تاريخ ابن الوردي

(عمْرَة الْحُدَيْبِيَة)

ثمَّ خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا مُعْتَمِرًا لَا يُرِيد حَربًا بالمهاجرين وَالْأَنْصَار فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وسَاق الْهَدْي وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَسَار حَتَّى وصل ثنية المرار مهبط الْحُدَيْبِيَة أَسْفَل مَكَّة وَأمر بالنزول فَقَالُوا ننزل على غير مَاء فَأعْطى رجلا سَهْما من كِنَانَته وغرزه فِي جَوف القليب فَجَاشَ حَتَّى صدر النَّاس عَنهُ فَبعثت قُرَيْش عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ سيد أهل الطَّائِف إِلَيْهِ وَقَالَ: إِن قُريْشًا لبسوا جُلُود النمور وعاهدوا اللَّهِ أَن لَا تدخل عَلَيْهِم مَكَّة عنْوَة أبدا
ثمَّ جعل عُرْوَة يتَنَاوَل لحية رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يكلمهُ، والمغيرة بن شُعْبَة وَاقِف على رَأس رَسُول اللَّهِ فَجعل يقرع يَده وَيَقُول: كف يدك عَن وَجه رَسُول اللَّهِ قبل أَن لَا ترجع إِلَيْك، فَقَالَ عُرْوَة مَا افظك وأغلظك فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ قَامَ عُرْوَة من عِنْده وَهُوَ يرى مَا يصنع

(1/118)


أَصْحَابه لَا يتَوَضَّأ إِلَّا ابتدروا وضوءه وَلَا يبصق إِلَّا ابتدروا بصاقه وَلَا سقط من شعره شَيْء إِلَّا أَخَذُوهُ.
فَرجع إِلَى قُرَيْش وَقَالَ لَهُم: إِنِّي جِئْت كسْرَى وَقَيْصَر فِي ملكهمَا فوَاللَّه مَا رَأَيْت ملكا فِي قومه مثل مُحَمَّد فِي أَصْحَابه ثمَّ دَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عمر بن لخطاب رَضِي اللَّهِ عَنهُ ليَبْعَثهُ إِلَى قُرَيْش يعلمهُمْ إِنَّه لم يَأْتِ لِحَرْب وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا ومعظما لهَذَا الْبَيْت فخافهم عمر لغلظته عَلَيْهِم وعداوته لَهُم فَبعث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي اللَّهِ عَنهُ إِلَى أبي سُفْيَان وأشراف قُرَيْش فعرفهم ذَلِك فَقَالُوا: إِن أحبببت أَن تَطوف بِالْبَيْتِ فَطُفْ، فَقَالَ: مَا كنت لأفعله حَتَّى يطوف رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فحبسوه وَبلغ رَسُول اللَّهِ أَن عُثْمَان قتل فَقَالَ: " لَا نَبْرَح حَتَّى نُنَاجِز الْقَوْم ".
" ودعا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى بَيْعه الرضْوَان " تَحت الشَّجَرَة فَكَانَ يُقَال بايعهم رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْمَوْت وَكَانَ جَابر يَقُول: لم يُبَايِعنَا إِلَّا على أننا لَا نفر وَلَا يتَخَلَّف أحد من الْمُسلمين إِلَّا الْجد بن قيس استتر بناقته وَبَايع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعُثْمَان فِي غيبته فَضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى
ثمَّ أَن قُريْشًا بعثوا سُهَيْل بن عَمْرو فِي الصُّلْح فَأجَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله أَلَسْت برَسُول اللَّهِ ولسنا بِالْمُسْلِمين قَالَ: بلَى، قَالَ: فعلام نعطي الدنية فِي ديننَا، فَقَالَ: " أَنا عبد اللَّهِ وَرَسُوله وَلنْ أُخَالِف أمره وَلنْ يضيعني " ثمَّ دَعَا عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ فَقَالَ: " أكتب بِسم اللله الرَّحْمَن الرَّحِيم: فَقَالَ: سُهَيْل لَا أعرف هَذَا وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ، ثمَّ قَالَ: " اكْتُبْ هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ " فَقَالَ سُهَيْل: لَو شهِدت إِنَّك رَسُول اللَّهِ لم أقاتلك وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك وَاسم أَبِيك، فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اكْتُبْ هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ سُهَيْل بن عَمْرو على وضع الْحَرْب عَن النَّاس عشر سِنِين وَأَنه من احب أَن يدْخل فِي عقد مُحَمَّد وَعَهده دخل فِيهِ وَمن احب أَن يدْخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ دخل فِيهِ " وَأشْهد على الْكتاب رجَالًا من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَكَانَ الصَّحَابَة خَرجُوا من الْمَدِينَة لَا يَشكونَ فِي فتح مَكَّة لرؤيا رَآهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فداخل النَّاس من الصُّلْح أَمر عَظِيم حَتَّى كَادُوا يهْلكُونَ.
وَلما فرغ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ذَلِك نحر هَدِيَّة وَحلق رَأسه فنحروا وحلقوا ويومئذ قَالَ: " يرحم اللَّهِ المحلقين قَالُوا والمقصرين يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ يرحم اللَّهِ المحلقين حَتَّى اعادوا وَأعَاد ذَلِك ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: والمقصرين " ثمَّ قفل إِلَى الْمَدِينَة وَأقَام حَتَّى خرجت السّنة.
ثمَّ دخلت سنة سبع قلت: فِيهَا تزوج أم حَبِيبَة ومَيْمُونَة وَصفِيَّة وجاءته مَارِيَة وَبغلته دُلْدُل وَقدم جَعْفَر وَأَصْحَابه من الْحَبَشَة وَأسلم أَبُو هُرَيْرَة، وَالله أعلم.

