تاريخ ابن الوردي
(الْفَصْل الْخَامِس)
(فِي ذكر الْأُمَم)
الْأمة الْجَمَاعَة لَفظه وَاحِد وَمَعْنَاهُ جمع وكل جنس من
الْحَيَوَان أمة، وَفِي الحَدِيث " لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من
الْأُمَم لأمرت بقتلها ".
(أمة السريان وَالصَّابِئِينَ)
السريان أقدم الْأُمَم وبالسرياني تكلم آدم وَبَنوهُ وملتهم مِلَّة
الصابئين ويذكرون أَنهم أخذُوا دينهم عَن شِيث وَإِدْرِيس وَلَهُم كتاب
يسمونه صحف شِيث فِيهِ محَاسِن أَخْلَاق كالصدق والشجاعة والتعصب
للغريب وَاجْتنَاب الرذائل، قلت: وَرَأَيْت صحيفتين من صحف الصابئين
وَلكنهَا عَن إِدْرِيس الأولى مِنْهُمَا صحيفَة الصَّلَاة.
فَمِنْهَا: أَنْت الأزلي الَّذِي ترتبط بِهِ الرياسات رب جَمِيع
المكونات المعقولات والمحسوسات رَئِيس البرايا وراعى العوالم رب
الْمَلَائِكَة ورؤساء الْمَلَائِكَة مِنْك تنزلت الْعُقُول إِلَى مدبري
الأَرْض لِأَنَّك السَّبَب الأول أحاطت قدرتك بِالْكُلِّ وَأَنت
الوحدانية الَّتِي لَا تحد وَلَا تدْرك مُدبر سلاطين السَّمَاء وينابيع
النُّور الدائمة الإنارة أَنْت ملك الْمُلُوك الْآمِر بالخيرات كلهَا
الْمُتَقَدّم لكل شَيْء بِالْوَحْي وَالْإِشَارَة مِنْك تنبث
الْمَخْلُوقَات وبرمزك يَنْتَظِم الْعَالم بأسره ومنك النُّور وَأَنت
الْعلَّة الْقَدِيمَة السَّابِقَة لكل شَيْء نَسْأَلك أَن تزكي نفوسنا
وتوفقها لاسْتِحْقَاق نِعْمَتك الْآن وَفِي كل أَوَان إِلَى الْأَبَد
يَا ظَاهرا متعاليا عَن كل دنس أحلل عقالنا وَعَافنَا من كل مرض وَبدل
أحزاننا أفراحا بك نعتصم ومنك نَخَاف نَسْأَلك أَن توفقنا لتمجيد عظمتك
الَّتِي يشار إِلَيْهَا وَلَا ينْطق بهَا مِنْك الْكل وَبِك يَسْتَنِير
الْكل وَأَنت رَجَاء الْعَالمين ومعين النَّاس أَجْمَعِينَ. وَفِي
هَذِه الصَّحِيفَة عبارَة فلسفية لَا يجوز فِي ديننَا إِطْلَاقهَا على
الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيق بجلاله.
وَالثَّانيَِة " صحيفَة الناموس " فَمِنْهَا: لَا يجرين أحد مِنْكُم
فِي مُعَاملَة أَخِيه إِلَى مَا يكره أَن يُعَامل بِمثلِهِ وَإِيَّاكُم
والتفاخر وَالتَّكَاثُر لَا تحلفُوا بِاللَّه كاذبين وَلَا تهجموا على
اللَّهِ بِالْيَمِينِ واعتمدوا الصدْق حَتَّى يكون نعم من قَوْلكُم
نعم، وَلَا لَا وتورعوا فِي تَحْلِيف الْكَاذِبين بِاللَّه جلّ ذكره
فَإِنَّكُم تشركونهم فِي الْإِثْم إِذا علمْتُم مِنْهُم الْحِنْث،
وَليكن الْأسر فِي نفوسكم إِن تكلوهم إِلَى اللَّهِ عَالم السرائر
فحسبكم بِهِ من حَاكم يعدل وناطق يفصل لَا تلهجوا بهجر الْكَلَام
وَسُوء الْمقَال وَلَا تتتفاوضوا الأضاليل والأباطيل وَلَا تكثروا
الْهزْل والضحك والهمز
(1/69)
واللمز لَا تبدر مِنْكُم عِنْد الْغَضَب
كلمة الْفُحْش فَإِنَّهَا ترديكم الْعَار والمنقصة وتلحق بكم الْعَيْب
والهجنة وتجر عَلَيْكُم المآثم والعقوبة. من كظم غيظه وَقيد لَفظه ونظف
مَنْطِقه وطهر نَفسه فقد غلب الشَّرّ كُله استشعروا الْحِكْمَة وابتغوا
الدّيانَة وعودوا نفوسكم الْوَقار والسكينة وتحلوا بالآداب الْحَسَنَة
الجميلة ترووا فِي أُمُوركُم وَلَا تعجلوا وَلَا سِيمَا فِي مجازاة
الْمُسِيء إِن تكن من أحدكُم فرطة وارتكب مُنكرَة فليقلع عَنْهَا وَلَا
تحمله السَّلامَة مِنْهَا على المعاودة لَهَا فَإِنَّهَا إِن سترت
عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يفتضح بهَا على رُؤُوس الأشهاد
يَوْم الدّين وهما طويلتان وَالله أعلم.
وللصابئين عبادات مِنْهَا سبع صلوَات مِنْهُنَّ خمس توَافق صلواتنا
وَالسَّادِسَة الضُّحَى وَالسَّابِعَة فِي تَمام السَّاعَة السَّادِسَة
من اللَّيْل ولصلاتهم نِيَّة وَلَا يخلطها الْمُصَلِّي بِشَيْء من
غَيرهَا وَلَهُم الصَّلَاة على الْمَيِّت بِلَا رُكُوع وَلَا سُجُود
وَيَصُومُونَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِن نقص الْهلَال صَامُوا تسعا
وَعشْرين يراعون فِي فطرهم وصومهم الْهلَال بِحَيْثُ يكون الْفطر وَقد
دخلت الشَّمْس للْحَمْل وَيَصُومُونَ من ربع اللَّيْل الآخر إِلَى
غرُوب قرص الشَّمْس وَلَهُم أعياد عِنْد نزُول الْكَوَاكِب الْخَمْسَة
الْمُتَحَيِّرَة بيُوت أَشْرَافهَا، والمتحيرة: زحل وَالْمُشْتَرِي
والمريخ والزهرة وَعُطَارِد، ويعظمون بَيت مَكَّة وبظاهر حران مَكَان
يحجونه وَيَقُولُونَ إِن أهرام مصر أَحدهمَا قبر شِيث بن آدم، وَالْآخر
قبر إِدْرِيس وَهُوَ خنوخ، وَالْآخر قبر صابىء بن إِدْرِيس الَّذِي
ينتسبون إِلَيْهِ، ويعظمون يَوْم دُخُول الشَّمْس الْحمل فيتزينون
ويتهادون فِيهِ، قَالَ ابْن حزم: الدّين الَّذِي انتحلوه أقدم
الْأَدْيَان على وَجه الدَّهْر وَالْغَالِب على الدُّنْيَا إِلَى أَن
أَحْدَثُوا فِيهِ الْحَوَادِث فَبعث اللَّهِ إِلَيْهِم إِبْرَاهِيم
خَلِيله عَلَيْهِ السَّلَام بِالدّينِ الَّذِي نَحن عَلَيْهِ الْآن.
قَالَ الشهرستاني: والصابئون يقابلون الحنيفية، ومدار مَذْهَبهم التعصب
للروحانيين كَمَا أَن مدَار مَذْهَب الحنفاء التعصب للبشر الجسمانيين.
(أمة القبط)
من ولد حام أهل ملك بديار مصر وَاخْتَلَطَ بهم طوائف من اليونان
والعماليق وَالروم وَغَيرهم وَذَلِكَ لِكَثْرَة من ملك عَلَيْهِم من
الغرباء وَكَانُوا سالفا صابئة ذَوي هياكل وأصنام وَمِنْهُم عُلَمَاء
بالفلسفة وخاصة الطلسمات والنيرنجات والمرائي المحرقة والكيمياء وَدَار
ملكهم منف ولقبت مُلُوكهمْ بالفراعنة، وَقد تقدم هَذَا.
