تاريخ ابن الوردي
(الْفَصْل الرَّابِع)
(فِي مُلُوك الْعَرَب قبل الْإِسْلَام)
مَا يتَعَلَّق بقبائل الْعَرَب وأنسابهم سَنذكرُهُ مَعَ ذكر أمة
الْعَرَب، فِي الْفَصْل الْخَامِس من كتاب أبي سعيد إِن بعد تبلبل
الألسن وتفرق بني نوح أول من نزل الْيمن " قحطان " بن عَابِر بن شالح
وقحطان أول من ملك أَرض الْيمن وَلبس التَّاج ثمَّ مَاتَ.
فَملك بعده ابْنه " يعرب " أول من نطق بِالْعَرَبِيَّةِ على مَا ذكر،
ثمَّ ملك ابْنه " يشجب " ثمَّ ابْنه " عبد شمس " فَأكْثر الْغَزْو فِي
الأقطار فَسُمي سبا وَهُوَ الَّذِي بنى السد بِأَرْض مأرب وفجر
إِلَيْهِ سبعين نَهرا وسَاق إِلَيْهِ السُّيُول من أمد بعيد وَبنى مأرب
وَعرفت بِمَدِينَة سبا وَقيل مأرب لقب لمن يَلِي الْيمن وَقل مأرب قصر
الْملك وَالْمَدينَة سبا وَخلف سبا عدَّة أَوْلَاد مِنْهُم حمير
وَعَمْرو وكهلان وأشعر وَغَيرهم كَمَا سَيَأْتِي، وَملك بعده ابْنه "
حمير " فَأخْرج ثمودا من الْيمن إِلَى الْحجاز.
ثمَّ ملك ابْنه " وَائِل " بن حمير، ثمَّ ابْنه " سكسك " ثمَّ ابْنه "
يعفر "، ثمَّ وثب على ملك الْيمن " ذورياش " عَامر بن باران بن عَوْف
بن حمير ثمَّ نَهَضَ من بني وَائِل " النُّعْمَان " بن يعفر بن السكسك
بن وَائِل بن حمير وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس وطرد عَامر بن باران عَن
الْملك واستقل النُّعْمَان ولقب النُّعْمَان بالمعافر لقَوْله:
(إِذا أَنْت عافرت الْأُمُور بقدرة ... بلغت معالي الأقدمين المقاول)
المقاول لَفظه جمع وهم الَّذين يلون الْجِهَات الْكِبَار من الْيمن
ثمَّ ملك ابْنه " أسمح " ثمَّ " شَدَّاد " بن عَاد بن الماطاط بن سبا
وَجمع الْملك وغزا الْبِلَاد إِلَى أقْصَى الغرب وَبنى الْمَدَائِن
والمصانع وَأبقى الْآثَار الْعَظِيمَة.
ثمَّ ملك أَخُوهُ " لُقْمَان " بن عَاد، ثمَّ أَخُوهُ " ذُو شدد " بن
عَاد، ثمَّ ابْنه " الْحَارِث " الرائش بن ذِي شدد وَقيل الْحَارِث
الرائش الْمَذْكُور هُوَ ابْن قيس بن صَيْفِي بن سبا الْأَصْغَر وَهُوَ
تبع الأول، ثمَّ ابْنه " ذُو القرنين " الصعب، ثمَّ ابْنه " ذُو
الْمنَار أَبْرَهَة " ثمَّ ابْنه " أفريقش "، ثمَّ أَخُوهُ " ذُو
الأذعار " عَمْرو بن ذِي الْمنَار، ثمَّ ملك " شُرَحْبِيل " بن عَمْرو
بن غَالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن وَائِل بن حمير فَإِن
حمير كرهت ذَا الأذعار فخلعت طَاعَته وملكت عَلَيْهَا شُرَحْبِيل وَجرى
بَينهمَا حَرْب واستقل شُرَحْبِيل بِالْملكِ وَبعده ابْنه " الهدهاد "
ثمَّ ابْنَته بلقيس بنت الهدهاد زوج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام،
ثمَّ عَمها " ناشر
(1/56)
النعم " بن شُرَحْبِيل وَقيل ناشر النعم
اسْمه مَالك بن عَمْرو بن يعفر بن عَمْرو من ولد المنتاب بن زيد
الْحِمْيَرِي.
ثمَّ ملك بعده " شمر يرعش " بن ناشر النعم وَقيل شمر بن أفريقش بن
أَبْرَهَة بن ذِي الْمنَار، ثمَّ ابْنه " أَبُو مَالك " بن شمر، ثمَّ
ملك عمرَان بن عَامر الْأَزْدِيّ هُوَ " عمرَان " بن عَامر بن حَارِثَة
بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت
بن مَالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبا وانتقل الْملك حِينَئِذٍ من
ولد حمير بن سبا إِلَى ولد أَخِيه كهلان بن سبا وَكَانَ عمرَان
كَاهِنًا.
ثمَّ ملك بعده " مزيقيا " عَمْرو بن عَامر الْأَزْدِيّ قيل لَهُ مزيقيا
لِأَنَّهُ كَانَ يلبس كل يَوْم حلَّة فَإِذا أَرَادَ الدُّخُول إِلَى
مَجْلِسه رمى بهَا فمزقت لِئَلَّا يجد أحد وقيها مَا يلْبسهُ بعده.
من تَارِيخ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ أَن الَّذِي ملك بعد أبي مَالك بن
شمر قبل عمرَان الْأَزْدِيّ ابْنه " الأقرن " بن أبي مَالك.
ثمَّ ملك " ذُو حبشان " بن الأقرن وأوقع بطسم وجديس ثمَّ أَخُوهُ " تبع
" بن الأقرن، ثمَّ ابْنه " كلبكرب " بن تبع، ثمَّ ملك " أَبُو كرب أسعد
" تبع الْأَوْسَط وَقتل، ثمَّ ابْنه " حسان " بن تبع وَقتل قَتله
أَبِيه، ثمَّ قَتله أَخُوهُ " عَمْرو " بن تبع وَملك بعده وتواترت
بِعَمْرو الأسقام فَكَانَ يمْضِي إِلَى الْخَلَاء على نعش فَسُمي ذَا
الأعواد.
ثمَّ ملك بعده " عبد كلال " بن ذِي الأعواد، ثمَّ " تبع " بن حسان بن
كليكرب وَهُوَ تبع الْأَصْغَر، ثمَّ ابْن أَخِيه " الْحَارِث " بن
عَمْرو وتهود الْحَارِث، ثمَّ ملك " مرْثَد " بن كلال، ثمَّ تفرق بعده
ملك حمير وَالَّذِي اشْتهر بعده أَنه ملك " وكيعة " بن مرْثَد، ثمَّ "
أَبْرَهَة " بن الصَّباح، ثمَّ صهْبَان بن مجرب، ثمَّ " عَمْرو بن تبع
"، ثمَّ " ذُو شناتر "، ثمَّ " ذُو نواس " وَكَانَ من لَا يتهود
أَلْقَاهُ فِي أخدُود مضطرم فَسُمي صَاحب الْأُخْدُود، ثمَّ " ذُو جدن
" آخر مُلُوك حمير وَمُدَّة ملكهم على مَا قيل أَلفَانِ وَعِشْرُونَ
سنة.