(غَزْوَة خَيْبَر)

خرج فِي منتصف الْمحرم مِنْهَا إِلَى خَيْبَر وحصرهم وَفتحهَا حصنا حصنا حصن ناعم ثمَّ حصن القموص وَأصَاب مِنْهَا سَبَايَا مِنْهُنَّ صَفِيَّة بنت كَبِيرهمْ حييّ بن أَخطب فَتَزَوجهَا

(1/119)


وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَهُوَ من خواصه ثمَّ حصن المصعب أَكْثَرهَا طَعَاما وودكا ثمَّ الوطيح والسلالم آخر حصون خَيْبَر افتتاحا وَرُبمَا كَانَت تاخذه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الشَّقِيقَة فيلبث الْيَوْم واليومين لَا يخرج فَلَمَّا نزل خَيْبَر أَخَذته فَأخذ أَبُو بكر الرَّايَة فقاتل قتالا شَدِيدا.
ثمَّ عمر فقاتل شَدِيدا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أما وَالله لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ اللَّهِ وَرَسُوله كرارا غير فرار يَأْخُذهَا عنْوَة "، فتطاول الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار إِلَيْهَا وَكَانَ عَليّ أرمد فتفل فِي عَيْنَيْهِ فَزَالَ وجعهما ثمَّ أعطَاهُ الرَّايَة وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء وَخرج مرحب صَاحب الْحصن وَهُوَ يَقُول:
(قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب ... شاكي السِّلَاح بَطل مجرب)

فَقَالَ عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ:
(أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره ... أكيلهم بِالسَّيْفِ كيل السندرة)

فاختلفا بضربتين فقدت ضَرْبَة عَليّ المغفر وَرَأس مرحب وَسقط وَفتحت على يَد عَليّ بعد حِصَار بضع عشرَة لَيْلَة، وَحكى أَبُو رَافع مولى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَهُودِيّا ضرب عليا فَطرح ترسه من يَده فَتَنَاول بَابا فتترس بِهِ وَقَاتل حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ ثمَّ أَلْقَاهُ، فَلَقَد رَأَيْتنِي فِي سَبْعَة نفر ثامنهم نجهد على أَن نقلب ذَلِك الْبَاب فَمَا نقلبه، وَفتحت فِي صفر وساقاهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على النّصْف من ثمارهم ويخرجهم مَتى شَاءَ وَكَذَلِكَ ساقى أهل فدك فَكَانَت خَيْبَر للْمُسلمين وفدك خَالِصَة لَهُ لِأَنَّهَا فتحت بِغَيْر إيجَاف وَلم يزل يهود خَيْبَر كَذَلِك إِلَى ان أجلاهم عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ، وَانْصَرف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من خَيْبَر إِلَى وَادي الْقرى فحاصره وافتتحه عنْوَة وَلما وصل الْمَدِينَة قَالَ: " مَا أردي بِأَيِّهِمَا أسر بِفَتْح خَيْبَر أم بقدوم جَعْفَر ".
" وخلاصة تزَوجه بِأم حَبِيبَة " أَنَّهَا كَانَت قد هَاجَرت مَعَ زَوجهَا عبيد اللَّهِ بن جحش فَتَنَصَّرَ عبيد اللَّهِ فَكتب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى النَّجَاشِيّ يطْلب الْمُهَاجِرين ويخطبها فَزَوجهَا مِنْهُ ابْن عَمها خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بِالْحَبَشَةِ وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعمِائَة دِينَار وَبلغ أَبَاهَا أَبَا سُفْيَان فَقَالَ ذَلِك الْفَحْل الَّذِي لَا يقرع أَنفه، وكلم رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُسلمين أَن يدخلُوا الَّذين حَضَرُوا من الْحَبَشَة فِي سِهَامهمْ من مغنم خَيْبَر فَفَعَلُوا، وَفِي خَيْبَر سمته الْيَهُودِيَّة فِي الشَّاة فلاك مِنْهَا قِطْعَة فَأَخْبَرته الشَّاة أَنَّهَا مَسْمُومَة فلفظها، وَقَالَ فِي مرض مَوته: " إِن أكله خَيْبَر لم تزل تعاودني وَهَذَا زمَان انْقِطَاع أَبْهَري ".
" وفيهَا بعث رسله إِلَى الْمُلُوك " يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فَأرْسل إِلَى " كسْرَى برويز " عبد اللَّهِ بن حذافة فمزق كِتَابه فَقَالَ مزف اللَّهِ ملكه ثمَّ بِعْت كسْرَى إِلَى باذان عَامله بِالْيمن أَن ابْعَثْ إِلَيّ هَذَا الرجل الَّذِي فِي الْحجاز فَبعث باذان إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلَيْنِ اسْم أَحدهمَا

(1/120)


