الخلافة بعد، وانسلخت هذه السنة والظاهر على حصار دمشق
ومنطاش سائر بالعساكر إلى جهته، وبالغ القاضي شهاب الدين القرشي في
التحريض على برقوق، وكان يرتب من يسبه على الأسوار، وكان لا ينزل من
مخيمه، بل كان اينال اليوسفي ومن معه يباشرون القتال وخرب ما حول دمشق.
وفي غضون ذلك وصل إليهم كمشبغا من حلب ومعه عسكر ضخم، فنزل بالمرج شرقي
دمشق، ثم وصل إلى برقوق في ثاني عشر ذي الحجة كما تقدم، ففرح به وقدم
له خيمة سلطانية وخيولاً وأمتعة وجمالاً فاستقام أمره.
(1/377)
وفيها كانت الوقعة بين التركمان فتحارب
كبيرهم قرا محمد صاحب تبريز وقرا حسن بن حسين بك، فقتل قرا محمد في
المعركة، وانهزم أصحابه وغنم يار حسين ومن معه ما كان معهم وذلك في
ربيع الآخر، وتأمر يار حسين على التركمان، ثم اجتمع الكل وأمروا عليهم
نصر خجا بن قرا محمد واستنجدوا بصاحب ماردين وغيره.
وفي ثالث عشرين المحرم استقر جلال الدين بن نصر الله البغدادي في تدريس
الحديث بالظاهرية الجديدة عوضاً عن الشيخ زاده، واستقر ولي الدين بن
خلدون في تدريس الحديث بالصرغتمشية عوضاً عن ابن نصر الله المذكور.
وفي أول شعبان أمر نجم الدين الطنبذي المحتسب أن يزاد بعد كل أذان
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما يصنع ذلك ليلة الجمعة بعد
العشاء فصنعوا ذلك إلا في المغرب لضيق وقتها بزعمهم.
وفي سادس شعبان وهو سادس مسرى أو في نيل مصر.
وفيها اجتمع الأمراء والمماليك الذين نفوا إلى قوص، فأمسكوا والي قوص
وساعدهم حسين بن قرط والي أسوان ومبارك شاه الكاشف، فأرادوا التوجه من
البر الشرقي إلى جهة السويس ليتوصلوا إلى الكرك، لما بلغهم خروج الظاهر
وخلاصه من السجن، وكان ذلك في شوال، ففر منهم حسين بن قرط ووصل في سادس
ذي القعدة وأخبر أن مبارك شاه إنما وافقهم خوفاً على نفسه، وانه فر
منهم، وأرسل منطاش جماعة من الأمراء إليهم فأمسكوا نحو الثلاثين
(1/378)
منهم، وتفرق من بقي شذر مذر وأحضروا
المأسورين، فأمر بحبسهم وتجهز منطاش بالعساكر في أواخر ذي القعدة، وكان
سفرهم في سادس عشر ذي الحجة.
وفي الحادي عشر من شوال اجتمع العوام فشكوا من المحتسب، فأحضره منطاش
وضربه مائتي عصا وعزله، وقرر عوضه سراج الدين عمر القيصري.
وفي شوال تزوج منطاش ستيتة بنت الملك الأشرف أخت السلطان المنصور فزفت
عليه، وكان جهازها على خمسمائة جمال، وعلق برأسها ليلة الزفاف ديناراً
زنته مائتا مثقال، ثم ديناراً زنته مائة مثقال.
وفي ثالث عشر شوال استقر شمس الدين السلاوي الدمشقي في قضاء الشافعية
بالمدينة عوضاً عن الشيخ زين الدين العراقي.
وانتهت زيادة النيل هذه السنة إلى ثمانية عشر إصبعاً من عشرين ذراعاً
وثبت إلى تاسع بابه، وذلك في شوال منها.
وفي ثالث عشرين شوال قبض على نور الدين الحاضري، وضرب وعصر وسجن لكونه
كان مباشراً عند أخت الملك الظاهر وأفحش حسين الوالي ابن الكوراني في
أخت الملك الظاهر وأولادها، ومن يقوم من جهتهم.
وفي حادي عشرين شوال استقر أبو الفرج في الوزارة وكريم الدين بن الغنام
في نظر الخاص بعد استدعاء شمس الدين بن المقسي، وعرضت عليه الوظيفتان
معاً فامتنع، ثم استعفى ابن الغنام وقبض عليه وصودر على ثلاثمائة ألف
وأضيف نظر الخاص إلى موفق الدين.
(1/379)
وفي إمارة منطاش ثارت الفتنة بين أمراء
العرب وأمراء التركمان والمماليك المنفيين، ثم اتفقوا كلهم على العصيان
فقاتلهم مبارك شاه نائب الوجه القبلي فهزمهم.
وفي سلخ شوال استقر القاضي صدر الدين المناوي أحد نواب الشافعية في
القضاء عوضاً عن ناصر الدين ابن بنت الميلق، وقرأت بخط القاضي تقي
الدين الزبيري، وأجازنيه أن السبب في ذلك أن ديناراً اللالا الأشرفي
كان وقف رزقه على جامع المارداني، وكان القاضي ناصر الدين يومئذ يعمل
فيه الميعاد للعامة ففوض إليه نظرها، فلما غلب منطاش على الملك
استعظمها لأنها كانت قديماً أقطاعه فعارضه فيها القاضي وكرر السؤال في
أمرها، فقيل لمنطاش إن الحدود التي في كتاب الوقف مغايرة لحدود الطين
المذكور، فعرض ذلك على القاضي فصمم على أنها وقف، فغضب وعزله وولي
المناوي وكان أحد من ينوب في الحكم عن ابن بنت الميلق فأقام أربعين
يوماً، ثم حصلت حركة منطاش إلى الشام فرام من المناوي أن يقترض ما في
المودع من الأموال فامتنع فعزله، وقرر بدر الدين بن أبي البقاء بعد أن
كان بدر الدين سعى في قضاء دمشق وكتب توقيعه عوضاً عن سري الدين وأفردت
لسري الدين المشيخة وخطابة الجامع، ثم بطل أمر بدر الدين عن دمشق،
واستقر في قضاء الشم شهاب الدين القرشي، قرأت بخط القاضي تقي الدين
الزبيري، عزل المناوي بعد أن نزل منطاش بالريدانية، وخلع على بدر الدين
هناك، فدخل القاهرة وهو بالخلعة، واستناب صدر الدين ابن رزين في غيبته،
وكان صاهر عنده وقرر ولده جلال الدين في إفتاء دار العدل فكانت مدة
ولاية المناوي وهي الأولى نحو أربعين يوماً.
(1/380)
وفيها مات المنتصر ابن أبي حمو موسى بن
يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الواد، وكان تأمر وأبوه حي، ووقع بينه وبين
أخيه أبي تاشفين لما أن خرج على أبيهما حروب.
وفي ذي الحجة سنة إحدى وتسعين بعث أبو العباس المريني ملك فاس ولده أبا
فارس عبد العزيز والوزير محمد بن يوسف بن علان نصرة لأبي تاشفين
لاستنقاذ تلمسان من يد أبي حمو والد أبي تاشفين وكان أبو تاشفين انتصر
به على أبيه، فسلم موسى بن يحلف عسان من قبل أبي تاشفين، ثم أسل والده
أبو حمو عميراً إلى تلمسان فسلمها له أهل البلد، فقبض على موسى بن يحلف
فقتل، فواقعه الوزير بن علان في عساكر بني مرين فانهزم منهم، فكبا به
فرسه فسقط فقتل في أول السنة الآتية.
ذكر من مات
في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن علي بن إبراهيم الشامي المعروف بابن الحلوى الواعظ، كان
أبوه بالقاهرة يبيع الحلوى، وأصله من الشام، فنشأ ولده هذا فولع بعمل
المواعيد من صباه فمهر، وكان حسن الصوت، طيب النغمة، جيد الأداء، مليح
الوجه، قوي الذهن، فراج سوقه وحج مراراً وجاور وامتحن بيد الجار الهندي
ثم خلص، ولم يزل على حاله في الكلام على الكرسي إلى أن مات في تاسع صفر
منها.
إبراهيم بن قطلقتمر كان ممن يتعصب على الظاهر فقتله كمشبغا بحلب صبرا.
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز القاضي نجم
الدين بن الكشك، ولي الحكم بالقاهرة عاضاً عن ابن التركماني ثم عزل
بابن عمه صدر الدين، ثم ولي الحكم بدمشق سنة سبع وسبعين، ثم عزل ثم
أعيد ثم قتل بالصالحية بيد شخص مجنون وذلك في مستهل ذي الحجة.
أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا
(1/381)
شهاب الدين أبو العباس ابن أبي الرضا
الشافعي الحلبي أصله من. كان من أعاجيب الزمان في الذكاء وولي قضاء حلب
في سنة. بالغ الحافظ برهان الدين محدث حلب في الثناء على فضائله فقال:
كان أوحد العلماء، مشاركاً في علوم كثيرة، شرح العضد ونظم غريب القرآن،
وكان يحافظ على الجلوس في الجامع لا يخرج منه إلا لحاجة، ويكاد يستحضر
شرح مسلم للنووي، ومعالم السنن للخطابي، ويستحضر مذاهب غريبة مع حسن
محاضرة ولطافة شكل وتنزه نفس، وكان يعظم أهله ولا يستكثر عليهم شيئاً
ولا يقدم عليهم أحداً، ومن إنشائه غريب القرآن منظوم سماه عقد البكر في
نظم غريب الذكر أجاد فيه ورثاه الشيخ حميد العابر بخمس يعاد فيه، وكان
قد ولي القضاء بحلب فاشتهرت فضائله، وفاق الأقران، فلما كانت كائنة
برقوق وخروج يلبغا الناصري عليه ثم عاد من سجن الكرك إلى أن تسلطن
ثانياً ذكر له كمشبغا الكبير ما كان يبدو من هذا القاضي وغيره في حقهم،
فنقم عليه وأمر بحمله إلى القاهرة فاغتيل في الطريق وقتل ظلماً بخان
شيخون بين المعرة وكفر طاب فقرأت بخط العيني في تاريخه: قتل شر قتله.
وكان ذلك أقل جزائه لأن الظاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولاه
القضاء من غير بذل ولا سعي، فجازاه بأن أفتى في حقه بما أفتى وقام في
نصر أعدائه بما قام، وشهر السيف وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي:
قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم، فإن الظاهر من
المفسدين العصاة الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلاً إلى غير ذلك،
قال: فجازاه الله بالإهانة والذل والإخراج من وطنه بهيئة قطاع الطريق
والرمي في البرية بغير غسل ولا كفن ولا صلاة، وقال في حقه أيضاً: إنه
كان عنده بعض شيء من العلم ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان
مولعاً بثلث أعراض الكبار، وكان باطنه رديئاً وقلبه خبيثاً، قال: وسعت
أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة.
أحمد بن عمر بن محمود بن سلمان بن فهد، شهاب الدين بن زين الدين بن
الشهاب، الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط، ولد سنة عشر أو نحوها،
وسمع من أمين الدين محمد بن أبي بكر بن النحاس وغيره، ووقع في الدست
وكان أكبرهم سناً وأقدمهم،
(1/382)
مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة،
ولم يحدث شيئاً، وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدين بن الجزري بقوله:
باكر إلى دار عدل جلق يا ... طالب خير فالخير في البكر.
فالدست قد طاب واستوى وغلا ... بالقرع والقنبيط والجزر.
وأشار بالقنبيط إلى هذا وبالجزر إلى نفسه وبالقرع إلى أبي كبر بن محمد
الآتي ذكره سنة أربع وتسعين، وقال ابن حجي: كان سمح النفس، كثير التبسط
في المآكل والملابس.
أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين، إمام الشامية البرانية، كان من نبلاء
الطلبة الشافعية، مات في ذي الحجة.
أحمد بن محمد، محب الدين المعروف بالسبتي، انقطع بمصلى خولان ظاهر مصر
بالقرافة، وكان معتقداً ويشار إليه بعلم الحرف والزيجات، مات في
العشرين من صفر عن سن عالية، أظنه جاوز الثمانين، رأيته بالمصلى في يوم
عيد، وكان حسن السمت.
أحمد بن موسى بن علي، شهاب الدين بن الوكيل، عني بالفقه والعربية وقال
النظم فأجاد، وكان سمع بمكة من الجمال ابن عبد المعطي المكي، وبدمشق من
الصلاح ابن أبي عمر، ومن شيوخه في العلم: صلاح الدين العفيفي، ونحم
الدين ابن الجابي، وجمال الدين الأسيوطي، وشمس الدين الكرماني، أخذ
عنهم بمكة، وكان يتوقد ذكاء، مات بالقاهرة في صفر.
أحمد بن أبي يزيد بن محمد السراي الشهير بمولانا زاده الحنفي شهاب
الدين بن ركن الدين، قال الشيخ بدر الدين الكلستاني في حقه ومن خطه
لخصت: ولد في عاشوراء
(1/383)
سنة 754 وكان والده كثير المراعاة للعلماء
والتعهد للصالحين، وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوضوا إليه النظر على
أوقافهم، فكان تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا
لعياله شيئاً وكان يقول: إنما أتحدث لهم وأتجنبه ليرزقني الله ولداً
صالحاً، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين، وخلف ولده هذا ابن تسع سنين، وقد
لاحت آثار النجابة عليه، فلازم الاشتغال حتى اتقن كثيراً من العلوم،
وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين، ثم رحل من بلاده فما دخل
بلداً إلا عظمه أهلها لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية ودقائق
العربية والمعاني، وكانت له مع ذلك يد طولى في النظم والنثر، ثم حبب
إليه السلوك فبرع في طريق الصوفية، وحج وجاور ورزق في الخلوات فتوحات
عظيمة، واخبر عن نفسه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تسليما في
المنام فاستقرأه أوائل سورة البقرة، ثم قدم القاهرة، ثم رجع إلى
المدينة فجاور بها ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء، واستقر مدرساً
للمحدثين بالظاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين، وقرر مدرساً
بالصرغتمشية في الحديث أيضاً، قال الكلستاني: ثم إن بعض الحسدة دس إليه
سماً فتناوله فطالت علته بسببه إلى أن مات في المحرم، ومن كلامه الدال
على ذكائه قوله: أعجب الأشياء عندي البرهان القاطع الذي لا مجال فيه
للمنع والشكل الذي يكون لي فيه فكر ساعة.
ومات فيها من الترك ونحوهم أرنبغا التركي مقدم البريدية، مات في صفر.
واشقتمر المارداني نائب حلب وليها مراراً، وولي تقدمة الشام مرتين، ثم
أصيب بوجع رجليه فعزل وأقام بحلب بطالاً إلى أن مات في شوال،
(1/384)
وكان أصله لصاحب ماردين فقدمه للناصر حسن،
وكان عارفاً بتحصيل الأموال، محباً في العمائر وله مدرسة بحلب، ولي
نيابة طرابلس وحلب ودمشق مراراً، وقيل إنه كان يحسن ضرب العود.
وبزلار العمري، كان من مماليك الناصر حسن، فرباه مع أولاده ثم تقدم،
وولي النيابة بدمشق، وكان شجاعاً فطناً مشاركاً، مات بقلعة دمشق
مسجوناً.
وتلكتمر كاشف الجسور في أول السنة.
جركس بن عبد الله الخليلي كان تركماني الأصل، أصله من مماليك يلبغا،
وتقدم عند الظاهر، وكان حسن الشكل مهيباً مع الرأي الرصين والعظمة،
وكان له في كل يوم خبز يتصدق به على بغلين يدور بهما أحد مماليكه
بالقاهرة على الفقراء وبمكة والمدينة، وولاه الظاهر أمير آخور بتقدمة
ألف، وقرره مشير الدولة وخلف أموالاً كثيرة جداً، وكان بإحدى رجليه داء
الفيل، قتل في المعركة بالربوة ظاهر دمشق.
حسن بن علي بن قشتمر أحد أمراء العشرات بالقاهرة، لم يتأمر من أخوته
غيره، وكان شاباً حسن الشكل.
الحسين بن عبد الله الحبار بالمهملة ثم الموحدة الشيخ المشهور
بالشاذلي، كان يتكلم على الناس، وحفظت عنه كلمات فيها إشكال وكان للناس
فيه اعتقاد زائد. مات في ربيع الأول.
صراي الطويل، أخو بركة، تقدم ذكره في الحوادث وأنه نم على أخيه عند
برقوق وحظي عند فأقره على إمرته إلى أن مات في ربيع الأول.
