تاريخ ابن الوردي

(ذكر حجَّة الْوَدَاع)

خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَاجا لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَاخْتلف فِي حجَّته هَل كَانَ قرانا أَو تمتعا أَو إفرادا وَالْأَظْهَر الْقرَان، حج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَقي عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ محرما فَقَالَ: " حل كَمَا حل أَصْحَابك " فَقَالَ إِنِّي أَهلَلْت بِمَا أهل بِهِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَبَقيَ على إِحْرَامه، وَنحر رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْهَدْي عَنهُ، وَعلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النَّاس مَنَاسِك الْحَج وَالسّنَن وَنزلت {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم واخشون الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} .
فَبكى أَبُو بكر رَضِي اللَّهِ عَنهُ لما سَمعهَا كَأَنَّهُ استشعر أَن لَيْسَ بعد الْكَمَال إِلَّا النُّقْصَان وَأَنه قد نعيت إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَفسه وخطب النَّبِي النَّاس بِعَرَفَة خطْبَة بَين فِيهَا الْأَحْكَام مِنْهَا " يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر وَإِن الزَّمَان اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ يَوْم خلق اللَّهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِن عدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّهِ اثْنَا عشر شهرا " وتمم حجه وَسميت حجَّة الْوَدَاع لِأَنَّهُ لم يحجّ بعْدهَا.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى عشرَة:

(ذكر وَفَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)

أَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَدِينَةِ بعد قدومه من حجَّة الْوَدَاع حَتَّى خرجت سنة عشر وَالْمحرم ومعظم صفر من سنة إِحْدَى عشرَة وابتدأ بِهِ مَرضه فِي أَوَاخِر صفر قيل لليلتين بَقِيَتَا مِنْهُ وَهُوَ فِي بَيت زَيْنَب بنت جحش، وَكَانَ يَدُور على نِسَائِهِ حَتَّى اشْتَدَّ مَرضه فِي بَيت مَيْمُونَة بنت الْحَارِث

(1/128)


فَجمع نِسَاءَهُ واستأذنهن أَن يمرض فِي بَيت إِحْدَاهُنَّ فَأذن لَهُ أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا فانتقل إِلَيْهَا.
وَكَانَ قد جهز جَيْشًا مَعَ مَوْلَاهُ أُسَامَة بن زيد وأكد فِي مسيره فِي مَرضه، وَعَن عَائِشَة قَالَت: " جَاءَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِي صداع وَأَنا أَقُول وارأساه قَالَ بل أَنا يَا عَائِشَة أَقُول وارأساه ثمَّ قَالَ مَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ودفنتك فَقلت كَأَنِّي بك وَالله لَو فعلت ذَلِك وَرجعت إِلَى بَيْتِي تعزيت بِبَعْض نِسَائِك فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَفِي أثْنَاء مَرضه وَهُوَ فِي بَيت عَائِشَة خرج بَين الْفضل بن الْعَبَّاس وَعلي بن أبي طَالب رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا حَتَّى جلس على الْمِنْبَر فَحَمدَ اللَّهِ ثمَّ قَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس من كنت جلدت لَهُ ظهرا فَهَذَا ظَهْري فليستقد مني وَمن كنت شتمت لَهُ عرضا فَهَذَا عرضي فليسقد مِنْهُ وَمن أخذت لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فليأخذ مِنْهُ وَلَا يخْشَى الشحناء من قبلي فَإِنَّهَا لَيست من شأني ".
ثمَّ نزل وَصلى الظّهْر ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَر فَعَاد إِلَى مقَالَته فَادّعى عَلَيْهِ رجل ثَلَاثَة دَرَاهِم فَأعْطَاهُ عوضهَا ثمَّ قَالَ: " أَلا أَن فضوح الدُّنْيَا أَهْون من فضوح الْآخِرَة " ثمَّ صلى على أَصْحَاب اُحْدُ واستغفر لَهُم ثمَّ قَالَ: " إِن عبدا خَيره اللَّهِ بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده " فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ: فَدَيْنَاك بِأَنْفُسِنَا، ثمَّ أوصى بالأنصار وَلما اشْتَدَّ بِهِ وَجَعه قَالَ: " ائْتُونِي بداوة وبيضاء أكتب لكم كتابا لَا تضلون بعدِي أبدا " فتنازعوا، فَقَالَ: " لَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي تنَازع ".
فَقَالُوا إِن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يهجر فَذَهَبُوا يعيدون عَلَيْهِ فَقَالَ: " دَعونِي فَمَا أَنا فِيهِ خير مِمَّا تَدعُونِي إِلَيْهِ ".
وَكَانَ فِي أَيَّام مَرضه يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا انْقَطع ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا أذن بِالصَّلَاةِ أول مَا انْقَطع قَالَ: " مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ ".
قلت: وَسَار فَاطِمَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا فِي مَرضه فَبَكَتْ، ثمَّ سَارهَا فَضَحكت فَلَمَّا مَاتَ أخْبرت بِأَنَّهُ قَالَ لي فِي الأولى إِنِّي ميت من وجعي هَذَا فَبَكَيْت، وَقَالَ فِي الثَّانِيَة إِنَّك أول أَهلِي لُحُوقا بِي فَضَحكت، فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَالله أعلم.
وتزايد بِهِ مَرضه حَتَّى توفّي يَوْم الأثنين ضحوة النَّهَار وَقيل نصفه، قَالَت عَائِشَة: " رَأَيْت رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَمُوت وَعِنْده قدح فِيهِ مَاء يدْخل يَده فِي الْقدح ثمَّ يمسح وَجهه بِالْمَاءِ ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت قَالَت وَثقل فِي حجري فَذَهَبت أنظر فِي وَجهه وَإِذا بَصَره قد شخص وَهُوَ يَقُول بل الرقيف الْأَعْلَى فَلَمَّا قبض وضعت رَأسه على وسَادَة ".
ووفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول فعلى هَذِه الرِّوَايَة يَوْم وَفَاته مُوَافق ليَوْم مولده وَلما مَاتَ ارْتَدَّ أَكثر الْعَرَب إِلَّا أهل الْمَدِينَة وَمَكَّة والطائف فَلم يدخلهَا ردة.