خرخرة وَكتب مَعَهُمَا يَأْمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَسِيرِ إِلَى كسْرَى فدخلا عَلَيْهِ وَقد حلقا لحاهما فكره النَّبِي النّظر إِلَيْهِمَا وَقَالَ: " ويلكما من أمركما بِهَذَا "؟ قَالَا رَبنَا - يعنيان كسْرَى - فَقَالَ: " لَكِن رَبِّي أَمرنِي أَن أعفي عَن لحيتي وأقص شاربي " فأعلماه بِمَا قدما لَهُ وَقَالا: إِن فعلت كتب فِيك باذان إِلَى كسْرَى وَإِن أَبيت فَهُوَ مهلكك.
فَأخر الْجَواب إِلَى الْغَد وأتى الْخَبَر من السَّمَاء إِلَيْهِ أَن اللَّهِ قد سلط على كسْرَى ابْنه شيرويه فَقتله فَأَخْبرهُمَا رَسُول اللَّهِ بذلك وَقَالَ: " إِن ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسْرَى فقولا لباذان أسلم " فَرَجَعَا إِلَى باذان وأخبراه بذلك، وَورد كتاب شيرويه إِلَى باذان بقتل أَبِيه كسْرَى وَأَن لَا يتَعَرَّض إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسلم باذان هُوَ وناس من فَارس.
وَأرْسل دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ إِلَى " قَيْصر " ملك الرّوم فَأكْرمه وَوضع كتاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على فَخذه ورد دحْيَة ردا جميلا، وَأرْسل حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى ملك مصر " الْمُقَوْقس " جريج بن مَتى فَأكْرمه وَأهْدى للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَربع جوَار وَقيل اثْنَتَيْنِ الْوَاحِدَة مَارِيَة أم ابْنه إِبْرَاهِيم وَأهْدى أَيْضا لَهُ البغلة دلدلا وَحِمَاره يعفورا.
وَكَانَ قد أرسل إِلَى " النَّجَاشِيّ " عَمْرو بن أُميَّة فَقبل كِتَابه وَأسلم على يَد جَعْفَر بن أبي طَالب فِي الْهِجْرَة إِلَيْهِ وَأرْسل شُجَاع بن وهب الْأَسدي إِلَى " الْحَارِث " بن أبي شمر الغساني فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابه قَالَ هَا أَنا سَائِر إِلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " باد ملكه ".
وَأرْسل سليط بن عَمْرو إِلَى " هَوْذَة " بن عَليّ ملك الْيَمَامَة النَّصْرَانِي فَقَالَ إِن جعل الْأَمر لي من بعده سرت إِلَيْهِ وَأسْلمت ونصرته وَإِلَّا قصدت حربه فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا وَلَا كَرَامَة اللَّهُمَّ اكفنيه " فَمَاتَ بعد ذَلِك.
وَكَانَ قد أرسل هَوْذَة الرّحال بِالْحَاء وَقيل بِالْجِيم إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسلم وَقَرَأَ الْبَقَرَة وَرجع إِلَى الْيَمَامَة وارتد وَشهد أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أشرك مَعَه مُسَيْلمَة الْكذَّاب فِي النُّبُوَّة، وَأرْسل الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ إِلَى " الْمُنْذر " بن ساوة ملك الْبَحْرين من قبل الْفرس فَأسلم وَجَمِيع الْعَرَب بِالْبَحْرَيْنِ.
وفيهَا فِي ذِي الْقعدَة خرج مُعْتَمِرًا " عمْرَة الْقَضَاء " وسَاق مَعَه سبعين بَدَنَة وَلما قرب خرجت لَهُ قُرَيْش عَنْهَا وتحدثوا أَن مُحَمَّدًا فِي عسر وَجهد فاصطفوا لَهُ عِنْد دَار الندوة فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد اضطبع بِأَن جعل وسط رِدَائه تَحت عضده الْأَيْمن وطرفيه على عَاتِقه الْأَيْسَر ثمَّ قَالَ: " رحم اللَّهِ امْرأ أَرَاهُم الْيَوْم قُوَّة " وَرمل فِي أَرْبَعَة أَشْوَاط من الطّواف ثمَّ سعى بَين الصَّفَا والمروة وَتزَوج فِي سَفَره هَذَا مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوجه بهَا الْعَبَّاس فِي الْإِحْرَام، وَهُوَ من خواصه، ثمَّ عَاد إِلَى الْمَدِينَة.

(1/121)


" ثمَّ دخلت سنة ثَمَان ": فِيهَا قدم خَالِد بن الْوَلِيد وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعُثْمَان بن طَلْحَة بن عبد الدَّار فأسلموا. وفيهَا فِي جمادي الأولى.

(غَزْوَة مؤته)

أول الْغَزَوَات فِي الرّوم، بعث ثَلَاثَة آلَاف وَأمر عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة مَوْلَاهُ، وَقَالَ " إِن أُصِيب فجعفر بن أبي طَالب وَإِن أُصِيب فعبد اللَّهِ بن رَوَاحَة "، فَقَالَ أَبُو بكر: حَسبك يَا رَسُول اللَّهِ فَإِنِّي أَتَخَوَّف أَن لاتعد أحدا إِلَّا قتل.
قلت: وَجلسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْمِنْبَر وكشف لَهُ معتركهم فَقَالَ: " أَخذ الرَّايَة زيد بن حَارِثَة حَتَّى اسْتشْهد " فصلى عَلَيْهِ وَقَالَ " اسْتَغْفرُوا لَهُ " ثمَّ قَالَ: " أَخذ الرَّايَة جَعْفَر حَتَّى اسْتشْهد " فصلى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: " اسْتَغْفرُوا لأخيكم جَعْفَر " ثمَّ قَالَ: " أَخذ الرَّايَة عبد اللَّهِ بن رَوَاحَة فاستشهد ثمَّ دخل الْجنَّة " فَأخْبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَصْحَابه بِقَتْلِهِم فِي السَّاعَة الَّتِي قتلوا فِيهَا، وَالله أعلم.
وَلما قتل هَؤُلَاءِ رَضِي اللَّهِ عَنْهُم اتّفق الْمُسلمُونَ على خَالِد فَأخذ الرَّايَة وَكَانَت الرّوم وَالْعرب المتنصرة فِي نَحْو مائَة ألف وَرجع خَالِد بِالنَّاسِ إِلَى الْمَدِينَة، ومؤتة دون دمشق بِأَدْنَى البلقاء، وَسبب هَذِه الْغُزَاة أَنه أرسل الْحَارِث بن عُمَيْر إِلَى ملك بصرى بكتابه فَعرض لَهُ بمؤتة عَمْرو بن شُرَحْبِيل الغساني فَقتله وَلم يقتل لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَسُول غَيره، وفيهَا.