سودون المظفري نائب حماة ثم حلب، تقدم ذكره في الحوادث، وكان أصله عند
قطلوبغا المظفري نائب حلب، وباشر عند جرجي الإدريسي خزندار ثم انتقل
إلى أن ولي نيابة حماة ثم نيابة حلب في سنة سبع وثمانين، ثم اتصل
بيلبغا الناصري واستقر أتابكا بها إلى أن وقع بينه وبين الناصري فقتل
سودون المذكور،
(1/385)
وكان خيراً عارفاً يحب العلماء وأهل الخير
ويقربهم ويكثر البر والمعروف ويكره الشر جملة مع العبادة وكثرة السكون
رحمه الله تعالى.
عبد الله بن محمد بن تاج الدين بن قطب الدين بن صورة، ولد قبل العشرين،
واشتغل وناب في الحكم وخطب، وكان بهي الشكل وقوراً، مات في.
عبد الله بن العلامة علاء الدين مغلطاي التركي المسند جمال الدين، سمع
بإفادة أبيه الكثير من مشايخ عصره، وحدث، سمع منه أصحابنا.
عب الخالق بن محمد بن محمد الشعيبي بالمعجمة والموحدة مصغراً
الإسفراييني أبو المعالي صدر الدين، ويقال له أيضاً: محمد، ولد سنة
أربع وثلاثين، وكان عارفاً بالفقه على مذهب الشافعي، وحدث بكتاب
المناسك تصنيف أبيه عنه، وشرح منه قطعة، وجمع هو كتاباً في المناسك
أيضاً كثير الفائدة. وكان مشهوراً ببغداد، مات بفيد منصرفاً من الحج في
المحرم.
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي القاضي جمال
الدين خير، سمع من ابن المصفى والوادياشي وغيرهما، وكان عارفاً بالفقه،
ديناً، خيراً، ولي الحكم فحمدت سيرته، قرأت عليه شيئاً، مات في سابع
عشر رمضان، واستقر بعده تاج الدين بهرام الدميري في قضاء المالكية
بعناية الخليفة المتوكل.
عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين، نجم الدين الحموي
الأصل، القاهري، سمع الصحيح من وزيرة والحجار وسمع من غيرهما وحدث،
سمعت عليه بمصر، مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة.
عبد السلام السلاوي، المعروف بالهندي.
(1/386)
عبد القادر بن سبع، تقي الدين البعلبكي،
عني بالعلم وحصل ودرس وألف مختصراً في الأحكام، وولي قضاء بعلبك فلم
يحمد في القضاء، مات بدمشق.
عبد الوهاب بن إبراهيم بن حراز، تاج الدين الوزير، وزر بدمشق سنة خمس
وسبعين، ومات في صفر.
عبد الوهاب بن عبد الله الوزير علم الدين المعروف بابن كاتب سيدي
القبطي، كان كاتباً مطيقاً، باشر الوزارة بلين زائد، ولكن مشت أحواله،
لأنه ولي عقب شمس الدين ابن كاتب ارلان، وكان أراد القبض على كريم
الدين، ابن الغنام فسعى ابن الغنام واستقر في الوازارة عوضه وقبض عليه
وصادره، وذلك في شهر رمضان سنة تسعين، فمات في المحرم سنة إحدى.
علي بن أحمد بن محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي، فخر
الدين، ولد سنة أربعين، وسمع الكثير، ولازم ابن مفلح فتفقه عنده وخطب
بالجامع المظفري، وكان أديباً ناظماً ناثراً منشئاً، له خطب حسان ونظم
كثير وتعاليق في فنون، وكان حسن المباشرة، لطيف الشمائل، وهو القائل:
حماة حماها الله من كل آفة ... وحيا بها قوماً هم بغية القاصي.
لقد لطفت ذاتاً ووصفاً ألا ترى ... دواليبها خشب تبكي على العاصي.
مات في جمادى الآخرة.
علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي، كان عارفاً بالنحو ببلاد اليمن
مات بعدن في صفر.
عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي، الشيخ شرف
الدين الأشقر الحنفي، أصله من تركمان البلاد الشمالية، واشتغل في بلاده
قليلاً، ثم قدم القاهرة
(1/387)
في دولة الأشرف فصحب الملك الظاهر قبل أن
يتأمر، وكانت له به عناية، يعرفه من بلاده فلما كبر قرره إماماً عنده،
وتقدم في دولته، وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية، وكان
حسن الهيئة، مشاركاً في الفضائل، جيد المحاضرة، مات في رابع عشري ربيع
الآخر عن نحو خمسين سنة.
علم دار الناصري، خدم الملك الناصر محمداً فمن بعده، ثم مات بطالاً
بدمشق، وكان ملازماً لحضور الجماعات والخوانق، كثير التلاوة والذكر،
وله أثار حسنة بمصر ودمشق في ترميم السبل والخانات، جاوز الثمانين وهو
آخر من مات من مماليك الناصر.
عيسى بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي أخو علي الماضي قريباً، كان
عارفاً فالفرائض، مات في عدن.
مثقال الساقي سابق الدين الزمام، كان أصله من خدم المجاهد صاحب اليمن،
ثم صار لحسين بن الناصر وخدم عند زوجته أم الأشرف إلى أن ماتت، فاستقر
لال أمير حاج بن الأشرف، ثم صار مشيد الحوش ثم استقر زماماً وعظم قدره
في دولة الأشرف، وعمر المدرسة المشهورة بالقاهرة، فلما قتل الأشرف صودر
وأهين ثم استوطن المدينة بعد التردد إلى مكة وإلى القدس مراراً، ومات
في آخر ذي القعدة ببدر طالباً للحج.
محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون، محب الدين بن بدر الدين اليعمري
المغربي ثم المدني المالكي، كانت له عناية بالعلم، وولي قضاء بلده ولم
يجاوز الخمسين.
محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي، تقي الدين، اشتغل ودرس مكان
عمه أحمد في الأمينية وغيرها، وأفتى ودرس وولي قضاء بعلبك وطرابلس ولم
يكن مرضياً في سيرته، وجمع كتاباً في الفقه مع قصور في فهمه، وكان يكتب
خطاً حسناً ويقرأ في المحراب قراءة جيدة ويخطب بجامع رأي العين، مات في
المحرم.
(1/388)
محمد بن علي بن أحمد بن عبد الغفار عز
الدين بن كسيرات الكاشف، سمع المطعم والحجار وغيرهما.
محمد بن عمر بن رسلان البلقيني بدر الدين أبو اليمن ابن الشيخ سراج
الدين، كان أعجوبة في الذكاء والفطنة، ولد سنة نيف وخمسين ونشأ محباً
في الاشتغال، فمهر وهو صغير ودرس وناظر، وكان لطيف الشكل حسن الصورة
جداً جميل المعاشرة، وكان أبوه معجباً به، مات في سابع عشرين شعبان
وتألم أبوه عليه كثيراً وقد باشر قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وعدة
تداريس.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهندي ثم المكي الحنفي، سمع من عز الدين
بن جماعة وغيره، وكان فاضلاً في مذهبه كثير الخروج إلى الحل للعمرة،
وله حظ من خير وعبادة، مات فيها أو في التي قبلها.
محمد بن محمد بن محمد الشعيبي، تقدم في عبد الخالق.
محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري، شمس الدين، ابن أخي جار الله
الحنفي، قدم القاهرة ولازم عمه وغيره في الاشتغال، وولي إفتاء دار
العدل ومشيخة سعيد السعداء، وكان بشوشاً حسن الأخلاق عالماً بكثير من
المعاني والبيان والتصوف، مات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين.
محمد بن مسعود الشريف الحسني الينبعي.
محمود بن عمر بن عبد الله العجمي الشيخ سعد الدين التفتازاني، ولد
(1/389)
سنة 712، وأخذ عن القطب وغيره وتقدم في
الفنون، واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه، وله شرح العضد
وشرح التلخيص وأخر أطول منه، وشرح على المفتاح وشرح على التنقيح،
وحاشية على الكشاف وغير ذلك، مات بسمرقند.
منهاج الدين الرومي الحنفي، كان أعجوبة في قلة العلم والتلبيس على
الترك في ذلك، قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية بمدرسة أم الأشرف، قال
لنا شيخنا ناصر الدين بن الفرات: حضرت درسه مراراً فكان لا ينطق بكلمة
بل إذا قرأ القارئ شيئاً استحسنه وربما تكلم بكلام لا يفهم منه شيء،
مات في رابع عشرين ربيع الأول.