(أمة الْفرس)
بِفَارِس وَمِنْهَا كرمان والأهواز وأقاليم، وَمَا دون جيحون مِنْهَا
يُسمى إيران وَهِي أَرض الْفرس وَمَا وَرَاء جيحون يُسمى توران وَهِي
أَرض التّرْك قيل الْفرس من ولد فَارس بن أرم بن سَام وَقيل من ولد
يافث وهم يَقُولُونَ من ولد كيومرث وَهُوَ عِنْدهم الَّذِي ابْتَدَأَ
مِنْهُ النَّسْل مثل آدم عندنَا ويذكرون أَن الْملك فيهم من كيومرث
وَهُوَ آدم إِلَى غَلَبَة الْإِسْلَام خلا تقطع فِي مدد يسيرَة مثل
تغلب الضَّحَّاك وأفراسياب التركي وملوكهم عِنْد الْأُمَم أعظم مُلُوك
(1/70)
الْعَالم بعقول وافرة وأحلام راجحة وترتيب
المملكة كَانُوا لَا يولون سَاقِطا الْبَيْت وفرقهم كَثِيرَة مِنْهُم
الديلم سكان الْجبَال وَمِنْهُم الجيل يسكنون الْوَطْأَة لجبال الديلم
وأرضهم سَاحل بَحر طبرستان وَمِنْهُم الكرد بجبال شهرزور وَقيل الكرد
من الْعَرَب ثمَّ تنبطوا وَقيل هم أَعْرَاب الْعَجم.
وللفرس مِلَّة قديمَة يُقَال للدائنين بهَا الكيومرثية أثبتوا إِلَهًا
قَدِيما سموهُ يَزْدَان وإلها مخلوقا من الظلمَة سموهُ أهرمن، ويزدان
عِنْدهم اللَّهِ تَعَالَى وأهرمن إِبْلِيس أصل دينهم مَبْنِيّ على
تَعْظِيم النُّور وَهُوَ يَزْدَان والتحرز من الظلمَة وَهُوَ أهرمن
وَلما عظموا النُّور عبدُوا النَّار وَكَانُوا على ذَلِك حَتَّى ظهر
زرادشت فِي أَيَّام كشتاسف ملك الْفرس وَدخل كشتاسف وَالْفرس فِي دين
زرادشت وَذكر لَهُم كتابا زعم أَن اللَّهِ أنزلهُ عَلَيْهِ وَهُوَ من
قَرْيَة من قرى أذربيجان وَلَهُم فِي خلق زرادشت وولادته كَلَام لَا
يُفِيد.
وَقَالَ زرادشت بالباري سُبْحَانَهُ وَأَنه خَالق النُّور والظلمة
وَأَنه وَاحِد لَا شريك لَهُ وَأَن الْخَيْر وَالشَّر إِنَّمَا حصل من
امتزاج النُّور بالظلمة وَلَو لم يمتزجا لما كَانَ وجود الْعَالم وَلَا
يزَال المزاج حَتَّى يغلب النُّور الظلمَة ثمَّ يتَخَلَّص الْخَيْر
إِلَى عالمه وَالشَّر إِلَى عالمه وقبلة زرادشت إِلَى الْمشرق حَيْثُ
ملطع الْأَنْوَار.
وللفرس أعياد ورسوم فَمِنْهَا " النوروز " وَهُوَ الْيَوْم الأول من
فروردين ماه واسْمه يَوْم جَدِيد لكَونه غرَّة الْحول لجديد وَبعده
أَيَّام خَمْسَة كلهَا أعياد، وَمن أعيادهم " التيركان " وَهُوَ ثَالِث
عشر من تيرماه وَلما وَافق اسْم الْيَوْم الثَّالِث عشر اسْم شهره صَار
ذَلِك الْيَوْم عيدا وَهَكَذَا كل مُوَافق اسْمه اسْم شهره، وَمِنْهَا
" المهرجان " وَهُوَ سادس عشر مهرماه وَفِيه زَعَمُوا أَن أفريدون ظفر
بالساحر الضَّحَّاك بيوراسب وحبسه بجبل دماوند.
وَمِنْهَا " الفروردجان " وَهُوَ الْأَيَّام الْخَمْسَة الْأَخِيرَة من
آبان ماه تصنع الْمَجُوس فِيهَا الْأَطْعِمَة والأشربة لأرواح موتاهم
على زعمهم.
وَمِنْهَا: " ركُوب الكوسج " كَانَ يَأْتِي فِي أول الرّبيع كوسج رَاكب
حمارا قَابض على غراب ويتروح بمروحة ويودع الشتَاء وَله ضريبة وَمَتى
وجد بعد ذَلِك الْيَوْم ضرب.
وَمِنْهَا: " السدق " وَهُوَ عَاشر بهمن ماه وَلَيْلَته توقد فِيهَا
النيرَان وَيشْرب حولهَا وَمِنْهَا: " الكنبهارات " أَقسَام مُخْتَلفَة
لأيام السّنة فِي أول كل قسم مِنْهَا خَمْسَة أَيَّام هِيَ الكنبهارات؛
زعم زرادشت أَن فِي كل يَوْم مِنْهَا خلق اللَّهِ نوعا من الخليقة من
سَمَاء وَأَرْض وَمَاء ونبات وحيوان وَأنس وجن فتم خلق الْعَالم فِي
سِتَّة أَيَّام.
(أمة اليونان)
نجموا من رجل اسْمه اللن ولد سنة أَربع وَسبعين لمولد مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام، وَكَانَ أوميرس الشَّاعِر اليوناني مَوْجُودا فِي سنة
ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
(1/71)
وَهُوَ تَارِيخ ظُهُور أمة اليونان كَانُوا
أهل شعر وفصاحة.
ثمَّ صَارَت فيهم الفلسفة زمَان بخْتنصر؛ قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهَذَا
مَنْقُول من كتاب كورس اليوناني الَّذِي رد فِيهِ على للبان الَّذِي
نَاقض الْإِنْجِيل.
قَالَ الْمُؤلف رَحمَه اللَّهِ: وَنقل الشهرستاني أَن أييد فَلَيْسَ
كَانَ فِي زمن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وفيثاغورس فِي زمن سُلَيْمَان
عَلَيْهِ السَّلَام وهما من فلاسفة اليونان فَقَوْل أبي عِيسَى إِن
الفلسفة ظَهرت من اليونان زمن بخْتنصر غير مُطَابق لهَذَا فَإِن
بخْتنصر بعد سُلَيْمَان بِأَكْثَرَ من أَرْبَعمِائَة سنة.
من كتاب ابْن سعيد أَن بِلَاد اليونان كَانَت على الخليج القسطنطيني من
شرقية وغربيه إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط وَالْبَحْر القسطنطيني خليج
بَين بَحر الرّوم وَبَين بَحر القرم واسْمه قَدِيما بَحر نيطش بِكَسْر
النُّون وياء مثناة تَحت سَاكِنة وطاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة؛ قَالَ:
واليونان فرقتان فرقة يُقَال لَهُم " الإغريقيون " وهم الأول وَفرْقَة
يُقَال لَهُم اللطينيون قيل اليونان من ولد يافث وَقيل من جملَة الرّوم
من ولد صوفر بن الْعيص بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم
السَّلَام، وَكَانَت مُلُوكهمْ أعظم الْمُلُوك حَتَّى غلبت عَلَيْهِم
الرّوم كَمَا تقدم فِي ذكر أغسطس.
وَكَانَت بِلَادهمْ فِي الرّبع الشمالي المغربي يتوسطها الخليج
القسطنطيني وَجَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مَأْخُوذَة عَنْهُم
كالمنطقية والطبيعية والإلهية والرياضية يسمون الرياضي جومطريا يشْتَمل
على الْهَيْئَة والهندسة والحساب واللحون والإيقاع وَغير ذَلِك،
وَكَانَ الْعَالم بذلك يُسمى فليسوفا تَفْسِيره محب الْحِكْمَة فيلو
محب وسوفا الْحِكْمَة.
فَمن فلاسفتهم " بالس " العملطي زمن بخْتنصر وَمِنْهُم " أبيدقلس
وفيثاغورس " فِي زمن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام،
وفيثاغورس من كبار الْحُكَمَاء زعم أَنه سمع حفيف الْفلك وَوصل إِلَى
مقَام الْملك، وَقَالَ مَا سَمِعت شَيْئا ألذ من حركات الأفلاك وَلَا
رَأَيْت أبهى من صورتهَا.
وَمِنْهُم " أبقراط الْحَكِيم " الْمَشْهُور نجم سنة مائَة وست
وَتِسْعين لبختنصر فَيكون أبقراط قبل الْهِجْرَة بِأَلف وَمِائَة وبضع
وَسبعين سنة.
وَمِنْهُم " سقراط " قَالَ الشهرستاني: كَانَ فضالا زاهدا وَاعْتَزل
فِي غَار بِالْجَبَلِ وَنهى عَن الشّرك والأوثان فألجأت الْعَامَّة
الْملك إِلَى حَبسه ثمَّ سمه فَمَاتَ.
وَمِنْهُم " أفلاطون " تلميذ سقراط جلس بعده على كرسيه.