(نقض الصُّلْح وَفتح مَكَّة)

وَذَلِكَ أَن بني بكر كَانُوا فِي عقد قُرَيْش وخزاعة فِي عقد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلقي فِي هَذِه السّنة بَنو بكر خُزَاعَة فَقتلُوا مِنْهُم بإعانة بعض قُرَيْش فَانْتقضَ عَهدهم وندمت قُرَيْش فَقدم أَبُو سُفْيَان ليجدد الْعَهْد وَدخل على أم حَبِيبَة فطوت عَنهُ فرَاش النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا بنية أرغبت بِهِ عني أم رغبت بن عَنهُ، فَقَالَت: هُوَ فرَاش رَسُول اللَّهِ وَأَنت مُشْرك نجس، فَقَالَ لقد أَصَابَك بعدِي شَرّ، ثمَّ أَتَاهُ فَكَلمهُ فَلم يرد شَيْئا وأتى كبار الصَّحَابَة مثل أبي بكر وَعلي فَمَا أجاباه فَعَاد وَأخْبر قُريْشًا، وتجهز رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقصد أَن يبغت قُريْشًا بِمَكَّة من قبل أَن يعلمُوا بِهِ فَكتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَيْهِم مَعَ سارة مولاة بني هَاشم يعلمهُمْ بذلك فَأطلع اللَّهِ رَسُوله على ذَلِك، وَأرْسل عليا وَالزُّبَيْر وأخذا مِنْهَا الْكتاب فَقَالَ لحاطب: " مَا حملك على هَذَا " فَقَالَ: وَالله إِنِّي مُؤمن مَا بدلت وَلَا غيرت وَلَكِن لي بَين أظهرهم أهل وَولد وَلَيْسَ لي عشيرة فصانعتهم فَقَالَ عمر دَعْنِي أضْرب عُنُقه فَإِنَّهُ مُنَافِق فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَعَلَّ اللَّهِ قد اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم ".
ثمَّ خرج من الْمَدِينَة لعشر من رَمَضَان وَمَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَطَوَائِف من الْعَرَب وَكَانَ جَيْشه عشرَة آلَاف حَتَّى قَارب مَكَّة فَركب الْعَبَّاس بغلة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَعَلَّه يجد رجلا يعلم قُريْشًا ليأتوا رَسُول اللَّهِ ويستأمنوه وَإِلَّا هَلَكُوا قَالَ فَسمِعت صَوت أبي سُفْيَان بن حَرْب

(1/122)


وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ خَرجُوا متجسسين فَقلت أَبَا حَنْظَلَة يَعْنِي أَبَا سُفْيَان فَقَالَ أَبَا الْفضل قلت: نعم قَالَ لبيْك فدَاك أبي وَأمي مَا وَرَاءَك قلت قد أَتَاكُم رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عشرَة آلَاف فَقَالَ مَا تَأْمُرنِي بِهِ قلت تركب لأستأمن لَك رَسُول اللَّهِ وَإِلَّا تضرب عُنُقك.
فردفني وَجئْت بِهِ إِلَى رَسُول اللَّهِ وَجَاءَت طريقي على عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر: أَبَا سُفْيَان الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك بِغَيْر عقد وَلَا عهد، ثمَّ اشْتَدَّ نَحْو رَسُول اللَّهِ، وأدركته فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ دَعْنِي أضْرب عُنُقه، وَسَأَلَهُ الْعَبَّاس فِيهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قد أمناه، وأحضره يَا عَبَّاس بِالْغَدَاةِ " فَرجع بِهِ الْعَبَّاس إِلَى منزله وجاءه بِهِ بِالْغَدَاةِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أَبَا سُفْيَان أما آن أَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ " قَالَ بلَى، قَالَ: " وَيحك ألم يَأن لَك أَن تعلم أَنِّي رَسُول اللَّهِ " فَقَالَ: بِأبي وَأمي أما هَذِه فَفِي النَّفس مِنْهَا شَيْء، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: وَيحك تشهد قبل أَن يضْرب عُنُقك؛ فَتشهد وَأسلم مَعَه حَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء ثمَّ أَمر الْعَبَّاس أَن يذهب بِأبي سُفْيَان إِلَى مضيق الْوَادي ليشاهد جنود اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّه يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا يكون فِي قومه.
فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل دَار حَكِيم بن حزَام فَهُوَ آمن " قَالَ الْعَبَّاس: فَخرجت بِهِ كَمَا أَمرنِي رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كتيبته الخضراء من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَقَالَ لقد أصبح ملك ابْن أَخِيك عَظِيما، فَقلت وَيحك إِنَّهَا النُّبُوَّة، فَقَالَ نعم، ثمَّ امْر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يدْخل الزبير بِبَعْض النَّاس من كداء، وَسعد بن عبَادَة سيد الْخَزْرَج بِبَعْض النَّاس من ثنية كداء، وَأمر عليا أَن يَأْخُذ الرَّايَة مِنْهُ فَيدْخل بهَا لما بلغه من قَول سعد: الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة، وَأمر خَالِدا أَن يدْخل من أَسْفَل مَكَّة فِي بعض النَّاس، وَكلهمْ لم يقاتلوا نَهَاهُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْقِتَال إِلَّا أَن خَالِدا لقِيه جمَاعَة من قُرَيْش فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ ومنعوه الدُّخُول فَقَاتلهُمْ وَقتل ثَمَانِيَة وَعشْرين مُشْركًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الم أنهه عَن الْقِتَال " فَقَالُوا إِن خَالِدا قوتل فقاتل، وَقتل اثْنَان من الْمُسلمين وَفتحت مَكَّة يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من رَمَضَان عنْوَة بِالسَّيْفِ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة فتحت صلحا.
وَلما أمكنه اللَّهِ من رِقَاب قُرَيْش قَالَ: " مَا تروني فَاعِلا بكم "؟ قَالُوا لَهُ خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ: " فاذهبوا فَأنْتم الطُّلَقَاء " وَلما اطْمَأَن النَّاس خرج إِلَى الطّواف فَطَافَ سبعا على رَاحِلَته واستلم الرُّكْن بمحجن كَانَ فِي يَده وَدخل الْكَعْبَة وَرَأى فِيهَا الشخوص على صور الْمَلَائِكَة وَصُورَة إِبْرَاهِيم وَفِي يَده الأزلام يستقسم بهَا فَقَالَ: " قَاتلهم اللَّهِ جعلُوا شَيخنَا يستقسم بالأزلام مَا شَأْن إِبْرَاهِيم والأزلام ".
ثمَّ أَمر بِتِلْكَ الصُّور فطمست وَصلى فِي الْبَيْت.
قلت: وَكَانَ حول الْبَيْت ثلثمِائة وَسِتُّونَ صنما قد أوثقت إِلَى جِدَاره بالرصاص فَجعل

(1/123)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كلما مر بصنم مِنْهَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقضيب فِي يَده وَيَقُول: " جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل أَن الْبَاطِل كَانَ زهوقا " فَيَقَع الصَّنَم لوجهه من غير أَن يمسهُ شَيْء، وَفِي ذَلِك يَقُول فضَالة اللَّيْثِيّ:
(لَو مَا رَأَيْت مُحَمَّدًا وَجُنُوده ... بِالْفَتْح يَوْم تكسر الْأَصْنَام)

(لرأيت نور اللَّهِ أصبح بَيْننَا ... والشرك يغشى وَجهه الإظلام)
وَالله أعلم.
وأهدر دم سِتَّة رجال وَأَرْبع نسْوَة أحدهم " عِكْرِمَة " بن أبي جهل ثمَّ استأمنت لَهُ زَوجته أم حَكِيم فَأَمنهُ وَأسلم، الثَّانِي هَبَّار بن الْأسود، وَالثَّالِث " عبد اللَّهِ " بن سعد بن أبي سرح أَخُو عُثْمَان بن عَفَّان من الرضَاعَة فَأَتَاهُ بن عُثْمَان وَسَأَلَهُ فِيهِ فَصمت طَويلا ثمَّ أَمنه فَأسلم.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا صمت ليقوم أحدكُم فيقتله " فَقَالُوا هلا أَوْمَأت إِلَيْنَا فَقَالَ " إِن الْأَنْبِيَاء لَا تكون لَهُم خَائِنَة الْأَعْين " وَكَانَ هَذَا قد أسلم قبل الْفَتْح وَكتب الْوَحْي فَكَانَ يُبدل الْقُرْآن ثمَّ أرتد وعاش إِلَى خلَافَة عُثْمَان وولاه مصر، الرَّابِع " ابْن صبَابَة " لقَتله الْأنْصَارِيّ الَّذِي قتل أَخَاهُ خطأ وارتد، الْخَامِس " عبد اللَّهِ " بن هِلَال كَانَ قد أسلم ثمَّ قتل مُسلما وارتد، السَّادِس " الْحُوَيْرِث " بن نفَيْل كَانَ يُؤْذِي رَسُول اللَّهِ ويهجوه فَقتله عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ.
" وَأما النِّسَاء " فإحداهن " " هِنْد " زوج أبي سُفْيَان تنكرت مَعَ نسَاء قُرَيْش وبايعته فَلَمَّا عرفهَا قَالَت: أَنا هِنْد فَاعْفُ عَمَّا سلف فَعَفَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأذن بِلَال الظّهْر على الْكَعْبَة فَقَالَت جوَيْرِية بنت أبي جهل لقد أكْرم اللَّهِ أبي حِين لم يشْهد نهيق بِلَال على ظهر الْكَعْبَة، وَقَالَ الْحَارِث بن هِشَام لَيْتَني مت قبل هَذَا، وَقَالَ خَالِد بن أسيد لقد أكْرم اللَّهِ أبي فَلم ير هَذَا الْيَوْم، فَخرج عَلَيْهِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ ذكر لَهُم مَا قَالُوهُ، فَقَالَ الْحَارِث: أشهد أَنَّك رَسُول اللَّهِ وَمَا اطلع على هَذَا أحد فَنَقُول أخْبرك.
وَمن المهدرات " سارة " حاملة كتاب حَاطِب.