نوغاي العلاي كان من أمراء الطبلخاناة، ثم ولاه الظاهر أمير علم فاستقر
في ذلك إلى أن مات.
يونس بن عبد الله التركي الدوادار، كان من عتقاء جرجي نائب حلب، ثم خدم
عند يلبغا ثم اسندمر ثم تقدم عند برقوق، وتنقل إلى أن أعطى تقدمة ألف
وباشر الدويدارية في إمرته، ثم في سلطنته بمهابة عظيمة وحرمة، وكان
ديناً، كثير الصلاة والصيام، مكرماً للفقهاء وللفقراء، وهو صاحب خان
يونس بطريق الشام بالسلفة بالقرب من غزة، قتل بعد الوقعة المقدم ذكرها
في ثاني عشرين ربيع الآخر، وله بضع وستون سنة، وترك ملقى على قارعة
الطريق، فدفنه بعد ذلك شخص من أصاغر مماليكه على ما أخبرني به في
الطريق، وكان قد بنى تربة معظمة بمصر وأخرى بالشام فلم يقدر دفنه في
واحدة منهما، وكان مقدم العساكر المصرية في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
لما حاصروا برهان الدين بسيواس، ثم كان مقدم العساكر في هذه الكائنة
فقتل على يد عنقاء بن شطي أمير آل مري.
(1/390)
//الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة
استلهت وبرقوق محاصر دمشق والعسكر المصري متوجه صحبة منطاش ومعه
السلطان المنصور والخليفة والقضاة إلى دمشق، وكان وصول العسكر المصري
إلى غزة في ثاني المحرم، وفي السادس منه أمر نائب الغيبة صراي تمر أن
تؤخذ خيول الناس من الربيع فتجهز إلى منطاش فأخذ شيء كثير وجهز، وفي
الثامن منه نودي بزينة القاهرة ومصر، ووصل في الصورة الظاهرة بريدي معه
كتب تتضمن أن برقوق هرب، وفي هذا الشهر بلغ النائب أن جماعة من
المماليك الظاهرية أرادوا القيام عليه فكبس عليهم بالبرقية فأمسك منهم
جماعة ثم تتبع المماليك الظاهرية وألزم الوالي التنقيب عليهم فبالغ في
ذلك، وأفرط إلى أن كان ذلك أعظم الأسباب وانحراف الظاهر عنه وغضبه عليه
بعد ذلك، وكان قد كبس على أخت الظاهر وأخذ ولدها منها فحبسه بالقلعة
وأخرجها بين العامة إلى باب زويلة إلى أن وقعت فيها الشفاعة وفي حادي
عشر المحرم وصل العسكر المنصوري إلى وادي شقحب فرجع إليهم برقوق من
دمشق فالتقوا فحمل منطاش على ميسرة الظاهر فهزمها وحمل بعض أصحابه على
الميمنة فهزمها أيضاً واشتغل الجهتان ومن تبعهما باتباع المنهزمين فخلا
القلب من مقاتل فحمل برقوق ومن معه على من بقي فانهزموا فاحتوى على
الخليفة والسلطان والقضاة وجميع أهل الدولة ونهب من معه جميع الأثقال
واحتوى على الخزائن كلها،
(1/391)
وأما منطاش وأصحابه فلججوا في اتباع
المنهزمين إلى أن ظفروا بمن ظفروا به منهم وفاتهم من فاتهم واستمر
كمشبغا وكان فيمن انهزم ومعه جمع كثير إلى أن وصل إلى حلب فبادر وملك
القلعة ولما رجع العسكر المصري إلى معسكرهم وجدوا برقوق قد احتوى عليه
فتناوشوا القتال أيضاً فعمد برقوق فأقام جاليش منطاش وجمع الذين احتوى
عليهم تحته فصار كل من يأتي من العسكر يظن أن منطاش هناك تحت العصائب
فأما أن يوافق فيسلم وأما أن يخالف فيقتل، فلما وصل منطاش ورأى صورة
الحال ناوشهم القتال نهاره أجمع، فلما دخل الليل أقبل أكثر من معه إلى
الظاهر فرجع منطاش إلى جهة دمشق وأقام الظاهر بشقحب أياماً فعدمت
الأقوات حتى بيعت البقسماطة بخمسة دراهم ورخصت الأمتعة من كثرة ما نهب
حتى بيع الفرس بعشرين درهماً، فلما رأى الظاهر ذلك رحل إلى جهة مصر بعد
أن خلع المنصور نفسه من السلطنة باختياره، وأشهد عليه الخليفة والقضاة
وأكثر من حضر من الأمراء وبايعوا الجميع برقوق وأقر لقبه الظاهر على ما
كان عليه، وتردد في التوجه إلى دمشق ومحاصرة منطاش بها أو الرجوع إلى
مصر، ثم اتفق رأيه ومن معه على التوجه إلى مصر، فاستناب في صفد فخر
الدين إياس، وفي الكرك قديداً، وفي غزة آقبغا الصغير، وكان منصور
الحاجب بها قد قبض على نائبها حسين بن باكيش، وجهزه إلى الظاهر فعذبه
قبل أن يتوجه، ثم وصل إلى غزة في أواخر المحرم راجعاً، وأرسل في مستهل
صفر إلى نائب قطية أن يحفظ الطرقات، وكان اسمه علاء الدين بن البشلاقي،
فامتثل الأمر وأرسل من الفور إلى القاهرة قاصداً بكتاب يخبر فيه بما
اتفق للظاهر من النصر، فصادف وصول قاصده نصرة مماليك الظاهر المسجونين
على أصحاب منطاش
(1/392)
وغلبهم على القلعة وجميع المملكة، فكان ذلك
يعدّ من عجائب الاتفاق، حتى لو كانوا على ميعاد ما وقعت هذه الموافقة،
وكان السبب في نصرة مماليك السلطان الظاهر أن منطاش أودع منهم السجون
جملة كثيرة، وكان الكثير منهم في السجن بالقلعة، فضاق عليهم الأمر
واشتد بهم الخطب، فتحيلوا إلى أن فتحوا باباً مسدوداً وجدوه في سرداب
عندهم، فخرجوا منه بغتة على نائب الغيبة، فهرب منهم، فنهبوا بيته
واحتلوا خيله وقماشه، وكان كبيرهم يقال له: بُطا، فبلغ ذلك نائب القلعة
فقاتلهم، ثم عجز فهرب، فاجتمع صريتمر وقطلوبغا الحاجب وبقية المماليك
فصعدوا إلى مدرسة حسن، وبادر بطا فأخرج سودون النائب من الحبس فرتبه في
القلعة، وتسامع مماليك الظاهر فتكاثروا عند بطا وتناوشوا القتال مع
المنطاشية، وساعدهم عليهم العامة حتى هزموهم، وكان العوام قد قاموا مع
منطاش على الناصري إلى أن غلب كما تقدم، لكن ظهر بعد ذلك منه هوج وسوء
تدبير وعدم معرفة، فرجعوا عنه وأحبوا عود دولة برقوق فساعدوا أصحابه،
وكان ذلك كله في أوائل صفر، وكان ابتداء ذلك في ليلة الثاني منه
وانتهاء ذلك في رابع صفر.
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري فيما أجازنيه: أن المحبوسين كانوا
في خزانة الخاص القديمة المجاورة لباب القصر ووكل بهم جماعة يحرسونهم
بالنوبة وبالغوا في التضييق عليهم، فلما كان في أواخر المحرم وهم
يستغيثون من الحر والضيق ويتوقعون القتل كل وقت وأشاعوا أنهم عزموا على
أن يرموا عليهم خبزاً ويمنعوهم الماء ليهلكوا أجمعين بذلك، فاتفق أن
واحداً منهم جلس في مكان، فعبث ببلاطة تحته فقلعها فأزالها فأحس بهواء
فأراد ما تحتها واستعان ببعض رفقته فوجدوا سراب الحمام، فمشوا فيه إلى
أن انتهوا إلى باب من أبواب الاصطبل، فاتفق أنهم وجدوه مفتوحاً كان
البواب نسي أن يغلقه، فأخذ كل منهم قيده في
(1/393)
يده وصاحوا صيحة واحدة في وسط الاصطبل
بالدعاء للأمير تكا فظن صراي تمر أن تكا خامر وأراد القبض عليه فرمى
بنفسه من السور وتبعه أتباعه فطلع المماليك إلى أماكنهم من الاصطبل
فانتهبوها ولبسوا الأسلحة وركبوا الخيول وقدموا كبيرهم بطا وكان ما
كان، فجهز بطا عنان بن مغامس صاحب مكة - وكان مسجوناً معه - إلى الظاهر
يعلمه بما اتفق فالتقاه في الطريق فرد معه آقبغا أخا بطا، فوصلا إلى
القاهرة في ثامن صفر فنادوا للعامة بالأمان وتزيين البلد وتجهيز
الإقامات، وشكر السلطان لعنان هذه البشارة، فشركه مع عجلان في إمرة
مكة، وكان ذلك في أوائل شهر ربيع الآخر بعد أن استقر برقوق بالقاهرة،
وسار عنان إلى مكة في ثاني عشرين ربيع الآخر بعد أن استخدم عدة من
الترك.