" قَالَ صَاحب تواريخ الْأُمَم " لَيْسَ فِي التواريخ أسقم من تواريخ
مُلُوك حمير لما يذكر فِيهِ من كَثْرَة عدد سنيهم مَعَ قلَّة عدد
مُلُوكهمْ فَإِنَّهُم يَزْعمُونَ أَن مُلُوكهمْ سِتَّة وَعِشْرُونَ
ملكا ملكوا فِي مُدَّة أَلفَيْنِ وَعشْرين سنة ثمَّ ملك الْيمن بعدهمْ
من الْحَبَشَة وَمن الْفرس ثَمَانِيَة ثمَّ صَارَت الْيمن
لِلْإِسْلَامِ.
ثمَّ ملك الْيمن بعد ذِي جدن من الْحَبَشَة " أرباط "، ثمَّ "
أَبْرَهَة الأشرم " صَاحب الْفِيل ثمَّ " بكسوم "، ثمَّ مَسْرُوق بن
أَبْرَهَة وَهُوَ آخر من ملك الْيمن من الْحَبَشَة ثمَّ عَاد الْيمن
إِلَى حمير وملكها " سيف بن ذِي يزن الْحِمْيَرِي " أنجده كسْرَى
أنوشروان بِجَيْش من الْعَجم مقدمه وهرز فطرد الْحَبَشَة وَقرر سَيْفا
بِالْيمن فَجَلَسَ سيف يَوْمًا يشرب فِي غمدان وَهُوَ قصر لأجداده
بِالْيمن فامتدحه الْعَرَب بالأشعار مِنْهَا قَول أُميَّة بن أبي
الصَّلْت، يصف تغرب سيف وقصده قَيْصر ثمَّ كسْرَى ونجدته لَهُ:
(1/57)
(لَا تقصد النَّاس إِلَّا كَابْن ذِي يزن
... إِذْ خيم الْبَحْر للأعداء أحوالا)
(وافى هِرقل وَقد سَالَتْ نعامته ... فَلم تَجِد عِنْده النَّصْر
الَّذِي سالا)
(ثمَّ انتحى نَحْو كسْرَى بعد عاشرة ... من السنين نهبن النَّفس
والمالا)
(حَتَّى أَتَى ببني الْأَحْرَار يقدمهم ... تخالهم فَوق متن الأَرْض
أجبالا)
(لله دِرْهَم من فتية صَبَرُوا ... مَا أَن رَأَيْت لَهُم فِي النَّاس
أَمْثَالًا)
(بيض مرازبة غلب أساورة ... أَسد تربب فِي الغيضات أشبالا)
(فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا ... بِرَأْس غمد إِن دَارا
مِنْك محلالا)
(تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا بعد أبوالا)
وَاصْطفى سيف جمَاعَة من الحبشان خَاصَّة لَهُ فاغتالوه وقتلوه فَأرْسل
كسْرَى عَاملا على الْيمن واستمرت عُمَّال كسْرَى على الْيمن إِلَى
آخِرهم وَهُوَ باذان الَّذِي كَانَ على عهد رَسُول اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأسلم، ثمَّ صَارَت الْيمن
لِلْإِسْلَامِ.
(ذكر مُلُوك الْعَرَب فِي غير الْيمن)
أول ملك من الْعَرَب بِأَرْض الجزيرة " مَالك " بن فهم بن غنم بن دوس
بن عدنان بن عبد اللَّهِ بن وهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن
مَالك بن النَّضر بن الأزد من ولد كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن
قحطان كَانَ ملك مَالك فِي أَيَّام مُلُوك الطوائف قبل الأكاسرة.
ثمَّ ملك بعده أَخُوهُ " عَمْرو " بن فهم، ثمَّ ابْن أَخِيه " جذيمة "
بن مَالك؛ كَانَ بِهِ برص فَقَالُوا جذيمة الأبرص فَقَالُوا جذيمة
الأبرش كِنَايَة عَنهُ وَعظم شَأْنه وَأُخْته رقاش هويت عدي بن نصر بن
ربيعَة من أياد وهويها وَكَانَ جذيمة اصْطنع عديا وَسلم إِلَيْهِ
مجْلِس شرابه فاتفقت مَعَه أَن يخطبها من أَخِيهَا جذيمة حَال سكره
فَفعل وَأذن لَهُ جذيمة فَدخل عدي برقاش فَلَمَّا أصبح جذيمة وَعلم
بذلك عظم عَلَيْهِ فهرب عدي وَقيل ظفر بِهِ جذيمة فَقتله وحبلت رقاش من
عدي فَقَالَ لَهَا جذيمة:
(خبريني رقاش لَا تكذبِينِي ... أبحر زَنَيْت أم بهجين)
(أم بِعَبْد فَأَنت أهل لعبد ... أم بِدُونِ فَأَنت أهل لدوّنَ)
فَقَالَت: بل من خِيَار الْعَرَب وَجَاءَت بِولد سمته عمرا وربته
وزينته وألبسته طوقا وَفَرح بِهِ جذيمة ثمَّ عدم الْغُلَام وتزعم
الْعَرَب أَن الْجِنّ اختطفته ثمَّ وجده شخصان مَالك وَعقيل فأحضراه
لَهُ فجعلهما منادمين لَهُ مَا بقوا وَالْعرب تضرب الْمثل بندماني
جذيمة وَفِي أَيَّام جذيمة ملك الجزيرة وأعالي الْفُرَات ومشارف
الشَّام رجل من العمالقة اسْمه عَمْرو بن الظرب بن حسان وحاربة جذيمة
وانتصر جذيمة عَلَيْهِ وَقَتله.
ولعمرو بنت اسْمهَا نائلة وتدعى " الزباء " ملكت بعده وَبنت على
الْفُرَات مدينتين
(1/58)
متقابلتين وَأخذت فِي الْحِيلَة على جذيمة
وَأَطْعَمته بِنَفسِهَا حَتَّى اغْترَّ وَقدم إِلَيْهَا فَقتلته وَأخذت
بثأر أَبِيهَا.
(ذكر ابْتِدَاء ملك اللخميين)
مُلُوك الْحيرَة هم المتاذرة بَنو عدي بن نصر بن ربيعَة من ولد لخم بن
عدي بن عَمْرو ابْن سبا وَلما قتل جذيمة ملك بعده ابْن أُخْته رقاش "
عَمْرو " بن عدي بن نصر بن ربيعَة.
وَكَانَ لجذيمة عبد يُقَال لَهُ قصير فاتفق مَعَه عَمْرو على جدع أنف
قصير وضربه بالسياط وَحضر قصير على تِلْكَ الْحَالة إِلَى الزباء فِي
صُورَة مغاضب لعَمْرو فأمنت إِلَيْهِ الزباء وَصَارَ يتجر لَهَا
وَيَأْخُذ قصير المَال من مَوْلَاهُ ويحضره إِلَيْهَا موهما لَهَا أَنه
كسب متجرها مَرَّات حَتَّى أَتَى بقافلة نَحْو ألف جمل عَلَيْهَا
صناديق مقفلة من دَاخل فِيهَا أبطال فارتابت الزباء مِنْهَا وَقَالَت:
(مَا للجمال سَيرهَا وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا)
(أم صرفانا بَارِدًا صهيدا ... أم الرِّجَال جثما قعُودا)
فَلَمَّا دخلُوا حصنها خَرجُوا من الصناديق وَأخذُوا الْمَدِينَة
عنْوَة وَقتلُوا الزباء وَأخذ قصير بثأر جذيمة مَوْلَاهُ؛ قلت: هُوَ
قصير بن سعد اللَّخْمِيّ صَاحب جذيمة وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب
الأذكياء أَنه ابْن عَم جذيمة وَفِي صِحَاح الْجَوْهَرِي أَنه صَاحب
جذيمة فَفِي قَوْله أَنه عبد لَهُ فِيهِ نظر وَضرب بجذع قصير أَنفه
الْمثل الْمَشْهُور وَالله أعلم. وَطَالَ ملك عَمْرو وَمَات.
