تاريخ ابن الوردي

(خلَافَة عُثْمَان رَضِي اللَّهِ عَنهُ)

ثمَّ بُويِعَ عُثْمَان بالخلافة لثلاث مضين من الْمحرم مِنْهَا، وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَأمه أروى بنت كريز بن ربيعَة. وَأقر عُثْمَان وُلَاة عمر سنة لِأَنَّهُ أوصى بذلك، ثمَّ عزل الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن الْكُوفَة وولاها سعد بن أبي وَقاص، ثمَّ عَزله وولاها الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط كَانَ أَخا عُثْمَان من أمه.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَعشْرين: فِيهَا توفّي أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ واسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة بالربذة، وَقيل: توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ بهَا.
قلت: حكى شَيخنَا صدر الدّين بن الْوَكِيل رَحمَه اللَّهِ أَن رجلا سَأَلَ بعض السّلف بِأَن قَالَ: أعمر أخرج أَبَا ذَر؟ فَقَالَ لَهُ: كَذبُوك، وتصحيف ذَلِك أعثمان أخرج أَبَا ذَر، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَعشْرين: فِيهَا عزل عُثْمَان عَمْرو بن الْعَاصِ عَن مصر وولاها عبد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح العامري أَخا عُثْمَان من الرضَاعَة وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد أهْدر دم سعد الْمَذْكُور يَوْم الْفَتْح فشفع فِيهِ عُثْمَان فَأَطْلقهُ.
وَفِي خِلَافَته رَضِي اللَّهِ عَنهُ فتحت إفريقية بتولي ابْن أبي سرح الْمَذْكُور وَبعث بالخمس إِلَى عُثْمَان، وَلما فتحت أَمر عُثْمَان عبد اللَّهِ بن نَافِع بن الْحصين أَن يسير إِلَى جِهَة الأندلس، فغزا تِلْكَ الْجِهَة وَعَاد إِلَى إفريقية وَأقَام بهَا من قبل عُثْمَان، وَرجع عبد اللَّهِ بن سعد إِلَى مصر.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَعشْرين وَسنة ثَمَان وَعشْرين: فِيهَا استأذنه مُعَاوِيَة فِي غَزْو الْبَحْر فَأذن لَهُ، فَجهز مُعَاوِيَة إِلَى قبرس جَيْشًا، وَسَار إِلَيْهَا أَيْضا عبد اللَّهِ بن سعد من مصر فَقَاتلُوا جَمِيعًا أَهلهَا، ثمَّ صولحوا على جِزْيَة سَبْعَة آلَاف دِينَار فِي كل سنة بعد قتل وَسبي كثير فِي قبرس.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَعشْرين: فِيهَا عزل عُثْمَان أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن الْبَصْرَة وولاها ابْن خَاله عبد اللَّهِ بن عَامر بن كريز، ثمَّ عزل الْوَلِيد بن عقبَة عَن الْكُوفَة لكَونه

(1/143)


شرب الْخمر وَصلى بِالْمُسْلِمين الْفجْر أَرْبعا وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ الْتفت إِلَى النَّاس وَقَالَ: هَل ازيدكم؟ فَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا زلنا مَعَك فِي زِيَادَة مُنْذُ الْيَوْم. وَفِي ذَلِك يَقُول الحطيئة:
(شهد الحطيئة يَوْم يلقى ربه ... أَن الْوَلِيد أَحَق بالعذر)

(نَادَى وَقد فرغت صلَاتهم ... أأزيدكم سكرا وَمَا يدْرِي)

(فَأَبَوا أَبَا وهب وَلَو أذنوا ... لقرنت بَين الشفع وَالْوتر)

ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثِينَ: فِيهَا بلغ عُثْمَان مَا وَقع فِي أَمر الْقُرْآن وَأَن أهل الْعرَاق يَقُولُونَ: قراءتنا أصح لأَنا قَرَأنَا على أبي مُوسَى، وَأهل الشَّام يَقُولُونَ: قراءتنا أصح لأَنا قَرَأنَا على الْمِقْدَاد، وَكَذَلِكَ غَيرهم. فَحمل النَّاس بِاتِّفَاق الصَّحَابَة على الْمُصحف الَّذِي كتب زمن أبي بكر وأودع عِنْد حَفْصَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا وَنسخ مِنْهُ مصاحف للأمصار تولى نسخهَا بِأَمْر زيد بن ثَابت وَعبد اللَّهِ بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي، وَقَالَ عُثْمَان: إِذا اختلفتم فِي كلمة فاكتبوها بِلِسَان قُرَيْش فَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن بلسانهم.
وفيهَا سقط من عُثْمَان خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ من فضَّة فِيهِ ثَلَاثَة أسطر مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ كَانَ يتختم بِهِ وَيخْتم بِهِ الْكتب إِلَى الْمُلُوك، ثمَّ تختم بِهِ أَبُو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ عُثْمَان إِلَى أَن سقط فِي بِئْر أريس.
قلت: قَالُوا: وَكَانَ أمره صافيا إِلَى سُقُوط الْخَاتم الْمَذْكُور، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ: فِيهَا هلك كسْرَى يزدجرد آخر مُلُوكهمْ قيل: قَتله أهل مرو وَقتل بنيه التّرْك وَقتل أَصْحَابه فهرب هُوَ إِلَى بَيت رجل ينْقل الأرحاء فَقتله ثمَّ قتل.
وفيهَا عَصَتْ خُرَاسَان فَفَتحهَا الْمُسلمُونَ ثَانِيًا.
وفيهَا مَاتَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ: فِيهَا توفّي عبد اللَّهِ بن مَسْعُود بن عَاقل بن حبيب بن شمح من ولد مدركة بن إلْيَاس بن مُضر وَفِي مدركة يجْتَمع مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ أحد الْقُرَّاء عَظِيم فِي الصَّحَابَة وعدة بَعضهم فِي الْعشْرَة الْمَقْطُوع لَهُم بِالْجنَّةِ بدل أبي عُبَيْدَة رَضِي اللَّهِ عَنْهُم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ: فِيهَا تكلم جمَاعَة بِأَن عُثْمَان ولى جمَاعَة من أهل بَيته لَا يصلحون للولاية، فَكتب سعيد بن الْعَاصِ وَالِي الْكُوفَة إِلَيْهِ بذلك فَأمره عُثْمَان أَن يسير الَّذين تكلمُوا بذلك إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّام، فأرسلهم وَفِيهِمْ الْحَارِث بن مَالك الأشتر النَّخعِيّ وثابت بن قيس النَّخعِيّ وَجَمِيل بن زِيَاد وَزيد بن صوحان الْعَبْدي وَأَخُوهُ صعصة وجندب بن زُهَيْر وَعُرْوَة بن الْجَعْد وَعَمْرو بن الْحمق، فقدموا على مُعَاوِيَة وَجرى بَينهم كَلَام كثير وحذرهم الْفِتْنَة، فَوَثَبُوا وَأخذُوا بلحية مُعَاوِيَة ورأيه فَكتب بذلك إِلَى عُثْمَان، فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان أَن يردهم إِلَى سعيد بن الْعَاصِ فردهم إِلَى سعيد، فأطلقوا ألسنتهم فِي عُثْمَان رَضِي اللَّهِ عَنهُ وَاجْتمعَ إِلَيْهِم أهل الْكُوفَة.

(1/144)


ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ: وفيهَا قدم سعيد إِلَى عُثْمَان وَأخْبرهُ بِمَا فعله أهل الْكُوفَة وَأَنَّهُمْ يختارون أَبَا مُوسَى، فولى عُثْمَان أَبَا مُوسَى الْكُوفَة، فخطبهم أَبُو مُوسَى وَأمرهمْ بِطَاعَة عُثْمَان فَأَجَابُوا.
وتكاتب نفر من الصَّحَابَة أَن أقدموا فالجهاد عندنَا، ونال النَّاس من عُثْمَان وَلَيْسَ أحد من الصَّحَابَة ينْهَى عَن ذَلِك وَلَا يذب إِلَّا نفر مِنْهُم: زيد بن ثَابت وَأَبُو أسيد السَّاعِدِيّ وَكَعب بن مَالك وَحسان بن ثَابت، وَمِمَّا نقموا عَلَيْهِ رد الحكم بن الْعَاصِ طريد رَسُول الله وطريد أبي بكر وَعمر، وإعطاؤه مَرْوَان بن الحكم خمس غَنَائِم إفريقية وَهُوَ مَال عَظِيم، وَفِي ذَلِك يَقُول عبد الرَّحْمَن الْكِنْدِيّ:
(سأحلف بِاللَّه جهد الْيَمين ... مَا ترك اللَّهِ أمرا سدى)