وفي عاشر صفر قبض بطا على حسين بن الكوراني، وصودر فوصل كتاب السلطان
في ثاني عشر صفر على حسين بعمل شيء من الأمور السلطانية فأفرج عنه بطا
وخلع عليه وأعاده للولاية وقال له: حصل لنا المنطاشية كما كنت تصنع
معنا إلى أن يرد أمر السلطان بما يرد، ثم قبض عليه بعد ذلك، ودخل
الظاهر بالعسكر يوم الثلاثاء رابع عشر صفر إلى القلعة على طريق
الصحراء، وتلقاه الناس للسلام والفرجة على سائر طبقاتهم وكان يوماً
مشهوداً، وأركب الملك المنصور المخلوع بجانبه والخليفة أمامه والقضاة
قدامه وباقي الأمراء إلى أن جلس على تخت الملك وجددت له البيعة
بالإصطبل وأدخل المنصور إلى بيته بالحوش عند أهله وأقاربه.
وفي صبيحة هذا اليوم استقر كريم الدين بن عبد العزيز - الذي تزوجت أنا
ابنته بعد
(1/394)
هذا بست سنين - في نظر الجيش نقلاً من
صحابة الديوان عوضاً عن جمال الدين الذي كان محتسباً، لأنه كان تقدم مع
منطاش إلى دمشق فلم يستطع العود، واستقر موفق الدين أبو الفرج في
الوزارة والخاص واستقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة ثم أمسك وصودر
ثم ضرب فأخذ وأهين، ثم أفرد الخاص لسعد الدين بن تاج الدين موسى كاتب
السعدي عن قرب وأفردت الوزارة لموفق الدين ثم قبض عليه في ربيع الآخر.
واستقر في الوزارة سعد الدين بن البقري زوج ابنة موفق الدين، واستقر
محمود الاستادار مشيراً عليهما، واستقر قرقماس استاداراً كبيراً إلى أن
مات في جمادى الأولى فأعيد محمود إلى الاستادارية، واستقر حسين بن علي
الكوارني في ولاية القاهرة على عادته، ثم قبض عليه عن قرب في سادس
عشرين صفر - وسلم لمشد الدواوين محمد بن آقبغا آص فعاقبه وشدد عليه
العذاب - واستقر بطا دويداراً كبيراً وسودون الشيخوني في النيابة على
عادته واينال اليوسفي اتابك العساكر لانقطاع أيتمش بقلعة دمشق مسجوناً
وكان الظاهر لما غلب على العسكر - المنطاشي وتوجه إلى القاهرة دخل
منطاش إلى دمشق فأقام بها يعزل ويولي ويصادر وكان قاضي الشافعية حينئذ
شهاب الدين ابن القرشي وكان الناصري ولاه فاستمر وكان قبل دخول منطاش
قام في صد برقوق عن دخول دمشق وصار يلبس آلة الحرب ويصعد الأسوار
ويحفظها بالرجال والآلات ويطلق لسانه في برقوق وبرقوق يسمع، فلما رجع
منطاش إلى دمشق من وقعة شقحب عزله وولى شهاب الدين الزهري وحبس القرشي
وضيق على جمال الدين ناظر الجيش على بدر الدين كاتب السر وكانا رجعا من
شقحب مقهورين وسجن جماعة من الأمراء ممن أسر في الوقعة منهم ايتمش،
واستقر الطباطبي في نقابة الأشراف والنظر عليهم عوضاً عن الشريف شرف
الدين ابن قاضي العسكر
(1/395)
واستقر علاء الدين على الكركي في كتابة
السر عوضاً عن بدر الدين ابن فضل الله لانقطاعه أيضاً بدمشق واستقر أبو
عبد الله الركراكي في قضاء المالكية عوضاً عن بهرام، لأن الظاهر شكر له
ما اتفق عليه بسبب امتناعه من الكتابة في الفتوى المرتبة عليه، وكان قد
سجن إلى أن خلص مع بطا واستقر نجم الدين الطنبدي في الحسبة بالقاهرة
عوضاً عن سراج الدين القيسري، واستقر نور الدين علي بن عبد الوارث في
الحسبة بمصر عوضاً عن همام الدين.
وفي تاسع عشرين صفر جلس السلطان ليحكم على عادته بالإصطبل يومي
الأربعاء والأحد، فهرع الناس إليه واشتد خوف الرؤساء من البهدلة.
وفي صفر قبض بكلمش على كريم الدين ابن مكانس وضربه بالمقارع بسبب ما
استأداه من دواوينه في أيام الناصري، فهرب فقبض على أخويه فخر الدين
وزين الدين وجماعة من حواشيه، واستقر علم الدين سن إبرة في نظر الدولة،
واستقر تاج الدين المليحي في نظر الأحباس عوضاً عن شمس الدين الدميري،
واستقر عماد الدين الكركي أحمد بن عيسى أخو علاء الدين الذي استقر في
كتابة سر الشام في قضاء الشافعية عوضاً عن بدر الدين ابن أبي البقاء،
وكان عماد الدين وأخوه هذا قد بالغا في خدمة الظاهر بالكرك، فعظمهما
وقدمهما، وكانت ولاية عماد الدين للقضاء في ثالث شهر رجب، والسبب فيه
أنه لم يحضر من الكرك إلا بعد أن استهل رجب، فخرج إليه أخوه لتلقيه
وخرج معه الأعيان، فحضر عند السلطان في ثاني رجب، فعظمه جداً ومشى له
خطوات وعانقه ثم خلع عليه بولاية القضاء في صبيحة ذلك اليوم.
(1/396)
وفي ثامن جمادى الأولى بعد إطلاق أكثر
الأمراء المحبوسين استقر الطنبغا الجوباني نائب السلطنة بدمشق، وجهزت
صحبته العساكر لقتال منطاش، فوصلوا في جمادى الآخرة، فبرز لهم منطاش
فقاتلهم ثم انهزم، ثم بلغه أن ايتمش ومن معه في الحبس بقلعة دمشق وثبوا
على نائبها، فأمسكوه وملكوا القلعة، فكر راجعاً إلى دمشق، فقتل من قدر
عليه وأخذ ما أمكنه من الأموال وتوجه إلى الجهة الشمالية، وتسلل أكثر
من كان مع منطاش إلى الظاهر، فدخلوا القاهرة أرسالاً واستولى الطنبغا
الجوباني على دمشق وقبض على ما أمكنه من أصحاب منطاش، فلما وصلت
الأخبار إلى القاهرة بذلك زينت عشرة أيام، ثم قدم عسكر طرابلس باستدعاء
منطاش فوجدوه قد هرب، فقبض على أعيانهم أخذاً باليد وجهزت سيوفهم إلى
القاهرة.
وفي العشرين حضر السلطان دار العدل، ولم يدخلها المنصور منذ خلع
الظاهر، ولما فرغ الموكب دخل السلطان القصر فحضر الخليفة ومعه القضاة.
فقريء عهد السلطنة بحضرتهم وحضور الأمراء وخلع على الخليفة وركب من باب
القصر حجرة بسرج ذهب وكنبوش مزركش، وكان الحنفي ضعيفاً فلم يحضر، وحضر
المناوي وهو معزول فجلس تحت الحنبلي.
وفي الثاني عشر من شهر رجب وصل بدر الدين ابن فضل الله وجمال الدين
العجمي إلى القاهرة فأمرا بلزوم بيوتهما وأغرم كل منهما مالاً كثيراً.
وفيه استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في ولاية القاهرة.