وَملك بعد ابْنه " امْرُؤ الْقَيْس " بن عَمْرو وَيُقَال لَهُ البداء
أَي الأول، ثمَّ ملك بعد ابْنه " عَمْرو " فِي أَيَّام سَابُور ذِي
الأكتاف، ثمَّ ملك " أَوْس " بن قلام العمليقي ثمَّ ملك آخر من
العماليق، ثمَّ رَجَعَ الْملك إِلَى بني عَمْرو بن عدي بن نصر بن
ربيعَة اللخميين الْمَذْكُورين وَملك مِنْهُم " امْرُؤ الْقَيْس " من
ولد عَمْرو بن امرىء الْقَيْس وَيعرف هَذَا الثَّانِي بالمحرق
لِأَنَّهُ أول من عاقب بالنَّار.
ثمَّ ملك ابْنه " النُّعْمَان " الْأَعْوَر باني الخورنق والسدير ملك
ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ تزهد وَخرج من الْملك فِي زمن بهْرَام جور بن
يزدجرد ذكره عدي بن زيد فِي قصيدته الْمَشْهُورَة بقوله:
(وتدبر رب الخورنق ... إِذْ أشرف يَوْمًا وللهدى تفكير)
(سره مَاله وَكَثْرَة مَا ... يملك وَالْبَحْر معرض والسدير)
(فارعوى قلبه فَقَالَ وَمَا ... غِبْطَة حَيّ إِلَى الْمَمَات يصير)
وَملك بعده ابْنه الْمُنْذر بن النُّعْمَان وانْتهى ملكه فِي زمن
فَيْرُوز بن يزدجرد، ثمَّ ملك ابْنه الْأسود وانتصر على غَسَّان عرب
الشَّام وَأسر عدَّة من مُلُوكهمْ وَأَرَادَ الْأسود بن الْمُنْذر أَن
يعْفُو عَنْهُم وَكَانَ لَهُ ابْن عَم يُقَال لَهُ أَبُو أذينة قد قتل
لَهُ آل غَسَّان أَخا فِي بعض الوقائع
(1/59)
فَقَالَ أَبُو أذينة فِي ذَلِك قصيدته
الْمَشْهُورَة يغري الْأسود بِقَتْلِهِم مِنْهَا:
(مَا كل يَوْم ينَال الْمَرْء مَا طلبا ... وَلَا يسوغه الْمِقْدَار
مَا وهبا)
(وأحزم النَّاس من أَن فرْصَة عرضت ... لم يَجْعَل السَّبَب
الْمَوْصُول مقتضبا)
(وأنصف النَّاس فِي كل المواطن من ... سقى المعادين بالكأس الَّذِي
شربا)
(وَلَيْسَ بظلمهم من رَاح يَضْرِبهُمْ ... بِحَدّ سيف بِهِ من قبلهم
ضربا)
(وَالْعَفو إِلَّا عَن الْأَكفاء مكرمَة ... من قَالَ غير الَّذِي قد
قلته كذبا)
(قتلت عمرا وتستبقي يزيدا لقد ... رَأَيْت رَأيا يجر الويل والحربا)
(لَا تقطعن ذَنْب الأفعى وترسلها ... إِن كنت شهما فَألْحق رَأسهَا
الذنبا)
(هم جردوا السَّيْف فاجعلهم لَهُ جزرا ... وأوقدوا النَّار فاجعلهم
لَهَا حطبا)
(إِن تعف عَنْهُم يَقُول النَّاس كلهم ... لم يعف حلما وَلَكِن عَفوه
رهبا)
(هم أهيلة غَسَّان ومجدهم ... عَال فَإِن حاولوا ملكا فَلَا عجبا)
(وعرضوا بِفِدَاء واصفين لنا ... خيلا وإبلا تروق الْعَجم والعربا)
(أيحلبون دَمًا منا ونحلبهم ... رسلًا لقد شرفونا فِي الَّذِي حَلبًا)
(علام نقبل مِنْهُم فديَة وهم ... لَا فضَّة قبلوا منا وَلَا ذَهَبا)
وانْتهى ملك الْأسود فِي زمن فَيْرُوز، ثمَّ ملك أَخُوهُ " الْمُنْذر "
بن الْمُنْذر بن النُّعْمَان. الْأَعْوَر، ثمَّ ملك " عَلْقَمَة "
الذميلي وذميل بطن من لخم، ثمَّ ملك امْرُؤ الْقَيْس بن النُّعْمَان بن
المحرق بن امرىء الْقَيْس المحرق قَاتل سنمار باني قصر امرىء الْقَيْس
وَفِيه يَقُول المتلمس:
(جزاني أَبُو لخم على ذَات بَيْننَا ... جَزَاء سنمار وَمَا كَانَ ذَا
ذَنْب)
ثمَّ ملك ابْنه " الْمُنْذر " بن امرىء الْقَيْس وَأم الْمُنْذر مَاء
السَّمَاء فاشتهر بِأُمِّهِ وَهِي ماوية كَانَت جميلَة وأبوها عَوْف بن
جشم وطرد كسْرَى قباذ الْمُنْذر عَن ملك الْحيرَة وَملك مَوْضِعه "
الْحَارِث " بن عَمْرو بن حجر الْكِنْدِيّ لموافقة الْحَارِث لقباذ على
دين مزدك وَلم يُوَافقهُ الْمُنْذر وَأَعَادَهُ كسْرَى أنوشروان لما
ملك إِلَى ملك الْحيرَة كَمَا تقدم.
ثمَّ ملك بعد الْمُنْذر " عَمْرو " مضرط الْحِجَارَة وَهُوَ ابْن
الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وامه هِنْد وَيعرف بِعَمْرو هِنْد ولثمان
سِنِين مَضَت من ملكه كَانَ مولد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، ثمَّ ملك بعده أَخُوهُ " الْمُنْذر " بن الْمُنْذر ثمَّ
ابْنه " النُّعْمَان بن الْمُنْذر " بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء
وكنيته أَبُو قَابُوس وَهُوَ الَّذِي تنصر وَأمه سلمى بنت وَائِل بن
عَطِيَّة الصَّائِغ من أهل فدك وَملك اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَقَتله
كسْرَى برويز وَسبب قَتله وقْعَة ذِي قار بَين الْفرس والرعب.
