تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ت
تدمري
ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى
الْمَدِينَةِ
عُقَيْلٌ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ
سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. وَهُمَا الْحَرَّتَانِ،
فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَرَجَعَ
إلى المدينة بعض [1] من كان هاجر إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ
فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَتَرْجُو
ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ
نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ [2]
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ
الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ
لِنَبِيِّهِ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنَ
الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ، أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ بِالْخُرُوجِ
إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا وَاللُّحُوقِ
بِالْأَنْصَارِ، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا،
__________
[1] في الجامع الصحيح: «ورجع عامة من كان هاجر» .
[2] بضم الميم.
[3] صحيح البخاري 7/ 39 في اللباس، باب التقنّع، وأحمد 6/ 198، وابن
سعد في الطبقات 1/ 226.
(1/311)
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عبد الأسد إلى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهَا قَبْلَ
الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى بِسَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ قَدِمَ مِنَ
الْحَبَشَةِ مَكَّةَ، فَآذَتْهُ قُرَيْشٌ، وَبَلَغَهُ أَنَّ جَمَاعَةً
مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَسْلَمُوا، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ
الْخُرُوجَ رَحَّلَ لِي بَعِيرَهُ، ثُمَّ حَمَلَنِي وَابْنِي عَلَيْهِ،
ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُنِي. فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي
الْمُغِيرَةِ قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ
غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، هَذِهِ [1] ، عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا
فِي الْبِلَادِ! فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ،
فَأَخَذُونِي مِنْهُ، وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ،
فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نزعتموها
من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سَلَمَةَ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ،
وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو
الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، فَانْطَلَقَ زَوْجِي [2] إِذْ فَرَّقُوا
بَيْنَنَا، فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطَحِ،
فَلَا أَزَالُ أَبْكِي حَتَّى أُمْسِي، سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا.
حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي فَرَحِمَنِي، فَقَالَ:
أَلَا تَخْرُجُونَ مِنْ هَذِهِ الْمِسْكِينَةِ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ وَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ، قَالَتْ:
وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي.
فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ سَلَمَةَ فِي حِجْرِي،
وَخَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ، وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ
خَلْقِ اللَّهِ. قُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ
عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ
بْنَ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّ، فقال: إلى أين يا بنت أَبِي أُمَيَّةَ؟
قُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ: أَوَ مَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا
اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ مِنْ مَتْرَكٍ.
فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فانطلق معي يهوي بي، فو الله مَا
صَحِبْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ، أَرَى أَنَّهُ أَكْرَمُ مِنْهُ،
كَانَ أَبَدًا إِذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ
اسْتَأْخَرَ عَنِّي حَتَّى إِذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي،
فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ في
__________
[1] في سيرة ابن هشام 2/ 211 (أرأيت صاحبتك هذه؟) .
[2] في السيرة «أبو سلمة إلى المدينة، قال: ففرّق بيني وبين زوجي وبين
ابني» .
(1/312)
الشَّجَرِ، ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى شَجَرَةٍ،
فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ قَامَ إِلَى بَعِيرِي
فَرَحَّلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي وَقَالَ: ارْكَبِي، فَإِذَا
رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ،
فَقَادَنِي حَتَّى يَنْزِلَ بِي، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى
أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قَرْيَةِ بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ
الْقَرْيَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا.
ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عامر بن
ربيعة حليف بني عديّ ابن كَعْبٍ مَعَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ، مَعَ امْرَأَتِهِ
وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ، وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ،
وَكَانَ يَمْشِي بِمَكَّةَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا،
وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَارِعَةُ [1] بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ
حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمَّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
فَنَزَلَ هَؤُلاءِ بِقُبَاءٍ عَلَى مُبَشِّرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ
[2] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَلَمَّا
اشْتَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابِهِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ،
فَخَرَجُوا رَسَلًا رَسَلًا [3] ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَبْلَ مَخْرَجِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبُو سَلَمَةَ
وَامْرَأَتُهُ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ
اللَّهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ [4] ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ،
وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ
الشَّرِيدِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ وَعَيَّاشُ
بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَجَمَاعَةٌ، فَطَلَبَ أَبُو جَهْلٍ وَالْحَارِثُ
بْنُ هِشَامٍ عَيَّاشًا، وَهُوَ أَخُوهُمْ لِأُمِّهِمْ، فَقَدِمُوا
__________
[1] في الأصل (الفرعة) . ولعلّه على مصطلحهم في حذف الألف المتوسّطة من
الأعلام.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 211- 212، عيون الأثر 1/ 173.
[3] في حاشية الأصل: (هو القطيع من الإبل والغنم، وجمعه: إرسال) يريد
أفواجا متقطّعة يتبع بعضهم بعضا على ما في (النهاية) .
[4] في نسخة دار الكتب، والإصابة- في الكنى- (خيثمة) وهو تصحيف،
والصواب ما في الأصل وتاريخ الطبري 2/ 369 والبيهقي 2/ 197.
(1/313)
الْمَدِينَةَ فَذَكَرُوا لَهُ حُزْنَ
أُمِّهِ، وَأَنَّهَا حَلَفَتْ لَا يُظِلُّهَا سَقْفٌ، وَكَانَ بِهَا
بَرًّا، فَرَقَّ لَهَا وَصَدَقَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجَا بِهِ
أَوْثَقَاهُ وَقَدِمَا بِهِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى قَبْلِ
الْفَتْحِ [1] .
قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ: اللَّهمّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ
هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ. الْحَدِيثَ [2] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،
فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ،
وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَطَائِفَةٌ،
وَمَكَثَ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَكَّةَ، حَتَّى قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَقْدَمِهِ، مَنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍ، عَلَى اخْتِلافٍ فِيهِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا
اجْتَمَعْنَا لِلْهِجْرَةِ اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي
رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقُلْنَا:
الْمِيعَادُ بَيْنَنَا التَّنَاضِبِ [3] مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ،
فَمَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ لَمْ يَأْتِهَا فَقَدْ حُبِسَ [4] ،
فَأَصْبَحْتُ عِنْدَهَا أَنَا وَعَيَّاشٌ، وَحُبِسَ هِشَامٌ وَفُتِنَ،
وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ
مِنْ هَؤُلاءِ تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِهِ
وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ
أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأُنْزِلَتْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله 39: 53
[5] ، فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي كِتَابًا، ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى
هِشَامٍ، فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ
خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى أُصْعِدُ فيها
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 369، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 197، نهاية الأرب
16/ 322.
[2] أخرجه البخاري في الجهاد 3/ 234 باب الدعاء على المشركين بالهزيمة
والزلزلة، وانظر عيون الأثر 1/ 175.
[3] بفتح التاء وكسر الضاد، (معجم البلدان، معجم ما استعجم) .
[4] في السيرة «فليمض صاحباه» .
[5] سورة الزمر- الآية 53.
(1/314)
النَّظَرَ وَأُصَوِّبُهُ لِأَفْهَمَهَا،
فَقُلْتُ، اللَّهمّ فَهِّمْنِيهَا، فَعَرَفْتُ أَنَّمَا أُنْزِلَتْ
فِينَا لِمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ فِينَا،
فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] ، قَالَ: فَقُتِلَ هِشَامٌ
بِأَجْنَادِينَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ
فَنَزَلْنَا الْعُصْبَةَ [2] عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو
عُبَيْدَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ
سَالِمٌ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُلْنَا
لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: هُوَ مَكَانُهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى
بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ،
ثُمَّ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ
مَسْعُودٍ، وَبِلَالُ، ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي
عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ،
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ
قَالَ: وَمَكَثَ رَسُولُ
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 219.
[2] هو موضع في المدينة عند قباء، وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد، على
ما في تاج العروس 3/ 375 وقيّده في الأصل بضم العين وسكون الصاد، وفي
الحاشية: وقيل (العصبة) وضبطها بفتح الأول وسكون الثاني. (معجم ما
استعجم 3/ 946) .
[3] قال في مجمع الزوائد 9/ 300 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم سمع سالما مولى أبي حذيفة يقرأ من
الليل، فَقَالَ الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مثله.
رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح.
[4] لم أجده في صحيح مسلّم، وقد أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار
4/ 263- 264 باب مقدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة،
ورواه في تفسير سورة سبّح اسم ربك الأعلى، وفي فضائل القرآن، باب تأليف
القرآن، وأحمد في المسند 1/ 3، وابن أبي عاصم النبيل 53 رقم 91،
والمقريزي في إمتاع الأسماع 1/ 34، والحاكم في المستدرك 3/ 634، وابن
سعد في الطبقات 4/ 206، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 361.
(1/315)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ،
وَإِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَمَكْرَهُمْ عَلَى
أَنْ يَأْخُذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَحْبِسُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ،
فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِمَكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا 8: 30 [1] الْآيَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ تَحْتَ اللَّيْلِ
قِبَلَ الْغَارِ بِثَوْرٍ، وَعَمَدَ عَلَيٌّ فَرَقَدَ عَلَى فِرَاشِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَارِي عَنْهُ
الْعُيُونَ [2] .
وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ: فَبَاتَتْ قُرَيْشٌ
يَخْتَلِفُونَ وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَجْثِمُ عَلَى صَاحِبِ
الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ، إِلَى أَنْ أَصْبَحُوا، فَإِذَا هُمْ
بِعَلِيٍّ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَعَلِمُوا
عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فَارًّا مِنْهُمْ، فَرَكِبُوا فِي
كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُ [3] .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : لَمَّا أَيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُويِعَ، وَأَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ
بِمَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِخْوَانِهِمْ
بِالْمَدِينَةِ، تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: الآن، فأجمعوا
في أمر محمد فو الله لَكَأَنَّهُ قَدْ كَرَّ عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ،
فَأَثْبِتُوهُ أَوِ اقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ.
فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمَّا
دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ
جَمِيلٍ فِي بَتٍّ [5] لَهُ فَقَالَ: أَأَدْخُلُ؟ قَالُوا: مَنْ
أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، سَمِعَ بِالَّذِي
اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَعَسَى أَنْ
لا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ نُصْحٌ وَرَأْيٌ، قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ،
فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ
مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، فَأَجْمِعُوا رأيا
__________
[1] سورة الأنفال- الآية 30.
[2] المغازي لعروة 129.
[3] المغازي 129.
[4] سيرة ابن هشام 2/ 221.
[5] البتّ: بفتح الباء. هو الكساء الغليظ المربع، وقيل: الطيلسان من
خزّ ونحوه، وقيل كساء من الصّوف. (هامش عيون الأثر 1/ 177) .
(1/316)
فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ قَائِلٌ:
أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ، فَقَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ،
وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَنَّ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ إِلَى
مَنْ وَرَاءِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَوْشَكَ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ
أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ
أَمْرِكُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُخْرِجُهُ فَنَنْفِيهِ،
فَإِذَا غَيَّبَ عَنَّا وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ مَا نُبَالِي أَيْنَ
وَقَعَ، قَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ
حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَحُسْنَ حَدِيثِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ
يَلْقَاهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَيَدْخُلُ عَلَى قَبِيلَةٍ
مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَأَصْفَقَتْ [1] مَعَهُ عَلَى رَأْيِهِ،
ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ، فَقَالَ
أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ رَأْيًا، مَا أَرَاكُمْ
وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا
جَلْدًا نَهْدًا نَسِيبًا وَسِيطًا، ثُمَّ تُعْطُوهُ شِفَارًا
صَارِمَةً، فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا
قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَمْ تَدْرِ
عَبْدُ مناف بعد ذلك ما تصنع، ولم يقروا عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ،
وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أن يأخذوا العقل فتدونه لهم، قتل
النَّجْدِيُّ:
للَّه دَرُّ هَذَا الْفَتَى، هَذَا الرَّأْيُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ،
فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَأَتَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ وَأُمِرَ أَنْ
لَا يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَبِتْ
مَوْضِعَهُ، بَلْ بَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ. رَوَاهُ سَعِيدُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ [2] .
ثنا ابن إسحاق [3] ، عن عبد الله بن أبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ.
(ح) [4] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ عَنْ
بَاذَامَ مولى أمّ
__________
[1] أي اجتمعت.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 221- 222، تاريخ الطبري 2/ 371- 373، طبقات ابن
سعد 1/ 227، نهاية الأرب 16/ 327- 328، عيون الأثر 1/ 178- 179.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 221.
[4] رمز بمعنى تحويلة للسند.
(1/317)
هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ
مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَذِنَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ
بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ (الْأَنْفَالَ)
يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ وَإِذْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ 8: 30 [1]
الآية.
سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا
قَالَ عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ،
وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَيَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
بُكْرَةً وَعَشِيًّا [2] ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا
بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ [3] ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةَ وَهُوَ
سَيِّدُ الْقَارَةِ [4] ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟
قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ
وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا
يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ،
وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ
الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٍ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ
بِبِلَادِكَ، وَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ،
فَطَافَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ
لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ
الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي
الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ! فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ
جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةَ، وَقَالُوا لَهُ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ
يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ،
وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى
أَنْ يفتن أبناءنا ونساءنا،
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 223.
وكتب هنا في حاشية الأصل: «بلغت قراءة في الميعاد الثالث عشر، على
مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله الذهبي. كتبه عبد الرحمن البعلي» .
[2] في الصحيح «عشيّة» .
[3] في ضبطها خلاف (مشارق الأنوار للقاضي عياض) .
[4] (القارة) بتخفيف الراء، قبيلة تحذق الرمي.
(1/318)
فَقَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ
يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ
فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا
بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،
فَيَتَقَصَّفُ [1] عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ،
يُعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَكَادُ
يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ
قُرَيْشٍ [2] فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةَ، فَقَدِمَ
عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ
عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ،
وَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ
وَالْقِرَاءَةَ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا
وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ [3] فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ
يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ
يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ، فَإِنَّا
قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ
الِاسْتِعْلَانَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ:
قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ
تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ [4] ذِمَّتِي،
فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي
رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ
وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْمُسْلِمِينَ: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً
ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. هُمَا الْحَرَّتَانِ [5] ، فَهَاجَرَ
مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر
إلى أرض الحبشة.
__________
[1] أي يزدحم، وهنا في (ع) اضطراب في النّص. وفي الصحيح «ينقذف» .
[2] في الصحيح «قريش من المشركين» .
[3] في صحيح الإمام البخاري (فانهه) ، وفي الأصل (فأته) وكذلك في
(دلائل النبوّة للبيهقي) .
[4] في المنتقى لابن الملا: (تردّ عليّ) وهو مخالف لما في الأصل وصحيح
الإمام البخاري، والبيهقي.
[5] الحرّة: الأرض ذات الحجارة السّود.
(1/319)
وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا [1]
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، قَالَ: هَلْ
تَرْجُو بِأَبِي أَنْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ
نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ
السَّمُرِ [2] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
فَبَيْنَا [3] نَحْنُ جلوس في بيتنا في نحر الظَّهِيرَةِ، قِيلَ
لِأَبِي بِكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي
سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ
لَهُ أَبِي وَأُمِّي، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هذه
السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ
لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، قَالَ
أَبُو بَكْرٍ:
إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:
اخْرُجْ فَقَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، قَالَ: فَخُذْ مِنِّي
إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ قَالَ: بِالثَّمَنِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ:
فَجَهَّزْتُهُمَا [4] أَحَثَّ الْجِهَازِ [5] ، فَصَنَعْنَا لَهُمَا
سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ، فَبِذَلِكَ
كَانَتْ تُسَمَّى «ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ» [6] ، ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي
جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ (ثَوْرُ) ، فَمَكَثَا [7] فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ،
يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ
شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ،
فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا
يَكِيدُونَ [8] بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ
ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ
بْنُ فُهَيْرَةَ مولى أبي بكر منحة، ويريح
__________
[1] في الصحيح «قبل المدينة» .
[2] في الصحيح «وهو الخبط» .
[3] في الصحيح: «قال ابن شهاب، قال عروة، قالت عائشة فبينما نحن» .
[4] في ع: (فجهزناهما) ، وكذلك في صحيح البخاري.
[5] من الحثّ وهو الاسراع، (حاشية السندي على صحيح البخاري) .
[6] في صحيح البخاري (ذات النطاق) .
[7] في صحيح البخاري (فكمنا) .
[8] في الجامع الصحيح (يكتادان) .
(1/320)
عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ
الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ [1] مِنْحَتِهِمَا [2] حَتَّى
يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ
كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ
بني الدّئل هاديا خرّيتا [3] ، قد غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ
الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ، فَدَفَعَا
إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ، فَأَتَاهُمَا
بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّئْلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمَا
فِي طَرِيقِ السَّاحِلِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَارِبًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
لَيْلًا، فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً
أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ يَحْرُسُهُ، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَهُ حَتَّى حَفِيَتْ
رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا أَبُو بَكْرٍ حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ،
حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَ الْغَارِ، وَكَانَ فِيهِ خَرْقٌ فِيهِ
حَيَّاتٌ، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ
يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ، فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ وَيَلْسَعْنَهُ-
الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي- وَدُمُوعُهُ تَتَحَدَّرُ، وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَحْزَنْ
إِنَّ الله مَعَنا 9: 40 [5] ، وَأَمَّا يَوْمُهُ، فَلَمَّا ارْتَدَّتِ
الْعَرَبُ قُلْتُ: يَا خليفة رسول الله تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفُقْ
بِهِمْ، فَقَالَ: جَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارٌ فِي
الْإِسْلَامِ، بِمَ أَتَأَلَّفُهُمْ أَبِشِعْرٍ مُفْتَعَلٍ أَمْ
بِقَوْلٍ مُفْتَرًى! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَهُوَ مُنْكَرٌ، سَكَتَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسَاقَهُ مِنْ
حَدِيثِ يحيى [6] بن أبي
__________
[1] الرسل هنا: اللبن. كما في الصحيح البخاري.
[2] في الصحيح «ورضيفهما» .
[3] الخرّيت: الماهر بالهداية، على ما في مشارق الأنوار للقاضي عياض
وصحيح البخاري.
[4] صحيح البخاري في مناقب الأنصار 4/ 254- 256 باب هجرة النبي صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/
111- 112.
[5] سورة التوبة- الآية 40.
[6] في نسخة دار الكتب (نجى) والصواب هنا (يحيى) وهناك (نجى) غير هذا،
انظر (ميزان الاعتدال 2/ 545) .
(1/321)
طَالِبٍ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ
مَيْمُونَ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحَصَّنٍ، عَنْ عُمَرَ. وَآفَتُهُ مِنْ
هَذَا الرَّاسِبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، مَعَ كَوْنِهِ
مَجْهُولًا، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ فَغَمَزَهُ [1] .
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ
الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في الْغَارِ، فَأَصَابَ يَدَهُ حَجَرٌ فَقَالَ:
إِنْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا
لَقِيتِ
الْأَسْوَدُ: هُوَ ابْنُ قَيْسٍ، سَمِعَ مِنْ جندب البجليّ، واحتجّا به
في الصّحيحين [2] .
وقال هَمَّامٌ: ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ
قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ
يَنْظُرُ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ
بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي
كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ المياه يأمرونهم به، ويجعلون لهم
الجعل
__________
[1] انظر تاريخ بغداد 10/ 255- 256 رقم 5371، وميزان الاعتدال 2/ 545-
546 رقم 4804، والمغني في الضعفاء 2/ 375 رقم 3518، ولسان الميزان 3/
402- 403 رقم 1588.
[2] انظر الحديث في صحيح مسلّم (1796) كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي
النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين
والمنافقين.
[3] أخرجه البخاري في تفسير سورة براءة 5/ 204 باب قوله ثاني اثنين إذ
هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ناصرنا، ومسلّم
(2381) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه،
والترمذي (3095) في التفسير، باب ومن سورة التوبة، وأحمد 1/ 4، وخيثمة
الأطرابلسي في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (بتحقيقنا) ص 136،
وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 112، سيرة ابن كثير 2/ 242- 243، نهاية
الأرب 16/ 332.
(1/322)
الْعَظِيمَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ
بِهِمَا الدَّلِيلُ أَسْفَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ مَضَى بِهِمَا حَتَّى
جَاءَ بِهِمَا السَّاحِلَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ ثُمَّ سَلَكَ فِي
أَمَجٍ، ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ
أَجَازَ قُدَيْدًا، ثُمَّ سَلَكَ فِي الْخَرَّارِ، ثُمَّ أَجَازَ عَلَى
ثَنِيَّةِ الْمَرَةِ [1] ، ثُمَّ سَلَكَ مَدْلَجَةَ لَقْفٍ [2] ، ثُمَّ
اسْتَبْطَنَ مَدْلَجَةَ مَجَاحٍ [3] ، ثُمَّ بَطْنَ مَرْجَحٍ ذِي
الْعَصَوَيْنِ، ثُمَّ أَجَازَ الْقَاحَةَ، ثُمَّ هَبَطَ الْعَرَجَ،
ثُمَّ أَجَازَ فِي ثَنِيَّةِ الْغَائِرِ عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ، ثُمَّ
هَبَطَ بَطْنَ رِيمٍ [4] ثُمَّ قَدِمَ قُبَاءَ مِنْ قِبَلِ
الْعَالِيَةِ [5] .
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو
الْقَيْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ قَالَ: أَدْرَكْتُ
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ
أَرْقَمَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ
بِشَجَرَةٍ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ
فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ
فَوَقَعَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ
بِعِصِيِّهِمْ وَسُيُوفِهِمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الْبَاقِينَ فَقَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ،
فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ [6] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
اشْتَرَى أَبُو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي،
فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
خَرَجْتُمَا، وَالْمُشْرِكُونَ يطلبونكما.
__________
[1] قال السهيليّ في الروض الأنف: كذا وجدته مخفّف الراء مقيّدا.
[2] في الأصل «ثم سلك نقعا مدلجة ثقيف» ، والتصحيح عن نسخة القدسي 222
نقلا عن مقالة لحمد الجاسر.
[3] في الأصل «مدلجة محاج» ، والتصحيح من نسخة القدسي. وفي طبقات ابن
سعد «مجاج» .
[4] في طبقات ابن سعد «بطن ريغ» .
[5] انظر: طبقات ابن سعد 1/ 232- 233، والمغازي لعروة 130، ودلائل
النبوّة للبيهقي 2/ 211- 212.
[6] دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 111، نهاية الأرب للنويري 16/ 332،
سيرة ابن كثير 2/ 241.
(1/323)
قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا،
فَأَحْيَيْنَا [1] لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا،
وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ
ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا،
فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةً، ثُمَّ
قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ
أَنْفُضُ [2] مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا، فإذا
براعي يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي
أُرِيدُ، يَعْنِي الظِّلَّ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ [3] ؟
فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ:
هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ
حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ
غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ،
ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، فَضَرَبَ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً [4] مِنْ
لَبَنٍ، وَقَدْ رَوَّأْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً [5] ، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ،
فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ
وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ
حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ، قَالَ:
فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ
مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ
لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رسول الله، قال:
لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا 9: 40 [6] ، فَلَمَّا أَنْ دَنَا
مِنَّا، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَوْ
ثَلَاثَةٍ قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قد لحقنا [7] يا رسول الله
وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ
__________
[1] في رواية (فأحثثنا) كما في صحيح البخاري.
[2] في المنتقى لابن الملّا: (انظر ما حولي) ، وفي صحيح البخاري:
(فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل) .
[3] في المنتقى لابن الملا: (لمن الغنم) .
[4] بكاف مضمومة، يعني قليلا.
[5] في الصحيح (إداوة من ماء) .
[6] سورة التوبة- الآية 40.
[7] إلى هنا تنتهي رواية البخاري في مناقب الأنصار 4/ 262 باب هجرة
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.
(1/324)
مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي
إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهمّ اكْفِنَاهُ بِمَا
شِئْتَ» ، فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا،
فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ
هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ ينجيني ممّا أنا فيه، فو الله
لَأَعْمِيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ
كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي
وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَاجَةَ لَنَا
فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، فَدَعَا لَهُ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى
أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا.
أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، سَمِعْتُ أَبَا
إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عبد الله بن رجاء، عنه [1] . وَقَالَ
عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ
سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ
كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ
دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أسْرِهِ، فَبَيْنَا
أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، إِذْ [2] .
أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ
فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوَدَةً [3]
بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ:
فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ،
وَلَكِنَّكَ [4] رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا
بِأَعْيُنِنَا [5] ، ثُمَّ قَلَّمَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى
قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ
بِفَرَسِي فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ،
فَأَخَذْتُ رُمْحِي وخرجت من ظهر البيت،
__________
[1] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 113، وانظر بعضه في صحيح البخاري
4/ 259 باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ... ونهاية الأرب 16/ 334.
[2] (إذ) ساقطة من الأصل، فاستدركتها من صحيح البخاري، ومن المنتقى
لابن الملّا.
[3] جمع سواد، وهو الشخص لأنّه يرى من بعيد أسود. (تاج العروس) .
[4] في الأصل (ولكن) وكذلك في (المنتقى) ، وفي صحيح البخاري و (ع) :
«ولكنك» .
[5] في (ع) والأصل (باغين) بدل (بأعيننا) المذكورة في الصحيح.
(1/325)
فَخَطَطْتُ بِزُجَّهِ الْأَرْضَ،
وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي
فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي [1] ، حَتَّى إِذَا
دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ، فَقُمْتُ
فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا
الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَوْ لَا
أَضُرُّهُمْ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ: لَا أَضُرُّهُمْ، فَرَكِبْتُ
فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي، حَتَّى
إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ
التَّلَفُّتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا
[2] الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا
فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجْ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ
قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ [3] سَاطِعٌ فِي
السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ،
فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ «لَا أَضُرُّهُمْ» ، فَنَادَيْتُهُمَا
بِالْأَمَانِ، فَوَقَفَا لِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمَا،
وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ
عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمْرُ [4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ
جَعَلُوا فِيكُمَا الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمَا أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ
النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ
يَرْزَآنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلَانِي [5] ، إِلَّا أَنْ قَالَ:
أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ
آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ
مِنْ أَدَمٍ [6] ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [7] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: نا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ
الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَخَاهُ سراقة بن جعشم
أخبره،
__________
[1] في هامش الأصل: التقريب ضرب من العدو.
[2] في الأصل و (ع) : بلغت. وفي الصحيح (بلغتا) .
[3] في الرواية المشهورة (عثان) وهو الغبار. انظر صحيح البخاري.
[4] (أمر) غير موجودة في الأصل وغيره، فاستدركتها من صحيح البخاري، وفي
الأصل ألفاظ تغاير ما ورد في الصحيح.
[5] في الأصل (فلم يرزؤوني شيئا ولم يسألني) والّذي أثبتّه من نسخة
الدار وصحيح البخاري.
[6] بفتح الدال: جلد مدبوغ. وفي صحيح البخاري «أديم» .
[7] صحيح البخاري 4/ 256- 257 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، ورواه أحمد في المسند 4/ 175-
176، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 114
(1/326)
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ:
وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي ثُمَّ لَبِسْتُ لَامَتِي، وَفِيهِ:
فَكَتَبَ لِي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ فَرَجَعْتُ
فَسَكَتُّ، فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى فَتَحَ
اللَّهُ مَكَّةَ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ لِأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ،
فَدَخَلْتُ بَيْنَ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ الْأَنْصَارِ، فَطَفِقُوا
يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، حَتَّى
دَنَوْتُ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غرزة كأنّها جمارة [1] ،
فرفعت يَدِي بِالْكِتَابِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا
كِتَابُكَ، فَقَالَ: «يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ إِذَنْ» ، قَالَ:
فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَأَلَهُ
عَنِ الضَّالَّةِ وَشَيْءٍ آخَرَ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَسُقْتُ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَدَقَتِي [2] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْرٍ، أَتَى
نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ
أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكَ؟
قُلْتُ:
لَا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ-
وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا- فَلَطَمَنِي عَلَى خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ
مِنْهَا قُرْطِي [3] .
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، احْتَمَلَ أَبُو
بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ، خَمْسَةُ آلَافٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ
دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو
قُحَافَةَ- وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ- فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَرَاهُ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ، قَالَتْ: كَلَّا يَا
أَبَتِ، قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ
أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ مِنَ الْبَيْتِ كَانَ أَبِي
يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ
أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقَالَتْ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى هذا المال،
__________
[ (- 115،) ] والديار بكري في تاريخ الخميس 1/ 374- 375.
[1] الجمارة: قلب النخلة، شبّه ساقه بها لبياضها، (النهاية) .
[2] دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 115، نهاية الأرب 16/ 336 وانظر: سيرة
ابن هشام 2/ 226.
[3] سيرة ابن هشام 2/ 225.
(1/327)
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا
بَأْسَ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، فِي
هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ، قَالَتْ: وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا
شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ الشَّيْخَ [1] .
وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ
بْنِ جُعْشُمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ سُرَاقَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا، جَعَلَتْ
قُرَيْشٌ فِيهِ مِائَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدَّهُ، قَالَ: فَبَيْنَا
أَنَا جَالِسٌ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ
رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إِنِّي
لَأَرَاهُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ، يَعْنِي
أَنِ اسْكُتْ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ
ضَالَّةً لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ
قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ [2] .
قَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ:
فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَّهَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ
مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ
شِعْرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ،
وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَهُوَ
يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا [3] خَيْمَتَيْ
أُمِّ مَعْبَدِ [4]
هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا [5] ... فَأَفْلَحَ [6]
مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا للمؤمنين
بمرصد
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 225.
[2] سيرة ابن هشام 2/ 225- 226.
[3] في الرواية التي أوردها المؤلّف في باب الشمائل النبويّة (قالا)
بدل (حلا) وكذلك في الدرر في المغازي والسير للحافظ ابن عبد البرّ)
وفيه ألفاظ تخالف ما هنا.
[4] هي عاتكة بنت خالد الخزاعية.
[5] هكذا في الأصل والسيرة، وفي طبقات ابن سعد، ونهاية الأرب «وارتحلا
به» .
[6] في الطبقات «فقد فاز» .
(1/328)
قَالَتْ: فَعَرَفْنَا حَيْثُ وَجَّهَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ وَجْهَهُ
إِلَى الْمَدِينَةِ [1] .
قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ خَبَرَ أُمِّ مَعْبَدٍ بِطُولِهِ فِي صِفَتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ: ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي
لَيْلَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة، فانتهينا إلى حي
من أحياء العرب، فنظر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى بَيْتٍ مُنْتَحِيًا، فَقَصَدَ إِلَيْهِ فَلَمَّا نَزَلْنَا لَمْ
يَكُنْ فِيهِ إِلَّا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَيِ اللَّهِ
إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وليس مَعِي أَحَدٌ، فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ
الْحَيِّ إِنْ أَرَدْتُمُ الْقِرَى، قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهَا، وَذَلِكَ
عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا،
فَقَالَتْ له: يا بنيّ انطلق بهذه العنز والسّفرة إِلَيْهِمَا فَقُلْ:
اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا وَأَطْعِمَانَا، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«انْطَلِقْ، بِالشَّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ» ، قَالَ: إِنَّهَا
قَدْ عَزَبَتْ وَلَيْسَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ:
انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَحٍ، فَمَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا، ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ
الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ
حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ
وَجِئْنِي بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا
بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا ثُمَّ
انْطَلَقْنَا، فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ «الْمُبَارَكَ» ، وَكَثُرَ
غَنَمُهَا حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو
بَكْرٍ فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّهُ إِنَّ هَذَا
الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ
فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ؟
قَالَ: وَمَا تَدْرِينَ مَنْ هُوَ! قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي
عَلَيْهِ، فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهَا وأعطاها [2] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 2/ 225، الطبقات لابن سعد 1/ 229، تاريخ الطبري 2/
380، دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 118، نهاية الأرب 16/ 337، عيون الأثر
1/ 189.
[2] دلائل النبوّة للبيهقي، سيرة ابن كثير 2/ 258- 259.
(1/329)
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ
أَبِي لَيْلَى، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ يَحْيَى، وَإِسْنَادُهُ
نَظِيفٌ لَكِنْ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى.
أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ
وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ قَدْ جَعَلَتْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ لِمَنْ يَرُدُّهُ
عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ بُرَيْدَةُ فِي سَبْعِينَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ،
فَلَقِيَ نَبِيَّ اللَّهِ لَيْلًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
بُرَيْدَةُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: بَرَدَ أَمْرُنَا
وَصَلُحَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّنْ؟ قَالَ: مَنْ أَسْلَمَ، قَالَ
لِأَبِي بَكْرٍ: سَلِمْنَا، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ؟
قَالَ: مِنْ بَنِي سَهْمٍ، قَالَ: خَرَجَ سَهْمُكَ. فَأَسْلَمَ
بُرَيْدَةُ وَالَّذِينَ معه جميعا، فلمّا أصبحوا قال بريدة النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا
وَمَعَكَ لِوَاءٌ، فَحَلَّ عِمَامَتَهُ ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ،
ثُمَّ مَشَى بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيَّ، قَالَ:
إِنَّ نَاقَتِي مَأْمُورَةٌ. فَسَارَ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى بَابِ
أَبِي أَيُّوبَ فَبَرَكَتْ. قُلْتُ: أَوْسٌ مَتْرُوكٌ [1] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، ثنا أَبِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ
النُّعْمَانِ قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ مَرَّا بِعَبْدٍ
يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَيَاهُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي شاة
تحلب، غير أنّ ها هنا عَنَاقًا حَمَلَتْ أَوَّلَ الشَّاءِ، وَقَدْ
أَخْدَجَتْ وَمَا بَقِيَ لَهَا لَبَنٌ، فَقَالَ: ادْعُ بِهَا، فَدَعَا
بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَدَعَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ
بِمَجْنٍ فَحَلَبَ فَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ حلب فسقى الرّاعي، ثم
حلب
__________
[1] قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير 2/ 17 رقم 1542: «فيه نظر» ،
وقال الدارقطنيّ في الضعفاء والمتروكين 67 رقم 121 «متروك» ، وقال ابن
عديّ في الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 401- 402 «في بعض أحاديثه مناكير» ،
وانظر عنه: الجرح والتعديل 2/ 305- 306 رقم 1140، الضعفاء الكبير
للعقيليّ 1/ 124 رقم 149، المغني في الضعفاء 1/ 94 رقم 792، ميزان
الاعتدال 1/ 278 رقم 1046، لسان الميزان 1/ 470 وفيه: قال الساجي:
مُنْكَر الحديث. وذكره ابنُ حِبّان فِي الثَّقات وقَالَ: كان مِمَّنْ
يخطئ. فأما المناكير في روايته فإنما هي من أخيه سهل.
(1/330)
فشرب، فقال الرّاعي: باللَّه من أنت، فو
الله مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ؟ قَالَ:
«أَتَكْتُمُ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ» ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَإِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ
قُرَيْشٌ أَنَّهُ صَابِئٌ، قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ ذَلِكَ» ،
قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ
حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَأَنَا
مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ يَوْمَكَ،
فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فَائْتِنَا» . وَقَالَ يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ [1] بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ رِجَالٍ
مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَكَّةَ، كُنَّا نَخْرُجُ
كُلَّ غَدَاةٍ فَنَجْلِسُ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ، نَلْجَأُ إِلَى
ظِلُّ الْجُدُرِ حَتَّى تَغْلِبَنَا عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ
نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي
جَاءَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حَتَّى إِذَا رَجَعْنَا جَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ رَجُلٌ
مِنْ يَهُودَ، فَنَادَى: يَا بُنَيَّ قَيْلَةُ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ
جَاءَ، فَخَرَجْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ أَنَاخَ إِلَى ظِلٍّ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهِ
مَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَسَنُّ، هُمَا فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ، حَتَّى
رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ يَنْحَازُ لَهُ عَنِ الظِّلِّ، فَعَرَفْنَا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ
قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فَأَظَلَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ [2] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي
عَبْلَةَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَسَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ،
يَعْنِي الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ [3] غَيْرَ
أَبِي بكر، فغلّفها بالحنّاء والكتم. أخرجه
__________
[1] في سيرة ابن هشام «عويمر» .
[2] سيرة ابن هشام 2/ 236- 237.
[3] الأشمط: هو الّذي خالط شعره الأسود بياض.
(1/331)
الْبُخَارِيُّ [1] ، مِنْ حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ
يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ مُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ
الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلَالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى
رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَسْعَوْنَ فِي الطُّرُقِ
يَقُولُونَ: (جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ) ، فَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ
حَتَّى تَعَلَّمْتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 87: 1 [2] في
مثلها من المفصّل. خ [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي
حَدِيثِ الرَّحْلِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ
عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بذلك، وقدم النّاس حين قدمنا
المدينة، في الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ، وَالْغِلْمَانُ
وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أكبر جاء محمد، الله
أَكْبَرُ جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَنَزَلَ
حَيْثُ أَمَرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ: ثنا سُلَيْمَانُ- هُوَ ابْنُ
الْمُغِيرَةِ- عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إِنِّي لَأَسْعَى فِي
الغلمان يقولون: (جاء محمد) ، وأسعى ولا
__________
[1] صحيح البخاري 4/ 262 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلّى الله
عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.
[2] أول سورة الأعلى.
[3] صحيح البخاري 4/ 262، في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلّى الله
عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/
113- 114.
[4] أخرجه مسلّم (2009) في الزهد والرقائق، باب في حديث الهجرة، ويقال
له: حديث الرحل، وأحمد في المسند 1/ 2.
(1/332)
أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: (جَاءَ
مُحَمَّدٌ) ، فَأَسْعَى، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَمِنَّا فِي بَعْضِ
جُدُرِ المدينة، ثمّ بعثنا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ
لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ
خُمْسُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا،
فَقَالُوا: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ
أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِنَّ
الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ:
أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شَبِيهًا بِهِ
يَوْمَئِذٍ. صَحِيحٌ [1] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقِّرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ
فِي رَكْبِ تُجَّارٍ بِالشَّامِ، فَقَفَلُوا إِلَى مَكَّةَ،
فَعَارَضُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبَا بَكْرٍ بِثِيَابِ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَخْرَجِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا
يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حتى
يردّهم نحر الظّهيرة [2] ، فانقلبوا يوما بعد ما أَطَالُوا
انْتِظَارَهُ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ
مِنْ يَهُودَ أَطْمًا [3] مِنْ آطَامِهِمْ لِشَأْنِهِ، فَبَصُرَ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب «أصحابه
مُبَيَّضِينَ [4] يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكِ
الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ
هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى
السَّلَامِ، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ
فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ يَوْمَ
الْإِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ
يُذَكِّرُ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ
لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَحْسَبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو بكر حتى ظلّل
عليه بردائه،
__________
[1] رواه الإمام أحمد في مسندة كما في سيرة ابن كثير 2/ 268- 269، وأبو
نعيم في دلائل النبوّة 2/ 114.
[2] هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع، كأنّها وصلت إلى النحر.
[3] الأطم: الحصن.
[4] أي عليهم الثياب البيض.
(1/333)
فَعَرَفُوا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ،
فَلَبِثَ فِي بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة.
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَصَلَّى
فِيهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ، فَمَشَى مَعَهُ النَّاسُ،
حَتَّى بَرَكَتْ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا [1] لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ
وَسُهَيْلٍ، غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ أَخَوَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ
بْنِ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ
رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ» . ثُمَّ دَعَا
الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا الْمِرْبَدَ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا،
فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، فَأَبَى حَتَّى ابْتَاعَهُ وَبَنَاهُ
[2] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ: ثنا أَبُو
التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ
الْمَدِينَةِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ
أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي
النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ، فَكَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى
أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ عثمان بن عطاء الخراساني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أُبَيٍّ وَهُوَ جَالِسٌ
__________
[1] المربد: هو الموضع الّذي يجعل فيه التمر ليجفّ.
[2] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 4/ 257- 258 باب هجرة النبي صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، وفي المساجد، باب المسجد يكون في
الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع، باب إذا اشترى متاعا أو دابّة
فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض، وفي الإجازة، باب استئجار
المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، وباب إذا استأجر
أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز. (وانظر جامع
الأصول 11/ 592 بالحاشية) ، نهاية الأرب 16/ 344، تاريخ الطبري 2/ 381
طبقات ابن سعد 1/ 239 وتاريخ خليفة 55.
[3] أخرجه البخاريّ 4/ 266 في مناقب الأنصار، باب مقدم النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، وابن سعد في الطبقات 1/ 235.
(1/334)
عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَوَقَفَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ
سَيِّدُ (أَهْلِ الْمَدِينَةِ) فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَأْتِهِمْ، فَعَمَدَ إِلَى
سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَاتَّخَذَ مَكَانَهُ مَسْجِدًا فَكَانَ
يُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ بَنَاهُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَهُوَ
الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالرِّضْوَانِ [1] .
ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّ عَلَى بَنِي
سَالِمٍ، فَجَمَعَ فِيهِمْ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا
حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ،
فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ الْيَهُودُ صَلَّى إِلَى [2] قِبْلَتِهِمْ
طَمِعُوا فِيهِ لِلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ
ارْتَحَلَ فَاجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَنْصَارُ يُعَظِّمُونَ دِينَ اللَّهِ
بِذَلِكَ، يَمْشُونَ حَوْلَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ
زِمَامَ النَّاقَةِ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَ النَّاقَةِ، فَإِنَّمَا
أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللَّهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ
أَبِي أَيُّوبَ فِي بَنِي غَنْمٍ، فَبَرَكَتْ عَلَى الْبَابِ،
فَنَزَلَ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ
حَتَّى ابْتَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسْكَنَهُ فِي بَنِي غَنْمٍ، وَكَانَ
الْمَسْجِدُ مَوْضِعًا لِلتَّمْرِ لِابْنَيْ أَخِي أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَعْطَى ابْنَيْ أَخِيهِ مَكَانَهُ نَخْلا لَهُ فِي بَنِي بَيَاضَةَ،
فَقَالُوا: نُعْطِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا نَأْخُذُ لَهُ ثَمَنًا، وَبَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْزَةَ وَلِعَلِيٍّ وَلِجَعْفَرَ، وَهُمْ
بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَجَعَلَ مَسْكَنَهُمْ فِي مَسْكَنِهِ، وَجَعَلَ
أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ بَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا
لَهُ، فَصَرَفَ بَابَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرَ. كَذَا قَالَ: وَهُمْ
بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ. رَوَاهُ
ابْنُ عَائِذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْهُ [3] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: لَمَّا دَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَدِمَ
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 2/ 382- 383.
[2] (إلى) ساقطة من الأصل فاستدركتها من (ع) والمنتقى لابن الملا
ودلائل النبوّة للبيهقي.
[3] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 228.
(1/335)
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ
الشَّامِ، خَرَجَ طَلْحَةُ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ، لَمَّا ذُكِرَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، خَرَجَ
إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا، وَإِمَّا عَامِدًا عَمْدَهُ بِمَكَّةَ،
وَمَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ،
فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْهَا [1] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ،
عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ:
قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يوم
الإثنين، لاثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل، فَأَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلَيْلَتَيْنِ
مَضَتَا مِنْهُ. رَوَاهُ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [3]
.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عُوَيْمٍ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوْمِي قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ
لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقَامَ بِقُبَاءَ
بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُو ابْنُ
ثلاث وستّين. متّفق عليه [4] .
__________
[1] تقدّم أنّ الزبير كسا النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ
وَأَبَا بَكْر، وفي (إرشاد الساري) : كلّ من الزبير وطلحة كساهما.
[2] انظر تاريخ الطبري 2/ 365- 366، وتاريخ خليفة 55.
[3] انظر تاريخ خليفة 55.
[4] أخرجه البخاري 4/ 253 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.
(1/336)
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَجُوزٍ لَهُمْ، قَالَتْ:
رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةِ أَبِي [1] قَيْسٍ
الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ
أَلْفَى [2] صَدِيقًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ
يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى [3] ... وَأَصْبَحَ
مَسْرُورًا بِطِيبَةَ رَاضِيَا
وَأَصْبَحَ مَا يَخْشَى ظَلَامَةَ ظَالِمٍ ... بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى
مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا [4]
بَذَلْنَا الْأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ [5] مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا
عِنْدَ الْوَغَى وَالتَّآسِيَا
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ
كَانَ الْحَبِيبَ الْمُوَاسِيَا [6]
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ [7] كِتَابَ
اللَّهِ أَصْبَحَ هَادِيَا [8]
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو
بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ-
يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا فِي السِّنِّ-
قَالَ أَنَسٌ:
فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ
هَذَا الرجل الّذي بين يديك؟
__________
[1] في الأصل و (ع) والمنتقى لابن الملا (بن) بدل (أبي) الموجودة في
تاريخ الطبري (2/ 385) والاكتفاء للكلاعيّ، وصرمة هو ابن أبي أنس أخي
بني عديّ بن النّجّار.
[2] كذا بالأصل و (ع) والمنتقى لابن الملا، ودلائل النبوّة للبيهقي.
وفي تاريخ الطبري والسيرة لابن هشام (يلقى) .
[3] في تاريخ الطبري: «فلما أتانا أظهر الله دينه» . وفي الاستيعاب:
«واستقرّت» بدل «واطمأنّت» .
[4] البيت هكذا في الاستيعاب، وتختلف ألفاظه في تاريخ الطبري وسيرة ابن
هشام وسيرة ابن كثير.
[5] في السيرة «حلّ» .
[6] في السيرة «المصافيا» ، وفي الاستيعاب «المواتيا» .
[7] هذا الشطر في الاستيعاب، أمّا في السيرة وتاريخ الطبري: «ونعلم أنّ
الله أفضل هاديا» .
[8] الأبيات وغيرها في سيرة ابن هشام 2/ 255، تاريخ الطبري 2/ 385-
386، الاستيعاب 2/ 203- 204، دلائل النبوّة للبيهقي، وسيرة ابن كثير 2/
283.
(1/337)
فَيَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ يَهْدِينِي
السَّبِيلَ، فَيَحْسَبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ يَعْنِي الطَّرِيقَ،
وَإِنَّمَا يَعْنِي طَرِيقَ الْخَيْرِ. فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ
لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا بنيّ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ
بِنَا، فَقَالَ: «اللَّهمّ اصْرَعْهُ» ، فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ، ثُمَّ
قَامَتْ تُحَمْحِمُ. فقال: يا بنيّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ،
قَالَ: «تَقِفُ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» ،
قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى النَّبِيِّ وَآخِرُ
النَّهَارِ مَسْلَحَةً [1] لَهُ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الْحَرَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى
الْأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا
فَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَرَكِبَا وَحَفُّوا
حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ (جَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ،
وَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ:
فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ [2] لَهُمْ مِنْهُ،
فَعَجَّلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيهَا فَجَاءَهُ وَهِيَ
مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا
أَقْرَبُ» ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذِهِ
دَارِي، قَالَ: «اذْهَبْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا» ، فَذَهَبَ
فَهَيَّأَ لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قَالَ:
«قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقِيلَا» [3] .
فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ
[4] فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ
جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ
وأعلمهم. وذكر الحديث. أخرجه البخاري [5] .
__________
[1] أي يدفع عنه الأذى، بمثابة السلاح.
[2] أي يجتني.
[3] حتى هنا رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 235- 236.
[4] بتخفيف اللام. قال السهيليّ في الروض 2/ 291 (ولا يوجد من اسمه
«سلام» بالتخفيف في المسلمين، وإنّما هو في اليهود) . وينقض كلام
السهيليّ ما ورد بالتخفيف في (تبصير المنتبه لابن حجر) وتدريب الراويّ
2/ 298 بتحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف.
[5] صحيح البخاري 4/ 259- 260 في مناقب الأنصار، باب هجرة النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.
(1/338)
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَتِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَغَازِيهِ فِي الْعَشْرِ السِّنِينِ [1]
الَّتِي لَبِثَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَا فِيهِ مَغْنًى إِنْ شَاءَ
الله تعالى [2] .
__________
[1] في الأصل وغيره «العشر سنين» وهو خطأ.
[2] كتب هنا في حاشية الأصل: من شاء من الإخوان أن يفرد الترجمة
النبويّة، فليكتب إذا وصل إلى هنا جميع ما تقدّم من كتابنا (تاريخ
الإسلام) في السفر الأول بلا بد (كذا) فليفعل فإنّ ذلك حسن، ثم يكتب
بعد ذلك (فصل في معجزاته) إلى آخر الترجمة النبويّة.
وهنا في حاشية الأصل أيضا: بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه فسح
الله في مدّته، في الميعاد السابع. وسمعه صدر الدين محمد بن شرف الدين
أبي بكر اليشكري الحنفي.
(1/339)
فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي
قَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي
حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي
هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ
أَوَّلُ مَنْ لَقِيَنَا أَبُو الْيَسَرِ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ. فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ فِي مَسْجِدِهِ فَقَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ [1]
فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي
حَاجَتَهُ وَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ
بِهِ، وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا،
فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: «انْقَادِي عَلَيَّ
بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ
[2] الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ
الْأُخْرَى، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: «انْقَادِي
عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى
إِذَا كَانَ بالمنصف [3] ، فيما بينهما، لأم بينهما فقال:
__________
[1] أي واسع.
[2] هو الّذي جعل في أنفه الخشاش الّذي يشدّ به الزمام.
[3] أي وسط الطريق (كما في شرح الشفا) وفي حاشية الأصل: نصف الطريق.
(1/341)
«الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ» ،
فَالْتَأَمَتَا، قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحَضِّرُ [1] مَخَافَةَ
أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقُرْبِي- يَعْنِي فَيَبْتَعِدَ- فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي،
فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ
افْتَرَقَتَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، يَمِينًا
وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: «يَا
جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ
كُلِّ وَاحِدَةٍ غُصْنًا فَأَقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتَ
مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ، قَالَ: فَقُمْتُ
فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَجَشَرْتُهُ فَانْذَلَقَ [2] لِي،
فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا، حَتَّى إِذَا
قُمْتُ مَقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ
لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَمَّ ذَاكَ؟
قَالَ: «إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ
بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ
رَطْبَيْنِ» . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَفِيهِ إِعْوَازُ
النَّاسِ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ أَتَاهُ بِيَسِيرِ مَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ
فِيهِ فِي قَصْعَةٍ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَوَّرُ مِنْ
بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَاسْتَقَى مِنْهُ النَّاسُ حَتَّى رُوُوا.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وليس معنا ماء إلّا
__________
[1] أي أعدوا وأجري. وفي المنتقى لابن الملا (فصرت أتأخّر) بدل (فخرجت
أحضر) وهو يغاير ما في المصادر.
[2] في حاشية الأصل: انذلق: صار له حدّ. وجشرته- بجيم- فلقته. وفي
النهاية لابن الأثير في (باب الحاء) : حسرته، يريد غصنا من أغصان
الشجرة، أي قشره بالحجر، فانذلق: أي صار له حدّ يقطع.
[3] صحيح مسلّم، 3006، و 3007 و 3008 و 3009 و 3010 و 3011 و 3012 و
3013 و 3014 في الزهد، باب حديث جابر الطويل وقصّة أبي اليسر، ورواه
مختصرا أبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 139.
(1/342)
يَسِيرٌ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَصَبَّهُ فِي
صَحْفَةٍ، وَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ مِنْ
بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ فَتَوَضَّئُوا وَشَرِبُوا،
قَالَ الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ
فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ جَابِرٌ، فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ
يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. أَخْرَجَهُ (خ) [1] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ،
فَأَصَابَنَا عَطَشٌ، فَجَهَشْنَا [2] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ مَاءٍ،
فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ
الْعُيُونُ، فَقَالَ: خُذُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَشَرِبْنَا فَوَسِعَنَا
وَكَفَانَا، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، قُلْتُ: كَمْ
كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا وَخُمْسُمِائَةً.
صَحِيحٌ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد، عن أَبِي
رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الْحَجُونِ [4] لَمَّا آذَاهُ
الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ:
«اللَّهمّ أَرِنِي الْيَوْمَ آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي
بَعْدَهَا» ، قَالَ: فَأَمَرَ فَنَادَى شَجَرَةً، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ
الْأَرْضَ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ [5]
. وَرَوَى الْأَعْمَشُ نَحْوَهُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ،
وروى المبارك بن
__________
[1] صحيح البخاري في الوضوء 1/ 50 باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة،
وانظر جامع الأصول لابن الأثير 11/ 345، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 2/
144.
[2] أي فزعنا.
[3] رواه البخاري في الأنبياء، باب علامات النبوّة في الإسلام 4/ 170،
وفي المغازي، باب غزوة الحديبيّة، وفي تفسير سورة الفتح، باب (إذ
يبايعونك تحت الشجرة) ، وفي الأشربة، باب شرب البركة والماء المبارك،
ومسلّم، رقم (1856) في الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام بجيش عند
إرادة القتال، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 144.
[4] الحجون: بفتح أوله وضمّ ثانيه. جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
(معجم البلدان 2/ 225) .
[5] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 138.
(1/343)
فَضَالَةَ نَحْوًا مِنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ
مُرْسَلًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
فُضَيْلٍ [1] عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ:
أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: هَلْ
لَكَ إِلَى خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ تُسْلِمُ، قَالَ: هَلْ مِنْ
شَاهِدٍ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ [2] ، فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ
تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَاسْتَشْهَدَهَا [3] ثَلَاثًا، فَشَهِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ
رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ
فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونِي آتِكَ بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ
فَكُنْتُ مَعَكَ. غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. أَخْرَجَهُ
الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» [4] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ
ابْنِ فُضَيْلٍ. وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ
اللَّهِ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ
هَذِهِ النَّخْلَةِ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَدَعَاهُ، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ
فِي الأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقِزُ [5] ، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ» ، فَرَجَعَ
حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله، وَآمَنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
«تَارِيخِهِ» [6] عَنْ مُحَمَّدِ بن سعيد بن الأصبهانيّ عنه.
__________
[1] في المنتقى لابن الملا «فضل» وهو تصحيف، والتصحيح من سنن الدارميّ.
[2] في سنن الدارميّ «هذه السلمة» ، وهو شجر معروف ورقه القرظ الّذي
يدبغ به. (النهاية لابن الأثير) .
[3] في الأصل «فاستشهد» والتصحيح من سنن الدارميّ.
[4] سنن الدارميّ 1/ 10 في المقدّمة، طبعة محمد أحمد دهمان.
[5] أي يقفز.
[6] التاريخ الكبير 1/ 95 رقم 258، وأخرجه الترمذيّ في المناقب رقم
(3632) باب رقم 9 وفي سنده شريك القاضي، وفيه كلام، ومع ذلك فقد قال
الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
(1/344)
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحَاجَتِهِ، وَتَبِعْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ، فَإِذَا شَجَرَتَانِ
بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ فَقَالَ: «انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ
الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَهُمَا» فَفَعَلْتُ،
فَرَجَعَتْ حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا
حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعَتَا [1] .
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: إِنِّي أُطِبُّ
النَّاسَ، فَإِنْ كَانَ بِكَ جُنُونٌ دَاوَيْتُكَ، فَقَالَ: «أَتُحِبُّ
أَنْ أُرِيَكَ آيَةً» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَادْعُ ذَاكَ
الْعِذْقَ» ، فَدَعَاهُ، فَجَاءَهُ يَنْقِزُ عَلَى ذَنَبِهِ، حَتَّى
قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
«ارْجِعْ» فَرَجَعَ، فَقَالَ: يَا لَعَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا
أَسْحَرَ مِنْ هَذَا [2] .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أنا عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أنا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
حَمَّوَيْهِ، أنا عِيسَى بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بِسَمَرْقَنْدَ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى
يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى، فَنَزَلْنَا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ
فِيهَا شَجَرٌ وَلَا عَلَمٌ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ اجْعَلْ فِي
إِدَاوَتِكَ مَاءً ثُمَّ انْطَلِقْ بِنَا» ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا
حَتَّى لَا نُرَى، فَإِذَا هو بشجرتين بينهما أربعة أَذْرُعٍ، فَقَالَ:
«انْطَلِقْ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقُلْ: يَقُولُ لَكِ: الْحَقِي
بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ [3] خَلْفَكُمَا» ، فَرَجَعَتُ
إِلَيْهَا، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَلْفَهُمَا، ثُمَّ رَجَعَتَا إِلَى مَكَانِهِمَا.
__________
[1] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 138.
[2] دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 139.
[3] في المنتقى لابن الملا «يجلس» .
(1/345)
فَرَكِبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَنَا كَأَنَّمَا عَلَيْنَا
الطَّيْرُ تُظِلُّنَا، فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيٌّ
فَقَالَتْ: يَا رسول الله إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ
كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَتَنَاوَلَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مُقَدَّمِ الرَّحْلِ ثُمَّ قَالَ: «اخْسَ [1] عَدُوَّ
اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، اخْسَ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ
الله، ثَلَاثًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا قَضَيْنَا
سَفَرَنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ، فَعَرَضَتْ لَنَا
الْمَرْأَةُ مَعَهَا صَبِيُّهَا وَمَعَهَا كَبْشَانِ تَسُوقُهُمَا،
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله اقبل منّي هديّتي، فو الّذي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ مَا عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ: «خذوا منها وَاحِدًا
وَرُدُّوا عَلَيْهَا الْآخَرَ» .
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَنَا كَأَنَّمَا عَلَيْنَا الطَّيْرُ تُظِلُّنَا،
فَإِذَا جَمَلٌ نادٌّ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ
سَاجِدًا، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ عَلَى النَّاسِ: مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟ فَإِذَا فِتْيَةٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
«فَمَا شَأْنُهُ» ، قَالُوا: اسْتَنَيْنَا [2] عليه منذر عِشْرِينَ
سَنَةً، وَكَانَتْ لَهُ شَحِيمَةٌ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْحَرَهُ
فَنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَانِنَا فَانْفَلَتَ مِنَّا، قَالَ:
«بِيعُونِيهِ» ، قَالُوا: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
«أَمَّا لِي فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ» ،
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا رَسُولَ الله نَحْنُ
أَحَقُّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ، قَالَ: «لَا يَنْبَغِي
لِشَيْءٍ أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ
النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ» .
رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعِنْدَهُ: «لَا
يَنْبَغِي لبشر أن يسجد لبشر» وهو أصحّ [3] .
__________
[1] كذا في الأصل. وأصله (اخسأ) كما ورد في بعض الروايات، قلبت الهمزة
ألفا، ثم حذفت، لأنّ فعل الأمر يبنى على حذف حرف العلّة. وفي نسخة دار
الكتب المصرية (احبس) ، والتصحيح من المراجع المشهورة، وفي الدارميّ:
اخسأ.
[2] أي استقينا.
[3] رواه الدارميّ في السنن، في المقدّمة 1/ 11، وأبو نعيم في دلائل
النبوّة 2/ 137.
(1/346)
وَقَدْ رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ يُونُسُ بْنُ
بُكَيْرٍ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَافَرْتُ
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ
أَشْيَاءَ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ: «انْطَلِقْ إِلَى هاتين
الأشاءتين [1] فقل:
إنّ رسول الله يَقُولُ لَكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا» . وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ [2] .
مُرَّةُ: هُوَ ابْنُ أَبِي مُرَّةَ. وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ مَرَّةً
[3] ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا. الْحَدِيثَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّمَا هُوَ عَنْ يَعْلَى [4] نَفْسِهِ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [5] مِنْ وَجْهَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، وَمِنْ
حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ،
كِلَاهُمَا عَنْ يَعْلَى نَفْسِهِ [6] .
وَقَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونَ: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
أردفني
__________
[1] أي النخلتين الصغيرتين.
[2] أنظره في دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 138 و 139.
[3] في الأصل و (ع) «رواه وكيع مرة» ، والعبارة عند أبي نعيم: «قال
وكيع مرّة عن أبيه» .
[4] هو: يعلى بن مرّة، أو يعلى بن سيابة، وسيابة هي أمّه، ويكنى أبا
المرازم. صحابيّ شهد الحديبيّة وما بعدها. انظر عنه: التاريخ لابن معين
2/ 683، طبقات خليفة 53 و 131 و 182، التاريخ الكبير 8/ 415 رقم 3540،
المعرفة والتاريخ 1/ 308، الاستيعاب 3/ 664، الجرح والتعديل 9/ 301 رقم
1294 و 1295 و 1296 ذكره ثلاث مرات ففرّق بين: يعلى بن سيابة، ويعلى بن
مرّة الثقفي، ويعلى بن مرة أبي مرّة الكوفي، الكنى والأسماء للدولابي
1/ 54، مشاهير علماء الأمصار 45 رقم 280، أسد الغابة 5/ 129- 135 وذكره
مرتين، الكاشف 3/ 259 رقم 6535، ميزان الاعتدال 4/ 458 رقم 9839،
الإصابة 3/ 669 رقم 9360 و 9361 و 9362، تهذيب التهذيب 11/ 404 و 405
رقم 782 و 783، تقريب التهذيب 2/ 378 رقم 411.
[5] في دلائل النبوّة 2/ 232.
[6] وأخرجه أحمد في المسند 4/ 170- 171.
(1/347)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا
أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ
لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ [1] نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطًا
لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ إِلَيْهِ
وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَيْهِ [2] فَسَكَنَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ
هَذَا الْجَمَلِ» ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ
لِي، فَقَالَ: «أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ
الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ
تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» [3] . أَخْرَجَ مُسْلِمٌ [4] مِنْهُ إِلَى
قَوْلِهِ «حَائِشُ نَخْلٍ» [5] ، وَبَاقِيهِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو،
عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ- ثِقَةٍ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ نَاضِحًا لِبَعْضِ بَنِي سَلَمَةَ اغْتَلَمَ، فَصَالَ
عَلَيْهِمْ وَامْتَنَعَ حَتَّى عَطِشَتْ نَخْلُهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَكَى ذَلِكَ
إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انْطَلِقْ، وَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ النَّخْلِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَا تَدْخُلْ، قَالَ: «ادْخُلُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ» ، فَلَمَّا
رَآهُ الْجَمَلُ أَقْبَلَ يَمْشِي وَاضِعًا رَأْسَهُ حَتَّى قَامَ
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَجَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُوا جَمَلَكُمْ فَاخْطِمُوهُ وَارْتَحِلُوهُ،
فَفَعَلُوا وَقَالُوا: سَجَدَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَآكَ،
قَالَ: «لَا تَقُولُوا ذَلِكَ لِي، لَا تَقُولُوا مَا لَمْ أَبْلُغْ،
فَلَعَمْرِي مَا سَجَدَ لِي وَلَكِنْ سَخَّرَهُ اللَّهُ لِي» [6] .
وَقَالَ عَفَّانُ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ
قَيْسٍ يحدّث عن
__________
[1] الحائش: النخل الملتفّ.
[2] ذفرى البعير: أصل أذنه.
[3] في الأصل و (ع) «تذيبه» ، والتصحيح من (النهاية لابن الأثير، حيث
قال: أي تكدّه وتتعبه) .
[4] صحيح مسلّم (342) في كتاب الحيض، باب ما يستتر به لقضاء الحاجة،
وأخرجه أبو داود.
(2549) في الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب.
[5] قال ابن أسماء في حديثه: يعني حائط نخل. (صحيح مسلّم 1/ 269) .
[6] انظر دلائل النبوّة 2/ 135- 136.
(1/348)
أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَنَا بَكْرَةٌ صَعْبَةٌ لَا
نَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَدَنَا مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَحَفَلَ فَاحْتَلَبَ
وَشَرِبَ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، تَفَرَّدَ
به فَائِدٍ أَبُو الْوَرْقَاءِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ [1] . وَحَدِيثٌ
لِجَابِرٍ آخَرُ تَفَرَّدَ بِهِ الْأَجْلَحُ، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ
حَرْمَلَةَ عَنْهُ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ [2] وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كَانَ لِأَهْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِبَ وَذَهَبَ وَجَاءَ. فَإِذَا جَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ
[3] ، مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ.
صَحِيحٌ [4] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ
غَيْضَةً فَأَخْرَجَ بَيْضَةً حَمْرَةً، فَجَاءَتِ الْحَمْرَةُ
تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ:
أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا. فَقَالَ: «رُدَّهُ ردّه رحمة لها» [5] .
__________
[1] انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 471، التاريخ الكبير 7/ 132 رقم
596، التاريخ الصغير 23، الضعفاء الصغير 273 رقم 299، الضعفاء
والمتروكين للنسائي 301 رقم 387، أحوال الرجال للجوزجانيّ 78 رقم 101،
الجرح والتعديل 7/ 83 رقم 475، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 460- 461
رقم 1516، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 141 رقم 433، المجروحين لابن
حبّان 2/ 203، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2052، الكاشف 2/
325 رقم 4507، المغني في الضعفاء 2/ 508 رقم 4887، ميزان الاعتدال 3/
339- 340 رقم 6682، تهذيب التهذيب 8/ 255- 256، رقم 473، تقريب التهذيب
2/ 107 رقم 3.
[2] في السنن.
[3] أي سكن ولم يتحرّك. (النهاية لابن الأثير) .
[4] رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 113 و 150، وأبو نعيم في دلائل
النبوّة 2/ 135.
[5] رواه أحمد 1/ 404.