(غَزْوَة خَالِد بني جذيمة)

وَبعد فتح مَكَّة بعث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السَّرَايَا حولهَا إِلَى النَّاس يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَلم يَأْمُرهُم بِقِتَال، وَكَانَت بَنو خُزَيْمَة قد قتلوا فِي الْجَاهِلِيَّة عوفا أباعبد الرَّحْمَن وَعم خَالِد كَانَا أَقبلَا من الْيمن، وَأخذُوا مَا مَعَهُمَا. وَكَانَ من السَّرَايَا الَّتِي بعثها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تدعوا إِلَى الْإِسْلَام سَرِيَّة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد فَنزل على مَاء لبني خُزَيْمَة فَأَقْبَلُوا بِالسِّلَاحِ فَقَالَ لَهُم خَالِد: ضَعُوا السِّلَاح فَإِن النَّاس قد أَسْلمُوا، فوضعوه، وَأمر بهم خَالِد فكتفوا ثمَّ عرضهمْ على السَّيْف فَقتل من قتل مِنْهُم، وَبلغ النَّبِي ذَلِك فَرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء حَتَّى بَان بَيَاض إبطية وَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد " ثمَّ أَمر عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ أَن يُؤَدِّي لَهُم الدِّمَاء وَالْأَمْوَال فَفعل، وَكَانَ قد فضل مَعَ عَليّ قَلِيل مَال فَدفعهُ إِلَيْهِم تطييبا لقُلُوبِهِمْ فأعجب النَّبِي ذَلِك، وَأنكر

(1/124)


عبد الرَّحْمَن بن عَوْف على خَالِد فعله فَقَالَ خَالِد: ثأرت أَبَاك، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: بل ثأرت عمك الْفَاكِه وَفعلت فعل الْجَاهِلِيَّة فِي الْإِسْلَام.
وَبلغ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خصامهما فَقَالَ: " يَا خَالِد دع عَنْك أَصْحَابِي فوَاللَّه لَو كَانَ لَك أحد ذَهَبا ثمَّ أنفقته فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى مَا أدْركْت غدْوَة أحدهم وَلَا روحته "، وفيهَا فِي شَوَّال غَزْوَة حنين.

(غَزْوَة حنين)

وَاد بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاث لَيَال وَلما فتحت مَكَّة تجمعت هوزان لحربه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومقدمهم مَالك بن عَوْف النضري، وانضمت إِلَيْهِم ثَقِيف أهل الطَّائِف وَبَنُو سعد بن بكر الَّذِي رضع فيهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَحضر بَنو جشم وَفِيهِمْ دُرَيْد بن الصمَّة وَقد جَاوز الْمِائَة لرأيه وَقَالَ رجزا:
(يَا لَيْتَني فِيهَا جذع ... أخب فِيهَا وأضع)

وَبلغ ذَلِك رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَخرج من مَكَّة لست من شَوَّال - وَكَانَ يقصر الصَّلَاة بِمَكَّة من يَوْم فتحهَا إِلَى خُرُوجه هَذَا - وَخرج مَعَه اثْنَا عشر ألفا أَلفَانِ من مَكَّة وَعشرَة آلَاف كَانَت مَعَه، وَمَعَهُ صَفْوَان بن أُميَّة لم يسلم بعد بل استمهل بِالْإِسْلَامِ شَهْرَيْن وأعاره مائَة درع وَمَعَهُ أَيْضا جمع من الْمُشْركين وانْتهى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى حنين وَالْمُشْرِكُونَ بأوطاس فَقَالَ دُرَيْد عَن أَوْطَاس: نعم مجَال الْخَيل لَا حزن ضرس وَلَا سهل دهس، وَركب بغلته الدلْدل.
وَقَالَ رجل من الْمُسلمين عَن جَيْشه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لن يغلب هَؤُلَاءِ من قلَّة، وَفِي ذَلِك نزل {وَيَوْم حنين إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا} والتقوا فانكشف الْمُسلمُونَ وانحاز - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات الْيمن فِي نفر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأهل بَيتهمْ وحيئذ ظهر حقد أهل مَكَّة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: لَا تَنْتَهِي هزيمتهم دون الْبَحْر وَكَانَت الأزلام مَعَه فِي كِنَانَته وصرخ كلدة اسْكُتْ فض اللَّهِ فَاك وَالله لِأَن يربنِي رجل من قُرَيْش أحب إِلَيّ من أَن يربنِي رجل من هوَازن. وَاسْتمرّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَابتا قلت: وَلما انهزم الصَّحَابَة يَوْم حنين قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: للْعَبَّاس " نَاد بهم " فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَيفَ يبلغهم صوتي، أَو مَتى يسمعُونَ ندائي، فَقَالَ: " عَلَيْك النداء وعَلى اللَّهِ الْبَلَاغ " فناداهم الْعَبَّاس وَأَقْبلُوا يأمون الصَّوْت كَأَنَّهُمْ إبل حنت إِلَى أَوْلَادهَا، وَالله أعلم.
وتراجعوا واقتتلوا شَدِيدا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبغلته الدلْدل: " الْبَدِيِّ الْبَدِيِّ " فَوضعت بَطنهَا على الأَرْض، وَأخذ حفْنَة من تُرَاب فَرمى بهَا فِي وَجه الْمُشْركين فهزموا واتبعهم الْمُسلمُونَ يقتلُون وَيَأْسِرُونَ.
وَكَانَ فِي السَّبي الشيماء السعدية أُخْته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الرضَاعَة فأرته عَلامَة عضته فِي ظهرهَا فعرفها وَبسط لَهَا رِدَاءَهُ وزودها وردهَا إِلَى قَومهَا حَسْبَمَا سَأَلت.