ثمَّ انْتقل ملك الْحيرَة بعد النُّعْمَان عَن اللخميين إِلَى " أياس "
بن قبيصَة الطَّائِي ولستة أشهر من ملك أياس بعث النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَملك بعد أياس " زادويه " بن ماهان
الْهَمدَانِي، ثمَّ عَاد الْملك إِلَى اللخميين فَملك بعد زادويه " "
الْمُنْذر " بن النُّعْمَان بن الْمُنْذر بن الْمُنْذر بن مَاء
(1/60)
السَّمَاء وسمته الْعَرَب الْمَغْرُور
وَاسْتمرّ مَالِكًا للحيرة إِلَى أَن قدم إِلَيْهَا خَالِد بن
الْوَلِيد وَاسْتولى عَلَيْهَا والمناذرة إِلَى نصر بن ربيعَة عُمَّال
الأكاسرة على عرب الْعرَاق كَمَا كَانَ مُلُوك غَسَّان عمالا للقياصرة
على عرب الشَّام.
(ذكر مُلُوك غَسَّان)
عُمَّال القياصرة على عرب الشَّام أصلهم من الْيمن من بني أَزْد بن
الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبا تفَرقُوا من
الْيمن بسيل العرم ونزلوا على مَاء بِالشَّام يُقَال لَهُ غَسَّان
فنسبوا إِلَيْهِ وَكَانَ قبلهم بِالشَّام الْعَرَب الضجاعة من سليح
بِفَتْح السِّين وَآخره حاء مُهْملَة فأخرجت غَسَّان سليحا وَقتلُوا
مُلُوكهمْ وصاروا موضعهم.
وَأول مُلُوك غَسَّان " جَفْنَة " بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن
مزيقيا وَابْتِدَاء ملك غَسَّان قبل الْإِسْلَام بأزيد من
أَرْبَعمِائَة سنة وَلما قتل جَفْنَة مُلُوك سليح دَانَتْ لَهُ قضاعة
وَمن بِالشَّام من الرّوم وَبني بِالشَّام مصانع ثمَّ هلك وَملك ابْنه
" عَمْرو " وَبنى بِالشَّام ديورا مِنْهَا دير جال ودير أَيُّوب ودير
هِنْد.
ثمَّ ملك ابْنه " ثَعْلَبَة " وَبنى صرح الغدير فِي أَطْرَاف حوران
مِمَّا يَلِي البلقاء، ثمَّ ملك ابْنه الْحَارِث ثمَّ " جبلة " بن
الْحَارِث وَبنى القناطر وأذرح والقسطل، ثمَّ ملك " الْحَارِث " بن
جبلة وَسكن البلقاء وَبنى بهَا الحفير ومصنعه.
ثمَّ ملك ابْنه " الْمُنْذر " الْأَكْبَر بن الْحَارِث بن جبلة بن
الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن جنفة الأول، ثمَّ هلك الْمُنْذر
وَملك بعده أَخُوهُ النُّعْمَان بن الْحَارِث، ثمَّ ملك بعده أَخُوهُ
جبلة بن الْحَارِث، ثمَّ ملك بعدهمْ أخوهم الْأَيْهَم بن الْحَارِث
وَبنى دير ضخم ودير النُّبُوَّة، ثمَّ ملك أخوهم عَمْرو بن الْحَارِث.
ثمَّ ملك جَفْنَة الْأَصْغَر بن الْمُنْذر الْأَكْبَر وأحرق الْحيرَة
فَسُمي وَلَده آل محرق، ثمَّ ملك أَخُوهُ النُّعْمَان الْأَصْغَر بن
الْمُنْذر الْأَكْبَر، ثمَّ النُّعْمَان بن عَمْرو بن الْمُنْذر وَبنى
قصر السويدا وَلم يكن عَمْرو أَبُو النُّعْمَان الْمَذْكُور ملكا،
وَفِي عَمْرو يَقُول النَّابِغَة الذبياني::
(عَليّ لعَمْرو نعْمَة بعد نعْمَة ... لوالده لَيست بِذَات عقارب)
ثمَّ ملك بععد النُّعْمَان الْمَذْكُور ابْنه جبلة وَهُوَ الَّذِي
قَاتل الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وَكَانَ جبلة ينزل بصفين، ثمَّ ملك
النُّعْمَان بن الْأَيْهَم بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة، ثمَّ أَخُوهُ
الْحَارِث، ثمَّ الْأَيْهَم، ثمَّ ابْنه النُّعْمَان بن الْحَارِث
وَأصْلح صهاريج الرصافة وَكَانَ قد خربها بعض مُلُوك الْحيرَة
اللخميين، ثمَّ ابْنه الْمُنْذر بن النُّعْمَان، ثمَّ أَخُوهُ عَمْرو
بن النُّعْمَان، ثمَّ أخوهما حجر بن النُّعْمَان ثمَّ ابْنه الْحَارِث
بن حجر، ثمَّ ملك ابْنه جبلة بن الْحَارِث، ثمَّ ابْنه الْحَارِث بن
جبلة، ثمَّ ابْنه النُّعْمَان بن الْحَارِث وكنيته أَبُو كرب ولقبه
قطام، ثمَّ الْأَيْهَم بن جبلة بن الْحَارِث صَاحب تدمر وَكَانَ عَامله
يُسمى الْقَيْن بن خسر وَبنى لَهُ بالبرية قصرا
(1/61)
عَظِيما ومصانع وَكَأَنَّهُ قصر برقع، ثمَّ
أَخُوهُ الْمُنْذر بن جبلة، ثمَّ أخوهما شُرَحْبِيل بن جبلة، ثمَّ
أخوهم عَمْرو بن جبلة، ثمَّ ابْن أَخِيه جبلة بن الْحَارِث بن جبلة،
ثمَّ ملك بعده " جبلة " بن الْأَيْهَم بن جبلة وَهُوَ آخر مُلُوك
غَسَّان أسلم فِي خِلَافه عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ ثمَّ عَاد إِلَى
الرّوم وَتَنصر، سَيَأْتِي ذكره. وَاخْتلف فِي مُدَّة ملك الغسانية
فَقيل أَرْبَعمِائَة وَقيل سِتّمائَة وَقيل بَين ذَلِك.
(ذكر مُلُوك جرهم)
هم صنفان: جرهم الأولى فِي عهد عَاد فبادوا ودرسوا، وجرهم الثَّانِيَة
من ولد جرهم بن قحطان، وجرهم أَخُو يعرب بن قحطان ملك " يعرب " الْيمن
وَملك أَخُوهُ " جرهم " الْحجاز ثمَّ ابْنه عبد ياليل، ثمَّ ابْنه
جرهم، ثمَّ ابْنه عبد المدان، ثمَّ ابْنه نفيلة، ثمَّ ابْنه عبد
الْمَسِيح، ثمَّ ابْنه مضاض، ثمَّ ابْنه عَمْرو، ثمَّ أَخُوهُ
الْحَارِث بن مضاض، ثمَّ ابْنه عَمْرو، ثمَّ أَخُوهُ بشر بن الْحَارِث،
ثمَّ مضاض بن عَمْرو بن مضاض. وجرهم هم الَّذين اتَّصل بهم إِسْمَاعِيل
وَتزَوج مِنْهُم.