(1/349)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
أَبِيهِ [1] .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ: ثنا
عليّ بن قادم، أبا أَبُو الْعَلَاءِ خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ،
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حُلَّنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَ
خِشْفِي، ثُمَّ أَرْجِعَ، فَتَرْبِطَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ
قَوْمٍ» ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ لَهُ، فَحَلَّهَا،
فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ نَفَضَتْ مَا
فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَليْه
وَسَلَّمَ، ثم اسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ، فَوَهَبُوهَا لَهُ،
فَحَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ:
«لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ مَا
أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا» [2] . عَلَيٌّ، وَأَبُو
الْعَلَاءِ صَدُوقَانِ، وَعَطِيَّةُ فِيهِ ضَعْفٌ [3] . وَقَدْ رَوَى
نَحْوَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ [4] عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ [5] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
__________
[1] قَالَ ابن المديني في العلل: سمع من أبيه حديثين، حديث الضبّ وحديث
تأخير الوليد للصلاة. وقال أبو حاتم: سمع من أبيه وهو ثقة. وقال
الحاكم: اتفق مشايخ أهل الحديث أنه لم يسمع من أبيه. (انظر: تهذيب
التهذيب 6/ 216) .
[2] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 133- 134.
[3] هو عطيّة بن سعد العوفيّ. انظر عنه: طبقات خليفة 160، التاريخ لابن
معين 2/ 406- 407، التاريخ الكبير 7/ 8، 9 رقم 35، التاريخ الصغير 113
و 122 و 133، الضعفاء والمتروكين للنسائي 301 رقم 381، أحوال الرجال
للجوزجانيّ 56 رقم 42، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 359 رقم 1392،
المجروحين لابن حبّان 2/ 176، الجرح والتعديل 6/ 382- 383 رقم 2125،
الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 2007، المغني في الضعفاء 2/ 436
رقم 4139، الكاشف 2/ 235 رقم 3876، ميزان الاعتدال 3/ 79- 80 رقم 5667،
تهذيب التهذيب 7/ 224- 226 رقم 413، تقريب التهذيب 2/ 278.
[4] الحدّاني: بضم الحاء وتشديد الدال المهملة. نسبة إلى حدّان، وهم
بطن من الأزد.
(اللباب لابن الأثير 1/ 347) .
[5] في الأصل مهملة، وفي نسخة دار الكتب «أبي بصرة» وهو تصحيف،
والتصويب من تهذيب التهذيب لابن حجر، 302 وهو المنذر بن مالك.
(1/350)
الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَاعٍ
يَرْعَى بِالْحَرَّةِ، إِذْ عَرَضَ ذِئْبٌ لِشَاةٍ، فَحَالَ الرَّاعِي
بَيْنَ الذِّئْبِ وَبَيْنَ الشَّاةِ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى
ذَنَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّاعِي: أَلَا تَتَّقِي اللَّهِ تَحُولُ
بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ الرَّاعِي:
الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ
الْإِنْسِ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِنِّي:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ
الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ،
فَسَاقَ الرَّاعِي شَاةً حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا
زَاوِيَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِ الذِّئْبِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ لِلرَّاعِي:
قُمْ فَأَخْبِرْهُمْ، قَالَ:
فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا قَالَ الذِّئْبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ الرَّاعِي، أَلَا إِنَّهُ
مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلَامُ السِّبَاعِ لِلْإِنْسِ، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ
الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمُ الرَّجُلَ شِرَاكُ نَعْلِهِ وَعَذَبَةُ
سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ، فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، وَمَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَحْوَهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ
الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
عَمْرٍو، عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي غَنَمٍ لَهُ،
فَكَلَّمَهُ الذِّئْبُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ. قَالَ البخاريّ: ليس إسناده بالقويّ [2] .
__________
[1] الجامع الصحيح (2272) باب 17 في أبواب القدر، باب ما جاء في كلام
السباع. قال الترمذي: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن
الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثّقه يحيى بْن
سَعِيد وعبد الرَّحْمَن بْن مهديّ، ورواه أحمد في المسند 2/ 306 و 3/
83 و 88 و 89، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 132.
[2] التاريخ الكبير 2/ 44- 45 رقم 1633.
(1/351)
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا
جَعْفَرُ بْنُ جَسْرٍ [1] ، أَخْبَرَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ
عُمَرَ: كَانَ رَاعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَمٍ لَهُ، إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ
شَاةً، وَوَثَبَ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ
لَهُ الذِّئْبُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ أَنْ تَمْنَعَنِي طُعْمَةً
أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُهَا مِنِّي! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2] .
وَقَالَ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.
(خ) [3] .
فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [4]
وَقَالَ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ: ثنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ:
لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ:
كُنْتُ رَجُلًا أَتَتَبَّعُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ وَحْدَهُ، فَجَلَسْتُ، فَجَاءَ أَبُو
بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ،
وَبَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُ
حَصَيَاتٍ، فَأَخَذْهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي كَفِّهِ، فَسَبَّحْنَ،
حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ
وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ. ثُمَّ أخذهنّ فوضعهنّ في يد أبي بكر
__________
[1] في نسخة دار الكتب «حشر» وهو تصحيف، والتصحيح من: الجرح والتعديل
2/ 476 رقم 1938، الضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 187 رقم 232، الكامل في
ضعفاء الرجال لابن عديّ 2/ 572- 574، المغني في الضعفاء 1/ 132 رقم
1136، ميزان الاعتدال 1/ 403- 404 رقم 1493، لسان الميزان 2/ 111، 112،
رقم 452.
قال ابن عديّ: ولجعفر مناكير، وقال العقيلي: في حفظه اضطراب شديد كان
يذهب إلى القدر وحدّث بمناكير، وكذا قال الساجي. (اللسان) .
[2] رواه ابن عديّ في الكامل 2/ 573.
[3] أخرجه البخاري من حديث أطول في المناقب 4/ 171 باب علامات النبوّة
في الإسلام، والدارميّ في المقدّمة 5، وأحمد في المسند 1/ 460.
[4] العنوان إضافة على الأصل.
(1/352)
فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ
[1] ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ
وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ
فَخَرِسْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
«هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ» [2] . صَالِحٌ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا
[3] ، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا
مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ، كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا
ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ [4] ذَكَرٌ لَهُ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ.
وَيَرْوِي مِثْلُهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ
حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ مُنْكَرَيْنِ [5] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ
جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] هنا خرم في نسخة دار الكتب يزيد على السطر.
[2] أخرجه خيثمة بن سليمان الاطرابلسي في فضائل الصحابة (ج 3) بالسند
المذكور، انظر كتابنا «من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الاطرابلسي» - ص
107- 108، طبعة دار الكتاب العربيّ، بيروت 1400 هـ-. 1980.
[3] قال ابن معين في التاريخ 2/ 262: «ليس بشيء» ، قال البخاري في
التاريخ الكبير 4/ 273 رقم 2778: «ليّن. ليس بشيء» ، وقال الجوزجاني في
أحوال الرجال 113 رقم 182:
«اتّهم في حديثه» ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/ 394، 395
رقم 2727 «ليّن الحديث، وسئل أبو زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث» ، وانظر
عنه: الضعفاء الصغير للبخاريّ 164، والضعفاء والمتروكين للنسائي 302،
الضعفاء الكبير للعقيليّ 2/ 198- 199 رقم 722، المجروحين لابن حبّان 1/
368، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 4/ 1382- 1383، الكاشف 2/ 17
رقم 2347، المغني في الضعفاء 1/ 302 رقم 2814، ميزان الاعتدال 2/ 288
رقم 3769، وطبقات ابن سعد 7/ 32، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 366، وسير أعلام
النبلاء 7/ 303، والوافي بالوفيات 16/ 257 رقم 285، تهذيب التهذيب 4/
380، 381 رقم 640، تقريب التهذيب 1/ 358.
[4] الرّبذة: بالفتح، من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق
على طريق الحجاز.
(معجم البلدان 3/ 24) .
[5] انظر فضائل الصحابة لخيثمة 3/ 108 (في كتابنا من حديث خيثمة بن
سليمان الأطرابلسي) .
(1/353)
كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى
شَجَرَةٍ [1] أَوْ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقِيلَ [2] لَهُ: أَلَا نَجْعَلُ
لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ» ، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ [3] إِلَى الْمِنْبَرِ،
فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، فَنَزَلَ فَضَمَّهَا [4]
إِلَيْهِ، كَانَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ
قَالَ: «كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ
عِنْدَهَا» . (خ) [5] . وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ
أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ الْمَازِنِيُّ- وَاسْمُهُ عمر- عن نافع،
عن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ
إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَمَسَحَهُ، فَسَكَنَ. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ [6] عَنِ ابْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ،
عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ
الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ: كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ وَيَخْطُبُ
إِلَيْهِ، فَصُنِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا جَاوَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْجِذْعَ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ
وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ
الْجِذْعَ أَبِي فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ
وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا. رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ
عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ [7] .
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: «هل ترون قبلي هاهنا، فو الله ما يخفى عليّ ركوعكم ولا
__________
[1] في نسخة دار الكتب المصرية «جذع شجرة» .
[2] عند البخاري «فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا
نجعل..»
[3] عند البخاري «رفع» .
[4] عند البخاري «فضمّه» .
[5] صحيح البخاري 4/ 173 باب علامات النبوّة في الإسلام، ودلائل
النبوّة لأبي نعيم 2/ 142.
[6] في الصحيح 4/ 173 في باب علامات النبوّة في الإسلام.
[7] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 142.
(1/354)
سُجُودُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ وَرَاءَ
ظَهْرِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذِهِ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ أَبَانَهُ بِهَا
مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَفِيهِ:
«فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي، وَايْمُ الَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا
وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا
رَأَيْتَ؟ «قَالَ: رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ: ثنا
الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ [3] فِيهِ
صُورَةٌ، فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ [4] .
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْنُسٍ فِيهِ تِمْثَالُ
عُقَابٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدَهُ عَلَيْهِ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ
مُنْقَطِعَةٌ.
وَقَالَ عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ
غُلَامًا يَافِعًا فِي غَنَمٍ لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ [5]
أَرْعَاهَا، فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ:
يَا غُلَامُ هَلْ عِنْدَكَ لَبَنٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنْ
مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: فَائْتِنِي بِشَاةٍ لَمْ ينز
__________
[1] أخرجه البخاري 1/ 108 في كتاب الصلاة، باب عظة الإمام الناس في
إتمام الصلاة وذكر القبلة، وفيه لفظه «ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم»
، ومسلّم (424) في كتاب الصلاة، باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها
والخشوع فيها.
[2] صحيح مسلّم (426) في كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو
سجود ونحوهما.
[3] القرام: الستر من الصوف، ذي ألوان فيه نقوش. (النهاية لابن الأثير،
والقاموس المحيط للفيروزآبادي) .
[4] أخرجه مسلّم (2106/ 91) في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير
صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه.
[5] هو الّذي ضرب الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنقه صبرا عند منصرفه من
غزوة بدر، وكان من الأسرى. انظر: المحبّر لابن حبيب 157 و 161 و 478،
وتاريخ اليعقوبي 2/ 46.
(1/355)
عَلَيْهَا الْفَحْلُ، فَأَتَيْتُهُ
بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَليْه وَسَلَّمَ، ثم دعا وَمَسَحَ ضَرْعَهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ،
فَاحْتَلَبَ فِي صَحْفَةٍ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، وَشَرِبَ بَعْدَهُ،
ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلُصْ، فَقَلَصَ فَعَادَ كَمَا كَانَ، ثُمَّ
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ:
عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: إِنَّكَ
غُلَامٌ مُعَلَّمٌ، فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ سُورَةً مَا
نَازَعَنِيهَا بَشَرٌ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ [1] .
مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ
صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا،
أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ:
نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ
خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْهُ فِيهِ، وَدَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي،
وَأَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَ النَّاسِ،
فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِمَنْ
مَعَهُ: قُومُوا، قَالَ:
فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا
طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ [2]
وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ مَعَهُ حَتَّى
دَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ
الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً [3]
لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ:
«ائذن لعشرة» ، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: «ائذن
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 276 و 462، وابن جميع الصيداوي في معجم
الشيوخ (بتحقيقنا) 68، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 165 وابن
عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 2/ 246.
[2] كلمة «بالناس» ساقطة من الأصل، والاستدراك من صحيح البخاري، وفي
(ع) «وأصحابه» بدل «بالناس» .
[3] العكّة: بضم العين وتشديد الكاف: إناء من جلد يجعل فيه السمن
غالبا. (فتح الباري 6/ 590) .
(1/356)
لِعَشْرَةٍ» ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا
حَتَّى شَبِعُوا، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَشَبِعُوا، وَهُمْ سَبْعُونَ
أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] . وَقَدْ مَرَّ
مِثْلُ هَذَا فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جندب، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتَى بِقَصْعَةٍ، فِيهَا طَعَامٌ، فَتَعَاقَبُوهَا إِلَى
الظُّهْرِ مُنْذُ غُدْوَةٍ، يَقُومُ قَوْمُ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ،
فَقَالَ رَجُلٌ لِسَمُرَةَ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ [2] ؟ قَالَ: فَمِنْ
أَيْشٍ [3] تَعْجَبُ؟ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَا هُنَا،
وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَشَارَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ إِلَى
السَّمَاءِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [4] .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عن أبيه، أنّ سليمان أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ فَقَالَ:
«لِمَنْ أَنْتَ» ؟ قَالَ لِقَوْمٍ، قَالَ: «فَاطْلُبْ إِلَيْهِمْ أَنْ
يُكَاتِبُوكَ» ، قَالَ: فَكَاتَبُونِي عَلَى كَذَا وَكَذَا نَخْلَةٍ
أَغْرِسُهَا لَهُمْ، وَيَقُومُ عَلَيْهَا سَلْمَانُ حَتَّى تُطْعِمَ،
قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَرَسَ
النَّخْلَ كُلَّهُ، إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ،
فَأَطْعَمَ نَخْلُهُ مِنْ سَنَتِهِ إِلَّا تِلْكَ النَّخْلَةَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَرَسَهَا» ؟
قَالُوا: عُمَرُ، فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فحملت من عامها. رواته ثقات [5] .
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 170- 171 في المناقب، باب علامات النبوّة في
الإسلام، ومسلّم (2039) في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى
دار من يثق برضاه بذلك، ويتحقّقه تحقّقا تاما. والحديث طويل: وبعضه في
دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 147، والترمذي (3709) ، ومثله أنساب
الأشراف للبلاذري 1/ 272- 273 عن وائلة بن الأسقع.
[2] أي تمدّ بطعام. (انظر ألوفا بحقوق المصطفى 1/ 280) .
[3] بمعنى «أيّ شيء» ، وهذه الصيغة مستعملة عند الشاميين، قال بعضهم
أنه لفظ مولّد. (انظر شفاء الغليل للخفاجي) .
[4] أخرجه الدارميّ في السنن، المقدّمة 9، والترمذي (3704) في المناقب.
[5] رواه أحمد في المسند 5/ 354 وهو أطول مما هنا، وفي فتح الباري 6/
600. رواه الترمذي والنسائي.
(1/357)
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ
أَبِي الْخَيْرِ كِتَابَةً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ،
أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُمْ، أَنَا ابْنُ
رَيْدَةَ، أنا الطَّبَرَانِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادٍ
الرَّمْلِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنْ أَبِيهِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ
أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ
سِيَتِهَا [1] ، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْقَى السِّهَامَ بوجهي،
كلّما مال سهم منها إلى وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيَّلْتُ رَأْسِي لِأَقِيَ وَجْهَهُ [2] ، فَكَانَ
آخِرُ سَهْمٍ نَدَرَتْ [3] مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَافْتَرَقَ
الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا [4] إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا
فِي كَفِّي دَمِعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: «اللَّهمّ إِنَّ قَتَادَةَ
فَدَى [5] وَجْهَ نَبِيِّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ
عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا» ، فَكَانَتْ أَحَدَّ عَيْنَيْهِ
نَظَرًا. حَدِيثٌ غَرِيبٌ [6] ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: ثنا الْمُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي
بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ:
فَقَبَضَهُنَّ [7] ثُمَّ دَعَا فِيهِنَّ بالبركة، ثم قال: «خذهنّ
__________
[1] السّية: ما عطف من طرفي القوس. وفي نسخة دار الكتب، والمعجم الكبير
للطبراني «سنتها» ، وفي (ع) «سنينها» ، وكلاهما تصحيف. انظر: المخصّص
لابن سيده.
[2] في المعجم الكبير «بلا رمي أرميه» .
[3] في المعجم «بدرت» .
[4] في المعجم «فسعيت بها في كفّي» .
[5] في المعجم «قد أوجه» .
[6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 8 و 9 رقم 12 و 13، والحاكم
في المستدرك 3/ 295، وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 187- 188، و 3/
453، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 195، وابن عبد البرّ في الاستيعاب
3/ 248- 250، وابن حجر في الإصابة 3/ 225 رقم 7076، وأورده الذهبي في
سير أعلام النبلاء 2/ 332- 333، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 174.
[7] لفظ الترمذي «فضمّهنّ» .
(1/358)
فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ [1] ، فَإِذَا
أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ وَلَا
تَنْثُرُهُنَّ نَثْرًا» قَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا
وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ،
وَكَانَ الْمِزْوَدُ مُعَلَّقًا بِحَقْوِي لا يُفَارِقُ حَقْوِي،
فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ [2] .
وَرُوِيَ فِي «جُزْءِ الْحَفَّارِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَفِيهِ: فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ
فَذَهَبَ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى غَرِيبَةٌ.
وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا
زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَمَنْ ضَيَّفَاهُ
حَتَّى كَالَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ
وَلَقَامَ لَكُمْ» [3] . وَكَانَتْ أُمُّ مَالِكٍ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا،
فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ
شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا،
فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَها أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ،
فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«أَعَصَرْتِيهَا» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا
زَالَ قَائِمًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ
مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ.
فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، حَتَّى همّ أحدهم بنحر بعض
__________
[1] عند الترمذي «مزودك هذا أو في هذا المزود كلّما أردت» .
[2] سنن الترمذي 5/ 349 رقم (3928) في المناقب، باب مناقب أبي هريرة
رضي الله عنه.
[3] في الأصل «وأقام لكم» ، وما أثبتناه عن صحيح مسلّم (2281) في كتاب
الفضائل، باب معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
[4] في الصحيح (2280) في كتاب الفضائل في الباب المذكور قبله.
(1/359)
حَمَائِلِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنَ الْأَزْوَادِ
فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَفَعَلَ، فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ
بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ، فَدَعَا حَتَّى إِنَّهُمْ
مَلَئُوا أَزْوَادَهُمْ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ
بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَرَوَى نَحْوَهُ وَأَطْوَلَ مِنْهُ
الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،
وَزَادَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا مَلَئُوهُ [2]
وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وأنّي محمد رسول الله، لَا
يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهَا إِلَّا حُجِبَ عَنِ النَّارِ.
رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ [3] . وَقَالَ سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ:
سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءَ الْعُطَارِدِيَّ [4] يَقُولُ: ثنا عِمْرَانُ
بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى
إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسُوا [5] فَغَلَبَتْهُمْ
أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ
اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ بَعْدَهُ، فَقَعَدَ
أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى يَسْتَيْقِظَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، فلمّا استيقظ والشمس قد
__________
[1] في الصحيح (27) في كتاب الإيمان، باب الدليل على أنّ من مات على
التوحيد دخل الجنة قطعا.
[2] في صحيح ابن حبّان «مملوء» .
[3] رجاله ثقات، أخرجه أحمد في المسند 3/ 418 من طريق علي بن إسحاق، عن
عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي، بهذا الإسناد، وأخرجه الطبراني في
المعجم الكبير 1/ 211 رقم 575 من طريق عبد الله بن العلاء، عن الزهري،
والأوزاعي، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 20 وقال إنه في المعجم
الأوسط للطبراني أيضا، وقال: رجاله ثقات، ورواه ابن حبّان في صحيحه 1/
387 رقم 221 بالسند المذكور هنا، والحاكم في المستدرك 3/ 618- 619
وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[4] في طبعة القدسي 2/ 253 «العطاري» وهو تصحيف، والتصويب من (اللباب
2/ 345) والنسبة إلى عطارد، واسم أبي رجاء: عمران بن تيم. (2/ 346) .
[5] التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.
(1/360)
بَزَغَتْ قَالَ: «ارْتَحِلُوا» ، فَسَارَ
بِنَا حَتَّى ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا،
وَاعْتَزَلَ رَجُلٌ فَلَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا
فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا» ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي
جَنَابَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى،
وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ أَطْلُبُ الْمَاءَ، وَكُنَّا قَدْ عَطِشْنَا
عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ
سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ [1] ، قُلْنَا لَهَا:
أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: أَيْهَاتَ [2] فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ
أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟
قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ
اللَّهِ؟
فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا
بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَحَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ [3] ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا
فَمَجَّ [4] فِي الْعَزْلَاوَيْنِ [5] الْعُلْيَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا
عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رُوِينَا وَمَلأْنَا كُلَّ
قِرْبَةٍ مَعَنَا وَكُلَّ إِدَاوَةٍ.
وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا، وَهِيَ تَكَادُ تَضَرَّجُ [6] مِنَ الْمَاءِ،
ثُمَّ قَالَ لَنَا: «هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ» ، فَجَمَعْنَا لَهَا مِنَ
الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى صَرَّ لَهَا صُرَّةً فَقَالَ:
«اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عِيَالَكِ، وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ
مِنْ مَائِكِ شَيْئًا» ، فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقَدْ
أَتَيْتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا،
فَهَدَى اللَّهُ ذَلِكَ الصِّرْمَ [7] بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا.
اتّفقا عليه [8] .
__________
[1] المزادة: بفتح الميم والزاي. قربة كبيرة، يزاد فيها جلد. (فتح
الباري) .
[2] كذا في الأصل و (ع) ونسخة دار الكتب، وهي لغة في «هيهات» ، وفي
صحيح مسلّم «أيهاه، أيهاه» .
[3] أي ذات أيتام.
[4] هكذا في الأصل وصحيح مسلّم، وفي صحيح البخاري «فمسح» .
[5] تثنية عزلاء: فم القربة.
[6] أي تنشقّ. وفي صحيح البخاري «تنضّ من الملء» ، وفي صحيح مسلّم
«تنضرج» .
[7] الصّرم: أبيات مجتمعة، وهم النفر ينزلون بأهليهم على الماء.
[8] أخرجه البخاري 4/ 168- 169 في المناقب، باب علامات النبوّة في
الإسلام، ومسلّم (682) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة
الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، وعبد الرزاق في المصنف 11/ 277- 278
رقم (20537) في باب النّبوّة.
(1/361)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
وَغَيْرُهُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ
تَعْطَشُوا، فَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ تُرِيدُ الْمَاءَ،
وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ، فَمَالَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ، قَالَ: فَمَالَ
فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ وَمَالَ، فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ، ثُمَّ
مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ،
فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟
قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ
بِهِ رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ عَرَّسْنَا، فَمَالَ إِلَى
شَجَرَةٍ، فَنَزَلَ فَقَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَقُلْتُ:
هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً فَقَالَ:
احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا، قَالَ:
فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا
فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَارَ
وَسِرْنَا هُنْيَةً، ثُمَّ نَزَلْنَا فَقَالَ: أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ مَيْضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَأْتِنِي
بِهَا، فَتَوَضَّئُوا وَبَقِيَ فِي الْمَيْضَأَةِ جُرْعَةٌ فَقَالَ:
ازْدَهِرْ بِهَا [1] يَا أَبَا قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا
شَأْنٌ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ
بَعْضٌ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ
دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ،
قُلْنَا: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: لَا تَفْرِيطَ فِي
النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ
ذَلِكَ فَصَلُّوهَا مِنَ الْغَدِ لِوَقْتِهَا. ثُمَّ قَالَ: ظُنُّوا
بِالْقَوْمِ، فَقُلْنَا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ: إِنْ لَا
تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا، فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ
فَقَالَ: أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ
بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ، وَفِي القوم أبا بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَا:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ الله لم يكن ليسبقكم إلى الماء
ويحلّفكم، وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا،
قَالَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رُفِعَ لَهُمْ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا
عَطَشًا انْقَطَعَتِ الْأَعْنَاقُ، قَالَ: «لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ» ،
ثُمَّ قَالَ: يَا أبا
__________
[1] أي احتفظ بها.
(1/362)
قَتَادَةَ ائْتِنِي بِالْمَيْضَأَةِ،
فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: حُلَّ لِي غُمَرِي- يَعْنِي قَدَحَهُ-
فَحَلَلْتُهُ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ، فَقَالَ:
«أَحْسِنُوا الْمِلْءَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ، فَشَرِبَ
الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَبَّ لِي فَقَالَ: اشْرَبْ، قُلْتُ:
اشرب أنت يا رسول الله، قَالَ: إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ
شُرْبًا، فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ مِنَ
الْمَيْضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ
ثَلَاثُمِائَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَا
أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟
فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ،
فَقَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ
فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ
قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ
غَيْرِي. وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَيْضًا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ
سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
فبينا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَأَتَاهُ أعرابيّ
فقال: يا رسول الله هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ
اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءَ قَزْعَةً
[2] ، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَتْ
سَحَابَةٌ [3] أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنِ
الْمِنْبَرِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَنْ لِحْيَتِهِ،
فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ،
حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك
__________
[1] في الصحيح (681) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة
الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف 11/ 278-
279 رقم (20538) باب النبوّة، وانظر مثله في الطبقات الكبرى لابن سعد
1/ 180- 182.
[2] أي قطعة من الغيم.
[3] في حاشية الأصل و (ع) : السحاب.
(1/363)
الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ
اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا»
، فَمَا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا
انْفَرَجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ [1] ،
وَسَالَ الوادي، وادي قباء شهرا، ولم يجيء أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ
النَّوَاحِي إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ. اتَّفَقَا عَلَيْهِ [2] .
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَغَيْرُهُمَا
عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَرُوحُ بْنُ عُبَادَةَ:
ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، سَمِعَ عُمَارَةَ
بْنَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، قَالَ:
«فَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ
دَعَوْتُ اللَّهَ» ، قَالَ: فَادْعُهُ، قَالَ:
فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ، وَيُصَلِّيَ
رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهمّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي
أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ، فَتَقْضِيهَا لِي،
اللَّهمّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نفسي» . ففعل الرجل فبرأ
[3] .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن
أبي جعفر الخطميّ [4] .
__________
[1] هي الحفرة المستديرة الواسعة، أي حتى صار الغيم والسحاب محيطا
بآفاق المدينة، على ما في (تاج العروس للزبيدي 2/ 203) .
[2] أخرجه البخاري 2/ 22 في كتاب الاستسقاء، باب من تمطّر في المطر حتى
يتحادر على لحيته، ومسلّم (897) في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في
الاستسقاء، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 160.
[3] رواه الترمذي 5/ 229 رقم (3649) وقال: هذا حديث حسن صحيح غَرِيبٌ
لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ من حديث أبي جعفر، وهو غير
الخطميّ، ورواه أحمد في المسند 4/ 138.
[4] رواه من هذه الطريق أحمد 4/ 138.
(1/364)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ
سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ،
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ الْخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
بْنِ سَهْلِ [1] بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذِهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ:
ائْتِ الْمَيْضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
قُلْ: «اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ
مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ
إِلَى رَبِّي فَيُجْلِي لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهمّ شَفِّعْهُ فِيَّ
وشفّعني في نفسي» ، قال عثمان: فو الله مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ
الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ
ضَرَرٌ قَطُّ. رَوَاهُ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [2] وَغَيْرُهُ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَ
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَلَبَ [3] يَهُودِيٌّ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ جَمِّلْهُ» ، قَالَ فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ
حَتَّى صَارَ أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ كَذَا وَكَذَا.
وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَفِيهِ:
«فَاسْوَدَّتْ لِحْيَتُهُ بَعْدَ مَا كَانَتْ بَيْضَاءَ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدُ [4] بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ
جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَتْ لَيْلَةً
شَدِيدَةَ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي اغْتَنَمْتُ
الْعَتْمَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبْصَرَنِي وَمَعَهُ عُرْجُونٌ
يَمْشِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا قَتَادَةُ تَخْرُجُ هَذِهِ
السَّاعَةَ» ؟ قُلْتُ: اغْتَنَمْتُ شُهُودَ
__________
[1] في ع: (سهيل) وهو تصحيف.
[2] في المعرفة والتاريخ 3/ 272.
[3] في الأصل «حاب» وعلى الباء شدّة. والتصحيح من: حجّة الله على
العالمين للنبهاني- ص 437.
[4] في (ع) سعيد، وهو تصحيف.
(1/365)
الصَّلَاةِ مَعَكَ، فَأَعْطَانِي
الْعُرْجُونَ فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ خَلَفَكَ فِي أَهْلِكَ
فَاذْهَبْ بِهَذَا الْعُرْجُونِ فَاسْتَعِنْ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ
بَيْتَكَ، فَتَجِدَهُ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَاضْرِبْهُ
بِالْعُرْجُونِ» ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَضَاءَ الْعُرْجُونُ
مِثْلَ الشَّمْعَةِ نُورًا، فَاسْتَضَأْتُ بِهِ فَأَتَيْتُ أَهْلِي
فَوَجَدْتُهُمْ رُقُودًا، فَنَظَرْتُ فِي الزَّاوِيَةِ فَإِذَا فِيهَا
قُنْفُذٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِهِ، حَتَّى خَرَجَ [1] .
عَاصِمٌ عَنْ جَدِّهِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، لَكِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ
وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ قَوِيٌّ [2] .
وَقَالَ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ: ثنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ
عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ
قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ادْنُ مِنِّي. قَالَ:
فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ
جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ» ، قَالَ:
فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ
إِلَّا نَبْذٌ يَسِيرٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ لَمْ
يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا
إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ، وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ
أَخْطَبَ [3] .
وَقَالَ عَلِيُّ بن الحسن بْنُ شَقِيقٍ: ثنا الْحُسَيْنِ بْنُ وَاقِدٍ،
ثنا أبو نهيك
__________
[1] رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 5- 6 رقم (9) ، وروى مثله من
طريق أحمد بن محمد الخزاعي الأصبهاني، عن محمد بن بكير الحضرميّ، عن
سويد بن عبد العزيز، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
فَرْوَةَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبي سرح،
عن قتادة (19/ 13- 14) رقم 19) وروى قسما منه ابن عبد البر في
الاستيعاب 3/ 250، وكذا ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 196، وأخرجه
الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 40- 41، وروى مثله الإمام أحمد في المسند
في حديث طويل عن ساعة في الجمعة 3/ 65 من طريق سعيد بن الحرث عن أبي
سلمة، عن أبي سعيد، وتابعه ابن حجر في الإصابة 3/ 225- 226 وقال
الهيثمي: ورجاله موثّقون.
[2] هو الّذي رواه أحمد في المسند 3/ 65.
[3] رواه أحمد في المسند 5/ 77، كما روى مثله من طريق زيد بن الحباب عن
حسين، عن أبي نهيك، عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري (5/ 340) .
(1/366)
الأزدي عن عمرو بن أخطب- وهو أَبُو زَيْدٍ-
قَالَ: اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَفِيهِ شَعْرَةٌ فَرَفَعْتُهَا
ثُمَّ نَاوَلْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهمّ جَمِّلْهُ» ، قَالَ:
فَرَأَيْتُهُ ابْنَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَمَا فِي رَأْسِهِ
وَلِحْيَتِهِ طَاقَةٌ بَيْضَاءُ» [1] .
وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: نا أَبِي، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ
قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ، فَمَرَّ
رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِهِ،
قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَسَحَ وَجْهَهَ، قَالَ: وَكُنْتُ قَلَّمَا رَأَيْتُهُ إِلَّا
رَأَيْتُهُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانُ. رَوَاهُ عَارِمٌ،
وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، عن مُعْتَمِرٍ [2] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: ثنا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ
الأَكْوَعِ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ. «كُلْ
بِيَمِينِكَ» ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ» ،
مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ
بَعْدُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ:
إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا
أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ وَيَنْزِعُ
إِلَى أُمِّهِ. قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا» - قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ-
«أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ
الْمَشْرِقِ إِلَى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فَزِيَادَةُ
كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الْوَلَدُ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ
نَزَعَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَإِذَا سَبَقَ ماء المرأة نزعه إلى أمّه» .
__________
[1] رواه أحمد في المسند 5/ 340، وأبو نعيم في دلائل النبوّة 2/ 164.
[2] رواه أحمد في المسند 5/ 27- 28 عن عارم، وعن يحيى بن معين، و 81،
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 319 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
[3] في الصحيح (2021) في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب
وأحكامهما.
(1/367)
فأسلّم ابن سَلَامٍ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
أَبِي مَعْشَرَ الْمَدَنِيِّ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ مُرْسَلًا، فَذَكَرَ
نَحْوًا مِنْهُ، وَفِيهِ: «فَأَمَّا الشَّبَهُ فَأَيُّ النُّطْفَتَيْنِ
سَبَقَتْ إِلَى الرَّحِمِ فَالْوَلَدُ بِهِ أَشْبَهُ» . وَقَالَ
مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي
سَلَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ
حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَبْرٌ [2] فَقَالَ: السَّلَامُ
عَلَيْكَ يا محمد، فدفعته دفعة كاد يضرع مِنْهَا، فَقَالَ:
لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ: يا رسول الله! قَالَ:
إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ [3] بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
اسْمِي الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أهَلْيِ (مُحَمَّدٌ) » [4] فَقَالَ
الْيَهُودِيُّ [5] : أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ
غَيْرَ الْأَرْضِ؟
قَالَ: «فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ
النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ:
«فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ» ؟ قَالَ: مِمَّا تُحْفَتُهُمْ حِينَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «زِيَادَةُ كَبِدِ نُونٍ [6] ، قَالَ:
فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهِ [7] ؟ قَالَ: «يُنْحَرُ لَهُمْ
ثَوْرُ الجنّة الّذي
__________
[1] في كتاب الفتن 8/ 100 باب خروج النار، وفي الأنبياء، باب خلق آدم،
وساقه في قصة إسلام عبد الله بن سلام، وابن أبي عاصم في الأوائل 84 رقم
193، والبغوي في شرح السّنّة 5447، والخطيب في المشكاة 5447 و 5870،
ومسلّم (2941) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدّجال ومكثه
في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وابن الأثير في جامع الأصول 10/ 387
و 11/ 382، وكشف الخفاء 1/ 307، وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 125.
[2] الحبر: بفتح الحاء المهملة وكسرها، وهو العالم.
[3] عند مسلّم «ندعوه» .
[4] عند مسلّم «إن اسمي محمد الّذي سمّاني به أهلي» .
[5] عند مسلّم «جئت أسألك» فقال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال: «أسمع بأذنيّ، فنكت
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعود معه. فقال:
«سل» ، فقال اليهوديّ: أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض
والسماوات» .
[6] النون: الحوت، وجمعه نينان.
[7] عند مسلّم «أثرها» .
(1/368)
كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا» ،
قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «مِنْ عَيْنٍ فِيهَا
تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ
عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا
نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، قَالَ: «يَنْفَعُكَ إِنْ
حَدَّثْتُكَ» ؟. قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ، قَالَ: «سَلْ» ، قَالَ:
جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ، قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ،
وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فعلا منّي الرجل
منّي المرأة أذكرا بِإِذْنِ اللَّهِ؟ وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ
الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرجل آنثا بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَقَالَ
الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ
سَأَلَنِي هَذَا الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا
مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي اللَّهُ بِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرٍ، حَدَّثَنِي
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا
عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ،
قَالَ: «سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ
اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، إِنْ أَنَا
حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ أَتُبَايِعُنِّي عَلَى
الْإِسْلَامِ؟
قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: «فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ» ، قَالُوا:
أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا: أَخْبِرْنَا
عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ
الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ، حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا،
وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى مِنْهُ حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى، وَمَنْ
وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ
لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي» ، فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ
اللَّهُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، قَالَ: «أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي
أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ
إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا طَالَ سَقَمُهُ
مِنْهُ، فَنَذَرَ للَّه لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ
لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ: أَلْبَانُ الْإِبِلِ،
وَأَحَبَّ
__________
[1] في صحيحه رقم (315) في كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة
وأن الولد مخلوق من مائهما.
(1/369)
الطَّعَامِ إِلَيْهِ لَحْمَانُهَا» ؟
قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ» ، قَالَ:
«أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ
الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ،
فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ
اللَّهِ، فَإِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ
ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ
الرَّجُلِ كَانَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟» قَالُوا: اللَّهمّ
نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمّ اشْهَدْ» ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ باللَّه
الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ
هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ» ؟
قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ» .
قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ، قَالَ:
«وَلِيِّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا
وَهُوَ وَلِيُّهُ» ، قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ
وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَبَايَعْنَاكَ [1]
وَصَدَّقْنَاكَ، قال: «وَلِمَ» ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ كانَ عَدُوًّا
لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ 2: 97 [2] الآية. ونزلت
فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ 2: 90 [3] . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ: أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ
يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ
فَنَسْأَلْهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ إِنْ
سَمِعَكَ تَقُولُ نَبِيٌّ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ،
فَانْطَلَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِهِ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، قَالَ: «لَا
تُشْرِكُوا باللَّه شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْحَرُوا،
وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ فَيَقْتُلَهُ، وَلَا
تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ، وَلَا
تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً- شَكَّ شعبة- وعليكم
__________
[1] في النسخ (لتابعناك) .
[2] سورة البقرة- الآية 97.
[3] سورة البقرة- الآية 90، والحديث رواه ابن سعد بطوله في الطبقات
الكبرى 1/ 174- 176.
(1/370)
خَاصَّةً مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْ لَا
تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» . فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا:
نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: «فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ
تُسْلِمَا» ؟ قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ
فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَنَحْنُ نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ
تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ. وَقَالَ عَفَّانُ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عن أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ
لِإِدْخَالِ رِجَالٍ الْجَنَّةَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ، وَإِذَا
يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ
أَمْسَكَ، وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لكم أَمْسَكْتُمْ» ؟ فَقَالَ
الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا،
ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ وَقَالَ:
ارْفَعْ يَدَكَ، فَقَرَأَ، حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ:
هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لُوا أَخَاكُمْ» [1] . وَقَالَ
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ
أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مِكْرَزِ، عَنْ وَابِصَةَ- هُوَ الْأَسَدِيُّ [2]- قَالَ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ
أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ
عَنْهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا
وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقُلْتُ: دَعُونِي أَدْنُو [3] مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ
النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ. فَقَالَ:
«ادْنُ يَا وَابِصَةُ» ، فَدَنَوْتُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي ركبته،
فقال: «يا وابصة أخبرك
__________
[1] روى ابن سعد في طبقاته 1/ 185 من طريق علي بن محمد، عن الصلت بن
دينار، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي صخر العقيلي
بنحوه.
[2] هو وابصة بن معبد بن عتبة، وفد على الرسول صلّى الله عليه وسلّم
سنة 9 هـ-. ونزل الجزيرة. انظر عنه طبقات ابن سعد 7/ 476، وطبقات خليفة
35 و 128 و 318، والتاريخ الكبير 8/ 187 رقم 2647، والجرح والتعديل 9/
47 رقم 203 الاستيعاب 3/ 641، 642، وأسد الغابة 5/ 76- 77، والكاشف 3/
204 رقم 6130، وتهذيب التهذيب 11/ 100 رقم 173، وتقريب التهذيب 2/ 328
رقم 1، والإصابة 3/ 626 رقم 9085.
[3] كذا في الأصل بإثبات الواو.
(1/371)
بِمَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ» ؟
فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا رسول الله، قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ
الْبِرِّ وَالْإِثْمِ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ
فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: يَا وَابِصَةُ
اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ: مَا اطْمَأَنَّ
إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ
مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ
النَّاسُ وأفتوك» [1] . وقال ابن وهب: حدّثني معاوية عن أبي عبد الله
محمد الْأَسَدِيِّ، سَمِعَ وَابِصَةَ الأَسَدِيَّ قَالَ: جِئْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ عَنِ
الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَسْأَلَهُ: «جِئْتَ
تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ» ؟ قُلْتُ: إِي وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَلَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ،
فَقَالَ: «الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ، وَالْإِثْمُ مَا
حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ» [2] . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ،
سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْنَا إِلَى
الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ: «هَذَا قَبْرُ أَبِي
رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ، وَكَانَ مِنْ قَوْمِ ثَمُودَ، فَلَمَّا
أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَهُ مَنَعَهُ مَكَانُهُ مِنَ الْحَرَمِ،
فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النَّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ
قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ
دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ
أَصَبْتُمُوهُ» . قَالَ: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن [3] .
__________
[1] رواه أحمد في المسند 4/ 227 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية
بن صالح، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن وابصة بن معبد، بنحوه.
[2] أخرجه مسلّم (2553) من طريق محمد بن حاتم بن ميمون، عن ابن مهدي،
عن معاوية بن صالح، عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ جُبير بْنِ نُفير، عَنْ
أبيه، عن النّواس بن سمعان الأنصاري، بنحوه، وكذلك من طريق هارون بن
سعيد الأبلي، عن عبد الله بن وهب، عن معاوية، مثله، والترمذي في الزهد
(2497) و (2498) عن عبد الرحمن، في باب ما جاء في البر والإثم، وقال:
هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في المسند 4/ 182 و 227 وهو الّذي مرّ
قبله و 228، و 5/ 251 و 252 و 256.
[3] أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوّة.
(1/372)
بَابٌ مِنْ أَخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَوَائِنِ بَعْدَهُ فَوَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ
شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ
أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا
ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ- وَفِي
لَفْظٍ: «حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ» - وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ
الشَّيْءُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ
إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
بِمَعْنَاهُ [2] .
وقال عزرة [3] بن ثابت: ثناء عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، ثنا أَبُو
زَيْدٍ [4] قَالَ: صلّى بنا
__________
[1] في صحيحه (1/ 289- 24) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يكون إلى قيام الساعة.
[2] أخرجه البخاري 7/ 211 في كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا
مقدورا، ومسلّم (2891/ 23) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، وأحمد 1/ 377
و 413 و 443 و 446 و 453 و 4/ 278.
[3] في طبعة القدسي 2/ 264 «عروة» ، وهو تصحيف، والتصحيح من: (تهذيب
التهذيب 7/ 192 رقم 366) .
[4] هو عمرو بن أخطب الأنصاري، أحد الذين جمعوا القرآن في عهد الرسول
صلّى الله عليه وسلّم. (أسد الغابة 5/ 204) .
(1/373)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى
حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ،
فَخَطَبَنَا حَتَّى أَظُنَّهُ قَالَ: حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ
فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ:
فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَحْفَظُنَا
أَعْلَمُنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ
بُرْدَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ [2] فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ
لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ اللَّهَ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَارًّا
وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
لَيُؤْخَذُ الرجل فتحفر له الحفرة، فيوضع المنشار على رَأْسِهِ
فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، أَوْ
يُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ عَصَبِهِ وَلَحْمِهِ، مَا
يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ،
حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ
لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى
غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هل
لَكَ مِنْ أَنْمَاطٍ [4] » ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَّى
يَكُونُ لِي أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ، قَالَ:
فَأَنَا أَقُولُ الْيَوْمَ لِامْرَأَتِي: نَحِّي عَنِّي أَنْمَاطَكِ،
فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أنماط بعدي،
__________
[1] في صحيحه (2892) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم فيما يكون إلى قيام الساعة.
[2] في دلائل النبوّة للبيهقي زيادة هنا «وقد لقينا من المشركين شدّة
شديدة» .
[3] أخرجه البخاري 4/ 179- 180 في المناقب، باب علامات النبوّة في
الإسلام، و 8/ 56 في كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان
على الكفر، وأبو داود (2649) في كتاب الجهاد، باب في الأسير يكره على
الكفر، وأحمد 5/ 110.
[4] ضرب من البسط له خمل رقيق. (إرشاد الساري) .
(1/374)
فَأَتْرُكُهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ [2]
فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ
خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الشَّامُ،
فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ
أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ،
ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ
فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ
خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» . أَخْرَجَاهُ [3] . وَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ
زَبْرٍ، ثنا بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ [4] ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ
الْأَشْجَعِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ
أَدَمٍ، فَقَالَ لِي: «يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ
السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ
مَوْتَانُ [5] ، يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ [6] الْغَنَمِ، ثُمَّ
اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ فِيكُمْ، حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ
دِينَارٍ فَيَظَلَّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يبقى بيت من
الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وبين
بني الأصفر، فيغدرون،
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 184 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام،
ومسلّم (2083) في كتاب اللباس والزينة، باب جواز اتخاذ الأنماط.
[2] يبسّون: قال أهل اللغة: يبسّون، ويقال أيضا: يبسّون. أي يتحمّلون
بأهليهم، وقيل معناه: يدعون الناس إلى بلاد الخصب، وهو قول يقال: بسست
الناقة وأبسستها إذ سقتها وزجرتها، وقلت لها بس بس، بكسر الباء وفتحها.
(شرح صحيح مسلّم 2/ 1008 والنهاية لابن الأثير) .
[3] أخرجه البخاري 2/ 222 في كتاب الحج، باب من رغب عن المدينة، ومسلّم
(1388) في كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار.
[4] في نسخة دار الكتب «بشر بن عبد الله» ، والتصحيح من الأصل،
والمشتبه للذهبي 1/ 79.
[5] أي وباء.
[6] قعاص: بضم القاف، داء يأخذ الغنم فتموت من وقتها.
(1/375)
فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً
[1] ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ [2] . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ
بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، سَمِعَ أَبَا
ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا
الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بأهلها خيرا، فإنّ لهم ذمّة ورجما» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا فَتَحْتُمْ مِصْرَ
فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا»
. مُرْسَلٌ مَلِيحُ الْإِسْنَادِ [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلًا. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مِنَ
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: هَاجَرُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ
قِبْطِيَّةً، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: مَارِيَةُ أُمُّ
إِبْرَاهِيمَ قِبْطِيَّةٌ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يَهْلِكُ كِسْرَى،
ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وقيصر ليهلكنّ، ثمّ لا يكون
__________
[1] أي راية.
[2] رواه البخاري 4/ 68 في كتاب الجهاد والسير، باب ما يحذر من الغدر
وقوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله
8: 62، وابن ماجة (2042) في كتاب الفتن، باب أشراط الساعة، ورواه أحمد
في المسند 5/ 228 من طريق وكيع، عن النهاس بن فهم، عن شدّاد أبي عمّار،
ومعاذ بن جبل.
[3] في صحيحه (2543) في كتاب فضائل الصحابة، باب وصيّة النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم بأهل مصر، وفيه زيادة في آخره: «فإذا رأيتم رجلين
يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها» .
[4] أخرجه مسلّم بإسناده السابق بنحوه. (2543/ 227) في فضائل الصحابة.
(1/376)
قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُنْفَقَنَّ [1]
كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
أَمَّا كِسْرَى وَقَيْصَرُ الْمَوْجُودَانِ عِنْدَ مَقَالَتِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمَا هَلَكَا، وَلَمْ يَكُنْ
بَعْدَ كِسْرَى كِسْرَى آخَرُ، وَأُنْفِقَ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْرِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه، وبقي للقياصرة ملك بالروم
وقسطنطينية، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«ثَبُتَ مُلْكُهُ» حِينَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى فتح
القسطنطينية، وَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ» حِينَ مَزَّقَ
كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] .
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ
عُمَرَ أُتِيَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِي
الْقَوْمِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمَ، قَالَ فَأَلْقَى
إِلَيْهِ سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، فَجَعَلَهُمَا فِي يَدَيْهِ
فَبَلَغَا مَنْكِبَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمَا عُمَرُ فِي يَدَيْ
سُرَاقَةَ قَالَ: الْحَمْدُ للَّه سِوَارَا كِسْرَى فِي يَدِ سُرَاقَةَ
أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسٍ عَنْ عديّ بن حاتم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنّكم
__________
[1] وفي رواية «لتقسمنّ» . (انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه
الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي 3/ 308، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/
117) .
[2] أخرجه البخاري 4/ 24 في كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، و 4/
50 في باب فرض الخمس، باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحلّت لكم
الغنائم وقال الله تعالى:
وَعَدَكُمُ الله مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ
هذِهِ 48: 20 وهي للعامّة حتى يبيّنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم،
ومسلّم (2918/ 76) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة
حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل، فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء،
والترمذي (2313) في كتاب الفتن، باب ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى
بعده، وأحمد في المسند 2/ 233 و 240 و 256 و 272 و 313 و 437 و 5/ 92 و
99 و 105.
[3] انظر ما أخرجه البخاري في الجهاد والسير 3/ 235، والمغازي 5/ 136
كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسرى
وقيصر، وأحمد في المسند 1/ 243 و 305.
[4] انظر الاستيعاب 2/ 120، وأسد الغابة 2/ 265- 266، تهذيب الأسماء
واللغات للنووي 1/ 210، الوافي بالوفيات 15/ 130 رقم 185، الإصابة لابن
حجر 2/ 19 رقم 3115.
(1/377)
سَتَفْتَحُونَهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ لِي ابْنَةَ بُقَيْلَةَ [1] ، قَالَ:
«هِيَ لَكَ» ، فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ:
أَتَبِيعُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
بِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ، قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، قَالَ: قَدْ
أَخَذْتُهَا، قَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا
لَأَخَذَهَا، قَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ،
وَمَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ
أَجْنَادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا
بِالْيَمَنِ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي، قَالَ:
«عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ
وَلْيَسْقِ مِنْ غَدْرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي
بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» ، قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: مَنْ تَكَفَّلَ
اللَّهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةَ عَلَيْهِ. صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ- قَوْمًا مِنَ
الْأَعَاجِمِ- حُمْرُ الْوُجُوهِ، فُطْسُ الْأُنُوفِ، صِغَارُ
الْأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» [3] ،
قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا
نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ» . (خ) [4] .
__________
[1] بقيلة هو: عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيّان بن الحارث. سمّي
بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا: يا حار ما أنت إلّا
بقيلة خضراء. (تاريخ الطبري 3/ 361) .
[2] أخرجه أبو داود (2483) في كتاب الجهاد، باب في سكنى الشام، من طريق
حيوة بن شريح الحضرميّ، عن بقيّة، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن ابن
أبي قتيلة، عن ابن حوالة، بمثله، وأحمد في المسند 5/ 33 من طريق أبي
سعيد مولى بني هاشم، وهاشم بن القاسم، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن
عبد الله بن حوالة، و 5/ 288 من طريق عصام بن خالد وعلي بن عياش، عن
حريز، عن سليمان بن شمير، عن ابن حوالة الأزدي.
[3] المجنّ: هو الترس. والمطرقة: التي ألبست الأطرقة من الجلود، وهي
الأغشية. (فتح الباري 6/ 104) .
[4] أخرجه البخاري 4/ 175 في كتاب المناقب، باب علامات النبوّة في
الإسلام، من طريق سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم، عن الحسن، عن عمرو
بن تغلب، بنحوه، ورواه
(1/378)
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارِ أَبِي
الْحَكَمِ، عَنْ جَبْرِ بْنِ عَبِيدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ
الْهِنْدِ، فَإِنْ أَدْرَكْتُهَا أُنْفِقْ فِيهَا مَالِي وَنَفْسِي،
فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ
رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرِّرُ [1] . غَرِيبٌ [2] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ
لَيْلَةٍ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَأُتِينَا
بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ [3] ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا
فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ في الآخر وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ،
سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ
سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ
الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ
لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ» ، قَالُوا:
فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ،
وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا
اسْتَرْعَاهُمْ» . اتَّفَقَا عَلَيْهِ [5] .
__________
[ () ] أحمد في المسند 2/ 318 بنصّه، ومسلّم (2912) في كتاب الفتن
وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ...
والترمذي (2312) في كتاب الفتن، باب ما جاء في قتال الترك.
[1] يعني: المعتق، كما في النهاية لابن الأثير.
[2] رواه النّسائي في كتاب الجهاد، غزوة الهند 6/ 42، وأحمد في المسند
2/ 229 و 369.
[3] رطب ابن طاب: نوع من تمور المدينة طيّب معروف، يقال له: رطب ابن
طاب، وتمر ابن طاب، وعذق ابن طاب، وهو منسوب إلى ابن طاب، رجل من أهل
المدينة. (انظر النهاية لابن الأثير) .
[4] في صحيحه (2270) في كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ورواه أحمد في المسند 3/ 286.
[5] أخرجه البخاري (1621) ، ومسلّم (1842) في كتاب الإمارة، باب وجوب
الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، وابن ماجة في الجهاد (2871) باب
الوفاء بالبيعة، وأحمد في المسند 2/ 297.
(1/379)
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ
الْخَشْنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً،
وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا،
وَكَائِنًا عُتُوًّا [1] وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ،
يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ وَيُنْصَرُونَ
عَلَى ذَلِكَ وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ» .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ،
عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «خَلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي
اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» . قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسَكَ
أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَعُمَرُ عَشْرًا، وعثمان اثنتي عشرة،
وَعَلِيٌّ سِتًّا. قُلْتُ لِسَفِينَةَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ
أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً، قَالَ:
كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ، يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ.
كَذَا قَالَ فِي عَلِيٍّ «سِتًّا» ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خِلَافَةُ
عَلِيٍّ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا شَهْرَيْنِ، وَإِنَّمَا تَكْمُلُ
الثَّلَاثُونَ سَنَةً بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ زَائِدَةٍ عَمَّا ذُكِرَ
لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [2] .
وَقَالَ صالح بن كيسان، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الّذي بدئ فيه، فقلت:
وا رأساه، فَقَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ،
فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ» ، فَقُلْتُ غَيْرَى: كَأَنِّي بِكَ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ عَرُوسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «بَلْ أنا وا
رأساه، ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ
كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَيَتَمَنَّى
مُتَمَنٍّ: أَنَّى، وَلَا، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا
أَبَا بَكْرٍ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَهُ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى
مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَّى، ولا [3] .
__________
[1] هكذا في نسخة دار الكتب وغيرها، وفي الأصل «عنوة» .
[2] في السنن (4646) و (4647) في كتاب السّنّة، باب في الخلفاء،
والترمذيّ في الفتن (2326) باب ما جاء في الخلافة، وأحمد في المسند 4/
273 و 5/ 44 و 50 و 404.
[3] أخرجه ابن ماجة (1465) مختصرا من طريق الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن
(1/380)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «اثْبُتْ عَلَيْكَ نَبِيٌّ
وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ
أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ
«حِرَاءَ» بَدَلَ «أُحُدٍ» ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[ () ] عائشة قالت: «رجع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وا
رأساه. فقال: «بل أنا، يا عائشة، وا رأساه» ثم قال: «ما ضرّك لو متّ
قبلي فقمت عليك فغسّلتك وكفّنتك وصلّيت عليك ودفنتك» انظر كتاب
الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة الرجل، وقال
الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناد رجاله ثقات، رواه البخاري من وجه آخر
مختصرا. ورواه أحمد في المسند 6/ 228، عن عائشة قالت: رَجَعَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم من جنازة
بالبقيع، وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه. قال: «بل أنا
وا رأساه» . قال: «ما ضرّك لو متّ قبلي فغسّلتك وكفّنتك ثم صلّيت عليك
ودفنتك» . قلت: لكنّي أو لكأنّي بك والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى
بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك. قالت: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، ثم بدئ بوجعه الّذي مات فيه.
[1] في صحيحه 4/ 197 في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن
صحب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه،
باب فضل أبي بكر بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي مناقب عمر بن
الخطاب رضي الله عنه 4/ 199، 200، ولفظه: «صعد النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله» .
قال: «أثبت أحد فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد» ، وفي مناقب
عثمان رضي الله عنه 4/ 204 ولفظه: «.. فرجف وقال: «اسكن أحد، أظنّه
ضربه برجله، فليس عليك إلّا نبيّ وصدّيق وشهيدان» ، رواه مسلّم (2417)
من طريق عبد العزيز بن محمد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، وفيه
«حراء» بدل «أحد» ، ورواه الترمذي (3697) في المناقب، باب مناقب عثمان
بن عفّان رضي الله عنه. ورواه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل
الصحابة من طريق سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ولفظه: «كنّا مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم على حراء، فتحرّك، فقال: أثبت حراء، فإنّه
ليس عليك إلّا نبيّ أو صدّيق، أو شهيد. وعليه رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، وأبو بكر، وعمر، وعليّ وعثمان» . (انظر كتابنا: من حديث خيثمة
بن سليمان- ص 95) وجامع الأصول لابن الأثير 8/ 566- 567.
(1/381)
كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ،
فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ
صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . أَبُو بَكْرٍ
صِدِّيقٌ، وَالْبَاقُونَ قَدِ اسْتُشْهِدُوا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ
خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: نَهَانَا
اللَّهُ أَنْ نُحِبَّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَجِدُنِي
أُحِبُّ الْحَمْدَ، وَنَهَانَا عَنِ الْخُيَلَاءِ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ
الْجَمَالَ، وَنَهَانَا أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ،
وَأَنَا جَهِيرُ الصَّوْتِ [2] ، فَقَالَ: «يَا ثَابِتُ أَلَا [3]
تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ
الْجَنَّةَ» ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَعَاشَ
حَمِيدًا، وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مسيلمة الكذّاب. مرسل [4] ،.
__________
[1] في صحيحه (2417/ 50/ 2) وزاد: «سعد بن أبي وقّاص» .
[2] في السّير «وأنا رجل رفيع الصوت» .
[3] في السير «أما» وكذلك في المصنّف، والمعجم الكبير.
[4] إسناده قويّ مع كونه مرسلا. (انظر فتح الباري لابن حجر 6/ 621) وقد
أخرجه مسلم (119) من طريق حمّاد، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك أنه
قال: «لما نزلت هذه الآية» : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ.. 49: 2 إلى آخر
الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، سعدَ بْنُ مُعَاذٍ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت؟ اشتكى؟
قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد، فذكر له قول
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ثابت:
أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أنّي من أرفعكم صوتا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنا من أهل النار، فذكر
ذلك سعد للنبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل هو من أهل الجنة» .
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 234 من طريق ابن شهاب، عن إسماعيل بن
محمد بن ثابت، عن أبيه، عن ثابت بن قيس. وقال: صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرّجاه بهذه
(1/382)
وَثَبَتَ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ [1] وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«أن الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ [2] أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكن التَّحْرِيشُ» [3] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4]
. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي
فَاطِمَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ
السَّلَفُ أَنَا لَكِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ [6] ، فَإِنْ
يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ
__________
[ () ] السياقة، ووافقه الذهبي. وفيه أن إسماعيل بن محمد لم يخرّج له
الشيخان ولا أحدهما.
وكذا أبوه محمد بن ثابت.
وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 321- 322، وسير أعلام النبلاء 1/ 309-
310، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف (20425) 11/ 239، والطبراني في
المعجم الكبير 2/ 66- 68 رقم 1310 و 1311 و 1312 و 1313 و 1314 و 1315.
[1] روى الطبراني في المعجم الكبير 2/ 65 رقم (1305 و (1306) أنّه قتل
يوم اليمامة وكان ذلك سنة 12 هـ.
[2] وفي رواية «يئس» وكلاهما جائز.
[3] في صحيح مسلم «ولكن في التحريش بينهم» .
والمعنى أنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن
وغيرها.
[4] في صحيحه (2812) في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش
الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأنّ مع كل إنسان قرينا. ورواه
الترمذي في كتاب البرّ 25، وأحمد في المسند 3/ 313 و 354 و 366 و 384 و
5/ 72.
[5] أخرجه البخاري 4/ 183 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام،
من حديث أطول، ومسلم (2450) في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة
بنت النبيّ عليها الصلاة والسلام، وابن ماجة (1621) في كتاب الجنائز،
باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في
المسند 6/ 240 و 282 و 383، وابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب 223 رقم 408.
[6] أي ملهمون.
(1/383)
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ
شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ يَنْطِقُ عَلَى
لِسَانِ مَلَكٍ [2] .
وَمِنْ وُجُوهٍ، عَنْ عَلِيٍّ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ
تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ [3] . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
الْمَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى
سَارِيَةَ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَصِيحُ (يَا
سَارِيَةُ [4] الْجَبَلَ) ، فَقَدِمَ رَسُولٌ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوَّنَا
فَهَزَمُونَا، فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ (يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ)
فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ،
فَقُلْنَا لِعُمَرَ: كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ [5] .
وَقَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: وَحَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ
جَابِرٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ [6] بِطُولِهِ،
وَفِيهِ: فَوَفَدَ أَهْلُ الكوفة إلى عمر، وفيهم رجل يدعى
__________
[1] في صحيحه (2398) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله
عنه، وأخرجه البخاري 4/ 200 في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برواية ابن عباس: «ما من
نبيّ ولا محدّث» ، والترمذيّ في المناقب 17، وأحمد في المسند 6/ 55.
[2] رواه ابن الجوزي في مناقب أمير المؤمنين عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ
اللَّه عنه- ص 252 ثنا طارق بن شهاب عليه. وانظر طبقات ابن سعد 3/ 369.
[3] مناقب عمر لابن الجوزي- ص 245.
[4] في الأصل «يا ساري» .
[5] مناقب عمر لابن الجوزي- ص 172- 173 في ذكر كراماته.
[6] القرني: بالفتح، نسبة إلى قرن، بطن من مراد. (انظر سير أعلام
النبلاء 4/ 20) .
(1/384)
أُوَيْسًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا هَاهُنَا
مِنَ الْقَرَنِيِّينَ أَحَدٌ؟ قَالَ: فَدُعِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ،
فَقَالَ عُمَرُ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
حَدَّثَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ،
وَلَا يَدَعُ بِهَا إِلَّا أُمًّا لَهُ، قد كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا
اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْهُ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلَّا مِثْلَ
مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ، يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، فَمَنْ لَقِيَهُ
مِنْكُمْ فَلْيَأْمُرْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
مُخْتَصَرًا [1] عَنْ رِجَالِهِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ
أَيْضًا مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [2] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ [3] ، عَنْ أُسَيْرٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَهْلُ الْيَمَنِ
جَعَلَ عُمَرُ يَسْتَقْرِئُ الرِّفَاقَ فَيَقُولُ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ
مِنْ قَرَنٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى قَرَنٍ، قَالَ: فَوَقَعَ زِمَامُ
عُمَرَ أَوْ زِمَامُ أُوَيْسٍ، فَتَنَاوَلَهُ عُمَرُ، فَعَرَفَهُ
بِالنَّعْتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أُوَيْسٌ، قَالَ:
هَلْ كَانَتْ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ كَانَ بِكَ
مِنَ الْبَيَاضِ شَيْءٌ؟ قَالَ:
نَعَمْ، دَعَوْتُ اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنِّي إِلَّا مَوْضِعَ
الدِّرْهَمِ مِنْ سُرَّتِي لِأَذْكُرَ بِهِ رَبِّي، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ
لِي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ
يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ
بَيَاضٌ» . الْحَدِيثَ [4] .
__________
[1] في صحيحه (2542) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني
رضي الله عنه.
[2] انظر صحيح مسلم 4/ 1968- 1969.
[3] في الأصل، في الموضعين «أبي نصرة» بالصاد المهملة، وهو تحريف.
[4] رواه مسلم (2542) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني
رضي الله عنه، وآخره: «فمروه فليستغفر لكم» ، ورواه أحمد في المسند 1/
38- 39، وابن سعد في الطبقات 6/ 113، والعقيلي في الضعفاء 1/ 50، وأبو
نعيم في حلية الأولياء 2/ 80، والحاكم في المستدرك 3/ 402 عن شريك، عن
يزيد بن أبي زياد، وهذا سند ضعيف من أجل شريك ويزيد، فإنّهما ضعيفان من
قبل حفظهما. وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 2/ 470- 471.
(1/385)
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ
قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَمْدَادُ الْيَمَنِ
سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى
أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ:
مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ بِكَ
بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي
عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ
مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ
إِلَّا مَوْضِعَ درهم، له والدة هو بها بر، لو أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ
لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ»
فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ:
أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى
عَامِلِهَا فَيَسْتَوْصُوا بِكَ خَيْرًا؟ فَقَالَ: لَأَنْ أَكُونَ فِي
غَبْرَاءِ [1] النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ
الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ
أُوَيْسٍ، كَيْفَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: رَثَّ الْبَيْتِ [2] قَلِيلَ
الْمَتَاعِ، قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسٌ مَعَ
أَمْدَادِ الْيَمَنِ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا
مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّهِ
لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ»
فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ أَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي،
قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي،
وَقَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَاسْتَغْفِرْ لَهُ، قَالَ فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى
وَجْهِهِ. قَالَ أُسَيْرُ بْنُ جَابِرٍ: فَكَسَوْتُهُ بُرْدًا، فَكَانَ
إِذَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذَا. رواه مسلم
بطوله [3] .
__________
[1] في حاشية الأصل «غمار. خ» إشارة إلى نسخة فيها ذلك.
[2] في الأصل «الثياب» وفوقها «البيت» ، وهذا هو لفظ مسلم.
[3] في صحيحه (2542/ 225) في كتاب فضائل الصحابة، وأشار إليه أبو نعيم
في الحلية 2/ 80، وانظر طبقات ابن سعد 6/ 161 وما بعدها، والزهد لابن
المبارك في الملحق من رواية نعيم- ص 59- 61.
(1/386)
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَمَّا
كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ [1] ، نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَصْحَابِ
مُعَاوِيَةَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ:
«أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَضَرَبَ
دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ
التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» [2] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ
شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ
فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، قَالَ:
هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، فَقُلْتُ: ذِكْرُ فِتْنَةِ الرَّجُلِ فِي
أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ
وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ
الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي
تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ
يَنَالُكَ مِنْ تِلْكَ شَيْءٌ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا
مُغْلَقًا، قَالَ: أَرَأَيْتَ الْبَابَ يُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ:
لَا، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قُلْتُ:
أَجَلْ، فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ
الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا دُونَهُ
اللَّيْلَةَ، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حديثًا ليس بالأغاليط،
فَسَأَلَهُ مَسْرُوقٌ: مَنِ الْبَابُ؟
قَالَ: عُمَرُ. أَخْرَجَاهُ [3] .
وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنِ ابْنِ المسيّب، عن أبي موسى
الأشعريّ
__________
[1] في (ع) «يوم حنين» وهو تصحيف.
[2] إسناده ضعيف، لضعف شريك ويزيد بن أبي زياد، وهو في المستدرك للحاكم
3/ 402، وحلية الأولياء لأبي نعيم 2/ 86.
[3] أخرجه البخاري 8/ 96 في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج
البحر، وفي كتاب الزكاة 2/ 119 باب الصدقة تكفّر الخطيئة، وفي كتاب
الصوم 2/ 226 باب الصوم كفّارة، وفيه لفظ «الصوم» بعد قوله «تكفّرها
الصلاة» ، وفي كتاب المناقب 4/ 174 باب علامات النبوّة في الإسلام،
ورواه مسلم (144) في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا
وسيعود غريبا، وإنه يأرز بين المسجدين، و (144/ 26) في كتاب الفتن
وأشراط الساعة، باب في الفتنة التي تموج كموج البحر، والترمذي (2359)
في كتاب الوصايا، باب رقم (61) ، وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجة
(3955) في كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن، وأحمد في المسند 5/ 386 و
401 و 405.
(1/387)
فِي حَدِيثِ الْقُفِّ [1] : فَجَاءَ
عُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى- أَوْ بَلَاءٍ-
يُصِيبُهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ الْقَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ادْعِي
لِي- أَوْ لَيْتَ عِنْدِي- رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي» ، قَالَتْ:
قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ:
عُمَرُ؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: «لَا» ،
قلت: فعثمان؟
__________
[1] القفّ: ما ارتفع من متن الأرض، وهنا جدار مبنيّ مرتفع حول البئر
كالدّكّة يمكن الجلوس عليه.
[2] رواه البخاري 8/ 96- 97 في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج
البحر. وهو بطوله عن أبي موسى الأشعريّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حائط من حوائط المدينة لحاجته
وخرجت في إثره فلما دخل الحائط جلست على بابه وقلت لأكوننّ اليوم بوّاب
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يأمرني، فذهب النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم وقضى حاجته وجلس على قفّ البئر فكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر،
فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فوقف
فجئت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا نبيّ الله، أبو بكر
يستأذن عليك. فقال «ائذن له، وبشّره بالجنّة» ، فدخل فجاء عن يمين
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر فجاء
عمر، فقلت: كما أنت، حتى أستأذن لك، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«ائذن له وبشّره بالجنة» ، فجاء عن يسار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
فكشف عن ساقيه فدلّاهما في البئر، فامتلأ القفّ فلم يكن فيه مجلس، ثم
جاء عثمان، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فقال النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم: «ائذن له وبشّره بالجنة معها بلاء يصيبه» ، فدخل فلم يجد معهم
مجلسا، فتحوّل حتى جاء مقابلهم على شفة البئر فكشف عن ساقيه ثم دلّاهما
في البئر، فجعلت أتمنّى أخا لي وأدعو الله أن يأتي. قال ابن المسيّب:
فتأوّلت ذلك قبولهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان» .
ورواه في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 196- 197 في باب
قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لو كنت متّخذا خليلا، و 4/ 201- 202
باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و 4/ 202 باب مناقب عثمان بن
عفان رضي الله عنه، و 7/ 123 في كتاب الأدب، باب نكت العود في الماء
والطين، ومسلم (2403) في فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان
رضي الله عنه، والترمذي (3711) في المناقب، باب رقم (61) ، ورواه خيثمة
بن سليمان في فضائل الصحابة- ج 3 (انظر كتابنا: من حديث خيثمة بن
سليمان الأطرابلسي- ص 97 وما بعدها) .
(1/388)
قال: «نعم» ، نقالت: فَجَاءَ عُثْمَانُ
فَقَالَ: قُومِي، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَى عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟
قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا، فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ،
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ- فِيهِ جَهَالَةٌ- عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ رَأْسِ خَمْسٍ أَوْ
سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ،
وَإِلَّا تُرُوخِي عَنْهُمْ سَبْعِينَ سَنَةً» ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ هذا أو من مُسْتَقْبَلِهِ؟ قَالَ: «مِنْ
مُسْتَقْبَلِهِ» [2] . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَتْ عَائِشَةُ بَعْضَ دِيَارِ بَنِي
عَامِرٍ، نَبَحَتْ عَلَيْهَا كلاب الحوأب [3] ، فقالت: أيّ ماء هذا؟
قالوا: الحوأب، قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَيْفَ
بإحداكنّ إذا نبحتها كلاب الحوأب» . فَقَالَ الزُّبَيْرُ: تَقَدَّمِي
لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ [4] .
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، تَكُونُ
بَيْنَهُمَا مقتلة
__________
[1] أخرجه الترمذي في السنن 5/ 295 في الفضائل (3795) وقال: هذا حديث
حسن صحيح لا نعرفه إلّا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وابن ماجة، وفي
المقدّمة 54، والحاكم في المستدرك 3/ 99، وابن سعد في الطبقات 3/ 66-
67، والبيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، ترجمة عثمان
بن عفان رضي الله عنه- تحقيق سكينة الشهابي- ص 282- 283.
[2] رواه أبو داود في الفتن (4254) باب ذكر الفتن ودلائلها، وفيه
«أممّا بقي أو ممّا مضى» بدل «أمن هذا أو من مستقبله» وأحمد في المسند
1/ 390 و 393.
[3] الحوأب: بزيادة همزة بين الواو والباء. قال ابن الأنباري في الزاهر
2/ 34- 35 «حوب» .
وهو ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها (معجم ما استعجم 2/ 472) .
[4] رواه أحمد في المسند 6/ 52 و 97، وانظر كنز العمال 5/ 444- 445.
(1/389)
عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ [2] .
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ سِتِّينَ
أَلْفًا، فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا،
فقتل منهم أربعون ألفا، وذلك يوم صفين [3] .
وقال شعبة: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
__________
[1] في كتاب الفتن 8/ 101 باب خروج النار، والحديث طويل نصّه: «عَن
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكن
بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة وحتى يبعث دجّالون كذّابون قريب من
ثلاثين كلّهم يزعم أنّه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل
ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم
المال فيفيض حتى يهمّ ربّ المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الّذي
يعرضه عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمرّ
الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها،
فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم
تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومنّ الساعة وقد انصرف
الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي
فيه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» .
ورواه مسلم (157) في الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان
بسيفيهما، بمثل ما هنا، ولكن من طريق معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي
هريرة، ورواه أحمد في المسند 2/ 313 و 530 و 3/ 95.
[2] انظر الملحوظة السابقة.
[3] اختلفت الروايات في رقم قوات علي وقوات معاوية، وفي قتلى الفريقين.
فقال ابن سيرين «بلغ قتلى صفّين سبعين ألفا» (تاريخ خليفة 196) وقال
أبو بكر بن أبي شيبة: «انفضّت وقعة صفّين عن سبعين ألف قتيل، خمسين
ألفا من أهل الشام، وعشرين ألفا من أهل العراق» (العقد الفريد 4/ 343)
وقال إن معاوية خرج من الشام في بضع وثمانين ألفا.
وعليّ من الكوفة في خمسة وتسعين ألفا. (4/ 337) وقال المسعودي إن
المتّفق عليه من قول الجميع أن مقدار جيش عليّ كان تسعون ألفا، وجيش
معاوية خمس وثمانون ألفا.
(مروج الذهب 2/ 384) وانظر 404 و 405.
(1/390)
حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي-
يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [1] .
وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ [2]
.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عن الميسور بْنِ
مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ:
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نَقْرَأُ: جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهَادِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا جَاهَدْتُمْ فِي أَوَّلِهِ!
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: إِذَا كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ الْأُمَرَاءَ وَبَنُو
الْمُغِيرَةِ الْوُزَرَاءَ. رَوَاهُ الرَّمَادِيُّ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ
فِرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ
بِالْحَقِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ [4] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي هُوَ بِالْيَمَنِ-
بِذَهَبٍ [5] فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ
الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْكِلَابِيِّ،
وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وزيد الخيل [6]
__________
[1] أخرجه مسلم (2915) في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا
الخلصة ...
وأحمد في المسند 3/ 5، وابن سعد في الطبقات 3/ 252- 253، والحافظ في
سير أعلام النبلاء 1/ 420، ويروى الحديث من طرق كثيرة. انظر: معجم
الشيوخ لابن جميع الصيداوي- بتحقيقنا- ص 283- 284 المتن والحاشية.
[2] في صحيحه (2916) في كتاب الفتن، في الباب نفسه.
[3] في صحيحه (1064) (152) في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
[4] نعم: بضم النون وإسكان العين. (تقريب التهذيب 1/ 500 رقم 1136) .
[5] في صحيح مسلم «بذهبة» .
[6] وفي صحيح مسلم «زيد الخير» وكلاهما صحيح ومشهور.
(1/391)
الطَّائِيِّ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ
وَالْأَنْصَارُ وَقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ
وَيَدَعُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أُعْطِيهِمْ أَتَأَلَّفُهُمْ» ، فَقَامَ رَجُلٌ
غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشْرِفُ
الْوَجْنَتَيْنِ، ناتىء الْجَبِينِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا
تَأْمَنُونِي» ؟
فَاسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ [1] ، فَأَبَى ثُمَّ قَالَ:
«يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ [2] هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لا
يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ
الْأَوْثَانِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ
قَتْلَ عَادٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] ، وَلِلْبُخَارِيِّ بِمَعْنَاهُ
[4] . الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ،
وَالضَّحَّاكُ، يَعْنِي الْمشرفي [5] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ
ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ [6] وَمَنْ
يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» [7] . فَقَامَ عُمَرُ فقال: يَا رَسُولَ
اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قال: «لا، [8] إنّ له
أصحابنا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم،
__________
[1] في صحيح مسلم «يرون أنه خالد بن الوليد» .
[2] أي من نسله وعقبه.
[3] في صحيحه (1064) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
[4] في صحيحه 8/ 178 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ.. 70: 4، وهو عند أبي داود (4764)
في كتاب السّنّة، باب في قتال الخوارج، وأحمد في المسند 3/ 68 و 73 و
166 و 176 و 275، والنسائي 5/ 87 في كتاب الزكاة، باب المؤلّفة قلوبهم،
وفي كتاب التحريم 7/ 117- 121 في حديث طويل، باب من شهر سيفه ثم وضعه
في الناس.
[5] بكسر الميم وسكون الشين وفتح الراء، وفي آخرها الفاء. نسبة إلى
مشرف، وهو بطن من همدان. (اللباب 3/ 216) وقد تحرّفت في طبعة القدسي 2/
276 إلى «المشرقي» بالقاف.
[6] في صحيح البخاري «ويلك» .
[7] في صحيح البخاري زيادة هنا «قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل» .
[8] في صحيح البخاري، «دعه» بدل «لا» .
(1/392)
وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ [1] ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ،
يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ
إِلَى رِصَافِهِ [2] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى
نَضِيِّهِ [3] فَلَا [4] يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى
قُذَذِهِ [5] فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ [6] آيَتُهُمْ رَجُلٌ
أَدْعَجُ [7] إِحْدَى يَدَيْهِ [8] مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ
مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ [9] . [10] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:
أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى وَأُتِيَ
بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [11] . وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ [12] قَالَ: ذَكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَقَالَ: فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ الْيَدِ
أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ [13] الْيَدِ، لَوْلَا أَنْ
تَبْطَرُوا لَنَبَّأْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الذين يقاتلونهم على
لسان
__________
[1] في صحيح البخاري زيادة هنا «يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم» .
[2] الرصاف: عقب يلوى على مدخل النصل فيه.
[3] النّضي: نصل السهم.
[4] في صحيح البخاري زيادة هنا «وهو قدحه» .
[5] القذذ: بضم القاف وفتح الدال. آذان السهم، فله ثلاث قذذ، وهي
الرّيش. (تاج العروس 9/ 456) .
[6] في صحيح البخاري هنا زيادة «قد سبق الفرث والدم» .
[7] في صحيح البخاري «أسود» بدل «أدعج» .
[8] في صحيح البخاري «عضديه» بدل «يديه» .
[9] أي ترجرج وتضطرب.
[10] في كتاب المناقب 4/ 179 باب علامات النبوّة في الإسلام، و 6/ 115
في كتاب فضائل القرآن، باب من رأى بقراءة القرآن تأكّل به أو فخر به، و
7/ 111 في كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، و 8/ 178 في كتاب
التوحيد، باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه.. و 8/ 218 في
باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم.
[11] في صحيح البخاري هنا زيادة «ويخرجون على حين فرقة من الناس» .
[12] بفتح العين.
[13] ناقص اليد. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) .
(1/393)
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْوَضِيِّ السُّحَيْمِيِّ
قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ، فَقَالَ لَنَا:
الْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَوْهُ
فَقَالَ: ارْجِعُوا فالتمسوا المخدج، فو الله مَا كُذِبْتُ وَلَا
كَذَبْتُ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَرَجَعُوا فَقَالُوا: قَدْ
وَجَدْنَاهُ تَحْتَ الْقَتْلَى فِي الطِّينِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَيْهِ حَبَشِيًّا، لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، عَلَيْهِ
شُعَيْرَاتٌ كَالشُّعَيْرَاتِ الَّتِي عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ،
فَسُرَّ بِذَلِكَ عَلِيٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي
«مُسْنَدِهِ» . وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى
عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَقَالَ:
لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، وَلَكِنِّي
مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى هَذِهِ تَخْضِبُ هَذِهِ- وَأَشَارَ
بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ- عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ،
وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [2] . وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عُقَيْلٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ-
وَكَانَ أَبُوهُ بَدْرِيًّا- قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا
لِعَلِيٍّ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ ثِقْلٌ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي:
ما يقيمك
__________
[1] في صحيحه (1066/ 155) في كتاب الزكاة، باب التحريض على قتل
الخوارج، وأخرجه أبو داود (4763) في كتاب السّنّة، باب في قتال
الخوارج، وابن ماجة (167) في المقدّمة، باب في ذكر الخوارج، وأحمد في
المسند 1/ 83 و 95 و 113 و 121 و 144 و 155، والمغازلي في مناقب أمير
المؤمنين علي، ص 259 رقم 462.
[2] رواه المغازلي في حديث طويل، في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب، ص 251- 258 رقم 460 من طريق داود بن الفضل، عن الأسود بن رزين،
عن عبيدة بن بشر الخثعميّ، عن أبيه.
(1/394)
بِمَنْزِلِكَ هَذَا، لَوْ أَصَابَكَ
أَجَلُكَ لَمْ يَلِكَ إِلَّا أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ! تُحْمَلُ إِلَى
الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ
وَصَلُّوا عَلَيْكَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إليّ أنّي لا أموت حتى أومّر، ثُمَّ تُخْضَبُ
هَذِهِ مِنْ دَمِ هَذِهِ- يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ هَامَتِهِ-
فَقُتِلَ، وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ
بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا
سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ دُونَ
(عَظِيمَتَيْنِ) [1] . وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى
عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهُوَ بِسَاحِلِ حِمْصٍ، وَهُوَ فِي
بِنَاءٍ لَهُ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ:
فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا
[2] » . قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: يَا رَسُولَ الله أَنَا فِيهِمْ؟
قَالَ: «أَنْتِ فِيهِمْ» ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي
يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» ، قَالَتْ أُمُّ
حَرَامٍ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا» .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . فيه إخباره عليه السلام أنّ
__________
[1] صحيح البخاري 8/ 98- 99 في كتاب الفتن، باب قول النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم للحسن بن علي إنّ ابني هذا لسيّد وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ
يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ من المسلمين، وفي كتاب الصلح 3/ 169-
170 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للحسن بن عليّ رضي الله عنهما
ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ به بين فئتين
عظيمتين.. وفي كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 216
باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وفي كتاب المناقب 4/ 184 باب
علامات النبوّة في الإسلام، وأخرجه أبو داود في كتاب السّنّة (4662) ،
والترمذي في المناقب (3862) ، والنسائي في كتاب الجمعة 3/ 107 باب
مخاطبة الإمام رعيّته وهو على المنبر، وأحمد في المسند 5/ 38 و 42 و 44
و 51.
[2] أي وجبت لهم الجنة، على ما في (النهاية لابن الأثير) .
[3] في كتاب الجهاد والسير 3/ 201 باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال
والنساء، و 3/ 203 باب
(1/395)
أُمَّتَهُ يَغْزُونَ الْبَحْرَ،
وَيَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا دَجَّالًا كُلُّهُمْ
يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] ، واتّفقا عليه من
حديث أبي هريرة [2] .
__________
[ () ] فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم، و 3/ 221 باب غزو
المرأة في البحر، و 3/ 225 باب ركوب البحر، وكتاب الاستئذان 7/ 140 باب
من زار قوما فقال عندهم، وكتاب التعبير 8/ 73 باب الرؤيا بالنهار،
ومسلم (1912) في كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر، ومالك في
الموطّأ 2/ 464- 465 في الجهاد، باب الترغيب في الجهاد، وأبو داود
(2490 و 2491 و 2492) في الجهاد، باب فضل الغزو في البحر، والترمذي
(1645) في فضائل الجهاد، باب ما جاء في غزو البحر، والنسائي 6/ 40 و 41
في الجهاد، باب فضل الجهاد في البحر، وأحمد في المسند 6/ 361 و 423،
وانظر جامع الأصول 9/ 149 و 150 وطبقات ابن سعد 8/ 435.
والحديث بسنده ونصّه في: حلية الأولياء 2/ 61، وتاريخ دمشق (تراجم
النساء) تحقيق سكينة الشهابي 486، ومسند الشاميين للطبراني.
وقد اختلف في مكان وفاة أم حرام، فقيل في جزيرة قبرص- وهو الأشهر- وقيل
في جزيرة رودس، وقيل في ساحل الشام بعد عودتها من غزو البحر، فدفنت في
بيروت بمدفن الباشورة. وكانت مدفونة في مدفن الخارجة ثم نقلت. انظر:
تاريخ بيروت وأمراء بني بحتر لصالح بن يحيى- ص 14، دروس التاريخ
الإسلامي لمحيي الدين الخياط البيروتي، تاريخ خليفة بن خياط 160، ربيع
الأبرار للزمخشري 1/ 240، طبقات ابن سعد 8/ 434، تاريخ الطبري 4/ 258،
حلية الأولياء 2/ 61، تاريخ دمشق (تراجم النساء) 486- 496، التمهيد لما
في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البرّ 1/ 142 طبعة الرباط.
[1] في صحيحه (2923) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة
حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت، من البلاء.
[2] أخرجه البخاري 4/ 178 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام،
وفي أوّله: «عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم قال: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة
دعواهما والله، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجّالون كذّابون قريبا من
ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله» ، و 8/ 101 في كتاب الفتن، باب خروج،
النار، من حديث طويل، ومسلم (157/ 84) ج 4/ 2240 في كتاب الفتن وأشراط
الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل.. والترمذي
(2315) في كتاب الفتن، باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذّابون،
وأحمد في المسند 2/ 237 و 313 و 530.
(1/396)
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ
أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي
بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ: أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ
كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ،
وَأَمَّا الْمُبِيرُ [1] فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ. أخرجه مسلم
[2] ، تعني بالكذّاب المختار بن أبي عُبَيْدٍ [3] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمِ
الْجَزَرِيِّ، ثنا الْأَحْوَصُ بْنُ الْحَكِيمِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ
يُقَالُ لَهُ وَهْبٌ، يَهَبُ اللَّهُ لَهُ الْحِكْمَةَ، وَرَجُلٌ
يُقَالُ له غيلان، وهو أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ» .
مَرْوَانُ ضَعِيفٌ [4] .
__________
[1] أي المهلك الّذي يسرف في إهلاك الناس. (النهاية في غريب الحديث
لابن الأثير) .
[2] في صحيحه (2545) من حديث طويل، في كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر
كذاب ثقيف ومبيرها.
[3] هو الثقفي. انظر عنه في الكذب وادّعاء النبوّة (المعرفة والتاريخ
للفسوي 31- 32) .
[4] هو مروان بن سالم الغفاريّ الشامي الجزري القرقيسيائي، أبو عبد
الله، يروي عن صفوان بن عمرو. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ
أَبِيهِ: لَيْسَ بثقة، وقال العقيلي والنسائي كذلك، وقال النسائي في
موضع آخر: متروك الحديث، وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث، وقال ابن
أبي حاتم عن أبيه: منكر الحديث جدا، ضعيف الحديث ليس له حديث قائم،
قلت: يترك حديثه؟ قال: لا، يكتب حديثه، وقال أبو عروبة الحرّاني كان
يضع الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم، وقال ابن عديّ:
عامّة حديثه لا يتابعه عليه الثقات. وقال ابن حبّان: يروي المناكير عن
المشاهير ويأتي عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات، فلما كثر ذلك في
روايته بطل الاحتجاج، بأخباره، وقال السّاجي: كذّاب يضع الحديث، وقال
العقيلي أيضا: أحاديثه مناكير. وقال البغوي: منكر الحديث لا يحتجّ
بروايته ولا يكتب أهل العلم حديثه إلّا للمعرفة. وقال أبو نعيم: منكر
الحديث.
انظر عنه: التاريخ الكبير 7/ 373 رقم 1602، التاريخ الصغير 185،
الضعفاء الصغير 277 رقم 353، الضعفاء والمتروكين للنسائي 304 رقم 558،
الجرح والتعديل 8/ 274- 275 رقم 1255، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ
164 رقم 529، المجروحين لابن حبّان 3/ 13، الضعفاء الكبير 4/ 204 رقم
1787، الكامل لابن عديّ 6/ 2380، 2381، الكاشف 3/ 116- 117 رقم 5463،
المغني في الضعفاء 2/ 651 رقم 6164، ميزان الاعتدال 4/ 90- 91 رقم
8425، تهذيب التهذيب 10/ 93- 94 رقم 171، تقريب التهذيب 2/ 239 رقم
1020، المعرفة والتاريخ 3/ 42 و 50.
أمّا الحديث، فهو في: الضعفاء للعقيليّ، والكامل لابن عديّ، وميزان
الاعتدال للحافظ.
(1/397)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أنا أَبُو
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ
مَوْتِهِ بِشَهْرٍ يَقُولُ: «تَسْأَلُونَ [1] عَنِ السَّاعَةِ،
وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَأُقْسِمُ باللَّه، مَا عَلَى
ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا
مِائَةُ سَنَةٍ» [2] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ
سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثَمَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى
بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ
الْعِشَاءِ لَيْلَةً في آخر حياته، فلمّا سلّم قال فَقَالَ:
«أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ
سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ
الْأَرْضِ أَحَدٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
فَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ
فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ
مَلِيحًا مُقَصَّدًا [5] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .
وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ تُوُفِّيَ سنة عشر
ومائة [7] .
__________
[1] كذا في الأصل، وفي صحيح مسلم «تسألوني» .
[2] زاد في رواية «وهي حيّة يومئذ» .
[3] في صحيحه (2538) في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلّى الله عليه
وسلّم: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم.
[4] أخرجه مسلم (2537) في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلّى الله عليه
وسلّم: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم.
[5] أي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم، كأنّ خلقه نحى به القصد من
الأمور، والمعتدل الّذي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط. (انظر:
النهاية لابن الأثير) .
[6] في صحيحه (2340) في كتاب الفضائل الصحابة، باب كان النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم أبيض مليح الوجه، ورواه أحمد في المسند 5/ 454، وابن
عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 203.
[7] هو عامر بن واثلة اللّيثي، يقال إنه آخر من مات ممّن رأى النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم، وقد روى عنه نحو أربعة أحاديث. انظر عنه: الوافي
بالوفيات للصفدي 16/ 584- 585 رقم 623 ففيه مصادر ترجمته، وكذلك سير
أعلام النبلاء 3/ 467 رقم 97.
(1/398)
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُسْرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهُ: «يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا» ، قَالَ: فَعَاشَ مِائَةَ
سَنَةٍ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ [1] ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ:
نا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ غُلَامٌ،
فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ،
غَيِّرُوا اسْمَهُ- فَسَمُّوهُ عَبْدَ اللَّهِ- فَإِنَّهُ سَيَكُونُ
فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ، هُوَ شَرٌّ
لِأُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ» . هَذَا ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ، وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ [2] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي
الْعَاصِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا [3] ،
وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا» . غَرِيبٌ،
وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثِينَ رَجُلًا» [4] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ الْأَحْمَرُ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي
هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ
__________
[1] في نسخة دار الكتب «بكير» ، وهو تصحيف.
[2] انظر في ذلك كتاب المراسيل لابن أبي حاتم الرازيّ 71 رقم 114،
وجامع التحصيل في أحكام المراسيل لابن كيكلدي 44- 47 و 223- 224 رقم
244.
[3] أي يخدعون به الناس. وفي رواية «دخلا» .
[4] الحديث في المسند لأحمد 3/ 80 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَلَغَ
بَنُو أبي فلان ثَلاثِينَ رَجُلا اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلا،
وَدِينَ الله دخلا، وعباد الله خولا» .
ورواه الحاكم في المستدرك 4/ 480.
(1/399)
أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ
طَلْحَةَ النَّصْرِيِّ [1] قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا،
وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ
عَرِيفٌ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ
الصُّفَّةَ، فَنَزَلْتُ الصُّفَّةَ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُرَافِقُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ
مُدًّا مِنْ تَمْرٍ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَلَاتِهِ، إِذْ نَادَاهُ رجل
فقال: يا رسول الله أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ، وَتَخَرَّقَتْ
عَنَّا الْخُنُفُ [2] قَالَ: وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَا
لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَصَاحِبِي،
ومكثنا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَا لَنَا طَعَامٌ غَيْرُ الْبَرِيرِ-
وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ- حَتَّى أَتَيْنَا إِخْوَانَنَا مِنَ
الْأَنْصَارِ، فَآسَوْنَا مِنْ طَعَامِهِمْ، وَكَانَ جُلَّ طَعَامِهِمُ
التَّمْرُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ قَدِرْتُ لَكُمْ
عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ، وَسَيَأْتِي
عَلَيْكُمْ زَمَانٌ أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، تَلْبَسُونَ
أَمْثَالَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيُغْدَى وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ
بِالْجِفَانِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ
خَيْرٌ أَمِ الْيَوْمَ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ،
أَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَانٌ، وَأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ بعضكم
رقاب بعض» [3] .
__________
[1] هو طلحة بن عمرو النّصري، ويقال فيه طلحة بن عبد الله. ووقع
التصحيف في نسبته، فقيل «النضري» كما في الاستيعاب، وقيل «البصري» كما
في الإصابة وغيره، وقيل «النضري» بالضاد المعجمة، كما في الوافي
بالوفيات وغيره.
انظر عنه: طبقات ابن سعد 7/ 51 وفيه «النّضري» ، وطبقات خليفة 55 و
183، والتاريخ الكبير 4/ 344 رقم 3070، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1/
277، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4/ 472 رقم 2073، والاستيعاب 2/
225 وفيه النضري، والمعجم الكبير للطبراني 8/ 371، وحلية الأولياء لأبي
نعيم 1/ 374 رقم 83 وفيه «البصري» ، وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 62،
والوافي بالوفيات للصفدي 16/ 478 رقم 7515 وفيه «النضري» ، والإصابة
لابن حجر 2/ 231 رقم 4270 وفيه «البصري» ، والصواب ما أثبته ابن حجر
في: تبصير المنتبه بتحرير المشتبه 1/ 156 من أنه «النّصري» بالنون،
والصاد المهملة.
[2] الخنف: جمع خنيف من نسج مشاقة الكتان. (كتبت على حاشية الأصل) وفي
النهاية لابن الأثير: أراد ثيابا تعمل منه كانوا يلبسونها. وهي من نوع
غليظ من أردأ الكتّان. وعرّفها أبو نعيم في الحلية بأنها برود شبه
اليمانية.
[3] أخرجه أحمد في المسند 3/ 487 ونسبه إلى رجل يسمّى طلحة وقال: ليس
هو بطلحة بن
(1/400)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ
الْفِرْيَابِيُّ: ذَكَرَ سُفْيَانُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي مُوسَى يُحَنِّسَ [1] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ [2]
وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
حَدِيثٌ مرسل [3] .
__________
[ () ] عبيد الله رضي الله عنه. وهو بالسند المذكور، ولكن اللفظ مختلف،
وهو «.. عن أبي حرب أن طلحة حدّثه- وكان مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أتيت المدينة وليس
لي بها معرفة، فنزلت في الصّفّة مع رجل، فكان بيني وبينه كل يوم مدّ من
تمر، فصلّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ
يوم، فلما انصرف قال رجل من أصحاب الصّفّة: يا رسول الله أحرق بطوننا
التمر وتخرّقت عنّا الخنف، فصعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب
ثم قال: والله لو وجدت خبزا أو لحما لأطعمتكموه، أما أنكم توشكون أن
تدركوا، ومن أدرك ذلك منكم أن يراح عليكم بالجفان وتلبسون مثل أستار
الكعبة، قال: فمكثت أنا وصاحبي ثمانية عشر يوما وليلة، ما لنا طعام
إلّا البرير، حتى جئنا إلى إخواننا من الأنصار فواسونا، وكان خير ما
أصبنا هذا التمر» .
ورواه بطوله الفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 277- 278، وأخرج معظمه:
الطبراني في المعجم الكبير 8/ 371 رقم 8160، وأبو نعيم في حلية
الأولياء 1/ 374- 375 رقم 83، والإصابة لابن حجر 2/ 231 رقم 4270،
وأشار إليه ابن سعد في الطبقات 7/ 51، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد
10/ 322- 323 وقال رواه البزّار بنحوه.
[1] مهمل من النّقط في نسخة دار الكتب، والتصحيح من الأصل.
[2] مشية فيها تبختر ومدّ اليدين. (انظر مجمع البحار 12 وفيض القدير 1/
445) .
[3] أخرجه الترمذي في كتاب الفتن (2363) باب الوصايا رقم 64 عن موسى بن
عبد الرحمن الكندي، عن زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن
دينار، عن ابن عمر.
ولفظه: «.. وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم، سلّط شرارها على
خيارها» . وقال:
هذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري. وذكر
الترمذي في رقم (2364) : «حدّثنا بذلك محمد بن إسماعيل الواسطي، أخبرنا
أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن
عمر، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوه. ولا يعرف لحديث أبي معاوية،
عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أصل، إنّما المعروف
حديث موسى بن عبيدة، وقد روى مالك بن أنس هنا الحديث عن يحيى بن سعيد
مرسلا، ولم يذكر فيه: عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر» .
وأخرجه ابن المبارك في الزهد- انظر ما رواه نعيم بن حمّاد زائدا على ما
رواه المروزي عن ابن المبارك، في آخر الكتاب، ص 52 رقم 187 من طريق
موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. بلفظ «وخدمتهم أبناء
الملوك» و «سلّط الله شرارها» ،
(1/401)
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ
عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَنَاجَى رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ
قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَةً: سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ
أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ
أُمَّتِي بِالسَّنَةِ [1] فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا
يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» . رَوَاهُ مسلم [2] .
وقال أيوب، عن أبي قلابة، عن أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ
زَوَى [3] لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا،
وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ [4] مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا [5] ،
وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي
سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ،
وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ
فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ [6] ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: يَا
مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا [7] قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ [8] لَا
يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ
بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ
سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو
__________
[ () ] وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4/ 162، وابن عديّ في الكامل
في الضعفاء 6/ 2335، وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان 1/ 308، وللحديث
شاهد من حديث أبي هريرة، أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 237 وقال:
رواه الطبراني في «الأوسط» ، وإسناده حسن.
وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 2/ 679- 681.
[1] السّنة: القحط والجدب.
[2] في صحيحه (2890) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمّة
بعضهم ببعض.
[3] بمعنى جمع.
[4] اللفظ عند مسلم: «وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي» .
[5] إلى هنا رواية الشهاب القضاعي في مسندة 2/ 166، 167 رقم 706.
[6] أي جماعتهم وأصلهم، والبيضة هنا: موضع السلطان والعزّ والملك.
[7] هنا اضطراب في النص عند ابن الملا في المنتقى.
[8] إضافة على الأصل من صحيح مسلم.
(1/402)
اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ
أَقْطَارِهَا [1] حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا،
وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا» [2] [3] .
وَقَالَ: إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ.
وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ [4]
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي
بِالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ [5] ، وَإِنَّهُ
سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ
أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنِّي [6] خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ
بَعْدِي.
وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ [7] حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ
تَعَالَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [8] . وَقَالَ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجُ» . قِيلَ: وَمَا
__________
[1] في صحيح مسلم «من بأقطارها، أو قال: من بين أقطارها» .
[2] اللفظ عند مسلم «حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا» .
[3] إلى هنا ينتهي الحديث عند مسلم (2889) في كتاب الفتن وأشراط
الساعة، باب هلاك هذه الأمّة بعضهم ببعض، ورواه الترمذي (2267) في كتاب
الفتن.
[4] عند أبي داود «عنها» .
[5] اللفظ عند أبي داود «وحتى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان» .
[6] عند أبي داود «وأنا» .
[7] عند أبي داود «خالفهم» .
[8] الصحيح: «رواه أبو داود» ، فقد انتهت رواية مسلم عند قوله: «وبعضهم
يقتل بعضا» .
انظر: سنن أبي داود (4252) في كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن
ودلائلها. وأخرج الترمذي قسما منه (2316) في الفتن، باب لا تقوم الساعة
حتى تخرج نار من قبل الحجاز، وابن ماجة، رقم 2952، وأحمد في المسند 4/
123 من حديث شداد بن أوس، و 5/ 278 و 284 من حديث ثوبان، وانظر: سلسلة
الأحاديث الصحيحة للألباني 1/ 7 رقم (2) .
(1/403)
الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ» ، قَالُوا:
أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ
الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ بِقَتْلِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» . قَالُوا:
وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ عُقُولُنَا؟ قَالَ:
«إِنَّهُ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ،
وَيَخْلُفُ لَهُمْ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ
أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ» [1] . وَقَالَ
سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ
كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، وَيَضْرِبُونَ النّاس، ونساء كاسيات عاريات
مميلات مائلات، ورءوسهنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ [2] الْمَائِلَةِ، لَا
يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ
مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ أَبُو
عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ
الْأُمَمُ، كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» ، فَقَالَ
قَائِلٌ: أَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ
يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ،
وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ
مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ» ، فَقَالَ
قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ
الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» .
__________
[1] أخرجه مسلم مختصرا (2672) في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه،
وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، و (157/ 18) في كتاب الفتن وأشراط
الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، والترمذي (2296) في كتاب
الفتن، باب ما جاء في الهرج، وابن ماجة بنحوه في كتاب الفتن (3959) باب
التثبّت في الفتنة، و (4047) باب أشراط الساعة، و (4051) باب ذهاب
القرآن والعلم، والدارميّ في المناسك، باب رقم 72، وأحمد 1/ 389 و 3/
257 و 261 و 371 و 382 و 519 و 525 و 536 و 539 و 541 و 4/ 405.
[2] قال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية، أعجميّ معرّب. وهي
الإبل الخراسانية.
[3] في صحيحه (2128) في كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات
العاريات المائلات المميلات، و (2128) في كتاب الجنة وصفة نعيمها
وأهلها، باب النار يدخلها الجبّارون، والجنّة يدخلها الضعفاء.
(1/404)
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، ثنا أَبُو عَبْدِ
السَّلَامِ [1] . وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ: نا أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى
أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي، أَحَبُّ
إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
[2] . وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ [3] .
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْحَرَازِيُّ [4] ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا فِي
دِينِهِمْ عَلَى اثنتين وسبعين ملّة، كلّها فِي النَّارِ إِلَّا
وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [5] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ
الْجَهْلُ، وَتُشْرَبَ الخمر، ويظهر الزّنا» [6] . متّفق عليه [7] .
__________
[1] سنن أبي داود 4/ 111 رقم (4297) في كتاب الملاحم، باب في تداعي
الأمم على الإسلام، وأحمد 2/ 359 و 5/ 278.
[2] في صحيحه (2364) في كتاب الفضائل، باب فضل النظر إليه صلّى الله
عليه وسلّم وتمنّيه.
وأضاف مسلم: قال أبو إسحاق: المعنى فيه عندي، لأن يراني معهم أحبّ إليه
من أهله وماله. وهو عندي مقدّم ومؤخّر.
[3] في صحيحه 4/ 175 كتاب المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام.
[4] الحرازي: بفتح الحاء والراء المخفّفة، نسبة إلى حراز بن عوف.. بطن
من ذي الكلاع.
(الأنساب للسمعاني) .
[5] في سننه (4597) كتاب السّنّة، باب شرح السّنّة، والدارميّ في
السير، باب رقم 75، والدارميّ 2/ 241، وأحمد 4/ 102، والحاكم في
المستدرك 1/ 128، وابن ماجة 2/ 480.
[6] في الأصل وطبعة القدسي 2/ 284 «الزنى» .
[7] أخرجه البخاري 1/ 28 في كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل،
وفي كتاب الحدود والمحاربين 8/ 20 باب إثم الزّناة وقول الله تعالى:
ولا يزنون، وفي كتاب النكاح 6/ 158 باب
(1/405)
وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ
انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ
بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ
رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ،
فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ كَثِيرُ النّواء [2] ، عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ، هُمْ بَرَاءٌ
مِنَ الْإِسْلَامِ» . كَثِيرٌ ضَعِيفٌ تفرّد به [3] .
__________
[ () ] يقلّ الرجال ويكثر النساء، وفي كتاب الأشربة 6/ 241 باب وقول
الله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ
وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 5: 90، ومسلم (2671) في كتاب العلم، باب رفع
العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان، والترمذي في الفتن
(2301) في باب ما جاء في أشراط الساعة، وابن ماجة (4045) في كتاب
الفتن، باب أشراط الساعة، وأحمد 3/ 151 و 176 و 303 و 213 و 273 و 289.
[1] أخرجه البخاري في العلم 1/ 33- 34 باب كيف يقبض العلم، وفي كتاب
الاعتصام 8/ 148 باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلّف القياس.. ومسلم
(2673) في العلم، باب رفع العلم وقبضه، والطبراني في المعجم الصغير 1/
165، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) 200 رقم 156 و 208
رقم 164 و 283 رقم 241 و 343 رقم 324، والترمذي في العلم (2790) باب ما
جاء في ذهاب العلم، وقال: وفي الباب عن عائشة وزياد بن لبيد.
وأضاف: هذا حديث حسن صحيح. وقد روى هذا الحديث الزهري عن عروة، عن عبد
الله بن عمرو، وعن عروة عن عائشة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل
هذا، وابن ماجة في المقدّمة (52) باب اجتناب الرأي والقياس، والدارميّ
في المقدّمة باب رقم 26، وأحمد 2/ 162 و 190.
[2] وأبو إسماعيل الكوفي، مولى بني تيم الله.
[3] قال النسائي: ضعيف، واتّهمه الجوزجاني بالزّيغ، وقال ابن أبي حاتم
عن أبيه: ضعيف الحديث، وقال ابن عديّ: غاليا في التشيّع مفرطا فيه،
فيما قال العجليّ: لا بأس به، وذكره ابن حبّان في الثقات، وروى محمد بن
بشر فقال: لم يمت كثير النوّاء حتى رجع عن التشيّع.
انظر عنه: كتاب التاريخ الكبير 7/ 215 رقم 934، والضعفاء والمتروكين
303 رقم 507، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 50 رقم 27، والجرح والتعديل 7/
159- 160 رقم 895، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2086- 2087،
والكاشف 3/ 3 رقم 4696، والمغني في الضعفاء 2/ 531 رقم 5091، وميزان
الاعتدال 3/ 402 رقم 6930، وتهذيب
(1/406)
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو
حَمْزَةَ، نا زَهْدَمٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ بَعْدَهُمْ يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ،
وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوَفُّونَ،
وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالضَّعِيفَةُ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا
يَكُونُ بَعْدَهُ كَثِيرَةٌ إِلَى الْغَايَةِ، اقْتَصَرْنَا عَلَى
هَذَا الْقَدْرِ مِنْهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا
فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ
الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يُؤَيِّدَنَا بِرُوحٍ مِنْهُ [2] .
بَابٌ جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ
الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ
بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ: قَالُوا: هَذَا كَانَ
يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ
اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ
الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا
لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى
وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أنس قال: كان
رجل نصرانيّا
__________
[ () ] التهذيب 8/ 411 رقم 735، وتقريب التهذيب 2/ 131 رقم 3 والحديث
في: الكامل في ضعفاء الرجال 6/ 2087، وميزان الاعتدال 3/ 402 رقم 6930.
[1] في صحيحه (2535) في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين
يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأبو داود في كتاب السّنّة 4/ 214 رقم (4657)
باب في فضل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وأحمد 2/ 84 و 199 و 209.
[2] كتب هنا في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسخ
الله في مدّته، في الميعاد الثامن، وللَّه الحمد والمنّة» .
[3] في صحيحه (2781) في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، وأحمد 3/ 222.
(1/407)
فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ
عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ: مَا أَرَى يُحْسِنُ
مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ،
فَأَقْبَرُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، قَالُوا:
هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: فَحَفَرُوا لَهُ
فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا
أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ
أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ،
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ
إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
قُلْتُ: هَذِهِ هِيَ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى، وَهِيَ (الْقُرْآنُ)
فَإِنَّ النَّبِيَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، كَانَ
يَأْتِي بِالْآيَةِ وَتَنْقَضِي بِمَوْتِهِ، فَقَلَّ لِذَلِكَ مَنْ
يَتْبَعُهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِكَوْنِ مُعْجِزَتِهِ الْكُبْرَى بَاقِيَةً بَعْدَهُ،
فَيُؤْمِنُ باللَّه وَرَسُولِهِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ
عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ
أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
صُدِّقَ نَبِيُّ مَا صُدِّقْتُ، إِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَا
يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ [3] .
__________
[1] في صحيحه 4/ 181- 182 في المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام.
[2] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن 6/ 97 باب كيف نزول الوحي،
ومسلم (152) في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبيّنا محمد
صلّى الله عليه وسلّم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملّته.
[3] في صحيحه (196/ 332) في كتاب الإيمان، باب في قول النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم: أنا أول الناس يشفع في الجنّة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا،
وأخرجه ابن حبّان. انظر موارد الظمآن للهيثمي 2305، وسلسلة الأحاديث
الصحيحة للألباني 2/ 683 رقم 397.
(1/408)
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ 97: 1 [1] قَالَ: أُنْزِلَ
الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جملة واحدة إلى سماء الدُّنْيَا،
وَكَانَ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، فَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُنَزِّلُهُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، بَعْضَهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. قَالَ تَعَالَى:
وَقال الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
واحِدَةً، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا
25: 32 [2] .
بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ
قَالَ أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ
عُبَيْدِ الله بْن عَبْد الله بْن عُتْبة قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ
عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟
قُلْتُ: نَعَمْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [3] 110: 1
قَالَ: صَدَقْتَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ 110: 1
قَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَذَاكَ عَلَامَةُ
أَجَلِكَ، قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا
مِثْلَ مَا تَعْلَمُ يَا بْنَ عَبَّاسٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
بِمَعْنَاهُ [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ:
آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ (بَرَاءَةٌ) ، وَآخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ
(يستفتونك) [6] . متّفق عليه [7] .
__________
[1] سورة القدر- الآية 1.
[2] سورة الفرقان- الآية 32، وفي الأصل نقص في الآية استدركته.
[3] سورة النصر- الآية 1.
[4] في صحيحه (3024) في كتاب التفسير، باب كتاب التفسير.
[5] صحيح البخاري 6/ 94، كتاب التفسير، سورة إذا جاء نصر الله.
[6] أي سورة النساء.
[7] أخرجه البخاري 8/ 8 في كتاب الفرائض، باب يستفتونك قل الله يفتيكم
في الكلالة، من طريق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ،
عَنْ أبي إسحاق، عن البراء، رضي الله عنه قال:
(1/409)
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ
الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ
آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ آيَةُ الرِّبَا.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ
الْقُرْآنِ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ 2: 281
[1] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: آخِرُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ
الرِّبَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ. صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ:
آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ الله 9: 129
[3] .
فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِمُقْتَضَى مَا عِنْدَهُ
مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَا: نَزَلَ
مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [4] ،
وَالْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالْأَنْفَالُ، وَالْأَحْزَابُ،
وَالْمَائِدَةُ، وَالْمُمْتَحَنَةُ، وَالنِّسَاءُ، وَإِذَا زُلْزِلَتْ،
وَالْحَدِيدُ، وَمُحَمَّدٌ، والرّعد، والرحمن، وهل
__________
[ () ] «آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة» ، ومسلم (1618/ 11) من طريق شعبة بسنده ولفظه: «آخر آية
أنزلت، آية الكلالة، وآخر سورة أنزلت براءة» ، وفي كتاب الفرائض، باب
آخر آية أنزلت آية الكلالة، عدّة أحاديث عن البراء من طرق.
[1] سورة البقرة- الآية 281.
[2] رواه أحمد في المسند 1/ 36 و 50.
[3] سورة التوبة- الآية 129.
[4] في تفسير الآلوسي (30/ 67 الطبعة الثانية المنبرية) : اختلف في
كونها- أي المطفّفين- مكّية أو مدنية، فعن ابن مسعود والضّحّاك أنّها
مكية، وعن الحسن وعكرمة أنّها مدنية، وعليه السّدّيّ.
(1/410)
أَتَى، وَالطَّلَاقُ، وَلَمْ يَكُنْ،
وَالْحَشْرُ، وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَالنُّورُ، وَالْحَجُّ،
وَالْمُنَافِقُونَ، وَالْمُجَادَلَةُ، وَالْحُجُرَاتُ، وَالتَّحْرِيمُ،
وَالصَّفُّ، وَالْجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَالْفَتْحُ، وَبَرَاءَةٌ،
قَالَا: ونزل بمكة، فذكرا مَا بَقِيَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ.
بَابٌ فِي النَّسْخِ وَالْمَحْوِ مِنَ الصُّدُورِ
وَقَالَ أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا فِي
الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةٍ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي
حَفِظْتُ مِنْهَا:
لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا
ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ.
وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ [1]
فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ منها: يا أيّها الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَقُولُوا [2] مَا لَا تَفْعَلُونَ، فَتُكْتَبُ شَهَادَةً
فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ [4] وَغَيْرُهُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، أَنَّ رَهْطًا
مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي جَوْفِ
اللَّيْلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً كَانَتْ قَدْ وَعَاهَا،
فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَأَتَى بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ لِيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ
جَاءَ آخَرُ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا
جَمَعَهُمْ؟ فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ
السُّورَةِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ
السُّورَةِ، فَسَكَتَ سَاعَةً لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، ثُمَّ
قَالَ «نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ» ، فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ، وَمِنْ
كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فيه.
__________
[1] أي السّور التي تفتتح ب: سبحان، وسبّح، ويسبّح، وسبّح بسم ربّك.
[2] في صحيح الإمام مسلم «لم تقولون» .
[3] في صحيحه (1050) في كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى
ثالثا.
[4] في ع (جمرة) وهو تصحيف.
(1/411)
رَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
قَالَ فِيهِ: وَابْنُ الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ.
نَسْخُ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَحْوُهَا مِنْ صُدُورِهِمْ مِنْ
بَرَاهِينِ النُّبُوَّةِ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ [1] .
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس وجها، وأحسنه خَلْقًا،
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ. اتَّفَقَا عليه
من حديث إبراهيم [2] .
__________
[1] في (التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور) :
مما يقف منه الشّعر ولا ينبغي أن يوجّه إليه النّظر ما قاله بعض
المفسّرين في قوله تعالى: «ننسها» إنّه إنساء الله تعالى المسلمين
للآية أو للسّورة، أي إذهابها عن قلوبهم أو إنساؤه النّبيّ صلّى الله
عليه وسلّم إيّاها فيكون نسيان النّاس كلّهم لها في وقت واحد دليلا على
النّسخ، واستدلّوا لذلك بحديث أخرجه الطّبرانيّ بسنده إلى ابن عمر قال:
قرأ رجلان سورة أقرأهما إيّاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقاما
ذات ليلة يصلّيان، فلم يقدرا منها على حرف، فغديا على رسول الله صلى
الله عليه وسلّم، فذكرا ذلك له، فقال لهما: إنّها ممّا نسخ وأنسي،
فالهوا عنها. قال ابن كثير: هذا الحديث في سنده «سليمان بن أرقم» وهو
ضعيف: وقال ابن عطيّة: هذا حديث منكر غرب به الطّبرانيّ، وكيف خفي مثله
على أئمّة الحديث. والصحيح أنّ نسيان النّبيّ ما أراد الله نسخه، ولم
يرد أن يثبّته قرآنا جائز، أي لكنّه لم يقع. فأمّا النّسيان الّذي هو
آفة في البشر، فالنّبيّ معصوم عنه قبل التبليغ، وأمّا بعد التبليغ وحفظ
المسلمين له فجائز. وقد روي أنّه أسقط آية من سورة في الصّلاة، فلمّا
فرغ قال لأبيّ: لم لم تذكّرني؟ قال: حسبت أنّها رفعت. قال: لا، ولكنّي
نسيتها أهـ. والحقّ عندي أنّ النّسيان العارض الّذي يتذكّر بعده جائز،
ولا تحمل عليه الآية، لمنافاته لظاهر قوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها
أَوْ مِثْلِها 2: 106، وأمّا النّسيان المستمرّ للقرآن فأحسب أنّه لا
يجوز. وقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى 87: 6، دليل عليه.
وأمّا ما ورد في «صحيح مسلم» عن أنس قال: كنّا نقرأ سورة نشبّهها في
الطّول ببراءة، فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها «لو كان لابن آدم واديان
من مال لابتغى لهما ثالثا، وما يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب
الله على من تاب» أهـ. فهو غريب، وتأويله أنّ هنالك سورة نسخت قراءتها
وأحكامها، ونسيان المسلمين لما نسخ لفظه من القرآن غير عجيب، على أنّه
حديث غريب.
[2] رواه البخاري في المناقب 4/ 165 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ومسلم (2337/ 93) في كتاب الفضائل، باب في صفة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم وأنه كان أحسن الناس وجها.
(1/412)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ [1] : نا أَبُو
نُعَيْمٍ، نا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ رَجُلٌ
لِلْبَرَاءِ: أَكَانَ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، مِثْلَ [2] الْقَمَرِ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سمرة،
قال له رجل:
أكان وجه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟
قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ الْمُحَارِبِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانَ،
وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى
الْقَمَرِ، فَلَهُوَ كَانَ أَحْسَنَ فِي عَيْنِي مِنَ الْقَمَرِ [4] .
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شهاب، أخبرني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: لَمَّا أَنْ سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ [5] ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ
اسْتَنَارَ وَجْهُهُ [6] كأنّه قطعة قمر [7] ، أخرجه البخاريّ [8] .
__________
[1] في صحيحه 4/ 165 في كتاب المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ورواه الترمذي في المناقب (3715) باب ما جاء فِي صِفَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: هذا حديث حسن
صحيح، وابن سعد في الطبقات 1/ 417، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/
282، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 12، والشمائل 6- 7، والبيهقي في
دلائل النبوّة 1/ 142- 143، والسيوطي في الخصائص 1/ 71، والبلاذري في
أنساب الأشراف 1/ 395 رقم 852.
[2] في صحيح البخاري «بل مثل» .
[3] في صحيحه (2344/ 109) كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه
وسلّم، وهو أطول مما هنا بقليل، ورواه ابن سعد في الطبقات 1/ 416.
[4] رواه الدارميّ في السنن 1/ 30، والترمذي في الشمائل 12، والبيهقي
في الدلائل 1/ 144- 145، وابن كثير في الشمائل 7- 8، والسيوطي في
الخصائص 1/ 71.
[5] في صحيح البخاري «وجهه من السرور» .
[6] في صحيح البخاري «وجهه حتى» .
[7] في صحيح البخاري زيادة «وكنّا نعرف ذلك منه» .
[8] في صحيحه 4/ 166 في المناقب، باب صفة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(1/413)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا يَوْمًا
مَسْرُورًا وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [2] : ثنا سَعِيدٌ، ثنا يُونُسُ بْنُ
أَبِي يَعْفُورَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ،
عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ سَمَّاهَا قَالَتْ:
حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَرَأَيْتُهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةَ، بِيَدِهِ
مِحْجَنٌ، فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ، قَالَتْ: كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ موسى التّميميّ، ثنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْنَا
لِلرُّبَيِّعِ [3] بِنْتِ مُعَوِّذٍ: صِفِي لَنَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَوْ رَأَيْتِهِ لَقُلْتِ
[4] ، الشَّمْسُ طَالِعَةٌ [5] .
وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَنَسًا
وَهُوَ يَصِفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ
الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ
بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ [6] ، وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلَا
بِالسَّبْطِ، بعث على
__________
[1] أخرجه البخاري 4/ 166 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ولفظه: «عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال:
ألم تسمعي ما قال المدلجيّ لزيد وأسامة، ورأى أقدامهما، إنّ بعض هذه
الأقدام من بعض» .
[2] في المعرفة والتاريخ، انظر الجزء 3/ 282- 283 نقلا عمّا هنا،
فالحديث في الجزء المفقود من كتاب الفسوي، ورواه ابن كثير في البداية
والنهاية 6/ 12.
[3] الرّبيّع: بضم الراء وفتح الموحّدة وتشديد الياء تحتها نقطتان.
(أسد الغابة 5/ 452) .
[4] في حاشية الأصل (رأيت. خ) إشارة إلى نسخة فيها ذلك، وفي (دلائل
النّبوّة للبيهقي) أنّهما روايتان. وفي صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 153
«لرأيت» .
[5] رواه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 4/ 309، وابن الأثير في أسد
الغابة 5/ 452، وقال: أخرجه الثلاثة، وابن حجر في الإصابة 4/ 301، وابن
الجوزي في الصفوة 1/ 153.
[6] الأمهق: الأبيض الكريه البياض، كلون الجصّ. (جامع الأصول 11/ 229)
.
(1/414)
رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ
وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَرَ
اللَّوْنِ [2] .
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ [3] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: أنا حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا
يَقُولُ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ، بَيَاضُهُ
إِلَى السُّمْرَةِ [4] .
وَقَالَ سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو الطُّفَيْلِ
نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي، قُلْتُ: صِفْهُ
لِي، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا [5] . أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ [6] ، وَلَفْظُهُ: كان أبيض مليح الوجه.
__________
[1] رواه البخاري في المناقب 4/ 164- 165، باب صفة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم، وفي كتاب اللباس 7/ 57 باب الجعد، ومسلم (2347) في كتاب
الفضائل، باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ومالك في الموطّأ 2/ 919 فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والترمذي (3627) في المناقب، باب رقم 6،
وأبو زرعة في تاريخه 1/ 150- 151، والترمذي في الشمائل 4- 5، ودلائل
النبوّة للبيهقي 1/ 148، 149، وابن سعد في الطبقات 1/ 413، وابن عساكر
في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 321، وابن كثير في الشمائل 9، والسيوطي في
الخصائص الكبرى 1/ 72، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 151- 152، والطبري
في تاريخه 3/ 180، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 394 رقم 846.
[2] رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 277.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 413.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 414.
[5] المقصد: الّذي ليس بجسيم ولا قصير، وقيل: هو من الرجال نحو
الرّبعة. (جامع الأصول 11/ 431) .
[6] في صحيحه (2340) في كتاب الفضائل، باب كان النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم أبيض مليح الوجه، وأخرجه أبو داود (4864) في الأدب، باب في هدي
الرجل، وابن سعد في الطبقات 1/ 417- 418، والطبري في التاريخ 3/ 180.
(1/415)
وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. رَوَاهُ عَنْهُ
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [2] .
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: كَانَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً. رَوَاهُ
شَرِيكٌ، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع مِثْلَهُ [3] . وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَغَيْرُهُ: نا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمَ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ
مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا
جُمَّارَةٌ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ
مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ [5] ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، عَنْ مُحَرِّشٍ
الْكَعْبِيِّ قَالَ:
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ
الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ
سَبِيكَةُ فِضَّةٍ [6] .
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [7] : نا إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم بن
العلاء، حدّثني
__________
[1] أخرجه البخاري في الأنبياء 4/ 164 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ومسلم (2343) في الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم،
والترمذي (3779) في المناقب باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 411.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 411.
[4] جمّارة: بضم الجيم وتشديد الميم. أي قلب النخلة الأبيض.
[5] سقط من (ع) «بن أبي مزاحم» .
[6] رواه أحمد في المسند 3/ 426، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 279.
[7] المعرفة والتاريخ 3/ 279.
(1/416)
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ [1] أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ [2] .
وَقَالَ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
أَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا
رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا
لَنَجْتَهِدُ، وَإِنَّهُ لغير مكترث [3] . رواه ابن لَهِيعَةُ، عَنْ
أَبِي يُونُسَ [4] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ،
أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْكَعْبَيْنِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[5] .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ: أَشْهَلَ
الْعَيْنَيْنِ، منهوس العقب [6] .
__________
[1] في (ع) «الزبيري» ، وهو تصحيف.
[2] ورواه ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 14 وقال: «وهذا إسناد حسن،
ولم يخرّجوه» .
[3] في (ع) «مكترب» ، وهو تصحيف.
[4] أخرجه الترمذي في المناقب (3728) باب رقم 45، وقال: هذا حديث غريب.
وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف، لكن تابعه عمرو بن الحارث عند ابن حبّان
في «موارد الظمآن» للهيثمي، رقم 2118، فالحديث حسن. انظر: جامع الأصول
11/ 242 رقم 8808، وابن سعد في الطبقات 1/ 415، والنووي في تهذيب
الأسماء واللغات 1/ 25.
[5] في صحيحه (2339) في كتاب الفضائل، باب في صفة فم النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم وعينيه وعقبيه. وفيه: «منهوس العقبين. قال: قُلْتُ
لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الفم. قال: قلت: ما
أشكل العين؟ قال: طويل شقّ العين. قال: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ
الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ العقب» ، وأخرجه الترمذي في المناقب
(3726) باب 44 وقال:
هذا حديث حسن صحيح، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 280، والخطيب
البغدادي في الجامع لأخلاق الراويّ وآداب السامع (مخطوط المكتبة
البلدية بالإسكندرية) ورقة 161 ب، وابن سعد 1/ 416، وابن كثير في
الشمائل 30، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 393 رقم 842.
[6] طبقات ابن سعد 1/ 416.
(1/417)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الشَّكْلَةُ:
كَهَيْئَةِ الْحُمْرَةِ، تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ،
وَالشَّهْلَةُ: حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ. قُلْتُ: وَمَنْهُوسُ
الْكَعْبِ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. كَذَا فَسَّرَهُ سِمَاكُ بْنُ
حَرْبٍ لِشُعْبَةَ [1] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ
[2] ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ صِفَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ إِذَا
نَظَرْتُ إِلَيْهِ قُلْتُ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ
بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْهِ حُمُوشَةٌ [3] ، وَكَانَ لا
يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا [4] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ
الْأَشْفَارِ، مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ [5] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ
أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً، وَكَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ،
أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ [6] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ،
عَنِ الزُّبَيْدِيِّ [7] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سعيد بن
__________
[1] انظر صحيح مسلم (2339) .
[2] في حاشية الأصل «أظنّه ابن أرطاة» . وهو من الرواة عن «سماك» كما
في تهذيب التهذيب.
وهذا يؤيّد ما في هذه الحاشية. وقد نصّ الترمذيّ على أنّه هو ابن
أرطاة.
[3] حموشة: أي دقّة.
[4] رواه الترمذيّ في المناقب (3725) باب 43 ما جاء في خاتم النبوّة،
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 322،
والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 159، وروى بعضه البلاذري في أنساب
الأشراف 1/ 394 رقم 847.
[5] رواه ابن سعد في طبقاته 1/ 410- 411.
[6] رواه ابن سعد في طبقاته 1/ 412.
[7] في (ع) «الزبيري» . وهو تصحيف.
(1/418)
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: كَانَ مُفَاضَ الْجبينِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، أَسْوَدَ
اللِّحْيَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ،
يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا، لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ: نا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ،
إذا تكلّم رئي كَالنُّورِ بَيْنَ ثَنَايَاهُ [2] ، عَبْدُ الْعَزِيزِ
مَتْرُوكٌ [3] .
وَقَالَ المسعوديّ، عن عثمان بن عبد الرحمن بن هرمز، عن نافع بن
__________
[1] رواه الفسوي مختصرا في المعرفة والتاريخ 3/ 280، وابن عساكر في
تهذيب تاريخ دمشق 1/ 320 عن عبد الرزاق الصنعاني، والحديث في المصنّف
لعبد الرزاق 11/ 259- 260، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 227، والشمائل
لابن كثير 22، والخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 74 نقلا عن البزّار
والبيهقي.
[2] رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 288.
[3] قال البخاري: منكر الحديث، لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك
الحديث، وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلّا به، وقال ابن أبي
حاتم الرازيّ: سألت أبي عن عبد العزيز بن عمران.. فقال: متروك الحديث،
ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا.
قلت: يكتب حديثه؟ قال: على الاعتبار. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة،
وإنّما كان صاحب شعر، وقال ابن عديّ: حدّث عنه جماعة من الثقات أحاديث
غير محفوظة، وقال ابن حبّان: يروي المناكير عن المشاهير، وقال الترمذي
والدارقطنيّ: ضعيف، وقال عمر بن شبّة في أخبار المدينة: كان كثير الغلط
في حديثه لأنه احترقت كتبه فكان يحدّث من حفظه.
توفي سنة 197 هـ.
انظر عنه: التاريخ الكبير للبخاريّ 6/ 29 رقم 1585، والتاريخ الصغير له
207، والضعفاء الصغير له 268 رقم 223، والضعفاء والمتروكين للنسائي 298
رقم 393، والضعفاء للعقيليّ 3/ 13- 14 رقم 969، والجرح والتعديل لابن
أبي حاتم 5/ 390- 391 رقم 1817، والضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 121
رقم 349، والمجروحين لابن حبّان 2/ 139- 140، والكامل في الضعفاء لابن
عديّ 5/ 1924، وميزان الاعتدال للذهبي 2/ 632 رقم 5119، والمغني في
الضعفاء له 2/ 399 رقم 3747، والكاشف له 2/ 177 رقم 3452، وتهذيب
التهذيب لابن حجر 6/ 350- 351 رقم 6711، وتقريب التهذيب له 1/ 511 رقم
1242.
(1/419)
جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ [1] وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ
الْكَرَادِيسِ [2] ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ [3] [4] . رَوَى مِثْلَهُ
شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلَفْظُهُ: كَانَ ضَخْمَ
الْهَامَةِ، عَظِيمَ اللِّحْيَةِ [5] . قال سعيد بن منصور: نا نوخ بْنُ
قَيْسٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ
مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ، أَغَرَّ [6]
أَبْلَجَ [7] أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ [8] [9] . وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ
حَازِمٍ: ثنا قَتَادَةُ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ شَعْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لَا سَبْطَ
وَلَا جعد بين أذنيه وعاتقه. متّفق عليه [10] .
__________
[1] الشّثن الكفّ: الغليظ الكفّ، وهو مدح في الرجل، لأنّه أشدّ لقبضهم
وأصبر لهم على المراس. (جامع الأصول 11/ 227) .
[2] الكراديس: كلّ عظمين التقيا في مفصل، فهو كردوس، والجمع الكراديس،
نحو الركبتين والمنكبين والوركين. (جامع الأصول 11/ 228) .
[3] الشعر النابت على وسط الصدر نازلا إلى آخر البطن. (جامع الأصول 11/
227) .
[4] رواه الترمذي في المناقب (3716) و (3717) باب ما جاء فِي صِفَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: هذا حديث حسن
صحيح، وابن سعد في الطبقات 1/ 411، وأحمد في المسند 1/ 96، والمزّي في
تهذيب الكمال 1/ 213، والطبري في تاريخه 3/ 179.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 411.
[6] أي أبيض الوجه.
[7] أي مشرق الوجه.
[8] طويل شعر الأجفان.
[9] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 411، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/
278.
[10] رواه البخاري في اللباس 7/ 57 باب الجعد، وفي المناقب 4/ 165، باب
صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (2338) في الفضائل، باب صفة
شعر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأبو داود في الترجّل (4185 و 4186)
باب ما جاء في الشعر، والنسائي في الزينة 8/ 183 باب اتخاذ الجمّة،
وابن سعد في الطبقات 1/ 428.
(1/420)
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ: كَانَ شِعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَضْرِبُ منكبيه (خ) [1] .
وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، كَانَ إِلَى أَنْصَافِ أذنيه. (م) [2]
.
قُلْتُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
كَانَ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. (د) فِي «السُّنَنِ» [3] .
وَقَالَ شُعْبَةُ: نا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ
يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَبْلُغُ شَعْرُهُ
شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ
شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ. متّفق عليه [4] .
وأخرجه (خ) [5] مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، وَلَفْظُهُ: مَا رَأَيْتُ
أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، أَحْسَنَ مِنْهُ،
وَإِنَّ جُمَّتَهُ تَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ.
وأخرجه (م) [6] مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَلَفْظُهُ: شَعْرٌ
يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ،
__________
[1] أخرجه البخاري في اللباس 7/ 57 باب الجعد، ومسلم (2337) في
الفضائل، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والنسائي 8/ 183 في
الزينة، باب اتخاذ الجمّة، وابن سعد في الطبقات، 1/ 427.