وَمِنْهُم " أرسطاطاليس " تلميذ أفلاطون فِي زمن الْإِسْكَنْدَر،
وَبَين الْإِسْكَنْدَر وَالْهجْرَة تِسْعمائَة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ
سنة فأفلاطون قبل ذَلِك بِيَسِير وسقراط قبل أفلاطون بِيَسِير فَيكون
بَين سقراط وَالْهجْرَة نَحْو ألف سنة وَبَين أفلاطون وَالْهجْرَة أقل
من ذَلِك.
وَمِنْهُم " طيماوس " من مَشَايِخ أفلاطون. وَأما أرسطا طاليس فَهُوَ
الْمُقدم الْمَشْهُور
(1/72)
والحكيم الْمُطلق لما بلغ أرسطو سبع عشرَة
سلمه أَبوهُ إِلَى أفلاطون فَمَكثَ نيفا وَعشْرين سنة وَصَارَ حكيما
مبرزا يشْتَغل عَلَيْهِ والإسكندر من تلاميذ أرسطوا تعلم عَلَيْهِ خمس
سِنِين ونال من الفلسفة مَا لم ينل سَائِر تلاميذ أرسطو وَلما لحق
أَبَاهُ فيلبس مرض الْمَوْت أَخذ ابْنه الْإِسْكَنْدَر من أرسطو وعهد
إِلَيْهِ بِالْملكِ.
وَمِنْهُم " برقليس " بعد أرسطو صنف كتابا فِيهِ سيثة فِي قدم
الْعَالم.
وَمِنْهُم " الْإِسْكَنْدَر " الأفروديسي بعد أرسطو من كبار
الْحُكَمَاء.
وَمن تَارِيخ ابْن القفطي وَزِير حلب. قَالَ: وَمِنْهُم " طيموخارس "
رياضي يوناني عَالم بهيئة الْفلك رصد الْكَوَاكِب وَذكره بطليموس فِي
المجسطي قبل بطليموس بأربعمائة وَعشْرين سنة. وَمِنْهُم " فرقوريوس "
من صور بِالشَّام على الْبَحْر الرُّومِي بعد جالينوس الَّذِي سَيذكرُ
عَالم بِكَلَام أرسطو فسر كتبه لما شكا النَّاس من غموضها.
وَمِنْهُم " فلوطيس " يوناني شرح كتب أرسطو وَنقل من تصانيفه من
الرومية إِلَى السريانية وَلَا نعلم أَن شَيْئا مِنْهَا خرج إِلَى
الْعَرَبيَّة.
وَمِنْهُم " فولس " الأجانيطي القوابلي نِسْبَة إِلَى جمع قَابِلَة
خَبِير بطب النِّسَاء يسْأَله القوابل عَن حوادث النِّسَاء عقيب
الْولادَة هُوَ بعد جالينوس أَقَامَ بالإسكندرية.
وَمِنْهُم " لسون " المتعصب لفلسفة أفلاطون، وَمِنْهُم " مقسطراطيس "
يوناني شرح كتب أرسطو وَخرجت إِلَى الْعَرَبيَّة.
وَمِنْهُم " منطر " الإسكندري إِمَام فِي علم الْفلك وَاجْتمعَ هُوَ
وأفطيمن بالإسكندرية ورصدا وحققا قبل بطليموس بِنَحْوِ خَمْسمِائَة سنة
وَإِحْدَى وَسبعين
وَمِنْهُم " مورطس " وَيُقَال مورشطس يوناني لَهُ رياضة وتخيل صنف
كتابا للأرغن - آلَة تسمع على سِتِّينَ ميلًا.
وَمِنْهُم " مغنس " من حمص تلميذ أبقراط لَهُ ذكر فِي زَمَانه وتصانيف
ككتاب الْبَوْل وَغَيره.
وَمِنْهُم " مثروديطوس " ركب المعجون وَسَماهُ باسمه وجرب الْأَدْوِيَة
وامتحن قواها فِي أشخاص استحقوا الْقَتْل فَمِنْهَا مَا وَافق لدغة
الرتيلا وَمِنْهَا مَا وَافق لدغة الْعَقْرَب وَكَذَلِكَ غير ذَلِك،
انْتهى كَلَام ابْن القفطي. وَأما بطليموس وجالينوس فمتأخران عَن زمن
اليونان هما فِي زمن الرّوم متقاربا الزَّمن وجالينوس مُتَأَخّر
بِقَلِيل؛ قَالَ ابْن الْأَثِير: أدْرك جالينوس زمن بطليموس مُصَنف
المجسطي الْمَذْكُور فِي زمن أنطونينوس وَمَات أنطونينوس سنة
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة للإسكندر وَبَين رصد بطليموس
ورصد الْمَأْمُون سِتّمائَة وَتسْعُونَ سنة ورصد الْمَأْمُون بعد
مِائَتَيْنِ لِلْهِجْرَةِ ورصد بطليموس أَرْبَعمِائَة وَتسْعُونَ سنة
بالتقريب
(1/73)
وجالينوس فِي أَيَّام قوموذوس الْملك
وَمَوْت قوموذوس سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة للإسكندر فَبين
جالينوس وَالْهجْرَة أَكثر من أَرْبَعمِائَة سنة بِقَلِيل.
وَمن حكماء اليونان " إقليدس " صَاحب كتاب الاستعصاب الْمُسَمّى باسمه
فِي زمن البطالسة فَلم يكن بعد أرسطو بِبَعِيد وَهُوَ جَامع كتاب
إقليدس ومحرره لَا مخترعه.
وَمِنْهُم " أبرخس " رياضي زهدي نقل بطليموس عَنهُ فِي المجسطي، وَبَين
رصد أبرخس ورصد بطليموس مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ سنة فارسية
تَقْرِيبًا.
(أمة الْيَهُود)
تقدم ذكر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر بني إِسْرَائِيل
وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم
السَّلَام ولإسرائيل اثْنَا عشر ابْنا روبيل ثمَّ شَمْعُون ثمَّ لاوى
ثمَّ يهوذا ثمَّ إيشاخر ثمَّ زيولون ثمَّ يُوسُف ثمَّ بنيامين ثمَّ
دَان ثمَّ نفتالي ثمَّ كاذا ثمَّ أَشَارَ.
وَمِنْهُم أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل جَمِيع بني إِسْرَائِيل أَوْلَاد
الاثْنَي عشر سبطا، وَالْيَهُود أَعم من بني إِسْرَائِيل إِذْ من
الْعَرَب وَالروم وَالْفرس وَغَيرهم من تهود وَلَيْسوا من بني
إِسْرَائِيل، وَغير بني إِسْرَائِيل دخيل فِي ملتهم، يُقَال: هاد الرجل
إِذا رَجَعَ وأناب، قَالَ مُوسَى {إِنَّا هدنا إِلَيْك} فَلَزِمَ هَذَا
الِاسْم الْيَهُود.
وكتابهم التَّوْرَاة مُشْتَمِلَة على أسفار فِي السّفر الأول مُبْتَدأ
الْخلق ثمَّ الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْأَحْوَال والقصص والمواعظ
والأذكار فِي سفر سفر وَأنزل عَلَيْهِ الألواح شبه مُخْتَصر مَا فِي
التَّوْرَاة قَالَ فِي خير الْبشر بِخَير الْبشر لَيْسَ فِي
التَّوْرَاة ذكر الْقِيَامَة وَلَا الدَّار الْآخِرَة وَلَا فِيهَا ذكر
بعث وَلَا جنَّة وَلَا نَار وكل جَزَاء فِيهَا إِنَّمَا هُوَ معجل فِي
الدُّنْيَا فيجزون على الطَّاعَة النَّصْر على الْأَعْدَاء وَطول
الْعُمر وسعة الرزق وَنَحْو ذَلِك ويجزون على الْكفْر وَالْمَعْصِيَة
بِالْمَوْتِ وَمنع الْقطر والحميات وَالْحَرب وَأَن ينزل عَلَيْهِم بدل
الْمَطَر الْغُبَار والظلمة وَنَحْو ذَلِك وَلَيْسَ فِيهَا ذمّ
الدُّنْيَا وَلَا الزّهْد فِيهَا وَلَا وَظِيفَة صلوَات مَعْلُومَة بل
الْأَمر بالبطالة والقصف وَاللَّهْو وَمِمَّا تضمنته التَّوْرَاة أَن
يهوذا بن يَعْقُوب فِي زمَان نبوته زنى بأمرأة ابْنه وَأَعْطَاهَا
عمَامَته وخاتمه رهنا على جدي هُوَ أُجْرَة الزِّنَى وَهُوَ لَا
يعرفهَا فَأَمْسَكت برهنه عِنْدهَا وَأرْسل إِلَيْهَا بالجدي فَلم
تَأْخُذهُ وَظهر حملهَا وَأخْبر يهوذا بذلك فَأمر بهَا أَن تحرق فأنفذت
إِلَيْهِ بِالرَّهْنِ فَعرف يهوذا أَنه هُوَ الَّذِي زنى بهَا
فَتَركهَا وَقَالَ هِيَ أصدق، وَمِمَّا تضمنته أَن روبيل بن يَعْقُوب
وطىء سَرِيَّة أَبِيه وَعرف أَبوهُ، وَمِمَّا تضمنته أَن أَوْلَاد
يَعْقُوب من أمته كَانُوا يزنون مَعَ نسَاء أَبِيهِم.