(ذكر مُلُوك كِنْدَة)
أَوَّلهمْ حجر آكل المرار بن عَمْرو من ولد كِنْدَة وَاسم كِنْدَة
ثَوْر بن عفير بن الْحَارِث من ولد زيد بن كهلان بن سبا كَانَت كِنْدَة
بِغَيْر ملك فَأكل الْقوي الضعْف فَملك حجر وسدد وساس فَأحْسن وانتزع
من اللخميين مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم من أَرض بكر بن وَائِل قَالَت
عَنهُ امراته كَأَنَّهُ جمل قد أكل المرار بغضا لَهُ فغلب عَلَيْهِ
لقبا، ثمَّ ملك بعده ابْنه " عَمْرو " ولقب عَمْرو بالقسور لِأَنَّهُ
اقْتصر على ملك أَبِيه.
ثمَّ ملك ابْنه " الْحَارِث " فقوي ملكه وَوَافَقَ كسْرَى قباذ على
الزندقة المزدكية فطرد قباذ الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء كَمَا تقدم
فَلَمَّا أعَاد أنوشروان الْمُنْذر إِلَى ملك الْحيرَة وطرد الْحَارِث
وهرب تَبعته تغلب فظفروا بأمواله وبأربعين نفسا من بني حجر آكل المرار
مِنْهُم اثْنَان من ولد الْحَارِث فَقَتلهُمْ الْمُنْذر جَمِيعًا فِي
ديار بني مرين وَفِي ذَلِك يَقُول امْرُؤ الْقَيْس بن حجر ابْن
الْحَارِث:
(فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وابنا بالملوك مصفدينا)
(مُلُوك من بني حجر بن عَمْرو ... يساقون العشية يقتلونا)
(فَلَو فِي يَوْم معركة أصيبوا ... وَلَكِن فِي ديار بني مرينا)
(وَلم تغسل جماجمهم بِغسْل ... وَلَكِن فِي الدِّمَاء مرملينا)
(تظل الطير عاكفة عَلَيْهِم ... وتنتزع الحواجب والعيونا)
وهرب الْحَارِث إِلَى ديار كلب وَبَقِي بهَا حَتَّى عدم وَاخْتلف فِي
صُورَة عَدمه وَكَانَ قد ملك ابْنه " حجرا " على بني أَسد وَبني
خُزَيْمَة بن مدركة وَملك بَاقِي بنيه على قبائل الْعَرَب، فابنه
شُرَحْبِيل على بكر بن وَائِل وَابْنه معدي كرب ويلقب غلفًا لتغليف
رَأسه بالطيب على
(1/62)
قيس عيلان وَابْنه سَلمَة على تغلب والنمر،
وَحجر هَذَا أَبُو امرىء الْقَيْس الشَّاعِر تماسك أمره فِي بني أَسد
مُدَّة ثمَّ تنكروا عَلَيْهِ فقهرهم وأنكى فأطاعوه ثمَّ قَتَلُوهُ
غيلَة وَفِيه يَقُول امْرُؤ الْقَيْس ابْنه أبياتا مِنْهَا:
(بَنو أَسد قتلوا رَبهم ... أَلا كل شَيْء سواهُ جلل)
وَلما سمع بقتل أَبِيه بدمون مَوضِع بِالْيمن قَالَ:
(تطاول اللَّيْل علينا دمون ... دمون أَنا معشر يمانون)
ثمَّ استنجد امْرُؤ الْقَيْس ببكر وتغلب على بني أَسد فَهَرَبُوا
مِنْهُ ثمَّ تخاذلت عَنهُ بكر وتغلب ونطلبه الْمُنْذر بن مَاء
السَّمَاء فتفرقت جموع امرىء الْقَيْس خوفًا وَخَافَ امْرُؤ الْقَيْس
أَيْضا من الْمُنْذر فتنقل إِلَى قبائل الْعَرَب يتدخل عَلَيْهِم
حَتَّى قصد السموأل بن عاديا الْيَهُودِيّ فَأكْرمه وَأقَام عِنْده مَا
شَاءَ اللَّهِ ثمَّ قصد قَيْصر ملك الرّوم مستنجدا وأودع أدراعه عِنْد
السموأل وَمر على حماة وشيزر، قلت: وَمر أَيْضا على بادف ذَات التل
وَقَالَ فِي سيرة قصيدته الْمَشْهُورَة مِنْهَا:
(سما لَك الشوق بعد مَا كَانَ أقصرا ... )
وَمِنْهَا
(نقطع أَسبَاب اللبانة والهوى ... عَشِيَّة جاورنا حماة وشيزرا)
وَمِنْهَا:
(بَكَى صَاحِبي لما رأى الدَّرْب دونه ... وأيقن أَنا لاحقان بقيصرا)
(فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا ... نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا)
وَكَانَ بِهِ قرحَة طَالَتْ بِهِ وفيهَا يَقُول:
(وبدلت قرحا داميا بعد صِحَة ... لَعَلَّ منايانا تحولن أبؤسا)
فَمَاتَ امْرُؤ الْقَيْس بعد عوده عَن قَيْصر بالروم عِنْد جبل عسيب
وَهُنَاكَ قَالَ:
(أجارتنا أَن الخطوب تنوب ... وَأَنِّي مُقيم مَا أَقَامَ عسيب)
وَقيل سمه ملك الرّوم وَلَيْسَ بِشَيْء وَلما مَاتَ امْرُؤ الْقَيْس
سَار الْحَارِث بن ابي شمر الغساني إِلَى السموأل وطالبه بأدراع امرىء
الْقَيْس وَهِي مائَة وبماله عِنْده وَكَانَ الْحَارِث قد أسر ابْن
السموأل فَامْتنعَ السموأل من تَسْلِيم ذَلِك إِلَى الْحَارِث فَقَالَ
الْحَارِث: أما أَن تسلم الأدراع وَإِمَّا قتلت ابْنك فَأبى السموأل من
تَسْلِيمهَا فَقتل ابْنه قدامه فَقَالَ السموأل أبياتا مِنْهَا:
(وفيت بأدرع الْكِنْدِيّ إِنِّي ... إِذا مَا ذمّ أَقوام وفيت)
(وَأوصى عاديا يَوْمًا بِأَن لَا ... يهدم يَا سموأل مَا بنيت)
وَذكر الْأَعْشَى هَذِه الْحَادِثَة فَقَالَ:
(كن سموأل إِذا طَاف الْهمام بِهِ ... فِي جحفل كسواد اللَّيْل جرار)
(فَشك غير طَوِيل ثمَّ قَالَ لَهُ ... اقْتُل أسيرك إِنِّي مَانع جاري)
(1/63)
(ذكر عدَّة من مُلُوك الْعَرَب
مُتَفَرّقين)
فَمنهمْ " عَمْرو " بن لحي بن حَارِثَة بن عَمْرو بن مزيقيا بن عَامر
بن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد من ولد
كهلان بن سبأ هَذَا عَمْرو ملك الْحجاز كَبِير الذّكر فِي
الْجَاهِلِيَّة وَإِلَيْهِ تنْسب خُزَاعَة فَيَقُولُونَ إِنَّهُم من
ولد كَعْب بن عَمْرو الْمَذْكُور وَهُوَ أول من جعل الْأَصْنَام على
الْكَعْبَة وعبدها فأطاعه الْعَرَب وعبدوها حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام
لِأَنَّهُ رأى بالبلقاء من الشَّام قوما يعْبدُونَ الْأَصْنَام
وَقَالُوا لَهُ هَذِه أَرْبَاب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية
والأشخاص البشرية نستنصر بهَا فَتَنَصَّرَ ونستسقي بهَا فنسقى ونستشفي
فنشفى فأعجبه ذَلِك فَطلب مِنْهُم صنما فَأَعْطوهُ هُبل فنقله إِلَى
مَكَّة وَجعله على الْكَعْبَة واستصحب أَيْضا أساف ونائلة صنمين ودعا
إِلَى تَعْظِيم الْأَصْنَام فَأَجَابُوهُ.