[2] أخرجه مسلم (2338/ 96) في الفضائل، باب صفة شعر النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم، وابن سعد في الطبقات 1/ 428، والبلاذري في أنساب الأشراف
1/ 394 رقم 849.
[3] رواه أبو داود في كتاب الترجّل (4185) باب ما جاء في الشعر، وابن
سعد في الطبقات 1/ 427- 428.
[4] رواه البخاري في المناقب 4/ 165 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ومسلم (2337) في كتاب الفضائل، باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو داود في كتاب الترجّل (4183)
باب ما جاء في الشعر، والترمذي في المناقب (3714) باب رقم 35 ما جاء
فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنسائي 8/
183 في الزينة، باب اتخاذ الجمّة، وابن سعد في الطبقات 1/ 416، والفسوي
في المعرفة والتاريخ 1/ 416، والترمذي في الشمائل 6 و 450 والبلاذري في
أنساب الأشراف 1/ 392 رقم 838.
[5] في صحيحه، كتاب اللباس 7/ 57 باب الجعد، وانظر أنساب الأشراف
للبلاذري 1/ 392 رقم 838.
[6] في صحيحه (2337) كتاب الفضائل، باب في صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم.
(1/421)
وَفِيهِ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا
بِالْقَصِيرِ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن نافع بْنِ
جُبَيْرٍ قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ رَجِلَهُ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ [1] ، وَدُونَ الجمّة
[2] . أخرجه أبو داود [3] . وإسناده حَسَنٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً، وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ،
تَعْنِي ضَفَائِرَ [4] . لَمْ يُدْرِكْ مُجَاهِدٌ أُمَّ هَانِئٍ.
وَقِيلَ: سَمِعَ مِنْهَا، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: نا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ
فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ [5] . وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ
يُسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُفَرِّقُونَ
رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ ناصيته ثم فرّق بعد. خ م. [6] .
وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ: رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا هو أحمر،
__________
[1] شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن.
[2] الجمّة: من شعر الرأس ما سقط على المنكبين.
[3] في سننه، (4187) كتاب الترجّل، باب ما جاء في الشعر، وابن سعد في
الطبقات 1/ 429، والترمذي في اللباس 3/ 146 رقم 1808 باب ما جاء في
الجمّة.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 429، وابو داود (4191) في اللباس، باب
في الرجل يعقص شعره، والترمذي.
[5] كلمة «بشيء» ساقطة من الأصل، والاستدراك من صحيح البخاري وغيره.
[6] أخرجه البخاري في المناقب 4/ 166 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ومسلم (2336) في كتاب الفضائل، باب في سدل النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم شعره، وفرقه.
(1/422)
فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: مِنَ الطِّيبِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَخَضَبَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا. أَخْرَجَاهُ،
وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ [2] .
وَقَالَ الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَضِبْ،
إِنَّمَا كَانَ شَمِطَ [3] عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ [4] يَسِيرًا، وَفِي
الصُّدْغَيْنِ يَسِيرًا، وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا [5] . أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ [6] .
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ [7] أَبِي جُحَيْفَةَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ مِنْهُ
بَيْضَاءُ، وَوَضَعَ زُهَيْرٌ بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [8] وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إسرائيل.
__________
[1] البخاري، في كتاب المناقب 4/ 164 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ولم يخرّجه مسلم، ورواه ابن سعد في الطبقات 1/ 437.
[2] انظر ذلك في صحيح البخاري 4/ 165 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم، وكتاب اللباس 7/ 57 باب الجعد، ومسلم (2341/ 101 و
102) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، والنسائي 8/ 140
في كتاب الزينة، باب الخضاب بالصفرة، وابن ماجة 2/ 1198 في كتاب
اللباس، باب 35 من ترك الخضاب، وابن سعد في الطبقات 1/ 431.
[3] عند مسلم «البياض» .
[4] العنفقة: الشعر الّذي في الشفة السفلى.
[5] عند مسلم «نبذ» بدل «يسيرا» .
[6] في صحيحه (2341/ 104) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه
وسلّم، وابن سعد 1/ 432.
[7] في طبعة القدسي 2/ 297 «علي» ، وهو خطأ.
[8] في صحيحه (2342) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم،
وابن سعد 1/ 431، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 396 رقم 856.
(1/423)
وقال (خ) [1] : نا عِصَامُ [2] بْنُ
خَالِدٍ، نا حَرِيزِ [3] بْنُ عُثْمَانَ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُسْرٍ: [4] أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ، وَذَكَرَ شَمْطَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يُرَ، وَإِذَا لم يدهن
تبيّن. أخرجه (م) [6] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
قَالَ: كَانَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِذَا
ادَّهَنَ وَمَشَّطَهُ لَمْ يَسْتَبِنْ. أَخْرَجَهُ (م) [7] .
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ
سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شِعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ
بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [8] . صَحِيحٌ أخرجه (خ) [9] وَلَمْ يَقُلْ
(بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ) مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي
مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ: كَانَ
عِنْدَ أمّ سلمة جلجل
__________
[1] في كتاب المناقب 4/ 164 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن
سعد 1/ 432.
[2] في نسخة دار الكتب «عاصم» وهو تحريف، والتصحيح عن الأصل و (ع)
وصحيح البخاري.
[3] في إحدى النسخ «جرير» وهو تصحيف، والتصحيح عن الأصل والبخاري.
[4] في إحدى النسخ «بشر» وهو تصحيف، والتصحيح عن البخاري.
[5] رواه الطبري في تاريخه 3/ 181.
[6] في صحيحه (2344) في كتاب الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم،
وابن سعد 1/ 433.
[7] في صحيحه (2344/ 109) بلفظ مقارب، وهو أطول مما هنا، في كتاب
الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد 1/ 433.
[8] الكتم: نبت في حمرة يخلط بالوسمة ويصبغ به الشعر. (النهاية لابن
الأثير) .
[9] في كتاب اللباس 7/ 57 باب ما يذكر في الشيب، والمعرفة والتاريخ
للفوسي 1/ 281، والطبري في تاريخه 23- 18، والبلاذري في أنساب الأشراف
1/ 395 رقم 855.
(1/424)
مِنْ فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَصَابَ
إِنْسَانًا الْحُمَّى، بَعَثَ إِلَيْهَا فَخَضْخَضَتْهُ فِيهِ، ثُمَّ
يَنْضَجِعُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي
إِلَيْهَا فَأَخْرَجَتْهُ، فَإِذَا هُوَ هَكَذَا- وَأَشَارَ
إِسْرَائِيلُ بثلاث أصابع- وكان فيه شعرات حمر. (خ) [1] .
مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْمُسْتَمْلِي: ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ،
ثنا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَهُ
أَنَّ أَبَاهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْمَنْحَرِ، هُوَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَسَمَ ضَحَايَا
بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ هُوَ وصاحبه، فحلق رسول
الله رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ
عَلَى رِجَالٍ. وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ:
فَإِنَّهُ لَمَخْضُوبٌ عِنْدَنَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، يَعْنِي:
الشَّعَرَ. هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ [2] .
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً، رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْهُ
[3] .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عُقَيْلٍ قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ،
وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ شَعْرًا
مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ،
وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ في رأسه ولحيته،
وما كنت أزيدهنّ على أحدى
__________
[1] في كتاب اللباس 7/ 57 باب ما يذكر في الشيب، وابن سعد في الطبقات
1/ 437.
[2] هذا الخبر ساقط من نسخة دار الكتب.
[3] روى نحوه ابن سعد في الطبقات 1/ 432 من طريق أنس بن عياض، عن ربيعة
بن أبي عبد الرحمن، وعن أنس بن مالك، وهو في المعرفة والتاريخ للفسوي
3/ 282، وروى الطبري نحوه في تاريخه 3/ 182 من طريق معاذ بن معاذ، عن
حميد، عن أنس.
(1/425)
عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا
الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ
لَوْنَهُ [1] .
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ [2] ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ
بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ،
وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ [3] .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ
لَقِيطٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ
مَعَ أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا،
قَالَ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَا
يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ [4]
مِنْ حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ [5] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ: أنا ابْنُ أَبِي
رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ
[6] ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ [7] .
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: نا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
__________
[1] روى عكرمة نحوه مختصرا. انظر: أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 396 رقم
857.
[2] «بن عمير» ساقطة من نسخة دار الكتب، وهي مثبتة في الأصل.
[3] أخرجه النسائي في اللباس 8/ 204 باب لبس الخضر من الثياب، وأحمد في
المسند 2/ 226 و 227 و 228 من عدّة طرق. وانظر نهاية الأرب للنويري 8/
285.
[4] أي صبغ. وفي (ع) «رذع» وهو تحريف.
[5] رواه أبو داود في كتاب الترجّل (4206) باب في الخضاب، وأحمد في
المسند 2/ 226- 228، وابن سعد في الطبقات 1/ 438 و 453.
[6] أي التي لا شعر لها، وهي نسبة للسّبت، بكسر السين، وهو جلود البقر
المدبوغة.
[7] رواه أبو داود في كتاب الترجّل (4210) باب في الخضاب، والنسائي في
الزينة 8/ 186 باب تصفير اللحية بالورس والزعفران، وابن ماجة في كتاب
اللباس (3626) باب الخضاب بالصفرة.
(1/426)
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَأَنَّمَا صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ
[1] ، عظيم مشاش المنكبين [2] ، يطأ بقدميه جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ
أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا [3] .
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَمْ أَرَ
بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ العرق.
أخرج البخاريّ بعضه [4] .
وقال معمر وغيره، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلّم شئن الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ [5] .
وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ- أَوْ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، شَكَّ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِيهِ-
عَنْ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ ضخم القدمين والكفّين، لم أَرَ بَعْدَهُ شَبِيهًا بِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ [6]
تَعْلِيقًا، وَهُمَا صَحِيحَانِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ
الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ. قُلْتُ
لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا
أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شِقِّ الْعَيْنِ، قُلْتُ: مَا
مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قليل لحم العقب. أخرجه مسلم [7] .
__________
[1] أي مستوى البطن مع الصدر.
[2] أي عظيم رءوس العظام، على ما في (النهاية) .
[3] رواه ابن عساكر من حديث أطول في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 320.
[4] في صحيحه 7/ 58 كتاب اللباس، باب الجعد.
[5] أخرجه البخاري في كتاب اللباس 7/ 58 باب الجعد.
[6] المصدر نفسه.
[7] في صحيحه (2339) في كتاب الفضائل، باب في صفة فم النبيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/427)
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنْبَأَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمِ بْنِ ضَبَّةَ:
حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةٌ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ
قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ درّة كدرّة الكباث [1] ،
فَدَنَا مِنْهُ أَبِي، فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فَمَا نَسِيتُ طُولَ
إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ [2] .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ [3] بْنِ فَارِسٍ: نا حَرْبُ بْنُ
سُرَيْجٍ الْخَلْقَانِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةِ،
حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ
الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجَبْهَةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ
الْحَاجِبَيْنِ، وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ
كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ، وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ
[4] . فَدَنَا مِنِّي فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكَ) . وَقَالَ
الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ،
وَقَالَهُ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا
عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاللَّفْظُ لِشَرِيكٍ قَالَ: وَصَفَ
لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
كَانَ لَا قَصِيرَ وَلَا طَوِيلَ وَكَانَ يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ
[5] كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ [6]- وَلَفْظُ الْمَسْعُودِيُّ:
كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ من
__________
[ () ] وعينيه وعقبيه، وأخرجه الترمذي في المناقب (3726) باب 44 وقال:
هذا حديث حسن صحيح، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 280، والخطيب
البغدادي في الجامع لأخلاق الراويّ وآداب السامع (مخطوط المكتبة
البلدية بالإسكندرية) ورقة 161 ب، وابن سعد 1/ 416، وابن كثير في
الشمائل 30، وقد مرّ الحديث مختصرا.
[1] كذا في الأصل وطبعة القدسي 2/ 300، وفي مسند أحمد «الكتاب» وزاد:
«فسمعت الأعراب والناس يقولون الطبطبية» .
[2] رواه أحمد في المسند 6/ 366 وهو طويل.
[3] في ع (عمرو) ، وهو تحريف، والمثبت عن الأصل، وتهذيب التهذيب 7/
142.
[4] الطمر: الثوب الخلق.
[5] التكفّؤ: الميل في المشي إلى قدّام، كما تتكفّأ السفينة في جريها.
[6] الصبب: قريب من التكفّؤ.
(1/428)
صَبَبٍ- لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ
مِثْلَهُ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [1] . عَوْنُ بْنُ أَبِي
جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا
يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهِمَا وُجُوهَهُمْ، فَأَخَذْتُ
يَدَهُ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ
الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا [2] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَانَ لَا قَصِيرَ وَلَا طَوِيلَ، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ،
وَكَانَ شَثْنَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، فِي صَدْرِهِ مَسْرُبَةٌ،
كَأَنَّ عَرَقَهُ لُؤْلُؤٌ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي
فِي صُعُدٍ. وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا
مَسَسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلا حَرِيرًا، وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ
مِنْ كَفِّ رَسُول الله صَلّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ، ولا شَمَمْتُ
رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَابِتٍ [5] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس، فذكر مثله
وزاد: كان
__________
[1] أخرجه الترمذي في المناقب (3718) باب رقم 38 ما جاء فِي صِفَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن سعد 1/ 411.
[2] في المناقب 4/ 165 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 412، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق
1/ 317.
[4] في صحيحه 4/ 167 في المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
[5] في صحيح مسلم (2330) كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم، ولين مسّه، والتبرّك بمسحه، ورواه ابن الجوزي في صفة
الصفوة 1/ 152، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 392 رقم 837.
(1/429)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا
مَشَى تَكَفَّأَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ
يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى فَقُلْتُ:
نَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَنِيهَا، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ
الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ [2] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي
بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تُسْلِتُ الْعَرَقَ، فَاسْتَيْقَظَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أُمَّ
سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ» ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقٌ
نَجْعَلُهُ لِطِيبِنَا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[3] . وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ،
عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ:
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير العرق. رواه مسلم [4]
.
__________
[1] في صحيحه (2330/ 82) في كتاب الفضائل، الباب نفسه، والبلاذري في
أنساب الأشراف 1/ 392 رقم 837.
[2] رواه أحمد في المسند 4/ 161.
[3] في صحيحه (2331) كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم والتبرّك به.
[4] في صحيحه (2332) كتاب الفضائل، الباب نفسه.
(1/430)
خَاتَمُ النُّبُوَّةِ
قَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي
خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ
رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ
وُضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ [1] . أَخْرَجَاهُ [2] ،
وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: رِزُّ الْحَجَلَةِ، وَهُوَ بَيْضُهَا [3] .
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجْهُهُ مُسْتَدِيرًا مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، ورأيت خاتم
النّبوّة بين كتفيه مثل
__________
[1] الحجلة: جمعها حجال، وهي بيت كالقبّة لها أزرار كبار وعرى.
[2] البخاري في المناقب 4/ 163 باب خاتم النبوّة، ومسلم (2345) في
الفضائل، باب إثبات خاتم النبوّة وصفته، ومحلّه من جسده صلّى الله عليه
وسلّم، والترمذي في المناقب (3723) باب ما جاء في خاتم النبوّة، وقال:
وفي الباب عن سلمان، وقرّة بن إياس المزني، وجابر بن سمرة، وأبي رمثة،
وبريدة الأسلميّ، وعبد الله بن سرجس، وعمرو بن أخطب، وأبي سعيد، هذا
حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
[3] قال ذلك الترمذي في المناقب (3724) في حديثه عن سعيد بن يعقوب
الطالقانيّ، أخبرنا أيوب بن جابر، عن سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: «كان خاتم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الّذي بين كتفيه غدّة حمراء مثل بيضة
الحمامة» . وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(1/431)
بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، يُشْبِهُ جَسَدَهُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: نا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ قَالَ: دُرْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ
النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نُغْضِ [2] كَتِفِهِ
الْيُسْرَى. جُمْعًا [3] ، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا [4] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا
مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي
الْخَاتَمَ: قَالَ أَدْخِلْ يَدَكَ، فأدخلت يدي في جريانه [5] ،
فَجَعَلْتُ أَلْمِسُ أَنْظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى
نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ الْبَيْضَةِ، فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ
يَدْعُو لِي، وَإِنَّ يَدِي لفي جربانه.
رواه يحيى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، لَكِنْ قَالَ:
«مِثْلُ السِّلْعَةِ» [6] . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ
لَقِيطٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ
مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ [7] بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُطِبُّ الرِّجَالَ، أَفَأُعَالِجُهَا
لَكَ؟ قَالَ: «لَا طَبَّبَهَا الَّذِي خَلَقَهَا» . رَوَاهُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، وَقَالَ: «مِثْلُ
التُّفَّاحَةِ» . وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [8] .
__________
[1] في صحيحه (2344) في الفضائل، باب شيبة صلّى الله عليه وسلّم،
والترمذي في الحديث السابق قبله، وابن سعد في الطبقات 1/ 425، وابن
سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 328.
[2] في صحيح مسلم «ناغض» وهو أعلى الكتف، وقيل هو العظم الرقيق الّذي
على طرفه، وقيل ما يظهر منه عند التحرّك، سمّي ناغضا لتحرّكه. (شرح
مسلم) .
[3] أي على هيئة جمع الكف، كما في شرح مسلم للنووي.
[4] في الصحيح (2346) كتاب الفضائل، باب إثبات خاتم النبوّة وصفته
ومحلّه من جسده صلّى الله عليه وسلّم، وابن سعد في الطبقات 1/ 426،
وابن سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 328.
[5] أي في جيب قميصه.
[6] رواه أحمد في المسند 3/ 434- 435 و 5/ 35.
[7] غدّة بين الجلد واللحم.
[8] رواه أحمد في المسند 2/ 226 و 227 و 228، وابن سعد في الطبقات 1/
426 و 427.
(1/432)
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ، ثنا عَتَّابٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ
يَقُولُ: الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَةٌ نَابِتَةٌ [1] .
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ
عَلْقَمَةَ، ثنا داود بن أبي هند، عن سماك بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ
الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى إِلَيَّ
رِدَاءَهُ وَقَالَ: انْظُرْ إِلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ، قَالَ:
فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [2] .
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ،
عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ [3] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ:
لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ [4] رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصٍ، وَكَانَ جَارًا لِي
شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ [5] أَوْ قَرِيبًا، فَقُلْتُ:
أَلَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: بَلَى، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ، فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِ
هِرَقْلَ، حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبٍ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ: «يَا أَخَا
تَنُوخٍ» ، فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَا هُنَا امْضِ
لِمَا أُمِرْتَ بِهِ» فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أنا
__________
[1] هكذا في الأصل. وفي (ألوفا بأحوال المصطفى ص 410) : «بضعة ناشزة» .
ولعل صواب ما في الأصل: (ناتئة) كما يفهم من (دلائل النبوّة للبيهقي) .
وعند ابن كثير في الشمائل (نابتة) ، كالأصل.
[2] أخرجه أحمد في المسند من حديث أطول، من طريق أبي قرّة الكندي، عن
سلمان 5/ 438 و 443 من حديث طويل في إسلام سلمان، من طريق عاصم بن عمر
بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، عن سلمان،
والبيهقي في الدلائل.
[3] هو عبد الله بن عثمان، أبو خثيم. وفي المعرفة والتاريخ «خيثم» وهو
تصحيف.
[4] يقال له: أبو محمد المازني ابن السماك. (تهذيب التهذيب 4/ 26) في
الحاشية.
[5] الفند في الأصل: الكذب. ويقال للشيخ إذ هرم وردّ إلى أرذل العمر:
قد أفند، لأنّه يتكلّم بالمحرّف من الكلام عن سنن الصحّة. وأفنده
الكبر: إذا أوقعه في الفند. (انظر النهاية لابن الأثير) .
(1/433)
بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ
الْكَتِفِ مِثْلِ الْمَحْجَمَةِ [1] الضَّخْمَةِ [2] .
بَابٌ جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى
عَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ
قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا نَعَتَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ
بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ
رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا
بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ
وَلَا الْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ
مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ،
جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِفِ- أَوْ قَالَ الْكَتَدِ- أَجْرَدُ ذَا
مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى
تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ
مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، أَجْوَدُ النَّاسِ
كَفًّا وَأَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُهُمْ لَهْجَةً،
وَأَوْفَاهُمْ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ
عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً
أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ
مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] . وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ فِي (الْغَرِيبِ) : حَدَّثَنِيهِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ
الْمُؤَدِّبِ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ إذ نعت، فذكره.
__________
[1] كذا في الأصل وطبعة القدسي 2/ 310، وفي مسند أحمد «الحجمة» ، وكذلك
في المعرفة والتاريخ.
[2] رواه أحمد في المسند 3/ 441- 442، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/
277، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 27- 28.
[3] رواه الترمذي في المناقب (3718) باب 38 ما جاء فِي صِفَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: هذا حديث ليس
إسناده بمتّصل، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 283، وابن كثير في
البداية والنهاية 6/ 28- 29، وابن سعد في الطبقات 1/ 411- 412، وابن
عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 318، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 153-
154، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 391- 392 رقم 836.
(1/434)
قَوْلُهُ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ
الْمُمَغَّطِ: يَقُولُ لَيْسَ بِالْبَائِنِ الطُّولِ. وَلَا الْقَصِيرِ
الْمُتَرَدِّدِ: يَعْنِي الَّذِي تَرَدَّدَ خَلْقُهُ بَعْضُهُ عَلَى
بَعْضٍ، فَهُوَ مُجْتَمِعٌ لَيْسَ بِسَبَطِ الْخَلْقِ، يَقُولُ: لَيْسَ
هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَبْعَةٌ.
وَالْمُطَهَّمُ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّامُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ
عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ. وَقَالَ غَيْرُهُ
الْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ، يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ
وَلَكِنَّهُ مَسْنُونٌ.
وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ.
وَالْجَلِيلُ الْمُشَاشِ: الْعَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ مِثْلَ
الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ.
وَالْكَتَدُ: الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْجَسَدِ.
وَشَثْنُ الْكَفَّيْنِ: يَعْنِي أَنَّهَا إِلَى الْغِلَظِ.
وَالصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ.
وَالْقَطَطُ: مِثْلُ شَعْرِ الْحَبَشَةِ.
وَالْأَزْهَرُ: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُمْرَةِ.
وَالْأَمْهَقُ: الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ.
وَشَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ: يَعْنِي عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ عَرِيضَهُمَا.
وَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ مَا بَيْنَ اللُّبَّةِ إلى
السّرّة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّقَلُّعُ. الْمَشْيُ بِقُوَّةٍ.
وَقَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى
الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ
مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيًّا، عَنْ نَعْتِ النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: كان أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ،
سَبِطَ الشَّعْرِ، ذَا وَفْرَةٍ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ
عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ،
يَجْرِي
(1/435)
كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا
صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ، شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى
كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا
يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا،
كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ
الْمِسْكِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا
بِالْعَاجِزِ وَلَا اللَّئِيمِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ
مِثْلَهُ [1] . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أنا أَبُو عَلِيٍّ
الرُّوذَبَارِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ، أنا
شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ حَفْصُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْآدَمِ، وَلَا الْأَبْيَضِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ، فَوْقَ
الرَّبْعَةِ وَدُونَ الطَّوِيلِ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ رَأَيْتُ
مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَطْيَبِهِ رِيحًا وَأَلْيَنِهِ
كَفًّا، كَانَ يُرْسِلُ شَعْرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَكَانَ
يَتَوَكَّأُ إِذَا مَشَى [2] .
وَقَالَ مَعْمَرُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ
عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، كَانَ رَبْعَةً إِلَى
الطُّولِ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَسِيلَ
الْخَدَّيْنِ [3] ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَكْحَلَ
الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ، إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا،
لَيْسَ أَخْمَصَ، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبِهِ فَكَأَنَّهُ
سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ
وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ.
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 410 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/
317، والطبري في تاريخه 3/ 179 والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 394 رقم
848.
[2] أخرج بعضه أبو داود في كتاب الأدب 4/ 266 رقم (4863) باب في هدي
الرجل، والترمذي في اللباس (1807) باب ما جاء في الجمّة واتخاذ الشعر،
وقال: وفي الباب عن عائشة، والبراء، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد،
ووائل بن حجر، وجابر، وأم هانئ. وأضاف: حديث أنس حديث حسن غريب صحيح من
هذا الوجه من حديث حميد.
[3] قال في حاشية الأصل: «الأسيل الخدّ: أن لا يكون مرتفع الوجنة» .
(1/436)
حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ
اللَّهِ [1] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2] وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ
بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ:
حَدَّثَنِي عَمِّي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، الَّذِي
قُتِلَ بِالْبَطْحَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ- أن
النبي صلى الله عليه وسلم خرج مِنْ مَكَّةَ [3] هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ،
وَمَوْلًى لِأَبِي بِكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ اللَّيْثِيُّ، فَمَرُّوا عَلَى
خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً
جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ،
فَسَأَلُوهَا تَمْرًا وَلَحْمًا يَشْتَرُونَهُ مِنْهَا، فَلَمْ
يُصِيبُوا شَيْئًا، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ [4] ،
فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فقال: «ما هذه الشّاة يا أمّ
__________
[1] العنوان أضفته على الأصل نقلا عن دلائل النبوّة للبيهقي. وأمّ معبد
هي: عاتكة بنت خالد بن خليف الخزاعي، وحديثها في: الطبقات الكبرى لابن
سعد 1/ 230 وما بعدها، و 8/ 288- 289، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 262
و 391، وسيرة ابن هشام 2/ 225، والمنتخب من كتاب ذيل المذيّل للطبري
577 و 580 وعنه ضبطت نصّ المؤلّف، والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 274
(أشار إليه دون ذكره) ، ودلائل النبوّة لأبي نعيم 117- 119، والمستدرك
على الصحيحين للحاكم 3/ 9- 11، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 228- 237،
والاستيعاب لابن عبد البرّ 4/ 495- 498، والكامل في التاريخ لابن
الأثير 2/ 106، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 2/ 380، والروض الأنف
للسهيلي 2/ 234- 235، وأسد الغابة لابن الأثير 5/ 497، وتهذيب تاريخ
دمشق لابن عساكر 1/ 326- 327، وتهذيب الكمال للمزّي 1/ 221- 223،
ونهاية الأرب للنويري 16/ 236- 237، والشمائل لابن كثير 44- 49،
والسيرة له 2/ 257- 263، وإمتاع الأسماع للمقريزي 1/ 43، وعيون الأثر
لابن سيّد الناس 1/ 189، والوافي بالوفيات للصفدي 16/ 553- 556،
والإصابة لابن حجر 4/ 497- 498، والخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 188،
وتاريخ الخميس للدياربكري 1/ 375- 377، ومجمع الزوائد للهيثمي 6/ 55-
58 و 8/ 278- 279.
[2] كتب في حاشية الأصل هنا: «قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد» .
[3] في ذيل المذيل للطبري 577 بعد «مكة» : «خرج منها مهاجرا إلى
المدينة» .
[4] أي نفذ زادهم. وفي ذيل المذيّل: «قال أبو هشام: مشتين» ، قال
الطبري: «وإنّما هو مسنتين» .
(1/437)
مَعْبَدٍ» ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا
الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ» ؟
قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ أَنْ
أَحْلُبَهَا» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا
حَلْبًا فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا،
وَسَمَّى اللَّهَ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ [1]
عَلَيْهِ [2] ، وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ
[3] الرَّهْطَ، فَحَلَبَ [4] ثَجًّا حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ
سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ، ثُمَّ سَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا،
ثُمَّ شَرِبَ آخِرُهُمْ [5] . ثُمَّ حَلَبَ [6] ثَانِيًا بَعْدَ
بَدْءٍ، حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا
وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا.
فَقَلَّمَا لَبِثَتْ، حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ، يَسُوقُ
أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا [7] مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ.
فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ
لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ وَالشَّاءُ [8] عَازِبٌ حِيَالٌ [9] ،
وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ
مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ:
صِفِيهِ لِي [10] .
قَالَتْ: رَجُلٌ [11] ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ،
حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تُعِبْهُ ثَجْلَةٌ [12] ، لَمْ تُزْرِ بِهِ
صَعْلَةُ [13] ، وَسِيمٌ قسيم [14] ، في عينيه دعج، وفي أشفاره
__________
[1] تفاجّت: التفاج: المبالغة في تفريج ما بين الرجلين، وهو من الفجّ
الطريق.
[2] «عليه» غير موجودة في (ع) .
[3] يربض: الإرباض: الإرواء.
[4] في المذيّل «فحلب فيه» .
[5] زاد في ذيل المذيّل، ومجمع الزوائد: «ثم أراضوا» .
[6] في ذيل المذيّل «حلب فيه» .
[7] يتساوكن هزالا: يتمايلن من الضّعف.
[8] في ذيل المذيّل «الشاة» .
[9] عازب حيال: أي بعيدة المرعى، لا تأوي إلى المنزل إلّا في الليل.
والحيال: جمع حائل، وهي التي لم تحمل.
[10] في ذيل المذيّل «يا أمّ معبد» .
[11] في ذيل المذيّل «رأيت رجلا» .
[12] في الذيل «نحلة» .
[13] الصعلة: صغر الرأس. وفي الذيل «صقلة» .
[14] القسام: الجمال. رجل مقسم الوجه، وقسيم الوجه.
(1/438)
وَطَفٌ [1] ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ [2] ،
وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ [3] ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، أَزَجُّ
أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا
وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ،
وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ
[4] لَا نَزْرٌ وَلَا هَذَرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ
يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لَا يَائُسٌ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ
[5] عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْظَرُ
[6] الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ
يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا [7] لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ
تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا
مُفَنَّدٌ [8] .
قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: فَهَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ، الَّذِي
ذُكِرَ لَنَا مِنْ أمره [9] ، ولقد هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ،
وَلَأَفْعَلَنَّ [10] إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.
وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ [11] ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ،
وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ
مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ
أَمْسَى [12] رَفِيقَ محمد
__________
[1] زاد في المذيّل: «قال أبو هشام: عطف» . وهو طول الأشفار.
[2] في الذيل: «صهل» قال الشيخ: «وهو خطأ وإنّما هو صحل، بالحاء» . وهو
صوت فيه بحّة.
[3] السطع: طول العنق.
[4] فصل: أي منطقه وسط.
[5] لا تقتحمه: أي لا تزدريه.
[6] في الذيل «أنضر» .
[7] في الذيل «نصتوا لقوله. قال الطبري: وإنّما هو أنصتوا لقوله» .
[8] زاد في الذيل: «قال أبو هشام: ولا معتد، وهو خطأ» .
[9] زاد في الذيل «ما ذكر بمكة» .
[10] «ولأفعلنّ» ليست في الذيل.
[11] في الذيل: «فأصبح صوت ببكة عاليا» .
[12] في مجمع الزوائد «من أضحى» .
(1/439)
فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ
عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ [1] لَا يُجَارَى [2] وَسُؤْدُدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ [3] فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا
لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمْ إِنْ
تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا [4]
ضَرَّةِ الشَّاةِ مُزْبِد
فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي
مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ [5] شَبَّبَ يُجَاوِبُ
الْهَاتِفَ، فَقَالَ:
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ
يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ
بِنُورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ
يَتْبَعِ [6] الْحَقَّ يُرْشَدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عَمَايَتُهُمْ هَادٍ
بِهِ كُلَّ مُهْتَدِي [7]
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ ... رِكَابُ هُدًى
حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ
نَبِيٌّ يَرَى ما لا يرى النّاس حوله ... ويتلوا كِتَابَ اللَّهِ فِي
كُلِّ مَسْجِدِ [8]
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي
الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ
يُسْعِدِ اللَّهُ يَسْعَدِ [9]
قَوْلُهُ: (إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ) يُرِيدُ أَنَّهُ يَمِيدُ فِي
مِشْيَتِهِ، وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ.
__________
[1] الفعال: كسحاب. اسم الفعل الحسن، والكرم، (القاموس المحيط) .
[2] في الذيل «يجازى» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «تجازى» .
[3] في الذيل «مقام» .
[4] في النهاية «له بصريح ضرّة الشّاة مزبد» ، وفي الذيل «عليه صريح» .
وقال الطبري: «هكذا أنشدنيه أبو هشام، وإنّما هو: فتحلّبت له بصريح
ضرّة الشاة مزبد» .
[5] زاد في الذيل: «شاعر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» .
[6] فِي الذيل «يبتغ» .
[7] ورد هذا الشطر في الذيل هكذا:
«عمّى وهداة يهتدون بمهتد» .
[8] زاد في الذيل: «قال الطبري: والّذي نرويه: «في كل مشهد» .
[9] انظر الأبيات في ديوان حسّان بن ثابت، ص 87.
(1/440)
وَقَوْلُهُ: «فَخْمًا مُفَخَّمًا» قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ: الْفَخَامَةُ فِي الْوَجْهِ نُبْلُهُ وَامْتِلَاؤُهُ،
مَعَ الْجَمَالِ وَالْمَهَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:
مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا مُعَظَّمًا فِي الصُّدُورِ
وَالْعُيُونِ، وَلَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ في جسمه ضخما.
و (أقنى الْعِرْنَيْنِ) : مُرْتَفِعُ الْأَنْفِ قَلِيلًا مَعَ
تَحَدُّبٍ، وَهُوَ قريب من الشّمم.
و (الشنب) : ماء ورقّة في الثّغر.
و (الفلج) : تباعد ما بين الأسنان.
و (الدمية) : الصُّورَةُ الْمُصَوَّرَةُ.
وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ أُمِّ مَعْبَدٍ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ [1]
فَقَالَ: أنا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو
بْنِ مَطَرٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى
الْحَلْوَانِيُّ، ثنا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ مَهْدِيٍّ، ثنا
أَبِي، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ.
فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ
بْنِ الْحَكَمِ الْخُزَاعِيُّ بِقُدَيْدٍ [2] ، إِمْلَاءً عَلَى أَبِي
عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: ثنا عَمِّي سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ.
وَسَمِعَهُ ابْنُ مَطَرٍ بِقُدَيْدٍ أَيْضًا، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَرَوَاهُ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ الْخُزَاعِيِّ- وَكُنْيَتُهُ
أبو القاسم- يعقوب بن
__________
[1] في دلائل النبوّة 1/ 228.
[2] قديد: بضم القاف وفتح الدال وسكون الياء. موضع قرب مكة. (معجم
البلدان 4/ 313) .
(1/441)
سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [1] ، مَعَ
تَقَدُّمِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنُ خُزَيْمَةَ [2] ، وَجَمَاعَةٌ آخِرُهُمُ الْقَطِيعِيُّ.
قَالَ الْحَاكِمُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الصَّالِحَ أَبَا بَكْرٍ
أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ
بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ آبَائِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ لَهُ:
سَمِعْتُهُ مِنْ مُكْرِمٍ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، حج أبي بي، وأنا ابن
سبع سنين، فأدخلني على مكرم.
ورواه البيهقي [3] أيضا في اجتياز النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ
مُكْرِمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
الْقَيْسِيِّ، قَالَا: ثنا أَبُو أَحْمَدَ بِشْرُ بْنُ، مُحَمَّدٍ
الْمَرْوَزِيُّ السُّكَّرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ
الْمَذْحِجِيُّ، ثنا الْحُرُّ بْنُ الصَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ
الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطَ
اللَّيْثِيُّ- كَذَا قَالَ: اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ الدِّيلِيُّ- مَرُّوا
بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ [4] .
وَقَوْلُهُمَا ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ: أَيْ ظَاهِرُ الْجَمَالِ.
وَمُرْمِلِينَ: أَيْ قَدْ نَفَدَ زَادُهُمْ. وَمُسْنِتِينَ: أَيْ
دَاخِلِينَ فِي السَّنَةِ وَالْجَدْبِ.
وَكِسْرُ الْخَيْمَةِ: جانبها.
وتفاجّت: فتحت ما بين رجليها.
__________
[1] الحديث غير موجود في المطبوع من كتاب المعرفة والتاريخ، وإنّما
أشار إليه نقلا عن البيهقي 3/ 274.
[2] انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم 2/ 117.
[3] في دلائل النبوّة 1/ 228 وما بعدها.
[4] وهو في طبقات ابن سعد 1/ 230- 233 من الطريق نفسها.
(1/442)
وَيُرْبِضُ الرَّهْطَ: يَرْوِيهِمْ حَتَّى
يُثْقِلُوا فَيَرْبِضُوا، وَالرَّهْطُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى
الْعَشَرَةِ.
وَالثَّجُّ: السَّيْلُ.
وَالْبَهَاءُ: وَبِيضُ رَغْوَةِ اللَّبَنِ، فَشَرِبُوا حَتَّى
أَرَاضُوا، أَيْ رَوَوْا. كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ.
وَتَسَاوَكْنَ: تَمَايَلْنَ مِنَ الضَّعْفِ، وَيُرْوَى: تَشَارَكْنَ
[1] ، أَيْ عَمَّهُنَّ الْهُزَالُ.
وَالشَّاءُ عَازِبٌ: بَعِيدٌ فِي الْمَرْعَى.
وَأَبْلَجُ الْوَجْهِ: مُشْرِقُ الْوَجْهِ مُضِيئُهُ.
وَالثَّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ مَعَ اسْتِرْخَاءِ أَسْفَلِهِ.
وَالصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ، وَيُرْوَى (صَقْلَةٌ) وَهِيَ
الدِّقَّةُ وَالضَّمْرَةُ، وَالصَّقْلُ: مُنْقَطِعُ الْأَضْلَاعِ مِنَ
الْخَاصِرَةِ.
وَالْوَسِيمُ: الْمَشْهُورُ بِالْحُسْنِ، كَأَنَّهُ صَارَ الْحُسْنُ
لَهُ سِمَةً.
وَالْقَسِيمُ: الْحَسَنُ قِسْمَةِ الْوَجْهِ.
وَالْوَطْفُ: الطُّولُ.
وَالصَّحْلُ: شِبْهُ الْبَحَّةِ.
وَالسَّطْعُ: طُولُ الْعُنُقِ.
لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ: أَيْ لَا تَزْدَرِيهِ لِقِصَرِهِ
فَتُجَاوِزُهُ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ تَهَابُهُ وَتَقْبَلُهُ.
وَالْمَحْفُودُ: الْمَخْدُومُ.
وَالْمَحْشُودُ: الَّذِي يَجْتَمِعُ النّاس حوله.
__________
[1] أي عمّهن الهزال فاشتركن فيه. كما في (النهاية) .
(1/443)
وَالْمُفَنَّدُ: الْمَنْسُوبُ إِلَى
الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعَقْلِ.
وَالضَّرَّةُ [1] أَصْلُ الضَّرْعِ.
وَمُزْبِدُ خُفِضَ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: (فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لَحِالِبٍ) .
أَيْ خَلَّفَ الشَّاةَ عِنْدَهَا مُرْتَهِنَةً بِأَنْ تَدُرَّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ: ثنا جُمَيْعُ بْنُ
عُمَرَ الْعِجْلِيُّ إِمْلَاءً، ثنا رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- مِنْ
وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ-
عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ،
وَكَانَ وَصَّافًا- عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا
أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يتلألأ وجهه تلألأ الْقَمَرِ،
أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ [2] ،
عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِذَا انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ
[3] فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ
إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ، وَاسِعُ الْجَبِينِ.
أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ: سَوَابِغُ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا
عِرْقُ يُدِرُّهُ [4] الْغَضَبُ. أَقْنَى [5] الْعِرْنَيْنِ، لَهُ
نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثُّ
اللِّحْيَةِ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ، أَشْنَبُ
مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ
جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ. مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ،
بَادِنٌ، مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضُ
الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ،
أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللُّبَّةِ
وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ
وَالْبَطْنِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، أَشْعَرُ
__________
[1] في ع (الصرة) وهو تصحيف.
[2] في حاشية الأصل (هو الطوال) .
[3] العقيصة: الشعر المعقوص، وهو نحو من المضفور.
[4] في طبقات ابن سعد 1/ 422 «يديره» .
[5] في حاشية الأصل: الأقنى من ارتفع أنفه في وسطه. والضليع: المتسع.
(1/444)
الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ
وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ [1] ،
شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلُ [2]- أَوْ سَائِرُ-
الْأَطْرَافِ، خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ،
يَنْبُو عَنْهُمَا الماء، إذا زال زَالَ قَلْعًا [3] ، يَخْطُو
تَكَفِّيًا [4] ، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ، إِذَا مَشَى
كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا،
خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ
إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ [5]
أَصْحَابَهُ، وَيَبْدُرُ [6] مَنْ لَقِيَهُ بالسلام.
قَالَ: قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ
الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، طَوِيلَ السَّكْتِ [7] ، لَا
يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ،
بِأَشْدَاقِهِ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ
الْكَلِمِ، فَصْلٌ [8] لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ، دَمِثٌ لَيْسَ
بِالْجَافِي وَلَا الْمَهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ،
لَا يَذُمُّ مِنْهَا [9] شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ
ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ [10] ، وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا
كَانَ لَهَا، فَإِذَا تَعَدَّى [11] الْحَقُّ، لم يعرفه أَحَدٌ، وَلَمْ
يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ له، ولا يغضب لنفسه ولا
ينتصر
__________
[1] زاد ابن سعد هنا «سبط القصب» وفي المعرفة والتاريخ «سبط الغضب» .
[2] السائل الأطراف: الممتدّ الأصابع. على ما في (ألوفا بأحوال المصطفى
لابن الجوزي 2/ 398) .
[3] في تهذيب تاريخ دمشق «تقلّعا» .
[4] أي يتمايل إلى قدّام، كما في (النهاية) .
[5] في طبقات ابن سعد «يسبق» .
[6] في المعرفة والتاريخ، وتهذيب تاريخ دمشق «يبدأ» .
[7] في الأصل (السلت) وهو تصحيف. وفي المنتقى لابن الملا (السكوت) ،
وكذا في تهذيب تاريخ دمشق، والمعرفة والتاريخ.
[8] في طبقات ابن سعد «فضل» .
[9] إضافة على الأصل من مختلف المراجع.
[10] هنا نقص في (ع) .
[11] في طبقات ابن سعد «تعوطي» ، وفي المعرفة والتاريخ «تعرّض» وكذا في
تهذيب تاريخ دمشق.
(1/445)
لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ
كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ
بِهَا، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ [1]
الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ
ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا، ثُمَّ
حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، يَعْنِي إِلَى
هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ،
وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مُدْخَلِهِ وَمُخْرَجِهِ
وَشَكْلِهِ [2] ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ:
فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا
لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ
دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ:
جُزْءًا للَّه، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ
جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَرَدَّ [3] ذَلِكَ
بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا،
فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ
الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ [4] ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي
الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ،
وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ
فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ،
وَإِخْبَارُهُمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، يَقُولُ: (لِيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ
إِبْلَاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا
يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ) ، وَلَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ
مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا، وَلَا يَفْتَرِقُونَ
إِلَّا عَنْ ذواق [5] ويخرجون أدلّة، يعني على الخير [6] .
__________
[1] في طبقات ابن سعد، والمعرفة والتاريخ «إبهامه» بدل «راحته» .
[2] في طبقات ابن سعد، والمعرفة والتاريخ، وتهذيب تاريخ دمشق «مجلسه» .
[3] في طبقات ابن سعد «فيسرد» . وفي تهذيب تاريخ دمشق «فيردّ» .
[4] في طبقات ابن سعد «ناديه» ، وفي المعرفة والتاريخ «بأدبه» .
[5] ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يتفرّقون إلّا عن
علم وأدب يتعلّمونه، يقوم لأنفسهم وأرواحهم مقام الطعام والشراب
لأجسامهم. (النهاية لابن الأثير 2/ 172) .
[6] في المعرفة والتاريخ، وتهذيب تاريخ دمشق «يعني فقهاء» .
(1/446)
فَسَأَلْتُهُ عَنْ مُخْرَجِهِ، كَيْفَ
كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قال: كان يخزن لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا
يَعْنِيهِ [1] ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ
كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ
وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ
وَلَا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ
عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ
الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ [2] ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ
مُخْتَلِفٍ، لا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا [3]
، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا
يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ [4] يَلُونَهُ مِنَ النّاس خيارهم، وأفضلهم
عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ [5]
أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً [6] [7] .
فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُومُ
وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ
وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا [8] ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ
جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كُلَّ جُلَسَائِهِ
نَصِيبَهُ، وَلَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ
مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى
يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ
إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ
مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ
فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ
وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ
الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ،
__________
[1] في طبقات ابن سعد «يعينهم» ، وفي المعرفة والتاريخ «بما يعينهم» ،
وفي تهذيب تاريخ دمشق «يعنيهم» .
[2] في طبقات ابن سعد، وتهذيب تاريخ دمشق «يوهنه» .
[3] في المعرفة والتاريخ «يميلوا» .
[4] في طبقات ابن سعد «لا يجوزه الدين» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «ولا
يجاوز إلى غيره» .
[5] في المراجع الأخرى «عنده منزلة» .
[6] في حاشية الأصل «بلغت قراءة على مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله
الذهبي. كتبه ابن البعلي، وذلك في الخامس عشر» .
[7] في المراجع زيادة «ومؤازرة» .
[8] قال ابن الأثير في النهاية: «أي لا يتّخذ لنفسه مجلسا يعرف به» .
(1/447)
مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ
بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ،
وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ،
ويحفظون الغريب. أخرجه التِّرْمِذِيُّ أَكْثَرَهُ مُقَطَّعًا فِي
«كِتَابِ الشَّمَائِلِ» [1] .
وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ [2] ، وَغَيْرُهُ،
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ. وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ،
وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْخَصِيبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيِّ [3] ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ
الْعِجْلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ
التَّمِيمِيِّ- مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ [4] .
وَفِيهِ زَائِدٌ من هذا الوجه وهو: فسألته عَنْ سِيرَتِهِ فِي
جُلَسَائِهِ فَقَالَ: كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ،
لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ،
وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا
لَا يَشْتَهِيهِ، وَلَا يُؤْيَسُ مِنْهُ، وَلَا يُحَبَّبُ فِيهِ، قَدْ
تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: مِنَ الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا
لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ
أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا
يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ
جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رءوسهم
__________
[1] ص 329 و 344 وإسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، وكذا شيخه جميع بن
عمر، ولجهالة الرجل من بني تميم، والراويّ عنه.
[2] في نسخة دار الكتب «الشجري» وهو تصحيف.
[3] العنقزي: بفتح العين وسكون النون وفتح القاف. (اللباب 2/ 362) .
[4] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 422- 424، والفسوي في المعرفة
والتاريخ 3/ 284- 286، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 238- 251، وابن
عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 329- 334، عن الخطيب البغدادي،
واللالكائي، والترمذي في الشمائل 9- 11، وابن كثير في الشمائل 50- 55،
والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 214- 217، وابن شاكر الكتبي في عيون
التواريخ 1/ 398- 402، وابن سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 323- 328،
وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 31- 33، والهيثمي في مجمع الزوائد 8/
273، والنويري في نهاية الأرب 18/ 271- 278، والسيوطي في الخصائص
الكبرى 1/ 76- 77.
(1/448)
الطّير، فإذا سكت تكلّموا، ولا
يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ،
وَكَانَ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا
يَتَعَجَّبُونَ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي
مَنْطِقِهِ ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم، وَيَقُولُ: «إِذَا
رَأَيْتُمْ صَاحِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَارْقُدُوهُ» ، وَلَا
يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ [1] ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى
أَحَدٍ حَدِيثَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ.
فَسَأَلْتُهُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى
الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ، فَأَمَّا
تَدَبُّرُهُ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ
النَّاسِ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ
الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا
يَسْتَفِزُّهُ. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بِالْخَيْرِ [2]
لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ،
وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامِ
بِهِمْ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ بِطُولِهِ كُلِّهِ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [3] : ثنا أَبُو
غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَسَعِيدُ بن حمّاد الأنصاريّ المصري قال:
حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ
ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ
أَبِي غَسَّانَ النَّهْدِيِّ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْهُدَى [4] عِيسَى بْنِ يَحْيَى السَّبْتِيِّ،
أَخْبَرَكُمْ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ، أنا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أنا أَبُو سَعْدٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَانِيذِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عمر السِّمَنَانيّ،
__________
[1] قيل: مقتصد في ثنائه ومدحه، وقيل: إلّا من مسلم، وقيل إلّا من
مكافئ على يد سبقت من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
كَمَا فِي (عيون الأثر) . وفي (دلائل النّبوّة للبيهقي) : يريد أنّه
كان إذا ابتدئ بمدح كره ذلك.
[2] في حاشية الأصل (بالحسن. خ) يعني في نسخة.
[3] المعرفة والتاريخ 3/ 284- 287.
[4] في نسخة دار الكتب (الهذيل) بدل (الهدى) وهو وهم.
(1/449)
وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ، قالوا: أن أبو عليّ الحسن بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ التَّاجِرُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْعَلَوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَخِي أَبِي
طَاهِرٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
قال: قال الحسن بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَأَلْتُ
خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ وَصَّافًا، وَأَنَا
أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهُ شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ:
كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جُمَيْعِ بْنِ
عُمَرَ بِطُولِهِ، إِلَّا فِي أَلْفَاظٍ: فَقَالَ فِي (عَرِيضِ
الصَّدْرِ) (فَسِيحِ الصَّدْرِ) ، وَقَالَ (رَحْبَ الْجَبْهَةِ) بَدَلَ
(رَحْبِ الرَّاحَةِ) ، وَقَالَ (يَبْدَأُ) بَدَلَ (يَبْدُرُ مَنْ
لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ) ، وَقَالَ (طَوِيلَ السُّكُوتِ) بَدَلَ
(السَّكْتِ) ، وَقَالَ (لَمْ يكن ذواقا ولا مدحة) بَدَلَ (لَا يَذُمُّ
ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ) وَأَشْيَاءَ سِوَى هَذَا بِالْمَعْنَى.
قَوْلُهُ مُتَمَاسِكٌ: أَيْ مُمْتَلِئُ الْبَدَنِ غَيْرُ مُسْتَرْخٍ
وَلَا رَهْلٍ، وَالْمُتَجَرِّدُ:
الْمُتَعَرِّي، وَاللُّبَّةُ: النَّحْرُ، وَالسَّائِرُ وَالسَّائِلُ:
هُوَ الطَّوِيلُ السَّابِغُ، وَالْأَخْمَصُ: مَا يُلْصَقُ مِنَ
الْقَدَمِ بِالْأَرْضِ، وَالْمَمْسُوحُ: الْأَمْلَسُ الَّذِي لَيْسَ
فِيهِ شُقُوقٌ، وَلَا وَسَخٌ، وَلَا تَكَسُّرٌ، فَالْمَاءُ يَنْبُو
عَنْهُمَا لِذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُمَا، وَقَوْلُهُ: زَالَ قَلْعًا،
الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا
بِقُوَّةٍ لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيَشْحَطُ مَدَاسَهُ
دَلْكًا بِالْأَرْضِ، وَيُرْوَى: زَالَ قَلْعًا. وَمَعْنَاهُ
التَّثَبُّتُ، وَالذَّرِيعُ: السَّرِيعُ: يَسُوقُ أَصْحَابَهُ: أَيْ
يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَهُ، وَالْجَافِي:
الْمُتَكَبِّرُ، وَالْمَهِينُ: الْوَضِيعُ، وَالذَّوَاقُ: الطَّعَامُ،
وَأَشَاحَ: أَيِ اجْتَنَبَ ذَاكَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَحَبُّ
الْغَمَامِ: الْبَرَدُ، وَالشَّكْلُ: النَّحْوُ وَالْمَذْهَبُ،
وَالْعَتَادُ:
مَا يُعَدُّ لِلْأَمْرِ مِثْلَ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ لَا
تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرَمُ: أَيْ لَا تُذْكَرُ بِقَبِيحٍ، وَلَا
تُنْثَى فَلَتَاتُهُ: أَيْ لَا تُذَاعُ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لِمَجْلِسِهِ
فلتات فتذاع،
(1/450)
وَالنَّثَا فِي الْكَلَامِ: الْقَبِيحُ
وَالْحَسَنُ.
وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ
إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ
صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّ قُرَيْشًا أَتَوْا كَاهِنَةً فَقَالُوا لَهَا:
أَخْبِرِينَا بِأَقْرَبِنَا شَبَهًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَقَامِ،
قَالَتْ: إِنْ جَرَرْتُمْ كِسَاءً عَلَى هَذِهِ السَّهْلَةِ، ثُمَّ
مَشَيْتُمْ عَلَيْهَا أَنْبَأَتْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَأَبْصَرَتْ أَثَرَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: هَذَا
أَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِهِ، فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً
أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ بُعِثَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ:
صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَصْرَ، ثُمَّ
خَرَجَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ
الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ [1] ثُمَّ قَالَ:
بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ
وَعَلِيٌّ يَتَبَسَّمُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] ، عَنْ أَبِي
عَاصِمٍ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ
هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْحَسَنُ
أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ
اللَّهِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذلك.
__________
[1] في الأصل «عنقه» .
[2] في المناقب 4/ 217 باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما. ولفظه:
ليس شبيه بعليّ، وعليّ يضحك.
(1/451)
بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [1]
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) [2] . وَقَالَ (خ م) :
مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ
أَمْرَيْنِ، إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا،
فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا
انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ،
فَيَنْتَقِمَ للَّه بها [3] .
__________
[1] سورة القلم- الآية 4.
[2] رواه أبو داود (4682) في السّنّة، باب الدليل على زيادة الإيمان
ونقصانه، والترمذي (1172) في كتاب الرضاع، باب (11) ما جاء في حق
المرأة على زوجها، وقال: وفي الباب عن عائشة، وابن عباس. وحديث أبي
هريرة حديث حسن صحيح، وفي كتاب الإيمان (2743) باب في استكمال الإيمان
والزيادة والنقصان، والدارميّ في الرقاق، رقم (74) ، وأحمد في المسند
2/ 250 و 472 و 527 و 6/ 47 و 99.
[3] رواه البخاري 4/ 166- 167 في المناقب، باب صفة النبي صلّى الله
عليه وسلّم، وفي الأدب 7/ 101 باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
يسّروا ولا تعسّروا، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس، وفي الحدود 8/
16 باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، ومسلم (2327) في الفضائل،
باب مباعدته صلّى الله عليه وسلّم للآثام، واختياره من المباح أسهله،
وانتقامه للَّه عند انتهاك حرماته، وأبو داود (4785) في الأدب، باب في
التجاوز في الأمر، ومالك في الموطّأ (1628) في كتاب الجامع، باب ما جاء
في حسن الخلق، وأحمد في المسند 6/ 32 و 114 و 116 و 130 و 182 و 223 و
229 و 232 و 262 و 281، وابن سعد في الطبقات 1/ 366.
(1/453)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، لَا امْرَأَةً
وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا
نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ
يُنْتَهَكَ مِنْ محارم الله، فينتقم للَّه. م [1] .
وَقَالَ أَنَسٌ: خَدَمْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر
سنين، فو الله مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ
فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ:
أَلَا فَعَلْتَ كَذَا [2] ؟
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. أَخْرَجَهُ م [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْمَلَ
النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ: لَمْ
يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا
فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عَنْدَ
الْمَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ.
أَخْرَجَهُ خ [5] .
__________
[1] رواه مسلم (2327) في الفضائل، باب مباعدته صلّى الله عليه وسلّم
للآثام، وأبو داود (4786) في الأدب، باب التجاوز في الأمر، وابن سعد في
الطبقات 1/ 367- 368.
[2] رواه البخاري 7/ 82- 83 في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره
من البخل، ومسلم (2309) في الفضائل، باب كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس خلقا، وأبو داود (4774) في
الأدب، باب في الحلم، وابن الأثير في جامع الأصول 11/ 255- 257.
[3] في صحيحه (2150) في الأدب، باب استحباب تحنّك المولود عند ولادته..
وللحديث بقيّة، وابن سعد في الطبقات 1/ 364، وابن عساكر في تهذيب تاريخ
دمشق 1/ 338.
[4] رواه البخاري 3/ 228 في الجهاد والسير، باب الحمائل وتعليق السيف
بالعنق، ومسلم (2307) في الفضائل، باب في شجاعة النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم وتقدّمه للحرب، والنويري في نهاية الأرب 18/ 255.
[5] في صحيحه 7/ 81 في كتاب الأدب، باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحشا ولا متفحّشا، و 7/ 84 باب ما ينهى من
السباب واللعن، وأحمد في المسند 3/ 126 و 144 و 158 و 6/ 309، وابن سعد
1/ 369.
(1/454)
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ [1] ،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا
مُتَفَحِّشًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ
أَخْلَاقًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ
خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:
لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي
الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ
يَعْفُو وَيَصْفَحُ [3] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي
عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً
مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا
عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الحياء من الإيمان» [5] .
__________
[1] في طبعة القدسي 2/ 321 «شفيق» وهو تحريف.
[2] رواه البخاري 7/ 82 في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من
البخل، وفي المناقب 4/ 166 باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم
(2321) في الفضائل، باب كثرة حيائه صلّى الله عليه وسلّم، والترمذي
(2041) في البرّ والصلة، باب ما جاء في الفحش، وقال: هذا حديث حسن
صحيح، و (2084) و (2085) باب ما جاء في خلق النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، وأحمد في المسند 2/ 161 و 189 و 193 و 328 و 448 و 6/ 174 و 236
و 246، وابن سعد في الطبقات 1/ 365، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/
339.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 365، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/
289، وابن عساكر 1/ 340.
[4] رواه البخاري 4/ 197 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، وفي الأدب 7/ 96 باب من لم يواجه الناس بالعتاب، وباب الحياء 7/
100، ومسلم (2320) في الفضائل، باب كثرة حيائه صلّى الله عليه وسلّم،
واللفظ له، وابن ماجة في الزهد (4180) وأحمد في المسند 3/ 77 و 79 و 88
و 91 و 92، وابن سعد في الطبقات 1/ 368، والبيهقي في دلائل النبوّة 1/
270، والترمذي في الشمائل 192 رقم 351، والقاضي عياض في الشفاء 1/ 241
و 242.
[5] أخرجه البخاري في الإيمان 1/ 8 باب أمور الإيمان وقول الله تعالى:
ليس البرّ أن تولّوا
(1/455)
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ
فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى
صَفْحَةِ عَاتِقِهِ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ، ثُمَّ
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ،
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمَنُهُ، وَأَنَّهُ عَقَدَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْدًا، فَأَلْقَاهُ
فِي بِئْرٍ فَصَرَعَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ
فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عَقْدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ فُلَانٍ، وَلَقَدِ
اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عَقْدِهِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْرَجَ الْعَقْدَ، فَوَجَدَ
الْمَاءَ قَدِ اصْفَرَّ، فَحَلَّ الْعَقْدَ، وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ
ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَ [2] .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ زيد أبو يحيى الملائيّ،
حدّثني زيد
__________
[ () ] وجوهكم قبل المشرق والمغرب.. (بلفظ: الحياء شعبة من الإيمان) ،
ومسلم (35) في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها
وفضيلة الحياء، وكونه من الإيمان، وأبو داود (4676) في السّنّة، باب في
ردّ الإرجاء، والترمذي (2748) في الإيمان، باب ما جاء الحياء من
الإيمان، والنسائي في الإيمان 8/ 110، باب ذكر شعب الإيمان، وابن ماجة
في المقدّمة (57) .
[1] رواه البخاري 7/ 94 في الأدب، باب التبسّم والضّحك، ومسلم (1057)
في كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، وأبو داود (4775) في
كتاب الأدب، باب في الحلم وأخلاق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، من طريق
هارون بن عبد الله، عن أبي عامر، عن محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي
هريرة، بنحوه، والنسائيّ 8/ 33- 34 في القسامة، باب القود من الجبذة،
وأحمد في المسند 3/ 153 و 210 و 224، والنويري في نهاية الأرب 18/ 252،
وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 338- 339.
[2] أخرجه النسائيّ في كتاب التحريم 7/ 113 باب سحرة أهل الكتاب، وأحمد
في المسند 4/ 367.
(1/456)
الْعَمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَافَحَهُ الرَّجُلُ
لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ،
وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ، لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ، حَتَّى
يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَهُ
بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ. أَخْرَجَهُمَا الْفَسَوِيُّ عَنْهُمَا فِي
تَارِيخِهِ [1] .
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: مَا
رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [2] فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ
الَّذِي ينحّي رأسه، وما رأيت رسول الله أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَتَرَكَ
يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [3] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا
كَانَ يَتَبَسَّمُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [4] .
وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:
أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مصلّاه حتّى تطلع
الشمس،
__________
[1] المعرفة والتاريخ 3/ 289.
[2] أي جعل فمه يحاذي: أذنه صلّى الله عليه وسلّم للإفضاء بالسّر.
[3] في كتاب الأدب (4794) باب في حسن العشرة.
[4] رواه أبو داود في الأدب (4794) باب في حسن العشرة، والترمذي في صفة
القيامة (2492) باب رقم 47، وهو حديث حسن، والفسوي في المعرفة والتاريخ
3/ 289، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 39، وابن سعد في الطبقات 1/
378، والبغوي في شرح السّنّة 13/ 245- 246 وقال: هذا حديث غريب، وابن
ماجة (3716) والبيهقي في دلائل النبوّة 1/ 273 ورواه البخاري في الأدب
7/ 94- 95 باب التبسّم والضّحك، وفي التفسير 6/ 42 سورة الأحقاف، ومسلم
(899/ 16) في صلاة الاستسقاء، باب التعوّذ عند رؤية الريح والغيم،
والفرح بالمطر، وأحمد في المسند 6/ 66.
(1/457)
وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ
فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي
الْوَلِيدِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَيْتَهُ
فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا
نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهِ، فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ،
وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا
ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ
ذَكَرَهُ مَعَنَا.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ
مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ،
اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وَكَانَ
أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: لَمْ يُسْأَلِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: (لَا) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي
رَمَضَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: أتى رجل
__________
[1] في صحيحه، (2322) كتاب الفضائل، باب تبسمه صلّى الله عليه وسلّم
وحسن عشرته، وفي كتاب المساجد ومواضع الصلاة (670) باب فضل الجلوس في
مصلّاه بعد الصبح، وفضل المساجد، والنسائي في كتاب السهو 3/ 80- 81 باب
قعود الإمام في مصلّاه بعد التسليم، وأحمد في المسند 5/ 86 و 88 و 91،
وابن سعد 1/ 372.
[2] رواه مسلم (2311) في الفضائل، باب ما سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا قط فقال: لا، وكثرة عطائه،
وأحمد في المسند 6/ 130، وابن سعد في الطبقات 1/ 368.
[3] أخرجه البخاري 4/ 165 في المناقب، باب صفة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، ومسلم (2308) في الفضائل، باب كان النبي صلّى الله عليه وسلّم،
أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية
4/ 101، وابن سعد 1/ 368- 369، وأحمد في الزهد- ص 10.
(1/458)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ،
فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي
عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ
فِي بَيْتِهِ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي
بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي
بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يُفَلِّي ثَوْبَهُ،
وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ [3] .
وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ أَبُو عُبَيْدِ
اللَّهِ [4] ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ
الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ،
وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ، خِطَامُهُ مِنْ
ليف [5] .
__________
[1] في صحيحه (2312) في الفضائل، باب ما سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط فقال:
لا، وكثرة عطائه، وأحمد في المسند 3/ 108 و 175 و 259 و 284، والبيهقي
في دلائل النبوّة 1/ 281، وابن كثير في البداية والنهاية 6/ 42،
والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 13 وقال: رواه الطبراني.
[2] رواه أحمد في مسندة 6/ 121 و 167 و 260، وابن سعد 1/ 366، وانظر
الزهد لأحمد- ص 9.
[3] رواه أحمد في المسند 6/ 256، والترمذي في جامعه (2941) والشمائل له
181 رقم 335، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/ 282، وألوفا لابن الجوزي 2/
435، وشرح السّنّة للبغوي 13/ 243، والموارد للهيثمي 524- 525.
[4] في (ع) «عبيد الله» وهو تحريف.
[5] رواه الترمذي في الجنائز (1021) باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة،
رقم (31) وقال: قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم، عن
أنس، ومسلم الأعور يضعّف، وهو مسلم بن كيسان الملائي، ورواه ابن سعد 1/
370 و 371، وأحمد في الزهد 41.
(1/459)
وَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الطَّاطَرِيُّ [1] : نا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ
غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ [2] .
وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ [3] ؟ وَقَالَ
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: نا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً
كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فقالت: يا رسول الله إِنَّ لِي إِلَيْكَ
حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتِ
قُومِي فِيهِ، حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ، فَخَلَا مَعَهَا يُنَاجِيهَا،
حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
بَابُ هَيْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَالِهِ
وَحُبِّهِ وَشَجَاعَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَفَصَاحَتِهِ
قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الأعمش، عن إبراهيم
التّميمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: إِنِّي
لَأَضْرِبُ غُلَامًا لِي، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ
__________
[1] الطاطريّ: بفتح الطاءين، قال ابن الأثير في اللباب 2/ 268: «يقال
لمن يبيع الثياب البيض بدمشق المحروسة ومصر طاطريّ» .
[2] انظر: عمل اليوم والليلة لابن السّنّي 159 رقم 421، وألوفا لابن
الجوزي 2/ 446، والشمائل لابن كثير 81، وأنيس الجليس للمعافى بن زكريا
1/ 279.
[3] رواه مسلم في حديث مرّ أوّله قبل الآن، وهو بطوله: عن عَبْدُ
الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس
خلقا. وكان لي أخ يقال له أبو عمير. قال: أحسبه قال: كان فطيما. قال:
فكان إذا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فرآه، قال: «أبا عمير! ما فعل النّغير؟» . قال: «فكان يلعب به» .
والنغير: تصغير: النغر، وهو طائر صغير، جمعه نغران.