وفيه قوى كمشبغا بحلب على النائب الذي بها من جهة منطاش، وكان كمشبغا
(1/397)
لما انهزم في وقعة شقحب سار إلى حلب في
البرية، فوصل في ثامن عشر المحرم فدخلها مختفياً، ثم التفت عليه جماعة
من الظاهرية فحاصروا القلعة وقد قبضوا على ولد نائبها حسين ابن الفقيه
فهددوه بقتل ولده ففتح لهم الباب، فدخلوها وأرسلوا إلى كمشبغا فملكها،
فحاصره النائب من قبل منطاش وهو تمنتمر وعاونه أهل بانقوسا، فأحرقوا
باب القلعة والجسر الواصل، ونقبوا من ثلاثة مواضع، فرمى عليهم كمشبغا
بالمكاحل وصار يتخطفهم بالكلاليب، فدام ذلك نحو شهرين أو أكثر، فلما
سمع تمنتمر هرب منطاش من دمشق خاف على نفسه، فهرب، فبلغ ذلك كمشبغا
فعمر الجسر وخرج فقاتل أهل بانقوسا، وعمر أسوار حلب أحسن عمارة في أسرع
وقت، وكانت من وقعة قازان خراباً. فلما انتصر كمشبغا عليهم قتل غالب
أهلها، وهم زيادة على أربعة آلاف نفس، وقتل كبيرهم أحمد بن الحرامي،
وخربها إلى أن جعلها دكا، وقتل قاضي حلب وغيره صبراً، كما سيأتي في
الوفيات، فلما بلغ ذلك كله السلطان أعجبه، وأرسل إلى كمشبغا يطلب منه
الحضور إلى القاهرة فحضر، وكان ما سنذكره.
وفي العشرين من رجب كان شاع أن بطا يريد أن يثير الفتنة فحل سيفه بحضرة
السلطان في القصر وعمل في عنقه منديلاً واستسلم للموت، فشكر الظاهر
فعله وبرأه مما نقل عنه، وجمع الأمراء وحلفهم وحلف المماليك وطيب
خواطرهم وأحضر مملوكاً يقال إنه الذي أثار الفتنة فضربه وسجنه.
وفي رجب خرج يلبغا الناصري والطنبغا الجوباني بالعساكر من قبل الظاهر
وقد قرر في نيابة دمشق الطنبغا الجوباني وقرادمرداش في نيابة طرابلس
ومأموراً في نيابة حماة
(1/398)
وتوجه عليهم يلبغا الناصري ومعه جماعة من
المماليك الظاهرية وغيرهم، فتوجهوا إلى دمشق، فبلغ ذلك منطاشا وكان قد
جبا من الأموال من أهل دمشق شيئاً كثيراً فخرج بها وهي نحو من سبعين
حملاً في ثالث عشر جمادى الآخرة بعد أن قتل ممن هو من جهة الظاهر نحو
مائة وعشرين نفساً، واستصحب معه ابن جنتمر وابن اينال اليوسفي، وسار من
دمشق فخرج ايتمش من الحبس فملك القلعة وراسل الجوباني، فدخل الجوباني
دمشق وهرب محمد بن اينال اليوسفي ونحو مائتي نفر من منطاش، فرجعوا إلى
دمشق، ثم خرج الطنبغا الجوباني والناصري ومن معهم وانضم إليهم في طلب
منطاش فالتقوا به بين حمص وقوسا فانكسرت الميمنة وفيها الناصري، فانهزم
وثبت الجوباني فخامر عليه بعض من معه فجرح في رأسه فسقط فقتله نعير
بيده وتمت الهزيمة، واتفق أن ميسرة العسكر كسرت منطاشاً ففر في طائفة
فلما بلغه قتل الجوباني رجع فقتل آقبغا الجوهري ومأموراً، ووقع النهب
في العسكر من العرب والتركمان ورجع الناصري إلى دمشق فبلغت هذه الأخبار
السلطان فساءه قتل الجوباني، وقرر يلبغا الناصري في نيابة دمشق، وجهز
أبا يزيد الذي كان اختفى عنده لما هرب وصحبته شمس الدين الصوفي لكشف
الأخبار، وكان الصوفي من العباسة - بلدة معروفة بالشرقية، وكان قد اتصل
بالظاهر لما كان بالكرك، وشهد معه وقعة شقحب، وتزيا له بزي الخليفة
وانتسب عباسياً فحصلت لبرقوق بذلك منه نوع مساعدة وفي رمضان نزل نعير
على سرمين فثار عليه أحمد بن المهمندار في عسكر كبير من التركمان
فأسروا ابنه علياً وهزموه وأرسلوا ابنه إلى كمشبغا فاعتقله.
وفي ثامن رمضان استقر ناصر الدين محمد بن رجب في شد الدواوين عوضاً عن
ابن آقبغا آص.
(1/399)
وفي سابع عشر رمضان استقر مجد الدين
إسماعيل الكناني البلبيسي الحنفي في قضاء الحنفية عوضاً عن شمس الدين
الطرابلسي بحكم عزله.
وفي العشرين من رمضان أعيد أبو الفرج إلى الوزارة وقبض على سعد الدين
ابن البقري.
وفيها غلب ابن أبان التركمان على طرابلس في أثناء الفتنة بين الظاهر
ومنطاش، فأرسل إليها الظاهر قرادمرداش فغلب عليها ثم نقله الظاهر إلى
نيابة حلب، وأمر كمشبغا بالتوجه إلى القاهرة فاستقر بها أميراً كبيراً.
وفيها وصل رسل صاحب تونس أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصي
ومقدمهم محمد بن علي بن أبي هلال صحبة الركب القاصد إلى الحج، وحج معهم
أبو عبد الله بن عرفة الفقيه المشهور وقد أجاز إلى المذكور بعد أن رجع
من الحج في السنة المقبلة.
وفيها نازل منطاش ونعير حلبا فتحصن كمشبغا من أول رمضان إلى العشر
الأخير منه فراسل نعير كمشبغا يعتذر، فبلغ ذلك منطاشاً، فأخذ حذره من
نعير وخدعه بأن طلب منه جماعة من العرب يغيرون معه على بعض التركمان
فأرسل معه جماعة، فلما بعدوا ونزلوا بالليل أخذ خيولهم وتوجه إلى
البلاد الشمالية، وكان نعير ملّ من الحرب فأرسل يعتذر إلى السلطان
ويطلب منه الأمان فقبل ذلك منه وأرسل إليه بما يرغب فيه، فسار منطاش
إلى مرعش وهرب معه عنقا ابن شطى واجتاز باعزاز فانتهبها، ثم نازل منطاش
عيتاب ومعه سولى بن دلغادر. وذلك في شوال فغلب عليها وأوقع فيها النهب
والتخريب إلى أن تفرق أهلها شذر مذر بعد أن كان نادى لهم بالأمان، ثم
غدر بهم، ثم حاصر القلعة وتحصن نائبها محمد بن شهري التركماني بقلعتها،
ثم كبس على منطاش فقتل أكثر من معه، ومع ذلك فدام الحصار إلى آخر السنة
إلى أن تجهز يلبغا الناصري نائب الشام ونائب حلب إليه، وقبل وصولهم
بيوم هرب منطاش، وقدم محمد بن بيدمر
(1/400)
الذي كان أبوه نائب الشام وسندمر رأس نوبة
منطاش مستأمنين في طائفة من المنطاشية فأكرمهم السلطان.
وفيها قتل الأمير بردوباك بن ارتنا صاحب الروم واستقر بعده في مملكة
الروم أبو يزيد بن عثمان.
وفي شوال عطش الحاج بعجرودا حتى بلغت القربة مائة درهم فضة، ووقع بين
عمالهم العرب الكثير لما رجعوا وكان أمير الأول بيسق أمير آخور وأمير
المحمل عبد الرحيم بن منكلى بغا.
وفي أواخر ذي الحجة استقر ناصر الدين ابن الحسام وزيراً عوضاً عن أبي
الفرج فاستخدم الوزراء الذين كانوا قبله وهم شمس الدين المقسي وسن إبرة
في نظر الدولة وفخر الدين بن مكانس وسعد الدين ابن البقري في استيفاء
الدولة، وأعيد محمد بن آقبغا آص إلى شد الدواوين ونقل ناصر الدين ابن
رجب إلى كشف المعاصر عوضاً عن خاله ناصر الدين ابن الحسام المذكور،
وكان ابن الحسام أولاً يخدم عند سعد الدين ابن البقري دويداراً واقفاً
في خدمته لما كان ناظر الخاص فانعكس الحال وصار ابن البقري تحت أمره
وربما يكلمه الكلام الفض، فلله الأمر.