وَقَالَ الشهرستاني: كَانَ ذَلِك فِي أَيَّام سَابُور وَهُوَ غلط فعمرو
وَعبادَة الْأَصْنَام قبل ذَلِك وسابور قبل الْإِسْلَام بِنَحْوِ
أَرْبَعمِائَة سنة إِن كَانَ سَابُور بن أزدشير بن بابك وَإِن كَانَ
سَابُور ذَا الأكتاف فأبعد عَن الصَّوَاب فَإِنَّهُ بعد سَابُور الأول
بِكَثِير وَمن مُلُوك الْعَرَب " زُهَيْر " بن جناب بن هُبل بن عبد
اللَّهِ بن كنَانَة بن بكر بن عَوْف بن عذرة الْكَلْبِيّ سمي زُهَيْر
الكاهن لصِحَّة رَأْيه وَعمر وغزا كثيرا وَاجْتمعت عَلَيْهِ قضاعة فغزا
بهم غطفان بِسَبَب أَن بني بغيض بن ريث بن غطفان بنوا حرما مثل حرم
مَكَّة وَولي سدانته مِنْهُم بَنو مرّة بن عَوْف فَغَاظَهُ بِنَاؤُه
فغزاهم وظفر وأبطل حرمهم وَأخذ أَمْوَالهم ورد نِسَائِهِم عَلَيْهِم
وَفِي ذَلِك يَقُول:
(وَلَوْلَا الْفضل منا مَا رجعتم ... إِلَى عذراء شيمتها الْحيَاء)
وَكَانَ زُهَيْر قد اجْتمع بأبرهة صَاحب الْفِيل فَأكْرمه وَأمره على
بكر وتغلب ابْني وَائِل وَاسْتمرّ زُهَيْر أَمِيرا عَلَيْهِم حَتَّى
خَرجُوا عَن طَاعَته فغزاهم أَيْضا وَقتل فيهم وغزا بني الْقَيْن
وَيطول شرح حروبه مَعَهم وَكَانَ الظفر لَهُ وأسن وَشرب خمرًا صرفا
فَمَاتَ وَمِمَّنْ قَتله الصّرْف عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي وَأَبُو
عَامر ملاعب الأسنة العامري وَمن مُلُوك الْعَرَب " كُلَيْب " بن
ربيعَة بن الْحَارِث بن نصر بن جشم بن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن
تغلب بن وَائِل وَوَائِل هُوَ ابْن قاسط بن هنب بن أقْصَى بن دعمي بن
جديلة بن أَسد بن ربيعَة الْفرس بن نزار بن معد بن عدنان وَاسم كُلَيْب
وَائِل ولقب كليبا.
ملك على بني معد وَقَاتل جموع الْيمن وَهَزَمَهُمْ وَعمر زَمَانا، ثمَّ
زها وبغى على قومه وَحمى عَلَيْهِم مواقع السَّحَاب فَلَا يرْعَى حماه
وَيَقُول وَحش أَرض كَذَا فِي جواري فَلَا يصاد وَلَا ترد إبل مَعَ
إبِله وَلَا يُوقد نَار مَعَ ناره حَتَّى قَتله " جساس " بن مرّة بن
ذهل بن شَيبَان وشيبان من بني بكر بن وَائِل.
(سَبَب مقتل كُلَيْب)
إِن رجلا من جرم نزل على خَالَة جساس وَهِي البسوس بنت منقذ التميمة
وللجرمي نَاقَة اسْمهَا سراب فَوَجَدَهَا كُلَيْب ترعى فِي حماه فخرم
ضرْعهَا بِسَهْم فَصَرَخَ صَاحبهَا بالذل
(1/64)
فصاحت البسوس وأذلاه بِسَبَب نزيلها فانتصر
جساس لخالته وَقصد كليبا وَهُوَ مُنْفَرد فِي حماه فَقتله بِالرُّمْحِ
فَقَامَ أَخُوهُ " مهلهل " بن ربيعَة وَجمع تغلب وَجرى بَين تغلب وَبني
بكر وقائع أَولهَا يَوْم عنيزة كَانُوا فِي الْقِتَال على السوَاء ثمَّ
اقْتَتَلُوا على مَاء اسْمه " النهى " وَكَانَ رَئِيس تغلب مهلهلا
وَرَئِيس بني شَيبَان بن بكر الْحَارِث بن مرّة أَخا جساس فانتصرت تغلب
ثمَّ اقْتَتَلُوا " بالذنائب " وَهِي أعظم وقعاتهم فانتصر مهلهل
وَبَنُو تغلب وَقتل من بكر مقتلة عَظِيمَة وَمن بني شَيبَان جمَاعَة
مِنْهُم شُرَحْبِيل بن همام بن مرّة وَهُوَ ابْن أخي جساس وشرحبيل جد
معن بن زَائِدَة وَقتل أَخُو جساس الْحَارِث بن مرّة وَكَذَلِكَ قتل
جمَاعَة من رُؤَسَاء بكر.
ثمَّ الْتَقَوْا يَوْم " واردات " فظفرت تغلب أَيْضا وَكثر الْقَتْل
فِي بكر وَقتل همام أَخُو جساس لِأَبَوَيْهِ وَجعلت تغلب تطلب جساسا
فألحقه أَبوهُ بأخواله بِالشَّام سرا مَعَ نفر قَلِيل وَبلغ مهلهلا
الْخَبَر فَأرْسل إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ فَارِسًا فأدركوه فَاقْتَتلُوا
فَلم يسلم من أَصْحَاب مهلهل غير رجلَيْنِ وَلَا من أَصْحَاب جساس غير
رجلَيْنِ وجرح جساس جرحا مَاتَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ قتل مهلهل أَيْضا
بجير بن الْحَارِث الْبكْرِيّ وَلما قَتله مهلهل قَالَ بؤ بشسع نعل
كُلَيْب فَقَالَ الْحَارِث أَبُو بجير أبياته الْمَشْهُورَة وَمِنْهَا:
(قربا مربط النعمامة فين ... شَاب رَأْسِي وأنكرتني رجالي)
(لم أكن من جناتها علم الله ... وَإِنِّي بحرها الْيَوْم صالي)
النعامة فرسه ودامت الْحَرْب بَين بني وَائِل الْمَذْكُورين
أَرْبَعِينَ سنة وَلما قتل جساس أرسل أَبوهُ مرّة يَقُول لمهلهل قد
أدْركْت ثأرك وَقتلت جساسا فَاكْفُفْ عَن الْحَرْب ودع اللجاج والإسراف
فَلم يرجع مهلهل عَن الْقِتَال وَلما طَالَتْ الْحَرْب وَأدْركت تغلب
مَا أَرَادَتْهُ من بكر أجابوهم إِلَى الْكَفّ عَن الْقِتَال وَعدم
مهلهل.