انظر صحيح مسلم (2150) في الأدب، باب استحباب تحنّك المولود عند
ولادته. وابن سعد في طبقاته 1/ 364، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1/
338.
[4] في صحيحه (2326) في الفضائل، باب قَرُبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الناس وتبرّكهم به.
(1/460)
خَلْفِي: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» ،
قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا ألتفت إليه من الغصب، حَتَّى غَشِيَنِي، فَإِذَا
هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ وَقَعَ السَّوْطُ مِنْ يَدِي مِنْ هَيْبَتِهِ، فَقَالَ لِي:
«وَاللَّهِ، للَّه أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى [1] هَذَا» ،
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَضْرِبُ غُلَامًا لِي
أَبَدًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ
حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ
بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ 49: 2 [4] . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: لَا
نُكَلِّمُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ.
وَقَالَ تَعَالَى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ
كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ
يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ 24: 63 [5] .
وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 9: 73 [6] .
__________
[1] كذا في نسخة دار الكتب، وفي الأصل «من» بدل «على» .
[2] رواه مسلم (1659) في كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك، وكفّارة من
لطم عبده، وأحمد في المسند 2/ 45.
[3] في صحيحه (44) كتاب الإيمان، باب وجوب محبّة رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ من الأهل والولد والوالد
والناس أجمعين، وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان 1/ 9- 10 باب حلاوة
الإيمان.
[4] سورة الحجرات- الآية 2.
[5] سورة النور- الآية 63.
[6] سورة التوبة- الآية 73.
(1/461)
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ
مَسِيرَةَ شَهْرٍ» [1] . وقال زهير بن معاوية، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ
الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْقَوْمِ
مِنْهُ، وَقَدْ ثَبُتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، كَمَا أَتَى [2] فِي غَزَوَاتِهِ [3]
. قَالَ زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ يَوْمِ
حُنَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَقِيَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِلِجَامِهَا، فَنَزَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَنْصَرَ، ثُمَّ
قَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب [4] .
__________
[1] أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله 1/ 86 في التيمّم، أول
الكتاب، وفي كتاب الصلاة 1/ 113 باب الصلاة في البيعة، وفي كتاب الجهاد
والسير 4/ 12 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: نصرت بالرعب مسيرة،
شهر، وفي كتاب التعبير 8/ 72 باب رؤيا الليل، و 8/ 76 باب المفاتيح في
اليد، وفي كتاب الاعتصام 8/ 138 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
بعثت بجوامع الكلم، ومسلم (521) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، أول
الكتاب، و (523) ، والدارميّ في السير، رقم 28، والترمذي (1594) في
السير، باب ما جاء في الغنيمة، والنسائي 1/ 210 في كتاب الغسل، باب
التيمّم بالصعيد، و 6/ 3 في كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد، وأحمد في
المسند 1/ 301 و 3/ 222 و 264 و 268 و 314 و 396 و 412 و 455 و 501 و
3/ 304 و 4/ 416 و 5/ 162 و 248 و 256.
[2] هكذا في نسخة دار الكتب، وفي الأصل «يأتي» .
[3] أخرجه مسلم (1776) في كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، من
طريق عيسى بن يونس، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن البراء وقد جاءه رجل.
[4] رواه البخاري في الجهاد والسير 3/ 218 باب من قاد دابّة غيره في
الحرب، و 3/ 220 باب بغلة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم البيضاء، و 3/
233 باب من صفّ أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابّته واستنصر، و 4/ 28 في
باب من قال خذها وأنا ابن فلان، وفي المغازي 5/ 98- 99 باب مقام النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم بمكة زمن الفتح، ومسلم (1776) في الجهاد والسير،
باب في غزوة حنين، والترمذي في الجهاد (1738) باب ما جاء في الثبات عند
القتال، وأحمد في المسند 4/ 280 و 281 و 289 و 304.
(1/462)
ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ.
وَقَدْ أَتَى ذَلِكَ مُطَوَّلًا [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَجْمَلَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَجْوَدَهُمْ كَفًّا، وأشجعهم قلبا، خرج
وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَرَكِبَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ
عُرْيًا [2] ، ثُمَّ رَجَعَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ
تُرَاعُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ اللَّيْثِ الْجَوْهَرِيُّ: ثنا حَمَّادُ بْنُ
أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
وَاقِدٍ، ثنا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَالَكَ أَفْصَحُنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ:
«كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ قَدْ دَرَسَتْ، فَجَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ
فَحَفَّظَنِيهَا» . هَذَا مِنْ «جُزْءِ الْغِطْرِيفِ [4] » . وَقَالَ
عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا أَفْصَحَكَ، مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أَعْرَبُ مِنْكَ،
قَالَ: «حُقَّ لِي، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ القرآن بلسان عربيّ مبين» [5]
.
__________
[1] كذا في نسخة دار الكتب، وهو الصواب، وفي الأصل وفي (ع) : «وسيأتي
هذا» .
[2] زاد في الصحيح: (في عنقه السيف) .
[3] أخرجه البخاري في الجهاد والسير 4/ 10- 11 باب السرعة والركض في
الفزع، ومسلم (2307) في كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم، وتقدّمه للحرب، وأحمد في المسند 3/ 261، والبيهقي في دلائل
النبوّة 1/ 279، وابن سعد 1/ 373، وابن كثير في البداية والنهاية 6/
37.
[4] انظر بمعناه: صحيح مسلم (2308) في كتاب الفضائل، باب كان النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، وشمائل
الترمذي 189- 190 رقم 346، وابن سعد 1/ 375، ودلائل النبوّة للبيهقي 1/
280، والبداية والنهاية 6/ 42.
[5] ونحوه ما رواه البخاري في المناقب 4/ 156 باب نزل القرآن بلسان
قريش، ومثله في فضائل القرآن 6/ 97، باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب
قرآنا عربيا، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.
(1/463)
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيتُ
فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ» ، قُلْنَا:
عَلِّمْنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَعَلَّمَنَا التَّشَهُّدَ فِي
الصَّلَاةِ [1] .
بَابُ زُهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِذَلِكَ يُوزَنُ
الزُّهْدُ وَبِهِ يُحَدُّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا
مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى 20: 131 [2] .
قَالَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا
مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: إِنَّ
اللَّهَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ
أَنْ تَكُونَ مَلَكًا نَبِيًّا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ
جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «بَلْ أَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا» قَالَ: فَمَا أَكَلَ
بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ
تَعَالَى [3] . وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي
زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في خِزَانَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ،
فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَجَلَسَ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ
أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، فَقَلَّبْتُ عَيْنِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شيء
من الدنيا غير قبضتين- أو
__________
[1] روى نحوه ابن ماجة في إقامة الصلاة، والسّنّة فيها (899) و (900) و
(901) وفي الأخير عن أبي موسى الأشعري.
[2] سورة طه- الآية 131.
[3] رواه أحمد في المسند 2/ 231.
(1/464)
قَالَ قَبْضَةً- مِنْ شَعِيرٍ، وَقَبْضَةً
مِنْ قُرْظٍ، نَحْوَ الصَّاعَيْنِ، وَإِذَا أَفِيقٌ [1] مُعَلَّقٌ أَوْ
أَفِيقَانِ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا بْنَ
الْخَطَّابِ» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي
وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ [2] ، وَهَذِهِ
خِزَانَتُكَ! وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ،
وأنت هكذا، فقال: «يا بن الْخَطَّابِ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا
الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا» ؟
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَاحْمَدِ اللَّهَ
تَعَالَى» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] . قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ،
قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا
أُهُبٌ ثَلَاثَةٌ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ
يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسٍ وَالرُّومِ،
وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاسْتَوَى جالسا وقال:
«أفي شكّ أنت يا بن الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ
طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» . فَقُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ، وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا
مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ
تَعَالَى. اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ [4] .
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَدَّلِ،
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، أَخْبَرَكُمُ الْعَلَّامَةُ أَبُو
مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، أَنَّ شَهْدَةَ بِنْتَ أَبِي نَصْرٍ
أَخْبَرَتْهُمْ، أنا أَبُو غَالِبٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، أنا أَبُو
عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا
مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وهو على سرير
مرمول [5]
__________
[1] هو الجلد الّذي لم يتمّ دباغه، وجمعه: أفق.
[2] من خلقه.
[3] في صحيحه من حديث طويل (1479) في كتاب الطلاق، باب في الإيلاء
واعتزال النساء وتخييرهنّ، وقوله تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 66:
4.
[4] أخرجه البخاري في النكاح 6/ 149- 150 باب موعظة الرجل ابنته لحال
زوجها، ومسلّم (1479) في الحديث السابق.
[5] أي نسج وجهه بالسّعف.
(1/465)
بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ
حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاعْوَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْوِجَاجَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ
فِي جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَى،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما
يبكيك» ؟ فقال: كسرى وقيصر يعبثان فِيمَا يَعِيثَانِ [1] فِيهِ،
وَأَنْتَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ! فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ
تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ» ؟ قَالَ: بَلَى،
فَقَالَ: «فَهُوَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ» . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [2] .
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اضْطَجَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ،
فَأَثَّرَ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ وَأَقُولُ:
بِأَبِي وَأُمِّي أَلَا آذَنْتَنَا فنبسط لك [3] ، قال: «ما لي
وللدنيا، إنّما أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ
شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَرِيبٌ
مِنَ الصِّحَّةِ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا
يَسُرُّنِي أَنْ تَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ
شَيْءٌ، إلّا شيء أرصده لديني» . أخرجه البخاري [5] .
__________
[1] في بعض المصادر (يعيشان) وهو تصحيف.
[2] أخرجه مسلّم (2498) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي
عامر الأشعريين، رضي الله عنهما، وأحمد في المسند 3/ 139، وابن سعد في
الطبقات 1/ 466.
[3] في (دلائل النبوّة للبيهقي) : ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه
تنام عليه.
[4] رواه الترمذي في الزهد (2483) باب (31) وقال: هذا حديث صحيح، وابن
ماجة في الزهد (4109) باب مثل الدنيا، وأحمد في المسند 1/ 301، وفي
الزهد- ص 13 و 18 و 20.
[5] أخرجه البخاري في التمنّي 8/ 128 باب تمنّي الخير وقول النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم لو كان لي أحد ذهبا، وفي الاستئذان 7/ 137 باب من أجاب
بلبّيك وسعديك، وفي الرقاق 7/ 177 باب قول النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم: ما أحبّ أن لي مثل أحد ذهبا، ومسلّم (94 و 992) في الزكاة، باب
الترغيب في الصدقة، وابن ماجة، في الزهد (4132) باب في المكثرين، وأحمد
في المسند 2/ 256 و 316 و 349 و 399 و 419 و 450 و 457 و 467 و 530 و
5/ 149 و 152.
(1/466)
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «اللَّهمّ
اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَالْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [1] . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أيام
تباعها مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى تُوُفِّيَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] .
وقال الثَّوْرِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسِ بْنِ
رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نُخْرِجُ
الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَنَأْكُلُهُ، فَقُلْتُ: وَلِمَ
تَفْعَلُونَ؟ فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ حَتَّى لَحِقَ
باللَّه. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَائِشَةَ: كُنَّا
يَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ وَالْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، مَا نُوقِدُ
بِنَارٍ لِطَعَامٍ، إِلَّا أَنَّهُ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّ
حَوْلَنَا أَهْلَ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَيَبْعَثُونَ بِغَزِيرَةِ
الشَّاءِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم من ذلك اللّبن. متّفق عليه
[4] .
__________
[1] أخرجه البخاري في الرقاق 7/ 181 باب كيف كان عيش النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم من الدنيا، ومسلّم (1055) في الزهد
والرقاق، (18 و 19) وفي الزكاة (1055) باب في الكفاف والقناعة،
والترمذي في الزهد (2466) باب ما جاء في معيشة النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم وأهله، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة في الزهد (4139) باب
القناعة، وأحمد في المسند 2/ 232 و 446 و 481، وفي الزهد- ص 13.
[2] في صحيحه (2970) في الزهد والرقائق، باب 20 و 21 و 22 و 23 و 24 و
(2976/ 33) ، ورواه ابن ماجة في الأطعمة (3343) باب خبز البرّ، و
(3344) ، وأحمد في المسند 6/ 42.
[3] في صحيحه 6/ 206 في الأطعمة، باب ما كان السّلف يدّخرون في بيوتهم
وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، و 6/ 210 باب القديد، والترمذي في
الأضاحي (1547) باب في الرخصة في أكلها بعد ثلاث، وقال: هذا حديث
صحيح.. وقد روي عنها هذا الحديث من غير وجه، وابن ماجة (3313) في
الأطعمة، باب القديد، وأحمد في المسند 6/ 128 و 136.
[4] رواه البخاري في الهبة 3/ 128 أول الباب، وفي الزهد والرقاق 7/ 181
باب كيف كان عيش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم من
الدنيا، ومسلّم (2972) في الزهد والرقائق،
(1/467)
وَقَالَ هَمَّامٌ: ثنا قَتَادَةُ، كُنَّا
نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، فَقَالَ:
كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا، حَتَّى لَحِقَ باللَّه، وَلَا
رَأَى شَاةً سَمِيطًا [1] بِعَيْنِهِ قَطُّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[2] .
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى خُوَانٍ [3] ، وَلَا فِي سكرّجة [4] ولا خبز له مرقّق،
فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: عَلَامَ [5] كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى
السُّفَرِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [6] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن يزيد
يُحَدِّثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ
شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ. أخرجه مسلّم [7] .
__________
[ () ] باب 28، وأحمد في المسند 2/ 405 و 6/ 71 و 86 و 108، وفي الزهد-
ص 10، وابن سعد 1/ 403.
[1] أي مشويّة على ما في «النهاية لابن الأثير» .
[2] في صحيحه 7/ 181 في الزهد والرقاق، باب كيف كان عيش النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم عن الدنيا، وفي الأطعمة 6/ 206 باب
شاة مسمومة والكتف والجنب، وابن ماجة (3309) في كتاب الأطعمة، باب
الشواء، و (3339) في باب الرقاق. وأحمد في المسند 3/ 128 و 134 و 250،
وابن سعد 1/ 404.
[3] بضم الخاء وكسرها.
[4] السّكرجة: بضم السين والكاف والراء المشدّدة. (النهاية لابن
الأثير) . وقال الخفاجي في «شفاء الغليل» : الصواب فتح الراء المشدّدة،
وهو إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وأكثر ما يوضع فيها
الكوامخ ونحوها.
[5] في الأصل «على ما» .
[6] في صحيحه 6/ 199 في الأطعمة، باب الخبز المرقّق والأكل على الخوان
والسفرة، و 6/ 205 باب ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه
يأكلون، والترمذي في الأطعمة (1848) باب ما جاء على ما كان يأكل النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجة في الأطعمة (3292) باب الأكل على
الخوان والسفرة، وأحمد في المسند 3/ 130، وفي الزهد- ص 14.
[7] في صحيحه (2970/ 22) في الزهد والرقائق، وأخرجه البخاري في الأطعمة
6/ 205 باب ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، وأحمد
في المسند 5/ 253 و 260 و 267، وفي الزهد 39.
(1/468)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ
سَنِخَةٍ [1] . وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَأَخَذَ
لِأَهْلِهِ شَعِيرًا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا
أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ،
وَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[2] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ
فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
أَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ، كِتَابَةً،
أَنَّ عَبْدَ الْمُنْعِمِ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ
أَجَازَ لَهُمْ، قَالَ: أنا عَلِيُّ بْنُ بَنَانٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة،
ثنا الحسن بْنُ عَرَفَةَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ،
عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فرأت فراش
رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنيّة، فانطلقت فبعثت إليّ
__________
[1] الإهالة: كل ما يؤتدم به، وقيل ما أذيب من الألية والشحم، وقيل
الدسم الجامد.
والسّنخة: المتغيّرة.
[2] في صحيحه 3/ 82 في الاستقراض، باب من اشترى بالدّين وليس عنده ثمنه
أو ليس بحضرته، وفي البيوع 3/ 8 باب شراء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
بالنسيئة، و 3/ 15 باب شراء الإمام الحوائج بنفسه، وفي السّلم 3/ 45-
46 باب الكفيل في السّلم، وباب الرهن في السّلم، وفي الرهن (بلفظه) 3/
115 الباب الأول، وباب من رهن درعه، ومسلّم (1603) في كتاب المساقاة،
باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، وأحمد في المسند 6/ 42 و 160 و 230
و 237، وفي الزهد له ص 9 و 10 و 11، وابن سعد 1/ 407.
[3] رواه البخاري في الزهد والرقاق 7/ 181 في باب كيف كان عيش النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتخلّيهم من الدنيا، وأبو داود في الباس
(4146) باب في الفرش، والترمذي في اللباس (1816) باب ما جاء في فراش
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجة في الزهد (4151) باب ضجاع آل
محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند 1/ 84 و 93 و 104 و 106 و
108 و 6/ 48 و 56 و 73 و 108 و 207 و 212 و 295 و 314 وفي الزهد- ص 19.
(1/469)
بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ، فَدَخَلَ
عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ» ؟ قُلْتُ: فُلَانَةٌ رَأَتْ فِرَاشَكَ،
فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِهَذَا، فَقَالَ: «رُدِّيهِ يَا عَائِشَةُ» ،
قَالَتْ: فَلَمْ أَرُدَّهُ، وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي،
حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَتْ: فَقَالَ: ردّيه فو الله
لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «الزُّهْدِ» [1] ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ- وَهُوَ
ثِقَةٌ- عَنْ مُجَالِدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ [2] . وَأَخْرَجَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ [3] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ
الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ. وَقَالَ زَائِدَةُ: نا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ، حَسِبْتُ ذَلِكَ
مِنْ وَجَعٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ سَاهِمَ
الْوَجْهِ؟ فَقَالَ: مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي
أَتَتْنَا أَمْسِ، وَأَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهُنَّ، فَكُنَّ فِي
خَمْلِ الْفِرَاشِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [4] .
وَقَالَ بَكْرِ بْنُ مُضَرَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا
وَعُرْوَةُ، فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضٍ لَهُ، وَكَانَتْ عِنْدِي
سِتَّةُ دَنَانِيرَ أَوْ سَبَعَةٌ، فَأَمَرَنِي أَنْ أُفَرِّقَهَا،
فَشَغَلَنِي وجعه
__________
[1] ص 20،.
[2] انظر عنه: التاريخ الصغير 70، والضعفاء الصغير 277، والضعفاء
والمتروكين للنسائي 304 رقم 552، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 89 رقم 126،
والمجروحين لابن حبّان 3/ 10، والضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 165 رقم
532، والضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 232 رقم 1826، والجرح والتعديل 8/
361- 362 رقم 1653، والكامل في الضعفاء 6/ 2414، والمغني في الضعفاء 2/
543 رقم 5183، وميزان الاعتدال 3/ 438 رقم 7070، تهذيب التهذيب 10/ 39-
41 رقم 65، تقريب التهذيب 2/ 229 رقم 919.
[3] في الطبقات الكبرى 1/ 465.
[4] رواه أحمد في المسند 6/ 214.
(1/470)
حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ
سَأَلَنِي عَنْهَا، ثُمَّ دَعَا بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ
فَقَالَ: مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ
عِنْدَهُ [1] . وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا
يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ.
وقال بكّار بن محمد السِّيرِينِيُّ: نا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبَرًا
مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا بِلَالُ» ؟ فَقَالَ: تَمْرٌ
أَدَّخِرُهُ، قَالَ: «وَيْحَكَ يا بلال، أو ما تَخَافُ أَنْ يَكُونَ
لَكَ بُخَارٌ فِي النَّارِ، أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي
الْعَرْشِ إِقْلَالًا» . بَكَّارٌ ضَعِيفٌ [2] .
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَبُو عَامِرٍ الْهَوْزَنِيُّ
قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَلَبٍ، فَقُلْتُ:
حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ،
إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ [3] ، مُنْذُ
بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ
الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ [4] ، فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُنِي
فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فأشتري البردة
__________
[1] رواه أحمد في المسند 6/ 104.
[2] قال البخاري: يتكلّمون فيه، وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث روى أحاديث
مناكير، وقال ابن معين: كتبت عنه لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ أَبُو
حَاتِمٍ: لا يسكن القلب عليه مضطرب، وقال أبو زرعة: حدّث عن ابن عون
بما ليس من حديثه، وقال ابن حبّان: لا يتابع على حديثه.
انظر عنه: التاريخ الكبير 2/ 122 رقم 1911، والجرح والتعديل 2/ 409 رقم
1612، والضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 150 رقم 188 وفيه طرف من أول
الحديث، وقال: الرواية فيه مضطربة من غير حديث ابن عون أيضا (151) ،
والمجروحين لابن حبّان 1/ 197، والكامل في الضعفاء لابن عدّي 2/ 477-
478، والمغني في الضعفاء 1/ 111 رقم 958، وميزان الاعتدال 1/ 341 رقم
1263، ولسان الميزان 2/ 44- 45 رقم 161.
[3] عند أبي داود «كنت أنا الّذي ألي ذلك منه» .
وفي طبعة القدسي 2/ 332 «إلى» وهو خطأ.
[4] عند أبي داود «مسلما» .
(1/471)
وَالشَّيْءَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ،
حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ
إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي،
فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتُ يَوْمٍ، تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ
لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ
التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ، قُلْتُ يا لبّيه
[1] ، فتهجّمني، وَقَالَ قَوْلًا غَلِيظًا، فَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ: إِنَّمَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ، فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي
عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ
كَرَامَتِكَ، وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، وَلَكِنْ أَعْطَيْتُكَ
لِتَصِيرَ [2] لِي عَبْدًا، فَأَرُدَّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ، كَمَا
كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَخَذَنِي فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي
أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ،
حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتْمَةَ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ،
فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
إِنَّ الْمُشْرِكَ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا
تَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أَنْ
آتِيَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا،
حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي، فَخَرَجْتُ،
حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي
[3] وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِي الْأُفُقَ،
فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا
نِمْتُ، حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ
أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى، يَدْعُو: يَا بِلَالُ
أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ
عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ
بِقَضَائِكَ» ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ، قَالَ: «أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى
الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:
«فَإِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وما عليهنّ» ، فإذا عليهنّ
__________
[1] عند أبي داود «يا لبّاه» .
[2] هكذا في نسخة دار الكتب، والمنتقى لابن الملّا، أما في الأصل، وفي
(ع) وفي (ح) «لتجب» . واللفظتان غير موجودتين في سنن أبي داود.
[3] عند أبي داود «مجنّي» بدل «رمحي» .
(1/472)
كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ
عَظِيمُ فَدَكٍ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمَّ
عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ إِلَى
الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ إِصْبَعِي فِي أُذُنِي، وَنَادَيْتُ وَقُلْتُ:
مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ، فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي
حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ،
أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ،
وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «مَا فَعَلَ مَا قِبَلُكَ» ؟
قُلْتُ قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، فَقَالَ:
«فَضَلَ شَيْءٌ» ؟
قُلْتُ: نَعَمْ دِينَارَانِ، قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي
مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى
تُرِيحَنِي مِنْهُمَا» ، فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي
الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ
الثَّانِي، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ جَاءَ رَاكِبَانِ،
فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا، فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى
إِذَا صَلَّى الْعَتْمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الَّذِي
قِبَلُكَ» ؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَكَبَّرَ
وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَعِنْدَهُ
ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ، حَتَّى جَاءَ أَزْوَاجَهُ، فَسَلَّمَ
عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ [1] عَنْ تَوْبَةَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثنا أَبُو هَاشِمٍ الزَّعْفَرَانِيُّ،
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
حَدَّثَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَاءَتْ بِكِسْرَةِ
خُبْزٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«مَا هَذِهِ» ؟ قَالَتْ: قُرْصٌ خَبَزْتُهُ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي
حَتَّى أَتَيْتُكَ بِهَذِهِ الْكِسْرَةِ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ
أَوَّلُ طَعَامٍ دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام [2] » .
__________
[1] في سننه (3055) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في الإمام يقبل
هدايا المشركين.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 400.
(1/473)
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ زَيْنَبَ
بِنْتِ أَبِي طَلِيقٍ قَالَتْ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ جَزْءٍ- أَبُو
[1] بَحْرٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشُدُّ صُلْبَهُ بِالْحَجَرِ مِنَ الْغَرَثِ
[2] .
وَقَالَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنْ
مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا
عَائِشَةُ تُحَدِّثُنِي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ بَكَتْ، فَقُلْتُ: مَا
يُبْكِيكِ؟
قَالَتْ: مَا مَلَأْتُ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ فَشِئْتُ أَنْ أَبْكِيَ
إِلَّا بيكت أَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ [3] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا
أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَإِنَّهُنَّ
لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ» ، وَاللَّهِ مَا قَالَهَا اسْتِقْلَالًا
لِرِزْقِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ.
رَوَى الْأَرْبَعَةُ «ابْنُ سَعْدٍ» [4] عَنْ هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ أَبَانٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ يَهُودِيًّا
دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُبْزِ
شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ [5] .
وَقَالَ أَنَسٌ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَمْرٌ، فَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مقعيا [6] من الجوع
[7] .
__________
[1] في طبعة القدسي 2/ 334 «أو» .
[2] الغرث: أي الجوع. والحديث في طبقات ابن سعد 1/ 400.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 400- 401.
[4] في الطبقات 1/ 401.
[5] أخرجه البخاري في البيوع 3/ 8 باب شراء النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم بالنسيئة، وابن سعد 1/ 407.
[6] قال ابن الأثير في النهاية: مقعيا: أراد أنه كان يجلس عند الأكل
على وركيه مستوفزا غير متمكّن.
[7] أخرجه مسلّم (2044) في الأشربة، باب استحباب تواضع الأكل، وصفة
قعوده، وأبو داود
(1/474)
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ [1]
تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِرْعُهُ
مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ على شعير [2] .
__________
[ () ] في الأطعمة (3771) باب ما جاء في الأكل متّكئا، وأحمد في المسند
3/ 180، وابن سعد في الطبقات 1/ 407.
[1] حديث أسماء أخرجه البخاري من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود،
عن عائشة، في الجهاد والسير 3/ 231 باب ما قيل في درع النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم والقميص في الحرب، وفي المغازي 5/ 145 باب وفاة النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم، والترمذي في البيوع (1232) باب ما جاء في الرخصة في
الشراء إلى أجل، والنسائي في البيوع 7/ 288 باب الرهن في الحضر، و 7/
303 باب مبايعة أهل الكتاب، وابن ماجة (2438) في كتاب الرهون،
والدارميّ في البيوع، رقم (44) ، وأحمد في المسند 1/ 236 و 300 و 301 و
361 و 3/ 102 و 133 و 238 و 6/ 453 و 457، وابن سعد 1/ 408.
[2] ورد في الأصل هنا: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله
في مدّته، في الميعاد التاسع» .
(1/475)
فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ثَبُتَ
عَنْهُ يَقُولُ: «اللَّهمّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ،
فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ [1] » . وَكَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ
وَالْعَسَلَ وَاللَّحْمَ، وَلَا سِيَّمَا الذِّرَاعَ. وَكَانَ يَأْتِي
النِّسَاءَ، وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَيَصُومُ، وَيُفْطِرُ، وَيَنَامُ،
وَيَتَطَيَّبُ إِذَا أَحْرَمَ وَإِذَا حَلَّ، وَإِذَا أَتَى
الْجُمُعَةَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيَثْبُتُ
عَلَيْهَا وَيَأْمُرُ بِهَا، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ،
وَيَأْكُلُ مَا وَجَدَ، وَيَلْبَسُ مَا وَجَدَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ
لِقَصْدِ ذَا وَلَا ذَا، وَيَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ،
وَالْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ، وَإِذَا رَكِبَ أَرْدَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ
الصَّغِيرَ أَوْ يُرْدِفُ وَرَاءَهُ عَبْدَهُ أَوْ مَنِ اتَّفَقَ،
وَيَلْبَسُ الصُّوفَ وَيَلْبَسُ الْبُرُودَ الحبرة، وكانت أَحَبَّ
اللِّبَاسِ إِلَيْهِ، وَهِيَ بُرُودٌ يَمَنِيَّةٌ فِيهَا حمرة
__________
[1] رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إسحاق
بن منصور، عن هريم، عن ليث عن كعب، عن أبي هريرة. وله زيادة: «وأعوذ بك
من الخيانة، فإنّها بئست البطانة» ، في كتاب الأطعمة (3354) باب
التعوّذ من الجوع. قال في الزوائد: في إسناده ليث بن سليم، وهو ضعيف،
وأبو داود في كتاب الصلاة (1547) باب في الاستعاذة، وهو من طريق:
محمد بن العلاء، عن ابن إدريس، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، والنسائي في الاستعاذة 8/ 263
باب الاستعاذة من الجوع، وابن سعد 1/ 409.
(1/477)
وَبَيَاضٌ، وَيَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ
بِخَاتَمِ فِضَّةٍ نَقْشُهُ «محمد رسول الله» وَرُبَّمَا تَخَتَّمَ فِي
يَسَارِهِ.
وَكَانَ يُوَاصِلُ فِي صَوْمِهِ، وَيَبْقَى أَيَّامًا لَا يَأْكُلُ،
وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ، وَيَقُولُ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ،
إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» [1] . وَكَانَ
يَعْصِبُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ، وَقَدْ أُتِيَ
بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا،
وَاخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَيْهَا، وَكَانَ كَثِيرَ التَّبَسُّمِ،
يُحِبُّ الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ. وَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ،
يَرْضَى لِرِضَاهُ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ.
وَكَانَ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا معلّم له من البشر، نشأ فِي
بِلَادٍ جَاهِلِيَّةٍ، وَعِبَادَةِ وَثَنٍ، لَيْسُوا بِأَصْحَابِ
عِلْمٍ وَلَا كُتُبٍ، فَآتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِ
أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 53: 3- 4 [2] .
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَطْرَافِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَصِحَاحٌ
مَشْهُورَةٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ
النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» [3]
.
__________
[1] رواه البخاري في التمنّي 8/ 131 باب ما يجوز من اللّو وقوله تعالى:
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً 11: 80، وفي الصوم 2/ 232 باب بركة
السحور من غير إيجاب.. و 2/ 242 باب الوصال ومن قال ليس في الليل
صيام.. و 6/ 243 باب التنكيل لمن أكثر الوصال، وباب الوصال إلى السحر،
ومسلم (1103) في الصوم، باب النهي عن الوصال في الصوم، وأحمد في المسند
3/ 8 و 6/ 126.
[2] سورة النجم- الآية 3.
[3] رواه النسائي في عشرة النساء 7/ 61 باب حبّ النساء، من طريق الحسين
بن عيسى القومسيّ، عن عفّان بن مسلم، عن سلّام أبي المنذر، عن ثابت، عن
أنس، وأحمد في المسند 3/ 128 و 199 و 285، وابن سعد في الطبقات 1/ 398.
(1/478)
وَقَالَ أَنَسٌ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ فِي ضَحْوَةٍ بِغُسْلٍ
وَاحِدٍ [1] .
وَكَانَ يُحِبُّ مِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ، وَمِنَ الرِّجَالِ
أَبَاهَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَزَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ، وَابْنَهُ أُسَامَةَ، وَيَقُولُ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ
الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» [2] .
وَيُحِبُّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سِبْطَيْهِ، وَيَقُولُ: «هُمَا
رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» [3] وَيُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ [4] ، وَيُحِبُّ
التَّيَمُّنَ فِي تَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ [5] ، وَفِي شأنه كلّه.
__________
[1] رواه البخاري في النكاح 6/ 155 باب من طاف على نسائه في غسل واحد،
والنسائي في الغسل والتيمّم 1/ 209 باب الطواف على النساء في غسل واحد،
وابن ماجة في الطهارة (588) باب ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلا
واحدا، والدارميّ في الوضوء، باب رقم (71) ، وأحمد في المسند 6/ 8 و 9
و 391.
[2] أخرجه البخاري في الإيمان 1/ 10 باب علامة الإيمان حبّ الأنصار،
وفي مناقب الأنصار 4/ 223 باب حبّ الأنصار من الإيمان، ومسلم (128) في
الإيمان، باب الدليل على أن حبّ الأنصار وعليّ رضي الله عنهم من
الإيمان، وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق، و (78) ، والنسائي في
الإيمان 8/ 116 باب علامة الإيمان، وأحمد في المسند 3/ 70 و 130 و 133
و 249 و 5/ 285 و 6/ 7.
[3] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 217
باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وفي الأدب 7/ 74 باب رحمة
الولد وتقبيله ومعانقته، والترمذي في المناقب (3859) باب مناقب أبي
محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله
عنهما.
[4] رواه الترمذي في مواقيت الصلاة (228) باب ما جاء ليلينّي منكم أولو
الأحلام والنّهى، وابن ماجة في إقامة الصلاة (977) باب من يستحبّ أن
يلي الإمام، وأحمد في المسند 3/ 100 و 199 و 205 و 263.
[5] رواه البخاري في الوضوء 1/ 50 التيمّن في الوضوء والغسل، وفي
الصلاة 1/ 110 باب التيمّن في دخول المسجد وغيره، وفي الأطعمة 6/ 197
باب التيمّن في الأكل وغيره، وفي اللباس 7/ 49 باب يبدأ بالنعل اليمنى،
و 7/ 61 في باب الترجيل، ومسلم (268) في الطهارة، باب التيمّن في
الطهور وغيره، وأبو داود في اللباس (4139) باب في الانتعال، والنسائي
في الطهارة 1/ 78 باب بأيّ الرجلين يبدأ بالغسل، وفي الغسل 1/ 205 باب
التيمّن في الطهور، وابن ماجة في الطهارة (401) باب التيمّن في الوضوء،
وأحمد في المسند 6/ 94 و 130 و 147 و 188 و 202 و 210، والطيالسي في
المسند 200 رقم 1410، وفيض القدير 5/ 207.
(1/479)
وَكَانَ يَقُولُ: «إِنِّي أَخْشَاكُمْ
للَّه وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي» [1] . وَقَالَ: «لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ
كَثِيرًا» [2] . وَقَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» [3] .
وَكُلُّ هَذَا فِي الصِّحَاحِ.
بَابٌ مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ عيينة، عن زيادة [4] بْنِ عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أليس قد غفر الله لك
__________
[1] أخرجه البخاري في النكاح 6/ 116 أول الباب، ومسلم (1108) في الصيام
باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرّمة على من لم تحرّك شهوته، و
(1109) باب صحّة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، وأبو داود في الصوم
(2382) باب القبلة للصائم، ومالك في الموطأ، كتاب الصوم (642) باب ما
جاء في صيام الّذي يصبح جنبا في رمضان، وأحمد في المسند 1/ 249 و 367 و
3/ 485 و 4/ 8 و 6/ 80 و 155.
[2] رواه البخاري في الكسوف 2/ 25 باب الصدقة في الكسوف، وفي التفسير
5/ 190 سورة المائدة، وفي النكاح 6/ 156 باب الغيرة، وفي الرقاق 7/ 186
باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا
ولبكيتم كثيرا، وفي الأيمان والنذور 7/ 218 باب كيف كانت يمين النبي
صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (426) في الصلاة، باب تحريم سبق الإمام
بركوع أو سجود ونحوهما، و (901) في الكسوف، باب صلاة الكسوف، وفي
الفضائل (2359) باب توقيره صلّى الله عليه وسلّم وترك إكثار سؤاله عمّا
لا ضرورة إليه أو لا يتعلّق به تكليف، والنسائي في السهو 3/ 83 باب
النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة، وفي الكسوف 3/ 83 باب
النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة، وفي الكسوف 3/ 133 باب
نوع آخر منه عن عائشة، و 3/ 152 باب كيف الخطبة في الكسوف، وابن ماجة
في الزهد (4191) باب الحزن والبكاء، والدارميّ في الرقاق، باب 26،
ومالك في الموطأ (444) باب العمل في صلاة الكسوف، وأحمد في المسند 2/
257، و 313 و 418 و 432 و 453 و 467 و 477 و 2/ 50 و 3/ 102 و 126 و
154 و 180 و 193 و 210 و 217 و 240 و 245 و 251 و 268 و 290 و 5/ 183 و
6/ 81 و 164، وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/ 335.
[3] أخرجه الترمذي في التفسير (3351) سورة الواقعة، وابن سعد 1/ 435،
والترمذي في الشمائل 27 رقم 40.
[4] في نسخة دار الكتب (زيد) وهو تحريف.
(1/480)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: سَأَلْتُ
عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟
قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً [2] ، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ
مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَطِيعُ؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، ثنا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ»
. قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي
لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي،
فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طاقة» [4] .
__________
[1] رواه البخاري في التهجّد 2/ 44 باب قيام النبي صلّى الله عليه
وسلّم حق ترم قدماه، وفي التفسير 6/ 44 سورة الفتح، باب قوله
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ
وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً 48:
2، ومسلم (2819) في صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في
العبادة، والترمذي في الصلاة (410) باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة،
والنسائي في قيام الليل 3/ 219 باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل،
وابن ماجة في إقامة الصلاة (1419) و (1420) باب ما جاء في طول القيام
في الصلوات، وأحمد في المسند 4/ 251 و 255 و 6/ 115.
[2] الدّيمة: المطر الدائم، شبّهت عمله في دوامه بديمة المطر. (انظر
عيون الأثر 2/ 335) .
[3] أخرجه البخاري في الصوم 2/ 248 باب هل يخصّ شيئا من الأيام، وفي
الرقاق 7/ 181 باب القصد والمداومة على العمل، ومسلم (783) في صلاة
المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، وأبو داود في
الصلاة (1370) باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة وأحمد في المسند 4/
109 و 6/ 43 و 55 و 174 و 189.
[4] أخرجه البخاري في الصوم 2/ 232 باب بركة السحور من غير إيجاب، و 2/
242 باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام، وباب التنكيل لمن أكثر
الوصال، و 2/ 243 باب الوصال إلى السحر، وفي التمنّي 8/ 131 وباب ما
يجوز من اللّو وقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً 11: 80،
ومسلم (1104) في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، وأبو داود
في الصوم (2360) باب في الوصال، و (2374) باب في الرخصة في ذلك،
والترمذي في الصوم (775) باب ما جاء في كراهية الوصال في الصيام،
والدارميّ في الصوم، باب رقم 14، ومالك في الموطأ، كتاب الصوم (672)
باب النهي عن الوصال في الصوم، وأحمد في المسند 2/ 21 و 102 و 112 و
128 و 143 و 153 و 231 و 237 و 244 و 257 و 261 و 281 و 315 و 345 و
377 و 418 و 496 و 516 و 3/ 8 و 57، و 170 و 173 و 202 و 218 و 235 و
247 و 276 و 289 و 4/ 314 و 315 و 5/ 364 و 6/ 242 و 258.
(1/481)
وَفِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إني لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ
مِائَةَ مَرَّةٍ» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَفِي
صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ [2] .
وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ
شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ
شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ،
وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ [3] » . وَأَمَّا تَهَجُّدُهُ وَتِلَاوَتُهُ وَتَسْبِيحُهُ
وَذِكْرُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَخَوْفُهُ وَبُكَاؤُهُ
وَتَوَاضُعُهُ وَرِقَّتُهُ، وَرَحْمَتُهُ لليتيم والمسكين، وصلته
للرّحم، وتبليغه والرسالة، وَنُصْحُهُ الْأُمَّةَ، فَمَسْطُورٌ فِي
السُّنَنِ عَلَى أَبْوَابِ العلم.
__________
[1] رواه مسلم (2702) في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب
استحباب الاستغفار والاستكثار منه، وأبو داود (1515) في الصلاة، باب
الاستغفار، والترمذي (3312) في التفسير، سورة محمد صلّى الله عليه
وسلّم، وابن ماجة في الأدب (3815) باب الاستغفار، والدارميّ في الرقاق،
باب (15) ، وأحمد في المسند 2/ 45 و 4/ 260 و 5/ 394 و 396 و 397 و
402، وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/ 335.
[2] رواه أبو داود في الصلاة (904) باب البكاء في الصلاة، والنسائي في
السهو 3/ 13 باب البكاء في الصلاة، وأحمد في المسند 4/ 25 و 26.
[3] أخرجه الترمذي في التفسير (3351) سورة الواقعة، وابن سعد 1/ 435،
والترمذي في الشمائل 27 رقم 40.
(1/482)
بَابٌ فِي مُزَاحِهِ وَدَمَاثَةِ
أَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عن بكر بن عبد الله بن الْمُزَنِيِّ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَمَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»
. [1] إِسْنَادُهُ قَرِيبٌ مِنَ الْحَسَنِ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْكُوفِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ.
ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ،
عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا
حَقًّا» [2] . تَابَعَهُ أَبُو مَعْشَرَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، وَهُوَ
صَحِيحٌ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ
عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا مَزَحَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَعْضُ دُعَابَاتِ هَذَا
الْحَيِّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «بَلْ بَعْضُ
مَزْحِنَا هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ» . حَمْزَةُ لَا أَعْرِفُهُ
[3] ، وَالْمَتْنُ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفكه
__________
[1] روى ابن ماجة نحوه من حديث (2863) عن طريق محمد بن عمرو، عن عمر بن
الحكم بن ثوبان، عن أبي سعيد الخدريّ، في كتاب الجهاد، باب لا طاعة في
معصية الله.
[2] رواه الترمذي في البرّ والصلة (2058) باب ما جاء في المزاح، وأحمد
في المسند 2/ 340 و 360.
[3] ذكره المؤلّف في المغني في الضعفاء 1/ 192 رقم 1754، وميزان
الاعتدال 1/ 608 رقم 2307.
(1/483)
النَّاسِ [1] . تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ
لَهِيعَةَ، وَضَعْفُهُ مَعْرُوفٌ.
وَجَاءَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ [2] .
وَقَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ أَبِي طِيبَةَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَفَرٍ، فَثَقُلَ عَلَى الْقَوْمِ بَعْضُ مَتَاعِهِمْ، فَجَعَلُوا
يَطْرَحُونَهُ عَلَيَّ، فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتَ زَامِلَةٌ» [3] . وَقَالَ
حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ: سَمِعْتُ
سَفِينَةَ [4] يَقُولُ: ثَقُلَ عَلَى الْقَوْمِ مَتَاعُهُمْ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْسُطْ
كِسَاءَكَ» ، فَجَعَلُوا فِيهِ مَتَاعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ
سَفِينَةٌ» ، قَالَ: فَلَوْ حَمَلْتُ مِنْ يَوْمِئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ
أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً مَا ثَقُلَ
عَلَيَّ.
وَهَذَا يَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثنا
حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اسْتَحْمَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَنَا أَحْمِلُكَ
عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» ، فَقَالَ:
وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ يَا رسول الله؟ فَقَالَ: «وَهَلْ
تَلِدُ الْإِبِلُ إِلَّا النُّوقَ؟» [5] صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قال: كان ابن لأمّ
سليم، يقال
__________
[1] رواه ابن السّنّي في عمل اليوم والليلة 159 رقم 421، وألوفا لابن
الجوزي 2/ 446، وابن كثير في الشمائل 81، والمعافى بن زكريا في أنيس
الجليس 1/ 279.
[2] انظر المصادر السابقة.
[3] الزاملة: البعير الّذي يحمل عليه الطعام والمتاع.
[4] سفينة: هو مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، واسمه مهران.
[5] رواه أبو داود في الأدب (4998) باب ما جاء في المزاح.
(1/484)
لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَازِحُهُ- الْحَدِيثَ [1] .
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ» [2] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَزِيرَةٍ [3] طَبَخْتُهَا، فَقُلْتُ
لِسَوْدَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي
وَبَيْنَهَا: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِي أَوْ
لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِيهَا
فَلَطَّخْتُهَا وَطَلَيْتُ وَجْهَهَا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ عُمَرُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ
اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَظَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: «قُومَا فَاغْسِلَا
وُجُوهَكُمَا» . فَمَا زِلْتُ أَهَابُ عُمَرَ لِهَيْبَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ،
وَقَدْ رَشَّ فِنَاءَ أُطْمِهِ، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ سِمَاطَيْنِ،
وَجَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سِيرِينُ، مَعَهَا مِزْهَرُهَا تَخْتَلِفُ
بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ تُغَنِّيهِمْ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ
يَنْهَهُمْ، وَهِيَ تَقُولُ فِي غِنَائِهَا:
هَلْ عَلَيَّ وَيْحَكُمْ ... إِنْ لَهَوْتُ مِنْ حَرَجٍ
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ: «لَا حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» [4] . حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ هذا مدنيّ،
__________
[1] مرّ الحديث قبل الآن، وهو في صحيح مسلم (2150) وطبقات ابن سعد 1/
364، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 338.
[2] رواه الترمذي في المناقب (3921) باب مناقب أنس بن مالك رضي الله
عنه، وأبو داود في الأدب (5002) باب ما جاء في المزاح، وأحمد في المسند
3/ 117 و 127 و 242 و 260.
[3] الخزيرة: عصيدة بلحم.
[4] رواه المؤلّف في ميزان الاعتدال 1/ 538.
(1/485)
تَرَكَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ
[1] .
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتِ الْحَبَشَةُ
الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ:
«تَعَالَيْ» ، فَقَامَ بِالْبَابِ، وَجِئْتُ فَوَضَعْتُ ذَقْنِي عَلَى
عَاتِقِهِ، وَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ، قَالَتْ: وَمِنْ
قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ «وَأَبُو الْقَاسِمِ طَيِّبٌ» ، فقال رسول الله:
«حَسْبُكِ» . قُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قالت: وَمَا
بِيَ حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ
النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ.
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي
أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ،
الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ [2] .
وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَبَشَةُ في المسجد يلعبون بحرابهم ويزفّنون.
__________
[1] قال الجوزجاني: لا يشتغل بحديثه، وقال العقيلي: لا يتابع عليه إلا
من هو قريب منه، وقال أبو زرعة: ليس بقويّ، وقال يحيى بن معين: ضعيف،
وقال عليّ بن عبد الله: تركت حديثه، وقال النَّسائيّ: متروك الحديث،
وقال ابن عديّ: هو ممّن يكتب حديثه فإنّي لم أجد في أحاديثه منكرا قد
جاوز المقدار والحدّ، وقال أحمد: له أشياء منكرة، وقال ابن معين مرة:
ليس به بأس يكتب حديثه، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، ولم أرهم
يحتجّون بحديثه. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويّ عندهم، وقال ابن
حِبّان: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل.
انظر عنه: التاريخ الكبير 2/ 388 رقم 2872، والضعفاء الصغير 78،
والضعفاء والمتروكين للنسائي 145، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 137 رقم
233، والضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 245- 246 رقم 293، والجرح والتعديل
لابن أبي حاتم 3/ 57 رقم 258، والمجروحين لابن حبّان 1/ 242، والكامل
في الضعفاء لابن عديّ 2/ 760- 761، وميزان الاعتدال 1/ 537- 538 رقم
2012، والكاشف 1/ 170 رقم 1099، والمغني في الضعفاء 1/ 172 رقم 1534،
وتهذيب التهذيب 2/ 341- 342 رقم 606، وتقريب التهذيب 1/ 176 رقم 366.
[2] وفي رواية لمسلم «فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السّنّ» .
انظر: صحيح مسلم (892) في صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الّذي لا
معصية فيه، في أيام العيد، وأحمد في المسند 3/ 152 و 6/ 116.
(1/486)
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ:
أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ
رُومَانَ، عَنْ عروة، عن عائشة قالت: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ
الصِّبْيَانِ، فَقَامَ، فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَرْقُصُ وَالصِّبْيَانُ
حَوْلَهَا فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي» ، فَجِئْتُ
فَوَضَعْتُ ذَقْنِي عَلَى مَنْكِبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، فَقَالَ: «مَا شَبِعْتِ» ؟ فَجَعَلْتُ
أَقُولُ: لَا، لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى
شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرِقُوا مِنْ عُمَرَ» [1] .
خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ [2] : لَا بَأْسَ
بِهِ.
وَقَالَ (س) : هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَسَبَقْتُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا رَهَقَنِي اللَّحْمُ
سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ» . صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا،
وَقِيلَ فِي إِسْنَادِهِ غَيْرُ ذَلِكَ. [3] وَقَالَ خَالِدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- وَغَيْرُ خَالِدٍ أَسْقَطَ مِنْهُ
أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْلِعُ [4] لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى
الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ
عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَلَا أَرَاكَ تصنع هذا، فو الله إِنِّي
لَيَكُونُ لِي الْوَلَدُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ
__________
[1] رواه الترمذي في المناقب (3774) باب (71) في مناقب عمر بن الخطاب
رضي الله عنه، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
[2] في الكامل في ضعفاء الرجال 3/ 921.
[3] رواه أبو داود في الجهاد (2578) باب في السبق على الرّجل، وابن
ماجة مختصرا في النكاح (1979) باب حسن معاشرة النساء، وأحمد في المسند،
6/ 39 و 264 قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده صحيح على شرط
البخاري، وعزاه المزّي في الأطراف للنسائي، وليس هو في رواية
النّسائيّ.
[4] في (ع) «أذلغ» وهو تحريف، ويدلع: يخرج لسانه من بين شفتيه.
(1/487)
مَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ»
[1] . وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي
مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ الْحَسَنِ
وَالْحُسَيْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّهْ فَيَضَعُ
الْغُلَامُ قَدَمَهُ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْفَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ فَاهُ وَقَالَ:
اللَّهمّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ [2] . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ
الْحَارِثِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
مُسْتَلْقٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ظَهْرِهِ [3] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي
أَبِي، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ الْحَسَنُ
فَأَقْبَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ، فَقَبَّلَ
زَبِيبَتَهُ [4] .
__________
[1] رواه البخاري في الأدب 7/ 75 باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، و
7/ 78 باب رحمة الناس بالبهائم، ومسلم (2318) في الفضائل، باب رحمته
صلّى الله عليه وسلّم الصبيان والعيال، وتواضعه، وفضل ذلك، وأبو داود
في الأدب (5218) باب في قبلة الرجل ولده، والترمذي في البر والصلة
(1976) باب ما جاء في رحمة الولد، وأحمد في المسند 4/ 358 و 360 و 361
و 362 و 365 و 366
[2] رواه مسلم (2421) في فضائل الصحابة، باب فضائل الحسن والحسين رضي
الله عنهما، و (2422) ، والبخاري في اللباس 7/ 55 باب السّخاب للصبيان،
وابن ماجة في المقدّمة (142) باب فضل الحسن والحسين ابني عليّ بن أبي
طالب رضي الله عنهم، وأحمد في المسند 2/ 249 و 288 و 331 و 440 و 446 و
531 و 532 و 4/ 284 و 292.
[3] أخرجه الترمذي من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة،
عن ابن عباس، ومن طريق شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ
الْبَرَاءِ بن عازب، في المناقب، باب (110) رقم (3872) و (3873) .
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/ 45 رقم 2658 من طريق جرير، عن
قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس. وقد ليّن الحافظ ابن حجر في
«تقريب التهذيب» قابوس ابن أبي ظبيان.
(1/488)
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ:
ثنا زُمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
ابْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ أَوْ عَامَيْنِ، وَمَعَهُ
نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَهُمَا بَدْرِيَّانِ،
وَكَانَ سُوَيْبِطُ عَلَى زَادِهِمْ، فَجَاءَ نُعَيْمَانُ فَقَالَ:
أَطْعِمْنِي، فَقَالَ:
لَا، حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ نُعَيْمَانُ مَزَّاحًا،
فَقَالَ: لَأَبِيعَنَّكَ، ثُمَّ قَالَ لِأُنَاسٍ: ابْتَاعُوا مِنِّي
غُلَامًا، وَهُوَ رَجُلٌ ذُو لِسَانٍ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: أَنَا
حُرٌّ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، فَدَعُونِي
وَلَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي، قَالُوا: لَا، بَلْ نَبْتَاعُهُ.
فَبَاعَهُ بِعَشْرِ قَلَائِصَ [1] ، ثُمَّ جَاءَهُمْ فَقَالَ: هُوَ
هَذَا، فَقَالَ سُوَيْبِطُ:
هُوَ كَاذِبٌ، وَأَنَا رَجُلٌ حُرٌّ، قَالُوا: قَدْ أُخْبِرْنَا
بِخَبَرِكَ. وَطَرَحُوا الْحَبْلَ وَالْعِمَامَةَ فِي رَقَبَتِهِ،
وَذَهَبُوا بِهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرُوهُ، فَذَهَبَ
وَأَصْحَابٌ لَهُ فَرَدُّوا الْقَلائِصَ، وَأَخَذُوهُ، فَضَحِكَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَصْحَابُهُ
حَوْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [2] .
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُكْنَى أَبَا
عَمْرَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا أُمَّ عَمْرَةَ» ، فَضَرَبَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ إِلَى
مَذَاكِيرِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «مَهْ» ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ إِلَّا أَنِّي
امْرَأَةٌ لَمَّا قُلْتَ لِي يَا أُمَّ عَمْرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم
أمازحك» . حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: نا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
أَنَّ رَجُلًا مِنْ أهل البادية كان اسمه زاهر [3] ، فَكَانَ يُهْدِي
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديّة من
البادية
__________
[1] القلوص: الناقة الشابّة، كما في نهاية ابن الأثير.
[2] رواه أحمد في المسند 6/ 316 وابن ماجة في الأدب (3719) باب المزاح.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد. في إسناده زمعة بن صالح، وهو وإن أخرج له
مسلم، فإنّما روى له مقرونا بغيره، وقد ضعّفه أحمد وابن معين وغيرهما.
[3] في مسند أحمد (زاهرا) .
(1/489)
فَيُجَهِّزُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] وَقَالَ: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا،
وَنَحْنُ حَاضِرَتُهُ» [2] . وَكَانَ دَمِيمًا [3] ، فَأَتَاهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ يَبِيعُ
مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ،
فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ وَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي
الْعَبْدَ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي
كَاسِدًا، فَقَالَ: «لَكِنَّ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ» . صَحِيحٌ
غَرِيبٌ [5] .
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ حُصَيْنِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ
بْنِ الْحُضَيْرِ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ، وَكَانَ
فِيهِ مُزَاحٌ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ وَيَضْحَكُونَ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ، فَقَالَ:
اصْبِرْ لِي [6] ، قَالَ: «أَصْطَبِرْ» ، قَالَ: لِأَنَّ عَلَيْكَ
قَمِيصًا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ
يُقَبِّلُ كَشْحَهُ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أردت هذا يا رسول الله.
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ [7] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ
قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُنْذُ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم [8] .
__________
[1] في المسند زيادة «إذا أراد أن يخرج» .
[2] في المسند «حاضروه» وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحبّه» .
[3] في (ع) «ذميما» .
[4] في المسند زيادة «فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم حين عرفه» .
[5] رواه أحمد في المسند 3/ 161 و 6/ 133.
[6] في سنن أبي داود «أصبرني» .
[7] رواه أبو داود في الأدب (5224) باب في قبلة الجسد.
[8] رواه البخاري في الجهاد والسير 4/ 25، 26 باب من لا يثبت على
الخيل، وبقيّة الحديث: «إلا تبسّم في وجهي. ولقد شكوت إليه أنّي لا
أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: اللَّهمّ ثبّته واجعله هاديا
مهديّا» ، وفي مناقب الأنصار 4/ 232 باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي
رضي الله عنه، وفيه: «ولا رآني إلا ضحك» وبقيّته مختلفة، وفي الأدب
(1/490)
بَابٌ فِي مَلَابِسِهِ
قَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه كان يَلْبَسُ
الْقَلَانِسَ [1] الْبِيضَ، وَالْمُزَرْوَرَاتِ، وَذَوَاتِ الْآذَانِ.
عَاصِمٌ هَذَا بَصْرِيُّ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ [2] .
وَعَنْ جَابِرٍ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا
خَلْفَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ [3] .
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عصابة دسماء [4] . حديث
صحيح [5] .
__________
[7] / 94 باب التبسّم والضحك، ومسلم 2475 في فضائل الصحابة، باب من
فضائل جرير بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وابن ماجة في
المقدّمة (159) باب فضل جرير بن عبد الله البجلي، والترمذي في المناقب
(3909) و (3910) باب مناقب جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه،
وأحمد في المسند 4/ 358 و 359 و 362 و 365.
[1] القلانس: مفردها قلنسوة، وهي ما يلبس على الرأس ويلفّ عليه
كالعمامة.
[2] قال النسائي: متروك الحديث، وقال العقيلي: غلب على حديثه الوهم،
وقال الدارقطنيّ:
كذّاب عن هشام وغيره، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال ابن معين:
كذّاب خبيث، وقال ابن عديّ: يعدّ فيمن يصنع الحديث. انظر عنه:
الضعفاء والمتروكين للنسائي 299 رقم 239، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/
337 رقم 1362، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 135 رقم 411 الجرح
والتعديل 6/ 344 رقم 1901 المجروحين لابن حبّان 2/ 126 الكامل في ضعفاء
الرجال لابن عديّ 5/ 1877- 1879، اللباب لابن الأثير 3/ 117، ميزان
الاعتدال للمؤلف 2/ 350- 352 رقم 4047، المغني في الضعفاء له 1/ 320
رقم 2982، الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لبرهان الدين الحلبي 219
رقم 360.
[3] رواه أبو داود في اللباس (4077) باب في العمائم، والترمذي في
الشمائل 56 رقم 110.
[4] أي سوداء.
[5] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار 4/ 226 باب قول النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، و 7/ 39 في اللباس،
باب العمائم، والترمذي في الشمائل 57 رقم 111.
(1/491)
وَعَنْ رُكَانَةَ أَنَّهُ صَارَعَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، قال: وَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمَ عَلَى الْقَلَانِسِ» .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] . وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُمَّةٌ [2]
بَيْضَاءُ [3] .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ
عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ [4] رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قُلْتُ: لَعَلَّ- تَحْتَ الْخَوْذَةِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ يَوْمَ
الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ [5] .
وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ: كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَةُ تُسَمَّى السَّحَابَ، يَلْبَسُ
__________
[1] في سننه، كتاب اللباس (4078) باب في العمائم، والترمذي في اللباس
(1844) باب (41) وقال: «هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا
نعرف.. ابن ركانة» .
[2] الكمّة: القلنسوة الصغيرة والمدوّرة.
[3] ألوفا لابن الجوزي 567.
[4] رواه مسلم (1358) في الحجّ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام،
والترمذي في الجهاد (1730) باب ما جاء في الألوية، والنسائي (2872) ،
وابن ماجة في اللباس (3585) باب في العمامة السوداء، والترمذي في
الشمائل 55، 56 رقم 107.
[5] حديث دُخُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَكَّةَ وعلى رأسه المغفر، رواه البخاري في المغازي، باب أين ركز
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الراية يوم الفتح، وفي الحج، باب دخول
الحرم ومكة بغير إحرام، وفي الجهاد، باب قتل الأسير وقتل الصبر، وفي
اللباس، باب المغفر، ومسلم (1357) في الحج، باب جواز دخول مكة بغير
إحرام، ومالك في الموطأ، 1/ 423 في الحج، باب جامع الحج، وأبو داود في
الجهاد (2685) باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، والترمذي في
الجهاد (1693) باب ما جاء في المغفر، والنسائي 5/ 210 في الحج، باب
دخول مكة بغير إحرام، وابن سعد في الطبقات 2/ 139، وابن جميع الصيداوي
في معجم الشيوخ 72 رقم 14 (بتحقيقنا) ، والتنوخي بتخريج الصوري في
الفوائد العوالي (مخطوطة الظاهرية) ج 5/ 19 (بتحقيقنا) ، والخطيب في
تاريخ بغداد 2/ 206 والمغفر: هو زرد من حديد يلبس تحت القلنسوة ليتّقى
به في الحرب.
(1/492)
تحتها القلانس اللَّاطِئَةَ [1] ،
وَيَرْتَدِي [2] .
وَقَالَ مُسَاوِرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ، عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ
أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ [3] .
وَعَنِ الْحَسَنِ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، تُسَمَّى الْعُقَابَ، وَعِمَامَتُهُ سَوْدَاءَ
[4] ، وَكَانَ إِذَا اعْتَمَّ يُرْخِي عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
مُرْسَلٌ [5] .
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
إِذَا اعْتَمَّ يُسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ [6] . وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:
رَأَيْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ [7] .
وَقَالَ عُرْوَةُ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عمامة معلّمة، فقطع علمها ولبسها. مرسل [8] .
__________
[1] أي الملتصقة بالرأس.
[2] انظر: أخلاق أبي الشيخ 118، 119 وملخص تاريخ دمشق لابن منظور-
السيرة النبويّة 271 بتحقيق د. رضوان السيد.
[3] رواه مسلم (1359/ 453) في الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام،
وأبو داود في اللباس (4077) باب في العمائم، وأحمد في المسند 3/ 363 و
387 و 4/ 307 و 6/ 148 و 152، وابن ماجة في اللباس (3587) باب إرخاء
العمامة بين الكتفين، والنويري في نهاية الأرب 18/ 285.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات حتى هنا 1/ 455.
[5] ابن سعد 1/ 456.
[6] زاد الترمذي هنا: قال نافع» .
[7] رواه الترمذي في اللباس (1790) باب سدل العمامة بين الكتفين، وقال:
وفي الباب عن عليّ، ولا يصحّ حديث عليّ من قبل إسناده، وانظر ابن سعد
1/ 456.
[8] روى أحمد في المسند 6/ 208 حديثا بنحوه عن عبد الله، عن أبيه، عن
وكيع، عن هشام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كانت له خميصة معلّمة، وكان يعرض له علمها في
الصلاة، وأعطاها أبا جهم وأخذ كساء له أنبجانيّا. وانظر: نهاية الأرب
للنويري 18/ 287.
(1/493)
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إِنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى
نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ. وَقَالَ: لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ
الْكُمَّيْنِ [1] .
وَيُرْوَى عَنْ أَنَسٍ: كَانَ قَمِيصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُطْنًا، قَصِيرَ الطُّولِ، قَصِيرَ الْكُمَّيْنِ
[2] .
وَعَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ شَهْرٍ [3] ، عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: كَانَ كُمُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الرُّسْغِ [4] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ [5] .
وَعَنْ عُرْوَةَ- وَهُوَ مُرْسَلٌ- قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ طُولُ رِدَائِهِ أَرْبَعَةَ
أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذراعان وشبر [6] .
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ
شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةِ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ
مِرْطٌ [7] مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ.
أخرجه أبو داود [8] .
__________
[1] رواه البخاري في اللباس 7/ 37 باب من لبس جبّة ضيّقة الكمّين في
السفر، ومسلم (274) في الطهارة، باب المسح على الخفّين، وأبو داود في
الطهارة (150) باب المسح على الخفّين، والترمذي في اللباس (1824) باب
ما جاء في لبس الجبّة والخفّين، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في
الطهارة 1/ 76 باب المسح على العمامة مع الناصية، وأحمد في المسند 1/
29 و 44 و 4/ 244، 248 و 250 و 251 و 255، وابن سعد في الطبقات 1/ 459.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 458، والنويري في نهاية الأرب 18/ 287.
[3] في (ع) «شهد» وهو تصحيف. وهو شهر بن حوشب.
[4] رواه ابن سعد 1/ 458، والنويري 18/ 287، وأبو داود (4027) وفيه
«الرصغ» .
[5] رواه ابن سعد 1/ 459.
[6] رواه ابن سعد 1/ 458، والنويري 18/ 287.
[7] المرط: كساء طويل واسع من الخزّ والصوف. وفي الرواية «مرط مرحّل»
..
[8] في اللباس (4032) باب في لبس الصوف والشعر، ورواه مسلم (2081) في
اللباس
(1/494)
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ بُرْدَةَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ طُولَ سِتَّةِ
أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَشِبْرٍ، وَإِزَارُهُ مِنْ نَسْجِ عُمَانَ،
طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٌ فِي ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ، كَانَ
يَلْبَسُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ثُمَّ يُطْوَيَانِ.
حَدِيثٌ مُعْضِلٌ [1] .
وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ ثَوْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ إِلَى الْوَفْدِ
رِدَاءٌ [2] حَضْرَمِيٌّ [3] طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ
ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ، فَهُوَ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ قَدْ خَلِقَ،
فَطَوَوْهُ [4] بِثَوْبٍ، يَلْبَسُونَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى
وَالْفِطْرِ. رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي لَهِيعَةَ، عَنْ
أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [5] .
وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بُرْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِبَرَةٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ
[6] .
قُلْتُ: هَذَا الْبُرْدُ غَيْرُ بُرْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَتَدَاوَلُهُ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَنِي
الْعَبَّاسِ، ذَاكَ الْبُرْدُ اشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ
السَّفَّاحُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ صَاحِبِ أَيْلَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ بُرْدٌ كَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ أَيْلَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُزَنِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ
__________
[ () ] والزينة، باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه
واليسير..، وفي فضائل الصحابة (2424) باب فضائل أهل بيت النّبيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والترمذي في الاستئذان والآداب (2966) باب
ما جاء في الثوب الأسود، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأحمد في
المسند 6/ 162، والترمذي في الشمائل- ص 37.
[1] انظر طبقات ابن سعد 1/ 458.
[2] في طبقات ابن سعد «ورداءه» .
[3] في نسخة دار الكتب، وألوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي «أخضر» بدل
«حضرمي» .
[4] هكذا عند ابن سعد والنويري، وفي الأصل «فطروه» وهو تصحيف، وفي (ع)
«فيبطّنونه» . وفي ألوفا لابن الجوزي «وطرف» .
[5] طبقات ابن سعد 1/ 458، نهاية الأرب للنويري 18/ 288.
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 456.