(وَلَكِن خلقت لنا فتْنَة ... لكَي نبتلي بك أَو نبتلي)

(دَعَوْت اللعين فأدنيته ... خلافًا لسنة من قد مضى)

(وَأعْطيت مَرْوَان خمس الْعباد ... ظلما لَهُم وحميت الْحمى)

وأقطع مَرْوَان فدك وَهِي صَدَقَة رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي طلبتها فَاطِمَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا من أبي بكر رَضِي اللَّهِ عَنهُ، وَلم يكن بلغَهَا قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة " وَلم تزل فدك فِي يَد مَرْوَان حَتَّى انتزعها عمر بن عبد الْعَزِيز وردهَا صَدَقَة.
وفيهَا توفّي الْمِقْدَاد بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة، تبناه الْأسود بن عبد يَغُوث فِي الْجَاهِلِيَّة فَعرف بِهِ، وَلما نزل قَوْله تَعَالَى: {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} قيل: الْمِقْدَاد بن عَمْرو؛ وَمَا كَانَ يَوْم بدر صَاحب فرس فِي الْمُسلمين غير الْمِقْدَاد فِي قَول، وَشهد مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمشَاهد كلهَا وَعمر نَحْو سبعين سنة.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَلَاثِينَ: فِيهَا قدمت جموع من مصر والكوفة وَالْبَصْرَة، وَكَانَ هوى المصريين مَعَ عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ، وَهوى الْكُوفِيّين مَعَ الزبير، وَهُوَ الْبَصرِيين مَعَ طَلْحَة، فَدَخَلُوا الْمَدِينَة وثاروا على عُثْمَان يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ على الْمِنْبَر وَقَاتل جمَاعَة من الْمَدِينَة عَنهُ مِنْهُم: سعد بن أبي وَقاص وَالْحسن بن عَليّ وَزيد بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة، فَأرْسل عُثْمَان يعزم عَلَيْهِم بالانصراف فانصرفوا، وَصلى عُثْمَان بعد مَا نزلت الجموع فِي الْمَسْجِد ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثمَّ منعُوهُ الصَّلَاة فصلى بِالنَّاسِ الغافقي أَمِير جمع مصر، وَلزِمَ أهل الْمَدِينَة بُيُوتهم وَعُثْمَان مَحْصُور فِي دَاره أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقيل: خمسين.
ثمَّ اتّفق عَليّ مَعَ عُثْمَان على مَا طلبه النَّاس مِنْهُ من عزل مَرْوَان عَن كِتَابَته وَعبد اللَّهِ بن أبي سرح عَن مصر فَأجَاب، وَفرق عَليّ النَّاس عَنهُ، ثمَّ اجْتمع مَرْوَان بعثمان فَرده عَن ذَلِك، وَلَكِن عزل ابْن أبي سرح عَن مصر وولاها مُحَمَّد بن أبي بكر. وَتوجه مَعَ مُحَمَّد بن أبي بكر مهاجرون وأنصار، فَبينا هم فِي الطَّرِيق وَإِذا عبد عَليّ هجين يجهده فَقَالُوا لَهُ: إِلَى أَيْن؟ قَالَ: إِلَى الْعَامِل بِمصْر، قَالُوا: هَذَا عَامل مصر - يعنون مُحَمَّد بن أبي

(1/145)