وَجَاء يُوسُف وَعرف أَبَاهُ بِخَبَر إخْوَته الْقَبِيح وَمِمَّا
تضمنته أَن راحيل أُخْت ليا وَكَانَ الْأخْتَان المذكورتان قد جمع
بَينهمَا يَعْقُوب فِي عقد نِكَاحه وَكَانَ ذَلِك حَلَالا فِي ذَلِك
الزَّمَان قَالَ فأسرت راحيل من أُخْتهَا وضرتها ليا مبيت ابْن ليا
وَهُوَ روبيل عِنْد راحيل ليطأها بنوبتها من يَعْقُوب ليبيت عِنْد ليا
وتضمنت من ذَلِك كثيرا أضربنا عَنهُ.
(1/74)
قَالَ الشهرستاني: وَالْيَهُود تَدعِي أَن
الشَّرِيعَة لَا تكون إِلَّا وَاحِدَة وَهِي ابتدأت بمُوسَى وتمت بِهِ
وَأما مَا كَانَ قبل مُوسَى فَإِنَّمَا كَانَ حدودا عقلية وأحكاما
مصلحية وَلم يجيزوا النّسخ أصلا فَلم يجيزوا بعده شَرِيعَة أُخْرَى
قَالُوا: والنسخ فِي الْأَوَامِر بداء وَلَا يجوز البداء على اللَّهِ
تَعَالَى.
قلت: وكل هَذَا مَرْدُود بالأدلة المفروغ مِنْهَا فِي أصُول الْفِقْه
وَالدّين فَلَا يغتر بِهِ من يقف عَلَيْهِ وَلَوْلَا التَّطْوِيل لذكرت
أجوبته، وَالله اعْلَم.
وافترقت الْيَهُود فرقا كَثِيرَة " فالربانية " مِنْهُم كالمعتزلة
فِينَا " والقراؤون " كالمجبرة والمشبهة فِينَا وَمن فرق الْيَهُود "
العانانية " نسبوا إِلَى رجل مِنْهُم اسْمه عانان بن دَاوُد وَكَانَ
رَأس جالوت وَرَأس الجالوت هُوَ اسْم الْحَاكِم على الْيَهُود بعد خراب
بَيت الْمُقَدّس ثَانِيًا وَتقدم ذكر هردوس واليهم من جِهَة الْفرس
ثمَّ من جِهَة اليونان ثمَّ من جِهَة أغسطس وَمن بعده من مُلُوك الرّوم
ثمَّ بعد الخراب الثَّانِي تَفَرَّقت الْيَهُود فِي الْبِلَاد وَلم تعد
لَهُم رياسة يعْتد بهَا وَصَارَ مِنْهُم بالعراق وَتلك النواحي جمَاعَة
وَلَهُم كَبِير مِنْهُم يرجعُونَ إِلَيْهِ اسْمه رَأس الجالوت ... ...
... ... ...
فَمن مَذْهَب العانانية الْمَذْكُورين أَنهم يصدقون الْمَسِيح فِي
مواعظه وإرشاداته وَيَقُولُونَ أَنه لم يُخَالف التَّوْرَاة الْبَتَّةَ
بل قررها ودعا النَّاس إِلَيْهَا وَهُوَ من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل
المتعبد بِالتَّوْرَاةِ إِلَّا أَنهم لَا يَقُولُونَ بنبوته وَمِنْهُم
من يَدعِي أَن عِيسَى لم يدع أَنه نَبِي مُرْسل وَلَا أَنه صَاحب
شَرِيعَة ناسخة لشريعة مُوسَى بل هُوَ من أَوْلِيَاء اللَّهِ تَعَالَى
المخلصين وَأَن الْإِنْجِيل لَيْسَ كتابا منزلا عَلَيْهِ وَحيا من
اللَّهِ بل هُوَ جَمِيع أَحْوَاله جمعه أَرْبَعَة من أَصْحَابه وَأَن
الْيَهُود ظلموه أَولا حَيْثُ كذبوه وَلم يعرفوا بعد دَعْوَاهُ وقتلوه
آخرا وَلم يعلمُوا مَحَله ومغزاه.
وَقد ورد فِي التَّوْرَاة ذكر المسيحان فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وَهُوَ
الْمَسِيح " وَأما السامرة " فَمنهمْ الدستانية وَتسَمى أَيْضا الغانية
وَمِنْهُم الكوشانية والدستانية يَقُولُونَ إِنَّمَا الثَّوَاب
وَالْعِقَاب فِي الدُّنْيَا والكوشانية يقرونَ بِالآخِرَة وثوابها
وعقابها.
ولليهود أعياد مِنْهَا " الفصح " خَامِس عشر من نيسانهم عيد كَبِير أول
أَيَّام الفطير السَّبْعَة يحرمُونَ فِيهَا الخمير وَآخِرهَا الْحَادِي
وَالْعشْرُونَ من الشَّهْر الْمَذْكُور والفصح يَدُور من ثَانِي عشر
آذار إِلَى خَامِس عشر نيسان وَسَببه أَن بني إِسْرَائِيل لما تخلصوا
من فِرْعَوْن وحصلوا فِي التيه اتّفق ذَلِك لَيْلَة الْخَامِس عشر من
نيسان الْيَهُود وَالْقَمَر تَامّ الضَّوْء وَالزَّمَان ربيع فَأمروا
بِحِفْظ هَذَا الْيَوْم وَفِي آخر هَذِه الْأَيَّام غرق فِرْعَوْن فِي
بَحر الشّعب وَهُوَ القلزم.
وَلَهُم " عيد العنصرة " بعد الفطير بِخَمْسِينَ يَوْمًا فِي السَّادِس
من شيون فِيهِ حضر مَشَايِخ بني إِسْرَائِيل إِلَى طور سيناء مَعَ
مُوسَى مَعَ مُوسَى فَسَمِعُوا كَلَام اللَّهِ تَعَالَى من الْوَعْد
والوعيد فاتخذوه عيدا.
وَمِنْهَا " عيد الحنكة " مَعْنَاهُ التَّنْظِيف وَهُوَ ثَمَانِيَة
أَيَّام أَولهَا الْخَامِس وَالْعشْرُونَ من بسليو
(1/75)
يسرجون فِي اللَّيْلَة الأولى سِرَاجًا
وَفِي الثَّانِيَة اثْنَيْنِ وَكَذَا فِي الثَّامِنَة ثَمَانِيَة سرج
وَذَلِكَ تذكار أَصْغَر ثَمَانِيَة إخْوَة قتل بعض مُلُوك اليونان
فَإِنَّهُم كَانَ قد تغلب عَلَيْهِم ملك من اليونان بِبَيْت الْمُقَدّس
كَانَ يفترع الْبَنَات قبل الإهداء إِلَى أَزوَاجهنَّ وَله سرداب قد
أخرج مِنْهُ حبلين عَلَيْهِمَا جلجلان فَإِن احْتَاجَ إِلَى امْرَأَة
حرك الْأَيْمن فَتدخل عَلَيْهِ فَإِذا فرغ مِنْهَا حرك الْأَيْسَر
فيخلي سَبِيلهَا وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل لَهُ ثَمَانِيَة
بَنِينَ وَبنت وَاحِدَة تزَوجهَا إسرائيلي وطلبها فَقَالَ أَبوهَا إِن
أَهْدَيْتهَا افترعها الملعون ودعا بنيه لذَلِك فأنفوا ووثب الصَّغِير
مِنْهُم فَلبس ثِيَاب النِّسَاء وخبأ خنجرا وأتى بَاب الْملك على أَنه
أُخْته فحرك الجرس فَأدْخل عَلَيْهِ فحين خلا بِهِ قَتله وَأخذ رَأسه
وحرك الْحَبل الْأَيْسَر وَخرج فخلى سَبيله فَأَفْرَح ذَلِك بني
إِسْرَائِيل واتخذوه عيدا تذكارا بالإخوة الثَّمَانِية.
وَمِنْهَا " المظال " سَبْعَة أَيَّام أَولهَا خَامِس عشر تشرين الأول
يَسْتَظِلُّونَ فِيهَا بِالْخِلَافِ والقصب وَغَيره فَرِيضَة على
الْمُقِيم تذكارا لإظلالهم بالغمام فِي التيه وَآخِرهَا وَهُوَ حادي
عشر تشرين يُسمى " عرابا " تَفْسِيره شجر الْخلاف وعرعراب وَهُوَ
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من الْخَمِيس يُسمى " التبريك " تبطل فِيهِ
الْأَعْمَال ويتبركون فِيهِ بِالتَّوْرَاةِ وَفِيه استتم نُزُولهَا
بزعمهم.