(1/495)
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: تَخَلَّفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ أَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ،
فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ
ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ
تَحْتِهَا، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَغَسَلَ
ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، ثُمَّ رَكِبَ
وَرَكِبْنَا، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ
الْكُمَّيْنِ، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ [1] .
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ إِزَارٌ يَتَقَعْقَعُ [2] .
عَنْ عِكْرِمَةَ: رَأَيْتُ ابنَ عَبَّاسٍ إِذَا ائْتَزَرَ أَرْخَى
مُقَدَّمَ إِزَارِهِ حَتَّى تَقَعَ حَاشِيَتَاهُ عَلَى ظَهْرِ
قَدَمَيْهِ، وَيَرْفَعَ الْإِزَارَ مِمَّا وَرَاءَهُ، وَقَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَزِرُ
هَذِهِ الْإِزْرَةَ [3] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَزِرُ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَتَبْدُو سُرَّتُهُ،
وَرَأَيْتُ عُمَرَ يَأْتَزِرُ فَوْقَ سُرَّتِهِ [4] ، وَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ
سَاقَيْهِ [5] . وَعَنْ [6] إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم اشترى
__________
[1] رواه البخاري في اللباس 7/ 37 باب من لبس جبّة ضيّقة الكمّين في
السفر، ومسلم (274) في الطهارة، باب المسح على الخفّين، وأبو داود في
الطهارة (150) باب المسح على الخفّين، والترمذي في اللباس (1824) باب
ما جاء في لبس الجبّة والخفّين، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في
الطهارة 1/ 76 باب المسح على العمامة مع الناصية، وأحمد في المسند 1/
29 و 44 و 4/ 244 و 248 و 250 و 251 و 255، وابن سعد في الطبقات 1/
459.
[2] رواه أحمد في المسند 2/ 141 و 147.
[3] رواه أبو داود في اللباس (4096) باب في قدر موضع الإزار.
[4] رواه ابن سعد 1/ 459.
[5] رواه أحمد في المسند 4/ 180، وانظر أبو داود (4093) في اللبس، باب
في قدر موضع الإزار.
[6] كتب في الأصل فوق النون: «تفرّد به ابن جدعان» .
(1/496)
حُلَّةً [1] بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ نَاقَةً
[2] .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى حُلَّةً بِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ نَاقَةً.
وَهَذَانِ ضَعِيفَانِ لإرسالهما [3] .
وقال (د) : ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنا عُمَارَةُ بْنُ زاذان [4] ،
عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً أَخَذَهَا
بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَقَبِلَهَا [5] .
وَقَالَ الْحَمَّادَانِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْبَيَاضِ مِنَ الثِّيَابِ
فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ [6] ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ»
. زَادَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ: فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ
ثِيَابِكُمْ» [7] .
وَرَوَى مِثْلَهُ الثَّوْرِيُّ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ
جُنْدَبٍ نَحْوَهُ [8] . وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ مَرَّةً عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: الْبَسُوا الثّياب البيض،
وكفّنوا فيها موتاكم [9] .
__________
[1] واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمّى حلّة إلّا أن تكون ثوبين
من جنس واحد، على ما في (النهاية) .
[2] في الأصل (أوقية) وفوقها (ناقة) بدون كشط ولا ترميج.
[3] رواهما ابن سعد في الطبقات 1/ 461.
[4] في الأصل (زادان) وهو تصحيف، أو أهمل الذال للشهرة.
[5] رواه أبو داود في اللباس (4034) باب في لبس الصوف والشعر.
[6] في نسخة دار الكتب «أخياركم» .
[7] النسائي 8/ 25 في الزينة.
[8] رواية سمرة عند النسائي في الجنائز 4/ 34 باب أيّ الكفن خير، وفي
الزينة 8/ 205 باب الأمر بلبس البيض من الثياب.
[9] رواه أبو داود في الطب (3878) باب في الأمر بالكحل، وفي اللباس
(4061) باب في
(1/497)
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ، فَأَرْسَلَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
رَوَّادٍ: ثنا ابْنُ سَالِمٍ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ
شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا
زُرْتُمُ اللَّهَ بِهِ فِي مُصَلَّاكُمْ وَقُبُورِكُمُ الْبَيَاضُ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ [1] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيُّ،
عَنِ الْبَرَاءِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . وَفِي
لَفْظٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهِ حُلَّةً حَمْرَاءَ- فَذَكَرَهُ [3] .
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: ثنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَكِيمَ
بْنَ حِزَامٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَبَّ رَجُلٍ إِلَيَّ، فَلَمَّا نُبِّئَ وَخَرَجَ إِلَى
الْمَدِينَةِ، شَهِدَ حَكِيمٌ الْمَوْسِمَ، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي
يَزَنَ فَاشْتَرَاهَا، ثُمَّ قَدِمَ بِهَا لِيُهْدِيَهَا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا نَقْبَلُ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا، وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ، قَالَ:
فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا حِينَ أَبَى الْهَدِيَّةَ، فَلَبِسَهَا،
فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا
أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ،
فَرَآهَا حَكِيمٌ عَلَى أُسَامَةَ فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ أَتَلْبَسُ
حلّة ذي يزن؟ قال: نعم والله
__________
[ () ] البياض، والترمذي في الجنائز (999) باب ما يستحبّ من الأكفان،
وابن ماجة في الجنائز (1472) باب ما جاء فيما يستحبّ من الكفن، وفي
اللباس (3566) باب البياض من الثياب، وأحمد في المسند 1/ 247، 274 و
328 و 355 و 363 و 5/ 10 و 12 و 13 و 17 و 18 و 19 و 21 وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح (2962) .
[1] في كتاب اللباس (3568) باب البياض من الثياب، وقال في الزوائد:
إسناده ضعيف.
شريح بن عبيد لم يسمع من أبي الدرداء. قاله في التهذيب.
[2] رواه البخاري في اللباس 7/ 48 باب الثوب الأحمر، و 7/ 57 باب
الجعد، والترمذي في اللباس (1778) باب ما جاء في الرخصة في الثوب
الأحمر للرجال، والترمذي في الآداب (2963) باب ما جاء في الرخصة في لبس
الحمرة للرجال.
[3] رواه الترمذي في الآداب (2963) باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة
للرجال.
وقال: رواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب.
(1/498)
لأَنَّا خَيْرٌ مِنْ ذِي يَزَنَ، وَلأَبِي
خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَكَّةَ فَأَعْجَبْتُهُمْ
بِقَوْلِ أُسَامَةَ [1] .
وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَهُوَ
فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ،
فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ.
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [2] .
وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي
الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ [3] .
رَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ فَأَرْسَلَهُ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
رِمْثَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [4]
.
بَابٌ مِنْهُ
وَقَالَ وَكِيعٌ: نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرحمن بن أسعد بن
__________
[1] روى نصفه الأول الإمام أحمد في مسندة- ج 3/ 402، 403، ورواه
الطبراني بكاملة في المعجم الكبير 3/ 226 رقم (3125) ورجال أحمد ثقات،
وصحّحه والحاكم في المستدرك 3/ 484، 485، ووافقه الذهبي في تلخيصه،
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 151 و 8/ 278، وانظر: جمهرة نسب قريش
361، 362، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 417، 418، وسير أعلام النبلاء 3/ 46،
47.
[2] رواه أحمد في المسند 4/ 308، 309 وتمامه: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وهو في قبّة له
حمراء، قال: فخرج بلال بفضل وضوئه، فمن ناضح ونائل، قال: فأذّن بلال،
فكنت أتتبّع فاه هكذا وهكذا، يعني يمينا وشمالا، قال: ثم ركزت له عنزة،
قال: فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليه جبّة له حمراء، أو حُلَّةٌ
حَمْرَاءُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ، فصلّى بنا
إلى العنزة الظهر أو العصر ركعتين، تمرّ المرأة والكلب والحمار لا
يمنع، ثم لم يزل يصلّي ركعتين، حتى أتى المدينة. وقال وكيع مرة: فصلّى
الظهر ركعتين والعصر ركعتين» ، وانظر صحيح البخاري 4/ 167 في المناقب،
باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطبقات ابن سعد 1/ 450، 451.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 451.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 453.
(1/499)
زُرَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْنَا لَهُ غُسْلًا
فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ، فَاشْتَمَلَ
بِهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ أَثَرَ الْوَرْسِ [1] عَلَى عُكَنِهِ [2] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ قَمِيصَهُ وَرِدَاءَهُ
وَعِمَامَتَهُ. مُرْسَلٌ [3] .
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ:
سَمِعْتُ أَبِي يُخْبِرُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ
مَصْبُوغَيْنِ بِالْعَبِيرِ. قَالَ مُصْعَبٌ: الْعَبِيرُ عِنْدَنَا:
الزَّعْفَرَانُ [4] . مُصْعَبٌ فِيهِ لِينٌ [5] .
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: رُبَّمَا صُبِغَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصُهُ وَرِدَاؤُهُ
بِزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ
ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
رُكَيْحِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُمْعَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ
عَجِيبٌ مُدَنِّي.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَصْبُغُ ثِيَابَهُ حَتَّى الْعِمَامَةَ
بِالزَّعْفَرَانِ [7] .
وَهَذِهِ الْمَرَاسِيلُ لَا تُقَاوِمُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ نَهْيِ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
__________
[1] الورس: نبت أصفر يصبغ به.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 451.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 452.
[4] ابن سعد 1/ 452.
[5] ترجمته في التاريخ الكبير للبخاريّ 7/ 354 رقم 1532، والجرح
والتعديل لابن أبي حاتم- 309 رقم 1429، وميزان الاعتدال للمؤلّف 4/
120، 121 رقم 8564.
[6] في الطبقات 1/ 452.
[7] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 452.
(1/500)
التَّزَعْفُرِ، وَفِي لَفْظٍ: (نَهَى أَنْ
يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ) وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا، ثُمَّ نَهَى
عَنْهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ- وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَهْدَى
مَلِكُ الرُّومِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُسْتَقَةً [1] مِنْ سُنْدُسٍ، فَلَبِسَهَا، فَكَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى يَدَيْهَا تَذَبْذَبَانِ مِنْ طُولِهِمَا، فَجَعَلَ
الْقَوْمُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَزَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ
السَّمَاءِ! فَقَالَ: «وما تعجبون منها، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ
إِنَّ مِنْدِيلًا مِنْ مَنَادِيلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنْهَا» ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ فَلَبِسَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا، قَالَ: فَمَا
أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: ابْعَثْ بِهَا إِلَى أَخِيكَ النَّجَاشِيِّ [2]
. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ
قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرُّوجٌ- يَعْنِي قِبَاءَ حَرِيرٍ- فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ،
ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ
قَالَ:
«لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» [3] . وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَهْدَى أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً [4] شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ [5]
، فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «رُدُّوا
هَذِهِ الْخَمِيصَةَ عَلَى أَبِي جَهْمٍ، فإنّي
__________
[1] قال ابن الأثير في النهاية: «مستقة: بضم التاء وفتحها. فرو طويل
الكمّين» وقوله من «سندس» يشبه أنها كانت مكفّفة بالسندس، وهو الرفيع
من الحرير الديباج، لأنّ نفس الفرو لا يكون سندسا.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 456، 457.
[3] ابن سعد 1/ 457.
[4] الخميصة: ثوب خزّ أو صوف معلّم.
[5] أي معلمة بالصّور.
(1/501)
نظرت إلى علمها في الصّلاة فكاد
يَفْتِنَنِي [1] . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بيت أمّ سلمة مشتملا فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ [2] .
وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفَضُولِهِ
حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا [3] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي
إِزَارٍ وَاحِدٍ مُؤْتَزِرًا بِهِ، لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ
مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ
وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [5] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَلْبَسُ
الصُّوفَ [6] .
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا
يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً من هذه الملبّدة [7] ،
__________
[1] ابن سعد 1/ 457.
[2] انظر ابن سعد 1/ 462 و 463 وفيه «ملتحفا» .
[3] رواه ابن سعد 1/ 462.
[4] ابن سعد 1/ 463.
[5] في الصلاة (659) باب الصلاة على الحصير، ورواه أحمد في المسند 4/
254.
[6] ابن سعد 1/ 454.
[7] أي المرقّعة.
(1/502)
فَأَقْسَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِيهِمَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1]
.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَائِشَةَ قالت:
كَانَ ضِجَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
أُدُمٍ مَحْشُوًّا لِيفًا [2] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي زُهْدِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي
الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ [4] «عَلَى عَاتِقَيْهِ» [5] . وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ
أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةً طَيَالِسَةً
كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لِبْنَةُ [6] دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا
مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ
يَسْتَشْفِي بِهَا. أَخْرَجَهُ مسلم [7] .
__________
[1] في اللباس والزينة (2080) باب التواضع في اللباس، والاقتصار على
الغليظ منه واليسير..، والترمذي في اللباس (1787) باب ما جاء في لبس
الصوف، وأحمد في المسند 6/ 32.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 464.
[3] في الصلاة 1/ 95 باب إذا صلّى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه.
[4] في الصلاة (516) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه.
[5] وهو كذلك عند البخاري. وعند أبي داود في الصلاة (626) باب جماع
أثواب ما يصلّي فيه: «ليس على منكبيه» ، وأخرجه النسائي في الصلاة 2/
71 باب صلاة الرجل فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ
مِنْهُ شيء، وابن ماجة في إقامة الصلاة (1049) باب الصلاة في الثوب
الواحد، وأحمد في المسند 2/ 255 و 266 و 319 و 427 و 491 و 520 و 3/ 10
و 15 و 55 و 4/ 26 و 27 و 6/ 342.
[6] لبنة: بكسر اللام، رقعة في جيب القميص.
[7] في اللباس والزينة (2069) باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على
الرجال والنساء.
(1/503)
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [1]
وَفِيهِ: جُبَّةٌ طَيَالِسَةٌ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ
كِسْرَوَانِيٍّ.
بَابُ خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ
إِذَا لَبِسَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ
مِنْ ذَهَبٍ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَنَزَعَهُ وَرَمَى بِهِ
وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا. فَنَبَذَ النَّاسُ
خَوَاتِيمَهُمْ [2] . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُرْسَلَيْنِ. وَكَانَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ
الذَّهَبِ.
وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ [3] . وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ كِتَابَكَ لَا
يُقْرَأُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَنَقَشَهُ
«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ
فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ
مِنْ فِضَّةٍ، وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ النَّاسُ عَلَى خواتيمهم نقشته،
وقال:
__________
[1] ج 6/ 348.
[2] رواه البخاري في اللباس 7/ 51 باب خاتم الفضّة، وباب من جعل فصّ
الخاتم في بطن كفّه 7/ 53، وأبو داود في الخاتم (4218) باب ما جاء في
اتخاذ الخاتم، وأحمد في المسند 2/ 39 و 3/ 69 و 161 و 181 و 182 و 187
و 189.
[3] انظر صحيح البخاري في اللباس 7/ 51 باب خواتم الذهب، ومسلم (2069)
باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضّة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب
والحرير على الرجل..، و (2078) باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر،
وأبو داود (4044) في اللباس، باب من كرهه، والترمذي في الاستئذان
والآداب (2960) باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجال، والنسائي في
الجنائز 4/ 54 باب الأمر باتباع الجنائز، وابن ماجة في اللباس (3642)
باب النهي عن خاتم الذهب، و (2654) باب المياثر الحمر، وأحمد في المسند
1/ 81 و 94 و 104 و 105 و 116 و 121 و 123 و 126 و 132 و 133 و 137 و
138 و 392 و 401 و 424 و 439 و 2/ 468 و 4/ 284 و 294 و 299 و 428 و
443.
(1/504)
«كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ [1] »
. وَصَحَّ عَنْهُ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَصُّهُ حَبَشِيٌّ [2] ،
وَنَقْشُهُ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» [3] .
وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَكَانَ فِي يَدِهِ،
ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ،
ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ،
نَقْشُهُ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» [4] .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ
كَفِّهِ [5] .
وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ
عَنْهُمَا أَنَّ خَاتَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ حَدِيدًا مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ.
وَرَوَى مِثْلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَلَمْ يُدْرِكْ سَعِيدٌ خَالِدًا.
__________
[1] أخرجه البخاري في اللباس 7/ 52، 53 باب نقش الخاتم، وباب قول
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا ينقش على نقش خاتمه، وابن ماجة في
اللباس (3641) باب نقش الخاتم، وأحمد في المسند 2/ 34 و 60 و 96 و 169
و 127، وابن سعد في الطبقات 1/ 471، والترمذي في اللباس (1794) باب ما
جاء ما يستحبّ من فصّ الخاتم.
[2] يعني أنّ فضّه حجر حبشي. وقيل: صنعه رجل حبشيّ.
[3] رواه أبو داود في الخاتم (4216) باب ما جاء في اتخاذ الخاتم، وابن
ماجة في اللباس (3641) باب نقش الخاتم، وأحمد في المسند 2/ 68 و 4/ 171
و 5/ 272 و 6/ 119، والترمذي في اللباس (1793) باب ما جاء في خاتم
الفضة، وابن سعد في الطبقات 1/ 472.
[4] أخرجه البخاري في اللباس 7/ 51 باب خاتم الفضّة، و 7/ 54 باب هل
يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، ومسلم (2091/ 54) في اللباس والزينة، باب
لبس النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ورق
نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده، وأحمد في المسند 94 و
141 وابن سعد في الطبقات 1/ 472.
[5] رواه أبو داود في الخاتم (4224) باب ما جاء في خاتم الحديد، وأحمد
في المسند 1/ 21، وابن سعد في الطبقات 1/ 473.
(1/505)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْأَزْرَقِيُّ: ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ،
عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حِينَ
قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا الْخَاتَمُ فِي يَدِكَ يَا
عَمْرُو» ؟
قَالَ: هَذِهِ حَلْقَةٌ، قَالَ: «فَمَا نَقْشُهَا» ؟ قَالَ «مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ» ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخَتَّمَهُ، فَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ،
ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ،
فَبَيْنَا هُوَ يَحْفِرُ بِئْرًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهَا
بِئْرُ أَرِيسٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى شَفَتِهَا، يَأْمُرُ
بِحَفْرِهَا، سَقَطَ الْخَاتَمُ فِي الْبِئْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ
يُخْرِجُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ كَثِيرًا، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ
يَقْدِرُوا عَلَيْهِ [1] .
وقال أنس: كان نقش خاتم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: «مُحَمَّدٌ» سَطْرٌ، وَ «رَسُولٌ» سَطْرٌ، وَ
«اللَّهُ» سَطْرٌ [2] .
قَالَ: فَكَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ، فَكُنَّا مَعَهُ
عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ، وَهُوَ يُحَوِّلُ الْخَاتَمَ فِي يَدِهِ،
فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَطَلَبْنَاهُ مَعَ عُثْمَانَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ [3] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ [4] .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ في يساره [5] . وعن ابن عمر مثله.
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 474.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 475.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 476، 477.
[4] رواه أبو داود في الخاتم (4226) باب ما جاء في التختّم في اليمين
أو اليسار، والترمذي في اللباس (1796) باب ما جاء في لبس الخاتم في
اليمين، وابن ماجة في اللباس (3647) باب التختّم باليمين، وأحمد في
المسند 1/ 204 و 205، وابن سعد في الطبقات 1/ 477.
[5] رواه ابن سعد من طريق ابن أبي سبرة، عن عبد الملك بن مسلم، عن يعلى
بن شدّاد 1/ 477.
(1/506)
وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ
يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ [1] .
بَابُ نَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُفِّهِ
قَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ لِنَعْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ [2] صَحِيحٌ
[3] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَتْ نَعْلُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا زِمَامَانِ
شِرَاكُهُمَا مَثْنِيٌّ فِي الْعَقْدِ [4] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ نعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم مُخَصَّرَةً مُعَقَّبَةً مُلَسَّنَةً [5] لَهَا قِبَالَانِ [6] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ،
سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ [7] . وَرَوَى
مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ [8] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ،
عَنْ أَبِي نضرة [9] ،
__________
[1] رواه أبو داود في الخاتم (4228) باب ما جاء في التختّم في اليمين
أو اليسار.
[2] القبال: زمام النّعل، وهو السّير الّذي يكون بين الإصبعين الوسطى،
والتي تليها، على ما في (حاشية البيجوري على الشمائل) و (النهاية لابن
الأثير) .
[3] رواه البخاري في اللباس 7/ 49 باب قبالان في نعل ومن رأى قبالا
واحدا واسعا، وابن ماجة في اللباس (3615) باب صفة النعال، وابن سعد في
الطبقات 1/ 478.
[4] أخرجه ابن ماجة من طريق خالد الحذّاء، عن عبد الله بن الحارث، عن
عبد الله بن العباس، ولفظه: «كَانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبالان، مثنيّ شراكهما» ، وابن سعد في الطبقات 1/
478.
[5] مخصّرة: قطع خصراها حتى صارا مستدقّين، وقيل: المخصّرة: التي لها
خصران.
والمعقّبة: التي لها عقب. والملسّنة: الدقيقة على شكل اللسان، وقيل هي
التي جعل لها لسان، وهو الهنة الناتئة في مقدّمها. (النهاية لابن
الأثير) .
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 478.
[7] رواه ابن سعد 1/ 480.
[8] انظر ابن سعد أيضا 1/ 480.
[9] في نسخة دار الكتب «نصرة» والتصحيح من طبقات ابن سعد.
(1/507)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
إِذْ وَضَعَ نَعْلَهُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَلْقَى النَّاسُ
نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى
إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ» ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ
فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا
قَذَرًا- أَوْ أَذًى- فَمَنْ رَأَى ذَلِكَ فَلْيَمْسَحْهُمَا، ثُمَّ
لِيُصَلِّ فِيهِمَا [1] . وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، قُلْتُ
لِابْنِ عُمَرَ: أَرَاكَ تَسْتَحِبُّ هَذِهِ النِّعَالَ
السِّبْتِيَّةَ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا [2] .
السِّبْتُ: بِالْكَسْرِ، جُلُودُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغَةِ
بِالْقَرَظِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة أنّ النّجاشيّ أُهْدِيَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ
سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا [3] .
بَابُ مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثنا مَنْدَلٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَافِرُ
بِالْمُشْطِ، وَالْمِرْآةِ، وَالْمُدْهُنِ [4] ، وَالسِّوَاكِ،
وَالْكُحْلِ.
مُرْسَلٌ [5] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِكْحَلَةُ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ
النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عين [6] .
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 480.
[2] ابن سعد 1/ 482.
[3] ابن سعد 1/ 482.
[4] في طبقات ابن سعد: «الدهن» .
[5] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 484.
[6] ابن سعد 1/ 484.
(1/508)
وَقَالَ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ
[1] . إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
أَنَّ الْمُقَوْقِسَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحَ زُجَاجٍ كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ [2] .
وَقَالَ حُمَيْدٌ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسٍ، فِيهِ فِضَّةٌ قَدْ شَدَّهُ
بِهَا.
حَدِيثٌ صَحِيحٌ [3] .
وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسٍ، وَكَانَ قَدِ
انْصَدَعَ، فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ.
قَالَ عَاصِمٌ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ [4] ،
فَقَالَ أَنَسٌ: قَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وكذا،
قال: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلَقَةٌ مِنْ
حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا أَنَسٌ حَلْقَةً مِنْ
فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا
تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَكَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [5] .
بَابُ سِلَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَدَوَابِّهِ وَعُدَّتِهِ
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ قِرَاءَةً، عَنْ أَبِي
الْقَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بن محمد القاضي، وعن أَبِي الْقَاسِمِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظِ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
النِّيلِيُّ قَالَا: أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ
__________
[1] ابن سعد 1/ 484.
[2] ابن سعد 1/ 485.
[3] ابن سعد 1/ 485.
[4] النّضار: خشب، قيل هو من أثل يكون بالغور. (جامع الأصول لابن
الأثير 9/ 644) .
[5] في الأشربة 6/ 252 باب الشرب من قدح النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم وآنيته.
(1/509)
المقري، أنا أبو الحسين أحمد بن فارس
اللُّغَوِيُّ [1] قَالَ: كَانَ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَ سَيْفًا
أَصَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ لَهُ سَيْفٌ وَرِثَهُ مِنْ
أَبِيهِ.
وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيْفًا يُقَالُ لَهُ
الْعَضْبُ. وَأَصَابَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ سَيْفًا
قَلَعِيًّا [2] ، وَفِي رِوَايَةٍ يُقَالُ لَهُ البتّار والحتف [3]
، وكان له المخذم [4] ،
__________
[1] هو الإمام العلّامة اللّغوي المحدّث، القزويني المعروف
بالرازي، المالكي، نزيل همذان، صاحب كتاب «المجمل» ، توفي سنة 395
هـ-.
انظر عنه: يتيمة الدهر للثعالبيّ 3/ 397- 404، ودمية القصر
للباخرزيّ 3/ 1479، 1480، وترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 610، 611،
ونزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري 320- 322، والمنتظم لابن
الجوزي 7/ 103 (وفيات 369 هـ.) ، ومعجم الأدباء لياقوت 4/ 80- 98،
وإنباه الرّواة للقفطي 1/ 92- 95 رقم 44، والكامل في التاريخ لابن
الأثير 8/ 711، ووفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 118- 120، والمختصر
في أخبار البشر لأبي الفداء 2/ 142، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد
للدمياطي 18/ 65- 67، والوافي بالوفيات للصفدي 7/ 278- 280،
والفهرست لابن النديم 80، ومرآة الجنان لليافعي 2/ 422، وسير أعلام
النبلاء للذهبي 17/ 103- 106 رقم 65، والبداية والنهاية لابن كثير
11/ 335، والديباج المذهّب لابن فرحون 1/ 163- 165، والفلاكة
والمفلوكون للمدلجي 108- 110، وطبقات ابن قاضي شهبة 1/ 230- 232،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 212، 213، وبغية الوعاة للسيوطي
1/ 352، 353، وطبقات المفسّرين له 15، 16 رقم 6، ومفتاح السعادة
لطاش كبرى زاده 1/ 96، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 3/ 132،
133، وروضات الجنات للخوانساري 64، 65، وكشف الظنون لحاجي خليفة
1064، وإيضاح المكنون للبغدادي 1/ 421، وهدية العارفين 1/ 68، 69.
[2] ينسب إلى قلع: قلعة بالبادية قريب من حلوان بطريق همذان.
[3] في الأصل، وطبعة القدسي 2/ 355 «اللّخيف» ، وهو وهم من المؤلّف
أو الناسخ، ومن القدسي رحمهم الله.
ويقول خادم العلم عمر بن عبد السلام التدمريّ الأطرابلسيّ: إن
«اللّخيف» أو «اللّحيف» هو اسم لفرس من أفراس الرسول صلّى الله
عليه وسلّم. انظر: صحيح البخاري في الجهاد 3/ 219 باب اسم الفرس
والحمار. وقد وهم «المقدسيّ» - رحمه الله- فوضع حاشية رقم (1) ص
355 عن «اللّخيف» ولم يتنبّه أنه اسم فرس، بينما الحديث عن
السّيوف. وما أثبتناه عن طبقات ابن سعد 1/ 486، ونهاية الأرب
للنويري 18/ 297، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 318 وقيّده
المزّي في تهذيب الكمال 1/ 212 «الحنيف» بالنون والياء، أي من
الحنف، وهو الاعوجاج. (انظر التهذيب بتحقيق د. بشّار عوّاد معروف)
، وسيأتي بهذا الاسم بعد قليل.
[4] المخذم: السريع القطع. (النهاية لابن الأثير 2/ 16) .
(1/510)
وَالرَّسُوبُ [1] ، وَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ
أَسْيَافٍ [2] .
وَقَالَ شَيْخُنَا شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ: أَوَّلُ
سَيْفٍ مَلَكَهُ يُقَالُ لَهُ:
الْمَأْثُورُ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ
الْجِنِّ، وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدِمَ بِهِ فِي هِجْرَتِهِ
إِلَى الْمَدِينَةِ [3] .
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِسَيْفٍ يُدْعَى
«الْعَضْبُ» [4] حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ [5] .
وَكَانَ لَهُ ذُو الْفَقَارِ [6] ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَسَطِهِ
مِثْلُ فِقَرَاتِ الظَّهْرِ، صَارَ إِلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ،
وَكَانَ لِلْعَاصِ بْنِ مُنَبِّهٍ [7] أَخِي نُبَيْهِ بْنِ
الْحَجَّاجِ بْنِ عَامِرٍ السَّهْمِيِّ- قُتِلَ الْعَاصُ،
وَأَبُوهُ، وَعَمُّهُ كُفَّارًا يَوْمَ بَدْرٍ- وَكَانَتْ
قَبِيعَتُهُ، وَقَائِمَتُهُ وَحَلَقَتُهُ، وَذُؤَابَتُهُ،
وَبَكَرَاتُهُ، وَنَصْلُهُ، مِنْ فضّة، والقائمة هي الخشبة التي
__________
[1] الرّسوب: بفتح الراء المشدّدة، من الرّسب، وهو الذّهاب إلى
أسفل لأنّ ضربته تغوص في المضروب به. (نهاية الأرب للنويري 18/
297) .
وقد أصاب المخذم والرّسوب من الفلس، وهو صنم لطيّئ. (انظر: النهاية
لابن الأثير 3/ 470، وتهذيب الكمال للمزّي 1/ 212، ونهاية الأرب
للنويري 18/ 297) ، وقيّده محقّق الطبقات لابن سعد 1/ 486 «الفلس»
بضم اللّام.
[2] انظر طبقات ابن سعد 1/ 486 من طرق مختلفة، وتهذيب الكمال
للمزّي 1/ 211، 212، ونهاية الأرب للنويري 18/ 296، 297، وعيون
الأثر لابن سيّد الناس 2/ 318، وأنساب الأشراف 1/ 522.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 485 من طريق ابن أبي سبرة، عن عبد
المجيد بن سهيل، وقال إن السيف كان لأبي مأثور، يعني أباه.
[4] أي القاطع.
[5] رواه النويري في نهاية الأرب 18/ 297، وابن سيّد الناس في عيون
الأثر 2/ 318.
[6] كتب فوقها في الأصل: «معا» أي بفتح الفاء وكسرها.
[7] هكذا في الأصل، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 318، وفي طبقات
ابن سعد 1/ 486، وتهذيب الكمال للمزّي 1/ 211، ونهاية الأرب
للنويري 18/ 296: «كان لمنبّه بن الحجّاج» .
(1/511)
يُمْسَكُ بِهَا، وَهِيَ الْقَبْضَةُ [1] .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ مَزِيدَةَ، عَنْ جَدِّهِ مَزِيدَةَ قَالَ: دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم الْفَتْحِ،
وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ [2] . وَهُوَ ذُو الْفَقَارِ-
بِالْكَسْرِ، جَمْعُ فِقْرَةٍ وَبِالْفَتْحِ، جَمْعُ فَقَارَةٍ-
سُمِّيَ بِذَلِكَ لِفِقْرَاتٍ كَانَتْ فِيهِ، وَهِيَ حُفَرٌ
كَانَتْ فِي مَتْنِهِ حَسَنَةٌ.
وَيُقَالُ: كَانَ أَصْلُهُ مِنْ حَدِيدَةٍ وُجِدَتْ مَدْفُونَةً
عِنْدَ الْكَعْبَةِ مِنْ دَفْنِ جُرْهُمٍ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو
الْفَقَارِ وَصَمْصَامَةُ عمرو بن معديكرب الزُّبَيْدِيِّ، الَّتِي
وَهَبَهَا لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
وَأَخَذَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ:
سَيْفًا قَلَعِيًّا، مَنْسُوبٌ إِلَى مَرْجِ الْقَلْعَةِ-
بِالْفَتْحِ- مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ، وَ «الْبَتَّارَ» ، وَ
«الْحَنِيفَ» ، وَكَانَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ «الرَّسُوبُ» -
مِنْ رَسَبَ فِي الْمَاءِ إِذَا سَفُلَ [3]- وَالْمِخْذَمُ وَهُوَ
الْقَاطِعُ، أصابهما من الفلس: صنم كان لطيّئ، وَسَيْفٌ يُقَالُ
لَهُ «الْقَضِيبُ» ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ،
وَالْقَضْبُ: الْقَطْعُ.
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ [4] ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:
صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ، وَزَعَمَ سَمُرَةُ
أَنَّهُ صَنَعَهُ عَلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حَنَفِيًّا.
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد 1/ 486، 487 بروايات مختلفة.
[2] زاد الترمذي في الجهاد (1741) باب ما جاء في السيوف وحليلتها:
«قال طالب: فسألته عن الفضّة فقال: كانت قبيعة السيف فضّة» .
وطالب هو: ابن حجير.
وقال الترمذيّ: وفي الباب عن أنس. هذا حديث غريب. وجدّ هو اسمه
مزيدة العصري.
(3/ 118) .
[3] أي يرسب ويستقرّ في الضّربة. (إنسان العيون لبرهان الدين
الحلبي) .
[4] في كتاب الجهاد (1734) باب ما جاء في صفة سَيْفُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: هنا حديث
غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقد تكلّم
يحيى بن سعيد القطّان في عثمان بن سعد الكاتب وضعّفه من قبل حفظه.
(1/512)
رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ.
وَالْحَنْفُ: الِاعْوِجَاجُ.
قَالَ شَيْخُنَا [1] : وَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دِرْعٌ يُقَالُ لَهَا «ذَاتُ الْفُضُولِ» ، لِطُولِهَا،
أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حِينَ سَارَ إلى
بدر [2] .
و «ذات الوشاح» وهي المتوشّحة، وَ «ذَاتُ الْحَوَاشِي» ،
وَدِرْعَانِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمَا «السُّغْدِيَّةُ» [3]
وَ «فِضَّةٌ» ، وَكَانَتِ السُّغْدِيَّةُ دِرْعَ عُكْيَرٍ [4]
الْقَيْنُقَاعِيِّ، وَهِيَ دِرْعُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
الَّتِي لَبِسَهَا حِينَ قَتَلَ جَالُوتَ [5] .
وَدِرْعٌ يُقَالُ لَهَا «الْبَتْرَاءُ» [6] ، وَدِرْعٌ يُقَالُ
لَهَا «الْخَرْنَقُ» ، وَالْخَرْنَقُ وَلَدُ الْأَرْنَبِ. وَلَبِسَ
يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَيْنِ «ذَاتُ الْفُضُولِ» وَ «فِضَّةٌ» .
وَكَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ خَيْبَرَ: «ذَاتُ الْفُضُولِ» وَ
«السُّغْدِيَّةُ» [7] .
وَقَدْ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ
مَرْهُونَةٌ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَخَذَهَا قُوتًا
لِأَهْلِهِ. [8] .
وَقَالَ عُبَيْسُ بْنُ مَرْحُومٍ الْعَطَّارُ: ثنا حَاتِمُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، عن جعفر بن
__________
[1] هو شرف الدين الدمياطيّ، الّذي ذكره قبل قليل.
[2] انظر طبقات ابن سعد 1/ 487.
[3] ويقال: «الصّغديّة» بالصاد، نسبة إلى الصّغد، أو «السّغد» بضم
الصاد أو السين المهملتين. (انظر: تهذيب الكمال 1/ 212، وعيون
الأثر 2/ 318) .
وفي طبقات ابن سعد 1/ 487، ونهاية الأرب للنويري 18/ 298:
«السعدية» بالعين المهملة. قال في شرح نهاية الأرب حاشية رقم (7) :
السعدية: نسبة إلى جبال السّعد.
[4] في أنساب الأشراف 1/ 523 «عكين» .
[5] نهاية الأرب للنويري 18/ 298.
[6] سمّيت بذلك لقصرها.
[7] انظر طبقات ابن سعد 1/ 487.
[8] ابن سعد 1/ 488.
(1/513)
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي
دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَلَقَتَانِ مِنْ فِضَّةٍ فِي مَوْضِعِ الصَّدْرِ، وَحَلَقَتَانِ
مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ:
فَلَبِسْتُهَا فَجَعَلْتُ أَخُطُّهَا فِي الْأَرْضِ [1] . قَالَ
شَيْخُنَا: وَكَانَ لَهُ خَمْسُ أَقْوَاسٍ: ثَلَاثٌ مِنْ سِلَاحِ
بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى «الزَّوْرَاءَ» ، وَقَوْسٌ
تُدْعَى «الْكَتُومَ» [2] ، وَكَانَتْ جَعْبَتُهُ تُدْعَى
«الْكَافُورَ» [3] .
وَكَانَتْ لَهُ مِنْطَقَةٌ مِنْ أَدِيمٍ مَبْشُورٍ [4] ، فِيهَا
ثَلَاثُ حِلَقٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَتُرْسٌ يُقَالُ لَهُ «الزَّلُوقُ»
، يَزْلَقُ عَنْهُ السِّلَاحُ، وَتُرْسٌ يُقَالُ لَهُ «الْعُنُقُ»
، وَأُهْدِيَ لَهُ تُرْسٌ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ أَوْ كَبْشٍ،
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ اللَّهُ ذَلِكَ التِّمْثَالَ
[5] .
وَأَصَابَ ثَلَاثَةَ أَرْمَاحٍ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ.
وَكَانَ لَهُ رُمْحٌ يُقَالُ لَهُ «الْمُثْوِي» ، وَآخَرُ يُقَالُ
لَهُ «الْمُتَثَنِّي» [6] ، وَحَرْبَةٌ اسْمُهَا «الْبَيْضَاءُ» ،
وَأُخْرَى صَغِيرَةٌ كَالْعُكَّازِ [7] .
وَكَانَ لَهُ مِغْفَرٌ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قينقاع [8] ، وآخر يقال
له «السّبوغ» [9] .
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 488.
[2] لانخفاض صوتها إذا رمى عنها. (عيون الأثر 2/ 318) ، وقد كسرت
يوم بدر.
[3] نهاية الأرب للنويري 18/ 298.
[4] مبشور، مقشور. وهذه الصفة لا توجد في «شرح المواهب» . (نهاية
الأرب 18/ 298) .
[5] ابن سعد في الطبقات 1/ 489، والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 211،
والنويري في نهاية الأرب 18/ 298، 299، وابن سيّد الناس في عيون
الأثر 2/ 318.
[6] وفي نهاية الأرب 18/ 297 «المثنيّ» ، وكذلك في عيون الأثر 2/
318.
[7] يقال لها «العنزة» ، وهي حربة دون الرمح يمشي بها في يده،
وتحمل بين يديه في العيدين، حتى تركّز أمامه فيتّخذها سترة يصلّي
إليها. (نهاية الأرب 18/ 298، وعيون الأثر 2/ 318) .
[8] يقال له «الموشح» . (عيون الأثر 2/ 318) .
[9] في عيون الأثر 2/ 318 «المسبوغ» أو «ذو السبوغ» ، والسّبوغ
بالفتح والضم، بمعنى السابغ، وهو الطويل. (نهاية الأرب 18/ 298) .
(1/514)
وَكَانَتْ لَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ
مُرَبَّعَةٌ مِنْ نَمِرَةٍ مُخْمَلَةٍ، تُدْعَى «الْعُقَابَ» [1] .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ [2] ، مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ،
عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ آخَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَايَةَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْرَاءَ،
وَكَانَتْ أَلْوِيَتُهُ بِيضًا.
وَرُبَّمَا جَعَلَ فِيهَا الْأَسْوَدَ، وَرُبَّمَا كَانَتْ مِنْ
خُمُرِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ [3] .
وَكَانَ فُسْطَاطُهُ يُسَمَّى «الْكِنَّ» [4] .
وَكَانَ لَهُ مِحْجَنٌ [5] قَدْرَ ذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ، يَمْشِي
وَيَرْكَبُ بِهِ، وَيُعَلِّقُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى بَعِيرِهِ
[6] .
وَكَانَتْ لَهُ مِخْصَرَةٌ [7] تُسَمَّى «الْعُرْجُونَ» [8] ،
وَقَضِيبٌ يُسَمَّى «الْمَمْشُوقَ» [9] .
وَاسْمُ قَدَحِهِ «الرَّيَّانُ» . وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ مُضَبَّبٌ
غَيْرُ «الرَّيَّانِ» ، يُقَدَّرُ أكثر من نصف المدّ [10] .
__________
[1] نهاية الأرب 18/ 299، وعيون الأثر 2/ 318، وفي شرح سنن أبي
داود: هي بردة من صوف يلبسها الأعراب، فيها خطوط من بياض وسواد.
(3/ 32 رقم 2591) ، ورواه الترمذي في الجهاد (1679) باب ما جاء في
الألوية.
[2] في الجهاد (2592 و 2593) باب في الرايات والألوية، وعيون الأثر
2/ 318.
[3] نهاية الأرب 18/ 299.
[4] عيون الأثر 2/ 319.
[5] المحجن: عصا معقفة الرأس، على ما في (النهاية) .
[6] نهاية الأرب 18/ 298، وعيون الأثر 2/ 319.
[7] مخصرة: ما يختصره بيده، فيمسكه من عصا أو عكّازة أو مقرعة أو
قضيب، قد يتوكّأ عليه.
[8] نهاية الأرب 18/ 298، عيون الأثر 2/ 319.
[9] عيون الأثر 2/ 319.
[10] عيون الأثر 2/ 319.
(1/515)
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ:
إِنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انْكَسَرَ، وَاتَّخَذَ مَكَانَ الشِّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ مِنْ زُجَاجٍ، وَتَوْرٌ [2] مِنْ حِجَارَةٍ،
يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَثِيرًا، وَمِخْضَبٌ مِنْ شِبْهٍ [3] .
وَرَكْوَةٌ [4] تُسَمَّى «الصَّادِرَةَ» ، وَمِغْسَلٌ مِنْ صُفْرٍ
[5] ، وَرَبْعَةٌ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ، يَجْعَلُ فِيهَا
الْمِرْآةَ وَمُشْطًا مِنْ عَاجٍ، وَالْمِكْحَلَةَ، وَالْمِقَصَّ،
وَالسِّوَاكَ [6] .
وَكَانَتْ لَهُ نَعْلَانِ سِبْتِيَّتَانِ، وَقَصْعَةٌ، وَسَرِيرٌ،
وَقَطِيفَةٌ. وَكَانَ يَتَبَخَّرُ بِالْعُودِ وَالْكَافُورِ [7] .
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ [8] بِإِسْنَادِي الْمَاضِي إِلَيْهِ:
يُقَالُ تَرَكَ يَوْمَ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَوْبَيْ حِبَرَةٍ، وَإِزَارًا عُمَانِيًّا،
وَثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ [9] ، وَقَمِيصًا صُحَارِيًا
وَقَمِيصًا سَحُولِيًا [10] ، وَجُبَّةً يَمَنِيَّةً، وَخَمِيصَةً،
وَكِسَاءً أَبْيَضَ، وَقَلَانِسَ صِغَارًا ثَلَاثًا أَوْ
أَرْبَعًا، وَإِزَارًا طُولُهُ خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَمِلْحَفَةً
يَمَنِيَّةً مورّسة [11] .
__________
[1] في الأشربة 6/ 252 باب الشرب من قدح النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم وآنيته، وفي الجهاد، باب ما ذكر من درع النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم وعصاه وسيفه وقدحه.
[2] في عيون الأثر «ثور» بالثاء المثلّثة.
[3] الشّبه: أرفع النحاس. (عيون الأثر 2/ 319) .
[4] الركوة: إناء صغير من جلد، يشرب فيه الماء.
[5] الصفر: النحاس.
[6] عيون الأثر 2/ 319.
[7] عيون الأثر 2/ 319.
[8] هو أحمد بن فارس اللّغوي، الّذي مرّ ذكره قبل الآن.
[9] نسبة إلى صحار، قرية باليمن، وقيل غير ذلك.
[10] نسبة إلى صحار، قرية باليمن، وقيل غير ذلك.
[11] عيون الأثر 2/ 219، وانظر: أنساب الأشراف 1/ 507 رقم 1023.
(1/516)
وَأَكْثَرُ هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى
بِلَا إِسْنَادٍ، نَقَلَهُ هَكَذَا ابْنُ فَارِسٍ، وَشَيْخُنَا
الدِّمْيَاطِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟.
وَأَمَّا دَوَابُّهُ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ
بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ
اللَّحِيفُ [1] .
وَرَوَى عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ- وَهُوَ ضَعِيفٌ [2]- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثَةُ أَفْرَاسٍ يَعْلِفُهُنَّ عِنْدَ أَبِي سَعْدِ ابْنِ
سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّيهِنَّ: «اللزاز» ، و «الظّرب» ، و
«اللّحيف» . رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْهُ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ
بِالسَّنَدِ: فأمّا «اللزاز» أهداه لَهُ الْمُقَوْقِسُ، وَأَمَّا
«اللَّحِيفُ» فَأَهْدَاهُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي الْبَرَاءِ،
فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ فَرَائِضَ مِنْ نَعَمِ بَنِي كِلَابٍ،
وَأَمَّا «الظَّرِبُ» فَأَهْدَاهُ لَهُ فروة بن عمرو [3] الجذامي
[4] .
__________
[1] قال ابن الأثير في «جامع الأصول 9/ 645» عن سهل بن سعد قال:
كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حائطنا
فرس يقال له: اللّحيف، قال البخاري: قال بعضهم: «اللّخيف» بالخاء.
وقد قيّد اللّخيف، أو «اللّخيف» بفتح اللّام المشدّدة وكسر الحاء
أو الخاء. وقال:
«اللّحيف» بالحاء المهملة، فعيل بمعنى فاعل، كأنّه يلحف الأرض
بذنبه لطوله، أي يغطّيها، ومن رواه بالخاء المعجمة فقليل، والصحيح
أنه بالحاء المهملة. وانظر نهاية الأرب 18/ 300.
وقيّده في صحيح البخاري 3/ 216، وتهذيب الكمال 1/ 210، «اللّحيف»
بضم اللّام المشدّدة وفتح الحاء المهملة بالتصغير. وقيل: «النّحيف»
بالنون. (نهاية الأرب 18/ 299) .
[2] انظر عنه: التاريخ لابن معين 2/ 376، والتاريخ الصغير للبخاريّ
206، والضعفاء الصغير له 269 رقم 233، والضعفاء والمتروكين للنسائي
297 رقم 386، والضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 114 رقم 1088، والجرح
والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 67، 68 رقم 354، والمغني في الضعفاء
للذهبي 2/ 409 رقم 3863، وميزان الاعتدال له 2/ 671 رقم 5279.
[3] ويقال: «فروة بن عامر» ، و «فروة بن نفاثة» ، وقيل «ابن نباتة»
، وقيل: «ابن نعامة» .
وكان عاملا للروم على من يليهم من العرب. (أسد الغابة 4/ 178) وفي
طبقات ابن سعد «فروة بن عمير» .
[4] ابن سعد في الطبقات 1/ 490.
(1/517)
وَ «اللِّزَازُ» مِنْ قَوْلِهِمْ:
لَازَزْتُهُ أَيْ لَاصَقْتُهُ، وَالْمُلَزَّزُ: الْمُجْتَمِعُ
الْخَلْقِ.
وَ «الظَّرِبُ» : وَاحِدُ الظِّرَابِ، وَهِيَ الرَّوَابِي
الصِّغَارُ، سُمِّيَ بِهِ لِكِبَرِهِ وَسِمْنِهِ، وَقِيلَ
لِقُوَّتِهِ، وَقَالَهُ الْوَاقِدِيُّ بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ،
وَقَالَ: سُمِّيَ الطَّرِبَ لِتَشَوُّفِهِ أَوْ لِحُسْنِ
صَهِيلِهِ.
وَ «اللَّحِيفُ» : بِمَعْنَى لَاحِفٍ، كَأَنَّهُ يَلْحَفُ
الْأَرْضَ بِذَنَبِهِ لِطُولِهِ، وَقِيلَ: اللُّحَيْفُ، مُصَغَّرٌ
[1] .
وَأَوَّلُ فَرَسٍ مَلَكَهُ: السَّكْبُ، وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَ
الْأَعْرَابِيِّ:
«الضَّرِسَ» [2] ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَشْرِ أَوَاقِي، أَوَّلُ
مَا غَزَا عَلَيْهِ أحد، لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ،
وَفَرَسٌ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ [3] . وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ
يُدْعَى:
«الْمُرْتَجِزَ» [4] ، سُمِّيَ بِهِ لِحُسْنِ صَهِيلِهِ، وَكَانَ
أَبْيَضَ. وَالْفَرَسُ إِذَا كَانَ خَفِيفَ الْجَرْيِ فَهُوَ
سَكْبٌ وَفَيِّضٌ كَانْسِكَابِ الْمَاءِ.
وَأَهْدَى لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَرَسًا يُدْعَى الْوَرْدَ،
فَأَعْطَاهُ عُمَرَ [5] .
وَالْوَرْدُ: بَيْنَ الْكُمَيْتِ وَالْأَشْقَرِ.
وَكَانَتْ لَهُ فَرَسٌ تُدْعَى «سَبْحَةً» [6] ، مِنْ قَوْلِهِمْ:
طِرْفٌ سَابِحٌ، إِذَا كَانَ حَسَنَ مَدِّ اليدين في الجري.
__________
[1] أنساب الأشراف 1/ 510.
[2] الضّرس: الصعب، السّيّئ الخلق. (عيون الأثر 2/ 320) وأنساب
الأشراف 1/ 509.
[3] يسمّى «ملاوح» (طبقات ابن سعد 1/ 489، وعيون الأثر 2/ 320،
ونهاية الأرب 18/ 300) .
[4] المرتجز: سمّي بذلك لحسن صهيله. مأخوذ من الرجز الّذي هو ضرب
من الشعر. (نهاية الأرب 18/ 299) وانظر: ابن سعد 1/ 490، وأنساب
الأشراف 1/ 509.
[5] ابن سعد 1/ 490.
[6] في طبقات ابن سعد 1/ 490 «سيحة» بالياء المثنّاة.
(1/518)
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: فَهَذِهِ سَبْعَةُ
أَفْرَاسٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ بَعْدَهَا خَمْسَةَ
عَشَرَ فَرَسًا مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَقَالَ: قَدْ شَرَحْنَاهَا فِي
«كِتَابِ الْخَيْلِ» .
قَالَ: وَكَانَ سَرْجُهُ دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ [1] .
وَكَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ، شَهْبَاءُ
يُقَالُ لَهَا: «دُلْدُلُ» .
مَعَ حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: «عُفَيْرٌ» ، وَبَغْلَةٌ يُقَالُ
لَهَا: «فِضَّةٌ» ، أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ الْجُذَامِيُّ [2] ،
مَعَ حِمَارٍ يُقَالَ لَهُ «يَعْفُورُ» ، فَوَهَبَ الْبَغْلَةَ
لِأَبِي بَكْرٍ، وَبَغْلَةً أُخْرَى [3] .
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: غَزَوْنَا تَبُوكَ، فَجَاءَ
رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ صاحب أيلة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ
بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْدَى لَهُ بُرْدَةً، وَكَتَبَ
لَهُ بِبَحْرِهِمْ [4] ، والحديث في الصّحاح [5] .
__________
[1] وانظر: طبقات ابن سعد 1/ 491.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 491، وأنساب الأشراف 1/ 511.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 491، وأنساب الأشراف 1/ 511.
[4] في الأصل «بتجرهم» ، وفي (ع) «ببجرهم» ، وفي صحيح مسلم
«ببحرهم» أي ببلدهم.
[5] رواه البخاري في الهبة 3/ 141 باب قبول الهدية من المشركين،
وأحمد في المسند 5/ 424، 425 في حديث طويل نصّه: «عن أبي حميد
الساعدي قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام تبوك حين جئنا وادي القرى، فإذا امرأة في
حديقة لها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأصحابه: «أخرصوا» فخرص القوم، وخرص رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أوسق، وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم للمرأة: «أحصي ما يخرج منها حتى أرجع إليك إن
شاء الله» ، فخرج حتى قدم تَبُوكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّها ستبيت عليكم الليلة ريح شديدة،
فلا يقوم منكم فيها رجل، فمن كان له بعير فليوثق عقاله» قال: قال
أبو حميد: فعقلناها، فلمّا كان من اللّيل، هبّت علينا ريح شديدة،
فقام فيها رجل فألقته في جبل طيِّئ، ثم جاء رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم ملك أيلة فأهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلة
بيضاء، فكساه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برداء، وكتب له رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم ببحره.
قال: ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جئنا وادي القرى، فقال للمرأة «كم
حديقتك؟» قالت:
عشرة أوسق: خرص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، «إنّي متعجّل، فمن
أحبّ منكم أن يتعجّل فليفعل» ،
(1/519)
وقال ابن سعد: وبعث صَاحِبُ دُومَةِ
الْجَنْدَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِبَغْلَةٍ وَجُبَّةِ سُنْدُسٍ [1] . وَفِي إِسْنَادِهِ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونَ الْقَدَّاحُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ [2] .
وَيُقَالُ إِنَّ كِسْرَى أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً، وَهَذَا بَعِيدٌ،
لِأَنَّهُ- لَعَنَهُ اللَّهُ- مَزَّقَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَتْ لَهُ النَّاقَةُ الَّتِي هَاجَرَ عَلَيْهَا مِنْ
مَكَّةَ، تُسَمَّى «القصواء» [3] ، و «العضباء» و «الجدعاء» ،
وَكَانَتْ شَهْبَاءَ [4] .
وَقَالَ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على
__________
[ () ] قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وخرجنا معه، حتى إذا أوفى على المدينة قال: «هي هذه
طابة» فلمّا رأى أحدا قال: «هذا أحد يحبّنا ونحبّه، لا أخبركم بخير
دور الأنصار» قال: قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «خير دور الأنصار
بنو النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني ساعدة، ثم في كل
دور الأنصار خير» .
[1] عيون الأثر 2/ 322.
[2] قال البخاري: ذاهب الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم:
منكر الحديث، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ
ابْنُ حِبّان: لَا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال ابن عديّ:
وعامّة ما يرويه لا يتابع لا عليه، وقال الحاكم: روى عن عبد الله
بن عمر أحاديث موضوعة، وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى المناكير،
وقال أبو حاتم، يروي عن الأثبات الملزقات لا يجوز الاحتجاج به إذا
انفرد.
انظر عنه:
التاريخ الكبير للبخاريّ 5/ 206 رقم 653، والضعفاء والمتروكين
للنسائي 295 رقم 336، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 172 رقم
799، والضعفاء الكبير للعقيليّ 2/ 302 رقم 877، والمجروحين لابن
حبّان 2/ 21، والكامل في الضعفاء لابن عديّ 4/ 1504- 1506 وميزان
الاعتدال للذهبي 2/ 512 رقم 4642، والمغني في الضعفاء له 1/ 359،
360 رقم 3392، والكاشف له 2/ 121 رقم 3052، وتهذيب التهذيب لابن
حجر 6/ 49، رقم 91، وتقريب التهذيب له 1/ 455 رقم 679.
[3] قال ابن الأثير في «جامع الأصول 8/ 661» : «القصواء لقب ناقة
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم تكن قصواء، فإنّ القصواء هي
المشقوقة الأذن» .
[4] عيون الأثر 2/ 322، وطبقات ابن سعد 1/ 492، ونهاية الأرب
للنويري 18/ 301، وأنساب الأشراف 1/ 511، 512.
(1/520)
ناقة صهباء يرمي الجمرة، لَا ضَرْبَ وَلَا
طَرْدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ [1] . حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الصَّهْبَاءُ: الشَّقْرَاءُ.
وَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَاحٌ [2]
أَغَارَتْ عَلَيْهَا غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، فَاسْتَنْقَذَهَا
سَلَمَةُ ابْنُ الْأَكْوَعِ وَجَاءَ بِهَا يَسُوقُهَا. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ [3] . وَهُوَ مِنَ الثُّلَاثِيَّاتِ.
وَجَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَهْدَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ جَمَلًا فِي أَنْفِهِ بُرَّةٌ مِنْ
فِضَّةٍ، كَانَ غَنِمَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ،
أَهْدَاهُ لِيَغِيظَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا رَأَوْهُ،
وَكَانَ مَهْرِيًّا [4] يَغْزُو عَلَيْهِ وَيَضْرِبُ فِي لِقَاحِهِ
[5] .
وَقِيلَ: كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ
لِقْحَةً بِالْغَابَةِ، يُرَاحُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ
بِقِرْبَتَيْنِ مِنْ لَبَنٍ [6] .
وَكَانَتْ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لِقْحَةً، يَرْعَاهَا يَسَارُ
مَوْلَاهُ الَّذِي قَتَلَهُ الْعَرْنِيُّونَ وَاسْتَاقُوا
اللِّقَاحَ، فَجِيءَ بِهِمْ فَسَمَلَهُمْ [7] .
وَكَانَ لَهُ مِنَ الْغَنَمِ مِائَةُ شَاةٍ، لَا يُرِيدُ أَنْ
تَزِيدَ، كُلَّمَا وَلَّدَ الراعي بهيمة ذبح مكانها شاة [8] .
__________
[1] رواه أحمد في المسند 3/ 413، وروى نصفه الأول ابن سعد في
الطبقات 1/ 493.
[2] اللقاح: ذوات الألبان من النّوق. (تاج العروس) .
[3] أخرجه البخاري في الجهاد 4/ 27 باب من رأى العدوّ فنادى بأعلى
صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس، وفي المغازي 5/ 71 باب غزوة ذات
قرد، ومسلم (1806) في الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها،
وأحمد في المسند 4/ 48.
[4] المهرية: من كرائم الإبل، تنسب إلى حيّ مهران بن حيدان.
[5] أخرجه أبو داود في المناسك (1749) باب في الهدي، وأحمد في
المسند 1/ 261.
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 494، والنويري في نهاية الأرب 18/
301، والمزّي في تهذيب الكمال 1/ 210.
[7] عيون الأثر 2/ 322، وطبقات ابن سعد 1/ 495.
[8] عيون الأثر 2/ 322.
(1/521)
وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُمَّ فِي شِوَاءٍ
قَالَ وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ
يَصْنَعُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَصْنَعْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ
يَوْمٍ رَأَيْتُهُ يَدْعُو، فَقَالَ: «أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ
قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ:
أَتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي،
وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ الْآخَرُ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ
طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ [1] ، قَالَ: فِيمَ؟
قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ [2] وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ،
قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذِي أَرْوَانَ [3] ، فَانْطَلَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا
رَجَعَ أَخْبَرَ عَائِشَةَ فَقَالَ: كَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ
الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرِجْهُ لِلنَّاسِ، قَالَ:
أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ
عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا.
فِي لَفْظٍ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ [4] . رَوَى عُمَرُ مَوْلَى
عَفْرَةَ- وَهُوَ تَابِعِيٌّ- أَنَّ لَبِيدَ بْنَ أَعْصَمَ سَحَرَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى الْتَبَسَ
بَصَرُهُ وَعَادَهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ
وَمِيكَائِيلَ أَخْبَرَاهُ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ، فَاسْتَخْرَجَ السِّحْرَ مِنَ
الْجُبِّ، ثُمَّ نَزَعَهُ فَحَلَّهُ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعفا عنه [5] .
__________
[1] اليهودي.
[2] في صحيح البخاري «مشاقة» . (4/ 90) و (7/ 29) .
[3] في صحيح البخاري «بئر ذروان» .
[4] رواه البخاري في بدء الخلق 4/ 90، 91 باب صفة إبليس وجنوده،
وفي الطب 7/ 29، 30 باب هل يستخرج السّحر، وفي الدعوات 7/ 164 باب
تكرير الدعاء، وأحمد في المسند 6/ 50 و 96 وانظر جامع الأصول 5/
66، وابن ماجة (3545) في الطب، وابن سعد في الطبقات 2/ 196.
[5] الحديث مرسل، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ الّذي أخرجه النسائي في تحريم الدم
(1/522)
وَرَوَى يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ
فِي سَاحِرِ أَهْلِ الْعَهْدِ: لَا يُقْتَلُ، قَدْ سَحَرَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ، فَلَمْ
يَقْتُلْهُ [1] .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهُ [2] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِمَّنْ رَوَى
أَنَّهُ قَتَلَهُ [3] .
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْيَهُودَ سَمَّتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّتْ أَبَا بَكْرٍ
[4] .
وَفِي «الصَّحِيحِ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ
يَهُودِ خَيْبَرَ أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَسْمُومَةً [5] .
وَعَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا افْتَتَحَ
خَيْبَرَ وَاطْمَأَنَّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ-
وَهِيَ بِنْتُ أَخِي مَرْحَبٍ وَامْرَأَةُ سَلامِ بْنِ مِشْكَمٍ-
سُمًّا قَاتِلًا فِي عَنْزٍ لَهَا ذَبَحَتْهَا وَصَلَتْهَا [6] ،
وَأَكْثَرَتِ السُّمَّ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفِ، فَلَمَّا
صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ
انْصَرَفَ وَهِيَ جَالِسَةٌ عِنْدَ رَحْلِهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا
الْقَاسِمِ هَدِيَّةٌ أَهْدَيْتُهَا لَكَ، فَأَمَرَ بِهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخِذَتْ مِنْهَا،
ثُمَّ وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَصْحَابُهُ حُضُورٌ، مِنْهُمْ
بِشْرُ بْنُ البراء بن معرور،
__________
[7] / 112 و 113 باب سحرة أهل الكتاب، ونصّه: «سحر النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ اليهود، فاشتكى
لذلك أيّاما، فأتاه جبريل فقال: إنّ رجلا من اليهود سحرك، عقد لك
عقدا في بئر كذا وكذا، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستخرجها فحلّها، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنّما أنشط من عقال، فما ذكر
ذلك لذلك اليهوديّ ولا رآه في وجهه قطّ» ، وروى الحديث ابن سعد في
الطبقات 2/ 196، 197.
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 2/ 199.
[2] ابن سعد في الطبقات 2/ 199.
[3] المصدر نفسه.
[4] ابن سعد 2/ 200.
[5] ابن سعد 2/ 200.
[6] صلتها: أي شوتها.
(1/523)
وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَانْتَهَشَ
[1] مِنَ الذِّرَاعِ، وَتَنَاوَلَ بِشْرٌ عَظْمًا آخَرَ،
فَانْتَهَشَ مِنْهُ، وَأَكَلَ الْقَوْمُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَكَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُقْمَةً
قَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّ هَذِهِ الذِّرَاعَ
تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ» فَقَالَ بِشْرٌ: وَالَّذِي
أَكْرَمَكَ، لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ مِنْ أَكْلَتِي، فَمَا
مَنَعَنِي أَنْ أَلْفُظَهَا إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُبْغِضَ
إِلَيْكَ طَعَامَكَ، فَلَمَّا أَكَلْتَ مَا فِي فِيكَ لَمْ
أَرْغَبْ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِكَ، وَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ
ازْدَرَدْتَهَا وَفِيهَا بَغْيٌ، فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ حَتَّى
تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ سَنَةً وَمَاتَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَرِمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى
تُوُفِّيَ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ؟ قَالَتْ: نِلْتَ
مِنْ قَوْمِي، وَقَتَلْتَ أَبِي وَعَمِّي وَزَوْجِي، فَقُلْتُ:
إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَتُخْبِرُهُ الذِّرَاعُ، وَإِنْ كَانَ
مَلَكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ، فَدَفَعَهَا إِلَى أَوْلِيَاءِ
بِشْرٍ يَقْتُلُونَهَا. وَهُوَ الثَّبْتُ. وَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: لَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ. حَجَمَهُ أَبُو
هِنْدٍ بِقَرْنٍ وَشَفْرَةٍ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا
أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ.
وَكَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَقُولُ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ
الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُهَا بِخَيْبَرَ، وَهَذَا أَوَانُ
انْقِطَاعِ أَبْهَرِي، وَفِي لَفْظٍ: مَا زَالَتْ أَكْلَةُ
خَيْبَرَ يُعَاوِدُنِي أَلَمُ سُمِّهَا- وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ فِي
الظَّهْرِ- وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ. وَأَصْلُ الحديث في «الصحيح»
[2] .
__________
[1] النّهس: أخذ اللّحم بأطراف الأسنان. والنّهش: الأخذ بجميعها.
(النهاية لابن الأثير) .
[2] انظر: صحيح البخاري 5/ 84 في المغازي، باب الشاة التي سمّت
للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خيبر، و 3/ 141 في الهبة، باب قبول
الهدية من المشركين، ومسلم (2190) في السلام، باب السّمّ، وأبو
داود في الديات (4508) و (4509) و (4510) و (4511) و (4512) و
(4513) و (4514) باب فيمن سقى رجلا سمّا أو أطعمه فمات، أيقاد
منه؟، وابن ماجة، في الطب (3546) باب السحر، وأحمد في المسند 1/
305 و 373، وابن هشام في السيرة النبويّة 4/ 44، والهيثمي في مجمع
الزوائد 8/ 295، 296 باب ما جاء في الشاة المسمومة، وقال: رواه
الطبراني والبزّار، والحديث بكاملة في طبقات ابن سعد 2/ 202، 203.
(1/524)
وَرَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ قَالَ: لَأَنْ أَحْلِفَ باللَّه تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً، يَعْنِي أَنَّهُ مَاتَ
مَوْتًا، وَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وجعله
شهيدا [1] .
__________
[1] كتب هنا في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه،
فسح الله في مدّته، في الميعاد العاشر.
بلغت قراءة في الميعاد السادس عشر على مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله
الذهبي. كتبه عبد الرحمن البعلي» .
(1/525)
بَابُ مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا
وَصُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالشَّامِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ الرَّبْعِيُّ- وَهُوَ ضَعِيفٌ
بِمَرَّةٍ [1]-: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ
عُثْمَانَ عَمَّتِي، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ
اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَ
أَمْرُهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ
بِبُصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى فَقَالُوا لِي:
أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: فَتَعْرِفُ
هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَدْخَلُونِي
دَيْرًا لَهُمْ فيه صور فقالوا: انظر هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟
فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، قُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ،
فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَاكَ فَنَظَرْتُ، وَإِذَا
بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَصُورَتِهِ وَبِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ آخِذٌ
بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالُوا لِي: هَلْ ترى صفته؟
__________
[1] قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث، وقال فضلك الرازيّ: يحلّ
عنقه، وقال ابن حبّان:
يقلب الأخبار ويسرقها.