من مُلُوك الْعَرَب " زُهَيْر " بن جذيمة بن رَوَاحَة بن ربيعَة بن
مَازِن بن الْحَارِث بن فظيعة بن عبس وَالِد الْملك قيس بن الْعَبْسِي
كَانَ لزهير أتاوة على هوَازن يَأْخُذهَا كل سنة بسوق عكاظ أَيَّام
الْمَوْسِم بالحجاز فحقدوا عَلَيْهِ لذَلِك واحترب زُهَيْر وعامر
فاتفقت هوَازن مَعَ خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب وَبني عَامر على حَرْب
زُهَيْر واقتتلوا فاعتنق زُهَيْر وخَالِد فَقتل زُهَيْر بِالْقربِ من
أَرض هوزان فَحَمله بنوه مَيتا إِلَى بِلَادهمْ وَفِي ذَلِك يَقُول
ورقة بن زُهَيْر لخَالِد أبياتا مِنْهَا:
(فطر خَالِدا إِن كنت تَسْتَطِيع طيرة ... وَلَا تبقين إِلَّا وقلبك
حاذر)
(أتتك المنايا إِن بقيت بضربة ... تفارق مِنْهَا الْعَيْش وَالْمَوْت
حَاضر)
فخاف خَالِد من قتل زُهَيْر وَسَار إِلَى النُّعْمَان بن امرىء
الْقَيْس اللَّخْمِيّ ملك الْحيرَة واستجار بِهِ وَكَانَ زُهَيْر سيد
غطفان فَانْتدبَ مِنْهُم " الْحَارِث " بن ظَالِم المري وَقدم إِلَى
(1/65)
النُّعْمَان فِي معنى حَاجَة لَهُ وَكَانَ
النُّعْمَان قد ضرب لخَالِد قبَّة فَلَمَّا جن اللَّيْل دخل الْحَارِث
إِلَى خَالِد وَقَتله فِي الْقبَّة غيلَة وهرب وَسلم.
ثمَّ جمع " الْأَحْوَص " بن جَعْفَر أَخُو خَالِد بني عَامر وَطلب
الْحَارِث المري وَكَذَلِكَ أَخذ النُّعْمَان فِي طلبه لقتل جَاره
وَجَرت لذَلِك حروب طَوِيلَة آخرهَا يَوْم شعب جبلة كَمَا سَيَأْتِي،
وَمن مُلُوك الْعَرَب " الْملك قيس " بن زُهَيْر الْعَبْسِي
الْمَذْكُور جمع لقِتَال بني عَامر أخذا بثأر أَبِيه زُهَيْر ثمَّ نزل
بالحجاز وفاخر قُريْشًا ثمَّ رَحل وَنزل على بني بدر الْفَزارِيّ
الذبياني على حُذَيْفَة بن بدر وَكَانَ قيس قد اشْترى من الْحجاز حصانه
وفرسه وهما " داحس والغبراء " وَقيل الغبراء بنت داحس اسْتَوْلدهَا قيس
من داحس وَكَانَ لِحُذَيْفَة بن بدر فرسَان الخطار والحنفاء وَقصد أَن
يسابق بَينهمَا وَبَين داحس والغبراء فكره قيس السباق فَأبى حُذَيْفَة
إِلَّا ذَلِك فأجروا الْأَرْبَعَة بِذَات الآصاد وَكَانَ الميدان مائَة
غلوة والغلوة رمية سهم أبعد مَا يُمكن وَالرَّهْن مائَة بعير فَسبق
داحس سبقا بَينا وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ حُذَيْفَة قد
أكمن فِي طَرِيق الْخَيل من يعْتَرض داحسا إِن جَاءَ سَابِقًا فاعترضه
الكمين وضربه على وَجهه فَتَأَخر داحس وَسبق الغبراء الخطار والحنفاء
فَأنْكر حُذَيْفَة ذَلِك كُله وَادّعى السَّبق فَوَقع الْخلف بَين بني
بدر وَبني قيس.
وَكَانَ بَين الرّبيع بن زِيَاد وَبَين قيس خلف بِسَبَب درع اغتصبها
الرّبيع من قيس وَكَانَ الرّبيع يسوؤه اتِّفَاق بني بدر مَعَ قيس فسره
ذَلِك وَاشْتَدَّ الْأَمر فَقتل قيس بدية بن حُذَيْفَة وَكَانَ ملك
أَخُو قيس نازلا فِي بني ذبيان فَبَلغهُمْ قتل بدية فَقتلُوا مَالِكًا
غيلَة فَعظم على الرّبيع بن زِيَاد مقتل مَالك وَعطف على قيس وانتصر
لَهُ وللربيع أَبْيَات فِي مقتل مَالك مِنْهَا:
(من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مَالك ... فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار)
(يجد النِّسَاء حواسرا يندبنه ... ويقمن قبل تبلج الأسحار)
ثمَّ اجْتمع قيس وَالربيع وتعانقا وَقَالَ قيس للربيع إِنَّه لم يهرب
مِنْك من لَجأ إِلَيْك وَلم يسْتَغْن عَنْك من اسْتَعَانَ بك وَاجْتمعَ
إِلَيْهِمَا بَنو عبس وَاجْتمعَ إِلَى بني بدر فَزَارَة وذبيان، واشتدت
الْحَرْب الْمَعْرُوفَة بِحَرب داحس فَاقْتَتلُوا أَولا فَقتل عَوْف بن
بدر وانهزمت فَزَارَة بعد قتل ذريع فيهم، ثمَّ اقْتَتَلُوا ثَانِيًا
فنصرت عبس أَيْضا وَقتل الْحَارِث بن بدر وطالت الحروب وَآخِرهَا
هزيمَة فَزَارَة فَانْفَرد حُذَيْفَة وَحمل أَخُوهُ وَجَمَاعَة وقصدوا
" حفر الهباءة " فلحقهم بَنو عبس وَفِيهِمْ قيس وَالربيع بن زِيَاد
وعنترة وحالوا بَينهم وَبَين خيلهم وَقتلُوا جميلا وَحُذَيْفَة
وَأَكْثَرت الشُّعَرَاء فِي ذَلِك وَظَهَرت فِي هَذِه الحروب شجاعة
عنترة بن شَدَّاد.
فَلَمَّا قويت فَزَارَة دخلت بَنو عبس على كثير من أَحيَاء الْعَرَب
فَلم يطلّ لَهُم مقَام عِنْد أحد وَآخر قصدت عبس الصُّلْح مَعَ
فَزَارَة، وَتمّ الصُّلْح، وَقيل لما اصْطَلحُوا لم يسر قيس مَعَهم بل
انْفَرد وَتَنصر وساح وترهب بعمان زَمَانا وَقيل تزوج فِي النهرين لما
انْفَرد وَولد لَهُ فضَالة وَبَقِي فضَالة حَتَّى قدم على النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقعدَ لَهُ رَسُول اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على من مَعَه من
(1/66)
قومه وَكَانُوا تِسْعَة وَهُوَ عاشرهم
وَبَين مُلُوك الْعَرَب وقائع مَشْهُورَة:
مِنْهَا: يَوْم خزاز تقَاتل فِيهِ بَنو ربيعَة بن نزار وَهُوَ ربيعَة
الْفرس وقبائل الْيمن وَكَانَت الدائرة على الْيمن وَقيل كَانَ كُلَيْب
وَائِل قَائِد بني ربيعَة، وخزاز جبل بَين الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة.