(1/125)


وَلما انْهَزَمت ثَقِيف من حنين إِلَى الطَّائِف سَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وحاصرهم بِالطَّائِف " نيفا وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى بالمنجنيق، وَأمر بِقطع أعتابهم ثمَّ رَحل عَنْهُم وَنزل الْجِعِرَّانَة وَبهَا غَنَائِم هوَازن وَأَتَاهُ بعض هوَازن وسألوه فَرد عَلَيْهِم نصِيبه وَنصِيب بني عبد الْمطلب ورد النَّاس أَبْنَاءَهُم ونساءهم، ثمَّ لحق مَالك بن عَوْف مقدمهم بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسلم وَاسْتَعْملهُ على قومه وعَلى من أسلم من تِلْكَ الْقَبَائِل، وعدة السَّبي الَّذِي أطلقهُ سِتَّة آلَاف، ثمَّ قسم الْأَمْوَال، وعدة الْإِبِل أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا وَالْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا وَالْفِضَّة أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة وَأعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم مثل أبي سُفْيَان.
قلت: ثمَّ حسن إِسْلَامه وَالله أعلم، وَمثل سهل بن عَمْرو، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل والْحَارث بن هِشَام، صَفْوَان بن أُميَّة، وَهَؤُلَاء من قُرَيْش. وَأعْطى الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي، وعيينة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الذبياني، وَمَالك بن عَوْف مقدم هوَازن، أعْطى كل وَاحِد من الْأَشْرَاف مائَة من الْإِبِل، والآخرين أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ، وَأعْطى الْعَبَّاس بن مرداس أباعر لم يرضها وَقَالَ فِي ذَلِك:
(أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد ... بَين عُيَيْنَة والأقرع)

(وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع)

(وَمَا كنت دون امرىء مِنْهُمَا ... وَمن تضع الْيَوْم لَا يرفع)

فَقَالَ: " إقطعوا عني لِسَانه " فَأعْطِي حَتَّى رَضِي، وَلم يُعْط الْأَنْصَار من ذَلِك شَيْئا فوجدوا فِي أنفسهم فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: " أوجدتم يَا معشر الْأَنْصَار فِي لعاعة من الدنية ألفت بهَا قوما ليسلموا ووكلتكم إِلَى إسلامكم أما ترْضونَ أَن يذهب بِالنَّاسِ بالبعير وَالشَّاء وترجعون برَسُول اللَّهِ إِلَى رحالكُمْ أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَأَة من الْأَنْصَار وَلَو سلك النَّاس شعبًا لَسَلَكْت شعب الْأَنْصَار اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَار وَأَبْنَاء الْأَنْصَار وَأَبْنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار ".
ويومئذ قَالَ ذُو الْخوَيْصِرَة من تَمِيم لم تعدل هَذِه الْقِسْمَة وَلَا أُرِيد بهَا وَجه اللَّهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سيخرج من ضئضىء هَذَا الرجل قوم يخرجُون من الدّين كَمَا يخرج السهْم من الرَّمية لَا يُجَاوز إِيمَانهم تراقيهم " فَخرج مِنْهُ حرقوص بن زُهَيْر البَجلِيّ الْمَعْرُوف بِذِي الثدية أول من بُويِعَ من الْخَوَارِج بِالْإِمَامَةِ وَأول مارق من الدّين.
" ثمَّ اعْتَمر " وَعَاد إِلَى الْمَدِينَة واستخلف على مَكَّة عتاب بن أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة وَهُوَ شَاب لم يبلغ عشْرين سنة وَترك مَعَه معَاذ بن جبل يفقه النَّاس، وَحج بِالنَّاسِ هَذِه السّنة عتاب على مَا كَانَت الْعَرَب تحج. وفيهَا ولد إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وفيهَا مَاتَ حَاتِم بن عبد اللَّهِ بن الحشرج من ولد طي بن أدد، ويكنى بِأبي سفانة بنته الَّتِي أَتَت النَّبِي بعد الْبعْثَة وَشَكتْ حَالهَا، وَكَانَ شَاعِرًا مجيدا وَيضْرب بجوده الْمثل.

(1/126)


قلت: وفيهَا توفيت زَيْنَب، وفيهَا غلا السّعر فَقَالُوا سعر لنا "، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع: وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَدِينَةِ وَتَتَابَعَتْ الْوُفُود وَدخل النَّاس فِي دين اللَّهِ أَفْوَاجًا وَورد عَلَيْهِ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ سيد ثَقِيف وَكَانَ غَائِبا عَن حِصَار الطَّائِف فَأسلم وَحسن إِسْلَامه فَقَالَ: أمضي إِلَى قومِي وأدعوهم فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّهُم قاتلوك " فَكَانَ كَمَا قَالَ، ووفد كَعْب بن زُهَيْر بن أبي سلمى بعد ان أهْدر دَمه، ومدح النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقصيدته الْمَشْهُورَة وَهِي.
(بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول ... )