بكر -. قَالَ: بل الْعَامِل الآخر - يَعْنِي ابْن أبي سرح -، ففتشوه فوجدوا مَعَه كتابا مَخْتُومًا بِخَتْم عُثْمَان يَقُول: إِذا جَاءَك مُحَمَّد بن أبي بكر وَمن مَعَه بأنك مَعْزُول فَلَا تقبل واحتل لقتلهم وأبطل كِتَابهمْ وقر فِي عَمَلك. فَرجع مُحَمَّد وَمن مَعَه وجمعوا الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ على الْكتاب، وسألوا عُثْمَان عَنهُ فاعترف بالختم وَخط كَاتبه وَحلف بِاللَّه أَنه لم يَأْمر بذلك، فطلبوا مِنْهُ مَرْوَان ليسلمه إِلَيْهِم بِسَبَب ذَلِك فَامْتنعَ، فحنقوا وجدوا فِي قِتَاله، فَأَقَامَ عَليّ ابْنه الْحسن يذب عَنهُ، وَأقَام الزبير ابْنه عبد اللَّهِ، وَطَلْحَة ابْنه مُحَمَّدًا، بِحَيْثُ جرح الْحسن رَضِي اللَّهِ عَنهُ وانصبغ بِالدَّمِ.
ثمَّ تسوروا على عُثْمَان من دَار بِجنب دَاره، وَنزل عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن أبي بكر فَقَتَلُوهُ صَائِما يَتْلُو فِي الْمُصحف لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمُدَّة خِلَافَته رَضِي اللَّهِ عَنهُ اثْنَتَا عشرَة سنة إِلَّا اثْنَتَيْ عشر يَوْمًا، وعمره سَبْعُونَ، وَقيل: أثنتان وَثَمَانُونَ، وَقيل: تسعون. وَمكث ثَلَاثَة أَيَّام لم يدْفن منع محاربوه من دَفنه، ثمَّ امْر عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ بدفنه.
وَكَانَ معتدل الْقَامَة، حسن الْوَجْه بِوَجْهِهِ أثر جدري، عَظِيم اللِّحْيَة، أسمر اللَّوْن، أصلع، يصفر لحيته، تزوج ابْنَتي رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسُمي ذَا النورين، كَاتبه مَرْوَان بن الحكم، وقاضيه زيد بن ثَابت، جهز جَيش الْعسرَة من مَاله، وَأصَاب النَّاس مجاعَة فِي غزَاة تَبُوك فَاشْترى طَعَاما يصلح الْعَسْكَر وجهز بِهِ عيرًا، فَلَمَّا وصل ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رفع يَده إِلَى السَّمَاء قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ، وَدخل يَوْمًا على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجعل ثَوْبه عَلَيْهِ وَقَالَ: " كَيفَ لَا أستحي مِمَّن تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة ".
قلت: وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا عُثْمَان إِن اللَّهِ عَسى أَن يلبسك قَمِيصًا فَإِن أرادك المُنَافِقُونَ على خلعة فَلَا تخلعه حَتَّى تَلقانِي يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا وَقد دخل عَلَيْهِ: " كَيفَ أَنْت يَا عُثْمَان إِذا لقيتني يَوْم الْقِيَامَة وأوداجك تشخب دَمًا فَأَقُول من فعل بك هَذَا فَتَقول بَين خاذل وَقَاتل وآمر ".
ثمَّ وَقع النَّاس بعده من الْفِتَن وَالْقَتْل فِي محذورين، وَأَقْبَلت عَلَيْهِم سحب أهواء مظْلمَة بقتل ذِي النورين، واستقبحت الْعُقَلَاء فقد صورته المستحسنة على هَذِه الصُّورَة، واستهجنت الفصحاء صرف عُثْمَان قَتِيلا من غير تناسب وَلَا ضَرُورَة وَمَا أحسن قَول كَعْب بن مَالك فِيهِ:
(وكف يَدَيْهِ ثمَّ أغلق بَابه ... وأيقن أَن اللَّهِ لَيْسَ بغافل)

(وَقَالَ لأهل الدَّار لَا تَقْتُلُوهُمْ ... عَفا اللَّهِ عَن كل امرىء لم يُقَاتل)

(فَكيف رَأَيْت اللَّهِ صب عَلَيْهِم الْعَدَاوَة ... والبغضاء بعد التواصل)

(وَكَيف رَأَيْت الْخَيْر أدبر بعده ... عَن النَّاس إدبار الرِّيَاح الحوافل)
وَالله أعلم.

(1/146)