وَلَيْسَ فِي صومهم فرض غير " صَوْم الكبور " عَاشر تشرينهم
وَابْتِدَاء الصَّوْم من التَّاسِع قبل الْغُرُوب بِنصْف سَاعَة إِلَى
بعد غرُوب الْعشَاء من الْعَاشِر بِنصْف سَاعَة تَمام خمس وَعشْرين
سَاعَة وَكَذَلِكَ صياماتهم النَّوَافِل وَالسّنَن.
(أمة النَّصَارَى)
أمة الْمَسِيح، وَلِلنَّصَارَى فِي تجسد الْكَلِمَة مَذَاهِب مِنْهُم
من قَالَ أشرقت على الْجَسَد إشراق النُّور على الْجِسْم المشف
وَمِنْهُم من قَالَ انطبعت فِيهِ انطباع النقش فِي الشمعة وَمِنْهُم من
قَالَ تدرع اللاهوت بالناسوت وَمِنْهُم من قَالَ مازجت الْكَلِمَة
جَسَد الْمَسِيح ممازجة اللَّبن المَاء واتفقت النَّصَارَى أَن
الْمَسِيح قَتله الْيَهُود وصلبوه وَيَقُولُونَ إِن الْمَسِيح بعد أَن
قتل وصلب وَمَات عَاشَ فَرَأى شخصه شَمْعُون الصَّفَا وَكلمَة وَأوصى
إِلَيْهِ ثمَّ فَارق الدُّنْيَا وَصعد السَّمَاء.
قَالَ الشهرستاني فِي الْملَل والنحل: افْتَرَقت النَّصَارَى على
اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة وكبارهم ثَلَاث فرق الملكانية والنسطورية
واليعقوبية.
أما " الملكانية " فأصحاب ملك ظهر بالروم وَاسْتولى عَلَيْهَا فغالب
الرّوم ملكانية مصرحون بالتثليث، قَالَ تَعَالَى {لقد كفر الَّذين
قَالُوا إِن اللَّهِ ثَالِث ثَلَاثَة} ويصرحون أَن الْمَسِيح ناسوت كلي
قديم أزلي من قديم أزلي وَقد ولدت مَرْيَم إِلَهًا أزليا وَالْقَتْل
والصلب وَقعا على الناسوت واللاهوت مَعًا وأطلقوا لفظ الْأُبُوَّة
والبنوة على اللَّهِ تَعَالَى وتقدس، وعَلى الْمَسِيح حَقِيقَة
وَذَلِكَ لما وجدوا فِي الْإِنْجِيل أَنَّك أَنْت الابْن الوحيد وَلما
رووا عَن الْمَسِيح أَنه قَالَ حِين كَانَ يصلب أذهب إِلَى أبي وأبيكم
وحرموا أربوس لما قَالَ الْقَدِيم
(1/76)
هُوَ اللَّهِ تَعَالَى والمسيح مَخْلُوق
وَاجْتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
بِمحضر من قسطنطين ملكهم وَكَانُوا ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا
وَاتَّفَقُوا على هَذِه الْكَلِمَة اعتقادا ودعوة وَذَلِكَ قَوْلهم
نؤمن بِاللَّه الْوَاحِد الْأَب مَالك كل شَيْء وصانع مَا يرى وَمَا
لَا يرى وبالابن الوحيد أيسوع الْمَسِيح ابْن اللَّهِ الْوَاحِد بكر
الْخَلَائق كلهَا وَلَيْسَ بمصنوع إِلَه خلق من إِلَه حق من جَوْهَر
أَبِيه الَّذِي بِيَدِهِ أتقنت العوالم وكل شَيْء الَّذِي من أجلنا
وَأجل خلاصنا وَنزل من السَّمَاء وتجسد من روح الْقُدس وَولد من
مَرْيَم البتول وصلب وَدفن ثمَّ قَامَ فِي الْيَوْم الثَّالِث وَصعد
إِلَى السَّمَاء وَجلسَ عَن يَمِين أَبِيه وَهُوَ مستعد للمجيء تَارَة
أُخْرَى للْقَضَاء بَين الْأَمْوَات والأحياء ونؤمن بِروح الْقُدس
الْوَاحِد وروح الْحق الَّذِي يخرج من أَبِيه وبمعبودية وَاحِدَة
لغفران الْخَطَايَا وبجماعة وَاحِدَة قدسية مسيحية حاثليقية وبقيام
أبداننا وبالحياة الدائمة أَبَد الآبدين هَذَا هُوَ الِاتِّفَاق الأول
على هَذِه الْكَلِمَات وَوَضَعُوا شرائع النَّصَارَى وَاسم الشَّرِيعَة
عِنْدهم الهيمانوت تَعَالَى اللَّهِ وتقدس عَن كفرهم.
وَأما " النسطورية " فأصحاب نسطورس هم عِنْدهم كالمعتزلة عندنَا خالفوا
الملكانية فِي اتِّحَاد الْكَلِمَة فَلم يَقُولُوا بالامتزاج بل أَن
الْكَلِمَة أشرقت على جَسَد الْمَسِيح كإشراق الشَّمْس على كوَّة أَو
على بلور وَقَالُوا وَقع الْقَتْل على الْمَسِيح من جِهَة ناسوته لَا
من جِهَة لَا هوته خلافًا للملكانية.
وَأما " اليعقوبية " فأصحاب يَعْقُوب البردعاني رَاهِب
بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ قَالُوا انقلبت الْكَلِمَة لَحْمًا ودما
فَصَارَ الْإِلَه هُوَ الْمَسِيح، قَالَ ابْن حزم: واليعقوبية
يَقُولُونَ إِن الْمَسِيح هُوَ اللَّهِ قتل وصلب وَمَات وَإِن الْعَالم
بَقِي ثَلَاثَة أَيَّام بِلَا مُدبر، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى {لقد كفر
الَّذين قَالُوا إِن اللَّهِ هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} .
وَمن كتاب ابْن سعيد: " البطارقة " لِلنَّصَارَى بِمَنْزِلَة
الْأَئِمَّة أَصْحَاب الْمذَاهب لنا " والمطارنة " كالقضاة " والأساقفة
" كالمفتين " والقسيسون " كالقراء " والجاثليق " كإمام الصَّلَاة "
والشماسة " كالمؤذنين وقومة الْمَسَاجِد.
" وصلوات النَّصَارَى سبع " عِنْد الْفجْر وَالضُّحَى وَالظّهْر
وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَنصف اللَّيْل يقرؤون فِيهَا بالزبور
الْمنزل على دَاوُد تبعا للْيَهُود فِي ذَلِك وَالسُّجُود فِي صلَاتهم
غير مَحْدُود وَقد يَسْجُدُونَ فِي الرَّكْعَة الْوَاحِدَة خمسين
سَجْدَة يُنكرُونَ الْوضُوء علينا وعَلى الْيَهُود وَيَقُولُونَ
الأَصْل طَهَارَة الْقلب.
وَمن كتاب نِهَايَة الْإِدْرَاك فِي دراية الأفلاك للشيرازي: فِي
الْهَيْئَة أَن لِلنَّصَارَى أعيادا وصيامات.
فَمِنْهَا " صومهم الْكَبِير " تِسْعَة وَأَرْبَعين يَوْمًا أَولهَا
يَوْم الأثنين أقرب اثْنَيْنِ إِلَى الِاجْتِمَاع الْكَائِن فِيمَا
بَين الْيَوْم الثَّانِي من شباط إِلَى الثَّامِن من آذار فَأَي
اثْنَيْنِ كَانَ أقرب إِلَيْهِ أما قبل الِاجْتِمَاع وَأما بعده فَهُوَ
رَأس صومهم.
(1/77)
" ولصومهم ضَابِط " أصح من هَذَا وَهُوَ
أَن ينظر إِلَى الذّبْح وَهُوَ سادس كانون الثَّانِي فِي أَي شهر هُوَ
من الشُّهُور الْعَرَبيَّة ثمَّ ينْتَقل إِلَى سَابِع عشري الشَّهْر
الْعَرَبِيّ الَّذِي يَلِيهِ من حِين رُؤْيَة الْهلَال فَإِن كَانَ
يَوْم الْإِثْنَيْنِ فَهُوَ رَأس صومهم وَإِلَّا فَأَي اثْنَيْنِ كَانَ
أقرب إِلَيْهِ قبله أَو بعده فَهُوَ رَأس صومهم، وفطرهم أبدا يكون
يَوْم الْأَحَد الْخمسين من هَذَا الصَّوْم وَسبب تخصيصهم هَذَا
الْوَقْت بِالصَّوْمِ أَنهم يَعْتَقِدُونَ أَن الْبَعْث وَالْقِيَامَة
تكون فِي مثل يَوْم الفصح وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قَامَ فِيهِ
الْمَسِيح من قَبره بزعمهم.