وَمِنْهَا: أَيَّام بني وَائِل بِسَبَب قتل كُلَيْب كَانَت بَين مهلهل
قَائِد تغلب وَبَين أبي جساس قَائِد بكر فأولها " يَوْم عنيزة " تكافؤا
فِيهِ، ثمَّ يَوْم " وردات " نصرت تغلب، ثمَّ " يَوْم الحنو " لبكر،
ثمَّ " يَوْم الفضيات " لتغلب حَتَّى كَادَت بكر تبيد، ثمَّ " يَوْم
أقضة " وَيُقَال يَوْم التَّحَالُف قتل من الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ أَيَّام
بَينهم لم تشتد كهذه.
وَمن أَيَّام الْعَرَب " يَوْم عين أباغ " بَين غَسَّان ولخم وَكَانَ
قَائِد غَسَّان الْحَارِث الَّذِي طلب أَدْرَاع امرىء الْقَيْس وَقيل
غَيره، وقائد لخم الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وَقتل الْمُنْذر هَذَا
الْيَوْم وانهزمت لخم وتبعتهم غَسَّان إِلَى الْحيرَة وَأَكْثرُوا فيهم
الْقَتْل، وَعين أباغ بِموضع يُسمى ذَات الْخِيَار.
وَمِنْهَا: " يَوْم مرج حليمة " بَين غَسَّان ولخم أَيْضا وَكَانَ
عَظِيما حجب غباره الشَّمْس وَظَهَرت الْكَوَاكِب فِي خلاف جِهَة
الْغُبَار وَاخْتلف فِي النَّصْر لمن كَانَ مِنْهُم.
وَمِنْهَا " يَوْم الْكلاب الأول " كَانَ بَين الْأَخَوَيْنِ
شُرَحْبِيل وَسَلَمَة ابْني الْحَارِث بن عَمْرو الْكِنْدِيّ كَانَ
مَعَ شُرَحْبِيل وَهُوَ الْأَكْبَر بكر وَائِل وَغَيرهم وَمَعَ سَلمَة
تغلب وَائِل وَغَيرهم وَالْكلاب مَوضِع بَين الْبَصْرَة والكوفة وبذل
كل وَاحِد من الْأَخَوَيْنِ فِي رَأس أَخِيه مائَة من الْإِبِل
وَاشْتَدَّ الْقِتَال فانتصر سَلمَة وَقتل شُرَحْبِيل وَحمل رَأسه
إِلَى سَلمَة.
وَمِنْهَا: " يَوْم أوارة " جبل كَانَ بَين الْمُنْذر بن امرىء
الْقَيْس ملك الْحيرَة وَبَين بكر وَائِل بِسَبَب اجْتِمَاع بكر على
سَلمَة بن الْحَارِث وظفر الْمُنْذر ببكر وَأقسم أَن لَا يزَال يذبحهم
حَتَّى يسيل دمهم من رَأس أوارة إِلَى حضيضة فجمد الدَّم فسكب عَلَيْهِ
مَاء حَتَّى سَالَ وبر قسمه.
وَمِنْهَا: " يَوْم رحرحان " وَهُوَ وَاد، وَذَلِكَ أَن الْحَارِث بن
ظَالِم السّري ثمَّ الذبياني لما قتل خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب قَاتل
زُهَيْر كَمَا تقدم وهرب من النُّعْمَان ملك الْحيرَة لقَتله خَالِدا
جَاره فَلم يجر الْحَارِث أحد خوفًا من النُّعْمَان إِلَّا معبد بن
زُرَارَة فَلم يُوَافقهُ قومه بَنو تَمِيم وَوَافَقَهُمْ مِنْهُم بَنو
ماويه وَبَنُو دارم وَبلغ الْأَحْوَص أَخا خَالِد ذَلِك فَسَار
إِلَيْهِم واقتتلوا فَانْهَزَمَ بَنو تَمِيم وَأسر معبد وَقصد أَخُوهُ
لَقِيط بن زُرَارَة فكه فَلم يقدر وعذبوا معبدًا حَتَّى مَاتَ.
وَمِنْهَا: " يَوْم شعب جبلة " يَوْم عَظِيم، فَإِنَّهُ لما انْقَضتْ
وقْعَة رحرحان استنجد لَقِيط بن زُرَارَة بذبيان فنجدته، وتجمعت لَهُ
تَمِيم - غير بني سعد - وَخرجت مَعَه بَنو أَسد وَسَار بهم لَقِيط
إِلَى بني عَامر وَعَبس لثأر معبد أَخِيه فأدخلت عبس وَبَنُو عَامر
أَمْوَالهم فِي شعب جبلة، وجبلة هضبة حَمْرَاء بَين الشريف والشرف،
وهما ماءان فحضرهم لَقِيط
(1/67)
فَخَرجُوا عَلَيْهِ من الشّعب وكسروا جموعه
وقتلوه وأسروا أَخا لَقِيط حاجبا وَفِي ذَلِك يَقُول جرير:
(وَيَوْم الشّعب قد تركُوا لقيطا ... كَأَن عَلَيْهِ حلَّة أرجوان)
(وكبل حَاجِب بِالشَّام حولا ... فَحكم ذَا الرقيبة وَهُوَ عان)
وَكثر أَيْضا فِيهِ الْقَتْلَى من بني ذبيان وَتَمِيم وَأسد فَأَكْثَرت
الْعَرَب المراثي فِيهِ وَهُوَ بعد شعب رحرحان بِسنة يَوْم الشّعب فِي
عَام مولد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَمِنْهَا: يَوْم " ذِي قار " فِي سنة أَرْبَعِينَ من مولده - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقيل عَام وقْعَة بدر وَذَلِكَ أَن
كسْرَى برويز غضب على النُّعْمَان بن الْمُنْذر وحبسه فَهَلَك فِي
الْحَبْس وَكَانَ النُّعْمَان قد أودع حلقته - وَهِي السِّلَاح والدروع
- عِنْد هانىء بن مَسْعُود الْبكْرِيّ فَأرْسل برويز يطْلبهَا مِنْهُ
فَقَالَ: هَذِه أَمَانَة، وَالْحر لَا يسلم أَمَانَته، فَاسْتَشَارَ
برويز أياس بن قبيصَة الطَّائِي الَّذِي ملكه برويز الْحيرَة مَوضِع
النُّعْمَان فَأَشَارَ أياس بالتغافل عَن هانىء لِيَطمَئِن فيدرك
فَقَالَ برويز: إِنَّه من أخوالك وَلَا تألوه نصحا فَبعث برويز
الهرمزان فِي أَلفَيْنِ من الْأَعَاجِم وَألف من بهرا فَبلغ بكر وَائِل
فنزلوا بِبَطن ذِي قار فوصلت الْأَعَاجِم واقتتلوا سَاعَة فانهزمت
الْأَعَاجِم قبيحا وَأكْثر الشُّعَرَاء من ذكره.
(1/68)
|