وفي شوال جهزت عائشة خوند أخت الملك الظاهر للحجرة الشريفة كسوة حرير
منقوش بالغت في تحسينها وطرزت بابها بالزركش.
وفي رمضان توجه ابن الحسام إلى الصعيد فحصل بها الأموال السلطانية فكبس
عليه ابن التركية ونهب جميع ما حصله، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إليه
عسكراً.
(1/401)
وفيها اختلفت كلمة التركمان وتحزبوا
أحزاباً بعد قتل قرا محمد، ووقع بينهم وقائع كثيرة إلى أن أصلح بينهم
سالم الدوكاري.
وفي رمضان نزل الفرنج على طرابلس فلما أشرفوا على المينا أرسل الله
عليهم ريحاً فرقت مراكبهم وغرق الكثير منهم فردوا عن طرابلس، فقصدوا
البسكرية فنازلوها وبها أبو العباس صاحب تونس ففتح لهم البلد فدخلوها
فقاتلهم وكسرهم بعد أن قتل منهم خلائق.
وفيها قتل صاحب تلمسان أبو حمو بن يوسف بن عبد الرحمن ابن يحيى، قتله
ولده وغلب على ملكه، وكانت دولة أبي حمو إحدى وثلاثين سنة.
وفي ذي الحجة استقر قرا دمرداش في نيابة حلب نقلاً من طرابلس واستقر في
طرابلس اينال ابن خجا علي وسولى بن دلغادر في نيابة الأبلستين، وتوجه
كمشبغا من حلب إلى جهة القاهرة.
وفيه منع من تلبس العمامة ومن ركوب الخيل إلا الوزير وكاتب السر وناظر
الخاص، وأذن لهم في ركوب البغال ونودي أن الطحانين لا يستعملون الخيل
الصحاح، وكذلك الحمارة.
وفيها مات فخر الدين ابن سبع الخولى فأرسل السلطان قرقماش الخزندار إلى
زفتا بلد المذكور للحوطة على ماله وكان المذكور نصرانياً فأسلم ثم وقع
في واقع كما تقدم في الحوادث أولاً وثانياً فاتفق أن بعض أعدائه قتله
في الحمام غيلة، فيقال إنه
(1/402)
حمل من ماله ألف ألف ومائتي ألف درهم، ووجد
له من الغلال والمواشي والرقيق ما يساوي ألفي ألف وكان يزرع في كل سنة
ألف فدان، ويطعم كل ليلة مائة نفس، وكان قتله في جمادى الآخرة.
ذكر من مات
في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الواسطي أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في جمادى
الآخرة.
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الحراني الخواجا برهان الدين التاجر، سمع
الصحيح على الحجار وحدث، مات في ربيع الآخر.
أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن
هاشم بن مرزوق المخزومي المكي الشافعي القرشي القاضي شهاب الدين، ولد
سنة ثماني عشرة وسمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي والأقشهري
والوادي آشي وغيرهم، وحدث وتفقه على النجم الأصفوني والعلائي وأذن له
في الإفتاء، وأخذ القراآت عن البرهان المسروري مقريء مكة وتقدم في
العلم، ودخل بلاد المغرب فأخذ عن بعض الشيوخ هناك ودرس وأفتى وأقرأ، ثم
ولي قضاء مكة بعد أبي الفضل النويري، ثم عزل بولد أبي الفضل ومات وهو
معزول في شهر ربيع الأول عن أربع وسبعين سنة، وكانت مدة ولايته سنة
وتسعة أشهر، وكان جليلاً مهاباً وقد ولي قضاء مكة بعده ابن أخيه الشيخ
جمال الدين ثم ولده أبو البركات بن الشهاب ثم ولده أبو السعادات.
(1/403)
أحمد بن عبد الله بن فرحون المدني المالكي
قاضي المدينة، مات في رمضان.
أحمد بن موسى بن علي شهاب الدين ابن الحداد الزبيدي الحنفي، كان عارفاً
بالفرائض، مات في ذي الحجة.
إسماعيل بن حاجي الهروي شرف الدين الفقيه كان من العلماء الشافعية
ببغداد في المستنصرية، ودرس في الحاوي، ثم قدم دمشق في حدود السبعين،
فأفاد بها بالجامع وغيره ودرس بالمعينية وغيرها، وكان ديناً خيراً تصدق
بما يملكه في مرض موته، ومات في صفر.
آقبغا بن عبد الله الجوهري اليلبغاوي قتل في وقعة حمص وقد قارب الستين،
وكان كثير المعرفة يذاكر بمسائل فقهية مع حدة خلق.
الطنبغا بن عبد الله الجوباني التركي أحد كبار الأمراء تنقل في
الولايات إلى أن قتل بدمشق وهو نائبها، وكان يحب العلماء خصوصاً
الأدباء ويجمعهم عنده ويسمع كلامهم ويختبر مدائحهم.
خليل بن إبراهيم الحافظي روى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره
وحدث وتفرد، مات في ربيع الأول.
سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي كان عارفاً بمذهبه، مات في ذي الحجة
بالقاهرة وكان أكولاً مشهوراً بذلك.
عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي، كتب الكثير
بخطه من تصانيف أبيه وكان بزي الجند، وقد ذيل على تاريخ أبيه قليلاً،
مات في ذي القعدة.
عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي، قدم دمشق
فاشتغل
(1/404)
ومهر واستنابه التاج السبكي في إمامة
الجامع والخطابة فاستمر ينوب في ذلك إلى أن مات، وكان ديناً خيراً
ملازماً للجامع يشغل الطلبة، مات في ربيع الآخر.
عثمان بن عبد الله الأبار نزيل جامع عمرو بن العاصي، كان أحد من يعتقده
المصريون، مات في رجب.
علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الشافعي الغزي قاضي غزة، ولد سنة تسع
وسبعمائة وحدث عن الحجار بالصحيح سماعاً وأخذ عنه الرحالة، وسمع من أبي
بكر بن عنبر وزينب بنت يحيى بن عبد السلام وغيرهما، وتفقه على أخيه
الشيخ شمس الدين صاحب ميدان الفرسان وعلى العماد الحسباني وغيرهما،
وولي قضاء غزة فرأس بها، قرأت في تاريخ ابن حجي: كان له اشتغال قديم
بدمشق وأخذ عن ابن الفركاح وهو أسن من أخيه ويقال إن أخاه قرأ عليه
أولاً وكذلك العماد الحسباني، وكان يفتخر بذلك ثم تقدما وتأخر هو ومات
بغزة في أحد الربيعين، ويقال في جمادى الأولى ويقال في صفر ويقال في
شعبان، وسمع أيضاً من زينب السلمية.
علي بن عبد الله المغربل أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في جمادى
الأولى بزاويته التي بالقرب من المقس.
علي بن أبي علي الجعيدي سلطان الحرافيش، مات في سادس عشر جمادى الأولى
ولم يأت بعده في فنه مثله.
عمر بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلّم بن سعيد الكتاني - بالمثناة
المشددة ثم النون - زين الدين القرشي البلخي الأصل القبيباتي، ولد سنة
أربع وعشرين وسبعمائة واشتغل كثيراً وسمع الكثير وعني بالحديث والفقه
والأصول والعربية وكان يعمل المواعيد وللناس فيه محبة واعتقاد وقد
امتحن مرة بسبب المذهب التيمي كما تقدم في الحوادث، ثم امتحن بصحبة
ولده لمنطاش وكان مسجوناً بقلعة دمشق في جمادى الآخرة.
(1/405)
قرأت بخط المحدث برهان الدين: بحلب اجتمعت
به فوجدته عالماً كثير الاستحضار في فنون منها التفسير والفقه والأصول
يحفظ متوناً كثيرة جداً وألفاظ التفسير كما هي ويجود غرائب من المتون
وزيادات غريبة يعزوها ويعرف أسماء الرجال وطبقاتهم ويتكلم في الصحيح
والضعيف ولم يكن عنده مكر ولا غش مع الدين والخير وملازمة السنة.