وَمن أعيادهم " الشعانين " الْكَبِير وَهُوَ يَوْم الْأَحَد الثَّانِي
وَالْأَرْبَعُونَ من الصَّوْم وَتَفْسِير الشعانين التَّسْبِيح لِأَن
الْمَسِيح دخل يَوْم الشعنينة الْمَذْكُور إِلَى الْقُدس رَاكب اتان
يتبعهَا جحش فاستقبلته الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان بِأَيْدِيهِم
ورق الزَّيْتُون وقرأوا بَين يَدَيْهِ التَّوْرَاة إِلَى أَن دخل بَيت
الْمُقَدّس واختفى عَن الْيَهُود الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء
وَالْأَرْبِعَاء وَغسل فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أَيدي أَصْحَابه
الحواريين وأرجلهم ومسحها فِي ثِيَابه وَكَذَلِكَ يَفْعَله القسيسون
بأصحابهم هَذَا الْيَوْم.
ثمَّ أفْصح فِي يَوْم الْخَمِيس بالخبز وَالْخمر وَصَارَ إِلَى منزل
وَاحِد من أَصْحَابه ثمَّ خرج الْمَسِيح لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَى
الْجَبَل فسعى بِهِ يهوذا أحد تلامذته وارتشى عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ
درهما ودلهم عَلَيْهِ وَأُلْقِي شبهه عَلَيْهِ فوضعوا على رَأسه إكليل
شوك وعذبوه لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَى الصُّبْح فصلبوا شبهه على ثَلَاث
سَاعَات من يَوْم الْجُمُعَة على قَول مَتى ومرقوس ولوقا وَزعم يوحنا
أَنه صلب على مُضِيّ سِتّ سَاعَات من النَّهَار الْمَذْكُور.
وَيُسمى " جُمُعَة الصلبوت " وصلب مَعَه لصان على جبل يُقَال لَهُ
الجمجمة واسْمه بالعبرانية كاكلة وماتوا فِي السَّاعَة التَّاسِعَة
واستوهبه يُوسُف النجار من قَائِد الْيَهُود وهريدوس فدفنه فِي قبر
أعده لنَفسِهِ وَزَعَمت النَّصَارَى أَنه مكث فِي الْقَبْر لَيْلَة
السبت ونهار الْأَحَد ثمَّ قَامَ صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد ينظرُونَ
فِيهِ ويسمون لَيْلَة السبت بِشَارَة الْمَوْتَى بقدوم الْمَسِيح.
وَلَهُم " الْأَحَد الْجَدِيد " أول أحد بعد الْفطر يجعلونه مبدأ
للأعمال وتاريخا للشروط والقبالات.
وَلَهُم " عيد السلاقا " يَوْم الْخَمِيس بعد الْفطر بِأَرْبَعِينَ
يَوْمًا وَفِيه تسلق الْمَسِيح السَّمَاء من طور سيناء.
وَلَهُم " عيد القيطي قسطي " يَوْم الْأَحَد بعد السلاقا بِعشْرَة
أَيَّام واسْمه مُشْتَقّ من الْخمسين بلسانهم وَفِيهِمْ تجلى الْمَسِيح
لتلامذته وهم السليحيون ثمَّ تَفَرَّقت ألسنتهم وتوجهت كل فرقة إِلَى
مَوضِع لغتها.
وَلَهُم " الذّبْح " سادس كانون الثَّانِي يَوْم غمس يحيى للمسيح فِي
نهر الْأُرْدُن.
وَلَهُم " عيد الصَّلِيب " مَشْهُور.
(1/78)
وَلَهُم " الميلاد " يَصُومُونَ قبله
أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَولهَا سادس عشر تشرين الآخر وَكَانَ مِيلَاد
الْمَسِيح بقرية بَيت لحم فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من كانون الأول.
وَأما " الْإِنْجِيل " فَهُوَ كتاب يتَضَمَّن أَخْبَار الْمَسِيح من
وِلَادَته إِلَى خُرُوجه من هَذَا الْعَالم كتبه أَرْبَعَة من
أَصْحَابه هم " مَتى " كتبه بفلسطين بالعبرانية " ومرقوس " كتبه
بِبِلَاد الرّوم باللغة الرومية و " لوقا " كتبه بالإسكندرية
باليونانية " ويوحنا " كتبه باليونانية أَيْضا.
وَلَهُم " صَوْم السليحيين " سِتَّة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا أَولهَا
يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي القبطي قسطي بعد الْفطر الْكَبِير
بِخَمْسِينَ يَوْمًا وَلَهُم فِيهِ خلاف.
وَلَهُم " صَوْم نِينَوَى " ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا يَوْم الأثنين
قبل الصَّوْم الْكَبِير بِاثْنَيْنِ وَعشْرين يَوْمًا.
وَلَهُم " صَوْم العذارى " ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا يَوْم الأثنين تلو
الذّبْح وفطره الْخَمِيس.
(أُمَم دخلت فِي النَّصْرَانِيَّة)
مِنْهَا " الرّوم " على عظم ممالكهم واتساع بِلَادهمْ نجموا من بني
الْعيص بن إِسْحَاق أول ظُهُورهمْ سنة سِتّ وَسبعين وثلثمائة لوفاة
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَسَارُوا إِلَى بِلَادهمْ وسكنوها.
وَمن كتاب ابْن سعيد: الرّوم بَنو الْأَصْفَر والأصفر هُوَ روم بن
الْعيص بن إِسْحَاق على اُحْدُ الْأَقْوَال وَمن الْكَامِل وَغَيره أَن
الرّوم كَانَت صابئة ذَوي أصنام حَتَّى تنصر قسطنطين فتنصروا.
وَمن أُمَم النَّصَارَى " الأرمن " كَانُوا بأرمينية وَقَاعِدَة
مملكتها خلاط وَلما ملكناها صَارُوا فِيهَا رعية ثمَّ تغلبُوا وملكوا
مناطرسوس والمصيصة وبلاد سيس، وسيس مَدِينَة بقلعة حَصِينَة هِيَ
كرْسِي ملكهم فِي زَمَاننَا هَذَا.
وَمِنْهَا: الكرج: بِلَادهمْ مجاورة لبلاد خلاط إِلَى الخليج
القسطنطيني وَإِلَى نَحْو الشمَال وَلَهُم جبال منيعة وقلاع حَصِينَة
وَالْغَالِب عَلَيْهِم النَّصْرَانِيَّة يَلِي ملكهم الرِّجَال
وَالنِّسَاء بالوراثة وهم خلق كثير فِي صلح التتار الْيَوْم.
وَمِنْهَا " الجركس " على شَرْقي بَحر نيطش فِي شظف من الْعَيْش غالبهم
نَصَارَى.
وَمِنْهَا " الروس " لَهُم جزائر فِي بَحر نيطش - بَحر
الْقُسْطَنْطِينِيَّة - وَلَهُم بِلَاد شمَالي الْبَحْر. وَمِنْهَا "
البلغار " نِسْبَة إِلَى مَدِينَة يسكنونها شمَالي بَحر نيطش كَانَ
غالبهم نَصَارَى فَأسلم بَعضهم. وَمِنْهَا " الألمان " أكبر أُمَم
النَّصَارَى غربي الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَى الشمَال جنودهم كَثِيرَة
قصد ملكهم فِي مائَة ألف مقاتلة صَلَاح الدّين بن أَيُّوب فَهَلَك هُوَ
وغالب عسكره فِي الطَّرِيق وسنذكره فِي أَخْبَار صَلَاح الدّين.
(1/79)
وَمِنْهَا " البرجان " أمة بل أُمَم طاغية
مثلثون بِلَادهمْ متوغلة فِي الشمَال سيرهم مُنْقَطِعَة لبعدهم عَنَّا
وجفاء طباعهم.
وَمِنْهَا " الفرنج " أُمَم أصل بِلَادهمْ فرنجة وَيُقَال فرسنة
جَوَاهِر الأندلس شماليها يُقَال لملكهم الفرنسيس قصد ديار مصر وَأخذ
دمياط ثمَّ أسره الْمُسلمُونَ واستنقذوا دمياط مِنْهُ ومنوا عَلَيْهِ
بِالْإِطْلَاقِ بعد موت الْملك الصَّالح أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد
بن أبي بكر بن أَيُّوب وَقد غلب الفرنج على مُعظم الأندلس وَلَهُم فِي
بَحر الرّوم جزائر مَشْهُورَة مثل صقلية وقبرس وأقريطش.