(1/129)


وَكَانَ عَامل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على مَكَّة عتاب بن أسيد فاستخفى خوفًا على نَفسه فارتجت مَكَّة وَكَاد أَهلهَا يرتدون فَقَامَ سُهَيْل بن عَمْرو على بَاب الْكَعْبَة وَصَاح بِقُرَيْش وَغَيرهم فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أهل مَكَّة كُنْتُم آخر من أسلم فَلَا تَكُونُوا أول من ارْتَدَّ وَالله لَيتِمَّن اللَّهِ هَذَا الْأَمر كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَامْتنعَ أهل مَكَّة من الرِّدَّة
وَتَوَلَّى غسله عَليّ وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم ابْنا الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران مولى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَانَ الْعَبَّاس وابناه يقلبونه وَأُسَامَة وشقران يصبَّانِ المَاء وَعلي يغسلهُ وَعَلِيهِ قَمِيصه وَهُوَ يَقُول: بِأبي أَنْت وَأمي طبت حَيا وَمَيتًا وَلم ير مِنْهُ مَا يرى من الْمَيِّت.
وكفن فِي ثَلَاثَة اثواب ثَوْبَيْنِ صحاريين وَبرد حبرَة أدرج فِيهَا إدراجا وَدفن تَحت فرَاشه الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ وحفر لَهُ أَبُو طَلْحَة الأنصارى وَنزل فِي قَبره عَليّ وَالْفضل وَقثم.
قلت: وصلوا عَلَيْهِ أفذاذا، وَالله أعلم.
وَدفن قيل يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي يَوْم وَفَاته وَقيل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَهُوَ الْأَصَح وَقيل بَقِي ثَلَاثًا لم يدْفن.
قلت: وسمعوا صَوتا من السَّمَاء بعد مَوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُنَادي وامحمداه وَهَذِه مُصِيبَة أصيبها الْمُسلمُونَ لم يصابوا قطّ بِمِثْلِهَا كل مُصِيبَة تهون عِنْدهَا، وَالله أعلم.

(صفته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)

وَصفه عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير ضخم الرَّأْس كث اللِّحْيَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين ضخم الكراديس مشربا وَجهه بحمرة وَقيل كَانَ أدعج الْعَينَيْنِ سبط الشّعْر سهل الْخَدين كَأَن عُنُقه إبريق فضه. وَقَالَ أنس لم يشنه اللَّهِ بالشيب
كَانَ فِي مقدم لحيته عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء وَفِي مفرق رَأسه شَعرَات بيض وَرُوِيَ أَنه كَانَ يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم وَكَانَ بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة وَهُوَ بضعَة نَاشِزَة حولهَا شعر مثل بَيْضَة الْحَمَامَة تشبه جسده وَقيل كَانَ لَوْنهَا أَحْمَر.

(خلقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)

كَانَ أرجح النَّاس عقلا وأفضلهم رَأيا يكثر الذّكر ويقل اللَّغْو دَائِم الْبشر مطيل الصمت لين الْجَانِب سهل الْخلق، وَكَانَ عِنْده الْقَرِيب والبعيد وَالْقَوِي والضعيف فِي الْحق سَوَاء يحب الْمَسَاكِين وَلَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يؤلف قُلُوب أهل الشّرف ويؤلف أَصْحَابه وَلَا ينفرهُمْ.

(1/130)


يصابر من جالسه حَتَّى يكون الرجل هُوَ المنصرف وَمَا صافحه أحد فَترك يَده حَتَّى يكون ذَلِك هُوَ الَّذِي يتْرك يَده يتفقد أَصْحَابه وَيسْأل النَّاس عَمَّا فِي النَّاس يحلب العنز وَيجْلس على الأَرْض ويخصف النَّعْل ويرقع الثَّوْب.
خرج من الدُّنْيَا وَلم يشْبع من الْخبز الشّعير، يَأْتِي على آل مُحَمَّد الشَّهْر والشهران لَا يُوقد فِي بَيت من بيوته نَار إِن هُوَ إِلَّا التَّمْر وَالْمَاء وَكَانَ يعصب على بَطْنه الْحجر من الْجُوع.
وَأَوْلَاده كلهم من خَدِيجَة إِلَّا إِبْرَاهِيم فَمن مَارِيَة ولد فِي سنة ثَمَان فِي ذِي الْحجَّة وَتُوفِّي سنة عشر، قَالَ المَسْعُودِيّ: عَاشَ سنة وَعشرَة أشهر. وَأَوْلَاده الذُّكُور من خَدِيجَة الْقَاسِم وَبِه يكنى وَالطّيب والطاهر وَعبد اللَّهِ وماتوا صغَارًا، وَالْإِنَاث أَربع فَاطِمَة زوج عَليّ، وَزَيْنَب زوج أبي الْعَاصِ وَفرق بَينهمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْإِسْلَامِ ثمَّ ردهَا إِلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الأول لما أسلم، ورقية، وَأم كُلْثُوم تزوج بهما عُثْمَان مُرَتبا.
قلت: وَتُوفِّي جَمِيع أَوْلَاده فِي حَيَاته غير فَاطِمَة رَضِي اللَّهِ عَنْهُم، وَالله أعلم.

(زَوْجَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)

وزوجاته خمس عشرَة دخل بِثَلَاث عشرَة وَجمع بَين إِحْدَى عشرَة وَقيل دخل بِإِحْدَى عشرَة وَتُوفِّي عَن تسع غير سريته مَارِيَة وَهن عَائِشَة بنت أبي بكر، وَحَفْصَة بنت عمر، وَسَوْدَة بنت زَمعَة، وَزَيْنَب بنت جحش، ومَيْمُونَة، وَصفِيَّة، وَجُوَيْرِية، وَأم حَبِيبَة، وَأم سَلمَة رَضِي اللَّهِ عَنْهُم.

(وَكتابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)

أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي، وَأبي بن كَعْب وَهُوَ اول من كتب لَهُ، وَزيد بن ثَابت، وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَكتب لَهُ عبد اللَّهِ بن سعيد بن أبي سرح ارْتَدَّ ثمَّ أسلم يَوْم الْفَتْح.
قلت: وعماته سِتّ أم حَكِيم، وَهِي الْبَيْضَاء، وبرة، وعاتكة، وَصفِيَّة، وأروى، وَأُميَّة.
" وسرارية " مَارِيَة، وَرَيْحَانَة بنت زيد، وَجَارِيَة وهبتها لَهُ زَوجته زَيْنَب، وَأُخْرَى أَصَابَهَا فِي السَّبي.
" ومواليه " سِتَّة وَخَمْسُونَ: أسلم ويكنى أَبَا رَافع، وأحمر ويكنى أَبَا عسيب، وَأُسَامَة بن زيد، وأفلح، وأنسه ويكنى أَبَا سرح، وأيمن بن أم أَيمن، وثوبان ويكنى أَبَا عبد اللَّهِ، وذكوان وَقيل هُوَ مهْرَان وَقيل هُوَ طهْمَان، وَرَافِع، ورباح الْأسود الْآذِن عَلَيْهِ، وَزيد بن حَارِثَة، وَزيد بن بولا، وسابق، وَسَالم، وسلمان الْفَارِسِي أَعَانَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كِتَابَته، وسليم ويكنى أَبَا كَبْشَة، وَسعد، وَأَبُو كندر، وشقران واسْمه صَالح، وضميرة بن