وقرأت في تاريخ ابن حجي: ورد إلى دمشق بعد الأربعين فنزل القبيبات وقرأ
وأخذ عن خطيب جامع جراح شرف الدين قاسم وعن البهاء الإخميمي واشتغل
بعلم الحديث وبعمل المواعيد النافعة للعامة والخاصة حتى إن كثيراً من
العوام انتفعوا به وصارت لديهم فضيلة مما استفادوا منه، وكان مع ذلك
يتصدى للإفتاء والإفادة ودرس بالمسرورية والناصرية، ولما ولي القاضي
برهان الدين بن جماعة وقع بينهما بسبب الناصرية ووكل به لاستعادة
المعلوم مدة، فذهب إلى مصر فردوه من الطريق وسجن بالقلعة ثم اصطلح مع
ابن جماعة وعوضه الأتابكية ثم لما ولي ولده القضاء أعطاه الخطابة
والناصرية والأتابكية ودار الحديث الأشرفية، فلما عادت دولة الظاهر أخذ
وسجن بالقلعة وكان التاج السبكي هو الذي أدخله بين الفقهاء فلما امتحن
تاج الدين كان هو أشد من قام عليه، وكان مشهوراً بقوة الحافظة ودوام
المحفوظ، قل أن ينسى شيئاً حفظه، وكان كثير الإنكار على أرباب التهم،
شجاعاً مقداماً كثير المساعدة لطلبة العلم لا يحابي ولا يداهن، واقتنى
من الكتب النفيسة شيئاً كثيراً وكان لا يمل من الاشتغال، مات في ثالث
عشر ذي الحجة مسجوناً بقلعة دمشق.
(1/406)
محمد بن أحمد بن علي المصري شمس الدين
المعروف بالرفاء، عني بالعلم قليلاً. وسمع الحديث فأكثر وسمع العالي
والنازل وجاور كثيراً فكان يلقب حمامة الحرم وكان يسكن الناصرية بين
القصرين، صحبته قليلاً، ومات في جمادى الأولى.
محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب فخر الدين ابن مجد الدين
سبط شرف الدين ابن الحافظ، سمع من يحيى بن سعيد وابن الشحنة والتقي ابن
تيمية وغيرهم، وكان مكثراً من الحديث وقد تفقه على جده وأذن له في
الإفتاء وكان فاضلاً ذكياً يتعانى كل شيء يراه حتى الخياطة والنجارة
والبناء والموسيقى مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة ورقة النظم، مات في
ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة.
محمد بن إسماعيل الافلاقي المالكي، كان فاضلاً ينظم الشعر نظماً وسطاً،
مات في سادس جمادى الأولى.
محمد بن بلبان الناصري ابن المهمندار أحد أكابر الأمراء بحلب، ثم ولاه
الظاهر برقوق نيابة القلعة، فلما خامر يلبغا الناصري على الظاهر سلمه
ابن بلبان القلعة، ثم لما غلب الناصري ومنطاش على الملك وسجن الملك
الظاهر برقوق وثار منطاش على الناصري صادر ابن بلبان هذا على مال كثير
ثم قتله في هذه السنة وخلف ولدين: أحمد ولي نيابة حماة بعد ذلك ومحمداً
كان حاجباً بحلب.
محمد بن عبد الله ابن أبي بكر الحثيثي - بمهملة ومثلثتين مصغر الصردفي
جمال الدين الريمي - بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة - نسبة إلى ريمة
ناحية اليمن - اشتغل بالعلم وتقدم في الفقه فكانت
(1/407)
إليه الرحلة في زمانه، وصنف التصانيف
النافعة، منها شرح التنبيه في أربعة وعشرين سفراً أثابه الملك الأشرف
على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم يكون قدرها ببلادنا
أربعة آلاف مثقال ذهباً، وله " المعاني الشريفة " و " بغية الناسك في
المناسك " و " خلاصة الخواطر " وغير ذلك، ولي قضاء الأقضية بزبيد دهراً
من ذي الحجة سنة تسع وثمانين إلى أن مات في أواخر المحرم، وقيل في أول
صفر، قال لي الجمال المصري: كان الريمي كثير الازدراء بالنووي، فرأيت
لسانه في مرض موته وقد اندلع واسود فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية
للناظرين، رب سلم.
محمد بن عبد الله الصرخدي شمس الدين كان عارفاً بأصول الفقه، مات
بدمشق، وكان قد أخذ عن العنابي في العربية وتفنن حتى صار أجمع أهل دمشق
للعلوم، فأفتى ودرس وشغل وصنف، وكان يقال إن قلمه أقوى من لسانه، وكان
متقللاً لم يتفق أنه حصل له شيء من المناصب إلا أنه تصدر بالجامع وناب
في عدة مدارس عن الصبيان الذين تقرروا مدرسين بغير تأهل، وكان شديد
التعصب للأشعرية. كثير المعاداة للحنابلة، وله اختصار إعراب السفاقسي
واعترض عليه في مواضع وشرح المختصر في ثلاثة أسفار واختصر قواعد
العلائي ومهمات الأسنوي، وكان كثير العيال مقلاً من الدنيا، مات في ذي
القعدة.
محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي ابن الكشك صدر
الدين ابن علاء الدين، اشتغل قديماً وتمهر، ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة
ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين، ثم ولي قضاء مصر
(1/408)
بعد ابن عمه فأقام شهراً ثم استعفى ورجع
إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة اعتقل بسببها، ثم مات في هذه
السنة بعد أن أقام مدة فقيراً خاملاً إلى أن جاء الناصري فرفع إليه
أمره فأمر برد وظائفه إليه، فلم تطل مدته بعد ذلك، ومات في ذي القعدة.
محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني ثم الدمشقي شمس
الدين ابن شرف الدين، سمع من الحجار وحدث، وكان ينسب إلى غفلة.
محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسي صلاح الدين، نزيل مصر، سمع صحيح
مسلم على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب والعز محمد بن عبد
الحميد وتفرد به عنهما بالسماع، وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن ياسين
لكنه كان حاضراً، وقد اجتمعت بصلاح الدين هذا مراراً، وأشك هل سمعت
عليه شيئاً أو أجازني أم لا؟ مات في رمضان عن سبع وثمانين سنة.
محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللخمي الدمشقي المحدث شمس الدين،
ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وعني بالحديث وطلب من سنة
بضع وأربعين، فسمع من فاطمة بنت العز خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل ومن
جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم، وصنف وخرج وكتب العالي والنازل وعنده
عن أبي الفتح الميدومي ومن بعده كابن الملوك وأحمد بن المظفر، وكان
يقول إنه تخرج به وأخذ أيضاً عن الذهبي، وذكره في المعجم المختص وهو
آخر من ذكر فيهم وفاة وكان حسن القراءة جداً مع الذكاء المفرط، وله
محفوظات، وأخذ العربية عن المراكشي، وأذن له في الإقراء في العربية سنة
خمسين، وصحب العلائي وابن كثير والسبكي، وأخذ أيضاً عن شرف الدين خطيب
جامع جراح وناب عن بعض القضاة
(1/409)
الشافعية كالتاج السبكي، وكان شديد اللزوم
له وقارئاً لتصانيفه في دروسه، وناب عنه في مشيخة دار الحديث الأشرفية
وغيرها، ثم تحول مالكياً، فناب عن بعض المالكية ثم رجع، فناب عن ولي
الدين ابن أبي البقاء، ومات شافعياً في خامس صفر، ووهم من أرخه سنة
إحدى، وهو القائل:
الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته ... فانظر إلي تجدني ذاك منفردا
كفى لهذا الدليل أنني رجل ... لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سننا
أنشدناه عنه شرف الدين القدسي.
وقرأت بخط البرهان المحدث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به
اختلاطاً فاحشاً، قال: وكان عالماً، له يد في النحو والحديث، حسن
الشكل، كيساً، متواضعاً، لين الجانب، وكان يعمل الميعاد فيسرده من غير
تلعثم ويعمل أشياء حسنة.
وقرأت بخط ابن حجي أنه تغير في آخر عمره تغيراً شديداً، ونسي بعض
القرآن، فكان يقال إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس.
موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمر اسن التلمساني من بني عبد
الواد بطن من زناتة يكنى أبا حمو، وهو بها أشهر، ملك تلمسان بعد أبيه،
وجرت له مع جماعة حروب وخطوب مع ولده أبي تاشفين، وقد ذكرت بعضها في
الحوادث، وكان قتله في ثالث المحرم هذه السنة.
يعقوب بن عيسى الأقصراي شرف الدين ثم الدمشقي ولد سنة عشرين، وسمع من
الحجار والمزي وغيرهما، وحدث وخطب ودرس وناب في الحكم، وكان رجلاً
خيراً، مات في دمشق في ذي الحجة.
(1/410)
|