وَمِنْهُم " الجنوية " نِسْبَة إِلَى جنوه مَدِينَة عَظِيمَة وبلادهم
كَبِيرَة غربي الْقُسْطَنْطِينِيَّة على بَحر الرّوم.
وَمِنْهُم " البنادقة " مدينتهم البندقية على خليج من بَحر الرّوم تمتد
نَحْو سَبْعمِائة ميل فِي جِهَة الشمَال والغرب وَهِي قريبَة من جنوه
فِي الْبر بَينهمَا ثَمَانِيَة أَيَّام وَبَينهمَا فِي الْبَحْر أمد
بعيد فَوق شَهْرَيْن لأَنهم يخرجُون إِلَى بَحر الرّوم شرقا ثمَّ غربا
إِلَى جنوه، ورومية عَظِيمَة غربي جنوه والبندقية، وخليفتهم البابا
بهَا وَهِي شمَالي الأندلس بشرق.
وَمن أُمَم النَّصَارَى " الجلالقة " جهلة جُفَاة أَشد من الفرنج
يتركون ثِيَابهمْ بِلَا غسل إِلَى أَن تبلى وَيدخل أحدهم دَار الآخر
بِلَا اسْتِئْذَان وهم كَالْبَهَائِمِ بِلَادهمْ كَثِيرَة شمَالي
الأندلس.
وَمِنْهَا " الباشقرد " عَالم بَين الألمان وإفرنجة غالبهم نَصَارَى
وَفِيهِمْ مُسلمُونَ لَهُم شراسة أَخْلَاق.
(أُمَم الْهِنْد)
فرق مِنْهُم " الباسوية " زَعَمُوا أَن لَهُم رَسُولا ملكا روحانيا نزل
بِصُورَة الْبشر أَمرهم بتعظيم النَّار والتقرب إِلَيْهَا بالطيب
والذبائح ونهاهم عَن الْقَتْل وَالذّبْح لغير النَّار وَسن لَهُم أَن
يتوشحوا بخيط يعقدونه من مَنَاكِبهمْ الأيامن إِلَى تَحت شمائلهم وأباح
الزِّنَى وَعظم الْبَقر وَأمر بِالسُّجُود لَهَا حَيْثُ رأوها.
وَمِنْهُم " الْيَهُودِيَّة " يَقُولُونَ الْأَشْيَاء كلهَا صنع
الْخَالِق فَلَا يعافون شَيْئا ويتقلدون بعظام النَّاس ويمسحون رؤوسهم
وأجسادهم بالرماد ويحرمون الذَّبَائِح وَالنِّكَاح وَجمع المَال.
وَمِنْهُم " عَبدة الشَّمْس " وَمِنْهُم " عَبدة الْقَمَر " وَمِنْهُم
" عَبدة الْأَصْنَام " وهم معظمهم لكل طَائِفَة صنم وأشكال الْأَصْنَام
مُخْتَلفَة.
وَمِنْهُم " عباد المَاء " الجهلكية يَزْعمُونَ أَن المَاء ملك وَهُوَ
أصل كل شَيْء إِذا أَرَادَ الرجل عبَادَة المَاء تجرد وَستر عَوْرَته
وَدخل المَاء إِلَى وَسطه وَيُقِيم ساعتين أَو أَكثر وَمَعَهُ رياحين
يقطعهَا صغَارًا ويلقيها فِيهِ وَهُوَ يسبح وَيقْرَأ وَإِذا أَرَادَ
الإنصراف حرك المَاء بِيَدِهِ ثمَّ نقط مِنْهُ على رَأسه وَوَجهه وَسجد
وَانْصَرف.
(1/80)
وَمِنْهُم " عباد النَّار " الأكنواطرية
عِبَادَتهم أَن يحفروا أُخْدُودًا مربعًا ويؤججوا بِهِ النَّار ثمَّ
لَا يدعونَ طَعَاما لذيذاً وَلَا ثوبا فاخرا وَلَا شرابًا لطيفا وَلَا
عطرا فائحا وَلَا جوهرا نفيسا إِلَّا طرحوه فِي تِلْكَ النَّار تقربا
إِلَيْهَا وحرموا إِلْقَاء النُّفُوس فِيهَا خلافًا لطائفة أُخْرَى.
وَمِنْهُم " البراهمة " أَصْحَاب فكرة وَعلم بالفلك والنجوم تخَالف
طريقتهم منجمي الرّوم والعجم لِأَن أَكثر أحكامهم باتصالات الثوابت دون
السيارات يعظمون أَمر الْفِكر وَيَقُولُونَ هُوَ الْمُتَوَسّط بَين
المحسوس والمعقول ويجتهدون فِي صرف الْفِكر عَن المحسوسات ليتجرد
الْفِكر عَن هَذَا الْعَالم ويتجلى لَهُ ذَلِك الْعَالم فَرُبمَا يخبر
عَن المغيبات وَرُبمَا يُوقع الْوَهم على حَيّ فيقتله وَإِنَّمَا
يصرفون الْفِكر عَن المحسوسات بالرياضية البليغة المجهدة وبتغميض
أَعينهم أَيَّامًا والبراهمة لَا يَقُولُونَ بالنبوات وَلَهُم على
ذَلِك شبه والهنود لَا يرَوْنَ إرْسَال الرّيح من بطونهم قبيحا والسعال
أقبح عِنْدهم من إرْسَال الرّيح والجشاء.
وَمِنْهُم من يحرق نَفسه فَيَأْتِي إِلَى بَاب الْملك يَسْتَأْذِنهُ
فِي ذَلِك ويلبس أَنْوَاع الْحَرِير المنقوش ويتكلل بالريحان وتضرب
الطبول والصنوج بَين يَدَيْهِ ويدور كَذَلِك فِي الْأَسْوَاق وَحَوله
أَهله وأقاربه ثمَّ يدنو من النَّار المؤججة لَهُ وَيَأْخُذ خنجرا يشق
بِهِ جَوْفه ثمَّ يهوي بِنَفسِهِ فِي النَّار، والزنى فيهم مُبَاح
ويعظمون نهر كبك وَهُوَ نهر عَظِيم فِي حُدُود الْهِنْد من الشرق إِلَى
الغرب وَمِنْه نهر إِلَى بِلَاد سجستان وَهُوَ حاد الانصباب ويرغبون
فِي إغراق نُفُوسهم بِهِ وَيقْتلُونَ نُفُوسهم على شطه ويتهادون
مَاءَهُ كَمَا نتهادى نَحن مَاء زَمْزَم.
وللهند ممالك مِنْهَا " مملكة المايكين " من أعظم ممالكهم على بَحر
اللان وَعَلِيهِ السَّنَد وَلَا يدْرك قَعْره هُوَ أول بحارهم من جِهَة
الغرب وَهِي أقرب ممالكهم إِلَيْنَا وَأكْثر مَحْمُود بن سبكتكين غَزْو
هَذِه وَفتح كثيرا مِنْهَا وَمن مدنها الْعِظَام لاهور على جَانِبي نهر
عَظِيم مثل بَغْدَاد.
ويلي المايكين " مملكة القنوج " بلادها الْجبَال مُنْقَطِعَة عَن
الْبَحْر من ملكهَا سمي بوده ونهر مهْرَان وَهُوَ نهر السَّنَد أَصله
من بِلَاد القنوج وَلها أصنام يتوارثون عبادتها ويزعمون أَن لَهَا
مِائَتي ألف سنة.
وتجاورها " مملكة قمار " على الْبَحْر ينْسب إِلَيْهَا الْعود وهم
يحرمُونَ الزِّنَى من بَين الْهِنْد من ملكهَا سمي زهم ويحاذيه من
جِهَة الْبَحْر المهراج ملك الخزر.
وَآخر ممالك الْهِنْد من جِهَة الشرق " مملكة ببارس " تلِي الصين
طَوِيلَة عرضهَا عشرَة أَيَّام وجزائر بَحر الْهِنْد فِي غَايَة
الْكَثْرَة وَهِي فِي الْبَحْر قبالة هَذِه الممالك.
(أمة السَّنَد)
غربي الْهِنْد وبلادهم قِسْمَانِ الأول على جَانب الْبَحْر وَهُوَ
اللان من مدنه المنصورة والمولتان والدبيل والمسلمون غالبون عَلَيْهِ.
(1/81)
" الثَّانِي " فِي الْبر إِلَى جَانب
الْجَبَل وعر تسمى بِلَاده القشمير يُقَال لمن ملكهم زنيل وهم أهل
أوثان.