انظر عنه: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 4/ 1574، 1575، وتاريخ
بغداد للخطيب البغدادي 9/ 474، 475 رقم 5106، والمغني في الضعفاء
للذهبي 1/ 342 رقم 3212، وميزان الاعتدال له 2/ 438 رقم 4376،
ولسان الميزان لابن حجر 3/ 299، 300 رقم 1245.
(1/527)
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: هُوَ هَذَا؟
قُلْتُ: اللَّهمّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، قَالُوا،
أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي أَخَذَ بِعَقِبِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،
قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ وَأَنَّ هَذَا
الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي «تَارِيخِهِ» [1] ، عَنْ مُحَمَّدٍ، غير
منسوب عن محمد ابن عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْصَرَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ
الْأُمَوِيِّ قَالَ:
بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ نَدْعُوهُ
إِلَى الْإِسْلَامِ، فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ
الْغَسَّانِيِّ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَإِذَا هو على سرير له،
فأرسل إلينا برسول نُكَلِّمُهُ، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَا
نُكَلِّمُ رَسُولًا، إِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ [2] ،
فَأَذِنَ لَنَا وَقَالَ: تَكَلَّمُوا، فَكَلَّمْتُهُ وَدَعَوْتُهُ
إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سَوَادٌ، قُلْنَا:
مَا هَذِهِ؟ قَالَ: لَبِسْتُهَا وَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَنْزَعِهَا
حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ، قلنا: ومجلسك هذا، فو الله
لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَلَنَأْخُذَنَّ مِنْكَ الْمُلْكَ
الْأَعْظَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا
[3] ، قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَصُومُونَ
بِالنَّهَارِ فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَمَلَأَ
وَجْهَهُ سَوَادًا وَقَالَ: قُومُوا، وَبَعَثَ مَعَنَا رَسُولًا
إِلَى الْمَلِكِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ
الْمَدِينَةِ، فَقَالَ الَّذِي مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِهِ
لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ الملك، فإن شئتم حملناكم على
__________
[1] التاريخ الكبير 1/ 179 وفيه في آخره: «قال: إنّه لم يكن نبيّ
إلّا كان بعده نبيّ إلّا هذا النّبيّ» .
[2] زاد في السيرة الشامية: «فإن أذن لنا كلّمناه وإلّا لم نكلّم
الرسول» .
وتراجع السيرة لوجود اختلاف في نصّ الرواية عمّا هنا.
[3] لعلّ هنا نقصا يستدرك من الرواية المقبلة وهو قوله: (قَالَ:
أَنْتُمْ إِذًا السَّمْرَاءُ، قُلْنَا: وَمَا السَّمْرَاءُ؟) .
(1/528)
بَرَاذِينَ وَبِغَالٍ؟ قُلْنَا: وَاللَّهِ
لَا نَدْخُلُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَأَرْسَلُوا، إِلَى الْمَلِكِ
أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ، فَدَخَلْنَا على رَوَاحِلَنَا
مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غُرْفَةٍ
لَهُ، فَأَنَخْنَا فِي أَصْلِهَا، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْنَا،
فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ،
وَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ حَتَّى صَارَتْ
كَأَنَّهَا عَذْقٌ [1] تُصَفِّقُهُ الرِّيَاحُ [2] ، فَأَرْسَلَ
إِلَيْنَا: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا عَلَيْنَا بِدِينِكُمْ،
وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ،
وَهُوَ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ، عِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ مِنَ الرُّومِ،
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي مَجْلِسِهِ أَحْمَرُ، وَمَا حَوْلَهُ حُمْرَةٌ،
وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنَ الْحُمْرَةِ، فَدَنَوْنَا مِنْهُ،
فَضَحِكَ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكُمْ لَوْ حَيَّيْتُمُونِي
بِتَحِيَّتِكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ
فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، كَثِيرُ الْكَلَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّ
تَحِيَّتَنَا فِيمَا بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتُكَ
الَّتِي تُحَيَّا بِهَا لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُحَيِّيكَ بِهَا،
قَالَ: كَيْفَ تَحِيَّتُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟
قُلْنَا: «السَّلَامُ عَلَيْكَ» ، قَالَ: فيم تُحَيُّونَ
مَلِكَكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ:
وَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَا
أَعْظَمَ كَلامَكُمْ؟ قُلْنَا: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاللَّهُ أَكْبَرُ) فَلَمَّا تَكَلَّمْنَا بِهَا قَالَ: وَاللَّهُ
يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ، حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ
إِلَيْنَا فَقَالَ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا
حَيْثُ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ كُلَّمَا قُلْتُمُوهَا فِي
بُيُوتِكُمْ تَنْقَضُّ بُيُوتُكُمْ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، مَا
رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا قَطُّ إِلَّا عِنْدَكَ، قَالَ:
لَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ كُلَّمَا قُلْتُمْ يَنْقُضُ كُلُّ شَيْءٍ
عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي، قُلْنَا:
لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَيْسَرَ لِشَأْنِهَا، وَأَجْدَرَ
أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ
حِيَلِ النَّاسِ.
ثُمَّ سَأَلَنَا عَمَّا أَرَادَ، فَأَخْبَرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ:
كيف صلاتكم وصومكم؟
فأخبرناه، فقال: قوموا، فقمنا، فَأَمَرَ بِنَا بِمَنْزِلٍ حَسَنٍ
وَنُزُلٍ كَثِيرٍ، فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا
لَيْلًا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَاسْتَعَادَ قولنا، ثمّ دعا بشيء
كهيئة
__________
[1] العذق- بالفتح- النّخلة، وبالكسر: العرجون بما فيه من
الشماريخ.
[2] هنا زيادة سطر عمّا ورد في (السيرة الشامية) .
(1/529)
الرَّبْعَةِ [1] الْعَظِيمَةِ، مُذَهَّبَةً
فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ، عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، فَفَتَحَ بَيْتًا
وَقُفْلًا، وَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فَنَشَرَهَا،
فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ ضَخْمُ
الْعَيْنَيْنِ عَظِيمُ الْإِلْيَتَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَ طُولِ
عُنُقِهِ، وَإِذَا لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، وَإِذَا لَهُ
ضَفِيرَتَانِ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، قَالَ: هَلْ
تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا آدَمُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ لَنَا بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ
مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر
كشعر القطط، أحمر العينين ضَخْمُ الْهَامَةِ حَسَنُ اللِّحْيَةِ،
فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ
شَدِيدُ الْبَيَاضِ حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ صَلْتُ الْجَبِينِ [2] ،
طَوِيلُ الْخَدَّيْنِ أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ كَأَنَّهُ يَتَبَسَّمُ،
فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ
بَيْضَاءُ [3] وَإِذَا وَاللَّهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ،
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَبَكَيْنَا، قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا
ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ
إِنَّهُ لَهُوَ، كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَأَمْسَكَ سَاعَةً
يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ
الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا
عِنْدَكُمْ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ
حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ أَدْمَاءُ سَحْمَاءُ
[4] وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، حَدِيدُ
النَّظَرِ، عَابِسٌ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، مُقَلَّصُ
الشَّفَةِ، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟
قُلْنَا: لَا، قَالَ:
هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَى جَنْبِهِ صُورَةٌ
تُشْبِهُهُ، إلّا أنّه مدهانّ الرأس،
__________
[1] إناء مربّع، على ما في (النهاية لابن الأثير) .
[2] أي واسعه، وقيل الأملس، وقيل البارز. (النهاية) .
[3] هنا زيادة كلمات في (ع) ، وهي دخيلة مقحمة.
[4] أي سوداء. وفي «المنتقى» لابن الملا (شحماء) وهو تصحيف، وكذلك
في (السيرة الشامية) .
(1/530)
عَرِيضُ الْجَبِينِ، فِي عَيْنِهِ قَبَلٌ
[1] ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا:
لَا، قَالَ. هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا
آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ
رَجُلٍ آدَمَ سَبْطٍ رَبْعَةٍ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ
تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا لُوطٌ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ
حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ
مُشْرَبٍ حُمْرَةً، أَقْنَى، خَفِيفِ الْعَارِضَيْنِ، حَسَنِ
الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا لَا، قَالَ
هَذَا إِسْحَاقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ،
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ
تُشْبِهُ إِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّهُ عَلَى شَفَتِهِ السُّفْلَى
خَالٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ
هَذَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ،
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ
أَبْيَضَ حَسَنِ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنِ الْقَامَةِ،
يَعْلُو وَجْهَهُ نُورٌ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ،
يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟
قُلْنَا لَا، قَالَ: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ، ثُمَّ
فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا
صُورَةٌ كَأَنَّهَا صُورَةُ آدَمَ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الشَّمْسُ،
فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا لَا، قَالَ هَذَا
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ،
فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ
أَحْمَرَ، حَمْشِ السَّاقَيْنِ [2] ، أَخْفَشَ الْعَيْنَيْنِ،
ضَخْمِ الْبَطْنِ، مُتَقَلِّدٍ سَيْفًا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ
هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ،
فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ ضَخْمِ الأليتين، طويل الرّجلين، راكب فرس
[3] ، فَقَالَ: هَذَا سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ
فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ صُورَةً، وَإِذَا شَابٌّ
أَبْيَضُ، شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، كَثِيرُ الشَّعْرِ، حَسَنُ
الْعَيْنَيْنِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَذَا عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ.
__________
[1] هو إقبال السّواد على الأنف، وقيل هو ميل كالحول.
[2] أي دقيقهما. وفي «المنتقى» لابن الملّا (خمش) وهو تصحيف.
[3] كذا، وله وجه.
(1/531)
فقلنا: من أين لك هذه الصّور؟ لِأَنَّا
نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ، لِأَنَّا رَأَيْنَا
نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُورَتَهُ
مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ
يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ
صُوَرَهُمْ، وَكَانَتْ فِي خِزَانَةِ آدَمَ عِنْدَ مَغْرِبِ
الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ
الشَّمْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ، يَعْنِي فَصَوَّرَهَا
دَانْيَالُ فِي خِرَقٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَهَذِهِ بِأَعْيَانِهَا
الَّتِي صَوَّرَهَا دَانْيَالُ [1] ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ
لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي،
وَأَنِّي كُنْتُ عَبْدًا لِشَرِّكُمْ مِلْكَةً حَتَّى أَمُوتَ،
ثُمَّ أَجَازَنَا بِأَحْسَنِ جَائِزَةٍ وَسَرَّحَنَا.
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَاهُ، وما قال لنا، فبكى أبو بكر
وَقَالَ: مِسْكِينٌ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ،
ثُمَّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنّهم واليهود يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ [2] .
رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْقُوبَ.
وَرَوَاهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْبَلَدِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ كَمَا
ذَكَرْتُ مِنَ السَّنَدِ. وَعِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ قَالَ: ثنا
عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ سَنَدٌ غَرِيبٌ.
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ رَوَاهَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ،
عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنْ أَبِيهِ مُصْعَبٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:
بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ
مَلِكِ الرُّومِ لِنَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا
نَسِيرُ عَلَى رَوَاحِلِنَا حتّى قدمنا دمشق، فذكره بمعناه.
__________
[1] زاد هنا في «المنتقى» لابن الملا: (ولم يزل يتوارثها ملك بعد
ملك إلى أن وصلت إليّ.
فدعوناه إلى الإسلام فقال: أما والله ... ) .
[2] السيرة الشاميّة المعروفة بسبل الهدى والرشاد للإمام محمد بن
يوسف الصالحي الشامي (ت 942 هـ.) - ج 1/ 157 وما بعدها.
(1/532)
وَقَدْ رَوَاهُ بِطُولِهِ: عَلِيُّ بْنُ
حَرْبٍ الطَّائِيُّ فَقَالَ: ثنا دَلْهَمُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا
الْقَاسِمُ بْنُ سُوَيْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: كَانَ
عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يُحَدِّثُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي عمر وَجَمَاعَةٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَلِيٍّ
الصُّوفِيِّ، أنبأ فاطمة بنت أبي حكيم الخبري [1] ، أنا عَلِيُّ
بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاتِبُ مِنْ لَفْظِهِ سَنَةَ
ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا
أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا
الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى مَلِكِ
الرُّومِ لِأَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا نَسِيرُ
عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى قَدِمْنَا دِمَشْقَ، فَإِذَا عَلَى
الشَّامِ لِهِرَقْلَ جَبَلَةُ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ
لَنَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْنَا كَرِهَ مَكَانَنَا وَأَمَرَ
بِنَا فَأُجْلِسْنَا نَاحِيَةً، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى فُرُشٍ
لَهُ مَعَ السُّقُفِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولًا يُكَلِّمُنَا
وَيُبَلِّغُهُ عَنَّا، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نُكَلِّمُهُ
بِرَسُولٍ أَبَدًا [2] ، فَانْطَلِقْ فَأَعْلِمْهُ ذَلِكَ،
فَنَزَلَ عَنْ تِلْكَ الْفُرُشِ إِلَى فُرُشٍ دُونَهَا، فَأَذِنَ
لَنَا فَدَنَوْنَا مِنْهُ، فَدَعَوْنَاهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى
الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى خَيْرٍ، وَإِذَا عَلَيْهِ
ثِيَابٌ سُودٌ، فَقُلْنَا: مَا هَذِهِ الْمُسُوحُ؟ قَالَ:
لَبِسْتُهَا نَذْرًا لَا أَنْزَعُهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنْ
بِلَادِي، قَالَ: قُلْنَا لَهُ: تَيْدَكَ [3] لَا تَعْجَلْ،
أَتَمْنَعُ منّا مجلسك هذا! فو الله لنأخذنّه وملك الملك الأعظم،
خبّرنا بذلك
__________
[1] في نسخة دار الكتب (الخيريّ) وهو تصحيف. وهي نسبة إلى (خبر) ،
قريبة بنواحي شيراز من فارس.
انظر: الإكمال لابن ماكولا 3/ 50- 51، واللباب لابن الأثير 1/ 418.
[2] في «دلائل النّبوّة» للبيهقي زيادة: (إنّما بعثنا إلى الملك
فإن أذن لنا كلّمناه) .
[3] أي (اتّئد) والتّيد: الرّفق، كما في تاج العروس (ت ي د) 7/
459.
(1/533)
نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: أَنْتُمْ إِذًا السَّمْرَاءُ، قُلْنَا: وَمَا
السَّمْرَاءُ؟ قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، قُلْنَا: وَمَنْ هُمْ؟
قَالَ: قَوْمٌ يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَصُومُونَ النَّهَارَ،
قُلْنَا:
فَنَحْنُ وَاللَّهِ نَصُومُ النَّهَارَ وَنَقُومُ اللَّيْلَ،
قَالَ: فَكَيْفَ صَلَاتُكُمْ؟ فَوَصَفْنَاهَا لَهُ، قَالَ:
فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ بِهِ.
وَسَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَيَعْلَمُ اللَّهُ
لَعَلَا وَجْهَهُ سَوَادٌ حَتَّى كَأَنَّهُ مَسْحٌ أَسْوَدُ،
فَانْتَهَرَنَا وَقَالَ لَنَا: قُومُوا، فَخَرَجْنَا وَبَعَثَ
مَعَنَا أَدِلَّاءَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، فَسِرْنَا، فَلَمَّا
دَنَوْنَا مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ قَالَتِ الرُّسُلُ الَّذِينَ
مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِهِ لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ
الْمَلِكِ، فَأَقِيمُوا حَتَّى نَأْتِيَكُمْ بِبِغَالٍ
وَبَرَاذِينَ، قُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نَدْخُلُ إِلَّا على
دوابّنا، فأرسلوا إليه يُعْلِمُونَهُ، فَأَرْسَلَ: أَنْ خَلُّوا
عَنْهُمْ، فَتَقَلَّدْنَا سُيُوفَنَا وَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا،
فَاسْتَشْرَفَ أَهْلُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ لَنَا وَتَعَجَّبُوا،
فَلَمَّا دَنَوْنَا إِذَا الْمَلِكُ فِي غُرْفَةٍ لَهُ، وَمَعَهُ
بَطَارِقَةُ الرُّومِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى أَصْلِ
الْغُرْفَةِ أَنَخْنَا وَنَزَلْنَا، وَقُلْنَا: (لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) فَيَعْلَمُ اللَّهُ تَنَقَّضَتِ
الْغُرْفَةُ حَتَّى كَأَنَّهَا عِذْقُ نَخْلَةٍ تُصَفِّقُهَا
الرِّيَاحُ، فَإِذَا رَسُولٌ يَسْعَى إِلَيْنَا يَقُولُ:
لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا بِدِينِكُمْ عَلَى بَابِي،
فَصعِدْنَا فَإِذَا رَجُلٌ شَابُّ قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ،
وَإِذَا هُوَ فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ
حُمْرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَيْتِ أَحْمَرُ، فَدَخَلْنَا
وَلَمْ نُسَلِّمْ، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ
تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِكُمْ؟
قُلْنَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَكُمْ، قَالَ: فَكَيْفَ هِيَ؟
قُلْنَا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» ، قَالَ:
فَمَا تُحَيُّونَ بِهِ مَلِكَكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَا
كُنْتُمْ تُحَيُّونَ بِهِ نَبِيَّكُمْ؟ قُلْنَا:
بِهَا، قَالَ: فَمَاذَا كَانَ يُحَيِّيكُمْ بِهِ؟ قُلْنَا:
كَذَلِكَ، قَالَ: فَهَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ يَرِثُ مِنْكُمْ
شَيْئًا؟ قُلْنَا: لَا، يَمُوتُ الرَّجُلُ فَيَدَعُ وَارِثًا أَوْ
قَرِيبًا فَيَرِثُهُ الْقَرِيبُ، وَأَمَّا نَبِيُّنَا فَلَمْ
يَكُنْ يَرِثْ مِنَّا شَيْئًا، قَالَ: فَكَذَلِكَ مَلِكُكُمْ؟
قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ فَمَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ [1] ، فانتفض وفتح
__________
[1] في «السيرة الشامية» 1/ 158 زيادة: (فلمّا تكلّمنا بها تنقّضت
الغرفة) ، وفيها اختلاف عما هنا في الرواية.
(1/534)
عَيْنَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ:
هَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا فَنَقَّضَتْ لَهَا
الْغُرْفَةُ؟ قُلْنَا:
نَعَمْ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادِكُمْ
نَقَّضَتْ لَهَا سُقُوفُكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، وَمَا رَأَيْنَاهَا
صَنَعَتْ هَذَا قَطُّ، وَمَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ وُعِظْتَ بِهِ،
قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ
الصِّدْقَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: وَاللَّهِ
لَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي وَأَنَّكُمْ لَا
تَقُولُونَهَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا نَقَضَ لَهَا، قُلْنَا:
ولم ذاك؟ قَالَ: ذَلِكَ أَيْسَرُ لِشَأْنِهَا وَأَحْرَى أَنْ لَا
تَكُونَ مِنَ النُّبُوَّةِ [1] وَأَنْ تَكُونَ مِنْ حِيلَةِ
النَّاسِ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: فَمَا كَلَامُكُمُ الَّذِي تَقُولُونَهُ حِينَ
تَفْتَتِحُونَ الْمَدَائِنَ؟ قُلْنَا:
(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) ، قَالَ:
تَقُولُونَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) لَيْسَ مَعَهُ شَرِيكٌ؟
قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَتَقُولُونَ (اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ
لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، لَيْسَ فِي الْعَرْضِ وَالطُّولِ؟
قُلْنَا: نَعَمْ، وَسَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرْنَاهُ،
فَأَمَرَ لَنَا بِنُزُلٍ كَثِيرٍ وَمَنْزِلٍ، فَقُمْنَا، ثُمَّ
أَرْسَلَ إِلَيْنَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ
فَأَتَيْنَاهُ، وَهُوَ جَالِسٌ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ،
فَأَمَرَنَا فَجَلَسْنَا، فَاسْتَعَادَنَا كَلَامَنَا،
فَأَعَدْنَاهُ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِشَيْءٍ كهيئة الرّبعة العظيمة
مُذَهَّبَةً، فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا بُيُوتٌ مُقْفَلَةٌ،
فَفَتَحَ بَيْتًا مِنْهَا، ثُمَّ اسْتَخْرَجَ خرقَةَ حَرِيرٍ
سَوْدَاءَ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ: فَاسْتَخْرَجَ
صُورَةً بَيْضَاءَ، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيًّا، فَقَالَ:
أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلْنَا: هَذِهِ صُورَةُ نَبِيِّنَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّهَ بِدِينِكُمْ
إِنَّهُ لَهُوَ هُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، اللَّهَ بِدِينِنَا إِنَّهُ
لَهُوَ هُوَ، فَوَثَبَ قَائِمًا، فَلَبِثَ مَلِيًّا قَائِمًا،
ثُمَّ جَلَسَ مُطْرِقًا طَوِيلًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا
فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ فِي آخِرِ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي
عَجَّلْتُهُ لِأُخْبِرَكُمْ وَأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ
فَتَحَ بَيْتًا، فَاسْتَخْرَجَ خِرْقَةً مِنْ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ
فنشرها، فإذا فيها
__________
[1] في «دلائل النّبوّة» للبيهقي: (من أمر النّبوّة) .
(1/535)
صُورَةٌ سَوْدَاءُ شَدِيدَةُ السَّوَادِ،
وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، غَائِرُ
الْعَيْنَيْنِ، مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ، مُخْتَلِفُ الْأَسْنَانِ،
حَدِيدُ النَّظَرِ كَالْغَضْبَانِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ
هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذِهِ صُورَةُ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ.
وَذَكَرَ الصُّوَرَ، إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْنَا: أَخْبِرْنَا عَنْ
هَذِهِ الصُّوَرِ، قَالَ: إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ
يُرِيَهُ أَنْبِيَاءَ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ صُوَرَهُمْ،
فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ خِزَانَةِ آدَمَ مِنْ
مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَصَوَّرَهَا دَانْيَالُ فِي خِرَقِ
الْحَرِيرِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَوَارَثُهَا مَلِكٌ بَعْدَ مَلِكٍ،
حَتَّى وَصَلَتْ إِلَيَّ، فَهَذِهِ هِيَ بِعَيْنِهَا.
فَدَعَوْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ
لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي سَخَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي
وَاتِّبَاعِكُمْ، وَأَنِّي مَمْلُوكٌ لِأَسْوَأِ رَجُلٍ مِنْكُمْ
خَلْقًا وَأَشَدِّهِ مِلْكَةً، وَلَكِنَّ نَفْسِي لَا تَسْخُو
بِذَلِكَ. فَوَصَلَنَا وَأَجَازَنَا، وَانْصَرَفْنَا.
بَابٌ فِي خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَحْدِيثِهِ أُمَّتَهُ بِهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 [1] قَرَأْتُ عَلَى
أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيِّ
بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ عُمَرَ بِبَغْدَادَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْهَاشِمِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، أنا
الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أنا أَحْمَدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْقَسِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الدَّيْبُلِيُّ [2] سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ
وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْأَزْهَرِ، ثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أنا عَبْدُ الله بن
__________
[1] سورة الضحى- الآية 11.
[2] وردت مصحفة في نسخة دار الكتب، انظر النسبة في: اللباب لابن
الأثير 1/ 522- 523، والإكمال لابن ماكولا 3/ 353- 354.
(1/536)
دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي،
كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ،
إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ،
فَجَعَلَ مَنْ مَرَّ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ
وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ: هلّا وضعت [1] هذه اللّبنة؟
قال: فأما اللّبنة، وأنا خاتم النبيّين» . خ. [2] .
عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنِ
ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ،
وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ
الْأَرْضِ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيَّ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَالْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُضِّلْتُ عَلَى
الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ،
وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ،
وَجُعِلَتْ لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت
__________
[1] في الأصل (وضع) وفي «الصحيح» (وضعت) .
[2] رواه البخاري في المناقب 4/ 162 و 163 باب خاتم النبيّين صلّى
الله عليه وسلّم، ومسلم (2286) في الفضائل، باب ذكر كونه صلّى الله
عليه وسلّم خاتم النبيّين، والترمذي في الأمثال (3022) باب ما جاء
مثل النبيّ والأنبياء صلّى الله عليه وعليهم أجمعين، وأحمد في
المسند 5/ 7 و 13 و 3/ 9.
[3] رواه البخاري في الجهاد والسير 4/ 12 باب قول النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم: نصرت بالرعب مسيرة شهر.. وأخرجه في التيمّم 1/ 86 أول
الباب، وفي الصلاة 1/ 113 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وفي التعبير 8/ 72 باب رؤيا الليل،
وفي الاعتصام 8/ 138 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بعثت
بجوامع الكلم، وأخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (521) و (523)
، ورواه الترمذي في السير (1594) باب ما جاء في الغنيمة، والنسائي
في الغسل 1/ 209- 211 باب التيمّم بالصعيد، وفي الجهاد 6/ 3- 4 باب
وجوب الجهاد، والدارميّ في السير باب رقم (29) ، وأحمد في المسند
1/ 98 و 301 و 2/ 222 و 264 و 268 و 314 و 396 و 412 و 455 و 501 و
3/ 304 و 4/ 416 و 5/ 145 و 148 و 162 و 248 و 256.
(1/537)
إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ
النَّبِيُّونَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ مَالِكُ بْنُ
مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُرَّةَ
الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله قال: لمّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتُهِيَ بِهِ إِلَى
سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أُعْطِيَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ
لِمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يُشْرِكُ باللَّه الْمُقْحِمَاتِ.
تُقْحِمُ: أَيْ تُلْقِي فِي النَّارِ.
وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: ثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ،
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ:
جُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ
تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ
الْمَلَائِكَةِ، وَأُوتِيتُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، مِنْ آخِرِ
سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ» . صَحِيحٌ [3]
.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: حَدَّثَنِي
أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ
وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» .
اسْمُ أَبِي عَمَّارٍ: شَدَّادٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قال: أتي
__________
[1] في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (523) أول الباب.
[2] رواه مسلم في الإيمان (173) باب في ذكر سدرة المنتهى، والترمذي
في تفسير سورة النجم (3330) ، والنسائي في الصلاة 1/ 223- 224 باب
فرض الصلاة، وأحمد في المسند 1/ 387 و 422.
[3] رواه أحمد في المسند 5/ 151 و 180 و 383.
[4] في كتاب الفضائل (2278) باب تفضيل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم
على جميع الخلائق،
(1/538)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرَفَعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعَ، وَكَانَتْ
تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا، فَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ
اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ،
يُسْمِعُهُمُ الدَّانِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ» - فَذَكَرَ
حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ بِطُولِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ،
وَأُعْطِيتُ لِوَاءَ الْحَمْدِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا سَيِّدُ
النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ» - وَسَاقَ الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ فِي الشَّفَاعَةِ [2] .
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَفِي الْقُرْآنِ
آيَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَلَقَ
الله خلقا أحبّ إليه
__________
[ () ] ورواه أبو داود في السّنّة (4673) باب في التخيير بين
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورواه الترمذي في المناقب (3690)
باب (21) ، وابن ماجة في الزهد (4308) باب ذكر الشفاعة، والدارميّ
في المقدّمة، باب رقم (8) ، وأحمد في المسند 2/ 540 و 3/ 2 وانظر:
المشكاة (5741) وتحفة الأشراف للمزي 13586، والأوائل 29 رقم 13.
[1] أخرجه البخاري في تفسير سورة الإسراء 5/ 225، ومسلم في الإيمان
(194) باب أدنى أهل الجنّة منزلة فيها (وفيه: «الداعي» بدل
«الداني» ) ، والترمذي في صفة القيامة (2551) باب ما جاء في
الشفاعة، وأحمد في المسند 1/ 4 و 2/ 368 و 435 و 3/ 16 و 4/ 407،
وابن أبي عاصم في السنة 2/ 369، وفي الأوائل 27 رقم 7، وابن الأثير
في جامع الأصول 8/ 632 و 9/ 607.
[2] رواه الترمذي في صفة القيامة (2551) باب ما جاء في الشفاعة،
وقال: هذا حديث حسن، وهو كما قال. وانظر جامع الأصول 8/ 526،
والأوائل لابن أبي عاصم، ومسلم (2278) ، وأبو داود (4673) ،
والمشكاة للخطيب (5741) ، والفتن والملاحم لابن كثير 2/ 170 و 219
و 280.
(1/539)
مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ
إِلَّا بِحَيَاتِهِ فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ 15: 72 [1] .
وَفِي «الصَّحِيحِ» [2] مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنِّي أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا
أَنَا بِنَهْرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ،
فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ
الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَضَرَبَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ
فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ» [3] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ،
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وأيلة، وفيه من
الْأَبَارِيقُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ [4] » . وَقَالَ يَزِيدُ
بْنُ أبي حبيب: ثنا أبو الْخَيْرُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ
عَامِرٍ يَقُولُ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ، ثُمَّ
رَقِيَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ:
«إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَأَنَا
أَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَأَنَا فِي مَقَامِي هَذَا،
وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي،
وَلَكِنِّي أُرِيتُ أَنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ
الْأَرْضِ، فَأَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تنافسوا فيها [5] .
__________
[1] سورة الحجر- الآية 72.
وكتب هنا في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك، في الميعاد
الحادي عشر على مؤلّفه، فسح الله في مدّته» .
[2] صحيح البخاري في الرقائق 7/ 207 باب في الحوض وقول الله تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 108: 1، ومسند أحمد 3/ 103 و 115
و 152 و 191 و 207 و 232 و 263 و 289.
[3] أذفر: طيّب الريح، والذفر: بالتحريك يقع على الطيّب والكريه،
ويفرّق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به. (النهاية لابن الأثير) .
[4] رواه الترمذي في صفة القيامة (2559) باب ما جاء في صفة الحوض،
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأحمد في المسند 3/
225 و 230 و 4/ 149 و 154 و 5/ 149.
[5] رواه البخاري في المناقب 4/ 176 باب علامات النّبوّة، وفي
المغازي 5/ 40 باب غزوة الرجيع، وفي الرقاق 7/ 173 باب ما يحذر من
زهرة الدنيا والتنافس فيها، و 7/ 207 باب في الحوض وقول الله
تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 108: 1، والنسائي في
الجنائز 4/ 61- 62 باب
(1/540)
وَرَوَى «مُسْلِمٌ» [1] مِنْ حَدِيثِ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ بُعْدَ مَا
بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ، كَأَنَّ
الْأَبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ» . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ يُدْخِلُ [الْجَنَّةَ] [2] مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ» . فَقَالَ:
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا سِعَةُ حَوْضِكَ؟ قَالَ: مَا
بَيْنَ عَدَنٍ وَعَمَّانَ وَأَوْسَعُ، وَفِيهِ مثعبان من ذهب
وفضّة، شرابه أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَا
يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَنْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [3] .
وَرَوَى «ابْنُ مَاجَهْ» [4] مِنْ حديث عطيّة [5]- وهو ضعيف- عن
أبي
__________
[ () ] الصلاة على الشهداء، وأحمد في المسند 4/ 149 و 153 و 154،
والنويري في نهاية الأرب 18/ 362.
[1] في الطهارة (249) باب استحباب إطالة الغرّة والتحجيل في
الوضوء، وفي الإمارة (1822) باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش،
وفي الفضائل (2289) باب إثبات حوض نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم
وصفاته، و (2290) و (2296) و (2303) ، وابن ماجة في الفتن (3944)
باب لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ
بَعْضٍ، وفي الزهد (4305) باب ذكر الحوض، وأحمد في المسند 1/ 257 و
384 و 402 و 406 و 407 و 425 و 439 و 453 و 455 و 2/ 408 و 3/ 18 و
62 و 166 و 349 و 4/ 313 و 351 و 5/ 41 و 86 و 88 و 89 و 333 و 339
و 393 و 412.
[2] ساقطة من الأصل و (ع) .
[3] أخرجه مسلم في الفضائل (2300) و (2301) باب إثبات حوض نبيّنا
صلّى الله عليه وسلّم وصفاته، والترمذي في صفة القيامة (2561) باب
ما جاء في صفة أواني الحوض.
[4] في كتاب الزهد (4301) باب ذكر الحوض.
[5] هو عطيّة بن سعيد العوفيّ الجدلي، أبو الحسن. قال أحمد: هو
ضعيف الحديث، وكان هشيم يضعّف حديثه. وقال أبو زرعة: ليّن، وقال
أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه، وقال الجوزجاني: مائل، وقال النسائي:
ضعيف، وقال ابن عديّ: قد روى عن جماعة من الثقات، وقال أبو داود:
ليس بالذي يعتمد عليه. وقال أبو بكر البزّار. كان يعدّه في
التشيّع، روى عنه جلّة الناس، وقال السّاجي: ليس بحجّة وكان يقدّم
عليّا على الكل. انظر عنه.
(1/541)
سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِي حَوْضٌ طُولُهُ مَا بَيْنَ
الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ
اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، وَإِنِّي أَكْثَرُ
الْأَنْبِيَاءَ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَقَالَ عَطَاءُ
بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ،
مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ
الْمِسْكِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ [1] » . وَثَبَتَ
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ
الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ [2] .
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ: النَّهْرُ الَّذِي فِي
الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ [3] .
وَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي
الْجَنَّةِ أُعْطِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، شَاطِئُهُ دُرٌّ مُجَوَّفٌ [4] .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ
خَرِيرَ الْكَوْثَرِ فَلْيَضَعْ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.
وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءَ تَبَعًا
يَوْمَ القيامة، وأوّل من يشفع» .
__________
[ () ] التاريخ الكبير 7/ 8- 9 رقم 35، والتاريخ الصغير 13 و 122 و
133، والضعفاء والمتروكين للنسائي 301 رقم 381، وأحوال الرجال
للجوزجانيّ 56 رقم 42، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/ 212،
والضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 359 رقم 1392، والكامل في الضعفاء
لابن عديّ 5/ 2007، والكاشف للذهبي 2/ 235 رقم 3876، والمغني في
الضعفاء له 2/ 436 رقم 4139، وميزان الاعتدال له 3/ 79- 80 رقم
5667، وتهذيب التهذيب لابن حجر 7/ 224- 226 رقم 413، وتقريب
التهذيب له 2/ 24 رقم 216.
[1] رواه الترمذي في تفسير سورة الكوثر (3419) ، وابن ماجة في
الزهد (4334) باب صفة الجنّة، وأحمد في المسند 2/ 112.
[2] رواه البخاري في الرقائق 7/ 207 باب في الحوض وقول الله تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 108: 1.
[3] رواه البخاري في تفسير سورة الكوثر 6/ 93، وأخرجه مسلم في
الصلاة (400) باب حجّة من قال البسملة آية من أول كل سورة، سوى
براءة.
[4] رواه أحمد في المسند 2/ 67 و 158 و 3/ 102.
(1/542)
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ
نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى
مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَكَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ
اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ
سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَنِي عَلَى
الْأَنْبِيَاءِ، - أَوْ قَالَ: أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ-
بِأَرْبَعٍ: أَرْسَلَنِي إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجَعَلَ
الْأَرْضَ كُلَّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا،
فَأَيْنَمَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةَ
فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ،
يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِ
أَعْدَائِي، وَأُحِلَّتْ لَنَا الْغَنَائِمُ» [1] .
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَسَيَّارٌ صَدُوقٌ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي
«مُسْنَدِهِ» [2] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِأَرْبَعٍ: بالشّجاعة،
والسّماحة، وكثرة الجماع، وشدّة البطش» .
__________
[1] رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (521) أول الباب.
[2] ج 2/ 222 و 3/ 304 و 5/ 248 بألفاظ مقاربة.
(1/543)
بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى
الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ
أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَبَّهَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: «يَا أَبَا
مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ
هَذَا الْبَقِيعِ» ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا
الْبَقِيعَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ طَوِيلًا
ثُمَّ قَالَ: «لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا
أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرَهَا أَوَّلُهَا، لَلْآخِرَةُ شَرٌّ [1]
مِنَ الْأُولَى، يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ
مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا، ثُمَّ
الْجَنَّةِ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي
وَالْجَنَّةِ» ، فَقُلْتُ:
يَا رسول الله، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ
خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةِ،
فَقَالَ: «وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ
لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا
أَصْبَحَ ابْتُدِئَ بِوَجَعِهِ الَّذِي قبضه الله فيه [2] .
__________
[1] هكذا في الأصل وطبقات ابن سعد وغيرهما، وفي نسخة دار الكتب
(خير) بدل (شرّ) .
[2] طبقات ابن سعد 2/ 204، وانظر: نهاية الأرب للنويري 18/ 362،
وسيرة ابن هشام 4/ 247، والسيرة لابن كثير 4/ 443- 444، ودلائل
النبوّة للبيهقي 2/ 716- 717، وتاريخ الطبري 3/ 188، وأنساب
الأشراف 1/ 544.
(1/545)
رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، وَعُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الحكم بن أبي
العاص. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَبْقَى حَتَّى أَرَى مَا يُفْتَحُ عَلَى
أُمَّتِي وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ، فَاخْتَرْتُ التَّعْجِيلَ» .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
اجْتَمَعَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَ رسول الله، لَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ،
فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«مَرْحَبًا بِابْنَتِي» ، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ
شِمَالِهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا
فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا:
خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالسِّرَارِ وَتَبْكِينَ! فَلَمَّا أَنْ قَامَ قُلْتُ لَهَا:
أَخْبِرِينِي بِمَا سَارَّكِ، قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ
سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: أَسْأَلُكِ بِمَا لِي
عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لِمَا أَخْبَرْتِينِي [1] ، قَالَتْ:
أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ، سَارَّنِي فَقَالَ:
«إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ
سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا
أَرَى ذَلِكَ إِلَّا اقْتِرَابَ أجلي، فاتّقي الله واصبري فنعم
السّلف أنالك» ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَقَالَ: «أَمَا
تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ- أَوْ
سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ» - يَعْنِي فَضَحِكْتُ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَرَوَى نَحْوَهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ أَنَّهَا
ضَحِكَتْ لأنّه أخبرها أنّها أوّل
__________
[1] كذا بإثبات الياء بعد التاء، وهو جائز.
[2] أخرجه البخاري في المناقب، 4/ 210 باب مناقب قَرَابَةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنقبة فاطمة عليها
السلام بنت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم في فضائل الصحابة
(2450/ 99) بلفظه، في باب فضائل فاطمة بنت النبيّ عليها الصلاة
والسلام، والترمذي في المناقب (3964) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي
الله عنها، وأبو داود في الأدب (5217) باب ما جاء في القيام، وانظر
جامع الأصول لابن الأثير 9/ 129- 130 رقم 6677.
(1/546)
أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1]
.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِذا
جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 110: 1 [2] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: «إِنَّهُ
قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي» ، فَبَكَتْ ثُمَّ ضَحِكَتْ،
قَالَتْ:
أَخْبَرَنِي أَنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، فَبَكَيْتُ،
فَقَالَ لِي: «اصْبِرِي فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لَاحِقًا بِي» ،
فَضَحِكْتُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قال: قالت عائشة: وا
رأساه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ذَاكَ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ
وأدعو لك» ، فقالت: وا ثكلاه [3] وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ
تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَظَلَلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ
مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فقال: «بل أنا وا رأساه لَقَدْ
هَمَمْتُ- أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أن يتمنّى
المتمنّون، ثم قلت يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ،
أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ» [4] . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ هَكَذَا [5] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي، فقلت: وا رأساه،
فقال: «بل أنا والله وا رأساه، وَمَا عَلَيْكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي
فَوَلِيتُ أَمْرَكِ وصلّيت عليك وواريتك» ،
__________
[1] في فضائل الصحابة (2450/ 97) .
[2] أوّل سورة النصر.
[3] في صحيح البخاري «وا ثكلياه» .
[4] أي يأبى المؤمنون إلا أبا بكر.
[5] في كتاب الأحكام 8/ 126 باب من نكث بيعة.. وفي كتاب المرضى
والطب 7/ 8 باب قول المريض إنّي وجع أو وا رأساه أو اشتدّ بي
الوجع.. وابن سعد في الطبقات 2/ 225- 226، والبلاذري في أنساب
الأشراف 1/ 541.
(1/547)
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ
أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ، لَقَدْ خَلَوْتَ بِبَعْضِ نِسَائِكَ فِي
بَيْتِي فِي آخِرِ النَّهَارِ فَأَعْرَسْتَ بِهَا، فَضَحِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
تَمَادَى بِهِ وَجَعُهُ، فَاسْتُعِزَّ [1] بِرَسُولِ اللَّهِ
وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ،
فَاجْتَمَعَ، إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنَّا
لَنَرَى بِرَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَهَلُمُّوا
فَلْنَلُدَّهُ، فَلَدُّوهُ [2] ، وَأَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا» ؟
قَالُوا:
عَمُّكَ الْعَبَّاسُ، تَخَوَّفَ أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ
الْجَنْبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ
تَعَالَى لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ، لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ
إِلَّا لَدَدْتُمُوهُ إِلَّا عَمِّيَ الْعَبَّاسَ، فَلُدَّ أَهْلُ
الْبَيْتِ كُلُّهُمْ، حَتَّى مَيْمُونَةُ، وَإِنَّهَا لَصَائِمَةٌ
يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ
فِي بَيْتِي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِي، وَهُوَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ
رَجُلٍ آخَرَ، تَخُطُّ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ إِلَى بَيْتِ
عَائِشَةَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا
الْحَدِيثِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ
الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّهِ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ:
هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ الله عنه [3] .
وقال (خ) [4] قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ عُرْوَةُ:
كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيه:
«يا عائشة لم أزل
__________
[1] في حاشية الأصل: استعزّ به: غلب. وفي (النهاية) : اشتدّ به
المرض وأشرف على الموت.
[2] أي جعلوا الدواء في أحد جانبي فمه بغير اختياره، وكان الّذي
لدّوه به العود الهندي والزيت، على ما في (إرشاد الساري) .
[3] انظر طبقات ابن سعد 2/ 232، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 544-
545، والمصنّف لعبد الرزاق 5/ 429- 430، وسيرة ابن هشام 4/ 259،
ومصنّف ابن أبي شيبة 14/ 560 رقم 18885، ودلائل النبوّة للبيهقي 2/
723، ونهاية الأرب للنويري 18/ 263- 264، وعيون الأثر لابن سيّد
الناس 2/ 336، والسيرة لابن كثير 4/ 445- 447، وتاريخ الطبري 3/
188- 189 و 195.
[4] صحيح البخاري، كتاب المغازي 5/ 137 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، ورواه أحمد في المسند
6/ 18، والدارميّ في السنن 1/ 32- 33.
(1/548)
أَجِدُ أَلَمَ الْأَكْلَةِ الَّتِي
أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي مِنْ
ذَلِكَ السُّمِّ» . وَقَالَ الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ
فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، قَالَتْ: لَمَّا أُدْخِلَ
بَيْتِي اشْتَدَّ وَجَعُهُ فَقَالَ: «أَهْرِقْنَ عَلَيَّ مِنْ
سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ
إِلَى النَّاسِ» ، فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ طَفِقْنَا
نَصُبُّ عَلَيْهِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ
فَعَلْتُنَّ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ
خَطَبَهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ سَالِمُ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،
وَعُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَطَبَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ
فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا
وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ» ،
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ، فَكَانَ
الْمُخَيَّرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ: «لَا تَبْكِ يَا
أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ أَمَنَّ النّاس عليّ في صحبته وما له أبو
بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ
خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ، لَا
يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي
بَكْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ أَبِي المعلّى، عن
__________
[1] رواه البخاري في الوضوء 1/ 57 باب الغسل والوضوء في المخضب
والقدح والخشب والحجارة، وفي الطب 7/ 18 باب (حدّثنا بشر بن
محمد..) ، وفي المغازي 5/ 139- 140 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، وأحمد في المسند 6/ 151، و
228، وابن هشام في السيرة 4/ 259، والطبري في التاريخ 3/ 189.
[2] أخرجه البخاري في الصلاة 1/ 119- 120 باب الخوخة والممرّ في
المسجد، وفي فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 4/ 190- 191
باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: سدّوا الأبواب إلّا باب أبي
بكر، والترمذي في المناقب (3735) مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله
عنه، و (3740) ، وأحمد في المسند 2/ 26 و 3/ 18، وعبد الرزاق في
المصنّف 5/ 431 والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 547.
(1/549)
أَبِيهِ أَحَدِ الْأَنْصَارِ، فَذَكَرَ
قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي قَبْلَهُ [1] .
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حُكَيْمٍ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ
لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ
مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ
خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ خِلَّةَ
الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي
الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» . أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ [2] . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،
حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ يَقُولُ:
«قَدْ كَانَ لِي مِنْكُمْ إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ وَإِنِّي
أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَإِنَّ
رَبِّي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلًا، وَإِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ
يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ مَسَاجِدَ،
فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ
عَنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [3] . مُؤَمِّلُ [4] بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي
قُبِضَ فِيهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «ادْعِي
لِي أَبَا بَكْرٍ فَلَأَكْتُبُ لَهُ لَا يَطْمَعُ طَامِعٌ فِي
أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ» ، ثُمَّ قَالَ:
«يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ» (ثَلَاثًا) قالت:
__________
[1] رواه الترمذي في المناقب (3739) باب رقم (51) .
[2] في كتاب الصلاة 1/ 120 باب الخوخة والممرّ في المسجد، ورواه
أحمد في المسند 1/ 270، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2382) باب
من فضائل أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وانظر تاريخ الطبري 3/
190- 191، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 547.
[3] في المساجد ومواضع الصلاة (532) باب النهي عن بناء المساجد على
القبور واتخاذ الصّور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.
[4] من هنا إلى قوله (وهو أشبه) من حاشية الأصل.
(1/550)
فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبِي
[1] .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثنا يَسَرَةُ [2] بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ مُلْتَحِفًا
بِمِلْحَفَةٍ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ
وَأَوْصَى بِالْأَنْصَارِ، فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَدَسْمَاءُ: سَوْدَاءُ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ يَذْكُرُ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمَ
الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ
دَمْعُهُ الْحَصَى، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ: وَمَا يَوْمُ
الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ: «ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ
كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا» ، قَالَ: فَتَنَازَعُوا
وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا
شَأْنُهُ، أَهَجَرَ! اسْتَفْهِمُوهُ، قَالَ: فَذَهَبُوا يُعِيدُونَ
عَلَيْهِ، قَالَ: «دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا
تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ» ، قَالَ:
وَأَوْصَاهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ فَقَالَ: أَخْرِجُوا
الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ
بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، قَالَ: وَسَكَتَ عَنِ
الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا. مُتَّفَقٌ عليه [4] .
__________
[1] رواه أحمد في المسند 6/ 106.
[2] في طبعة القدسي 2/ 383 «بسرة» بالباء الموحّدة، وهو تحريف،
والتصويف عن الجرح والتعديل 9/ 314 رقم 1362، وهو بفتح الياء
والسين. انظر: المشتبه للذهبي 2/ 669.
[3] في مناقب الأنصار 4/ 226- 227 باب قول النبيّ صَلَّى اللَّهُ
عَليْه وَسَلَّمَ: اقبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهم وتجاوزوا عن مسيئهم،
وأحمد في المسند 1/ 233.
[4] رواه البخاري في المغازي 5/ 137 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، وفي الجزية 4/ 66 باب
إخراج اليهود من جزيرة العرب. ومسلم في الوصيّة (1637) باب ترك
الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه، والطبري في تاريخه 3/ 193.
(1/551)
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا
حَضَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الْبَيْتِ رِجَالٌ
فِيهِمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «هَلُمَّ [1] أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا
بَعْدَهُ أَبَدًا» ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ
وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ
أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:
قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَ عُمَرُ،
فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ [2] وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قُومُوا» . فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ
كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ
الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ التَّخْفِيفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ رَآهُ شَدِيدَ الْوَجَعِ،
لِعِلْمِهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْمَلَ دِينَنَا، وَلَوْ كَانَ
ذَلِكَ الْكِتَابُ وَاجِبًا لَكَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ، وَلَمَا أَخَلَّ بِهِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ: «مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا
رسول الله إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ
مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ: فَقَالَ:
«مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ، فَعَاوَدَتْهُ
مِثْلَ مَقَالَتِهَا فَقَالَ: «أَنْتُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفُ،
مُرُوا أَبَا بكر فليصلّ
__________
[1] (هلم) لم تذكر في الأصل، لكنّها ذكرت في نسخة دار الكتب ومراجع
أخرى.
[2] في المصادر الأخرى (اللّغط) بدلا من (اللّغو) .
[3] رواه البخاري في العلم 1/ 37 باب كتابة العلم، وفي الاعتصام 8/
161 باب كراهية الخلاف، ومسلم في الوصيّة (1637/ 22) باب ترك
الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه، وأحمد في المسند 222 و 293 و 324
و 355، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 562 رقم 1141.
(1/552)
بِالنَّاسِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[1] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ
رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ، وَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ
بِالْمُرْسَلَاتِ، فَمَا صَلَّى بَعْدَهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ
تَعَالَى، يَعْنِي فما صلّى بعدها بالنّاس [2] . وإسناده حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَفْظُهُ أَنَّهَا
سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ، ثُمَّ مَا صَلَّى لنا
بعدها. (خ) [3] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ: ثَقُلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَصَلَّى
النَّاسُ» ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: «ضَعُوا
لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ [4] » ، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ،
ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ
فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ» ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ ينتظرونك يا
رسول الله، فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ:
فَفَعَلْنَا، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ
أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ
يَنْتَظِرُونَكَ، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ
يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ الله
__________
[1] في الأذان 1/ 174 و 175 باب من أسمع الناس تكبير الإمام، وباب
الرجل يأتم بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم، وباب إذا بكى الإمام في
الصلاة، وأخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة (1232) باب ما جاء في
صَلاةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه،
وأحمد في المسند 6/ 210، وابن سعد في الطبقات 2/ 217 و 219 و 224 و
225، والطبري في التاريخ 3/ 197، والبلاذري في الأنساب 1/ 554.
[2] رواه الترمذي في الصلاة، باب في القراءة في المغرب (207) ،
وأحمد في المسند 3/ 91، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 551.
[3] رواه البخاري في المغازي 5/ 137 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، والنسائي في الافتتاح
2/ 168 باب القراءة في المغرب بالمرسلات، والدارميّ في الصلاة، باب
رقم 64، وأحمد في المسند 6/ 338.
[4] المخضب: إناء لغسل الثياب، ويسمى به ما صغر عن ذلك.
(1/553)
لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ
بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،
قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ
مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا
الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ
لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا:
أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي
بَكْرٍ. فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ،
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ. قَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْتُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَا
أَنْكَرَ مِنْهُ حَرْفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَعُرْوَةُ، أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَذَلِكَ رَوَى الْأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. وَكَذَلِكَ رَوَى غَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا صَلَاتُهُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ
نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي
بَكْرٍ قَاعِدًا [2] .
وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الْأَسْوَدِ، عَنْ عائشة.
__________
[1] رواه البخاري في الأذان 1/ 168- 169 باب إنّما جعل الإمام
ليؤتمّ به وصلّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
مَرَضِهِ الَّذِي توفي فيه بالناس وهو جالس، ومسلم في الصلاة (418)
باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما.. والنسائي
في الإمامة 2/ 84 باب الائتمام بمن يأتم بالإمام، والدارميّ في
الصلاة باب 44، وأحمد في المسند 2/ 52 و 6/ 251، وابن سعد في
الطبقات 2/ 218، والنويري في نهاية الأرب 18/ 369.
[2] رواه أحمد في المسند 6/ 159، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/
555.
(1/554)
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَلَّفَ أَبِي بَكْرٍ [1] .
وَرَوَى هُشَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،
وَاللَّفْظُ لِهُشَيْمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَأَبُو
بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ فِي
بُرْدَةٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ
[2] .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ،
حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ ثَابِتٍ، حَدَّثَهُ عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد، مُخَالِفًا بَيْنَ
طَرَفَيْهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَالَ: «ادْعُوا لِي
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» ، فَجَاءَ، فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى
نَحْرِهِ، فَكَانَتْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا [3] . وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ بِزِيَادَةِ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ فِيهِ. وَفِي هَذَا دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ
الصَّلَاةَ كَانَتِ الصُّبْحَ، فَإِنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ
صَلَّاهَا، وَهِيَ الَّتِي دَعَا أُسَامَةَ عِنْدَ فَرَاغِهِ
مِنْهَا، فَأَوْصَاهُ فِي مَسِيرِهِ بِمَا ذَكَرَ أَهْلُ
الْمَغَازِي. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ غَيْرُ تِلْكَ الصَّلَاةِ
الَّتِي ائْتَمَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ بِهِ، وَتِلْكَ كَانَتْ
صَلَاةَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ.
وَعَلَى هَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَدِ
اسْتَوْفَاهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْحَبْرُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ [4] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَفَرٍ، فَوُعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ،
وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ يُمَرِّضْنَهُ أَيَّامًا، وَهُوَ
فِي ذَلِكَ يَنْحَازُ إِلَى الصَّلَوَاتِ حَتَّى غُلِبَ، فَجَاءَهُ
الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَنَهَضَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ
مِنَ الضَّعْفِ، فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: «اذْهَبْ إِلَى أبي بكر
فمره فليصلّ» ، فقالت
__________
[1] انظر تاريخ الطبري 3/ 197.
[2] أنساب الأشراف 1/ 556.
[3] رواه أحمد في المسند 3/ 243.
[4] في كتابه «دلائل النّبوّة» .
(1/555)
عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
رَقِيقٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قَامَ مَقَامَكَ بَكَى، فَأْمُرْ عُمَرَ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ [1] ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ،
فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ،
فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى كَانَ
لَيْلَةُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقْلَعَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَعْكُ
وَأَصْبَحَ مُفِيقًا، فَغَدَا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ يَتَوَكَّأُ
عَلَى الْفَضْلِ وَغُلَامٍ لَهُ يُدْعَى ثَوْبَانَ [2] وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ
سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ
قَائِمٌ فِي الْأُخْرَى، فَتَخَلَّصَ [3] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ يُفَرِّجُونَ لَهُ، حَتَّى
قَامَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ،
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِثَوْبِهِ فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا جَمِيعًا، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يَقْرَأُ،
فَلَمَّا قَضَى قِرَاءَتَهُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فركع معه الرّكعة الآخرة، ثم جلس أبو بكر
يتشهّد والنّاس معه، فلمّا سلّم أتمّ رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ [4] إِلَى جِذْعٍ
مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ سَقْفُهُ مِنْ
جَرِيدٍ وَخُوصٍ، لَيْسَ عَلَى السَّقْفِ كَثِيرُ طِينٍ، إِذَا
كَانَ الْمَطَرُ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ طِينًا، إِنَّمَا هُوَ
كَهَيْئَةِ الْعَرِيشِ، وَكَانَ أُسَامَةُ قَدْ تَجَهَّزَ
لِلْغَزْوِ.
بَابُ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
احْتَضَرَ
قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَا: لَمَّا نُزِلَ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] طَفِقَ
يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ
كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
__________
[1] هنا تكرار كلمات في نسخة (ع) .
[2] في الأصل (نوبا) في موضع (ثوبان) ، والتصحيح من طبقات ابن سعد
ونسخة دار الكتب.
[3] في طبقات ابن سعد (فخرج فجعل يفرّج الصّفوف) .
[4] حتى هنا ينتهي الحديث في طبقات ابن سعد 2/ 219- 220.
[5] أي نزل به في المرض.
(1/556)
اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ» ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أنا عُمَرُ بْنُ
كَرْمٍ بِبَغْدَادَ، أنا عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ مِنْ لَفْظِهِ
سَنَةَ سَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مُحَمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ السُّلَمِيُّ إِمْلَاءً، ثنا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل
مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: «أَحْسِنُوا الظَّنَّ باللَّه عَزَّ
وَجَلَّ» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنَ الْعَوَالِي.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ «الصَّلَاةَ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» ، حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي
صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. كَذَا قَالَ
سُلَيْمَانُ.
وَقَالَ هَمَّامٌ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ
سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «اللَّهَ
اللَّهَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» قَالَتْ:
فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَمَا يَكَادُ يَفِيضُ. وَهَذَا أَصَحُّ
[2] .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ
سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ
وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ ماء،
__________
[1] رواه البخاري في الصلاة 1/ 112 باب الصلاة في البيعة، وفي
المغازي 5/ 140 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ووفاته، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (531) باب النهي
عن بناء المساجد على القبور.. والنسائي في المساجد 2/ 40- 41 باب
النهي عن اتخاذ القبور مساجد، والدارميّ في الصلاة، باب 120، وأحمد
في المسند 6/ 229 و 275.
[2] رواه ابن ماجة في الجنائز (1625) باب ما جاء في ذكر مَرِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ
الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده صحيح على شرط الصحيحين، وأحمد في
المسند 3/ 117 و 6/ 311 و 315 و 321.
(1/557)
يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ
يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهمّ أَعِنِّي
عَلَى سَكْرَةِ الْمَوْتِ [1] . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى
يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَمَّا مَرِضَ
عُرِضَتْ لَهُ بُحَّةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ،
وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ، وحسن أولئك
رفيقا» [2] فظننّا أنّه كان يُخَيَّرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ نَحْوَهُ الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ
وَغَيْرِهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَفِيهِ زِيَادَةٌ: قَالَتْ
عَائِشَةُ: كَانَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ
بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الرفيق
الأعلى» . خ. [4] . وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أنس قال: لمّا قالت فاطمة عليها
__________
[1] رواه ابن ماجة في الجنائز (1623) باب ما جاء في ذكر مَرِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والترمذي في
الجنائز (985) باب ما جاء في التشديد عند الموت، وأحمد في المسند
6/ 64 و 70 و 77 و 151، والطبري في تاريخه 3/ 197 و 198.
[2] سورة النساء- الآية 69.
[3] رواه البخاري في التفسير 5/ 181 تفسير سورة النساء، باب فأولئك
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ،
ومسلم في فضائل الصحابة (2444/ 86) باب في فضل عائشة رضي الله
تعالى عنها، وابن ماجة في الجنائز (1620) باب ما جاء في ذكر مَرِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحمد في
المسند 6/ 176 و 205 و 269، وابن سعد في الطبقات 2/ 229، والبلاذري
في أنساب الأشراف 1/ 547.
[4] في المغازي 5/ 138- 139 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، وفي الرقائق 7/ 192 باب سكرات
الموت، وفي الدعوات 7/ 155 باب دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
اللَّهمّ الرفيق الأعلى، ومسلم في السلام (2191) باب استحباب رقية
المريض، وفي فضائل الصحابة (2444) باب في فضل عائشة رضي الله تعالى
عنها، وابن ماجة في الجنائز (1619) باب ما جاء في ذكر مرض رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم، ومالك في الموطّأ 159 رقم (565) جامع
الجنائز، وأحمد في المسند 6/ 45 و 48 و 74 و 89 و 108 و 120 و 126
و 200 و 231 و 274، وابن سعد في الطبقات 2/ 210، والبلاذري في
أنساب الأشراف 1/ 548.
(1/558)
السلام: «وا كرباه» قَالَ لَهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ
أَبِيكَ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا لِمُوَافَاةِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ» [1] . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مُبَارَكٌ، عَنِ
الْحَسَنِ، وَيُرْسِلُهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما ثَقُلَ جَعَلَ
يَتَغَشَّاهُ- يَعْنِي الْكَرْبَ- فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: «وا كرب
أَبَتَاهُ» ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ» . أخرجه
البخاريّ [2] .
__________
[1] دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 728، 729 وعنه في كنز العمال 7/ 260،
261 ولفظه في الدلائل: «لقد حضر أباك ما ليس الله بتارك منه أحدا
من الناس لموافاة يوم القيامة» .
[2] رواه البخاري في المغازي 5/ 144 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، ومسلم في الجنائز
(1629) باب ذكر وفاته ودفنه صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند
3/ 141، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 552.
(1/559)
بَابُ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَيَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي،
وَكَانَ جِبْرِيلُ يُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ
أَدْعُو بِهِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «فِي
الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» وَدَخَلَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَبِيَدِهِ جَرِيدَةٌ
رِطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا
حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَنَفَضْتُهَا [1] وَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ،
فَاسْتَنَّ بِهَا أَحْسَنَ [2] مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ ذَهَبَ
[3] يُنَاوِلُنِيهَا، فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ
بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا [4] . لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، مِنْ عَائِشَةَ، لِأَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ قَالَ:
عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ
أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى
__________
[1] هكذا في الأصل، وصحيح البخاري. وفي نسخة دار الكتب (فمضغتها) .
وفي المنتفي لابن الملا (فنقعتها) .
[2] في الصحيح «كأحسن» .
[3] في الصحيح «ناولنيها» .
[4] في المغازي 5/ 142 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، ورواه البلاذري في أنساب الأشراف 1/
549.
(1/561)
عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ
كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي
بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ
اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، دَخَلَ
عَلَيَّ أَخِي بِسِوَاكٍ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِي، فَرَأَيْتُهُ
يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ السِّوَاكُ
وَيَأْلَفُهُ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ
نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ لَهُ، فَأَمَرَّهُ عَلَى فِيهِ، وَبَيْنَ
يَدَيْهِ رَكْوَةٌ- أو علبة- فيها مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ
فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثُمَّ نَصَبَ
إِصْبَعَهُ الْيُمْنَى فَجَعَلَ يَقُولُ «فِي الرَّفِيقِ
الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ
يَدُهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ:
لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ
تَبْكِي «يَا أَبَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ، يَا أَبَتَاهُ
جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ
نَنْعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ» ، قَالَ:
وَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التراب؟ (خ)
[2] . وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى
بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ
سَحْرِي وَنَحْرِي، فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، لَمْ أَظْلِمْ
فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي
حِجْرِي، فَأَخَذْتُ وِسَادَةً فَوَسَّدْتُهَا رَأْسَهُ
وَوَضَعْتُهُ مِنْ حِجْرِي، ثُمَّ قُمْتُ مَعَ النِّسَاءِ أَبْكِي
وَأَلْتَدِمُ [3] . الِالْتِدَامُ: اللَّطْمُ.
وَقَالَ مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارُ: ثنا أبو
عمران الجوني، عن يزيد
__________
[1] في المغازي 5/ 141- 142 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته. وانظر سيرة ابن هشام 4/ 259.
[2] في المغازي 5/ 144، وأحمد في المسند 3/ 204.
[3] رواه أحمد في المسند 6/ 274، وابن هشام في السيرة 4/ 259- 260،
والطبري في التاريخ 3/ 199.
(1/562)
ابن بَابَنُوسَ [1] أَنَّهُ أَتَى
عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِحُجْرَتِي أَلْقَى إِلَيَّ
الْكَلِمَةَ يُقِرُّ بِهَا عَيْنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ،
فَعَصَبْتُ رَأْسِي وَنِمْتُ عَلَى فِرَاشِي، فَمَرَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ما لك» ؟
قلت: رأسي، فقال: «بل أنا وا رأساه، أَنَا الَّذِي أَشْتَكِي
رَأْسِي» ، وَذَلِكَ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّهُ
مَقْبُوضٌ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِيءَ بِهِ يُحْمَلُ فِي
كِسَاءٍ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَأُدْخِلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا
عَائِشَةُ أَرْسِلِي إِلَى النِّسْوَةِ، فَلَمَّا جِئْنَ قَالَ:
«إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَّ
لِي فَأَكُونُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، قُلْنَ: نَعَمْ، فَرَأَيْتُهُ
يَحْمَرُّ وَجْهُهُ وَيَعْرَقُ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَيِّتًا
قَطُّ، فَقَالَ: «أَقْعِدِينِي» ، فَأَسْنَدْتُهُ إِلَيَّ،
وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقَلَّبَ رَأْسَهُ، فَرَفَعْتُ يَدِي،
وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ مِنْ رَأْسِي، فَوَقَعَتْ
مِنْ فِيهِ نُقْطَةٌ [2] بَارِدَةٌ عَلَى تُرْقُوَتِي أَوْ
صَدْرِي، ثُمَّ مَالَ فَسَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ، فَسَجَّيْتُهُ
بِثَوْبٍ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَيِّتًا قَطُّ، فَأَعْرِفُ
الْمَوْتَ بِغَيْرِهِ، فَجَاءَ عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ، وَمَعَهُ
الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَأَذِنْتُ لَهُمَا، وَمَدَدْتُ
الْحِجَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَائِشَةَ مَا لِنَبِيِّ اللَّهِ؟
قُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ، فكشف عن وجهه فقال: وا
غمّاه، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْغَمُّ، ثُمَّ غَطَّاهُ، وَلَمْ
يَتَكَلَّمِ الْمُغِيرَةُ، فَلَمَّا بَلَغَ عَتَبَةَ الْبَابِ،
قَالَ الْمُغِيرَةُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عُمَرُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، مَا مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَأْمُرَ بِقِتَالِ
الْمُنَافِقِينَ، بَلْ أَنْتَ تَحُوشُكَ [3] فِتْنَةٌ [4] .
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا لِرَسُولِ اللَّهِ؟ قُلْتُ:
غُشِيَ عليه، فكشف عن
__________
[1] في الأصل بعض الحروف غير منقوط، والتصويب من (تهذيب التهذيب
11/ 316 رقم 607) وانظر طبقات ابن سعد 2/ 267.
[2] في مسند أحمد 6/ 219 وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 261 «نطفة» .
ويقال للماء الكثير والقليل «نطفة» وهو بالقليل أخصّ. (النهاية
لابن الأثير) . وانظر أنساب الأشراف 1/ 563.