(1/131)


أبي ضميرَة، وَعبيد اللَّهِ بن أسلم، وَعبيد بن عبد الْغفار، وفضالة الْيَمَانِيّ، وكيسان ومهران، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن وَهُوَ سفينة، ومدعم، وَنَافِع، ونفيع وكنيته أَبُو بكرَة، وَنبيه، وواقد، ووردان، وَهِشَام، ويسار، وَأَبُو أثيلة، وَأَبُو الْحَمْرَاء، وَأَبُو رَافع، ووالد الْبَهِي، وَأَبُو ضَمرَة، وَأَبُو عبيد واسْمه سعد، وَأَبُو مريهبة، وَأَبُو وَاقد، وكركره، ومابور، وَأَبُو لبَابَة، وَأَبُو لَقِيط، وَأَبُو هِنْد.
" ومولياته " أم أَيمن وَاسْمهَا بركَة، وَأُمَيْمَة، وحيضرة، ورضوى، وَرَيْحَانَة، وسلمى، ومارية، ومَيْمُونَة بنت سعد، ومَيْمُونَة بنت أبي عسيب، وَأم ضَمرَة، وَأم عَيَّاش.
" ومراكبه " السكب أول خيله، والمرتجز اشْتَرَاهُ من الْأَعرَابِي وَشهد فِيهِ خُزَيْمَة، واللزاز أهداه الْمُقَوْقس، والظرف، والورد، والنحيف كَانَ سَرْجه من لبد وَيُقَال اللحيف، واليعسوب، وَكَانَت لَهُ النَّاقة العضباء، وَهِي الْقَصْوَاء وَهِي الجدعاء وَلم يكن بهَا غضب وَلَا جدع، وحمار يُقَال لَهُ عفير، وَالله أعلم.
" وسلاحه " سَيْفه ذُو الفقار غنمه ببدر من مُنَبّه بن الْحجَّاج السَّهْمِي وَقيل من غَيره والفقار الْحفر، وَثَلَاثَة أسياف غنمها من بني قينقاع وَقدم مَعَه إِلَى الْمَدِينَة لما هَاجر سيفان شهد بِأَحَدِهِمَا بَدْرًا ورماح وَثَلَاث قسي ودرعان وترس كَانَ فِيهِ تِمْثَال فَأصْبح وَقد أذهبه اللَّهِ.
" وغزواته " سبع وَعِشْرُونَ وَقيل أقل، قَاتل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهَا فِي تسع: بدر، وَأحد، والمريسيع، وَالْخَنْدَق، وَقُرَيْظَة، وخيبر، وَالْفَتْح، وحنين، والطائف؛ وَرُوِيَ أَنه قَاتل فِي بني النَّضِير، وَفِي غزَاة وَادي الْقرى مُنْصَرفه من خَيْبَر، وَفِي الغابة.
" وسراياه " سِتّ وَخَمْسُونَ سَرِيَّة وَهَذِه الْأَعْدَاد هِيَ الْمُعْتَمدَة من الْكتب الْمُعْتَمدَة قلت: " ومؤذنوه " بِلَال بن رَبَاح أَوَّلهمْ، وَعَمْرو بن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، وَأَبُو مَحْذُورَة الجُمَحِي.
و" كَانَ يضْرب الرّقاب بَين يَدَيْهِ " عَليّ، وَابْن الزبير، وَمُحَمّد بن سَلمَة، والمقداد، وَعَاصِم بن أبي الْأَفْلَح.
" وحرسه " إِلَى أَن عصمه اللَّهِ من النَّاس سعد بن أبي وَقاص، وَسعد بن معَاذ وَعباد بن بشر، وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وذكوان بن عبد قيس، وَمُحَمّد بن مسلمة، وبلال وَالله أعلم.

(ذكر أَصْحَابه)

الْأَكْثَر على أَن الصَّحَابِيّ كل من اسْلَمْ وَرَأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَحبه وَإِن لم يرَوا وَإِن لم تطل صحبته وَقيل إِن طَالَتْ الصُّحْبَة فَهُوَ صَحَابِيّ وَقيل إِن اجْتمع الْأَمْرَانِ، وَأما عَددهمْ على القَوْل الْأَكْثَر فَروِيَ أَنه سَار عَام فتح مَكَّة فِي عشرَة آلَاف مُسلم، وَفِي حنين فِي اثْنَتَيْ عشر ألفا؛ وَفِي حجَّة الْوَدَاع فِي أَرْبَعِينَ ألفا؛ وَكَانُوا عِنْد وَفَاته مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألفا.