فَأعْطَاهُ بردته واشتراها مُعَاوِيَة رَضِي اللَّهِ عَنهُ فِي خِلَافَته من أهل كَعْب بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ توارثها الْخُلَفَاء حَتَّى أَخذهَا التتر.
وفيهَا فِي رَجَب أعلم النَّاس بالتجهز لغزو الرّوم، وَكَانَ إِذا أَرَادَ غزَاة ورى بغَيْرهَا إِلَّا فِي هَذِه لقُوَّة الْعَدو وَبعد الطَّرِيق والجدب وَالْحر وَالنَّاس فِي عسرة " فَسُمي جَيش الْعسرَة ". وَكَانَت الثِّمَار قد طابت فتجهزوا على كره وَأمر
الْمُسلمين بِالنَّفَقَةِ فأنفق أَبُو بكر جَمِيع مَاله وَأنْفق عُثْمَان ثلثمِائة بعير طَعَاما وَألف دِينَار فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يضر عُثْمَان مَا صنع بعد الْيَوْم " وتخلف عبد اللَّهِ بن أبي الْمُنَافِق وتخلف ثَلَاثَة من الْأَنْصَار وهم كَعْب بن ماللك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة.
واستخلف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَهله عليا فَأَرْجَفَ بِهِ المُنَافِقُونَ وَقَالُوا مَا خَلفه إِلَّا استثقالا، فَأخذ سلاحه وَلحق بِهِ فَأخْبرهُ بِمَا قَالَه المُنَافِقُونَ فَقَالَ: " كذبُوا إِنَّمَا خلفتك لما ورائي فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي أما ترضي أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون بن مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي " وَكَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاثُونَ ألفا فَكَانَت الْخَيل عشرَة آلَاف ولقوا فِي الطَّرِيق حرا وعطشا ووصلوا الْحجر أَرض ثَمُود فنهاهم عَن مائَة ووصلوا " تَبُوك ".
فَأَقَامَ بهَا عشْرين لَيْلَة وَقدم عَلَيْهِ بهَا يوحنا صَاحب أَيْلَة فَصَالحه على الْجِزْيَة فبلغت جزيتهم ثلثمِائة دِينَار وَصَالح أهل أذرح على مائَة دِينَار فِي كل رَجَب وَأرْسل خَالِدا إِلَى أكيدر بن عبد الْملك صَاحب دومة الجندل الْكِنْدِيّ النَّصْرَانِي فَقتل أَخَاهُ وَقدم بأكيدر عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَصَالحه على الْجِزْيَة ثمَّ قدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة فِي رَمَضَان فَاعْتَذر إِلَيْهِ الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا فَنهى عَن كَلَامهم واعتزلوا وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ ثمَّ نزلت تَوْبَتهمْ بعد خمسين لَيْلَة.
وَلما دخل الْمَدِينَة قدم عَلَيْهِ وَفد الطَّائِف فِي ثَقِيف وَأَسْلمُوا وسألوه أَن يدع اللات الَّتِي كَانُوا يعبدونها لَا يَهْدِمهَا إِلَى ثَلَاث سِنِين فأبي فنزلوا إِلَى شهر فَأبى وسألوه أَن يعفيهم من الصَّلَاة فَقَالَ: " لَا خير فِي دين لَا صَلَاة فِيهِ " فَأَجَابُوا وَأرْسل مَعَهم الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب فهدما اللات وَخرج نسَاء ثَقِيف حسرى يبْكين عَلَيْهَا

(1/127)


وفيهَا بعث أَبَا بكر ليحج بِالنَّاسِ وَمَعَهُ عشرُون بدنه لرَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وثلثمائة رجل فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة أرسل عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ فِي أَثَره وَأمره بِقِرَاءَة آيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة على النَّاس وَأَن يُنَادي أَن لَا يطوف بِالْبَيْتِ بعد السّنة عُرْيَان وَلَا يحجّ مُشْرك فَعَاد أَبُو بكر وَقَالَ: يَا رَسُول الله أنزل فِي شَيْء؟ قَالَ: " لَا وَلَكِن لَا يبلغ عني إِلَّا أَنا أَو رجل مني أَلا ترْضى يَا أَبَا بكر إِنَّك كنت معي فِي الْغَار وصاحبي على الْحَوْض " قَالَ: بلَى، فَسَار أَبُو بكر أَمِيرا على الْمَوْسِم وَعلي يُؤذن بِبَرَاءَة يَوْم الْأَضْحَى وَأَن لَا يحجّ مُشْرك وَلَا يطوف عُرْيَان.
وفيهَا فِي ذِي الْقعدَة مَاتَ عبد اللَّهِ بن أبي بن سلول الْمُنَافِق.
قلت: وفيهَا توفيت أم كُلْثُوم وَالنَّجَاشِي، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة عشر: وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ وجاءته وُفُود الْعَرَب قاطبة وَأسلم أهل الْيمن وملوك حمير، وَبعث عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ إِلَى الْيمن فَقَرَأَ كِتَابه عَلَيْهِم فَأسْلمت هَمدَان كلهَا فِي يَوْم وَاحِد.
ثمَّ تتَابع أهل الْيمن على الْإِسْلَام وَكتب إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فَسجدَ شكرا لله تَعَالَى، ثمَّ أَمر عليا بِأخذ صدقَات نَجْرَان وجزيتهم فَفعل وَعَاد فلقي رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حجَّة الْوَدَاع