(أُمَم السودَان)
هم من ولد حام وَمِنْهُم مجوس وَمِنْهُم عابدوا الْحَيَّات وَمِنْهُم
أَصْحَاب أوثان وَعَن جالينوس اختصاصهم بِعشر خِصَال تفلفل الشُّعُور
وخفة اللحى وانتشار المنخرين وَغلظ الشفتين وتحد الْأَسْنَان ونتن
الْجلد وَسَوَاد اللَّوْن وتشقق الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَطول
الذّكر وَكَثْرَة الطَّرب.
فَمن أعظم أممهم " الْحَبَش " بِلَادهمْ مُقَابلَة الْحجاز بَينهمَا
الْبَحْر طَوِيلَة عريضة فِي جنوب النّوبَة وشرقيها ملكوا الْيمن قبل
الْإِسْلَام كَمَا تقدم والخصيان مِنْهُم أَفْخَر الخصيان.
ويجاورهم من الْجنُوب " الزيلع " غالبهم مُسلمُونَ.
وَمن أُمَم السودَان " النّوبَة " بجوار الْحَبَشَة من الشمَال والغرب
والنوبة فِي جنوب حُدُود مصر والمصريون يغزونهم كثيرا وَيُقَال إِن
لُقْمَان من النّوبَة ولد بأيلة وَمِنْهُم ذُو النُّون الْمصْرِيّ
وبلال بن حمامة.
وَمن أممهم " البجاوة " شديدو السوَاد عُرَاة أهل أوثان وَفِي
بِلَادهمْ الذَّهَب وَأمن وَحسن مرافقة للتجار وهم فَوق الْحَبَشَة
إِلَى جِهَة الْجنُوب على النّيل.
وَمن أممهم " الدمادم " على النّيل فَوق الزنج والدمادم تتر السودَان
خَرجُوا عَلَيْهِم وَقتلُوا وَلَهُم أوثان وأوضاع مُخْتَلفَة وَعِنْدهم
الزرافات وَهُنَاكَ يفْتَرق النّيل إِلَى مصر وَإِلَى الزنج.
وَمن أممهم " الزنج " أَشَّدهم سوادا أهل بَأْس وقساوة يُحَاربُونَ
راكبين للبقر وَلَهُم أوثان والنيل يَنْقَسِم فِي بِلَادهمْ عِنْد جبل
الْمقسم.
وَمن أممهم " التكرور " على غربي النّيل بِلَادهمْ جنوبية غربية
وببلادهم يكون الذَّهَب كفار مهملون وَمِنْهُم مُسلمُونَ.
وَمن أممهم " الكانم " أَكْثَرهم مُسلمُونَ مالكية مساكنهم على النّيل
وَأما عانة فَمن أعظم مدن السودَان فِي أقْصَى جنوب الْمغرب يُسَافر
التُّجَّار من سجلماسة إِلَى عانة وسجلماسة مَدِينَة بالمغرب
الْأَقْصَى بعيدَة عَن الْبَحْر ويحملون فِي سفرهم المَاء فِي مفازة
اثْنَي عشرَة يَوْمًا ويجلبون إِلَيْهَا التِّين وَالْملح والنحاس
والودع وَلَا يجلبون مِنْهَا إِلَّا الذَّهَب الْعين.
(أمة الصين)
طول بِلَادهمْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب شَهْرَان وعرضها من بَحر الصين
فِي الْجنُوب إِلَى سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج فِي الشمَال قيل عرضهَا
أَكثر من طولهَا يشْتَمل عرضهَا على الأقاليم السَّبْعَة وَأهل الصين
أحسن النَّاس سياسة وَأَكْثَرهم عدلا وأحذقهم فِي الصناعات قصار
(1/82)
القدود عِظَام الرؤس مذاهبهم مُخْتَلفَة
مجوس وَأهل أوثان وَأهل نيران ومدينتهم الْكُبْرَى جمدان يشقها نهرها
الْأَعْظَم وهم حذاق بالنقش والتصوير يعْمل الصَّبِي مِنْهُم مَا يعجز
أهل الأَرْض.
والأقصى صين الصين نِهَايَة الْعِمَارَة من جِهَة الشرق وَلَيْسَ
وَرَاءَهُمْ غير " بَحر الْمُحِيط ومدينته الْعُظْمَى السبلى وأخبارهم
مُنْقَطِعَة عَنَّا.
(بَنو كنعان)
هم أهل الشَّام سكنه سَام واسْمه فِي العبرانية بالشين الْمُعْجَمَة
فَسُمي بِهِ وَقيل تشاءمت بِهِ بَنو كنعان وكنعان بن ماريع بن حام بن
نوح وَهُوَ من جملَة المتفقين على بِنَاء الصرح فَلَمَّا بلبل اللَّهِ
ألسنتهم فِي أَوَاخِر سنة سِتّمائَة وَسبعين للطوفان وَتَفَرَّقُوا نزل
كنعان الشَّام فِي جِهَة فلسطين وتوارثها بنوه وكل ملك من كنعان لقب
جالوت إِلَى أَن قتل دَاوُد جالوت آخر مُلُوكهمْ واسْمه كلباد عَن
البيروني فَتفرق بَنو كنعان وَسكن مِنْهُم طَائِفَة الْمغرب وهم
البربر.
وَقد اخْتلف فِي " البربر " فَقيل هم من ولد فاروق بن يبصر بن حام وهم
يَزْعمُونَ أَنه من قيس عيلان وصنهاجة من البربر تزْعم أَنَّهَا من ولد
أفريقش بن صَيْفِي الْحِمْيَرِي وزناتة مِنْهُم تزْعم أَنَّهَا من لخم
وَالأَصَح أَنهم من ولد كنعان.
والبربر كثير جدا مِنْهُم " كتامة " بالجبال من الْمغرب الْأَوْسَط هم
أَقَامُوا دولة الفاطميين مَعَ أبي عبد اللَّهِ الشيعي وَمِنْهُم "
صنهاجة " وَمِنْهُم مُلُوك أفريقية بَنو بلكين بن زمري.
وَمن البربر " زناته " وَكَانَ مِنْهُم مُلُوك فاس وتلمسان وسجلماسة
وَلَهُم شجاعة.
وَمن البربر " المصامدة " بجبال درن وَقَامُوا بنصر الْمهْدي بن تومرت
وبهم ملك عبد الْمُؤمن وَبَنوهُ الْمغرب وانفرق من المصامدة قَبيلَة "
هنتاته " وَملك مِنْهُم إفريقية وَالْمغْرب الْأَوْسَط أَبُو
زَكَرِيَّاء يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص ثمَّ خطب لوَلَده أبي
عبيد اللَّهِ مُحَمَّد بالخلافة وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى سنة
اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة.
وَمن البربر " براغواطة " بتامسنا وجهات سلا على الْمُحِيط والبربر مثل
الْعَرَب فِي الصَّحَارِي وَلَهُم لِسَان غير الْعَرَبِيّ، ترجع لغاتهم
إِلَى أصُول وَاحِدَة وتختلف فروعها حَتَّى لَا يفهم بَعضهم من بعض.
" عَاد " وهم من ولد بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح عِظَام الأجساد
جبابرة نزل عَاد بحضرموت لما تبلبلت الألسن ونبيهم هود عَلَيْهِ
السَّلَام قَالَ لَهُم هود: أتبنون بِكُل ربع آيَة تعبثون وتتخذون
مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين. وَتسَمى
بِلَادهمْ الْأَحْقَاف مُتَّصِلَة بِالْيمن وعمان.
أول من ملك مِنْهُم " شَدَّاد " بن عَاد من بنيه جمَاعَة وأخبارهم
مضطربة.
" العمالقة " من ولد عمليق بن سَام نزلُوا لما تبلبلت الألسن
بِصَنْعَاء ثمَّ بِالْحرم وأهلكوا
(1/83)
من قاتهلم من الْأُمَم وَكَانَ مِنْهُم جمَاعَة بِالشَّام قَاتلهم
مُوسَى، ثمَّ يُوشَع عَلَيْهِمَا السَّلَام فأفناهم وَمِنْهُم
فَرَاعِنَة بِمصْر وَمِنْهُم من ملك خَيْبَر ويثرب وَغَيرهمَا من
الْحجاز وَأمر مُوسَى جَيْشًا بقتل العمالقة فَلم يستبق مِنْهُم سوى
ابْن ملكهم فَرجع بِهِ الْجَيْش إِلَى الشَّام وَقد مَاتَ مُوسَى
فَقَالَ لَهُم بَنو إِسْرَائِيل قد عصيتم وخالفتم فَلَا نأويكم
فَرَجَعُوا إِلَى يثرب وخيبر وَغَيرهمَا من الْبِلَاد الَّتِي غلبوا
عَلَيْهَا واستمروا حَتَّى نزلت عَلَيْهِم الْأَوْس والخزرج لما
تفَرقُوا من الْيمن بِسَبَب سيل الْهَرم وَقيل إِنَّمَا سكن الْيَهُود
الْحجاز لما غزاهم بخْتنصر. |