(1/132)


قلت: قَالَ أَبُو زرْعَة: قبض رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا من الصَّحَابَة مِمَّن روى عَنهُ وَسمع مِنْهُ.
" وأفضلهم الْعشْرَة " أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي، وَطَلْحَة بن عبيد اللَّهِ، وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد بن أبي وَقاص، وَسَعِيد بن زيد، وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، والمهاجرون أفضل من الْأَنْصَار على الْإِجْمَال وَأما على التَّفْصِيل فسباق الْأَنْصَار أفضل من متأخري الْمُهَاجِرين.
وَمِنْهُم " أهل الصّفة " فُقَرَاء لَا منَازِل لَهُم وَلَا عشائر ينامون فِي الْمَسْجِد ويظلون فِيهِ، و " صفة " الْمَسْجِد مثواهم فنسبوا إِلَيْهَا كَانَ يعشي مَعَه بَعضهم وَيفرق بَعضهم على الصَّحَابَة يعشونهم، وَمن مشاهيرهم أَبُو هُرَيْرَة وواثلة بن الْأَسْقَع وَأَبُو ذَر رَضِي اللَّهِ عَنْهُم.
وَفِي مُدَّة مَرضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قتل " الْأسود الْعَنسِي " عبهلة بن كَعْب وَيُقَال لَهُ ذُو الْخمار لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول: يأتيني ذُو خمار شعبذ وَأرى الْجُهَّال الْأَعَاجِيب، وسبى بمنطقة وتنبأ كذبا وكاتبه أهل نَجْرَان وأخرجوا عَمْرو بن حزم وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وسلموهما إِلَى الْأسود، ثمَّ ملك صنعاء وَصفا لَهُ ملك الْيمن واستفحل أمره وَكَانَ خَلِيفَته فِي مذْحج عَمْرو بن معدي كرب.
فَلَمَّا بلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك بعث رَسُولا إِلَى الأنبار وَأمرهمْ أَن يخاذلوا الْأسود إِمَّا غيلَة وَإِمَّا مصادمة، وَأَن يستنجدوا رجَالًا من حمير وهمدان. وَكَانَ الْأسود قد تغير على قيس بن عبد يَغُوث فَاجْتمع بِهِ جمَاعَة مِمَّن كاتبهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتحدثوا فِي قتل الْأسود فوافقهم واجتمعوا بِامْرَأَة الْأسود، وَكَانَ الْأسود قد قتل أَبَاهَا فَقَالَت: وَالله إِنَّه أبْغض النَّاس إِلَيّ وَلَكِن الحرس محيطون بقصرة فانقبوا عَلَيْهِ الْبَيْت، فواعدوها على ذَلِك ونقبوا الْبَيْت وَدخل عَلَيْهِ شخص اسْمه فَيْرُوز الديلمي فَقتل الْأسود وَاحْترز رَأسه فخار خوار الثور فابتدر الحرس فَقَالَت زَوجته: هَذَا النَّبِي يُوحى إِلَيْهِ، فَلَمَّا طلع الْفجْر أمروا الْمُؤَذّن فَقَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ وَأَن عبهلة كَذَّاب، وَكتب أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فورد الْخَبَر من السَّمَاء إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأعلم أَصْحَابه بقتل الْأسود وَوصل الْكتاب بقتل الْأسود فِي خلَافَة أبي بكر كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وروى عبد اللَّهِ بن أبي بكر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَيهَا النَّاس إِنِّي قد رَأَيْت لَيْلَة الْقدر ثمَّ انتزعت مني وَرَأَيْت فِي يَدي سِوَارَيْنِ من ذهب فكرهتمها فَنَفَخْتهمَا فطَارَا فَأَوَّلْتهمَا هذَيْن الْكَذَّابين صَاحب الْيَمَامَة وَصَاحب صنعاء وَلنْ تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ دجالًا كلهم يزْعم أَنه نَبِي "، وَقتل الْأسود قبل وَفَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَوْم وَلَيْلَة وَأول خُرُوجه إِلَى أَن قتل أَرْبَعَة أشهر، وَسَيَأْتِي ذكر مُسَيْلمَة صَاحب الْيَمَامَة.

(1/133)