[3] في حاشية الأصل «قلبك 1/ 563» .
[4] زاد أحمد وابن سَعْدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يموت حتى يفني الله عزّ وجلّ المنافقين» .
(1/563)
وَجْهِهِ، فَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ على صدغيه ثم قال: وا نبيّاه وا
صفيّاه وا خليلاه، وصدق الله ورسوله إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ
مَيِّتُونَ 39: 30 [1] . وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ
الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [2] ، كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ 21: 34- 35 [3] ، ثُمَّ غَطَّاهُ وَخَرَجَ
إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ مَعَ أَحَدٍ
مِنْكُمْ عَهْدٌ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قالوا: لَا، قَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ
فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ
مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَقَالَ:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 39: 30 [4] الآيات.
فَقَالَ عُمَرُ: أَفِي كِتَابِ اللَّهِ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ:
هَذَا أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْغَارِ،
وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فَبَايِعُوهُ، فَحِينَئِذٍ بَايَعُوهُ [5] .
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ عَنْهُ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [6] بِطُولِهِ عَنْ بَهْزِ
بْنِ أَسَدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، أنا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ أَبَا بكر أقبل على فرس من مسكنه
بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ
النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ، فَتَيَمَّمَ [7] رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُغَشًّى [8] بِبُرْدٍ
حبرة،
__________
[1] سورة الزمر، الآية 30.
[2] سورة الأنبياء، الآية 34.
[3] سورة آل عمران، الآية 185.
[4] سورة الزمر- الآية 30.
[5] أنساب الأشراف 1/ 562، 563.
[6] المسند 6/ 219، 220 وابن سعد في الطبقات 2/ 267، 268 وانظر 2/
261، و 265.
[7] أي قصد.
[8] في طبقات ابن سعد «مسجّى» وفي رواية للبخاريّ في الجنائز 2/
70.
(1/564)
فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ
عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ
عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي
كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا [1] . وَحَدَّثَنِي [2] أَبُو
سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ
وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ،
فَأَبَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ،
فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا
فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ
اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3:
144 [3] الآية، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ،
فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا
مِنَ النّاس إلّا يتلوها [4] .
وأخبرني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ
مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَفَرِقْتُ،
أَوْ قَالَ فَعَقَرْتُ [5] حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلايَ،
وَحَتَّى إِنِّي أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ، وَعَرَفْتُ حِينَ
تَلَاهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ مَاتَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [6] .
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
__________
[1] إلى هنا تنتهي رواية ابن سعد في الطبقات 2/ 265، 266، والنويري
في نهاية الأرب 18/ 385.
[2] القائل هو الزهري كما في صحيح البخاري.
[3] سورة آل عمران، الآية 144.
[4] حتى هنا في الجنائز عند البخاري 2/ 70، 71 باب الدخول على
الميّت..
[5] العقر بفتحتين: أن يفجأ الرحل الروع فيدهش، فلا يستطيع أن
يتقدّم أو يتأخر، وقيل: لا تحمله قوائمه من الخوف، على ما في
(ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى للمحبّ للطبري ص 190) . وفي
رواية (فعقرت) بضمّ العين، أي هلكت، على ما في (إرشاد السّاري 5/
143) .
[6] في الجنائز 2/ 70، 71 باب الدخول على الميّت بعد الموت..، وفي
المغازي 5/ 142، 143 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، والنسائي في الجنائز 4/ 11 باب تقبيل
الميت، وأحمد في المسند 6/ 117.
(1/565)
عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَاقِنَتِي
وَذَاقِنَتِي [1] ، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأحد أبدا،
بعد ما رأيت من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ
قَالَ: كَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ تَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ
وَخَرَجَ ثَقَلُهُ [3] إِلَى الْجُرْفِ [4] فَأَقَامَ تِلْكَ
الْأَيَّامَ لِوَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ عَامَّتُهُمُ
الْمُهَاجِرُونَ، وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى
أَهْلِ مُؤْتَةَ، وَعَلَى جَانِبِ فِلِسْطِينَ، حَيْثُ أُصِيبَ
أَبُوهُ زَيْدٌ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ، يَعْنِي صَبِيحَةَ
الْإِثْنَيْنِ، وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ
وَيَدْعُونَ لَهُ بِالْعَافِيَةِ، فَدَعَا أُسَامَةَ فَقَالَ:
«اغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَالنَّصْرِ وَالْعَافِيَةِ» ،
قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَصْبَحْتَ
مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ شَفَاكَ، فَأْذَنْ
لِي أَنْ أَمْكُثَ حَتَّى يَشْفِيَكَ اللَّهُ، فَإِنْ أَنَا
خَرَجْتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ خَرَجْتُ وَفِي قَلْبِي قُرْحَةٌ
مِنْ شَأْنِكَ، وَأَكْرَهُ أَنْ أسأل عنك النّاس، فسكت رسول اللَّه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فلم يُرَاجِعْهُ، وَقَامَ
فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ، وَهُوَ يَوْمُهَا، فَدَخَلَ أَبُو
بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: قد أصبح رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ
قَدْ شَفَاهُ، ثم ركب أبو بكر فلحق بِأَهْلِهِ بِالسُّنْحِ،
وَهُنَالِكَ امْرَأَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ، وَانْقَلَبَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهَا،
وَذَلِكَ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْتِ
عَائِشَةَ وُعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ
نِسَاؤُهُ، وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى
زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ كان يغشى
__________
[1] الحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق. والذاقنة:
الذقن.
[2] رواه البخاري في المغازي 5/ 140 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، والنسائي في الجنائز 4/
6، 7 باب شدّة الموت، وأحمد في المسند 6/ 64 و 77.
[3] الثقل: بفتح الثاء والقاف.
[4] الجرف: بضم الجيم، وسكون الراء أو ضمّها. موضع قرب المدينة
يعسكرون فيه إذا أرادوا الغزو.
(1/566)
عَلَيّهِ، ثُمَّ شَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى
السَّمَاءِ فَيَقُولُ: «نَعَمْ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» ،
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ،
وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى صَدْرِ عَائِشَةَ، وَفِي يَوْمِهَا يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ،
وَجَزِعَ النَّاسُ، وَظَنَّ عَامَّتُهُمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ،
مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْنَا
وَنَحْنُ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَيَمُوتُ، وَلَمْ يَظْهَرْ
عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ رُفِعَ كَمَا فُعِلَ بِعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ، فَأَوْعَدُوا مَنْ سَمِعُوا يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ
مَاتَ، وَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ «لَا تَدْفِنُوهُ فَإِنَّهُ
حَيٌّ» ، وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيُوعِدُ بِالْقَتْلِ
وَالْقَطْعِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَتَوَعَّدَ
الْمُنَافِقِينَ، وَالنَّاسُ قَدْ مَلَئُوا الْمَسْجِدَ يَبْكُونَ
وَيَمُوجُونَ، حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السُّنْحِ [1] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: وَضَعْتُ
يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ، فَمَرَّ بِي جُمَعٌ آكُلُ وَأَتَوَضَّأُ،
مَا يَذْهَبُ رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ- هُوَ
التَّيْمِيُّ- عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ:
قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، وَقَدْ [2]
رَأَيْتُهُ دَعَا بِطَسْتٍ لِيَبُولَ فِيهَا، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ
إِلَى صَدْرِي، فَانْحَنَثَ [3] فَمَاتَ، وَلَمْ أَشْعُرْ فِيمَ
يَقُولُ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ أوصى إلى عليّ. متّفق عليه [4] .
__________
[1] انظر المغازي لعروة 222، وفتح الباري 8/ 144، وطبقات ابن سعد
2/ 271، والبداية والنهاية لابن كثير 5/ 242.
[2] في صحيح الإمام البخاري (قالت: ولقد رأيته) .
[3] أي استرخى ومال إلى أحد شقّيه.
[4] أخرجه البخاري في المغازي 5/ 143 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، وفي الوصايا 3/ 186 أول
الباب، ومسلّم في الوصيّة (1636) باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء
يوصي فيه، وابن ماجة في الجنائز (1626) باب ما جاء في ذكر مَرِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحمد في
المسند 6/ 32، وابن سعد في الطبقات 2/ 260 و 261.
(1/567)
تَارِيخُ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ، أَيُّ يَوْمٍ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قُلْتُ: يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، قَالَ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَمُوتَ
فِيهِ، فَمَاتَ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ
حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ نبيكم صلى الله عليه
وسلم يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين،
وفتح مكة يوم الإثنين، ونزلت سورة الْمَائِدَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 5: 3 [1] . وَتُوُفِّيَ
يَوْمَ الاثْنَيْنِ [2] .
قَدْ خُولِفَ فِي بَعْضِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 5: 3 يَوْمَ عَرَفَةَ،
يَوْمَ جُمُعَةٍ.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ
حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ [3]
.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ مِنْ
مَرَضِهِ، وَذَلِكَ يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
رَوَاهُ مُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا أَبُو مَعْشَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتُوُفِّيَ يَوْمَ
الْإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة
[4] .
__________
[1] سورة المائدة- الآية 3.
[2] انظر طبقات ابن سعد 2/ 274.
[3] المغازي لعروة 222، وفتح الباري 8/ 144 و 146، وأنساب الأشراف
للبلاذري 1/ 569.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 272.
(1/568)
وذكر الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ
الْكَلْبِيِّ، وَأَبِي مِخْنَفَ [1] وَفَاتَهُ فِي ثَانِي رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ [2] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ
لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي
قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، فَاسْتَكْمَلَ فِي هِجْرَتِهِ
عَشْرَ سِنِينَ كَوَامِلَ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اشْتَكَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صفر، وتوفّي يوم الإثنين
لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ [4] .
وَيُرْوَى نَحْوُ هَذَا فِي وَفَاتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ إِنْ صَحَّ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ سَعِيدُ بْنُ عفير،
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ [5] ، وَغَيْرُهُمَا.
أَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ، أنا
أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْبُنِّ، أنا جَدِّي، أنا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ،
أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَقِبِ، أنا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ
حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي النُّعْمَانُ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: وُلِدَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الاثْنَيْنِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَهَاجَرَ
يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهُرٍ، وَكَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوحَى
إِلَيْهِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَاسْتَخْفَى عَشْرَ
سِنِينَ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى
الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ يُقَاتِلُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا،
وَكَانَ الْوَحْيُ إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً وَنِصْفًا،
وَتُوُفِّيَ، فمكث
__________
[1] في (ع) ونسخة دار الكتب «أبو مخيف» ، والتصويب من تاريخ
الطبري، والقاموس المحيط.
[2] تاريخ الطبري 3/ 200.
[3] تاريخ الطبري 3/ 215.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 272.
[5] انظر الطبقات 2/ 272- 274.
(1/569)
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ
النَّاسُ عَلَيْهِ رَسَلًا رَسَلًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ،
وَالنِّسَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ [1] .
وَطَهَّرَهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، وَكَانَ يُنَاوِلُهُمُ الْعَبَّاسُ الْمَاءَ، وَكُفِّنَ
فِي ثلاثة رياط [2] بِيضٍ يَمَانِيَّةٍ، فَلَمَّا طُهِّرَ
وَكُفِّنَ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ
الثَّلَاثَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ عُصَبًا عُصَبًا [3] ، تَدْخُلُ
الْعُصْبَةُ فَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُونَ، لا يُصَفُّونَ
وَلَا يُصَلِّي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مُصَلٍّ، حَتَّى فَرَغَ مَنْ
يُرِيدُ ذَلِكَ، ثُمَّ دُفِنَ، فَأَنْزَلَهُ فِي الْقَبْرِ
الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ: أَشْرِكُونَا فِي مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ أَشْرَكَنَا فِي
حَيَاتِهِ، فَنَزَلَ مَعَهُمْ فِي الْقَبْرِ وَوَلِيَ ذَلِكَ
مَعَهُمْ [4] .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنِ
النُّعْمَانِ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَدُفِنَ
يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ [5] .
وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَدُفِنَ
مِنْ آخِرِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ.
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ مَوْتُهُ فِي شَهْرِ أَيْلُولَ.
قُلْتُ: إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ دَوْرٍ فِي ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ سَنَةً كَانَ فِي سِتُّمِائَةٍ وَسِتِّينَ عَامًا
عِشْرُونَ دَوْرًا، فَإِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسُبْعُمِائَةٍ مِنْ
وَقْتِ مَوْتِهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دَوْرًا فِي رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ مِنْهَا كَانَ وقوع تشرين الأول وبعض أيلول في
__________
[1] قارن آخره بسنن ابن ماجة (1628) في الجنائز، باب ذكر وفاته
ودفنه صلّى الله عليه وسلّم.
[2] الريطة: كلّ ملاءة ليست بلفقين. وفي نسخة دار الكتب (رياض)
بدلا من (رباط) وهو تحريف، أو من تصحيف السمع بسبب الإملاء.
[3] العصب: الجماعات، على ما في (شرح السيرة النبويّة للخشني) .
[4] المسند لأحمد 6/ 264.
[5] طبقات ابن سعد 2/ 273.
(1/570)
صَفَرٍ، وَكَانَ آبُ فِي الْمُحَرَّمِ،
وَكَانَ أَكْثَرُ تَمُّوزَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَحَجَّةُ
الْوَدَاعِ كَانَتْ فِي تَمُّوزَ.
وَقَالَ أَبُو الْيَمَنِ بْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ: لَا يُمْكِنُ
أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ إِلَّا يَوْمَ ثَانِي الشَّهْرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ،
فَلَا يَتَهَيَّأُ أَنْ يَكُونَ ثَانِي عَشَرَ الشَّهْرِ
لِلْإِجْمَاعِ أَنَّ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، فَالْمُحَرَّمُ بِيَقِينٍ أَوَّلُهُ الْجُمُعَةُ أَوِ
السَّبْتُ، وَصَفَرُ أَوَّلُهُ عَلَى هَذَا السَّبْتُ أَوِ
الْأَحَدُ أَوِ الْاثْنَيْنِ، فَدَخَلَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ
الْأَحَدَ، وَهُوَ بَعِيدٌ، إِذْ يَنْدُرُ وُقُوعُ ثَلَاثَةِ
أَشْهُرٍ نَواقِصَ، فَتَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ
الْإِثْنَيْنِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الثُّلَاثَاءَ، فَإِنْ كَانَ
اسْتَهَلَّ الْإِثْنَيْنِ فَهُوَ مَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
مِنْ وَفَاتِهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِهِلَالِ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي مِنْهُ
ثَامِنَهُ، وَإِنْ جَوَّزْنَا أَنَّ أَوَّلَهُ الثُّلَاثَاءُ
فَيَوْمُ الْإِثْنَيْنِ سَابِعُهُ أَوْ رَابِعَ عَشْرَهُ، وَلَكِنْ
بَقِيَ بَحْثٌ آخَرُ: كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ الْجُمُعَةَ
بِمَكَّةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ
بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ،
فَيُبْنَى عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ.
وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ
الْإِثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يوم الثلاثاء [1] .
باب عمر النّبيّ وَالْخُلْفِ فِيهِ
قَالَ رَبِيعَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ
عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سنة.
(خ. م) [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 274.
[2] أخرجه البخاري في المناقب 4/ 164 و 165 باب صفة النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم، وفي المغازي د/ 144 باب وفاة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم، ومسلّم في الفضائل (2347) باب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومبعثه وسنّه.
(1/571)
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ، عَنِ
الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .
قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، عَلَى
سَبِيلِ حَذْفِ الْكُسُورِ الْقَلِيلَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ
التَّحْرِيرِ، وَمِثْلُهُ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِ
الْعَرَبِ.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .
وَلِمُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَمْرَةَ [3] عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ [4] .
وَلِلْبُخَارِيِّ [5] مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُبِضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابن خمس
وستّين سنة [6] .
__________
[1] في الفضائل (2348) باب كم سنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
يوم قبض.
[2] رواه البخاري في المغازي 5/ 144، 145 وفي المناقب 4/ 163 باب
وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ومسلّم في الفضائل (2349) باب
كم سنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم قبض.
[3] في (ع) «حمزة» وهو تصحيف، والتصويب من صحيح مسلّم.
[4] صحيح مسلّم، في الفضائل (351) و (2353/ 122) باب كم سنّ النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم يوم قبض.
[5] ما بين الرقمين ساقط من (ع) ورواه الترمذي في المناقب (3700)
باب ما جاء في مبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وابن كم كان حين
بعث، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعن عبد الله بن عتبة أنّه توفّي
وهو ابن ثلاث وستين. كما في (تاريخ خليفة بن خياط 1/ 68) من طبعة
دمشق.
[6] رواه بلفظه الترمذي في المناقب (3701) باب ما جاء في مبعث
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وابن كم كان حين بعث، من طريق محمد بن
بشّار، عن ابن أبي عديّ، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس. وقال:
هكذا حدّثنا محمد بن بشّار. وروى عنه محمد بن إسماعيل (البخاري)
مثل ذلك. ورواه الطبري 3/ 216.
(1/572)
فَعَلِيٌّ ضَعِيفٌ الْحَدِيثِ [1] وَلَا
سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ.
وَقَدْ قَالَ شَبَابَةُ: نا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ،
عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ
يَقُولُ: تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ [2] .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَكِنْ تُقَوِّيهِ رِوَايَةُ هِشَامٍ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،
__________
[1] هو: عليّ بن زيد بن عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكة زهير بْن
عبد الله بن جدعان التيمي، أبو الحسن البصري. توفي سنة 131 هـ.
قال عنه ابن سعد: ولد وهو أعمى، وكان كثير الحديث وفيه ضعف ولا
يحتج به، وقال صالح ابن أحمد عن أبيه: ليس بالقويّ وقد روى عنه
الناس، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال حنبل عن أحمد: ضعيف الحديث، وقال
معاوية بن صالح عن يحيى: ضعيف، وقال عثمان الدارميّ عن يحيى: ليس
بذاك القويّ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: ضعيف في كل شيء أو في
رواية عنه: ليس بذاك، وفي رواية الدوري: ليس بحجّة، وقال مرّة: ليس
بشيء، وقال مرّة: هو أحبّ إليّ من ابن عقيل، وقال العجليّ: كان
يتشيّع لا بأس به، وقال مرّة يكتب حديثه وليس بالقويّ، وقال يعقوب
بن شيبة: ثقة صالح الحديث، وإلى اللين ما هو، وقال الجوزجاني:
واهي الحديث ضعيف وفيه ميل عن الفصد لا يحتجّ بحديثه، وقال أبو
زرعة: ليس بقوي، وقال أبو حاتم: ليس بقويّ يكتب حديثه ولا يحتجّ
به، وقال الترمذي: صدوق إلّا أنه ربّما رفع الشيء الّذي يوقفه
غيره، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن خزيمة: لا أحتجّ به لسوء حفظه،
وقال ابن عديّ: لم أر أحدا من البصريين وغيرهم امتنع من الرواية
عنه، وكان يغلو في التشيّع، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال الحاكم أبو
أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال الدارقطنيّ: أنا أقف فيه لا يزال
عندي فيه لين ...
انظر عنه:
التاريخ لابن معين 2/ 417، والطبقات لابن سعد 7/ 252، والتاريخ
الكبير للبخاريّ 6/ 275 رقم (2389) ، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 114
رقم (185) ، والمعرفة والتاريخ للفسوي (انظر فهرس الأعلام 3/ 286)
، والضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 229 رقم (1231) ، والجرح والتعديل
لابن أبي حاتم 6/ 186 رقم (1021) ، والمجروحين لابن حبّان 2/ 103،
والكامل في الضعفاء لابن عديّ 5/ 1840، وميزان الاعتدال للذهبي 3/
127 رقم (5844) ، والكاشف له 2/ 248 رقم (3975) ، والمغني في
الضعفاء له 2/ 447 رقم (4265) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 322-
325 رقم (544) ، وتقريب التهذيب له 2/ 37 رقم (342) .
[2] رواه مسلّم في الفضائل (2353/ 122) باب كم أقام النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم بمكة والمدينة.
(1/573)
عَنْ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ ابْنُ
خَمْسٍ وَسِتِّينَ [1] .
وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَعْتَمِدْ
عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ دَغْفَلٍ بَلْ قَالَ: تُوُفِّيَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. قَالَهُ أَشْعَثُ عَنْهُ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْهُ: تُوُفِّيَ ابْنُ سِتِّينَ
سَنَةً [2] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ
الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ [4] . وَقَالَ قَتَادَةُ:
تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.
بَابُ غُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا
أَرَادُوا غُسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رسول اللَّه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أم نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ،
فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى
مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ
كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ ناحية البيت لا يدرون من
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 216.
[2] في نسخة (ع) هنا زيادة هي: «وروى الثوريّ، عن الحذّاء، عن
عمّار، عن ابن عبّاس:
قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابن
خمس وستين سنة، وروى بشر بن المفضّل، عن حميد عن أنس:
تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابن خمس وستين. يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، عن ابن عجلان، عن سعيد
بن أبي سعيد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَليْه وسلّم توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة وستة أشهر» .
[3] في الفضائل (2352) باب كم أقام النبي صلّى الله عليه وسلّم
بمكة والمدينة.
[4] قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 40 «، والصحيح عندنا رواية
من روى ثلاثا وستّين» .
(1/574)
هُوَ: أَنِ اغْسِلُوا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَقَامُوا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَّلُوهُ
وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، ويصبّون الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ
وَيَدْلُكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ، فَكَانَتْ
عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ.
صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] .
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو
بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ
مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ «لَا تُخْرِجُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
قَمِيصَهُ» [2] .
وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ،
وَعَلَى يَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِرْقَةٌ يُغَسِّلُهُ
بِهَا، فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَغَسَّلَهُ
وَالْقَمِيصُ عَلَيْهِ. فِيهِ ضَعْفٌ [3] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَّلَهُ عَلِيٌّ،
وَأُسَامَةُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأَدْخَلُوهُ
قَبْرَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ وَهُوَ يُغَسِّلُهُ:
__________
[1] في الجنائز (3141) باب في ستر الميت عند غسله، والبلاذري في
أنساب الأشراف 1/ 569 وأحمد في المسند. / 267، والطبري في تاريخه
3/ 212، وابن هشام في السيرة 4/ 263.
[2] رواه ابن ماجة في الجنائز (1466) باب ما جاء في غسل النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم، ولفظه: «لا تنزعوا» وقال الهيثمي في مجمع
الزوائد: إسناده ضعيف لضعف أبي بردة، واسمه عمر بن يزيد التيمي،
وقول الحاكم: إن الحديث صحيح، وأبو بردة هو يزيد بن عبد الله- وهم،
لما ذكره المزّي في الأطراف والتهذيب. وانظر طبقات ابن سعد 2/ 276،
وأنساب الأشراف.
[3] لضعف يزيد بن أبي زياد. وهو أبو عبد الله القرشي الهاشمي
مولاهم الكوفي، كان من أئمّة الشيعة الكبار، وتوفي سنة 136 هـ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ: لَيْسَ حديثه
بذاك، وقال مرة: ليس بالحافظ، وقال عثمان الدارميّ، عَنِ ابْنِ
مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو يعلى الموصلي عن ابن
معين: ضعيف، وقال العجليّ: جائز الحديث، وكان بآخره يلقن، وقال أبو
زرعة: ليّن يُكتب حديثه ولا يُحتجّ بِهِ، وقال أَبُو حاتم: ليس
بالقويّ، وقال الجوزجاني:
سمعتهم يضعفون حديثه.. (انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر 11/ 329- 331
رقم 630) .
(1/575)
بِأَبِي وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا
وَمَيِّتًا. مُرْسلٌ جَيِّدٌ [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ
عَلِيٌّ، غَسَّلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ
فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا [2] .
وَوَلِيَ دَفْنَهُ وَإِجْنَانَهُ دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ:
عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلُحِدَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدًا، وَنُصِبَ
عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا [3] .
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانَ: ثنا أَبُو عُمَرَ
كَيْسَانُ، عَنْ مَوْلَاهُ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ
عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَوْصَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ
غَيْرِي، فَإِنَّهُ «لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ
عَيْنَاهُ» قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ، وَأُسَامَةُ،
يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ، وَرَاءَ السِّتْرِ، وَمَا تَنَاوَلْتُ
عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّمَا يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا،
حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غُسْلِهِ [4] . كَيْسَانُ الْقَصَّارُ
يَرْوِي عَنْهُ أَيْضًا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَسْبَاطٌ،
وَمَوْلَاهُ كَأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَهُوَ ضعيف [5] .
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 2/ 277 وله شاهد في سنن ابن ماجة،
(1467) بكتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[2] أَخْرَجَهُ ابْنُ سعد 2/ 281، والطبري في تاريخه 3/ 212،
والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 571.
[3] ابن سعد 1/ 297 و 298.
[4] رواه ابن سعد في طبقاته 2/ 278.
[5] انظر: التاريخ لابن معين 2/ 498، والتاريخ الكبير للبخاريّ 7/
235 رقم 1009، والضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 13 رقم 1567، والجرح
والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 166 رقم 943، والكامل في الضعفاء لابن
عديّ 6/ 2100، وميزان الاعتدال للذهبي 3/ 417 رقم 6984 وفيه طرف من
الحديث، والمغني في الضعفاء له 2/ 534 رقم 5115، وتهذيب التهذيب
لابن حجر 8/ 454 رقم 824، وتقريب التهذيب له 2/ 137 رقم 82.
(1/576)
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ
يَصُبُّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَا كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَرْفَعَ
مِنْهُ عُضْوًا لِنُغَسِّلَهُ إِلَّا رُفِعَ لَنَا، حَتَّى
انْتَهَيْنَا إِلَى عَوْرَتِهِ فَسَمِعْنَا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ
صَوْتًا:
«لَا تَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَةِ نَبِيِّكُمْ» . مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ
عَلِيٍّ يَقُولُ: غُسِّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثًا بِالسِّدْرِ [1] ، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ
بِقُبَاءٍ كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا [2] . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ
سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ [3] .
وَلِمُسْلِمٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ: سَحُولِيَّةٌ مِنْ كُرْسُفٍ
[4] .
فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا
أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ حُلَّةٌ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتِ
الْحُلَّةُ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
فَقَالَ: لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا،
ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ
فِيهَا، فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [5] .
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عائشة
__________
[1] السّدر: ورق شجر النّبق.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 280، أنساب الأشراف 1/ 570.
[3] رواه البخاري في الجنائز 2/ 75 باب الثياب البيض للكفن، و 2/
77 باب الكفن بغير قميص، و 2/ 106 باب موت يوم الاثنين، ومسلّم في
الجنائز (941) باب في كفن الميت، والنسائي في الجنائز 4/ 36 باب
كفن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجة في الجنائز (1470) باب
ما جاء في كفن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومالك في الموطّأ 149
رقم (523) في غسل الميت، و (524) ، وأحمد في المسند 6/ 40 و 93 و
118 و 132 و 165 و 231، وابن سعد في الطبقات 2/ 282، والبلاذري في
أنساب الأشراف 1/ 571.
[4] الكرسف: القطن. (الروض الأنف 4/ 276) .
[5] في الجنائز (941/ 46) باب في كفن الميت، وطبقات ابن سعد 2/
282.
(1/577)
قَالَتْ: أُدْرِجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، ثُمَّ
نُزِعَتْ عَنْهُ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ [1] .
وَرَوَى نَحْوَهُ الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ.
وَأَمَّا مَا رَوَى شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا بُرْدٌ
حِبَرَةٌ [2] . وَرُوِيَ نَحْوُ ذَا عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، فَلَعَلَّهُ قَدِ اشْتُبِهَ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ،
لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْرِجَ فِي
حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ [3] .
وَقَالَ زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ
أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بُرُودٍ يَمَنِيَّةٍ غِلَاظٍ: إِزَارٌ
وَرِدَاءٌ وَلِفَافَةٌ [4] .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ. وَقَالَ
عَلِيٌّ:
هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ [5] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [6] .
ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ فَصَلُّوا
عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أدخل
النّساء فصلّين عليه، ثمّ
__________
[1] أخرجه مسلّم في الجنائز (941/ 46) .
[2] طبقات ابن سعد 2/ 284، وسيرة ابن هشام 4/ 262، والطبري 3/ 212.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 285.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 285.
[5] الحنوط: بفتح الحاء، وهو طيب يخلط للميت خاصّة. (لسان العرب) .
[6] طبقات ابن سعد 2/ 288.
(1/578)
أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلُّوا عَلَيْهِ
ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ، لَمْ يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ:
وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي قَالَ: لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ،
دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَنَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَفُّوا صُفُوفًا لَا يَؤُمُّهُمْ
أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا فِي الصَّفِّ
الْأَوَّلِ: اللَّهمّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ،
وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا
مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى تُعَرِّفَهُ بِنَا وَتُعَرِّفَنَا
بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا، لَا
نَبْغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا، وَلَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا
أَبَدًا، فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ آمِينَ، فَيَخْرُجُونَ
وَيَدْخُلُ آخَرُونَ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ:
الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ. مُرْسَلٌ
ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ حَسَنُ الْمَتْنِ [2] .
وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ [3] ، عَنْ أَبِيهِ،
عن سالم بن عبيد- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ- قَالَ:
قَالُوا: هَلْ نَدْفِنُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَيْنَ يُدْفَنُ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَيْثُ قَبَضَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَمْ
يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ
كَمَا قَالَ.
زَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سَلَمَةَ «نُعَيْمَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ»
[4] .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حدّثني حسين
بن عبد الله،
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 289، وابن ماجة في الجنائز (1628) باب ذكر
وفاته ودفنه صلّى الله عليه وسلّم، وابن هشام في السيرة 4/ 263.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 2/ 290 و 291، والبلاذري في أنساب
الأشراف 1/ 574.
[3] في (ع) : «شريك» وهو تصحيف.
[4] أخرج نحوه ابن ماجة في الجنائز (1628) باب ذكر وفاته ودفنه
صلّى الله عليه وسلّم، من حديث ابن عباس، وأخرجه ابن سعد في
الطبقات من عدّة طرق 2/ 292 و 293.
(1/579)
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ [1] لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو
طَلْحَةَ يَلْحَدُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ الْعَبَّاسُ
خَلْفَهُمَا رَجُلَيْنِ وَقَالَ: اللَّهمّ خِرْ لِرَسُولِكَ،
أَيُّهُمَا جَاءَ حَفَرَ لَهُ، فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَلَحَدَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ
قَبْرِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ، فَقَدْ كَانَ يُكْثِرُ
الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ. وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ،
وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ:
إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا خَبَرًا وَعِلْمًا، سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ
إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ» [3] . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
عَرَضَتْ عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رُؤْيَا- وَكَانَ مِنْ أَعْبَرِ
النَّاسِ- قَالَتْ: رَأَيْتُ: ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ وَقَعْنَ فِي
حُجْرَتِي، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ دُفِنَ فِي بَيْتِكَ
مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ، فَلَمَّا قُبِضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا
عَائِشَةُ هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ [4] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سُبْرَةَ، عَنْ
عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضوعا
__________
[1] في حاشية الأصل: «الضرح» : شقّ الأرض وسط القبر.
[2] سيرة ابن هشام 4/ 263، وطبقات ابن سعد 2/ 295.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 292، 293، وانظر سيرة ابن هشام 4/ 263،
وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 573.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 293، أنساب الأشراف 1/ 572 و 573.
(1/580)
على سريرة من حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ
يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ، وَسَرِيرُهُ
عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُقْبِرُوهُ،
نَحَّوُا السَّرِيرَ قِبَلَ رِجْلَيْهِ، فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ،
وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ، وَقُثَمُ بْنُ
الْعَبَّاسَ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَشُقْرَانُ [1] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ
الَّذِينَ نَزَلُوا الْقَبْرَ، فَذَكَرَهُمْ سِوَى الْعَبَّاسِ،
وَقَدْ كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ أَخَذَ قَطِيفَةً [2] قَدْ
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا
وَيَفْتَرِشُهَا، فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ:
وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ، فَدُفِنَتْ مَعَهُ [3]
.
وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ أُلْقِيَ فِي
قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،
حدّثني أَبُو مَرْحَبٍ قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ [4] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: لَمَّا فَرَغُوا مِنْ غُسْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْفِينِهِ،
صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ،
وَدُفنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ [5] .
__________
[1] انظر: طبقات ابن سعد 2/ 300 وبعدها، والمعارف لابن قتيبة 166،
وتاريخ الطبري 3/ 213، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 577.
[2] تاريخ الطبري 3/ 214، وأنساب الأشراف 1/ 576، والمعارف 166.
[3] في الجنائز (967) باب جعل القطيفة في القبر، وانظر: المعارف
لابن قتيبة 166، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 576، وطبقات ابن سعد
2/ 299.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 300.
[5] انظر تاريخ الطبري 3/ 217.
(1/581)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ: لَبِثَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ
إِلَى آخِرِ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَاتَ فِي
الضُّحَى يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ. وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ فِي
الضُّحَى. هَذَا قول شاذّ، وإسناده صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا
عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي [1] فِي جَوْفِ
لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ [2] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ
يَدَّعِي (أَنَّهُ أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3] قَالَ: أَخَذْتُ خَاتَمِي
فَأَلْقَيْتُهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقُلْتُ حِينَ خَرَجَ الْقَوْمُ: إِنَّ خَاتَمِي قَدْ
سَقَطَ فِي الْقَبْرِ، وَإِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْدًا لِأَمُسَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَكُونَ
آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ [4] .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» [5] أنا الْقَاسِمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ:
لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَاءَتِ التَّعْزِيَةُ، وَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ:
«إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ
كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَثِقُوا،
وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ»
.
__________
[1] جمع مسحاة: المجرفة.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 305، تاريخ الطبري 3/ 217.
[3] ما بين القوسين ليس في الأصل، ولا النسخة (ع) ولا نسخة دار
الكتب، وهو من تاريخ الطبري 3/ 214.
[4] انظر طبقات ابن سعد 2/ 302 و 303، وسيرة ابن هشام 4/ 294،
وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 577.
[5] ص 361.
(1/582)
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي
«مُسْتَدْرَكِهِ» [1] لِأَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّتْهُمُ
الْمَلَائِكَةُ يَسْمَعُونَ الْحِسّ، وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصِ،
فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ [2] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
صِفَةُ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ
قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ:
اكْشِفِي لِي عن قبر رسول الله وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ
ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةَ وَلَا لَاطِئَةَ، مَبْطُوحَةٍ
بِبَطْحَاءِ الْعَرَصَةِ الْحَمْرَاءِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
هَكَذَا [3] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ
أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْطُوحًا. هَذَا
ضَعِيفٌ [5] .
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي
لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
اتَّخَذُوا قبور أنبيائهم مساجد» .
__________
[1] ج 3/ 57.
[2] وبقيّة الحديث: «فقالت السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله
وبركاته، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وخلفا من
كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإيّاه فارجوا، فإنما المحروم من حرم
الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. (المستدرك 3/ 57،
58) .
[3] في الجنائز (3220) باب في تسوية القبر.
[4] في الجنائز 2/ 107 باب ما جاء فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بكر وعمر رضي الله عنهما.
[5] رواه البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 576 رقم (1166) .
(1/583)
قَالَتْ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ
قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَافَ أَوْ خِيفَ أَنَّهُ يُتَّخَذُ
مَسْجِدًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
بَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ نَبَّهَ
عَلَى الْخِلَافَةِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ
وَقَالُوا: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ.
قَالُوا:
اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا،
لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْكُمُ [2] الْكَفَافُ لَا عَلَيَّ
وَلَا لِي، فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتُخْلِفَ مَنْ هُوَ
خَيْرٌ مِنِّي- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ- وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ
تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
فَعَرَفْتُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
[3] . وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ
قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ
الْإِمَارَةِ شَيْئًا حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ
نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى
لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ
يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ
الدِّينُ بِجِرَانِهِ [4] ، ثُمَّ إِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا
الدُّنْيَا فَكَانَتْ أُمُورٌ يَقْضِي الله
__________
[1] في الجنائز 2/ 91 باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.
[2] في صحيح مسلّم «منها» .
[3] رواه البخاري في الأحكام 8/ 126 باب الاستخلاف، ومسلّم في
الإمارة (1823) باب الاستخلاف وتركه، وأبو داود في الخراج والإمارة
(2939) باب في الخليفة يستخلف، والترمذي في الفتن (2327) باب ما
جاء في الخلافة، وأحمد في المسند 1/ 13 و 43 و 46 و 47.
[4] يعني استقام وقرّ في قراره، كما أنّ البعير إذا برك واستراح مد
جرانه على الأرض، أي عنقه.
(لسان العرب) .
(1/584)
فِيهَا. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [1] .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [2] : ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ،
ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بكر القرشي، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ
حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا ذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ قَالَ: أَبَى
اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ عَلَيْكَ يَا أَبَا
بَكْرٍ.
وَيُرْوَى عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ. وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونَ،
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ أَلَا تَسْتَخْلِفُ
عَلَيْنَا؟ قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفَ. تَفَرَّدَ بِهِ شُعَيْبٌ،
وَلَهُ مَنَاكِيرُ [3] .
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ
فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال:
أصبح بحمد الله بارئا، فأخذ بيد الْعَبَّاسُ فَقَالَ: أَنْتَ
وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ
__________
[1] رواه أحمد في المسند 1/ 114.
[2] ج 6/ 47.
[3] هو الواسطي البزار. قال أبو حاتم: مجهول، وكذا قال العجليّ.
وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن حبّان: يروي المناكير عن المشاهير
على قلّته لا يحتجّ به إذا انفرد.
انظر عنه:
التاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 222 رقم (2577) ، والضعفاء الكبير
للعقيليّ 2/ 182، 183 رقم (703) ، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم
4/ 352 رقم (1542) ، والكامل في الضعفاء لابن عديّ 4/ 1318،
والمجروحين لابن حبّان 1/ 362، وميزان الاعتدال للذهبي 2/ 278 رقم
(3728) ، والمغني في الضعفاء له 1/ 299 رقم (2783) . وتهذيب
التهذيب لابن حجر 4/ 357 رقم (598) ، وتقريب التهذيب له 1/ 353 رقم
(85) .
والحديث رواه: العقيلي، وابن عديّ، والذهبي في الميزان، وابن حجر
في التهذيب.
(1/585)
الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْفَ
يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي أَعْرِفُ
وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَاذْهَبْ
بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، فَإِنْ كَانَ فِينَا
عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا كَلَّمْنَاهُ
فَأَوْصَى بِنَا، قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ
سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ أَبَدًا،
وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ [1] . وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو
حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي أَكَادُ أَعْرِفُ فِي وَجْهِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ، فَانْطَلِقْ
بِنَا نَسْأَلْهُ، فَإِنْ يَسْتَخْلِفْ مِنَّا فَذَاكَ، وَإِلَّا
أَوْصَى بِنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْعَبَّاسِ كَلِمَةً فِيهَا
جَفَاءٌ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ:
ابْسُطْ يَدَكَ فَلْنُبَايِعْكَ، قَالَ: فَقَبَضَ يَدَهُ، قال
الشّعبيّ: لو أنّ عليّا أَطَاعَ الْعَبَّاسَ- فِي أَحَدِ
الرَّأْيَيْنِ- كَانَ خَيْرًا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَقَالَ:
لَوْ أَنَّ الْعَبَّاسَ شَهِدَ بَدْرًا مَا فَضَلَهُ أَحَدٌ مِنَ
النَّاسِ رأيا ولا عقلا.
وقال أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، سَمِعْتُ
ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ
يُوصِ.
وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
أَبِي أَوْفَى هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَلِمَ أَمَرَ
بِالْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ
طَلْحَةُ: قَالَ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ: أَبُو بَكْرٍ
يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ عَهْدًا من
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخزم أنفه بخزام.
متّفق عليه [2] .
__________
[1] في الاستئذان 7/ 136، 137 باب المعانقة وقول الرجل: كيف أصبحت،
وأحمد في المسند 1/ 263.
[2] أخرجه ابن ماجة في الوصايا (2696) باب هَلْ أَوْصَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحمد في المسند 4/
382.
(1/586)
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَبِي حَسَّانَ إِنَّ عَلِيًّا قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ
النَّاسِ إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. الْحَدِيثُ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: يَا عَلِيُّ إِنَّ
لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ: الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ،
وَالزَّكَاةُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، فَهُوَ مَوْضُوعٌ [1] ،
تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو- وَكَانَ يَكْذِبُ [2]- عَنِ
السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ
آبَائِهِ، وَعِنْدَ الرَّافِضَةِ أَبَاطِيلُ فِي أَنَّ عَلِيًّا
عُهِدَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا بِثَلَاثٍ: أَوْصَى لِلرَّهَاوِيِّينَ
بِجَادِّ [3] مِائَةِ وَسْقٍ، وَلِلدَّارِيِّينَ بِجَادِّ مِائَةِ
وَسْقٍ، وَلِلشَّيْبِيِّينَ بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ، وللأشعريّين
بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بعث
__________
[1] (فهو موضوع) هو نصّ المنتقى لابن الملّا. وفي الأصل (موضوعا) ،
وفي (ع) (موضوع) .
[2] هو أبو إسماعيل النصيبي. قال عنه الجوزجاني: كان يكذب، وقال
البخاري. منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن
حبّان: كان يضع الحديث وضعا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ
بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو زرعة: واهي الحديث، وقال أبو حاتم: منكر
الحديث ضعيف الحديث جدا، وقال الحاكم: يروي عن جماعة من الثقات
أحاديث موضوعة وهو ساقط بمرّة، وقال ابن الجارود: منكر الحديث شبه
لا شيء لا يدري ما الحديث، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس حديثه
بالقائم، وقال أبو سعيد النقاش: يروي الموضوعات عن الثقات.
انظر عنه:
التاريخ الكبير للبخاريّ 3/ 28 رقم 117، والتاريخ الصغير له 216،
والضعفاء الصغير له 257 رقم 85، والضعفاء والمتروكين للنسائي 288
رقم 136، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 179 رقم 321، والضعفاء الكبير
للعقيليّ 1/ 308 رقم 376، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 144
رقم 634، والضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ 77 رقم 164، والمجروحين
لابن حبّان 1/ 252، والكامل في الضعفاء لابن عديّ 2/ 657، وتاريخ
بغداد للخطيب 8/ 153 رقم 4055، والمغني في الضعفاء للذهبي 1/ 189
رقم 1720، وميزان الاعتدال له 1/ 598 رقم 2262، والكشف الحثيث
لبرهان الدين الحلبي 158 رقم 257، ولسان الميزان لابن حجر 2/ 350،
351 رقم 1420.
[3] الجادّ: بمعنى المجدود، أي نخل يقطع منه ما يبلغ مائة وسق.
(النهاية لابن الأثير) .
(1/587)
أُسَامَةَ، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُتْرَكَ
بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ. مُرْسَلٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ
ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا لِي: إِنْ
كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا مَضَى صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ
ثَلَاثٍ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَقْبَلَا مَعِي، حَتَّى إِذَا
كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ
الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ
وَالنَّاسُ صَالِحُونَ، فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا
قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَنَعُودُ،
وَرَجَعَا إلى اليمن، وذكر الحديث. أخرجه البخاريّ [1] .
__________
[1] في المغازي 5/ 113 باب ذهاب جرير إلى اليمن، وأحمد في المسند
4/ 363.
(1/588)
بَابُ تَرِكَةِ رَسُولِ اللَّهِ [1] صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ
الْخُزَاعِيِّ أَخِي جُوَيْرِيَةَ [2] قَالَ:
وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا
عَبْدًا ولا أمة ولا شيئا إلّا بلغته الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ
وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا
بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ.
(مُسْلِمٌ) [4] .
وَقَالَ مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قالت عائشة: تسألوني
عن
__________
[1] العنوان في نسخة دار الكتب هو: «باب في ميراثه وزوجاته» .
[2] في المنتقى لابن الملّا «أم المؤمنين جويرية» .
[3] في كتاب الوصايا 3/ 186 باب الوصايا، وفي الجهاد والسير 3/ 220
باب بغلة النبي صلّى الله عليه وسلّم البيضاء، و 3/ 229 باب من لم
ير كسر السلاح عند الموت، وفي المغازي 5/ 144 بَابُ مَرَضِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، والنسائي في
الأحباس 6/ 229 باب الإحباس، وأحمد في المسند 4/ 176، وابن سعد في
الطبقات 2/ 316.
[4] أخرجه في الوصايا (1635) باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي
فيه، وأبو داود في الوصايا (2863) باب ما جاء في ما يؤمر به من
الوصيّة، والنسائي 6/ 240 في الوصايا باب هل أوصى النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم؟، وابن ماجة في الوصايا (2695) باب هل أوصى رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم؟، وأحمد في المسند 6/ 44.
(1/589)
مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا
وَلِيدَةً [1] .
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي
إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى ضَجِرْتُ،
فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ، وَلَيْتَنِي لَمْ أَكِلْهُ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ [2] .
وَقَالَ الْأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ
بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَأَمَّا الْبُرْدُ الَّذِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ آلِ الْعَبَّاسِ،
فَقَدْ قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [4] فِي
قِصَّةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَهْلَ أَيْلَةَ بُرْدَهُ مَعَ
كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ أَمَانًا لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ
أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ- يَعْنِي
السَّفَّاحَ- بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ
حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَلَهُ
بُرْدَانِ فِي الْحَفِّ يَعْمَلَانِ. هَذَانِ مُرْسَلَانِ، والحفّ
[5] هِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَلُفُّ عَلَيْهَا الْحَائِكُ
وَتُسَمَّى المطواة.
__________
[1] رواه أحمد في المسند 1/ 200، 201 والوليدة: الأمة، أو الجارية،
كما في النهاية. وانظر طبقات ابن سعد 2/ 316، 317.
[2] أخرجه البخاري في الرقاق 7/ 79 باب فضل الفقر، ومسلّم في الزهد
(2973) ، وابن ماجة في الأطعمة (3345) باب خبز الشعير، وأحمد في
المسند 6/ 108.
[3] في الجهاد 3/ 231 باب ما قيل في درع النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم والقميص في الحرب، وفي المغازي 5/ 145 وفاة النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم، والترمذي في البيوع (1232) باب ما جاء في الرخصة في
الشراء إلى أجل، والنسائي في البيوع 7/ 303 باب مبايعة أهل الكتاب،
وابن ماجة في الرهون (2436) أول الباب، وأحمد في المسند 1/ 236 و
300 و 301 و 361 و 3/ 102 و 133 و 208 و 238 و 6/ 453 و 457، وابن
سعد في الطبقات 2/ 317.
[4] انظر سيرة ابن هشام 4/ 178.
[5] الحفّ: المنسج.
(1/590)
وَقَالَ زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ جُبَّةُ صُوفٍ
فِي الْحِيَاكَةِ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ
مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَاطِمَةُ
حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ
خُمْسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا
الْمَالِ- يَعْنِي مَالَ اللَّهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا
عَلَى الْمَأْكَلِ» ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ صَدَقَاتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأعلمنّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرٍ
أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ
فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: دَخَلْتُ
عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا
يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا
الْمُلَبَّدَةَ، فَأَقْسَمَتْ باللَّه لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ
الثَّوْبَيْنِ. مُتَّفَقٌ عليه [2] .
__________
[1] في الفرائض 8/ 3 باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا نورث
ما تركنا صدقة، وفي الوصايا 3/ 197 باب نفقة القيّم للوقف، وفي
فضائل الصحابة 4/ 209، 210 باب مناقب قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنقبة فاطمة عليها السلام..،
وفي المغازي 5/ 23 باب حديث بني النضير، ومسلّم في الجهاد والسير
(1758) باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا نورث ما تركنا فهو
صدقة، و (1759) و (1761) ، وأبو داود في الخراج والإمارة (2975)
باب في صفايا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ الأموال، والترمذي في السير 3/ 81 (1658) باب ما جاء في تركة
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والنسائي في الفيء 7/ 132 في كتاب
قسم الفيء، ومالك في الموطأ 702 رقم (1823) باب ما جاء في تركة
النبيّ، وأحمد في المسند 1/ 4 و 6 و 9 و 10 و 25 و 47 و 48 و 49 و
60 و 164 و 179 و 191 و 6/ 145 و 262، وابن جميع الصيداوي
(بتحقيقنا) - ص 374 رقم 365، وابن سعد في الطبقات 2/ 315.
[2] رواه مسلّم في اللباس (2080) باب التواضع في اللباس..، وأبو
داود في اللباس (4036) باب لباس الغليظ، وابن ماجة في اللباس
(3551) باب لباس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند
6/ 131.
(1/591)
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ
بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّهُمْ حين قدموا المدينة مقتل الحسين لقبه
الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ
حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟
قُلْتُ: لَا، قال: هل أنت معطيّ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ
الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَا
يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَبْلُغَ نَفْسِي. اتَّفَقَا
عَلَيْهِ [1] . وَقَالَ عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا
أَنَسُ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ [2] لَهُمَا قِبَالَانِ،
فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ [3] .
عَدَدُ أَزْوَاجِهِ [4] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ
خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً [5] ، وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ
مِنْهُنَّ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ، وقبض
عن تسع [6] .
__________
[1] رواه البخاري في الخمس، الباب الخامس، ومسلّم في فضائل الصحابة
(2449/ 95) باب فضائل فاطمة بنت النبيّ عليها الصلاة والسلام، وأبو
داود في النكاح (2069) باب ما يكره أن يجمع بينهنّ من النساء،
وأحمد في المسند 4/ 326.
[2] أي لا شعر عليهما. (النهاية لابن الأثير) .
[3] في الخمس، الباب الخامس.
[4] العنوان عن المنتقى لابن الملا.
[5] انظر عن أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسمائهنّ: تسمية
أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي عبيدة معمر بن المثنّى- ص
44 وما بعدها، وطبقات ابن سعد 8/ 52 وما بعدها، وتاريخ الطبري 3/
160 وما بعدها، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 396 وما بعدها، ونهاية
الأرب للنويري 18/ 170 وما بعدها، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 2/
300 وما بعدها، وسيرة ابن هشام 4/ 254، وتهذيب الكمال للمزّى 1/
203، والاستيعاب لابن عبد البرّ 1/ 44 وما بعدها، وصفة الصفوة لابن
الجوزي 1/ 77، والسبط الثمين للمحبّ الطبري 139 وما بعدها، وتهذيب
تاريخ دمشق لابن عساكر 1/ 293، وذيل المذيل للطبري 600 وما بعدها.
[6] تسمية أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي عبيدة بن
المثنّى- ص 77، والمحبّر لابن حبيب 98.
(1/592)
فَأَمَّا اللَّتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ
فَأَفْسَدَتْهُمَا النِّسَاءُ فَطَلَّقَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ
النِّسَاءَ قُلْنَ لِإِحْدَاهُمَا: إِذَا دَنَا مِنْكِ
فَتَمَنَّعِي، فَتَمَنَّعَتْ، فَطَلَّقَهَا، وَأَمَّا الْأُخْرَى
فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَتْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا
مَا مَاتَ ابْنُهُ، فَطَلَّقَهَا [1] .
وَخَمْسٌ مِنْهُنَّ مِنْ قُرَيْشٍ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ
حَبِيبَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ [2] .
وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ
بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ
الْأَسَدِيَّةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ
الْخَيْبَرِيَّةُ [3] . قُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
رَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تزوج
قُتَيْلَةَ أُخْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ
يُخْبِرَهَا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ [4] .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ
عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ تَزَوَّجَ قُتَيْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ،
فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ [5] ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَارْتَدَّتْ مَعَ
أَخِيهَا فَبَرِئَتْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ
حَتَّى كَفَّ عَنْهُ [6] .
وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَرَوَى عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ [7]
عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أنّ
__________
[1] انظر: تسمية أزواج النبي لأبي عبيدة 70، وطبقات ابن سعد 2/ 141
وما بعدها.
[2] رواية سعيد عن قتادة في تسمية أزواج النبيّ لأبي عبيدة 77.
[3] وهي من بني إسرائيل. انظر تسمية أزواج النبيّ 77.
[4] طبقات ابن سعد 8/ 147، 148، تسمية أزواج النبيّ لأبي عبيد 72،
73.
[5] في تسمية أزواج النبيّ لأبي عبيد أن أبا بكر رضي الله عنه همّ
أن يحرّق عليهما.
[6] تسمية أزواج النبيّ 72، 73، طبقات ابن سعد 8/ 148.
[7] في (ع) «عن أبي الزناد» وهو وهم.
(1/593)
الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ
إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ: هَلْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الْأَشْعَثِ؟ فَقَالَ: مَا
تَزَوَّجَهَا قَطُّ، وَلَا تَزَوَّجَ كِنْدِيَّةً إِلَّا أُخْتَ
بَنِي الْجَوْنِ، فَلَمَّا أَتَى بِهَا وَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ
نَظَرَ إِلَيْهَا فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا [1] .
وَيُقَالُ إِنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ: فَحَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هِيَ
فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ، اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا،
فَكَانَتْ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَتَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ.
تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتِّينَ
[2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءَ بِنْتَ كَعْبٍ
الْجَوْنِيَّةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا [3] .
وَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ بِنْتَ يَزِيدَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ
الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
كَذَا قَالَ، وَهَذَا شَيْءٌ مُنْكَرٌ. فَإِنَّ الْفَضْلَ يَصْغُرُ
عَنْ ذَلِكَ.
وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ
الْجَوْنِيَّةَ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا دَعَاهَا، فَقَالَتْ:
تَعَالَ أَنْتَ، فَطَلَّقَهَا [4] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبْزَى قَالَ: اسْتَعَاذَتِ الْجَوْنِيَّةُ مِنْهُ، وَقِيلَ
لَهَا: «هُوَ أَحْظَى لَكِ عِنْدَهُ» وَإِنَّمَا خُدِعَتْ لِمَا
رُوِيَ مِنْ جَمَالِهَا وَهَيْئَتِهَا، وَلَقَدْ ذُكِرَ له
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 148.
[2] طبقات ابن سعد 8/ 141، وفي اسمها خلاف، انظر: تسمية أزواج
النبيّ 70، وذيل المذيّل للطبري 611 و 612.
[3] ذيل المذيّل 614، الاستيعاب 4/ 1875، 1876، تسمية أزواج النبيّ
70، طبقات ابن سعد 8/ 145.
[4] تسمية أزواج النبيّ 70، طبقات ابن سعد 8/ 145، ذيل المذيّل
614، السمط الثمين 126.
(1/594)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ
حَمَلَهَا عَلَى ما قالت له، فقال: «إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ»
. وَذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ [1] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اسْتَعَاذَتْ
أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ
بْنُ قَيْسٍ: لَا يَسُوءُكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ الله، أَلَا
أُزَوِّجُكَ مَنْ لَيْسَ [2] دُونَهَا فِي الْجَمَالِ وَالْحَسَبِ؟
فَقَالَ: «مَنْ» ؟ قَالَ: أُخْتِي قُتَيْلَةُ، قَالَ: «قَدْ
تَزَوَّجْتُهَا» ، فَانْصَرَفَ الْأَشْعَثُ إِلَى حَضْرَمَوْتَ
ثُمَّ حَمَلَهَا، فَبَلَغَهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهَا وَارْتَدَّتْ مَعَهُ [3] .
وَيُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ سَنَاءَ بِنْتَ
الصَّلْتِ السَّلَمِيَّةَ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا
[4] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ لَا يَصِحُّ قَالَ: كَانَ فِي
نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَاءُ [5]
بِنْتُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّةُ.
وَبَعَثَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ يَخْطُبُ عَلَيْهِ
امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، يُقَالُ لَهَا عَمْرَةُ بِنْتُ
يَزِيدَ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا بَيَاضًا
فَطَلَّقَهَا [6] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ
مُلَيْكَةَ بِنْتَ كَعْبٍ، وَكَانَتْ تُذْكَرُ بِجَمَالٍ بَارِعٍ،
فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا عَائِشَةُ فَقَالَتْ: أما تستحين أن
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 144، 145.
[2] في نسخة دار الكتب «ليست» ، والمثبت عن الأصل، وطبقات ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 8/ 147.
[4] طبقات ابن سعد 8/ 149، وتسمية أزواج النبي 73، 74، أسد الغابة
5/ 482، الإصابة 4/ 328، المحبّر 93.
[5] وقيل «سبا» طبقات ابن سعد 8/ 149.
[6] تسمية أزواج النبيّ 69، طبقات ابن سعد 8/ 141، المحبّر 96، أسد
الغابة 5/ 564، عيون الأثر 2/ 311، الإصابة 4/ 411.
(1/595)
تَنْكِحِي قَاتِلَ أَبِيكِ، فَاسْتَعَاذَتْ
مِنْهُ، فَطَلَّقَهَا، فَجَاءَ قَوْمُهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّهَا صَغِيرَةٌ، وَلَا رَأْيَ لَهَا، وَإِنَّهَا
خُدِعَتْ فَارْتَجِعْهَا، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاسْتَأْذَنُوهُ
أَنْ يُزَوِّجُوهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ. وَأَبُوهَا قَتَلَهُ خَالِدٌ
يَوْمَ الْفَتْحِ [1] . وَهَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ كَالَّذِي
قَبْلَهُ [2] . وَأَوْهَى مِنْهُمَا مَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُنْدَعِيِّ [3] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَطَاءٍ الْجُنْدَعِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَيْكَةَ بِنْتَ كَعْبٍ اللَّيْثِيِّ
فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَدَخَلَ بِهَا، فَمَاتَتْ
عِنْدَهُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ
[4] .
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي
كِلَابٍ، ثُمَّ فَارَقَهَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ:
هِيَ الْعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ فِيمَا بَلَغَنِي.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ. تَزَوَّجَ بِالْعَالِيَةِ
بِنْتِ ظَبْيَانَ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ دَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا،
حَدَّثَنِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ [5] .
رَوَى الْمُفَضَّلُ الْغَلابِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْلَةَ بِنْتَ هُذَيْلٍ
الثَّعْلَبِيَّةَ [6] ، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ،
فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَنَكَحَ خَالَتَهَا شَرَافَ بِنْتَ
فَضَالَةَ، فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ أَيْضًا [7] .
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 8/ 148 وفيه «قتله خالد بن الوليد
بالخندمة» .
[2] قال ابن سعد: «قال محمد بن عمر: ممّا يضعف هذا الحديث ذكر
عائشة أنّها قالت لها: ألا تستحين. وعائشة لم تكن مع رسول الله في
ذلك السفر» .
[3] الجندعيّ: بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر
العين المهملة. نسبة إلى جندع، وهو بطن من ليث بن بكر بن عبد مناة
بن كنانة. (اللباب 1/ 295) .
[4] طبقات ابن سعد 8/ 148، 149 وفيه زيادة: «ويقولون: لم يتزوّج
كنانيّة قطّ» .
[5] طبقات ابن سعد 8/ 143.
[6] في نسخة دار الكتب «التغلبية» وهو تصحيف، والمثبت عن الأصل،
وطبقات ابن سعد، ونهاية الأرب.
[7] طبقات ابن سعد 8/ 160، 161، نهاية الأرب للنويري 18/ 198.
(1/596)
وَيُرْوَى عَنْ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَدَخَلَ بِهَا،
فَرَأَى بِهَا بَيَاضًا مِنْ بَرَصٍ، فَقَالَ: الْحَقِي
بِأَهْلِكِ، وَأَكْمَلَ لَهَا صَدَاقَهَا [1] .
هَذَا وَنَحْوُهُ إِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ لِلتَّعَجُّبِ لَا
لِلتَّقْرِيرِ [2] .
(وَمِنْ سَرَارِيِّهِ) : مَارِيَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَتْ رَيْحَانَةُ [4] أَمَةً لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا
وَتَزَوَّجَهَا [5] ، فَكَانَتْ تَحْتَجِبُ فِي أَهْلِهَا،
وَتَقُولُ: لَا يَرَانِي أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا
أَثْبَتُ عِنْدَنَا وَكَانَ زَوْجَ رَيْحَانَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَكَمُ. وَهِيَ مِنْ بَنِي
النَّضِيرِ [6] ، فَحَدَّثَهَا عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: أَعْتَقَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْحَانَةَ بِنْتَ
زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَنَافَةَ، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ،
قَالَتْ:
فَتَزَوَّجَنِي وَأَصْدَقَنِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً
وَنَشًّا [7] وَأَعْرَسَ بي وقسم لي. وكان
__________
[1] نهاية الأرب 18/ 198.
[2] قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 34: «وأمّا اللواتي اختلف
فيهنّ ممّن ابتنى بها وفارقها، أو عقد عليها ولم يدخل بها، أو
خطبها ولم يتمّ له العقد معها، فقد اختلف فيهنّ وفي أسباب فراقهنّ
اختلافا كثيرا، يوجب التوقّف عن القطع بالصحّة في واحدة منهنّ» .
[3] قال أبو عبيدة: كان المقوقس صاحب الإسكندرية بمصر قد بعث بِهَا
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فولدت له
إبراهيم، فأوصى بالقبط خيرا، وقال: لو بقي إبراهيم ما سبيت قبطيّة»
. (تسمية أزواج النبيّ- ص 75) ، وقال ابن سعد في الطبقات 8/ 216:
«كان أبو بكر ينفق على مارية حتى توفّي، ثم كان عمر ينفق عليها حتى
توفّيت في خلافته» ، وتوفّيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله في
المحرّم سنة ستّ عشرة من الهجرة، فرئي عمر بن الخطاب يحشر الناس
لشهودها وصلّى عليها، وقبرها بالبقيع» . وانظر: نهاية الأرب
للنويري 18/ 207.
[4] انظر طبقات ابن سعد 8/ 130: «ريحانة بنت زيد بن عمرو بن حناقة
قرظيّة» . ويقال «ربيحة» . (تسميه أزواج النبيّ لأبي عبيدة 75) .
[5] في طبقات ابن سعد: «ثم طلّقها» .
[6] طبقات ابن سعد 2/ 129.
[7] النّشّ: نصف الأوقيّة، وهو عشرون درهما. (السمط الثمين) .
(1/597)
مُعْجَبًا بِهَا، تُوُفِّيَتْ مَرْجِعَهُ
مِنْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ تَزْوِيجُهُ بِهَا فِي
الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ [1] .
وَأَخْبَرَنِي [2] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ
الْهَادِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ
رَيْحَانَةُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا
وَمَاتَتْ عِنْدَهُ [3] .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أنا يُونُسُ، عن ابن شهاب أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسَرَّ رَيْحَانَةَ
ثُمَّ أَعْتَقَهَا، فَلَحِقَتْ بِأَهْلِهَا. قُلْتُ: هَذَا
أَشْبَهُ وَأَصَحُّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: [4] كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ وَلَائِدَ، مَارِيَةُ، وَرَيْحَانَةُ
مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَجَمِيلَةُ فَكَادَهَا نِسَاؤُهُ،
وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ وَهَبَتْهَا لَهُ زَيْنَبُ
بِنْتُ جَحْشٍ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ
تُرْجِي من تَشاءُ مِنْهُنَّ 33: 51 [5] قَالَ: كَانَ نِسَاءٌ
وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بِبَعْضِهِنَّ وَأَرْجَى بَعْضَهُنَّ، فَلَمْ
يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ، مِنْهُنَّ أُمُّ شَرِيكٍ، يَعْنِي
الدَّوْسِيَّةَ [6] .
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ كَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت امرأة صالحة
[7] .
__________
[1] الطبقات لابن سعد 8/ 129، 130.
[2] القائل هو الواقديّ.
[3] الطبقات لابن سعد 8/ 129.
[4] لم يرد قوله المذكور هنا في كتابه المطبوع (تسمية أزواج
النبيّ) ، والموجود قوله: «كانت له صلّى الله عليه وسلّم وليدتان:
إحداهما مارية القبطية.. وكانت له ريحانة بنت زيد بن شمعون..» - ص
75.
[5] سورة الأحزاب- الآية 51.
[6] طبقات ابن سعد 8/ 154 و 155، نهاية الأرب للنويري 18/ 201،
وأخرج ابن ماجة بعضه في النكاح (2000) باب التي وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[7] انظر: طبقات ابن سعد 8/ 156.
(1/598)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَتْ
لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، قَالَ: قَدْ
فَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا فَقَالَتْ: قَدْ
تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالُوا: أَنْتِ امْرَأَةٌ غَيْرَى تَغَارِينَ مِنْ نِسَائِهِ
فَيَدْعُو عَلَيْكِ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَقِلْنِي، قَالَ:
«قَدْ أَقَلْتُكِ» [1] . وَقَدْ خَطَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، وَضُبَاعَةَ بِنْتَ
عَامِرٍ، وَصَفِيَّةَ بِنْتَ بَشَامَةَ [2] وَلَمْ يُقْضَ لَهُ
أَنْ يَتَزَوَّجَ بهنّ. والله سبحانه وتعالى أعلم [3] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 150، 151.
[2] في الأصل «بسامة» ، والتصويب من المحبّر لابن حبيب- ص 96، وأسد
الغابة لابن الأثير 5/ 490، ونهاية الأرب للنويري 18/ 205.
[3] في حاشية الأصل: (بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد الثاني
عشر على مؤلفه فسح الله في مدّته، وسمع الجميع فتاه طيدمر بن عبد
الله الرّوميّ، فلله الحمد والمنّة) .
(1/599)
آخر التّرجمة النّبويّة
حققها وضبط نصّها وخرّج أحاديثها طالب العلم، الفقير إليه تعالى،
عبده «عمر بن عبد السلام التدمريّ الطرابلسيّ» ، الأستاذ الدكتور،
وانتهى من ذلك في يوم السبت العاشر من ذي القعدة سنة 1405 هـ-.
الموافق للسابع والعشرين من تموز 1985، بمنزله بساحة النجمة
بطرابلس الشام، والحمد للَّه ربّ العالمين.
(1/600)
|